مدونة استكمال مصنفات الإمامين ابن حزم والوكاني

الأحد، 20 مارس 2022

تابع كتاب الصلاة من المحلي لابن حزم { من 413 - مسألة حتي رقم 453 }

كتـاب الصلاة

413 - مسألة : وأما من تأول في بعض ما يوجب الوضوء فلم ير الوضوء منه - : فالائتمام به جائز ؛ وكذلك من اعتقد متأولا أن بعض فروض صلاته تطوع ؛ لأنه معذور بجهله ، وقد أجاز عليه السلام صلاة معاوية بن الحكم ، وهو قد تعمد الكلام في صلاته جاهلا

414 - مسألة : ومن علم أن إمامه قد زاد ركعة أو سجدة فلا يجوز له أن يتبعه عليها ، بل يبقى على الحالة الجائزة ، ويسبح بالإمام ، وهذا لا خلاف فيه ، وقد قال تعالى : { لا تكلف إلا نفسك }


415 - مسألة : وأيما رجل صلى خلف الصف بطلت صلاته ، ولا يضر ذلك المرأة شيئا . وفرض على المأمومين تعديل الصفوف - الأول فالأول - والتراص فيها ، والمحاذاة بالمناكب ، والأرجل ، فإن كان نقص كان في آخرها ومن صلى وأمامه في الصف فرجة يمكنه سدها بنفسه فلم يفعل : بطلت صلاته ؛ فإن لم يجد في الصف مدخلا فليجتذب إلى نفسه رجلا يصلي معه ؛ فإن لم يقدر فليرجع ، ولا يصل وحده خلف الصف إلا أن يكون ممنوعا فيصلي وتجزئه حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة هو ابن معبد الأسدي { أن رسول الله ﷺ رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة } . وروينا من طريق جرير بن عبد الحميد عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف أن زياد بن أبي الجعد أخبره عن وابصة بن معبد { أن رسول الله ﷺ أمر رجلا صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة } . فقال قوم بآرائهم : لعله أمره بالإعادة لأمر غير ذلك لا نعرفه قال علي : وهذا باطل لأنه عليه السلام لم يكن ليدع بيان ذلك لو كان كما ادعوا ، وإذا جوزوا مثل هذا لم يعجز أحد لا يتقي الله عز وجل أن يقول إذا ذكر له حديث : لعله نقص منه شيء يبطل هذا الحكم الوارد فيه فكيف وقد حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر حدثني عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه قال { قدمنا على رسول الله ﷺ فبايعناه وصلينا خلفه ، فقضى الصلاة فرأى رجلا فردا يصلي خلف الصف فوقف عليه رسول الله ﷺ حتى انصرف ، فقال له : استقبل صلاتك ، فإنه لا صلاة للذي خلف الصف } . قال علي : ملازم ثقة . وثقه ابن أبي شيبة ، وابن نمير وغيرهما ، وعبد الله بن بدر ثقة مشهور وما نعلم أحدا عاب عبد الرحمن بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الله بن بدر ، وهذا ليس جرحة . ورواية هلال بن يساف حديث وابصة مرة عن زياد بن أبي الجعد ، ومرة عن عمرو بن راشد قوة للخبر ، وعمرو بن راشد ثقة ، وثقه أحمد بن حنبل وغيره . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو الوليد هو الطيالسي - ثنا شعبة أنا عمرو بن مرة قال سمعت سالم بن أبي الجعد قال سمعت النعمان بن بشير يقول قال رسول الله ﷺ : { لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم } . قال علي : هذا وعيد شديد . والوعيد لا يكون إلا في كبيرة من الكبائر . وبه نصا إلى شعبة : عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ { سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة } . قال علي : تسوية الصف إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض ؛ لأن إقامة الصلاة فرض ؛ وما كان من الفرض فهو فرض . وبه إلى البخاري : ثنا أحمد بن أبي رجاء ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة بن قدامة ثنا حميد الطويل ثنا أنس بن مالك قال : قال لنا رسول الله ﷺ : { أقيموا صفوفكم وتراصوا ، فإني أراكم من وراء ظهري } . وروينا عن أنس أنه قال " كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه . قال علي : هذا إجماع منهم ، والآثار في هذا كثيرة جدا ؛ والصف الأول هو الذي يلي الإمام حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن حرب الواسطي ثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن ثنا شعبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال { لو تعلمون أو يعلمون ما في الصف الأول لكانت قرعة } . قال علي : لا يمكن أن تكون القرعة إلا فيما لا يسع الجميع فيقع فيه التغاير والمضايقة ولو كان الصف الأول للمبادر بالمجيء - كما يقول من لا يحصل كلامه - لما كانت القرعة فيه إلا حماقة ؛ لأنه لا يمنع أحد من المبادرة بالمجيء حتى يحتاج فيه إلى قرعة حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسماعيل بن مسعود هو الجحدري - عن خالد بن الحارث ثنا سعيد هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن أنس أن رسول الله ﷺ قال : { أتموا الصف الأول ثم الذي يليه ، فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر } . قال علي : شغب من أجاز صلاة المنفرد خلف الصف بصلاة رسول الله ﷺ بأنس ، واليتيم خلفه ، والمرأة خلفهما وهذا لا حجة لهم فيه لأن حكم النساء خلف الرجال ، وإلا فعليهن من إقامة الصفوف إذا كثرن ما على الرجال لعموم الأمر بذلك ، ولا يجوز أن يترك حديث مصلى المرأة المذكورة لحديث وابصة ، ولا حديث وابصة لحديث مصلى المرأة ، فليس من ترك هذا لهذا بأولى ممن ترك ما أخذ هذا وأخذ بما ترك ، وكل هذا لا يجوز وشغبوا بحديث { ابن عباس وجابر إذ جاء كل منهما فوقف عن يسار رسول الله ﷺ مؤتما به وحده فأدار عليه السلام كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه } ، قالوا : فقد صار جابر وابن عباس خلف رسول الله ﷺ في تلك الإدارة . قال علي : وهذا لا حجة فيه لهم ، لما ذكرنا من أنه لا يحل ضرب السنن بعضها ببعض . وهذا تلاعب بالدين وليت شعري ما الفرق بين من ترك حديث جابر وابن عباس لحديث وابصة ، وعلي بن شيبان وبين من ترك حديث وابصة ، وعلي لحديث جابر ، وابن عباس وهل هذا كله إلا باطل بحت ، وتحكم بلا برهان بل الحق في ذلك الأخذ بكل ذلك ، فكله حق ، ولا يحل خلافه ، فإدارة الإمام من صلى عن يساره إلى يمينه حق ، ولا تبطل بذلك الصلاة ، وبخلاف من صلى عن يسار الإمام وهو عالم بالمنع من ذلك فصلاة هذين باطل ، بخلاف حكم المصلي خلف الصف ، وما سمي قط المدار عن شمال إلى يمين مصليا وحده خلف الصف وموهوا أيضا بخبر أبي بكرة إذا أتى وقد حفزه النفس فركع دون الصف ثم دخل الصف . قال علي : وهذا الخبر حجة عليهم لنا ؛ لأن عبد الله بن ربيع حدثنا قال ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حميد بن مسعدة أن يزيد بن زريع حدثهم قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة عن زياد الأعلم ثنا الحسن { أن أبا بكرة حدث أنه دخل المسجد ونبي الله ﷺ راكع ، قال : فركعت دون الصف ، فقال النبي ﷺ زادك الله حرصا ولا تعد } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن الأعلم هو زياد - عن الحسن عن { أبي بكرة أنه دخل المسجد ورسول الله ﷺ يصلي وقد ركع ، فركع ثم دخل الصف وهو راكع ؛ فلما انصرف رسول الله ﷺ قال : أيكم دخل الصف وهو راكع فقال له أبو بكرة : أنا ، قال : زادك الله حرصا ولا تعد } . قال علي : فقد ثبت أن الركوع دون الصف ثم دخول الصف كذلك لا يحل فإن قيل : فهلا أمره رسول الله ﷺ بالإعادة كما أمر الذي أساء الصلاة والذي صلى خلف الصف وحده قلنا : نحن على يقين - نقطع به - أن الركوع دون الصف إنما حرم حين نهى النبي ﷺ . فإذ ذلك كذلك فلا إعادة على من فعل ذلك قبل النهي ، ولو كان ذلك محرما قبل النهي ؛ لما أغفل عليه السلام أمره بالإعادة ، كما فعل مع غيره . فبطل أن يكون لمن أجاز صلاة المنفرد خلف الصف ، وصلاة من لم يقم الصفوف : حجة أصلا ، لا من قرآن ولا من سنة ولا إجماع وبقولنا يقول السلف الطيب - : روينا بأصح إسناد عن أبي عثمان النهدي قال : كنت فيمن ضرب عمر بن الخطاب قدمه لإقامة الصف في الصلاة قال علي : ما كان رضي الله عنه ليضرب أحدا ويستبيح بشرة محرمة على غير فرض وعن يحيى بن سعيد القطان ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع أنه أخبره عن ابن عمر : أن عمر بن الخطاب كان يبعث رجالا يسوون الصفوف ، فإذا جاءوا : كبر . وعن عمر بن الخطاب : من كان بينه وبين الإمام نهر أو حائط أو طريق فليس مع الإمام وعن مالك عن أبي النضر عن مالك بن أبي عامر عن عثمان بن عفان أنه كان يقول ذلك في خطبته قلما يدع ذلك كلاما فيه : إذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف ، وحاذوا بالمناكب ، فإن اعتدال الصف من تمام الصلاة ، ثم لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أنها استوت فيكبر . هذا فعل الخليفتين رضي الله عنهما بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، لا يخالفهم في ذلك أحد منهم . وعن عثمان أنه كان يقول : اعدلوا الصفوف وصفوا الأقدام وحاذوا بالمناكب . وعن سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمران الجعفي عن سويد بن غفلة قال : كان بلال - هو مؤذن رسول الله ﷺ - يضرب أقدامنا في الصلاة ويسوي مناكبنا . فهذا بلال ما كان : ليضرب أحدا على غير الفرض . وعن ابن عمر : من تمام الصلاة اعتدال الصف . وأنه قال : لأن تخر ثنيتاي أحب إلي من أن أرى خللا في الصف فلا أسده قال علي : هذا لا يتمنى في ترك مباح أصلا وعن ابن عباس : إياكم وما بين السواري ، وعليكم بالصف الأول . وعن عبيد الله بن أبي يزيد : رأيت المسور بن مخرمة يتخلل الصفوف حتى ينتهي إلى الصف الأول أو الثاني وعن وكيع عن مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن النعمان بن بشير قال : والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم . وقيل لأنس بن مالك : أتنكر شيئا مما كان على عهد رسول الله ﷺ قال : لا ، إلا أنكم لا تقيمون الصفوف . قال علي : المباح لا يكون منكرا وعن سعيد بن جبير الأمر بتسوية الصفوف وعن عطاء : على الناس أن يسووا الصفوف . وعن عبد الرحمن بن يزيد : سووا الصفوف ، فإن من تمام الصلاة إقامة الصف . وعن إبراهيم النخعي في الرجل يجيء وقد تم الصف : إن قدر فليدخل معهم في الصف ، أو يجتذب رجلا فيصلي معه ، فإن صلى وحده فليعد الصلاة . وعن شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة عن الرجل يصلي وحده خلف الصف قال : يعيد . وببطلان صلاة من صلى خلف الصف منفردا يقول الأوزاعي ، والحسن بن حي ، وأحد قولي سفيان الثوري ، وهو قول أحمد بن حنبل ، وإسحاق

416 - مسألة : وواجب على من دخل المسجد أن يقول " اللهم افتح لي أبواب رحمتك " فإذا خرج منه فليقل : " اللهم إني أسألك من فضلك " . وهذا إنما هو من شروط دخول المسجد متى دخله ، لا من شروط الصلاة ، فصلاة من لم يقل ذلك جائزة ، وقد عصى في تركه قول ما أمر به حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد هو ابن سويد الأنصاري - عن أبي حميد أو عن أبي أسيد قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك } . قال علي : أيهما كان فهو خير من كل من بعده

417 - مسألة : وفرض على كل مأموم أن لا يرفع ولا يركع ولا يسجد ولا يكبر ولا يقوم ولا يسلم قبل إمامه ، ولا مع إمامه ؛ فإن فعل عامدا بطلت صلاته ؛ لكن بعد تمام كل ذلك من إمامه ؛ فإن فعل ذلك ساهيا فليرجع ولا بد حتى يكون ذلك كله منه بعد كل ذلك من إمامه وعليه سجود السهو . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل الجحدري ثنا أبو عوانة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي ثنا أبو موسى قال { إن رسول الله ﷺ خطبنا فبين لنا سنة الخير ، وعلمنا صلاتنا ، فقال : إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ، ثم ليؤمكم أحدكم ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قال : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا آمين يجبكم الله فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا ، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم ، فتلك بتلك وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا ، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم ، فتلك بتلك } وذكر باقي الحديث . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري حدثني أبو إسحاق هو السبيعي - ثنا عبد الله بن يزيد الأنصاري ثنا البراء بن عازب قال : { كان رسول الله ﷺ إذا قال : سمع الله لمن حمده ، لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي ﷺ ساجدا ، ثم نقع سجودا بعده } . وقد رويناه أيضا من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب . وبه إلى البخاري : ثنا الحجاج بن المنهال ثنا شعبة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : { أما يخشى أحدكم ، أو لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار ؛ أو يجعل الله صورته صورة حمار } . حدثنا حمام ثنا ابن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان هو ابن عيينة - ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول قال رسول الله ﷺ : { لا تبادروني بالركوع ولا السجود فإني قد بدنت فمهما أسبقكم به إذا ركعت فإنكم تدركوني به إذا رفعت ، ومهما أسبقكم به إذا سجدت فإنكم تدركوني به إذا رفعت } وبه قال السلف . روينا عن أبي هريرة أنه قال : إن الذي يرفع رأسه قبل الإمام ويخفض قبله فإن ناصيته بيد شيطان . وعن عبد الله بن مسعود : ما يؤمن الرجل إذا رفع رأسه قبل الإمام أن تعود رأسه رأس كلب . قال علي : لا وعيد أشد من المسخ في صورة كلب أو حمار ، ولا عقوبة أعظم من إسلام ناصية المرء إلى يد الشيطان . وعن ابن مسعود : لا تبادروا أئمتكم بالسجود ، فإن سبقكم من ذلك شيء فليضع أحدكم رأسه كقدر ما سبق . وعن عمر بن الخطاب مثل هذا حرفا حرفا . قال علي : والمعصية المحرمة المبعدة من الله تعالى لا تنوب عن الطاعة المفترضة المقربة منه عز وجل

418 - مسألة : فمن كان عليل البصر وخشي ضررا من طول الركوع أو السجود فليؤخر ذلك إلى قرب رفع الإمام رأسه بمقدار ما يركع ويطمئن ويقول سبحان ربي العظيم وبحمده ثم يرفع بعد رفع الإمام لقول الله تعالى : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } ولقوله عز وجل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ولقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } والعجب كله من قول أبي حنيفة ، ومالك : لا يحل لمأموم أن يكبر للإحرام قبل إمامه ، ولا مع إمامه ، ولا أن يسلم قبل إمامه ، ولا مع إمامه : ثم أجازوا له أن يفعل سائر ذلك مع الإمام وفي قول رسول الله ﷺ : { فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } أو { فاقضوا } نص جلي على أنه لا يحل للمأموم أن يفارق الإمام حتى تتم صلاة الإمام ، ولا تتم صلاة الإمام إلا بتمام سلامه

419 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يكبر قبل إمامه إلا في أربعة مواضع - : أحدها : من دخل خلف إمام فلما كبر الإمام وكبر الناس ذكر الإمام أنه على غير طهارة ، فإنه يشير إلى الناس أن امكثوا ، ثم يخرج فيتطهر ، ثم يأتي فيبتدئ التكبير للإحرام ، وهم باقون على ما كبروا ؛ كما فعل رسول الله ﷺ بأصحابه رضي الله عنهم والثاني : أن يكبر الإمام ويكبر الناس بعده ثم يحدث ، فيستخلف من دخل حينئذ ، فيصير إماما مكانه ، ويكون المؤتمون به قد كبروا قبله - وهذا إجماع من الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين ، والحنبليين . والثالث : أن يغيب الإمام الراتب فيستخلف الناس من يصلي بهم ثم يأتي الإمام الراتب فيتأخر المقدم ، ويتقدم هو ، فيصلي بالناس وقد كبر المأمومون قبله ، كما فعل رسول الله ﷺ مرتين - : مرة { إذ مضى عليه السلام إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، فقدم الناس للصلاة التي حضرت أبا بكر فجاء رسول الله ﷺ فتأخر أبو بكر وتقدم رسول الله ﷺ فصلى بالناس بانين على ما صلوا مع أبي بكر } . وكما فعل ﷺ في آخر صلاة صلاها بالمسلمين . وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما سلف من كتابنا هذا ولله الحمد والرابع : من كان معذورا في ترك حضور الجماعة أو يئس عن أن يجد جماعة فبدأ الصلاة فلما دخل فيها أتى الإمام ، فإنه يدخل في صلاة الإمام ويعتد بتكبيره وبما صلى ، لأنه كبر كما أمر ، وصلى ما مضى من صلاته كما أمر ، ومن فعل ما أمر به فقد أحسن ، ومن أحسن فلا يجوز إبطال ما عمل إلا بنص : قرآن أو سنة ثابتة ، وقد قال تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } . وكذلك لا يحل لأحد أن يسلم قبل إمامه إلا في أربعة مواضع - : أحدها : صلاة الخوف ، كما نذكر في أبوابها إن شاء الله تعالى والثاني : من كان له عذر في ترك حضور الجماعة أو يئس عن وجود جماعة فبدأ بالصلاة ثم أتى الإمام ، فصار هذا مؤتما به وتمت صلاته قبل صلاة الإمام ، فهذا مخير ، إن شاء سلم ونهض ؛ لأن صلاته قد تمت . ولا يجوز له الائتمام بالإمام في أحوال يفعلها الإمام من صلاته ، ولا يحل للمؤتم أن يزيدها في صلاته ؛ فإذ لا يجوز له الائتمام بالإمام فقد خرج عن إمامته وتمت صلاته ، فليسلم ، وإن شاء يتمادى على تشهده ودعائه ، حتى إذا سلم الإمام سلم بعده أو معه . والثالث : مسافر دخل خلف من يتم الصلاة - إما مقيما وإما متأولا معذورا بخطئه فإذا تمت للمأموم ركعتان بسجدتيهما فقد تمت صلاته ؛ فهو مخير بين ما ذكرنا من سلام أو تمادى على الجلوس والدعاء ، وإن شاء بعد سلامه أن ينهض فله ذلك ، وإن شاء أن يصلي مع الإمام باقي صلاته متطوعا فذلك له والرابع : من طول عليه الإمام تطويلا يضر به في نفسه ، أو في ضياع ماله ؛ فله أن يخرج عن إمامته ، ويتم صلاته لنفسه ، ويسلم وينهض لحاجته - : كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن عمرو هو ابن دينار - عن جابر بن عبد الله قال : { كان معاذ يصلي مع النبي ﷺ ثم يأتي فيؤم قومه ، فصلى ليلة مع النبي ﷺ العشاء ، ثم أتى قومه فأمهم ، فافتتح بسورة البقرة ، فانحرف رجل فسلم ، ثم صلى وحده وانصرف ، فقالوا له : أنافقت يا فلان قال : لا والله ، ولآتين رسول الله ﷺ فلأخبرنه ؛ فأتى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله ، إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار ، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة ، فأقبل رسول الله ﷺ فقال : يا معاذ ، أفتان أنت اقرأ بكذا ، واقرأ بكذا } وذكر باقي الكلام . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري حدثني محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : { كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي ﷺ ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم ، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف رجل فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال : فتان فتان فتان أو قال : فاتنا فاتنا فاتنا وأمره بسورتين من أوسط المفصل } . وهذا إجماع من الصحابة رضي الله عنهم مع النص وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : إذا تشهد الرجل وخاف أن يحدث قبل أن يسلم الإمام فليسلم وقد تمت صلاته ولا نعلم له من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك مخالفا . وبكل الوجوه التي ذكرنا ، قد قالت طوائف من السلف رضي الله عنهم

420 - مسألة : ومن سبق إلى مكان من المسجد لم يجز لغيره إخراجه عنه وكذلك إن قام عنه غير تارك له فرجع فهو أحق به ؛ لأن المسجد لجميع الناس ، وقد نهى النبي ﷺ أن يقام أحد عن مكانه - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع فهو أحق به } .

=======




كتـاب الصلاة

421 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يصلي أمام الإمام إلا لضرورة حبس فقط ، أو في سفينة حيث لا يمكن غير ذلك - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حرزة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت : أتينا جابر بن عبد الله فحدثنا { أن رسول الله ﷺ توضأ ، قال جابر : فتوضأت من متوضأ رسول الله ﷺ فذهب جبار بن صخر يقضي حاجته ، فقام رسول الله ﷺ ليصلي ، ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله ﷺ فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول الله ﷺ فأخذ بأيدينا جميعا حتى أقامنا خلفه } . فوجب أن يكون الاثنان فصاعدا خلف الإمام ولا بد ؛ ويكون الواحد عن يمين الإمام ولا بد ؛ لأن دفع النبي ﷺ جابرا وجبارا إلى ما وراءه أمر منه عليه السلام بذلك لا يجوز تعديه ، وإدارته جابرا إلى يمينه كذلك ؛ فمن صلى بخلاف ما أمر به عليه السلام فلا صلاة له وقد قال قوم : إن الاثنين يكونان حفافي الإمام واحتجوا في ذلك برواية رويناها عن الأعمش عن إبراهيم { عن علقمة ، والأسود : أنهما صليا مع ابن مسعود رضي الله عنه فقام بينهما ، وجعل أحدهما عن يمينه . والآخر عن شماله ، وقام بينهما ، ثم ركع بهما ، فوضعا أيديهما على ركبهما ، فضرب أيديهما ثم طبق يديه فجعلهما بين فخذيه ، فلما صلى قال : هكذا فعل رسول الله ﷺ } . وروينا من طريق فيها هارون بن عنترة وأخرى فيها الحارث بن أبي أسامة - وكلاهما متروك - : أن هكذا كان يفعل عليه السلام إذا كانوا ثلاثة . قال علي : أما رواية الأعمش - وهي الثابتة - فلا بيان فيها إلى أي شيء أشار ابن مسعود بقوله : { هكذا فعل رسول الله ﷺ } إلى موقف الإمام بين المأمومين وإلى التطبيق معا أم إلى التطبيق وحده وإذ لا بيان في ذلك فلا يجوز أن يترك اليقين للظنون . ثم حتى لو صح هذا مسندا إلى رسول الله ﷺ لكان إبعاده عليه السلام لجابر ، وجبار ، عن كونهما حفافيه وإيقافهما خلفه - : مدخلا لنا في يقين منع الاثنين من كونهما حفافي الإمام ، وأنه لا يجوز ، وإذ ذلك كذلك فجواز كون الاثنين حفافي الإمام قد حرم بيقين ؛ فلا يجوز أن يعود إلى الجواز ما قد تيقن تحريمه إلا بنص جلي بعودته - وبالله تعالى التوفيق

422 - مسألة : وكل من استخلفه الإمام المحدث فإنه لا يصلي إلا صلاة نفسه لا على صلاة إمامه المستخلف له ، ويتبعه المأمومون فيما يلزمهم ، ولا يتبعونه فيما لا يلزمهم ؛ بل يقفون على حالهم ، ينتظرونه حتى يبلغ إلى ما هم فيه فيتبعوه حينئذ وقال أبو حنيفة ، ومالك : بل يصلي الإمام المستخلف كما كان يصلي لو كان مأموما ، وعلى حكم صلاة إمامه الذي استخلفه قال علي : ما نعلم لهم حجة إلا أنهم ونحن تنازعنا في قول رسول الله ﷺ { إنما جعل الإمام ليؤتم به } قال علي : والإمام الذي أحدث واستخلف وخرج فقد بطلت إمامته بإجماع منا ومنهم وبضرورة الحس والمشاهدة ؛ لأنه الآن في داره يحدث أو يأكل أو يعمل ما الله تعالى أعلم به في غير صلاة ، وأنه لو رجع لكان مؤتما عندكم لا إماما ، فقد أيقنا : أن إمامته قد بطلت ، فإن قالوا : إنما قلنا : بقي حكم إمامته ، لا إمامته قلنا في هذا نازعناكم ، فليس دعواكم حجة لنفسها ، وإذ قد أقررتم أن إمامته قد بطلت ، وأنه ليس إماما - فلا يجوز بقاء حكم إمامة قد بطلت أصلا وأما الثاني - فهو بإجماع منا ومنهم - الإمام الذي أمر عليه السلام أن نأتم به ، وأن نكبر إذا كبر ، ونرفع إذا رفع ، ونركع إذا ركع ، ونسجد إذا سجد ؛ فإذ هو كذلك فهو الإمام لا المأموم ، والإمام هو المأمور بأن يأتي بالصلاة كما أمر ؛ والمؤتمون به هم المأمورون بالائتمام به ، فإن قالوا : فأنتم تقولون : إن المأموم إذا أتم صلاته لم ينتظر الإمام قلنا : نعم ، وهؤلاء لم تتم صلاتهم بعد . فواجب عليهم انتظاره ، كما فعل المسلمون في انتظار رسول الله ﷺ إذ خرج ثم رجع وقد اغتسل ، وكما فعلوا في صلاة الخوف ؛ لأنهم بعد مؤتمون به ، وهو إمامهم ، وصلاتهم لم تتم ، فلا عذر لهم في الخروج عن الائتمام به ، ولا يحل لهم أن يتبعوه فيما ليس من صلاتهم فيزيدوا فيها بالعمد ما قد صلوه ، فوجب انتظارهم إياه ولا بد - وبالله تعالى التوفيق . وأما من تمت صلاته منهم ، فإن شاء سلم وإن شاء أطال التشهد ؛ فذلك له ، حتى يسلم مع الإمام - وبالله تعالى التوفيق .

423 - مسألة : وأيما عبد أبق عن مولاه فلا تقبل له صلاة حتى يرجع ، إلا أن يكون أبق لضرر محرم لا يجد من ينصره منه ، فليس آبقا حينئذ إذا نوى بذلك البعد عنه فقط - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا جرير عن المغيرة عن الشعبي قال : كان جرير بن عبد الله البجلي يحدث عن النبي ﷺ أنه قال : { إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة } وبهذا يقول أبو هريرة ؛ كما روينا عن محمد بن المثنى : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال سمعت وأنا صبي عن أبي هريرة أنه قال في الآبق : لا تقبل له صلاة . قال علي : هذا صاحب لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ، وخصومنا يشغبون بأقل من هذا إذا وافق تقليدهم

424 - مسألة : ومن صلى من الرجال وهو لابس معصفرا بطلت صلاته إذا كان ذكرا عالما بالنهي وإلا فلا ؛ فإن كان مصبوغا بعصفر لا يظهر فيه إلا أنه لا يطلق عليه اسم " معصفر " فصلاته فيه جائزة ، والصلاة فيه جائزة للنساء حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا القعنبي ثنا مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب : { أن رسول الله ﷺ نهى عن لبس القسي وعن لبس المعصفر وعن تختم الذهب ، وعن القراءة في الركوع } . وبهذا يقول بعض السلف الصالح - : كما روينا عن معمر عن قتادة : أن عمر بن الخطاب رأى على رجل ثوبا معصفرا فقال : دعوا هذه البراقات للنساء . وعن معمر عن بديل العقيلي عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير عن سليمان بن صرد الخزاعي قال : رأى عمر بن الخطاب على رجل ثوبين ممصرين فقال : ألق هذين عنك ؛ لعلك أن توهم من عملك ما هو أشد من هذا قال علي : هذا تشديد عظيم جدا وروينا أن أم الفضل بنت غيلان : أرسلت إلى أنس بن مالك تسأله عن العصفر فقال أنس : لا بأس به للنساء . قال علي : صح عن النبي ﷺ إباحته للنساء حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - ثنا أبي عن محمد بن إسحاق أن نافعا مولى ابن عمر حدثه عن عبد الله بن عمر : أنه سمع رسول الله ﷺ { نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب ، وما مس الورس والزعفران من الثياب ، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر ، أو خز ، أو حلي ، أو سراويل ، أو قميص ، أو خف } .

425 - مسألة : ومن صلى وهو يحمل شيئا مسروقا أو مغصوبا أو إناء فضة أو ذهب بطلت صلاته إلا أن يحمل المأخوذ بغير حقه ليرده إلى صاحبه ، أو يحمل الإناء ليكسره - : فصلاته تامة ، فإن صلى وفي كفه أو حجزته حلي ذهب يتملكه لأهله ، أو ليبيعه ، أو ثوب حرير كذلك ، أو دنانير - : فصلاته تامة . وكذلك لو صلى وفي فيه دينار أو لؤلؤة يحرزهما بذلك فصلاته تامة . برهان ذلك - : أنه عمل في صلاته ما لا يحل له ، ومن عمل في صلاته ما لا يحل له ؛ فلم يصل الصلاة التي أمره الله عز وجل بها ؛ فإذا حمل ذلك لما أمر به ؛ فلم يعمل في صلاته إلا ما أمر به ؛ فصلاته صحيحة - وبالله تعالى التوفيق

426 - مسألة : وفرض على الرجل - إن صلى في ثوب واسع - أن يطرح منه على عاتقه أو عاتقيه ، فإن لم يفعل بطلت صلاته ، فإن كان ضيقا اتزر به وأجزأه ، كان معه ثياب غيره أو لم يكن - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو عاصم هو النبيل - عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء } . ورويناه من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ﷺ : { لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء } . قال علي : المعنى في كلا اللفظين واحد ، لأنه متى ألقى بعض الثوب على عاتقه فلم يصل في ثوب ليس على عاتقيه منه شيء ، بل صلى في ثوب على أحد عاتقيه منه شيء . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة - عن { عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : أتينا جابر بن عبد الله أنا وأبي فحدثنا في حديث : أن رسول الله ﷺ قال له يا جابر ، إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه ، وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك } يعني ثوبه . وهذه الأحاديث تقضي سائر الأخبار في الصلاة في الثوب الواحد وروينا عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال في الثوب : إذا كان واسعا فتوشح به ، وإن كان قصيرا فاتزر به . وعن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال : إذا لم يكن عليك إلا ثوب واحد ، إن كان واسعا فتوشح به ، وإن كان صغيرا فاتزر به وعن طاوس بنحو هذا وعن محمد بن الحنفية : لا صلاة لمن لم يخمر على عاتقيه في الصلاة

427 - مسألة : ولا يجوز لأحد أن يصلي وهو مشتمل الصماء ، وهو أن يشتمل المرء ويداه تحته ، الرجل والمرأة سواء - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ نهى عن بيعتين وعن لبستين فذكر الحديث وفيه : عن اشتمال الصماء }

428 - مسألة : ولا تجزئ الصلاة ممن جر ثوبه خيلاء من الرجال وأما المرأة فلها أن تسبل ذيل ما تلبس ذراعا لا أكثر ، فإن زادت على ذلك عالمة بالنهي بطلت صلاتها وحق كل ثوب يلبسه الرجل أن يكون إلى الكعبين لا أسفل ألبتة ؛ فإن أسبله فزعا أو نسيانا فلا شيء عليه حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد هو القطان - عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء } . فهذا عموم للسراويل ، والإزار ، والقميص وسائر ما يلبس . ورواه أيضا عبد الله بن دينار ، وزيد بن أسلم عن ابن عمر مسندا . ورويناه أيضا من طريق أبي ذر مسندا بوعيد شديد . وروينا عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود أنه قال : المسبل إزاره في الصلاة ليس من الله في حل ولا في حرام . وعن ابن عباس : لا ينظر الله إلى مسبل وعن مجاهد : كان يقال : من مس إزاره كعبه لم يقبل الله له صلاة فهذا مجاهد يحكي ذلك عمن قبله ، وليسوا إلا الصحابة رضي الله عنهم لأنه ليس من صغار التابعين ؛ بل من أواسطهم وعن ذر بن عبد الله المرهبي - وهو من كبار التابعين - : كان يقال : من جر ثيابه لم تقبل له صلاة ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم . قال علي : فمن فعل في صلاته ما حرم عليه فعله فلم يصل كما أمر ، ومن لم يصل كما أمر فلا صلاة له . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا النفيلي هو عبد الله بن محمد - ثنا محمد ثنا زهير هو ابن معاوية - ثنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ : { من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر الصديق : إن أحد جانبي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال له رسول الله ﷺ لست ممن يفعله خيلاء } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا نوح بن حبيب القومسي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه قالت أم سلمة يا رسول الله فكيف تصنع النساء بذيولهن قال : ترخينه شبرا ؛ قالت : إذن تنكشف أقدامهن ؛ قال : ترخينه ذراعا لا يزدن عليه } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ثنا سفيان هو ابن عيينة - ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال : سألت أبا سعيد الخدري فقال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، وما أسفل ذلك في النار ، لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا } .

429 - مسألة : والصلاة جائزة في ثوب الكافر والفاسق ، ما لم يوقن فيها شيئا يجب اجتنابه لقول الله تعالى : { خلق لكم ما في الأرض جميعا } . وقد صح { أن رسول الله ﷺ صلى في جبة رومية } ؛ ونحن على يقين من طهارة القطن ، والكتان ، والصوف ، والشعر ، والوبر ، والجلود ، والحرير للنساء ؛ وإباحة كل ذلك فمن ادعى نجاسة أو تحريما لم يصدق إلا بدليل من نص قرآن أو سنة صحيحة . قال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } . وقال تعالى : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } ، فإن قيل : قد حرم رسول الله ﷺ آنيتهم إلا بعد غسلها ، وإن لم يوجد غيرها قلنا : نعم ، والآنية غير الثياب { وما كان ربك نسيا } . ولو أراد الله تعالى تحريم ثيابهم لبين ذلك على لسان رسوله ﷺ كما فعل بالآنية والعجب أن المانع من الصلاة في ثيابهم يبيح آنيتهم لغير ضرورة وهذا عكس الحقائق وإباحة الصلاة في ثياب المشركين هو قول سفيان الثوري ، وداود بن علي ، وبه نقول

430 - مسألة : ولا يجزئ أحدا من الرجال أن يصلي وقد زعفر جلده بالزعفران ، فإن صبغ ثيابه ، أو عمامته ، بالزعفران ، أو زعفر لحيته ، فحسن ، وصلاته بكل ذلك جائزة حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - كلاهما عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال : { نهى رسول الله ﷺ أن يتزعفر الرجل } . هذا لفظ إسماعيل ، ولفظ حماد ، { عن التزعفر للرجال } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا سليمان بن الأشعث ثنا زهير بن حرب ثنا محمد بن عبد الله الأسدي ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن جديه قالا : سمعنا أبا موسى الأشعري يقول : قال رسول الله ﷺ : { لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق } . قال علي : الخلوق الزعفران ، وأول مراتب هذا الخبر كونه من قول أبي موسى . قال علي : هذا النهي ناسخ لما كان في أول الهجرة من إباحته عليه السلام لأن يتزعفر الرجل ، إذ رأى عبد الرحمن بن عوف حين تزوج وعليه الخلوق ، فلم ينكر عليه ؛ إذ الأصل في ذلك الإباحة ، ثم طرأ النهي فجاء ناسخا حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا يعقوب بن إبراهيم ثنا الدراوردي هو عبد العزيز بن محمد - عن زيد بن أسلم قال : رأيت ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن إنك تصفر لحيتك بالخلوق قال : [ { إني رأيت رسول الله ﷺ يصفر بها لحيته ولم يكن شيء من الصبغ أحب إليه منها ؛ ولقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته } ] . قال علي : ولم ينه عليه السلام النساء عن التزعفر ، فهو مباح لهن . قال عز وجل : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } .

431 - مسألة : ولا يحل للرجل أن يصفق بيديه في صلاته ، فإن فعل وهو عالم بالنهي بطلت صلاته ؛ لكن إن نابه شيء في صلاته فليسبح وأما المرأة فحكمها إن نابها شيء في صلاتها أن تصفق بيديها ، فإن سبحت : فحسن وهو قول الشافعي ، وداود وقال أبو حنيفة : إن سبح الرجل مريدا إفهام غيره بأمر ما : بطلت صلاته وقال مالك : لا تصفق المرأة بل تسبح . وكلا القولين خطأ ، وخلاف للثابت عن رسول الله ﷺ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم - ثنا حماد بن زيد ثنا أبو حازم المدني عن سهل بن سعد - فذكر حديثا وفيه - : إن الناس صفحوا إذ رأوا رسول الله ﷺ جاءوهم يصلون خلف أبي بكر ، وإن رسول الله ﷺ قال لهم إذ سلم { إذا رابكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء في الصلاة } . قال علي : لا خلاف في أن التصفيق ، والتصفيح بمعنى واحد ، وهو الضرب بإحدى صفحتي الأكف على الأخرى وروينا عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، أنهما قالا : التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء - ولا يعرف لهما من الصحابة رضي الله عنهم مخالف وإنما جاز التسبيح للنساء ، لأنه ذكر لله تعالى والصلاة مكان لذكر الله عز وجل

432 - مسألة : ولا يحل للمرأة إذا شهدت المسجد أن تمس طيبا ، فإن فعلت بطلت صلاتها ؛ سواء في ذلك الجمعة ، والعتمة ، والعيد ، وغير ذلك من جميع الصلوات . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان ثنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : قال لنا رسول الله ﷺ : { إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة - عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف - عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، ولكن يخرجن وهن تفلات } . قال علي : إن أمكن المرأة أن تتطيب يوم الجمعة طيبا تذهب ريحه قبل الجمعة فذلك عليها ؛ وإلا فلا بد لها من ترك الطيب أو ترك الجمعة ؛ أي ذلك فعلت فمباح لها

433 - مسألة : ولا يحل للمرأة أن تصلي وهي واصلة شعرها بشعر إنسان ، أو غيره ، أو بصوف ، أو بأي شيء كان ؛ وكذلك الرجل أيضا . وأما التي تضفر غديرتها أو غدائرها بخيط من حرير ، أو صوف أو كتان ، أو قطن ، أو سير أو فضة ، أو ذهب ؛ فليست واصلة ، ولا إثم عليها . ولا صلاة للتي تعظم رأسها بشيء تختمر عليه حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الحميدي ثنا سفيان هو ابن عيينة - ثنا هشام هو ابن عروة - أنه سمع فاطمة بنت المنذر تقول : إنها سمعت أسماء بنت أبي بكر الصديق تقول { سألت امرأة النبي ﷺ فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي أصابتها الحصبة فامرق شعرها وإني زوجتها ، أفأصل فيه قال : لعن الله الواصلة والموصولة } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن يحيى بن الحارث الحمصي ثنا محبوب بن موسى أنا ابن المبارك عن يعقوب هو ابن القعقاع - عن قتادة عن ابن المسيب عن معاوية أنه قال : { أيها الناس ، إن رسول الله ﷺ نهاكم عن الزور ، وجاء بخرقة سوداء فألقاها بين أيديهم قال : هو هذا تجعله المرأة في رأسها ثم تختمر عليه } . قال علي : قول معاوية : { نهاكم } خطاب من النبي ﷺ للرجال والنساء ، فمن صلى وهو عامل في صلاته حالا محرمة عليه ، فلم يصل كما أمر ؛ فلا صلاة له - وبالله تعالى التوفيق .

434 - مسألة : وأما التي تتولى وصل شعر غيرها ، والواشمة ، والمستوشمة - والوشم : النقش في الجلد ثم يعمل بالكحل الأسود - والمتفلجة والنامصة والمتنمصة - والنمص هو نتف الشعر من الوجه - فكل من فعلت ذلك في نفسها ، أو في غيرها فملعونات من الله عز وجل وصلواتهن تامة أما اللعنة فقد صح لعن كل من ذكرنا عن رسول الله ﷺ . وأما تمام صلاتهن فإنهن بعد حصول هذه الأعمال فيهن ومنهن لا يقدرن على التبرؤ من تلك الأحوال ، ومن عجز عما كلف سقط عنه . قال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . فلم يكلف أحد إلا ما يستطيع ؛ فإذا عجزن عن إزالة تلك الأحوال فقد سقط عنهن إزالتها ، وهن مأمورات بالصلاة ؛ فيؤدينها كما يقدرن . وأما الواصلة في شعر نفسها فقادرة على إزالته ، فإذا لم تزله فقد استصحبت في صلاتها عملا هي فيه عاصية لله عز وجل ، فلم تصل كما أمرت فلا صلاة لها - وبالله تعالى التوفيق .

==========




كتـاب الصلاة

435 - مسألة : والصلاة جائزة على ظهر الكعبة ، وعلى أبي قبيس ، وعلى كل سقف بمكة ، وإن كان أعلى من الكعبة ، وفي جوف الكعبة أينما شئت منها ، الفريضة والنافلة سواء وقال مالك : لا تجوز الصلاة في جوف الكعبة ، الفرض خاصة ، وأجاز فيها التنفل والذي قلنا نحن : هو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وغيرهم . واحتج أتباع مالك بأن قالوا : إن من صلى داخل الكعبة فقد استدبر بعض الكعبة قال علي : إنما قال الله عز وجل { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } . فلو كان ما ذكره المالكيون حجة لما حل لأحد أن يصلي في المسجد الحرام ؛ لأنه هو القبلة بنص كلام الله تعالى في القرآن ، وكل من يصلي فيه فلا بد له من أن يستدبر بعضه - فظهر فساد هذا القول وأيضا : فإن كل من صلى إلى المسجد الحرام ، أو إلى الكعبة فلا بد له من أن يترك بعضها عن يمينه وبعضها عن شماله ، ولا فرق عند أحد من أهل الإسلام في أنه لا فرق بين استدبار القبلة في الصلاة ، وبين أن يجعلها على يمينه أو على شماله . فصح أنه لم يكلفنا الله عز وجل قط مراعاة هذا ، وإنما كلفنا أن نقابل بأوجهنا ما قابلنا من جدار الكعبة أو من جدار المسجد قبالة الكعبة حيثما كنا فقط - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف قال : أنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال { دخل رسول الله ﷺ الكعبة وأسامة بن زيد ، وبلال ، وعثمان بن طلحة الحجبي ، فأغلقها عليه ومكث فيها ، فسألت بلالا حين خرج : ما صنع النبي ﷺ قال : جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه وثلاثة أعمدة من ورائه ثم صلى } . قال علي : ما قال أحد قط إن صلاته المذكورة ﷺ كانت إلى غير القبلة ، وقد نص عليه السلام على أن الأرض كلها مسجد ، وباطن الكعبة أطيب الأرض وأفضلها ، فهي أفضل المساجد وأولاها بصلاة الفرض والنافلة . ولا يجوز لغير الراكب ، أو الخائف ، أو المريض أن يصلي نافلة إلى غير القبلة ، والتفريق بين الفرض والنافلة بلا قرآن ولا سنة ولا إجماع خطأ - وبالله تعالى التوفيق . وكل مكان أعلى من الكعبة فإنما علينا مقابلة جهة الكعبة فقط ؛ وقد هدمت الكعبة لتجدد فما قال أحد ببطلان صلاة المسلمين

436 - مسألة : ومن صلى وفي قبلته مصحف فذلك جائز ، ما لم يتعمد عبادة المصحف ؛ إذ لم يأت نص ، ولا إجماع ، بالمنع من ذلك .

437 - مسألة : ومن صلى وفي قبلته نار ، أو حجر ، أو كنيسة ، أو بيعة ، أو بيت نار ، أو إنسان ، مسلم ، أو كافر ، أو حائض ، أو أي جسم كان - حاشا الكلب ، والحمار ، وغير المضطجعة من النساء - فكل ذلك جائز ، لأنه لم يأت بالفرق بين شيء مما ذكرنا وبين سائر الأجسام كلها قرآن ولا سنة ولا إجماع . ولا بد من أن يكون بين يدي المصلي جسم من أجسام العالم ؛ فالتفريق بينها باطل ؛ لأنه دعوى بلا برهان - وبالله تعالى التوفيق .

438 - مسألة : والصلاة في البيعة ، والكنيسة ، وبيت النار والمجزرة - ما اجتنب البول والفرث والدم - وعلى قارعة الطريق ، وبطن الوادي ، ومواضع الخسف ؛ وإلى البعير والناقة ، وللتحدث ، والنيام وفي كل موضع - : جائزة ، ما لم يأت نص أو إجماع متيقن في تحريم الصلاة في مكان ما ؛ فيوقف عند النهي في ذلك حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر ، وسفيان الثوري كلاهما عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال : { قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع في الأرض أول قال : المسجد الحرام ، قلت : ثم أي قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما قال أربعون سنة ، ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل ، فهو مسجد } . قال علي : فهذا نص جلي أن الكعبة مسجد ، مع مجيء القرآن بذلك ، وما علم أحد مسجدا تحرم فيه صلاة الفرض وتحل فيه النافلة وروينا عن رسول الله ﷺ من طريق أبي هريرة ، وجابر ، وحذيفة ، وأنس : { أن من فضائلنا : أن الأرض جعلت لنا مسجدا } . وكل ما ذكرنا من الأرض ، فالصلاة فيه جائزة ، حاشا ما جاء النص من المنع من الصلاة فيه كعطن الإبل ، والحمام ، والمقبرة ، وإلى قبر وعليه ، والمكان المغصوب ، والنجس ، ومسجد الضرار فقط وإنما جاء النهي عن الصلاة في المجزرة ، وظهر بيت الله الحرام ، من طريق زيد بن جبيرة ، وهو لا شيء . ومن طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو ضعيف . وجاء النهي عن الصلاة في موضع الخسف من طريق ابن لهيعة ، وهو لا شيء . وجاء النهي عن الصلاة على قارعة الطريق من طريق الحسن عن جابر ، ولا يصح سماع الحسن من جابر .

439 - مسألة : والصلاة جائزة على الجلود ، وعلى الصوف ، وعلى كل ما يجوز القعود عليه إذا كان طاهرا . وجائز للمرأة أن تصلي على الحرير . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وغيرهم . وقال عطاء : لا تجوز الصلاة إلا على التراب والبطحاء . وقال مالك : تكره الصلاة على غير الأرض أو ما تنبت الأرض . قال علي : هذا قول لا دليل على صحته ، والسجود واجب على سبعة أعضاء : الرجلين ، والركبتين ، واليدين ، والجبهة والأنف . وهو يجيز وضع جميع هذه الأعضاء على كل ما ذكرنا ، حاشا الجبهة ؛ فأي فرق بين أعضاء السجود ولا سبيل إلى وجود فرق بينها : لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا من إجماع ولا من قياس ، ولا من قول صاحب ولا من رأي له وجه - وبالله تعالى التوفيق . وروينا عن ابن مسعود : أنه صلى على مسح شعر وعن عمر بن الخطاب : أنه كان يسجد في صلاته على عبقري وهو بساط صوف وعن ابن عباس : أنه سجد في صلاته على طنفسة وهي بساط صوف وعن أبي الدرداء مثل ذلك . وعن شريح والزهري مثل ذلك ، وعن الحسن ، ولا مخالف لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

440 - مسألة : ومن زوحم يوم الجمعة أو غيرها فلم يقدر على السجود على ما بين يديه ، فليسجد على رجل من يصلي بين يديه أو على ظهره ويجزئه . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وغيرهم . وقال مالك : لا يجوز ذلك قال علي : أمرنا الله تعالى بالسجود ، ولم يخص شيئا نسجد عليه من شيء { وما كان ربك نسيا } . حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن زيد بن وهب عن عمر بن الخطاب قال : إذا اشتد الحر فليسجد أحدكم على ثوبه ، وإذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر رجل . وروينا عن الحسن البصري ، وعن طاوس : إذا كثر الزحام فاسجد على ظهر أخيك ؛ وعن مجاهد : اسجد على رجل أخيك . ولا يعرف في هذا لعمر رضي الله عنه من الصحابة رضي الله عنهم مخالف .

441 - مسألة : وجائز للإمام أن يصلي في مكان أرفع من مكان جميع المأمومين ، وفي أخفض منه ؛ سواء في كل ذلك العامة ، والأكثر ، والأقل فإن أمكنه السجود فحسن ؛ وإلا فإذا أراد السجود فلينزل حتى يسجد حيث يقدر ، ثم يرجع إلى مكانه وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجوز ذلك . وأجازه أبو حنيفة في مقدار قامة فأقل ، وأجازه مالك في الارتفاع اليسير قال علي : هذان تحديدان فاسدان ؛ لم يأت بهما نص القرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ولا رأي له وجه ، وما علم في شيء من ذلك فرق بين قليل الارتفاع وكثيره ، والتحريم والتحليل والتحديد بينهما لا يحل إلا بقرآن أو سنة . ولئن كان وقوف الإمام في الصلاة في مكان أرفع من المأمومين بمقدار أصبع حلالا ، فإنه لحلال بأصبع بعد أصبع ، حتى يبلغ ألف قامة وأكثر ، ولئن كانت الألف قامة حراما في ذلك فإنه لحرام كله إلى قدر الأصبع فأقل وإن المتحكم في التفريق بين ذلك برأيه لقائل على الله تعالى وعلى رسوله ﷺ ما لم يقله قط والعجب أن أبا حنيفة ، ومالكا قالا : إن كان مع الإمام في العلو طائفة جازت صلاته بالذين أسفل وإلا فلا وهذا عجب وزيادة في التحكم وأجازا : أن يكون الإمام في مكان أسفل من المأمومين ، وهذا تحكم ثالث كل ذلك دعوى بلا برهان قال علي : والحكم في ذلك أن يكون المأمومون خلف الإمام صفوفا صفوفا ، فلا يحل لهم أن يخلوا بهذه الرتبة ، لما قد ذكرنا قبل من وجوب ترتيب الصفوف ، بأمر رسول الله ﷺ بذلك ، فإن اتفق مصلى الإمام في دكان ، أو غرفة ، أو رابية ، لا يسع فيها معه صف خلفه : صلوا تحته حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ، وقتيبة بن سعيد كلاهما عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه . أن نفرا جاءوا إلى سهل بن سعد فقال سهل : { رأيت رسول الله ﷺ قام عليه - يعني على المنبر - فكبر وكبر الناس ، وراءه وهو على المنبر ، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ، ثم أقبل على الناس فقال : يا أيها الناس ، إني إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي } . قال علي : لا بيان أبين من هذا في جواز صلاة الإمام في مكان أرفع من مكان المأمومين واحتج المخالفون بخبر فيه النهي عن صلاة الإمام في مكان أرفع من مكان المأمومين وهو خبر ساقط ، انفرد به زياد بن عبد الله البكائي ، وهو ضعيف . والخبر الذي أوردنا إجماع من الصحابة بحضرة رسول الله ﷺ فهذا هو الحجة لا الباطل الملفق . وقال بعض المخالفين : هذا من الكبر قال علي : هذا باطل ويعكس عليهم في إجازتهم صلاة المأمومين في مكان أرفع من مكان الإمام فيقال لهم : هذا كبر من المأمومين ولا فرق ويلزمهم على هذا أن يمنعوا أيضا من صلاة الإمام متقلدا سيفا ، ولابس درع فهذا أدخل في الكبر من صلاته في مكان عال وبمثل قولنا يقول أحمد بن حنبل ، والليث بن سعد ، والبخاري ، وغيرهم ، وبالله تعالى التوفيق .

442 - مسألة : رفع اليدين عند كل ركوع وسجود وقيام وجلوس ، سوى تكبيرة الإحرام ؟ قال علي : اختلف الناس في هذا - : فطائفة : لم ترفع اليدين في شيء من الصلاة إلا في أولها عند تكبيرة الإحرام على ظلع أيضا . ورأوه أيضا - إن كان - فرفع يسير - وهذه رواية ابن القاسم عن مالك ؟ وقال أبو حنيفة ، وأصحابه برفع اليدين للإحرام أولا - سنة لا فريضة - ومنعوا منه في باقي الصلاة ورأت طائفة : رفع اليدين عند الإحرام ، وعند الركوع ، وعند الرفع من الركوع . وهو قول الشافعي : وأحمد وأبي سليمان ، وأصحابهم . وهو رواية أشهب ، وابن وهب ، وأبي المصعب ، وغيرهم ، عن مالك أنه كان يفعله ويفتي به ؟ ورأت طائفة : رفع اليدين عند كل تكبير في الصلاة ، الفرض والتطوع ، وعند كل قول : سمع الله لمن حمده ؟ فأما رواية ابن القاسم عن مالك فما نعلم لها وجها أصلا ، ولا تعلقا بشيء من الروايات ، ولا قائلا بها من الصحابة ولا من التابعين ؟ وأما قول أبي حنيفة فإنهم احتجوا بما حدثناه حمام ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا زهير بن حرب ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن ابن مسعود قال : { ألا أريكم صلاة رسول الله ﷺ ؟ فرفع يديه في أول تكبيرة ثم لم يعد } قالوا : وكان علي ، وابن مسعود ، لا يرفعان أيديهما إلا في تكبيرة الإحرام فقط . ما نعلم لهم حجة غير هذا ، ولا حجة لهم فيه ، لما نذكر إن شاء الله تعالى ، فنقول : وبالله تعالى التوفيق - : إن هذا الخبر صحيح ، وليس فيه إلا أن رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام ليس فرضا فقط ، ولولا هذا الخبر لكان رفع اليدين - عند كل رفع وخفض وتكبير وتحميد في الصلاة - : فرضا ؛ لأنه قد صح عن النبي ﷺ رفع اليدين عند كل رفع على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله عز وجل . وصح عنه عليه السلام أنه قال : { صلوا كما تروني أصلي } وقد ذكرناه بإسناده في كتابنا هذا في باب وجوب الأذان والإقامة . فلولا حديث ابن مسعود هذا لكان فرضا على كل مصل أن يصلي كما كان عليه السلام يصلي . وكان عليه السلام يصلي رافعا يديه عند كل رفع وخفض ، لكن لما صح خبر ابن مسعود علمنا أن رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام : سنة وندب فقط ؟ وإن كان علي ، وابن مسعود رضي الله عنهما لا يرفعان ، فقد كان ابن عمر ، وابن عباس ، وجماعة من أصحاب رسول الله ﷺ يرفعون فليس فعل بعضهم حجة على فعل بعض ، بل الحجة على جميعهم ما صح عن رسول الله ﷺ وعلى كل حال فإن كان ابن مسعود ، وعلي : لا يرفعان ، فما جاء قط أنهما كرها الرفع ، ولا نهيا عنه كما يفعل هؤلاء وأما من رأى رفع اليدين عند الركوع ، والرفع من الركوع ، فإنهم احتجوا بما رويناه من طريق مالك ، ويونس بن يزيد ، وسفيان بن عيينة ، وابن جريج ، والزبيدي ، ومعمر ، وغيرهم ، كلهم عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه : { أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ، وإذا كبر للركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، رفعهما أيضا كذلك ، وكان لا يفعل ذلك في السجود } . وروينا هذا الفعل في الصلاة عن جابر بن عبد الله ، وأبي سعيد ، وأبي الدرداء ، وأم الدرداء وابن عباس . وروينا أيضا هذا الفعل في الصلاة عن أبي موسى الأشعري ، وأنه كان يعلمه الناس من طريق حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الأشعري . وروينا أيضا عن أبي الزبير وأبي هريرة ، والنعمان بن أبي عياش ، وجملة أصحاب النبي ﷺ من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن معاذ بن معاذ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن " كان أصحاب النبي ﷺ يرفعون أيديهم إذا أحرموا وإذا ركعوا وإذا رفعوا كأنها المراوح " . ورويناه أيضا - عن عبد الرحمن بن سابط ، والحسن ، والقاسم ، وسالم ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وابن سيرين ، ونافع مولى ابن عمر ، وقتادة ، والحسن بن مسلم وابن أبي نجيح ، وعبد الله بن دينار ، ومكحول ، ومعتمر بن سليمان ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وإسماعيل بن علية ، والليث بن سعد ، والأوزاعي ، وسفيان بن عيينة ، والحميدي ، وجرير بن عبد الحميد وعبد الله بن المبارك وابن وهب ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، والمزني ، وأبي ثور ، ومحمد بن نصر المروزي ، ومحمد بن جرير الطبري ، وابن المنذر ، وابني عبد الله بن عبد الحكم ، والربيع ومحمد بن نمير ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، ويزيد بن هارون ، وغيرهم . وأما من ذهب إلى رفع اليدين في كل خفض ورفع فاحتجوا بما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ثنا المعتمر بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي ﷺ : { أنه كان يرفع يديه إذا جاء الصلاة ، وإذا أراد أن يركع . وإذا رفع رأسه من الركوع ، وإذا قام من الركعتين يرفع يديه في ذلك كله } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عياش قال : ثنا عبد الأعلى ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : { أنه كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده رفع يديه ، وإذا قام من الركعتين رفع يديه } ، ورفع ابن عمر ذلك إلى النبي ﷺ . ورواه أيضا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبيد المحاربي قالا : ثنا ابن فضيل عن عاصم بن كليب عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال : { كان النبي ﷺ إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد - ثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء قال : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله ﷺ فيهم أبو قتادة . فقال أبو حميد : { أنا أعلمكم بصلاة رسول الله ﷺ قالوا : فلم ؟ فوالله ما كنت بأكثرنا تبعة ولا أقدمنا له صحبة قال : بلى قالوا : فاعرض ؟ فقال : كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل ، فلا يصب رأسه ولا يقنع ثم يرفع رأسه فيقول : سمع الله لمن حمده ، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه } وذكر الحديث وفيه { ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة ، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته - وذكر باقي الحديث - قالوا : صدقت هكذا كان يصلي } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود [ حدثنا ] عبيد الله بن ميسرة الجشمي ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد - ثنا محمد بن جحادة حدثني عبد الجبار بن وائل [ قال : كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي فحدثني علقمة بن وائل ] عن وائل بن حجر قال : { صليت مع رسول الله ﷺ فكان إذا كبر رفع يديه ، ثم التحف ، ثم أخذ شماله بيمينه وأدخل يديه في ثوبه ، فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما ، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ، ثم سجد ، ووضع وجهه بين كفيه ، وإذا رفع رأسه من السجود أيضا رفع يديه ، حتى فرغ من صلاته . قال محمد بن جحادة : فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال : هي صلاة رسول الله ﷺ فعله من فعله وتركه من تركه } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ثنا معاذ بن هشام الدستوائي وعبد الأعلى ومحمد بن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة . وقال معاذ : حدثني أبي عن قتادة . ثم اتفقوا ، عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث : { رأى النبي ﷺ رفع يديه في صلاته إذا ركع ، وإذا رفع رأسه من ركوعه وإذا سجد ، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه } هذا لفظ ابن أبي عدي ، وعبد الأعلى وقال معاذ في حديثه : { كان عليه السلام إذا دخل في الصلاة رفع يديه ، وإذا ركع فعل مثل ذلك ، وإذا رفع رأسه فعل مثل ذلك } . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن ميسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن حميد عن أنس : { أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه في الركوع والسجود } . قال علي : فهذه آثار متظاهرة متواترة عن ابن عمر ، وأبي حميد ، وأبي قتادة ، ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث ، وأنس ، وسواهم من أصحاب رسول الله ﷺ وهذا يوجب يقين العلم . قال علي : فكان ما رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر زائدا على ما رواه علقمة عن ابن مسعود ، ووجب أخذ الزيادة ؛ لأن ابن عمر حكى : أنه رأى ما لم يره ابن مسعود من رفع رسول الله ﷺ يديه عند الركوع وعند الرفع من الركوع ، وكلاهما ثقة ، وكلاهما حكى ما شاهد ، وقد خفي على ابن مسعود رضي الله عنه أمر وضع اليدين على الركبتين ، فكيف وما تحمل كلا روايتيهما إلا على المشاهدة الصحيحة ؟ وكان ما رواه نافع ومحارب بن دثار ، كلاهما عن ابن عمر ، وما رواه أبو حميد وأبو قتادة وثمانية من أصحاب رسول الله ﷺ من رفع اليدين عند القيام إلى الركعتين - : زيادة على ما رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر ، وكل ثقة ، وكل مصدق فيما ذكر أنه سمعه ورآه - وأخذ الزيادة واجب ؟ . وكان ما رواه أنس من رفع اليدين عند السجود - : زيادة على ما رواه ابن عمر ، والكل ثقة فيما روى وما شاهد وما رواه مالك بن الحويرث من رفع اليدين في كل ركوع ورفع من ركوع ، وكل سجود ورفع من سجود - : زائدا على كل ذلك ، والكل ثقات فيما رووه وما سمعوه وأخذ الزيادات فرض لا يجوز تركه ، لأن الزيادات حكم قائم بنفسه ، رواه من علمه ، ولا يضره سكوت من لم يروه عن روايته كسائر الأحكام كلها ولا فرق ؟ وممن قال بما ذكرناه : ابن عمر ، كما أوردنا قبل من عمله ، والحسن البصري ، والصحابة ، جملة كما أوردناه - : حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة ، وإذا ركع ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، وإذا سجد ، وبين الركعتين ، يرفعهما إلى ثدييه . قال علي : هذا إسناد لا داخلة فيه ، وما كان ابن عمر ليرجع إلى خلاف ما روى - من ترك الرفع عند السجود - إلا وقد صح عنده فعل النبي ﷺ لذلك - : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو سهل النضر بن كثير السعدي قال : صلى إلى جنبي ابن طاوس في مسجد الخيف بمنى ، فكان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى رفع يديه تلقاء وجهه ، فأنكرت ذلك ، وقلت لوهيب بن خالد : إن هذا يصنع شيئا لم أر أحدا يصنعه ؟ فقال ابن طاوس : رأيت أبي يصنعه ، وقال لي : رأيت عبد الله بن عباس يصنعه . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن علي الباجي ثنا أحمد بن خالد ثنا الحسن بن أحمد ثنا محمد بن عبيد بن حساب ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني قال : رأيت طاوسا ونافعا مولى ابن عمر يرفعان أيديهما بين السجدتين ، قال حماد : وكان أيوب يفعله حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج : قلت لعطاء : رأيتك تكبر بيديك حين تستفتح ، وحين تركع وحين ترفع رأسك من الركعة ، وحين ترفع رأسك من السجدة الأولى ، ومن الآخرة ، وحين تستوي من مثنى ؟ قال : أجل . قلت : تخلف باليدين الأذنين ؟ قال : لا ، قد بلغني ذلك عن عثمان أنه كان يخلف بيديه أذنيه . قال ابن جريج : قلت لعطاء : وفي التطوع من التكبير باليدين ؟ قال : نعم ، في كل صلاة .

=======




كتـاب الصلاة


الأعمال المستحبة في الصلاة وليست فرضا

443 - مسألة : والتوجيه سنة حسنة ، وهو أن يقول الإمام والمنفرد بعد التكبير لكل صلاة - فرض أو غير فرض ، جهرا أو سرا - : ما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، وأحمد بن زهير بن حرب ، كل واحد منهما يقول : حدثني أبي . ثم قال أحمد بن حنبل : ثنا أبو سعيد ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون ثنا عبد الله بن الفضل ، وأبو يوسف بن أبي سلمة الماجشون كلاهما عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب { أن رسول الله ﷺ كان إذا كبر استفتح ثم قال - : } . وقال زهير بن حرب : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة هو ابن الماجشون - حدثني عمي - هو أبو يوسف بن أبي سلمة - عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب { أن رسول الله ﷺ كان إذا كبر استفتح ثم قال - } : واتفق أحمد وزهير في روايتيهما جميعا { وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت ، وأنا أول المسلمين ، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك ، أنا بك وإليك تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك } . قال علي : وقد رويناه من طريق الحجاج بن المنهال ، وأبي النضر ، ومعاذ بن معاذ ، كلهم عن ابن الماجشون . ورويناه أيضا من طريق جابر بن عبد الله وغيره من الصحابة رضي الله عنهم . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبو كامل ، قال أبو كامل : ثنا عبد الواحد بن زياد ، وقال أبو بكر ، وابن نمير : ثنا ابن فضيل ، وقال زهير : ثنا جرير بن عبد الحميد . ثم اتفق عبد الواحد ، وابن فضيل ، وجرير - واللفظ له - كلهم عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ كان إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد } . ورويناه أيضا من طريق سفيان عن عمارة بن القعقاع بإسناده نحوه . وإنما نذكر ذلك فرضا ، لأنه فعل منه عليه السلام ولم يؤمر به فكان الائتساء به حسنا . ونستحب أيضا أن يكون للإمام سكتة بعد فراغه من القراءة قبل ركوعه كما حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث بن سعيد التنوري ثنا يونس هو ابن عبيد - عن الحسن البصري { أن سمرة بن جندب صلى فكبر ، ثم سكت ساعة ، ثم قرأ فلما ختم السورة سكت ساعة ، ثم كبر فركع ؟ فقال له عمران بن الحصين : ما هذا ؟ فقال له سمرة : حفظت ذلك عن رسول الله ﷺ فكتب في ذلك إلى أبي بن كعب فصدق سمرة } . قال علي : فنحن نختار أن يفعل كل إمام كما فعل رسول الله ﷺ وفعله بعده سمرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ويقرأ المأموم في السكتة الأولى " أم القرآن " فمن فاتته قرأ في السكتة الثانية ؟ قال علي : وقد فعل ما قلنا جمهور السلف - : روينا من طريق حماد بن سلمة عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال : كان عمر بن الخطاب إذا دخل في الصلاة قال : الله أكبر سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ، يرفع بها صوته ، فظننا أنه يريد أن يعلمنا ؟ وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا كبر قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، تبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك فهذا فعل عمر رضي الله عنه بحضرة الصحابة لا مخالف له منهم ؟ ورويناه أيضا - عن علي بن أبي طالب ، وعن ابن عمر ، وعن طاوس وعطاء ، كلهم يتوجه بعد التكبير في صلاة الفرض . وهو قول الأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود وأصحابهم ؟ وقال مالك : لا أعرف التوجيه قال علي : ليس من لا يعرف حجة على من عرف ؟ وقد احتج بعض مقلديه في معارضته ما ذكرنا بما { روي عن رسول الله ﷺ من أنه كان يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب { الحمد لله رب العالمين } } . قال علي : وهذا لا حجة لهم فيه ، بل هو قولنا ، لأن استفتاح القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " : لا يدخل فيه التوجيه ، لأنه ليس التوجيه قراءة ، وإنما هو ذكر . فصح أنه عليه السلام كان يفتتح الصلاة بالتكبير ، ثم يذكر ما قد صح عنه من الذكر ، ثم يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ، وزيادة العدول لا يجوز ردها - وبالله تعالى التوفيق ولا يقولها المأموم ، لأن فيها شيئا من القرآن ، وقد نهى عليه السلام أن يقرأ خلف الإمام إلا " بأم القرآن " فقط ، فإن دعا بعد قراءة " أم القرآن " في حال سكتة الإمام بما روي عن النبي ﷺ : فحسن ؟ .

444 - مسألة : ويجب على الإمام التخفيف إذا أم جماعة لا يدري كيف طاقتهم ويطول المنفرد ما شاء ، وحد ذلك ما لم يخرج وقت الصلاة التي تلي التي هو فيها ، وإن خفف المنفرد فذلك له مباح ؟ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء } وبه إلى البخاري ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير وهو ابن معاوية - ثنا إسماعيل هو ابن أبي خالد - سمعت قيسا هو ابن أبي حازم - قال : أخبرني أبو مسعود { أن رجلا قال : والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان ، مما يطيل بنا ، فما رأيت رسول الله ﷺ في موعظة أشد غضبا منه يومئذ ، ثم قال عليه السلام : إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز ، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة ؟ } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق القاضي ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة أنا سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف بن عبد الله هو ابن الشخير - { عن عثمان بن أبي العاص قال : قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي ، قال : أنت إمامهم ، واقتد بأضعفهم ، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا } . قال علي : هذا حد التخفيف ، وهو أن ينظر ما يحتمل أضعف من خلفه وأمسهم حاجة من الوقوف والركوع والسجود والجلوس فليصل على حسب ذلك ؟ وروينا ذلك عن السلف الطيب - : روينا عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد كلاهما { عن أنس قال : ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من رسول الله ﷺ في تمام ، كانت صلاته متقاربة ، وصلاة أبي بكر متقاربة ، فلما كان عمر مد في صلاة الفجر } . ومن طريق وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي رجاء العطاردي قال : قلت للزبير بن العوام : ما لكم أصحاب محمد ﷺ من أخف الناس صلاة ؟ قال : نبادر الوسواس وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول : إذا كنت إماما فخفف الصلاة ، فإن في الناس الكبير والضعيف والمعتل وذا الحاجة ، وإذا صليت وحدك فطول ما بدا لك . وأبرد ، فإن شدة الحر من فيح جهنم ؟ وعن طلحة التخفيف أيضا ، وعن عمار كذلك ؟ وعن سعد بن أبي وقاص : أنه كان يطيل الصلاة في بيته ، ويقصر عند الناس ، ويحض على ذلك وعن عمر بن ميمون الأودي : لو أن رجلا أخذ شاة عزوزا لم يفرغ من لبنها حتى أصلي الصلوات الخمس ، أتم ركوعها وسجودها وعن علقمة : لو أمر بذبح شاة فأخذ في سلخها لصليت الصلوات الخمس في تمام قبل أن يفرغ منها وأما الحد الذي ذكرنا في التطويل فهو : أننا قد ذكرنا في أوقات الصلوات : أن رسول الله ﷺ صلى الظهر في الوقت الذي صلى فيه العصر بالأمس ، وقال عليه السلام - { : وقت الصبح ما لم تطلع الشمس . ووقت العصر ما لم تغرب الشمس . ووقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق . ووقت العشاء الآخرة إلى نصف الليل . } فصح يقينا أن من دخل في صلاة في آخر وقتها فإنما يصلي باقيها في وقت الأخرى ، وفي وقت ليس له تأخير ابتداء الصلاة إليه أصلا . وقد صح عن النبي ﷺ : أن { التفريط أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى } . فصح أن له إذا دخل في الصلاة في وقتها أن له أن يطول ما شاء ، كما أمر عليه السلام ، إلا تطويلا منع منه النص ، وليس إلا أن يطيل حتى تفوته الصلاة التالية لها فقط - وبالله تعالى التوفيق ؟ .

445 - مسألة : قد قلنا : إن الفرض في كل ركعة أن يقرأ ( بأم القرآن ) فقط ، فإن زاد على ذلك قرآنا فحسن ، قل أم كثر ، أي صلاة كانت من فرض أو غير فرض ، لا نحاش شيئا . إلا أننا نستحب أن يقرأ في صلاة الصبح مع ( أم القرآن ) في كل ركعة من ستين آية إلى مائة آية من أي سورة شاء . وفي الظهر في الأولتين في كل ركعة مع " أم القرآن " نحو ثلاثين آية كذلك ، وفي الآخرتين منها مع " أم القرآن " في كل ركعة نحو خمس عشرة آية . وفي الأولتين من العصر كالآخرتين من الظهر ، وفي الآخرتين من العصر ( أم القرآن ) فقط . وفي المغرب نحو العصر ، ولو أنه قرأ في المغرب بالأعراف أو ( المائدة ) أو ( الطور ) أو ( المرسلات ) فحسن . وفي العتمة في الأولتين مع أم القرآن ب ( التين والزيتون ) " والشمس وضحاها " ونحو ذلك . وفي صبح يوم الجمعة " الم تنزيل السجدة " . و ( هل أتى على الإنسان ) مع أم القرآن . وفي صلاة الجمعة في الركعة الأولى مع أم القرآن ( سورة الجمعة ) وفي الثانية مع أم القرآن مرة ( سورة المنافقين ) ومرة ( سورة الغاشية ) . ولو قرأ في كل ذلك : سورتين أو أكثر من ركعة فحسن . ولو قدم السورة قبل " أم القرآن " كرهنا ذلك وأجزأه . ومن أراد من الأئمة تطويل صلاة ثم أحس بعذر ممن خلفه فليوجز في مدها - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم - ثنا شعبة ثنا سيار بن سلامة هو أبو المنهال - قال : دخلت على أبي برزة فسألناه فأخبرنا { عن النبي ﷺ : أنه كان يصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه ، وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن هشيم عن منصور هو ابن زاذان - عن الوليد بن مسلم هو أبو بشر العنبري - عن أبي الصديق هو بكر بن عمرو الناجي - عن أبي سعيد الخدري قال { كنا نحزر قيام رسول الله ﷺ في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية ، وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك . وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر ، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك } ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني هارون بن عبد الله الحمال ثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله هو ابن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال { ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله ﷺ من فلان ، قال سليمان : كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ، ويخفف - الأخريين ويخفف العصر ، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ويقرأ في الصبح بطوال المفصل } ؟ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود { عن ابن عباس أنه قال إن أم الفضل سمعته وهو يقرأ والمرسلات عرفا ؟ ، فقالت : يا بني والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة ، إنها لأخر ما سمعت من رسول الله ﷺ يقرأ بها في المغرب } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن صالح عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس فذكر هذا الحديث ، { وأن أم الفضل قالت ثم ما صلى بعد حتى قبضه الله عز وجل ؟ } . فهذا آخر صلاة مغرب صلاها عليه السلام ، وآخر عمله عليه السلام . فأين المدعون أنهم يتبعون عمله وآخر عمله ؟ - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه { سمعت رسول الله ﷺ قرأ في المغرب بالطور } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر البصري ثنا أبو داود السجستاني ثنا الحسن بن علي هو الحلواني - ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن { مروان بن الحكم قال : قال لي زيد بن ثابت : ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل ، وقد رأيت رسول الله ﷺ يقرأ في المغرب بطولى الطوليين ؟ قلت : ما طولى الطوليين ؟ قال : الأعراف } . قال ابن جريج : وسألت ابن أبي مليكة ؟ فقال لي من قبل نفسه : المائدة ( والأعراف ) . فهذا زيد رضي الله عنه ينكر على أمير المدينة الاقتصار على صغار المفصل في المغرب ويخصه على ما سمعه من رسول الله ﷺ من قراءة الأعراف في صلاة المغرب ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال { صلى معاذ لأصحابه العشاء فطول عليهم ، فانصرف رجل منا فصلى ، فأخبر معاذ عنه ، فقال : إنه منافق فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله ﷺ فأخبره ما قال معاذ ، فقال له رسول الله ﷺ : " أتريد أن تكون فتانا يا معاذ ؟ إذا أممت الناس فاقرأ " بالشمس وضحاها " ، و ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( اقرأ باسم ربك ) ( والليل إذا يغشى ) } . قال علي : وكل ذلك قد روي عن السلف رضي الله عنهم - : روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أم الصحابة رضي الله عنهم في صلاة الصبح بسورة البقرة قرأها في الركعتين . وعن معمر عن قتادة عن أنس : أن أبا بكر أيضا أمهم في الصبح بآل عمران وعن سفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة كلاهما عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن حصين بن سبرة أن عمر بن الخطاب قرأ في الفجر يوسف ثم قرأ في الثانية والنجم فسجد ، ثم قام فقرأ " إذا زلزلت " ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن الحكم بن عتيبة أنه سمع عمرو بن ميمون يقول : إن عمر بن الخطاب صلى الصبح بذي الحليفة فقال : سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، وقرأ " قل يا أيها الكافرون " " وقل هو الله أحد " وكان يتم التكبير ؟ وعن عمر : أنه قرأ في الظهر ( ق ) ، والذاريات وعن عبد الله بن عمر أنه قرأ في الظهر كهيعص وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن أبي العالية البراء : سألت ابن عباس أو سأله رجل : أأقرأ في الظهر والعصر ؟ فقال : هو إمامك ، اقرأ منه ما قل أو كثر ، وليس في القرآن قليل ؟ وعن حماد بن سلمة عن قتادة ، وثابت البناني ، وحميد ، وعثمان البتي ، كلهم عن أنس بن مالك : أنه كان يقرأ في الظهر والعصر " سبح اسم ربك الأعلى " " وهل أتاك حديث الغاشية " ويسمعنا النغمة أحيانا ؟ وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يقرأ في المغرب يس ؟ وعن سفيان بن عيينة عن عثمان بن أبي سليمان النوفلي عن عراك بن مالك سمع { أبا هريرة يقول " قدمت المدينة ورسول الله ﷺ بخيبر ، فوجدت رجلا من غفار يؤم الناس في المغرب ، فقرأ في الركعة الأولى سورة مريم وفي الثانية ويل للمطففين } . وبكل ما ذكرنا يأخذ : الشافعي ، وداود ، وجمهور أصحاب الحديث : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب الأنصاري ، أو زيد بن ثابت { أن رسول الله ﷺ قرأ بالأعراف في المغرب في الركعتين } . وروينا عن أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما : أن كل واحد منهما صلى الصبح بالصحابة رضي الله عنهم فقرأ في الركعة مائة آية من آل عمران ، ثم قرأ في الثانية باقي السورة . وصح مثل هذا أيضا عن ابن مسعود ؟ وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا الهيثم بن عبيد الصيرفي عن أبيه عن الحسن البصري قال : لقد غزونا غزوة إلى خراسان معنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد ﷺ ، فكان الرجل منهم يصلي بنا ، فيقرأ بالآيات من السورة ثم يركع ؟ وعن ابن جريج عن عطاء : أنه إن قرأ في الركعة من صلاة الفرض آيات من بعض السورة ، من أولها أو من وسطها أو من آخرها ، قال عطاء : لا يضرك ، كله قرآن ؟ وعن علقمة أنه كان يقرأ في الأولى من صلاة الصبح سورة الدخان والطور وسورة الجن ويقرأ في الثانية منها آخر البقرة وآخر آل عمران والسورة القصيرة . وعن أبي وائل : أنه قرأ في إحدى ركعتي الصبح " أم القرآن " وآية . وعن إبراهيم النخعي نحو هذا ؟ ومن طريق مالك عن نافع : أن ابن عمر كان أحيانا يقرأ بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة في صلاة الفريضة . وعن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون قال : صلى بنا عمر بن الخطاب صلاة المغرب ، فقرأ في الركعة الثانية " ألم تر كيف " " ولإيلاف قريش " جمعهما . ومثل هذا عن طاوس ، والربيع بن خثيم وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وغيرهم ؟ وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ، وعمرو بن علي . قال ابن بشار : ثنا يحيى بن سعيد القطان - : وقال عمرو بن علي : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثم اتفق يحيى ، وعبد الرحمن قالا : ثنا سفيان الثوري عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة الم تنزيل و ( هل أتى ) } . وقد صح أيضا - من طريق ابن عباس ، وهو اختيار الشافعي ، وأبي سليمان وأصحاب الحديث - : ومن طريق مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - أنا ابن جريج عن عطاء قال : قال أبو هريرة : في كل الصلاة يقرأ ، فقال له رجل : إن لم أزد على أم القرآن ؟ قال : إن زدت عليها فهو خير ، وإن انتهيت إليها أجزأت عنك . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا سليمان هو ابن بلال - عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن أبي رافع قال : { صلى لنا أبو هريرة الجمعة فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة إذا جاءك المنافقون . قال ابن أبي رافع فأدركت أبا هريرة حين انصرف ، فقلت له - : إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما بالكوفة فقال أبو هريرة : إني سمعت رسول الله ﷺ يقرأ بهما يوم الجمعة } . وبه إلى مسلم : ثنا عمرو الناقد ثنا سفيان بن عيينة عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله قال : { كتب الضحاك بن قيس إلى النعمان بن بشير يسأله " أي شيء قرأ رسول الله ﷺ يوم الجمعة سوى سورة الجمعة قال : كان يقرأ : " هل أتاك حديث الغاشية } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الأعلى ثنا خالد هو ابن الحارث - عن شعبة أخبرني معبد بن خالد عن زيد هو ابن عقبة - عن سمرة بن جندب قال { كان رسول الله ﷺ يقرأ في الجمعة " بسبح اسم ربك الأعلى " و ( هل أتاك حديث الغاشية ) } وقال أبو حنيفة : يكره أن يكون الإمام يلتزم في الجمعة أو غيرها سورة بعينها ، أو سورا بعينها ؟ قال علي : كره السنة ، وخالف فعل رسول الله ﷺ ، وكذلك من كره شيئا مما صح أنه عليه السلام فعله ؟ وأما تقديم السورة قبل " أم القرآن " فلم يأت أمر بخلاف ذلك ، لكن عمل المسلمين ، وعمل رسول الله ﷺ : هو تقديم " أم القرآن " فكرهنا خلاف هذا ، ولم نبطل الصلاة به ، لأنه لم يأت عنه نهي . وقد قال تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } . والعجب ممن يشنع هذا ويجيز تنكيس الوضوء ، وتنكيس الطواف وتنكيس الأذان . وأما من بدأ الصلاة يريد تطويلها فأحس بعذر من بعض من خلفه ، فإن عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا قال : ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إبراهيم بن أبي موسى الفراء ثنا الوليد هو ابن مسلم - ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي ﷺ قال : { إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي ، كراهية أن أشق على أمه } .

446 - مسألة : ويستحب الجهر في ركعتي صلاة الصبح ، والأولتين من المغرب ، والأولتين من العتمة ، وفي الركعتين من الجمعة ، والإسرار في الظهر كلها ، وفي العصر كلها ، وفي الثالثة من المغرب ، وفي الآخرتين من العتمة ، فإن فعل خلاف ذلك كرهناه ، وأجزأه ؟ . وأما المأموم ففرض عليه الإسرار ب " أم القرآن " في كل صلاة ولا بد ، فلو جهر بطلت صلاته ؟ برهان ذلك - : أن الجهر فيما ذكرنا أنه يجهر فيه ، والإسرار فيما ذكرنا أنه يسر فيه إنما هما فعل رسول الله ﷺ وليسا أمرا منه ، وأفعاله عليه السلام على الائتساء لا على الوجوب ، وهو عليه السلام الإمام ، وحكم المنفرد كحكم الإمام ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن أبي عدي عن الحجاج يعني الصواف - عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كلاهما عن أبي قتادة قال { كان رسول الله ﷺ يصلي بنا ، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين ب " فاتحة الكتاب " وسورتين ، ويسمعنا الآية أحيانا } . فهذا رسول الله ﷺ يجهر ببعض القراءة في الظهر - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن إبراهيم عن سلم بن قتيبة ثنا هاشم بن البريد عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : { كنا نصلي خلف النبي ﷺ الظهر فيسمعنا الآية بعد الآيات من لقمان والذاريات } . وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان : ثنا إسماعيل بن مسلم ثنا أبو المتوكل هو علي بن داود الناجي - قال : كان عمر بن الخطاب يقرأ في الظهر والعصر بالذاريات ذروا ، و ( ق والقرآن المجيد ) يعلن فيهما ؟ ومن طريق معمر عن ثابت البناني قال : كان أنس بن مالك يصلي بنا الظهر والعصر فربما سمعنا من قراءته { إذا السماء انفطرت } و { سبح اسم ربك الأعلى } فهذا فعل عمر بن الخطاب وأنس بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، لا ينكر ذلك عليهما أحد ؟ وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : من صلى المغرب فقرأ في نفسه فأسمع نفسه أجزأ عنه ؟ وعن حماد بن سلمة عن داود هو ابن أبي هند - عن الشعبي : أن سعيد بن العاص جهر في صلاة الظهر أو العصر ، فمضى في جهره ، فلما قضى صلاته قال : إني كرهت أن أخفي القرآن بعدما جهرت به ، ولم يذكر سجدتي السهو ؟ قال علي : هذا منه بحضرة الصحابة ، لا ينكر ذلك عليه منهم أحد . وقد روينا أيضا الجهر في العصر عن خباب بن الأرت رضي الله عنه ؟ وعن وكيع عن الربيع عن الحسن البصري قال : إذا جهر فيما يخافت به فلا سهو عليه ؟ وعن وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن الأسود ، وعلقمة أنهما كانا يجهران فيما يخافت فيه فلا يسجدان ومن طريق البخاري : ثنا محمد بن بشار ، ومحمد بن كثير قال ابن بشار : ثنا غندر عن شعبة ، وقال ابن كثير أنا سفيان الثوري ، ثم اتفق شعبة وسفيان كلاهما عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال : " صليت خلف ابن عباس على جنازة ، فقرأ بفاتحة الكتاب ، وقال : لتعلموا أنها سنة " قال علي : وإنما كرهنا ذلك ؛ لأن المشهور من فعله عليه السلام كان الجهر فيما ذكرنا أنه يجهر به والإسرار فيما ذكرنا أنه يسر فيه ، ولا سجود سهو في ذلك ، لأن ما أبيح تعمد فعله أو تركه فلا سهو فيه ؛ لأنه فعل ما هو مباح له ، وإنما السهو الذي يسجد له فيما لو فعله عمدا بطلت صلاته ، من ترك أو فعل ؟ وقال الشافعي : من جهر فيما يسر فيه أو أسر فيما يجهر فيه كرهناه وتمت صلاته ، ولا سجود سهو فيه . وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا وبه نقول . وقال مالك : إن جهر فيما يسر فيه أو أسر فيما يجهر فيه فإن كان ذلك كثيرا سجد للسهو ، وإن كان قليلا فلا شيء فيه ؟ قال علي : وهذا خطأ ، لأنه لا يخلو أن يكون مباحا فالكثير منه والقليل سواء ، أو يكون محظورا ، فالقليل منه والكثير سواء ، ولا يجوز أن يحل قليل ما حرم كثيره إلا بنص وارد في ذلك . وأيضا : فيسأل عن حد الكثير الموجب لسجود السهو من القليل الذي لا يوجبه ، فلا سبيل له إلى تحديده إلا بتحكم لا برهان عليه ، ولا يعجز عن مثله أحد ومن المحال إيجاب حكم فيما لا يبين مقداره الموجب لذلك الحكم ؟ . وقال أبو حنيفة : إن أسر الإمام فيما يجهر فيه أو جهر فيما يسر فيه ، فإن كان سهوا فعليه سجود السهو . وإن كان عمدا فلا سجود سهو فيه ، والصلاة تامة . فإن فعل ذلك المنفرد عمدا أو سهوا فصلاته تامة ، ولا سجود سهو فيه ، [ والصلاة تامة ، فإن فعل ذلك المنفرد عمدا أو سهوا فصلاته تامة ، ولا سجود سهو فيه ] . قال علي : وهذا خطأ من وجهين - : أحدهما : إباحته تعمد ذلك ولا سجود عنده على العامد ، وإيجابه السجود على الساهي ، وهو لم يسه إلا عما أبيح له - عنده - تركه وفعله ، فأي سجود في هذا ؟ والثاني : تفريقه في ذلك بين الإمام والمنفرد ، وهذا عجب آخر ولا نعرف قول أبي حنيفة ، وقول مالك ههنا عن أحد قبلهما ، وقد خالفا في ذلك كل رواية من الصحابة رضي الله عنهم ؟ قال علي : وأما المأموم فإنما تبطل صلاته إن جهر في شيء من قراءته فلقول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول } وصح عن النبي ﷺ قوله : { إنما جعل الإمام ليؤتم به } . وفي الحديث : { وإذا قرأ فأنصتوا } . فمن لم ينصت من المأمومين وجهر فقد خالف الله تعالى ورسوله ﷺ في صلاته ولم يصل كما أمر ، فلم يصل - وبالله تعالى التوفيق ؟

======




كتـاب الصلاة


الأعمال المستحبة في الصلاة وليست فرضا

447 - مسألة : ويستحب تطويل الركعة الأولى من كل صلاة أكثر من الركعة الثانية منها - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا موسى بن إسماعيل ثنا همام هو ابن يحيى - عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه { أن النبي ﷺ كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين ، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ، ويسمعنا الآية ، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الركعة الثانية ، وهكذا في العصر ، وهكذا في الصبح } ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا محمد بن شعيب أنا عمران بن يزيد بن خالد الدمشقي ثنا إسماعيل بن عبد الله بن سماعة ثنا الأوزاعي ثنا يحيى بن أبي كثير ثنا عبد الله بن أبي قتادة حدثني أبي { أن رسول الله ﷺ كان يقرأ بأم القرآن وسورتين في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر ، وصلاة العصر ، ويسمعنا الآية أحيانا وكان يطيل في الركعة الأولى } ؟ . قال علي : هذا عموم لكل صلاة ، لأنها قضية قائمة بنفسها - : وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم هو النخعي - قال الأولى من الصلوات كلها الطوال في القراءة . وعن عبد الرزاق عن إسرائيل عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي مثل قول إبراهيم . وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : إني لأحب أن يطول الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس ، فإذا صليت لنفسي فإني أحرص على أن أجعل الأولتين والآخرتين سواء

448 - مسألة : ويستحب أن يضع المصلي يده اليمنى على كوع يده اليسرى في الصلاة ، في وقوفه كله فيها - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا عفان هو ابن مسلم - ثنا همام ثنا محمد بن جحادة ثنا عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل أنه حدثه عن أبيه وائل بن حجر { أنه رأى النبي ﷺ رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى } وذكر باقي الحديث ؟ حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي أنا هشيم عن الحجاج بن أبي زينب قال : سمعت أبا عثمان النهدي يحدث عن ابن مسعود قال : { رآني النبي ﷺ وقد وضعت شمالي على يميني في الصلاة فأخذ بيميني فوضعها على شمالي } . وروينا عن علي رضي الله عنه " أنه كان إذا طول قيامه في الصلاة يمسك بيده اليمنى ذراعه اليسرى في أصل الكف إلا أن يسوي ثوبا أو يحك جلدا ؟ وعن أبي هريرة قال : وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة . وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ثلاث من النبوة : تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة وعن أنس مثل هذا أيضا ، إلا أنه قال : من أخلاق النبوة ، وزاد : تحت السرة . ومن طريق مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " . قال علي : هذا راجع في أقل أحواله إلى فعل الصحابة رضي الله عنهم ، إن لم يكن مسندا . ومن طريق أبي حميد الساعدي أنه قال : { أنا أعلمكم بصلاة رسول الله ﷺ " ثم وصف : أنه كبر فرفع يديه إلى وجهه ثم وضع يمينه على شماله . } وروينا فعل ذلك عن أبي مجلز ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، وعمرو بن ميمون ، ومحمد بن سيرين ، وأيوب السختياني ، وحماد بن سلمة : أنهم كانوا يفعلون ذلك ؟ وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، وداود ؟

449 - مسألة : ونستحب أن لا يكبر الإمام إلا حتى يستوي كل من وراءه في صف أو أكثر من صف ، فإن كبر قبل ذلك أساء وأجزأه . وقال أبو حنيفة : إذا قال المقيم " قد قامت الصلاة " فليكبر الإمام ؟ وروينا عن إبراهيم النخعي إجازة تكبير الإمام قبل أن يأخذ المؤذن في الإقامة ؟ قال علي : وكلا القولين خطأ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف وحرملة بن يحيى قالا : ثنا ابن وهب أخبرني يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف سمع أبا هريرة يقول : { أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله ﷺ ، فأتى رسول الله ﷺ حتى إذا قام في مصلاه وقبل أن يكبر ذكر فانصرف ، وقال لنا : مكانكم ، فلم نزل قياما ننتظره حتى خرج إلينا وقد اغتسل ، ينطف رأسه ماء ، فكبر فصلى بنا ؟ } حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ثابت البناني عن { أنس قال : كانت الصلاة تقام فيكلم الرجل النبي ﷺ في الحاجة تكون له ، يقوم بينه وبين القبلة قائما يكلمه ، فربما رأيت بعض القوم ينعس من طول قيام النبي ﷺ } . وأيضا - { فقول رسول الله ﷺ للمأمومين وإذا كبر فكبروا } يعني الإمام - : مبطل لقول أبي حنيفة ، لأنه إذا كبر الإمام ولم يتم المقيم الإقامة لم يمكن المقيم أن يكبر إذا كبر الإمام ، فأبو حنيفة يأمر بخلاف أمر رسول الله ﷺ بأن يكبر إذا كبر الإمام ؟ وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : كان عمر يبعث رجالا يسوون الصفوف فإذا جاءوه كبر وعن مالك عن أبي النضر عن مالك بن أبي عامر قال : كان عثمان بن عفان لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف ، فيخبرونه أنها قد استوت فيكبر . وعن وكيع عن مسعر بن كدام عن عبد الله بن ميسرة عن معقل بن أبي قيس عن عمر بن الخطاب : أنه كان ينتظر بعد ما أقيمت الصلاة قليلا ؟ وروينا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما نحو هذا ؟ . فهذا فعل الخليفتين بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، وإجماعهم معهم على ذلك ؟ وروينا عن الحجاج بن المنهال عن عبد الله بن داود الخريبي قال : أذن سفيان الثوري في المنار وأقام في المنار ، ثم نزل فأمنا . وقولنا هو قول مالك والشافعي ، وأحمد ، وداود ، ومحمد بن الحسن ، وأحد قولي أبي يوسف . قال علي : واحتج مقلد أبي حنيفة بأثر رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي { أن بلالا قال لرسول الله ﷺ : يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين } . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة : أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين فقال له أبو هريرة : لتنتظرني بآمين أو لا أؤذن لك . قال علي : واحتجاجهم بهذين الأثرين من أقبح ما يكون من التمويه في الدين وإقدام على الفضيحة بالتدليس على من اغتر بهم ودليل على قلة الورع جملة ، لأنهم لا يرون للمأموم أن يقرأ خلف الإمام أصلا بل يرون للإمام أن يقول : { وجهت وجهي } إلى آخر الكلام المروي في ذلك قبل أن يقرأ " أم القرآن " وبالضرورة والمشاهدة يدرون أن المقيم إذا قال : " قد قامت الصلاة " فكبر الإمام فلم يبق على المقيم شيء إلا أن يقول : " الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله " . فمن المحال الممتنع الذي لا يشكل أن يكون الإمام يتم قراءة " أم القرآن " قبل أن يتم المقيم قول " الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله " ثم يكبر . فكيف يكون هذا دليلا على أن الإمام يكبر إذا قال المقيم " قد قامت الصلاة " . بل لو كبر الإمام مع ابتداء المقيم الإقامة لما أتم " أم القرآن " أصلا إلا بعد إتمام المقيم الإقامة ، وبعد أن يكبر للإحرام ، فكيف بثلاث كلمات ؟ فلقد كان ينبغي لهم أن يستحيوا من التمويه في دين الإسلام بمثل هذا الضعف ؟ فإن قيل : ما معنى قول بلال ، وأبي هريرة : لا تسبقني بآمين ؟ قلنا : معناه بين في غاية البيان ، لأن { النبي ﷺ أخبر أن الإمام إذا قال " آمين " قالت الملائكة " آمين " فإن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه } ، فأراد بلال من رسول الله ﷺ أن يتمهل في قول " آمين " فيجتمع معه في قولها ، رجاء لموافقة تأمين الملائكة ، وهذا الذي أراد أبو هريرة من العلاء - فبطل تعلقهم بهذين الأثرين ؟ وموهوا أيضا بما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي قال : ثنا ابن مفرج ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا محمد بن المثنى ثنا الحجاج بن فروخ عن العوام بن حوشب عن عبد الله بن أبي أوفى قال : { كان بلال إذا قال : قد قامت الصلاة نهض رسول الله ﷺ بالتكبير } . قال البزار : لم يرو هذا أحد من غير هذا الطريق ورووا نحو هذا أيضا عن عمر بن الخطاب ؟ قال علي : وهذان أثران مكذوبان ؟ أما حديث ابن أبي أوفى فمن طريق الحجاج بن فروخ ، وهو متفق على ضعفه وترك الاحتجاج به وأما خبر عمر فمن طريق شريك القاضي ، وهو ضعيف - فبطل التعلق بهما ؟ وقد ذكرنا أن الثابت عن رسول الله ﷺ وعن عمر خلاف هذا ؟ قال علي : وهم يقولون : لا نقبل خبر الواحد فيما تعظم البلوى به ؟ قال علي : وهذا مما تعظم به البلوى ، فلو كان كما يقولون ما خفي على سائر الفقهاء ، وقد قبلوا فيه خبرا واهيا ، وتركوا له الآثار الثابتة

450 - مسألة : ونستحب لكل مصل إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله ، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله عز وجل من النار ؟ : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار حدثني يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ومحمد بن أبي عدي ، كلهم عن شعبة عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد بن الأحنف عن صلة بن زفر { عن حذيفة : أنه صلى إلى جنب النبي ﷺ ليلة ، فكان إذا مر بآية عذاب وقف فتعوذ ، وإذا مر بآية رحمة وقف فدعا ، وكان يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم ، وفي سجوده : سبحان ربي الأعلى } . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى : أن عائشة أم المؤمنين مرت بهذه الآية { فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم } فقالت : رب من علي وقني عذاب السموم ؟ وبه إلى سفيان : عن السدي ومسعر قال السدي : عن عبد خير الهمداني قال : سمعت علي بن أبي طالب قرأ في صلاة " سبح اسم ربك الأعلى " فقال : سبحان ربي الأعلى ؟ وقال مسعر : عن عمير بن سعيد أن أبا موسى الأشعري قرأ في الجمعة { سبح اسم ربك الأعلى } فقال : سبحان ربي الأعلى ؟ وعن عبد الرزاق عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنه كان إذا قرأ { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } قال : اللهم بلى وإذا قرأ { سبح اسم ربك الأعلى } قال : سبحان ربي الأعلى ؟ وعن شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه . وعن علقمة : أنه قرأ { رب زدني علما } فقال : رب زدني علما ؟ وعن حجر المدري أنه كان يصلي ، فإذا قرأ { أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون } قال : بل أنت رب

451 - مسألة : ونستحب لكل مصل إذا قال : " سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد " أن يقول " ملء السموات والأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد " فإن زاد على ذلك " أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " فحسن ، وإن اقتصر على الأول : فحسن . برهان ذلك - : ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عبيد بن الحسن عن عبد الله بن أبي أوفى قال { كان رسول الله ﷺ إذا قال : سمع الله لمن حمده ، قال : اللهم ربنا لك الحمد ، ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد } . حدثنا حمام ثنا عباس ثنا ابن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش عن عبيد بن الحسن المزني قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول : { كان رسول الله ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا ولك الحمد ، ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد } . قال علي : وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن أبي شيبة أبو بكر ثنا أبو معاوية ، ووكيع عن الأعمش عن عبيد بن الحسن عن عبد الله بن أبي أوفى قال : { كان رسول الله ﷺ إذا رفع ظهره من الركوع قال : سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ، ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد } . وبه إلى مسلم : ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ثنا مروان بن محمد الدمشقي ثنا سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال : { كان رسول الله ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال : ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد - وكلنا لك عبد - اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد } . وبه إلى مسلم ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا هشيم بن بشير أنا هشام بن حسان عن قيس بن سعد عن عطاء هو ابن أبي رباح - عن ابن عباس { أن النبي ﷺ كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : اللهم ربنا لك الحمد ، ملء السماوات ، وملء الأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد } . قال علي : فهذه آثار متظاهرة وأحاديث متواترة ، وروايات متناصرة ولا يسع أحدا الرغبة عنها ؟ وقد قال بهذا طائفة من السلف الصالح - : كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة ثنا قيس بن سعد ، وحماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير : أن ابن عباس كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : " اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد " . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ثنا شعبة عن الحكم أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود كان يصلي بالناس ، فإذا رفع رأسه من الركوع قام قدر ما يقول : اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ؟ قال علي : وهذا أيضا قول الشافعي ، وأصحابه ، وبعض أصحابنا ، وبه نأخذ - وبالله تعالى التوفيق

452 - مسألة : فإن طول الإنسان ركوعه وسجوده ووقوفه في رفعه من الركوع وجلوسه بين السجدتين ، حتى يكون كل شيء من ذلك مساويا لوقوفه مدة قراءته قبل الركوع فحسن . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن الحسين الجحدري عن أبي عوانة عن هلال بن أبي حميد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال { رمقت الصلاة مع محمد ﷺ فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته وجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء } . وبه إلى مسلم : ثنا أبو بكر بن نافع العبدي ثنا بهز بن أسد ثنا حماد أنا ثابت { عن أنس قال : ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من رسول الله ﷺ في تمام ، كانت صلاة رسول الله ﷺ متقاربة ، وكانت صلاة أبي بكر متقاربة ، فلما كان عمر بن الخطاب مد في صلاة الفجر ، وكان رسول الله ﷺ إذا قال : سمع الله لمن حمده قام حتى نقول : قد أوهم ، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول : قد أوهم } . وفعله السلف الطيب - : كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني { عن أنس أنه قال : إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله ﷺ يصلي بنا ، قال ثابت : فكان أنس يصنع شيئا لم أركم تصنعونه ، كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل : قد نسي ، وبين السجدتين حتى يقول القائل : قد نسي } . قال علي : هذا يوضح أنه لا حجة في عمل أحد دون رسول الله ﷺ . وعن وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال : كان أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود يطيل القيام بعد الركوع فكانوا يعيبون ذلك عليه ؟ قال علي : المعيب هو من عاب عمل رسول الله ﷺ وعول على ما لا حجة فيه - وبالله تعالى التوفيق .

453 - مسألة : وتحسين الركوع هو أن لا يرفع رأسه إذا ركع ولا يميله ، لكن معتدلا مع ظهره ، وأما في السجود فيقنطر ظهره جدا ما أمكنه ، ويفرج ذراعيه ما أمكنه ، الرجل والمرأة في كل ذلك سواء - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن ابن هرمز عن عبد الله بن مالك بن بحينة { أن النبي ﷺ كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم عن عمه يزيد بن الأصم : أنه أخبره عن ميمونة زوج النبي ﷺ قالت : { كان النبي ﷺ إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت } . وبه إلى مسلم : ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - أنا عيسى بن يونس ثنا حسين المعلم عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة { أن رسول الله ﷺ " كان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه } . وروينا عن حماد بن سلمة عن أبي جمرة قلت لعائذ بن عمرو المزني إذا ركعت أنصب في ركوعي ؟ قال : لا ، ولكن اعتدل حتى تستوي أطباق صلبك ، قلت : إذا سجدت أسجد على مرفقي ؟ قال : لا ، ولكن جافيهما . وعن وكيع عن طلحة القصاب عن الحسن البصري قال : كان عمر بن الخطاب يعلم أصحابه إذا ركعوا أن لا يقنعوا ولا يصوبوا . وعن وكيع عن أبيه عن شهاب البارقي أن علي بن أبي طالب كان إذا سجد خوى كما يخوي البعير الضامر . وعن وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة عن أبي إسحاق السبيعي قال : رأيت مسروقا ساجدا كأنه أحدب ؟ وعن الحسن : يركع الرجل غير شاخص ولا منكس ؟ وعن إبراهيم النخعي : أنه كان يكره أن يقنع أو يصوب في الركوع وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحاب الحديث . وأما المرأة - فلو كان لها حكم بخلاف ذلك لما أغفل رسول الله ﷺ بيان ذلك ، والذي يبدو منها في هذا العمل هو بعينه الذي يبدو منها في خلافه ، ولا فرق - وبالله تعالى نعتصم ؟

======== ============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مكتبات الكتاب الاسلامي

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أ...