مدونة استكمال مصنفات الإمامين ابن حزم والوكاني

الاثنين، 21 مارس 2022

المحلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب الأضاحي يبدأ من {{مسألة رقم 973. حتي 989.}} يليه كتاب الاطعمة أتيا بمشيئة الله في الصفحة التالية

المحلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب الأضاحي ألأضاحي


كتاب الأضاحي (مسألة 973 - 974) | كتاب الأضاحي (مسألة 975 - 976) | كتاب الأضاحي (مسألة 977 - 982) | كتاب الأضاحي (مسألة 983 - 989)


فهارس كتاب الأضاحي المفصلة


973 - مسألة: الأضحية سنة حسنة, وليست فرضا، ومن تركها غير راغب عنها فلا حرج عليه في ذلك
974 - مسألة: ما يشترط في الأضحية
975 - مسألة: ولا تجزي في الأضاحي جذعة، ولا جذع
976- مسألة: من أراد أن يضحي فلا يمس من شعره .. إلخ
977 - مسألة: والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع
978- مسألة: وقت الأضحية وأنه بعد صلاة العيد
979 - مسألة: الأضحية مستحبة للحاج بمكة وللمسافر
980- مسألة: التخيير في التضحية إلا لمن نذر ذلك فيلزمه
981 - مسألة: لا تكون الأضحية أضحية إلا بذبحها
982 - مسألة: النحر ثلاثة أيام أفضلها أولها
983 - مسألة: يستحب للمضحي رجلا كان أو امرأة أن يذبح أضحيته أو ينحرها بيده.. إلخ
984 - مسألة: جواز أن يشترك في الأضحية الواحدة أي شيء كانت الجماعة من أهل البيت وغيرهم
985- مسألة: مشروعية الأكل والادخار من الأضحية
986 - مسألة: لا يحل للمضحي أن يبيع من أضحيته
987 - مسألة: حكم من وجد بالأضحية عيبا بعد أن ضحى بها
988 - مسألة: حكم ما إذا اشترط في الأضحية السلامة .. إلخ
989 - مسألة: حكم من أخطأ فذبح أضحية غيره بغير أمره .. إلخ
===

قلت المدون هذا أول كتاب الأضاحي

وقلت بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الأضاحي

973 - مسألة: الأضحية سنة حسنة, وليست فرضا، ومن تركها غير راغب عنها فلا حرج عليه في ذلك. ومن ضحى عن امرأته، أو ولده، أو أمته فحسن، ومن لا فلا حرج في ذلك. ومن أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي، لا بحلق، ولا بقص، ولا بنورة، ولا بغير ذلك، ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك.

روينا من طريق أبي داود نا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري نا أبي نا محمد بن عمرو نا عمر بن مسلم سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت أم سلمة أم المؤمنين تقول: قال رسول الله ﷺ: من كان له ذبح يذبحه فأهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره، ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي.

ومن طريق أحمد بن شعيب أنا سليمان بن سلم البلخي ثقة أنا النضر بن شميل أنا شعبة عن مالك بن أنس، عن ابن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي ﷺ قال: من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يأخذن من شعره، ولا من أظفاره حتى يضحي. فقوله عليه السلام: " فأراد أن يضحي برهان بأن الأضحية مردودة إلى إرادة المسلم، وما كان هكذا فليس فرضا.

وقال أبو حنيفة: الأضحية فرض، وعلى المرء أن يضحي عن زوجته فجمع وجوها من الخطأ، أولها: إيجابها عليه، ثم إيجابها على امرأته ; وإذ هي فرض فهي كالزكاة، وما يلزم أحد أن يزكي عن امرأته، ولا أن يهدي عنها هدي متعة، ولا جزاء صيد، ولا فدية حلق الرأس من الأذى. ثم خلاف أمر النبي ﷺ من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره، ولا من ظفره شيئا كما ذكرنا.

فإن قيل: كيف لا تكون فرضا وأنتم ترون فرضا على من أراد أن يضحي: أن لا يمس من شعره، ولا من ظفره إذا أهل هلال ذي الحجة حتى يضحي قلنا: نعم، لأنه ﷺ أمر بذلك من أراد أن يضحي، ولم يأمرنا بالأضحية، فلم نتعد ما حد، وكل سنة ليست فرضا، فإن لها حدودا مفروضة لا تكون إلا بها كمن أراد أن يتطوع بصلاة ففرض عليه ألا يصليها إلا بوضوء، وإلى القبلة، إلا أن يكون راكبا، وأن يقرأ فيها ويركع، ويسجد، ويجلس، ولا بد، وكمن أراد أن يصوم ففرض عليه أن يجتنب ما يجتنبه الصائم وإلا فليس صوما. وهكذا كل تطوع في الديانة، والأضحية كذلك إن أداها كما أمر وإلا فهي شاة لحم وليست أضحية.

فإن قيل: فقد جاء ما حق امرئ له شيء يريد أن يوصي فيه إلى آخر الحديث، ولم يكن هذا اللفظ منه عليه السلام دليلا عندكم على أن الوصية ليست فرضا، بل هي عندكم فرض قلنا: نعم، لأنه قد جاء نص آخر بإيجاب الوصية في القرآن والسنة قال تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} الآية فأخذنا بهذا ولم يأت نص بإيجاب الأضحية، ولو جاء لاخذنا به. واحتجوا بأشياء منها خبر من طريق أحمد بن زهير بن حرب عن يحيى بن أيوب عن معاذ بن معاذ، عن ابن عون عن أبي رملة عن مخنف بن سليم أن رسول الله ﷺ قال بعرفة: إن على كل أهل بيت في كل عام أضحى وعتيرة، أتدرون ما العتيرة هي التي يسميها الناس الرجبية.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عبد الكريم عن حبيب بن مخنف عن أبيه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول بعرفة على كل أهل بيت أن يذبحوا في كل رجب شاة وفي كل أضحى شاة.

ومن طريق محمد بن جرير الطبري نا ابن سنان القزاز نا أبو عاصم عن يحيى بن زرارة بن كريم بن الحارث حدثني أبي عن جده أنه سمع رسول الله ﷺ يقول في حجة الوداع من شاء فرع، ومن شاء لم يفرع ومن شاء عتر، ومن شاء لم يعتر، وفي الغنم أضحيتها.

ومن طريق الطبري أيضا: حدثني أبو عاصم مروان بن محمد الأنصاري نا يحيى بن سعيد القطان حدثني محمد بن أبي يحيى حدثتني أمي عن أم بلال الأسلمية قالت: قال رسول الله ﷺ: ضحوا بالجذع من الضأن.

ومن طريق وكيع عن إسرائيل عن جابر الجعفي عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: أمرت بالأضحى ولم تكتب.

ومن طريق ابن لهيعة، عن ابن أنعم عن عتبة بن حميد الضبي عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن معاذ بن جبل قال: كان رسول الله ﷺ يأمر أن نضحي ويأمر أن نطعم منها الجار والسائل.

ومن طريق وكيع نا الربيع عن الحسن أن رسول الله ﷺ أمر بالأضحى.

ومن طريق ابن أخي ابن وهب عن عمه عن عبد الله بن عياش بن عباس القتباني عن عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري، عن ابن المسيب عن أبي هريرة " أن رسول الله ﷺ قال: من وجد سعة فليضح.

ومن طريق محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أبو يحيى بن أبي مسرة نا عبد الله بن يزيد المقري نا عبد الله بن عياش بن عباس القتباني حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من وجد سعة فلم يضح فلا يقرب مصلانا وكل هذا ليس بشيء. أما حديث مخنف فعن أبي رملة الغامدي، وحبيب بن مخنف وكلاهما مجهول لا يدرى.

وأما حديث الحارث فهو عن يحيى بن زرارة عن أبيه وكلاهما مجهول لا يدرى.

وأما حديث أم بلال ففيه أم محمد بن أبي يحيى هي مجهولة.

وأما حديث ابن عياش ففيه جابر الجعفي وهو كذاب.

وأما حديث معاذ ففيه ابن لهيعة، وابن أنعم وكلاهما في غاية السقوط.

وأما حديث الحسن فمرسل.

وأما حديث أبي هريرة فكلا طريقيه من رواية عبد الله بن عياش بن عباس القتباني فليس معروفا بالثقة فسقط كل ما موهوا به في ذلك. وذكروا قول الله تعالى: {فصل لربك وانحر} فقالوا: هو الأضحية.

قال أبو محمد:

وهذا قول على الله تعالى بغير علم، وقال تعالى: {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}. وقد روينا عن علي، وابن عباس، وغيرهما: أنه وضع اليد عند النحر في الصلاة، ولعله نحر البدن فيما وجبت فيه.

كما روينا عن مجاهد، وإسماعيل بن أبي خالد وما نعلم أحدا قبلهم قال: إنها الأضاحي. وذكروا أيضا قوله تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكا} وهذا لا دليل فيه على الفرض، وإنما فيه أن النسك لنا فهو فضل لا فرض. وذكروا الخبر الصحيح من قول رسول الله ﷺ: ومن ذبح قبل الصلاة فليعد ذبحا، ومن لم يذبح فليذبح على اسم الله.

قال علي: أما أمره عليه السلام بإعادة الذبح من ذبح قبل الصلاة ففرض عليه لأنه أمر منه عليه السلام، ولا نكرة في وجود أمر في الدين ليس فرضا ويكون العوض منه فرضا فهم موافقون لنا فيمن تطوع بيوم ليس فرضا فأفطر عمدا أن قضاءه عليه فرض. ويقولون فيمن حج تطوعا فأفسده: أن قضاءه فرض، وإنما يراعي أمر الله تعالى وأمر رسوله ﷺ فما وجد فيه فهو فرض، وما لم يوجد فيه فليس فرضا.

وأما قوله عليه السلام: ومن لم يذبح فليذبح على اسم الله فالدليل على أنه ليس أمر فرض صحة الإجماع على أن من ضحى ببعير فنحره فليس عليه فرضا أن يذبح فصح أنه أمر ندب وبالله تعالى التوفيق. وممن روينا عنه إيجاب الأضحية: مجاهد، ومكحول. وعن الشعبي: لم يكونوا يرخصون في ترك الأضحية إلا لحاج، أو مسافر.

وروي عن أبي هريرة، ولا يصح.

وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لقد رأيت أبا بكر، وعمر وما يضحيان كراهية أن يقتدى بهما.

ومن طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري، أنه قال: لقد هممت أن أدع الأضحية وإني لمن أيسركم مخافة أن يحسب الناس أنها حتم واجب.

ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص أنا عمران بن مسلم هو الجعفي عن سويد بن غفلة قال: قال لي بلال: ما كنت أبالي لو ضحيت بديك، ولان آخذ ثمن الأضحية فأتصدق به على مسكين مقتر فهو أحب إلي من أن أضحي.

ومن طريق حماد بن سلمة عن عقيل بن طلحة عن زياد بن عبد الرحمن، عن ابن عمر قال: الأضحية سنة.

ومن طريق شعبة عن تميم بن حويص الأزدي قال: ضلت أضحيتي قبل أن أذبحها فسألت ابن عباس فقال: لا يضرك هذا كله صحيح:

ومن طريق وكيع نا أبو معشر المديني عن عبد الله بن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس أنه أعطى مولى له درهمين وقال: اشتر بهما لحما ومن لقيك فقل: هذه أضحية ابن عباس.

قال أبو محمد: لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة. وصح أن الأضحية ليست واجبة عن سعيد بن المسيب والشعبي و، أنه قال: لان أتصدق بثلاثة دراهم أحب إلي من أن أضحي. وعن سعيد بن جبير، وعن عطاء، وعن الحسن، وعن طاووس، وعن أبي الشعثاء جابر بن زيد وروي أيضا عن علقمة، ومحمد بن علي بن الحسين.

وهو قول سفيان، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي سليمان وهذا مما خالف فيه الحنفيون جمهور العلماء.

974 - مسألة: ولا تجزي في الأضحية العرجاء البين عرجها، بلغت المنسك أو لم تبلغ، مشت أو لم تمش. ولا المريضة البين مرضها والجرب مرض فإن كان كل ما ذكرنا لا يبين أجزأ. ولا تجزي العجفاء التي لا تنقي، ولا تجزي التي في أذنها شيء من النقص أو القطع، أو الثقب النافذ، ولا التي في عينها شيء من العيب، أو في عينيها كذلك، ولا البتراء في ذنبها. ثم كل عيب سوى ما ذكرنا فإنها تجزي به الأضحية كالخصي، وكسر القرن دمي، أو لم يدم والهتماء والمقطوعة الألية، وغير ذلك لا تحاش شيئا غير ما ذكرنا.

روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وغيرهما من أصحاب شعبة كلهم: نا شعبة سمعت سليمان بن عبد الرحمن قال: سمعت عبيد بن فيروز أن البراء بن عازب قال له رسول الله ﷺ: أربع لا تجزي في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير التي لا تنقي. قال البراء: فما كرهت منه فدعه، ولا تحرمه على أحد.

قال علي: التي لا تنقي هي التي لا شيء من الشحم لها، فإن كان لها منه شيء وإن قل أجزأت عنه وإن كانت عجفاء:

روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن آدم عن عبد الرحيم، هو ابن سليمان عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق السبيعي عن شريح بن النعمان عن علي بن أبي طالب قال: أمرنا رسول الله ﷺ أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة، ولا بمدابرة، ولا بتراء، ولا خرقاء.

ومن طريق أبي داود نا عبد الله بن محمد النفيلي نا زهير، هو ابن معاوية نا أبو إسحاق هو السبيعي عن شريح بن النعمان وكان رجل صدق عن علي بن أبي طالب قال: أمرنا رسول الله ﷺ أن نستشرف العين، والأذن، ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء. قال زهير: قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة قال: تقطع طرف الأذن، قلت: فما المدابرة قال تقطع مؤخر الأذن، قلت فما الشرقاء قال: تشق الأذن، قلت: فما الخرقاء قال: تخرق أذنها السمة. نا أحمد بن عمر بن أنس نا أبو ذر الهروي نا علي بن عمر الدارقطني نا يحيى بن محمد بن صاعد نا محمد بن عبد الله المخزومي نا أبو كامل مظفر بن مدرك نا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق السبيعي عن شريح بن النعمان عن علي بن أبي طالب في الأضاحي قال قيس: قلت لأبي إسحاق: سمعته من شريح قال: حدثني عنه سعيد بن أشوع. قال الدارقطني: نا علي بن إبراهيم، عن ابن فارس عن محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح قال شريح بن النعمان الصايدي: سمع علي بن أبي طالب قال أبو نعيم،، ووكيع عن سفيان الثوري عن سعيد بن أشوع عن شريح بن النعمان سمعت علي بن أبي طالب يقول: سليمة العين والأذن وسعيد بن أشوع ثقة مشهور. فصح هذا الخبر.

وبه يقول طائفة من السلف.

روينا من طريق علي بن أبي طالب أنه أفتى بهذا وقال في الأضحية: لا مقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء، سليمة العين والأذن.

ومن طريق عمرو بن مرة عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود قال: سليم العين والأذن.

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا ابن علية عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر في الأضحية أنه كره ناقص الخلق والسن.

ومن طريق شعبة عن حماد بن أبي سليمان أنه كره أن يضحى بالأبتر. وعن شعبة عن المغيرة عن إبراهيم أنه كره أن يضحى بالأبتر. وعن ابن سيرين أنه كره أن يضحى بالأبتر. وأجاز قوم أن يضحى بالأبتر، واحتجوا بأثرين رديئين أحدهما: من طريق جابر الجعفي عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد قال: اشتريت كبشا لأضحي به فعدا الذئب على ذنبه فقطعه فسألت النبي ﷺ فقال: ضح به، والآخر: من طريق الحجاج بن أرطاة عن بعض شيوخه أن النبي ﷺ سئل أيضحى بالبتراء قال: لا بأس بها. جابر كذاب، وحجاج ساقط، وعن بعض شيوخه ريح.

وروي، عن ابن عمر، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، والحكم: إجازة البتراء في الأضحية. وعن الحسن أنه حد القطع في الأذن بالنصف فأكثر. ولأبي حنيفة قولان: أحدهما: إن ذهب من العين أو الأذن، أو الذنب، أو الألية أقل من الثلث: أجزأت في الأضحية، فإن ذهب الثلث فصاعدا لم تجز. والآخر أنه حد ذلك بالنصف مكان الثلث. قال: فإن خلقت بلا أذن أجزأت وروي عنه لا تجزي.

وقال مالك: إن كان القرن ذاهبا لا يدمى أجزأت، فإن كان يدمى لم تجز، وقال أبو حنيفة، ومالك في العرجاء: إذا بلغت المنسك: أجزأت.

قال علي: هذه أقوال لا دليل على صحة شيء منها، ولا يعرف التحديد المذكور بالثلث، أو النصف في كل ذلك عن أحد قبل أبي حنيفة.

وروي عن علي من طريق لا تصح في العرجاء إذا بلغت المنسك.

وروي عن عمر المنع من العرجاء جملة. ويقال لمن صحح هذا: إن المنسك قد يكون على ذراع وأقل ويكون على فرسخ فأي ذلك تراعون وروي في الأعضب أثر: أنه لا يجزي، ولا يصح، لأنه من طريق جري بن كليب، وليس مشهورا عمن لم يسم عن علي. وجاء خبر في أنه لا تجزي المستأصلة قرنها، ولا يصح ; لأنه من طريق أبي حميد الرعيني عن أبي مضر وهما مجهولان. وحديث آخر في أنه لا تجزي الجدعاء، ولا يصح ; لأنه من طريق جابر الجعفي.



975 - مسألة: ولا تجزي في الأضاحي جذعة، ولا جذع أصلا لا من الضأن، ولا من غير الضأن ويجزي ما فوق الجذع، وما دون الجذع، والجذع من الضأن، والماعز، والظباء، والبقر: هو ما أتم عاما كاملا ودخل في الثاني من أعوامه، فلا يزال جذعا حتى يتم عامين ويدخل في الثالث فيكون ثنيا حينئذ. هكذا قال في الضأن والماعز الكسائي، والأصمعي، وأبو عبيد، وهؤلاء عدول أهل العلم في اللغة، وقاله ابن قتيبة وهو ثقة في دينه وعلمه. وقاله العدبس الكلابي، وأبو فقعس الأسدي، وهما ثقتان في اللغة. وقال ذلك في البقر والظباء أبو فقعس، ولا نعلم له مخالفا من أهل العلم باللغة. والجذع من الإبل ما أكمل أربع سنين ودخل في الخامسة، فهو جذع إلى أن يدخل السادسة فيكون ثنيا هذا ما لا خلاف فيه.

روينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن هبيرة بن يريم عن علي بن أبي طالب قال: إذا اشتريت أضحية فاستسمن فإن أكلت أكلت طيبا، وإن أطعمت أطعمت طيبا، واشتر ثنيا فصاعدا.

ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أبي إسحاق السبيعي نا هبيرة بن يريم قال: قال علي بن أبي طالب: ضحوا بثني فصاعدا، وسليم العين والأذن.

ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول: ضحوا بثني فصاعدا، ولا تضحوا بأعور.

ومن طريق عبد الرزاق نا مالك عن نافع، عن ابن عمر قال: لا تجزي إلا الثنية فصاعدا.

ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا حصين، هو ابن عبد الرحمن قال: رأيت هلال بن يساف يضحي بجذع من الضأن فقلت: أتفعل هذا فقال: رأيت أبا هريرة يضحي بجذع من الضأن. فهذا حصين قد أنكر الجذع من الضأن في الأضحية.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال: يجزي ما دون الجذع من الإبل عن واحد في الأضحية.

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي معاذ عن الحسن قال: يجزي الحوار عن واحد يعني الأضحية والحوار هو ولد الناقة ساعة تلده. وبرهان صحة قولنا هذا ما رويناه من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن البراء بن عازب فذكر الحديث وفيه أن خاله أبا بردة قال: يا رسول الله إن عندي عناق لبن، وهي خير من شاتي لحم قال: هي خير نسيكتيك، ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك.

ومن طريق شعبة عن زبيد بن الحارث اليامي عن الشعبي عن البراء: أن أبا بردة قال لرسول الله ﷺ: عندي جذعة خير من مسنتين قال: اذبحها ولن تجزي عن أحد بعدك. وهكذا رويناه من طريق عاصم الأحول عن الشعبي أن البراء حدثه بذلك.

ومن طريق أبي عوانة عن فراس عن الشعبي عن البراء أيضا.

ومن طريق شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي جحيفة عن البراء بن عازب فقطع عليه السلام أن لا تجزي جذعة عن أحد بعد أبي بردة، فلا يحل لأحد تخصيص نوع دون نوع بذلك ; ولو أن ما دون الجذعة لا يجزي لبينه رسول الله ﷺ المأمور بالبيان من ربه تعالى: {وما كان ربك نسيا}. وبالله تعالى التوفيق. فإن اعترض بعض المتعسفين فقال: إن حديث أبي بردة هذا قد رواه منصور بن المعتمر عن الشعبي عن البراء فقال فيه إن عندي عناقا جذعة فهل تجزي عني قال: نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك.

قلنا: نعم، والعناق اسم يقع على الضانية كما يقع على الماعزة، ولا فرق. وقال العدبس الكلابي، وأبو فقعس الأسدي، وكلاهما مما نقل الأئمة عنهما اللغة: الجفر، والعناق، والجدي، من أولاد الماعز إذا بلغ أربعة أشهر، وكذلك من أولاد الضأن.

فإن قالوا: فإن مطرف بن طريف رواه عن الشعبي عن البراء فذكر فيه أن أبا بردة قال: يا رسول الله إن عندي داجنا جذعة من المعز، قال: اذبحها، ولا تصلح لغيرك.

قلنا: نعم، ولا خلاف في أن هذا كله خبر واحد عن قصة واحدة في موطن واحد، فرواية من روى عن البراء قول النبي ﷺ: لا تجزي جذعة عن أحد بعدك هي الزائدة ما لم يروه من لم يرو هذه اللفظة، وزيادة العدل خبر قائم بنفسه وحكم وارد لا يسع أحدا تركه. وإنما يحتج برواية مطرف هذا من لم يمنع من الجذع إلا من الماعز فقط، وأما من منع من الجذاع كلها مما عدا الضأن فلا حجة له في شيء من هذا الخبر، بل هو حجة عليه وبالله تعالى التوفيق. كما أن هذا الخبر نفسه قد رواه زكريا عن فراس عن الشعبي عن البراء: أن أبا بردة قال لرسول الله ﷺ: إن عندي شاة خير من شاتين قال: ضح بها فإنها خير نسيكة ولم يذكر أنها لا تجزي عن أحد بعدك.

وكذلك روايتنا من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك فذكر هذا الخبر نفسه، وأن ذلك القائل قال: يا رسول الله عندي جذعة هي أحب إلي من شاتي لحم أفأذبحها فرخص له. قال أنس: فلا أدري أبلغت رخصة من سواه أم لا فلم يجعل المخالفون سكوت زكريا عما زاده غيره من بيان أنه خصوص، ولا سكوت أنس عن ذلك أيضا ومغيب ذلك عنه حجة في رد الزيادة التي ذكرها غيرهما فما الذي جعل هذه الزيادة واجبا أخذها، وزيادة من زاد لفظة " الجذعة " لا يجب أخذها إن هذا لتحكم في الدين بالباطل، ونعوذ بالله من هذا.

قال أبو محمد: وقد جاء خبر يمكن أن يشغب به، وهو ما رويناه من طريق مسلم نصر بن علي الجهضمي نا يزيد بن زريع نا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: لما كان ذلك اليوم قعد النبي ﷺ على بعيره وقال: أتدرون أي يوم هذا وذكر الحديث وفيه أنه عليه السلام قال: أليس بيوم النحر قالوا: بلى ثم ذكر الحديث وفيه ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا.

قال علي: ليس فيه أنه أعطاهم إياها ليضحوا بها، ولا أنهم ضحوا بها وإنما فيه أنه عليه السلام قسمها بينهم، والكذب لا يحل.

976- مسألة: قال علي: ذكرنا في أول كلامنا ههنا في الأضاحي أمر رسول الله ﷺ: من أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره، ولا من أظفاره شيئا، ولم نذكر اعتراض المخالفين في ذلك بالنسيان فاستدركنا ههنا ما روي عن أم سلمة أم المؤمنين أنها أفتت بذلك. وحدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا يزيد بن زريع نا سعيد بن أبي عروبة نا ابن أبي كثير هو يحيى أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان: أن الرجل إذا اشترى أضحية، ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي. قال سعيد: قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: نعم، فقلت: عمن يا أبا محمد قال: عن أصحاب رسول الله ﷺ. قال مسدد: وحدثنا المعتمر بن سليمان التيمي سمعت أبي يقول: كان ابن سيرين يكره إذا دخل العشر أن يأخذ الرجل من شعره حتى يكره أن يحلق الصبيان في العشر، وهو قول الشافعي، وأبي ثور، وأحمد، وإسحاق، وأبي سليمان، وهو قول الأوزاعي، وخالف ذلك أبو حنيفة، ومالك وما نعلم لهما حجة أصلا، إلا أن بعضهم ذكر ما روينا من طريق مالك عن عمارة بن عبد الله بن صياد عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا بالأطلاء في العشر، قالوا: وهو راوي هذا الخبر. وما روينا من طريق عكرمة أنه ذكر له هذا الخبر فقال: فهلا اجتنب النساء والطيب وما نعلم لهم غير هذا أصلا، وهذا كله لا شيء: أما الرواية عن سعيد أنه كان لا يرى بأسا بالأطلاء في العشر ; فالأحتجاج به باطل لوجوه:

أولها: أنه لا حجة في قول سعيد، وإنما الحجة التي ألزمناها الله تعالى فهي روايته ورواية غيره من الثقات.

وثانيها: أنه قد صح عن سعيد خلاف ذلك مما ذكرنا قبل وهو أولى بسعيد.

وثالثها: أنه قد يتأول سعيد في الأطلاء أنه بخلاف حكم سائر الشعر، وأن النهي إنما هو شعر الرأس فقط.

ورابعها: أن يقال لهم: كما قلتم لما روي عن سعيد خلاف هذا الحديث الذي روي دل على ضعف ذلك الحديث ; لأنه لا يدع ما روي إلا لما هو أقوى عنده منه ; فالأولى بكم أن تقولوا لما روى سعيد عن النبي ﷺ وعن أصحابه رضي الله عنهم خلاف ما روي عن سعيد: دل ذلك على ضعف تلك الرواية عن سعيد، إذ لا يجوز أن يفتي بخلاف ما روى فهذا اعتراض أولى من اعتراضكم. وخامسها: أنه قد يكون المراد بقول سعيد في الأطلاء في العشر إنما أراد عشر المحرم لا عشر ذي الحجة ; وإلا فمن أين لكم أنه أراد عشر ذي الحجة واسم العشر يطلق على عشر المحرم كما يطلق على عشر ذي الحجة وسادسها: أن نقول: لعل سعيدا رأى ذلك لمن لا يريد أن يضحي، فهذا صحيح، وأما قول عكرمة ففاسد، لأن الدين لا يؤخذ بقول عكرمة ورأيه، إنما هذا منه قياس والقياس كله باطل. ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل، لأنه ليس إذا وجب أن لا يمس الشعر، والظفر، بالنص الوارد في ذلك يجب أن يجتنب النساء والطيب، كما أنه إذا وجب اجتناب الجماع والطيب، لم يجب بذلك اجتناب مس الشعر والظفر. فهذا الصائم فرض عليه اجتناب النساء، ولا يلزمه اجتناب الطيب، ولا مس الشعر، والظفر وكذلك المعتكف، وهذه المعتدة يحرم عليها الجماع والطيب، ولا يلزمها اجتناب قص الشعر والأظفار. فظهر حماقة قياسهم وقولهم في الدين بالباطل، وهذه فتيا صحت عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا يعرف فيها مخالف منهم لهم، فخالفوا ذلك برأيهم. ورواه مالك مرسلا، فخالفوا المرسل والمسند وبالله تعالى التوفيق.



977 - مسألة: والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع، أو طائر، كالفرس، والإبل، وبقر الوحش، والديك، وسائر الطير والحيوان الحلال أكله، والأفضل في كل ذلك ما طاب لحمه وكثر وغلا ثمنه.

وقد ذكرنا في أول كلامنا في الأضاحي قول بلال: ما أبالي لو ضحيت بديك، وعن ابن عباس في ابتياعه لحما بدرهمين وقال: هذه أضحية ابن عباس.

وروينا أيضا من طريق وكيع عن كثير بن زيد عن عكرمة، عن ابن عباس وكثير بن زيد هذا هو الذي عولوا عليه في احتجاجهم بالأثر الذي لا يصح " المسلمون عند شروطهم " وثقوه هنالك ولم يروه غيره. والحسن بن حي يجيز الأضحية ببقرة وحشية عن سبعة، وبالظبي أو الغزال عن واحد. وأجاز أبو حنيفة وأصحابه التضحية بما حملت به البقرة الإنسية من الثور الوحشي، وبما حملت به العنز من الوعل.

وقال مالك: لا تجزي إلا من الإبل، والبقر، والغنم. ورأى مالك: النعجة، والعنز، والتيس أفضل من الإبل، والبقر: في الأضحية. وخالفه في ذلك أبو حنيفة، والشافعي فرأيا الإبل أفضل، ثم البقر، ثم الضأن، ثم الماعز وما نعلم لهذا القول حجة فنوردها أصلا، إلا أن يدعوا إجماعا في جوازها من هذه الأنعام، والخلاف في غيرها. فهذا ليس بشيء، ويعارضون بما صح في ذلك عن بلال، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا عندهم حجة إذا وافقهم.

وأما مراعاة الإجماع فيؤخذ به ويترك ما اختلف فيه، فهذا يهدم عليهم جميع مذاهبهم إلا يسيرا جدا منها، ويلزمهم أن لا يوجبوا في الصلاة، أو الصوم، والحج، والزكاة والبيوع، إلا ما أجمع عليه، وفي هذا هدم مذهبهم كله.

قال أبو محمد: وأما المردود إليه عند التنازع فهو ما افترض الله تعالى الرد إليه فوجدنا النصوص تشهد لقولنا، وذلك أن الأضحية قربة إلى الله تعالى، فالتقرب إلى الله تعالى بكل ما لم يمنع منه قرآن، ولا نص سنة حسن، وقال تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} والتقرب إليه عز وجل بما لم يمنع من التقرب إليه به فعل خير. نا يونس بن عبد الله بن مغيث نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار بندار نا صفوان بن عيسى نا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة، ثم كمن يهدي بقرة، ثم كمن يهدي بيضة.

وروينا من طريق مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة " أن رسول الله ﷺ قال: من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة. ففي هذين الخبرين هدي دجاجة، وعصفور، وتقريبهما، وتقريب بيضة ; والأضحية تقريب بلا شك، وفيهما أيضا فضل الأكبر فالأكبر جسما فيه ومنفعة للمساكين، ولا معترض على هذين النصين أصلا.

قال أبو محمد: ومن البرهان على أن الإبل والبقر أفضل من الغنم الخبر الثابت عن رسول الله ﷺ كما روينا من طريق البخاري، والخبر الذي أوردنا في المسألة التالية لهذه ففيها أمره عليه السلام في الأضاحي بالنحر. ولا يخلو هذا من أن يكون عليه السلام أمر بالنحر في الإبل والبقر، أو في الغنم، فإن كان أمر بذلك في الغنم، فهذا مبطل لقول مالك: إن النحر في الغنم لا يحل، ولا يكون ذكاة فيها، وإن كان أمر بذلك عليه السلام في الإبل والبقر والغنم لحسن المحال الباطل الممتنع بيقين لا شك فيه أن يكون عليه السلام يحض أمته وأصحابه على التضحية بالإبل والبقر مع عظيم الكلفة فيها وغلو أثمانها ويتركون الأرخص والأقل ثمنا وهو أفضل، وهذه إضاعة المال التي حرمها الله تعالى، وإنما التضحية بالغنم ضأنها وماعزها رفق بالناس لقلة أثمانها وتفاهة أمرها وتخفيف لهم بذلك عن الأفضل الذي هو أشق في النفقة لله عز وجل، وهذا مما لا شك فيه.

واحتج من رأى أن الضأن أفضل بخبر رويناه من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن جبريل قال للنبي ﷺ يوم الأضحى: يا محمد إن الجذع من الضأن خير من السيد من المعز، وإن الجذع من الضأن خير من السيد من البقر، وإن الجذع من الضأن خير من السيد من الإبل، ولو علم الله ذبحا هو أفضل منه لفدى به إبراهيم عليه السلام. وبخبر رويناه من طريق عبد الرزاق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: مر النعمان بن أبي فطيمة على رسول الله ﷺ بكبش أقرن أعين فقال عليه السلام: ما أشبه هذا الكبش بالكبش الذي ذبح إبراهيم عليه السلام.

وروي نحوه من طريق زياد بن ميمون عن أنس. وبخبر رويناه من طريق وكيع عن هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نصر عن عبادة بن نسي عن النبي ﷺ قال: خير الأضحية الكبش.

قال أبو محمد: هذه أخبار مكذوبة: أما خبر أبي هريرة، وعبادة بن نسي فعن هشام بن سعد وهو ضعيف جدا، ضعفه جدا واطرحه أحمد، وأساء القول فيه جدا ولم يجز الرواية به عنه يحيى بن سعيد وزياد بن ميمون مذكور بالكذب. وخبر عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وهو ضعيف ومرسل مع ذلك

وأيضا ففي الخبر المنسوب إلى أبي هريرة كذب ظاهر وهو قوله: إنه فدى الله به إبراهيم ولم يفد إبراهيم بلا شك وإنما فدى ابنه.

وأما الأحتجاج بأنه فدى الذبيح بكبش فباطل، ما صح ذلك قط، وقد قيل: إنه كان أروية، وهبك لو صح فليس فيه فضل سائر الكباش على سائر الحيوان، ولا كان أمر إبراهيم عليه السلام أضحية فلا مدخل للأضاحي فيه، وقد قال تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} إلى قوله تعالى: {فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته} فينبغي على هذا أن يكون البقر أفضل من الضأن بهذه الآية البينة الواضحة لا بالظن الكاذب في كبش الذبيح. وقد قال الله تعالى: {ناقة الله وسقياها} في ناقة صالح فينبغي أن تكون الإبل أفضل من الضأن بهذه الآية البينة الواضحة لا بالظن الكاذب في كبش إبراهيم عليه السلام. وموه بعضهم بذكر الأثر الذي فيه الصلاة في مبارك الغنم والنهي عن الصلاة في معاطن الإبل، لأنه جن خلقت من جن.

فقلنا: فليكن هذا عندكم دليلا في فضل الغنم عليها في الهدي، وأنتم لا تقولون بهذا.

فإن ذكروا أن رسول الله ﷺ ضحى بكبشين قلنا: نعم، وقد صح أن عائشة قالت: كان رسول الله ﷺ يترك العمل وهو يحب أن يعمل به مخافة أن يعمل به الناس فيكتب عليهم.

وأيضا: فقد أهدى غنما مقلدة كما ذكرنا في كتاب الحج فلم يكن ذلك عندكم دليلا على أن الغنم أفضل في الهدي من البقر ; فمن أين وقع لكم هذا الاستدلال في الأضاحي وأيضا: فقد ضحى عليه السلام بالبقر:

روينا من طريق البخاري عن مسدد نا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت في حديث لما كنا بمنى أتيت بلحم بقر كثير فقلت: ما هذا قالوا: ضحى رسول الله ﷺ عن نسائه بالبقر وهذا في حجة الوداع وهو آخر عمله عليه السلام ولم يضح بعدها.

وروينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن زبيد اليامي عن الشعبي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله ﷺ: " أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر.

ومن طريق البخاري عن يحيى بن بكير نا الليث بن سعد عن كثير بن فرقد عن نافع أن ابن عمر أخبره قال: كان رسول الله ﷺ يذبح وينحر بالمصلى. والنحر عند مالك وهو الذي يخالفنا في هذه المسألة لا يجوز ألبتة في الغنم وإنما هو عنده في الإبل وعلى تكره في البقر وقد صح أنه عليه السلام كان يضحي بالإبل والبقر، أو يترك قوله فيجيز النحر في الغنم، ولا بد من أحدهما، ولا يجوز أن يحتج بفعل فعله عليه السلام مباح ذلك الفعل أو غيره بإقرار المحتج على نص قوله عليه السلام في تفضيل الإبل، ثم البقر، ثم الضأن.

روينا عن مسلم بن يسار أنه كان يضحي بجزور من الإبل. وعن سعيد بن المسيب أنه كان يضحي مرة بناقة، ومرة ببقرة، ومرة بشاة، ومرة لا يضحي.

فأما قول مالك في فضل الماعز على البقر، والإبل، وفضل البقر على الإبل: فلا نعلم له متعلقا أصلا، ولا أحدا قال به قبله وبالله تعالى التوفيق.

978- مسألة: ووقت ذبح الأضحية أو نحرها هو أن يمهل حتى تطلع الشمس من يوم النحر، ثم تبيض وترتفع، ويمهل حتى يمضي مقدار ما يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد ثمان تكبيرات " أم القرآن " وسورة " ق " وفي الثانية بعد ست تكبيرات " أم القرآن " وسورة: " اقتربت الساعة وانشق القمر " بترتيل ويتم فيهما الركوع والسجود، ويجلس، ويتشهد، ويسلم. ثم يذبح أضحيته أو ينحرها البادي، والحاضر، وأهل القرى، والصحاري، والمدن سواء في كل ذلك ; فمن ذبح، أو نحر قبل ما ذكرنا ففرض عليه أن يضحي، ولا بد بعد دخول الوقت المذكور، ولا معنى لمراعاة صلاة الإمام، ولا لمراعاة تضحيته. برهان ذلك: ما ذكرنا في أول الباب الذي قبل هذا من قوله عليه السلام: " أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر.

ومن طريق شعبة عن سلمة، هو ابن كهيل عن أبي جحيفة عن البراء بن عازب قال: ذبح أبو بردة قبل الصلاة فقال له النبي ﷺ: أبدلها.

ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ صلى، ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحا.

ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندبا يقول: مر رسول الله ﷺ يوم النحر على قوم قد نحروا وذبحوا فقال: من نحر وذبح قبل صلاتنا فليعد، ومن لم يذبح أو ينحر فليذبح ولينحر باسم الله.

ومن طريق مسلم نا محمد بن حاتم نا محمد بن بكر نا ابن جريج أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول أمر رسول الله ﷺ من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي ﷺ. فالوقت الذي حددنا هو وقت صلاة النبي ﷺ وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، إلا أن الشافعي لم يجز التضحية قبل تمام الخطبة، ولا معنى لهذا لأن النبي ﷺ لم يحد وقت الأضحية بذلك. وقال سفيان: إن ضحى قبل الخطبة أجزأه.

وقال أبو حنيفة: أما أهل المدن والأمصار فمن ضحى منهم قبل تمام صلاة الإمام فعليه أن يعيد ولم يضح، وأما أهل القرى والبوادي فإن ضحوا بعد طلوع الفجر من يوم الأضحى أجزأهم.

وقال مالك: من ضحى قبل أن يضحي الإمام فلم يضح ; ثم اختلف أصحابه فطائفة قالت: الإمام هو أمير المؤمنين ; وطائفة قالت: بل هو أمير البلدة، وطائفة قالت: بل هو الذي يصلي بالناس صلاة العيد.

قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة فخلاف مجرد لرسول الله ﷺ كما أوردنا بلا برهان.

وأما قول مالك فلا حجة له أصلا، وخلاف للخبر أيضا إذ لم يأمر النبي ﷺ قط بمراعاة تضحية غيره. ونقول للطائفتين معا: أرأيتم إن ضيع الإمام صلاة الأضحى ولم يضح أتبطل سنة الله تعالى في الأضاحي على الناس حاشا لله من هذا، بل هو الحق أن الإمام إن صلى في الوقت الذي كان يصلي فيه رسول الله ﷺ فقد أحسن وهو أحد المسلمين في وقت تضحيته، وإن أغفل ذلك فقد أخطأ وليس ذلك بكادح في عدالته، لأنه لم يعطل فرضا، وليس ذلك بمحيل شيئا من حكم الناس في أضاحيهم. ونقول للمالكيين أيضا: أرأيتم إن ضحى الإمام قبل وقت صلاة الأضحى أيكون ذلك علما لأضاحي الناس.

فإن قالوا: نعم، أتوا بعظيمة وإن قالوا: لا، صدقوا، وتركوا قولهم في مراعاة تضحية الإمام وبالله تعالى التوفيق. وقد روينا مثل قول أبي حنيفة في الفرق بين أهل القرى وأهل المدن عن عطاء، وإبراهيم، وما نعرف قول مالك في مراعاة تضحية الإمام عن أحد قبله وبالله تعالى التوفيق.

979 - مسألة: والأضحية مستحبة للحاج بمكة وللمسافر كما هي للمقيم، ولا فرق، وكذلك العبد والمرأة لقول الله تعالى: {وافعلوا الخير} والأضحية فعل خير. وكل من ذكرنا محتاج إلى فعل الخير مندوب إليه، ولما ذكرنا من قول رسول الله ﷺ في التضحية والتقريب ولم يخص عليه السلام باديا من حاضر، ولا مسافرا من مقيم، ولا ذكرا من أنثى، ولا حرا من عبد، ولا حاجا من غيره، فتخصيص شيء من ذلك باطل لا يجوز، وقد ذكرنا قبل أن النبي ﷺ ضحى بالبقر عن نسائه بمكة وهن حواج معه.

وروينا من طريق النخعي أن عمر كان يحج فلا يضحي وهذا مرسل.

ومن طريق الحارث عن علي ليس على المسافر أضحية. والحارث كذاب. وعن أصحاب ابن مسعود أنهم كانوا لا يضحون في الحج وليس في شيء من هذا كله منع للحاج، ولا للمسافر من التضحية وإنما فيه تركها فقط، ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ.

وروينا من طريق أبي الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي نا ابن فضيل عن عطاء عن إبراهيم النخعي سافر معي تميم بن سلمة فلما ذبحنا أضحيته أخذ منها بضعة فقال: آكلها ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم قال: كان عمر يحج، ولا يضحي وكان أصحابنا يحجون معهم الورق والذهب فلا يضحون ما يمنعهم من ذلك إلا ليتفرغوا لنسكهم.

ومن طريق سعيد بن منصور نا مهدي بن ميمون عن واصل الأحدب عن إبراهيم قال: حججت فهلكت نفقتي فقال أصحابي: ألا نقرضك فتضحي فقلت: لا فهذا بيان أنهم لم يمنعوا منها والنهي عن فعل الخير لا يجوز إلا بنص عن رسول الله ﷺ يبين أنه ليس خيرا.

980- مسألة: ولا يلزم من نوى أن يضحي بحيوان مما ذكرنا أن يضحي به، ولا بد، بل له أن لا يضحي به إن شاء إلا أن ينذر ذلك فيه فيلزمه الوفاء به. برهان ذلك: أن الأضحية كما قدمنا ليست فرضا فإذ ليست فرضا فلا يلزمه التضحية إلا أن يوجبها نص، ولا نص إلا فيمن ضحى قبل وقت التضحية في أن يعيد ; وفيمن نذر أن يفي بالنذر.

وروينا من طريق مجاهد لا بأس بأن يبيع الرجل أضحيته ممن يضحي بها ويشتري خيرا منها وعن عطاء فيمن اشترى أضحية، ثم بدا له قال: لا بأس بأن يبيعها وروينا عن علي، والشعبي، والحسن، وعطاء، كراهة ذلك.

قال علي: ما نعلم لمن كره ذلك حجة.

981 - مسألة: لا تكون الأضحية أضحية إلا بذبحها، أو نحرها بنية التضحية لا قبل ذلك أصلا وله ما لم يذبحها، أو ينحرها كذلك أن لا يضحي بها وأن يبيعها وأن يجز صوفها ويفعل فيه ما شاء ويأكل لبنها ويبيعه، وإن ولدت فله أن يبيع ولدها أو يمسكه أو يذبحه، فإن ضلت فاشترى غيرها، ثم وجد التي ضلت لم يلزمه ذبحها، ولا ذبح واحدة منهما، فإن ضحى بهما، أو بأحدهما، أو بغيرهما فقد أحسن، وإن لم يضح أصلا فلا حرج، وإن اشتراها وبها عيب لا تجزي به في الأضاحي كعور، أو عجف: أو عرج، أو مرض، ثم ذهب العيب وصحت جاز له أن يضحي بها، ولو أنه ملكها سليمة من كل ذلك، ثم أصابها عيب لا تجزي به في الأضحية قبل تمام ذكاتها، ولو في حال التذكية لم تجزه. برهان ذلك: ما ذكرناه من أنها ليست فرضا فإذ هي كذلك فلا تكون أضحية إلا حتى يضحي بها، ولا يضحي بها إلا حتى تتم ذكاتها بنية التضحية فهي ما لم يضح بها مال من ماله يفعل فيه ما أحب كسائر ماله ومن خالف هذا فأجاز أن يضحي بالتي يصيبها عنده العيب فقد خالف نهي رسول الله ﷺ جهارا ولزمه إن اشترى أضحية معيبة فصحت عنده أن لا تجزئه أن يضحي بها، وهم لا يقولون هذا:

روينا عن علي بن أبي طالب من طريق أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم قال: قال علي: إذا اشتريت الأضحية سليمة فأصابها عندك عوار، أو عرج فبلغت المنسك فضح بها.

ومن طريق الحارث عن علي أنه سئل عن رجل اشترى أضحية سليمة فاعورت عنده قال: يضحي بها وهو قول حماد بن أبي سليمان: رويناه عنه من طريق شعبة، وهو قول الحسن، وإبراهيم: ورويناه من طريق ابن عباس فيمن اشترى أضحية فضلت قال: لا يضرك وعن الحسن، والحكم بن عتيبة فيمن ضلت أضحيته فاشترى أخرى فوجد الأولى أنه يذبحهما جميعا، قال حماد: يذبح الأولى.

وقال أبو حنيفة: إن اشتراها صحيحة، ثم عجفت عنده حتى لا تنقي أجزأته أن يضحي بها، فلو اعورت عنده لم تجزه، فلو أنه إذ ذبحها أصاب السكين عينها، أو انكسر رجلها أجزأته. وهذه أقوال فاسدة متناقضة، ولا نعلم هذه التقاسيم عن أحد قبله.

وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا يجز صوفها، ولا يشرب لبنها. قال الشافعي: إلا ما فضل عن ولدها.

وروينا عن عطاء فيمن اشترى أضحية أن له أن يجز صوفها وأمره الحسن إن فعل أن يتصدق به، وقال أبو حنيفة، والشافعي: إن ولدت ذبح ولدها معها وقال مالك: ليس عليه ذلك.

روينا عن علي أنه سأله رجل معه بقرة قد ولدت فقال: كنت اشتريتها لأضحي بها فقال له علي: لا تحلبها إلا فضلا عن ولدها فإذا كان يوم الأضحى فاذبحها وولدها عن سبعة.

982 - مسألة: والتضحية جائزة من الوقت الذي ذكرنا يوم النحر إلا أن يهل هلال المحرم، والتضحية ليلا ونهارا جائز. واختلف الناس في هذا فروينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن هشام، هو ابن حسان عن محمد بن سيرين قال: النحر يوم واحد إلى أن تغيب الشمس. وعن حميد بن عبد الرحمن أنه كان لا يرى الذبح إلا يوم النحر وهو قول أبي سليمان. وقول آخر: رويناه من طريق وكيع عن محمد بن عبد العزيز عن جابر بن زيد قال: النحر في الأمصار يوم، وبمنى ثلاثة أيام. وقول ثالث: أن التضحية يوم النحر ويومان بعده روينا من طريق ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر عن علي قال: النحر ثلاثة أيام أفضلها أولها.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن مجاهد عن مالك بن ماعز، أو ماعز بن مالك الثقفي: أن أباه سمع عمر يقول: إنما النحر في هذه الثلاثة الأيام.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا هشيم عن أبي حمزة عن حرب بن ناجية، عن ابن عباس قال: أيام النحر ثلاثة أيام.

ومن طريق وكيع، عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس النحر ثلاثة أيام.

ومن طريق ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر قال: الأضحى يوم النحر ويومان بعده.

ومن طريق وكيع عن عبد الله بن نافع عن أبيه، عن ابن عمر قال: ما ذبحت يوم النحر، والثاني، والثالث فهي الضحايا.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح حدثني أبو مريم سمعت أبا هريرة يقول: الأضحى ثلاثة أيام.

ومن طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: الأضحى يوم النحر ويومان بعده.

وبه يقول أبو حنيفة، ومالك، ولا يصح شيء من هذا كله إلا عن أنس وحده لأنه عن عمر من طريق مجهول عن أبيه مجهول أيضا. وعن علي من طريق ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ عن المنهال وهو متكلم فيه; وعن ابن عباس من طريق ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ وأبي حمزة وهو ضعيف.

ومن طريق ابن عمر عن إسماعيل بن عياش وعبد الله بن نافع، وكلاهما ضعيف.

ومن طريق أبي هريرة عن معاوية بن صالح وليس بالقوي عن أبي مريم وهو مجهول. وقول رابع وهو أن التضحية يوم النحر وثلاثة أيام بعده:

روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبيد الله بن موسى نا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن مقسم، عن ابن عباس قال: الأيام المعلومات: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده: هكذا في كتابي، ولا أدري لعله وهم، والله أعلم.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن هشام عن عطاء قال: النحر أربعة أيام إلى آخر أيام التشريق.

ومن طريق وكيع نا همام بن يحيى سمعت عطاء يقول: النحر أربعة أيام إلى آخر أيام التشريق. ومن وكيع نا همام بن يحيى سمعت عطاء يقول: النحر ما دامت الفساطيط بمنى.

ومن طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن الحسن قال: النحر يوم النحر وثلاثة أيام بعده.

ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري فيمن نسي أن يضحي يوم النحر قال: لا بأس أن يضحي أيام التشريق.

ومن طريق ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن عياش عن عمر بن مهاجر عن عمر بن عبد العزيز قال: الأضحى أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده وهو قول الشافعي. وقول خامس:

كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو داود الطيالسي عن حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم هو التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسليمان بن يسار، قالا جميعا: الأضحى إلى هلال المحرم لمن استأنى بذلك.

قال أبو محمد: أما من قال النحر يوم الأضحى وحده فقال: إنه مجمع عليه وما عداه فمختلف فيه ; فلا توجد شريعة باختلاف لا نص فيه.

قال علي: صدقوا، والنص يجيز قولنا على ما نأتي به بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وأما من قال بقول أبي حنيفة، ومالك، فإنهم احتجوا بأنه قول روي عن عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، ولا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف، ومثل هذا لا يقال بالرأي.

قال علي: قد ذكرنا قضايا عظيمة خالفوا فيها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف، فكيف، ولا يصح شيء مما ذكرنا إلا عن أنس وحده على ما بينا قبل وإن كان هذا إجماعا فقد خالف عطاء، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والزهري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار: الإجماع، وأف لكل إجماع يخرج عنه هؤلاء. وقد روينا، عن ابن عباس ما يدل على خلافه لهذا القول، ولا نعلم لمن قال: أربعة أيام حجة أيضا، إلا أن أيام منى ثلاثة أيام يوم النحر فقط وليس هذا حجة.

قال أبو محمد: الأضحية فعل خير وقربة إلى الله تعالى: وفعل الخير حسن في كل وقت، قال الله تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير} فلم يخص تعالى وقتا من وقت، ولا رسوله عليه السلام، فلا يجوز تخصيص وقت بغير نص، فالتقريب إلى الله تعالى بالتضحية حسن ما لم يمنع منه نص أو إجماع، ولا نص في ذلك، ولا إجماع إلى آخر ذي الحجة. وقد روينا خبرا يلزمهم الأخذ به وأما نحن فلا نحتج به ويعيذنا الله تعالى من أن نحتج بمرسل، وهو ما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أحمد بن الهيثم نا مسلم نا يحيى، هو ابن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسليمان بن يسار، قالا جميعا " بلغنا: أن رسول الله ﷺ قال: الأضحى إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني بذلك وهذا من أحسن المراسيل وأصحها فيلزم الحنفيين والمالكيين القول به وإلا فقد تناقضوا.

قال علي: وأجاز أبو حنيفة، والشافعي: أن يضحى بالليل وهو قول عطاء.

وقال مالك: لا يجوز أن يضحى ليلا وما نعلم لهذا القول حجة أصلا إلا أنهم قال قائلهم: قال الله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} قالوا: فلم يذكر الليل.

قال علي: وهذا منهم إيهام يمقت الله تعالى عليه، لأن الله تعالى لم يذكر في هذه الآية ذبحا، ولا تضحية، ولا نحرا لا في نهار، ولا في ليل، وإنما أمر الله تعالى بذكره في تلك الأيام المعلومات أفترى يحرم ذكره في لياليهن إن هذا لعجب ومعاذ الله من هذا، وليس هذا النص بمانع من ذكره تعالى وحمده على ما رزقنا من بهيمة الأنعام في ليل أو نهار في العام كله. وهذا مما حرفوا فيه الكلم عن مواضعه، ولا يختلفون فيمن حلف أن لا يكلم زيدا ثلاثة أيام أن الليل يدخل في ذلك مع النهار. وذكروا حديثا لا يصح رويناه من طريق بقية بن الوليد عن مبشر بن عبيد الحلبي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار نهى رسول الله ﷺ عن الذبح بالليل.

قال أبو محمد: هذه فضيحة الأبد، وبقية ليس بالقوي، ومبشر بن عبيد مذكور بوضع الحديث عمدا، ثم هو مرسل، ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة لأنهم يجيزون الذبح بالليل فيخالفونه فيما فيه ويحتجون به فيما ليس فيه وهذا عظيم جدا. وقال قائل منهم: لما كانت ليلة النحر لا يجوز التضحية فيها وكان يومه تجوز التضحية فيه كانت ليالي سائر أيام التضحية كذلك.

قال علي: وهذا قياس والقياس كله باطل ; ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لأن يوم النحر هو مبدأ دخول وقت التضحية وما قبله ليس وقتا للتضحية، ولا يختلفون معنا في أن من طلوع الشمس إلى أن يمضي بعد ابيضاضها وارتفاعها وقت واسع من يوم النحر لا تجوز فيه التضحية فيلزمهم أن يقيسوا على ذلك اليوم ما بعده من أيام التضحية فلا يجيزوا التضحية فيها إلا بعد مضي مثل ذلك الوقت وإلا فقد تناقضوا وظهر فساد قولهم، وما نعلم أحدا من السلف قبل مالك منع من التضحية ليلا.



983 - مسألة: ونستحب للمضحي رجلا كان أو امرأة أن يذبح أضحيته أو ينحرها بيده، فإن ذبحها أو نحرها له بأمره مسلم غيره أو كتابي أجزأه، ولا حرج في ذلك:

روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى نا وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: ضحى رسول الله ﷺ بكبشين أملحين أقرنين ورأيته يذبحهما بيده واضعا قدمه على صفاحهما وسمى الله وكبر قال مسلم نا يحيى بن حبيب نا خالد بن الحارث نا شعبة أنا قتادة قال: سمعت أنسا فذكر مثل هذا الحديث، فنحن نستحب الأقتداء به عليه السلام في هذا قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.

وقال تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} وإنما عنى عز وجل بيقين ما يذكونه لا ما يأكلونه، لأنهم يأكلون الميتة، والدم، والخنزير، وما عمل بالخمر وظهرت فيه ; فإذ ذبائحهم ونحائرهم حلال، فالتفريق بين الأضحية وغيرها لا وجه له. وقولنا هذا هو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان.

وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن منصور قلت لأبراهيم: صبي له ظئر يهودي أيذبح أضحيته قال: نعم.

ومن طريق عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، ومعمر، قال ابن جريج قال عطاء، وقال معمر: قال الزهري، ثم اتفق عطاء، والزهري قالا جميعا: يذبح نسكك اليهودي والنصراني إن شئت، قال الزهري: والمرأة إن شئت.

وقال مالك: لا يذبحها إلا مسلم، فإن ذبحها كتابي قال ابن القاسم: يضمنها.

روينا من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال: لا يذبح أضاحيكم اليهود، ولا النصارى، لا يذبحها إلا مسلم وعن جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه، عن ابن عباس لا يذبح أضحيتك إلا مسلم. وعن أبي سفيان عن جابر: لا يذبح النسك إلا مسلم. وعن سعيد بن جبير، والحسن، وعطاء الخراساني، والشعبي، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح أيضا: لا يذبح النسك إلا مسلم. وعن إبراهيم كانوا يقولوا: لا يذبح النسك إلا مسلم، وهذا مما خالف فيه الحنفيون، والشافعيون جماعة من الصحابة وجمهور العلماء لا مخالف لهم يعرف من الصحابة، ولا يصح عن أحد من الصحابة ما ذكرنا لأنه عن علي منقطع وقابوس، وأبو سفيان ضعيفان إلا أنه عن الحسن، وإبراهيم، والشعبي، وسعيد بن جبير: صحيح، ولا يصح عن غيرهم، وما نعلم لهذا القول حجة أصلا لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من أثر سقيم، ولا من قياس.

984 - مسألة: وجائز أن يشترك في الأضحية الواحدة أي شيء كانت الجماعة من أهل البيت وغيرهم، وجائز أن يضحي الواحد بعدد من الأضاحي ضحى رسول الله ﷺ بكبشين أملحين كما ذكرنا آنفا ولم ينه عن أكثر من ذلك، والأضحية فعل خير، فالأستكثار من الخير حسن.

وقال أبو حنيفة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو سليمان: تجزئ البقرة، أو الناقة عن سبعة فأقل أجنبيين وغير أجنبيين يشتركون فيها، ولا تجزئ عن أكثر، ولا تجزئ الشاة إلا عن واحد.

وقال مالك: يجزئ الرأس الواحد من الإبل، أو البقر، أو الغنم عن واحد، وعن أهل البيت وإن كثر عددهم وكانوا أكثر من سبعة إذا أشركهم فيها تطوعا، ولا تجزئ إذا اشتروها بينهم بالشركة، ولا عن أجنبيين فصاعدا.

قال أبو محمد: الأضحية فعل خير وتطوع بالبر فالأشتراك في التطوع جائز ما لم يمنع من ذلك نص قال تعالى: {وافعلوا الخير} فالمشتركون فيها فاعلون للخير ; فلا معنى لتخصيص الأجنبيين بالمنع، ولا معنى لمنع ذلك بالشراء ; لأنه كله قول بلا برهان أصلا لا من قرآن، ولا سنة، ولا رواية سقيمة، ولا قياس. وقد أباح الليث الاشتراك في الأضحية في السفر وهذا تخصيص لا معنى له أيضا.

روينا من طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة أم المؤمنين أو أبي هريرة عن رسول الله ﷺ: أنه كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين أملحين، موجوءين، فيذبح أحدهما عن أمته من شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ، ويذبح الآخر عن محمد وآل محمد. فهذا أثر صحيح عندهم، وعلى رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عول المالكيون في خبر الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم.

وروينا من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر: البدنة عن واحد، والبقرة عن واحد، والشاة عن واحد، لا أعلم شركا. وصح عن محمد بن سيرين: لا أعلم دما واحدا يراق عن أكثر من واحد. وصح من طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن مسعر بن كدام عن حماد بن أبي سليمان: لا تكون ذكاة نفس عن نفسين وكرهه الحكم. وقول آخر رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: الجزور، والبقرة، عن سبعة من أهل البيت لا يدخل معهم من غيرهم: كل هذا مخالف لقول مالك لأن ابن عمر لم يجز الرأس الواحد إلا عن واحد، وكذلك ابن سيرين، وحماد، وعلي أجاز الناقة أو البقرة عن سبعة من أهل البيت لا أكثر.

ومن طريق ابن أبي شيبة، عن ابن علية عن سعيد عن قتادة عن سليمان بن يسار عن عائشة أم المؤمنين قالت: البقرة والجزور عن سبعة. وعن ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، والحسن قالوا كلهم: البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة يشتركون فيها وإن كانوا من غير أهل دار واحدة.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن فضيل عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: أدركت أصحاب محمد ﷺ وهم متوافرون كانوا يذبحون البقرة والبعير عن سبعة.

ومن طريق وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم قال: كان أصحاب محمد ﷺ يقولون: البقرة، والجزور عن سبعة.

قال علي: هذا حماد قد روى ما ذكرنا عن الصحابة، ثم خالف ما روي ولم ير ذلك إجماعا كما يزعم هؤلاء: وعن ابن أبي شيبة، عن ابن فضيل عن مسلم عن إبراهيم عن علقمة، عن ابن مسعود البقرة والجزور عن سبعة: وعن وكيع عن سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن خالد بن سعد عن أبي مسعود قال: البقرة عن سبعة ورويناه أيضا عن حذيفة، وجابر، وعلي، وصح عن سعيد بن المسيب البدنة عن عشرة وروينا ذلك أيضا، عن ابن عباس عن الصحابة رضي الله عنهم. وممن أجاز الاشتراك في الأضاحي بين الأجنبيين البقرة عن سبعة، والناقة عن سبعة: طاووس، وأبو عثمان النهدي، وعطاء، وجمهور التابعين.

فأما ابن عمر فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير نا مجالد عن الشعبي قال: سألت ابن عمر عن البقرة والبعير تجزي عن سبعة فقال: كيف، أولها سبعة أنفس قلت: إن أصحاب محمد ﷺ الذين بالكوفة أفتوني فقالوا: نعم قاله النبي ﷺ وأبو بكر، وعمر، فقال ابن عمر: ما شعرت فهذا توقف من ابن عمر.

ومن طريق وكيع عن عريف بن درهم عن جبلة بن سحيم، عن ابن عمر قال: البقرة عن سبعة، فهذا يدل على رجوعه وهذا مما خالف فيه مالك كل رواية رويت فيه عن صاحب إلا رواية، عن ابن عمر رجع عنها، وخالف جمهور التابعين في ذلك.

قال أبو محمد: الحجة إنما هي في فعل رسول الله ﷺ ولم يمنع عليه السلام من الأشتراك في التطوع أكثر من عشرة، وسبعة، بل قد أشرك عليه السلام في أضحيته جميع أمته وبالله تعالى التوفيق.

985- مسألة: فرض على كل مضح أن يأكل من أضحيته، ولا بد لو لقمة فصاعدا، وفرض عليه أن يتصدق أيضا منها بما شاء قل أو كثر، ولا بد، ومباح له أن يطعم منها الغني، والكافر، وأن يهدي منها إن شاء ذلك. فإن نزل بأهل بلد المضحي جهد أو نزل به طائفة من المسلمين في جهد جاز للمضحي أن يأكل من أضحيته من حين يضحي بها إلى انقضاء ثلاث ليال كاملة مستأنفة يبتدئها بالعدد من بعد تمام التضحية ثم لا يحل له أن يصبح في منزله منها بعد تمام الثلاث ليال شيء أصلا لا ما قل، ولا ما كثر. فإن ضحى ليلا لم يعد تلك الليلة في الثلاث ; لأنه تقدم منها شيء ; فإن لم يكن شيء من هذا فليدخر منها ما شاء.

روينا من طريق البخاري نا أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد عن زيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: قال النبي ﷺ: من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء ; فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي قال: كلوا، وأطعموا، وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها.

ومن طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم " أن عمرة بنت عبد الرحمن قالت له سمعت عائشة أم المؤمنين تقول: إنهم قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويحملون فيها الودك قال رسول الله ﷺ: وما ذاك قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث قال عليه السلام: بعد كلوا، وادخروا، وتصدقوا. فهذه أوامر من رسول الله ﷺ لا يحل خلافها قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.

ومن ادعى أنه ندب فقد كذب، وقفا ما لا علم له به ويكفيه أن جميع الصحابة، رضي الله عنهم، لم يحملوا نهيه عليه السلام عن أن يصبح في بيوتهم بعد ثلاث منها شيء إلا على الفرض ولم يقدموا على مخالفته إلا بعد إذنه، ولا فرق بين الأمر والنهي، قال عليه السلام: إذا نهيتكم عن شيء فاتركوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وعم عليه السلام بالإطعام فجائز أن يطعم منه كل آكل، إذ لو حرم من ذلك شيء لبينه عليه السلام وما كان ربك نسيا، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وادخار ساعة فصاعدا يسمى ادخارا. والعجب كله ممن يستخرج بعقله القاصر ورأيه الفاسد عللا لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله عليه السلام لا برهان له بها إلا دعواه الكاذبة، ثم يأتي إلى حكم جعله عليه السلام موجبا لحكم آخر فلا يلتفت إليه، وقد جعل النبي ﷺ الجهد الحال بالناس موجبا لئلا يبقى عند أحد من أضحيته شيء بعد ثالثة فلم يلتفتوا إلى ذلك ونعوذ بالله من هذا.

فإن ذكروا ما روينا من طريق إبراهيم الحربي عن الحكم بن موسى عن الوليد عن طلحة بن عمرو عن عطاء، عن ابن مسعود أمرنا رسول الله ﷺ أن نأكل منها ثلثا ونتصدق بثلثها ونطعم الجيران ثلثها. فطلحة مشهور بالكذب الفاضح، وعطاء لم يدرك ابن مسعود، ولا ولد إلا بعد موته، ولو صح لقلنا به مسارعين إليه، لكن روينا من طريق عبد الرزاق عن عمر عن عاصم عن أبي مجلز قال: أمر ابن عمر أن يرفع له من أضحيته بضعة ويتصدق بسائرها.

ومن طريق أبي الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي نا ابن فضيل عن عطاء. عن إبراهيم النخعي قال: سافر معي تميم بن سلمة فلما ذبحنا أضحيته فأخذ منها بضعة فقال: آكلها فقلت له: وما عليك أن لا تأكل منها فقال تميم: يقول الله تعالى: {فكلوا منها} فتقول أنت: وما عليك أن لا تأكل.

قال أبو محمد: حمل هذا الأمر تميم على الوجوب وهذا الحق الذي لا يسع أحدا سواه، وتميم من أكابر أصحاب ابن مسعود.

ومن طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن عبد الملك عن مولى لأبي سعيد عن أبي سعيد أنه كان يقول لبنيه: إذا ذبحتم أضاحيكم فأطعموا، وكلوا، وتصدقوا. وعن ابن مسعود أيضا نحو هذا وعن عطاء نحوه ; وصح عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير: ليس لصاحب الأضحية إلا ربعها.

فإن ذكروا: ما رويناه من طريق البخاري نا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي أبو بكر عن سليمان، هو ابن بلال عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة قالت في الضحية كنا نملح منه فنقدم به إلى النبي ﷺ بالمدينة فقال: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منه ; والله أعلم. فهذا خبر لا حجة فيه، لأن قول القائل " ليست بعزيمة " ليس من كلام رسول الله ﷺ إنما هو من ظن بعض رواة الخبر، يبين ذلك قوله في آخر هذا الخبر أراد أن يطعم منه والله أعلم.

وأيضا: فإن أبا بكر بن أبي أويس مذكور عنه في روايته أمر عظيم، وقد حمل علي بن أبي طالب هذا القول منه عليه السلام على الوجوب، وابن عمر كما ذكرنا.

وروينا من طريق مسلم حدثني حرملة بن يحيى، عن ابن وهب أخبرني يونس، عن ابن شهاب أخبرني أبو عبيد مولى ابن أزهر أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب قال: ثم صليت مع علي بن أبي طالب فصلى لنا قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال: إن رسول الله ﷺ قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال فلا تأكلوا.

ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال: لا يأكل أحد من لحم أضحيته فوق ثلاث.

قال علي: حديث أبي عبيد مولى ابن أزهر كان عام حصر عثمان رضي الله عنه وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة وأصابهم جهد فأمر لذلك بمثل ما أمر رسول الله ﷺ حين جهد الناس ودفت الدافة وبالله تعالى التوفيق.

986 - مسألة: ولا يحل للمضحي أن يبيع من أضحيته بعد أن يضحي بها شيئا: لا جلدا، ولا صوفا، ولا شعرا، ولا وبرا، ولا ريشا، ولا شحما، ولا لحما، ولا عظما، ولا غضروفا، ولا رأسا، ولا طرفا، ولا حشوة، ولا أن يصدقه، ولا أن يؤاجر به، ولا أن يبتاع به شيئا أصلا، لا من متاع البيت، ولا غربالا، ولا منخلا، ولا تابلا، ولا شيئا أصلا. وله أن ينتفع بكل ذلك، ويتوطأه، وينسخ في الجلد، ويلبسه، ويهبه ويهديه، فمن ملك شيئا من ذلك بهبة، أو صدقة، أو ميراث، فله بيعه حينئذ إن شاء. ولا يحل له أن يعطي الجزار على ذبحها، أو سلخها شيئا منها، وله أن يعطيه من غيرها، وكل ما وقع من هذا فسخ أبدا. وقد اختلف السلف في هذا: فروينا من طريق شعبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان قلت لأبن عمر: أبيع جلد بقر ضحيت بها فرخص لي.

وروينا من طريق عطاء، أنه قال: إذا كان الهدي واجبا يتصدق بإهابه وإن كان تطوعا باعه إن شاء. وقال أيضا: لا بأس ببيع جلد الأضحية إذا كان عليك دين. وسئل الشعبي عن جلود الأضاحي فقال: لن ينال الله لحومها، ولا دماؤها إن شئت فبع، وإن شئت فأمسك. وصح عن أبي العالية، أنه قال: لا بأس ببيع جلود الأضاحي، نعم الغنيمة تأكل اللحم وتقضي النسك، ويرجع إليك بعض الثمن. وذهب آخرون إلى مثل هذا إلا أنهم أجازوا أن يباع به شيء دون شيء: صح عن إبراهيم النخعي أنه كره بيع جلد الأضحية وقال: لا بأس بأن يبدل بجلد الأضحية بعض متاع البيت و، أنه قال: تصدق به وأرخص أن يشترى به الغربال والمنخل.

وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يجوز بيعه، ولكن يبتاع به بعض متاع البيت كالغربال، والمنخل، والتابل. قال هشام بن عبيد الله الرازي: أيبتاع به الخل قال: لا، قال: فقلت له: فما الفرق بين الخل والغربال قال: فقال: لا تشتر به الخل ولم يزده على ذلك.

قال أبو محمد: أما هذا القول فطريف جدا، وليت شعري ما الفرق بين التوابل، الكمون، والفلفل، والكسبرة، والكراويا، والغربال، والمنخل. وبين الخل، والزيت واللحم، والفأس، والمسحاة، والثوب، والبر، والنبيذ الذي لا يسكر وهل يجوز عندهم في ابتياع: التوابل، والغربال، والمناخل، من الربا والبيوع الفاسدة ما لا يجوز في غير ذلك إن هذا لعجب لا نظير له وهذا أيضا قول خلاف كل ما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم.

وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان فقلت لأبن عباس: كيف نصنع بإهاب البدن قال: يتصدق به وينتفع به. وعن عائشة أم المؤمنين أن يجعل من جلد الأضحية سقاء ينبذ فيه. وعن مسروق أنه كان يجعل من جلد أضحيته مصلى يصلي فيه. وصح عن الحسن البصري: انتفعوا بمسوك الأضاحي، ولا تبيعوها. وعن طاووس أنه عمل من جلد عنق بدنته نعلين لغلامه. وعن معمر عن الزهري لا يعطى الجزار جلد البدنة، ولا يباع. وعن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح أن مجاهدا، وسعيد بن جبير كرها أن يباع جلد البدنة تطوعا كانت أو واجبة.

قال أبو محمد: ليس إلا قول من منع جملة أو من أباح جملة فاحتج من أباح جملة بقول الله تعالى: {وأحل الله البيع}.

قال علي: هذا حق إذ لم يأت ما يخصه، وقد صح عن النبي ﷺ في الأضاحي ما أوردناه من قوله عليه السلام: كلوا، وأطعموا، وتصدقوا، وادخروا فلا يحل تعدي هذه الوجوه فيتعدى حدود الله تعالى. والأدخار اسم يقع على الحبس، فأبيح لنا احتباسها والصدقة بها، فليس لنا غير ذلك.

وأيضا: فإن الأضحية إذا قربت إلى الله تعالى فقد أخرجها المضحي من ملكه إلى الله تعالى فلا يحل له منها شيء إلا ما أحله له النص، فلولا الأمر الوارد بالأكل والأدخار ما حل لنا شيء من ذلك، فخرج هذان عن الحظر بالنص وبقي ما عدا ذلك كله على الحظر. وهم يقولون ونحن في أم الولد كذلك أن له استخدامها ووطأها وعتقها، ولا يحل له بيعها، ولا إصداقها، ولا الإجارة بها، ولا تمليكها غيره، وبالله تعالى التوفيق. وما وقع مما لا يجوز فيفسخ لقول رسول الله ﷺ: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وأما من تملك من ذلك شيئا بميراث أو هبة أو صدقة فهو مال من ماله لم يخرجه عن يده إلى الله تعالى بعد فله فيه ما له في سائر ماله، ولا فرق.

987 - مسألة: ومن وجد بالأضحية عيبا بعد أن ضحى بها ولم يكن اشترط السلامة فله الرجوع بما بين قيمتها حية صحيحة وبين قيمتها معيبة، وذلك لأنه كان له الرد أو الإمساك، فلما بطل الرد بخروجها بالتضحية إلى الله تعالى لم يجز للبائع أكل مال أخيه بالخديعة والباطل فعليه رد ما استزاد على حقها الذي يساويه، لأنه أخذه بغير حق، إلا أن يحل له ذلك المبتاع فله ذلك، لأنه حقه تركه لله تعالى وهذا متقصى في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى. قال تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.

وقال تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم} فالخديعة أكل مال بالباطل.

988 - مسألة: فإن كان اشتراط السلامة فهي ميتة ويضمن مثلها للبائع ويسترد الثمن، ولا تؤكل لأن السالمة بيقين لا شك فيه هي غير المعيبة. فمن اشترى سالمة وأعطى معيبة فإنما أعطى غير ما اشترى، وإذا أعطى غير ما اشترى فقد أخذ ما ليس له، ومن أخذ ما ليس له فهو حرام عليه قال تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. والتراضي لا يكون إلا بالمعرفة بقدر ما يتراضيان به لا بالجهل به، فمن لم يعرف العيب فلم يرض به، والرضا لا يكون إلا في عقد الصفقة لا بعده. ومن ذبح مال غيره بغير إذن مالكه فقد تعدى، والتعدي معصية لله وظلم، وقد أمر الله تعالى بالذكاة فهي طاعة له تعالى، ولا شك في أن طاعة الله تعالى غير معصية، فالذبح الذي هو طاعة وذكاة، هو غير الذبح الذي هو معصية وعدوان، ولا يحل أكل شيء من الحيوان إلا بالذكاة التي أمر الله تعالى بها، لا مما نهى عنه من العدوان ; فليست ذكية فهي ميتة، ومن تعدى بإتلاف مال أخيه فهو ضامن، والصفقة فاسدة فالثمن مردود. ومن خالفنا في هذا فقد تناقض، إذ حرم أكل ما ذبح من صيد الحرم أو ما يصيده المحرم، ولا فرق بين الأمرين، وقد أباح أبو ثور وغيره أكل الصيد الذي يقتله المحرم بالعلة التي بها أباح هؤلاء أكل ما ذبح بغير حق.

989 - مسألة: ومن أخطأ فذبح أضحية غيره بغير أمره فهي ميتة لا تؤكل، وعليه ضمانها لما ذكرنا. وللغائب أن يأمر بأن يضحى عنه وهو حسن، لأنه أمر بمعروف، فإن ضحي عنه من ماله بغير أمره فهي ميتة لما ذكرنا، فلو ضحى عن الصغير أو المجنون وليهما من مالهما فهو حسن، وليست ميتة، لأنه الناظر لهما وليس كذلك مالك أمر نفسه وبالله تعالى التوفيق.

قلت المدون انتهي كتاب الأضاحيويليه كتاب الأطعمة بمشيئة الباري سبحانه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مكتبات الكتاب الاسلامي

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أ...