مدونة استكمال مصنفات الإمامين ابن حزم والوكاني

الأحد، 20 مارس 2022

المحلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة من 275 الي 313 - .

كتاب الصـــلاة

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)

فهارس كتاب الصلاة
  1. 275 - مسألة: أقسام الصلاة
  2. 276 - مسألة : شروط صحة الصلاة البلوغ
  3. 277 - مسألة : شروط صحة الصلاة العقل والطهارة
  4. 279 - مسألة : حكم من تعمد ترك الصلاة حتى خرج الوقت
  5. 280 - مسألة: الأدلة على توبة من تعمد ترك الصلاة
  6. الصلوات المفروضات الخمس
  7. 281 - مسألة: المفروض من الصلاة
  8. أقسام التطوع
  9. 282 - مسألة: أقسام التطوع
  10. فصل في الركعتين قبل المغرب
  11. 283 - مسألة: في الكلام على سنة المغرب القبلية
  12. 284 - مسألة: حكم إعادة الصلاة إذا وجد جماعة أخرى
  13. 285 - مسألة: حكم ركعتي العصر
  14. 286 - مسألة : في أنه لا يجوز تعمد تأخير ما نسي أو نام عنه من الفرض
  15. 287 - مسألة: حكم تخصيص ليلة الجمعة بصلاة زائدة
  16. 288 - مسألة: في أن خير الأعمال أدومها
  17. 289 - مسألة: صلاة التطوع في الجماعة أفضل منها منفردا
  18. 290 - مسألة: أفضل الوتر من آخر الليل
  19. 291 - مسألة : والوتر آخر الليل أفضل
  20. 292 - مسألة : ويقرأ في الوتر بما تيسر من القرآن
  21. 293 - مسألة: كيفية صلاة الوتر
  22. 294 - مسألة: يستحب أن يختم القرآن كله مرة في كل شهر
  23. 295 - مسألة: حكم الجهر في صلاة التطوع
  24. 296 - مسألة: حكم الجمع بين السور في كل ركعة
  25. 297 - مسألة: حكم صلاة التطوع مضطجعا
  26. 298 - مسألة: كيفية سجود الراكب وركوعه
  27. 299 - مسألة: كيفية صلاة الفرض
  28. 300 - مسألة: لا يحل لأحد أن يصلي الفرض راكبا، ولا ماشيا إلا في حال الخوف فقط
  29. 301 - مسألة: حكم العمل الكثير في الصلاة
  30. 302 - مسألة: حكم من خرج من صلا ته وهو يظن أنه قد أتمها
  31. 303 - مسألة: حكم من خطر على باله شيء من أمور الدنيا في الصلاة
  32. 304 - مسألة: كيفية صلاة من كان راكبا على فيل أو شجر أو غيره
  33. 305 - مسألة: حكم من تعمد ترك الوتر
  34. 306 - مسألة: حكم من صلى الوتر قبل صلاة العتمة
  35. 307 - مسألة: وقت ركعتي الفجر
  36. 308 - مسألة: حكم من سمع إقامة الصبح وهو في السنة
  37. 309 - مسألة: حكم من نام عن صلاة الصبح أو نسيها حتى تطلع الشمس
  38. 310 - مسألة: حكم الكلام قبل صلاة الصبح
  39. 311 - مسألة: حكم من دخل مسجدا وظن أن أهله صلوا الفرض
  40. 312 - مسألة: لا يجوز أن يسلم قبل الإمام إلا لعذر
  41. 313 - مسألة: فإن كان ممن يلزمه فرض الجماعة، ولم يكن يائسا عن
  42. إدراكها فابتدأ الصلاة المكتوبة فأقيمت الصلاة فالتي بدأ بها باطلة 
  43.  
  44.  
  45.  
  46. باب الأذان
  47. 314 - مسألة: ولا يجوز أن يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها إلا صلاة الصبح فقط
  48. 315 - مسألة: ولا تجزئ صلاة فريضة في جماعة اثنين فصاعدا إلا بأذان وإقامة
  49. 316 - مسألة: ولا يلزم المنفرد أذان، ولا إقامة
  50. 317 - مسألة: ولا يلزم النساء فرضا حضور الصلاة المكتوبة في جماعة
  51. 318 - مسألة: فإن حضرت المرأة الصلاة مع الرجال فحسن
  52. 319 - مسألة: فإن صلين جماعة، وأمتهن امرأة منهن فحسن
  53. 320 - مسألة: ولا أذان على النساء، ولا إقامة
  54. 321 - مسألة: ولا يحل لولي المرأة، ولا لسيد الأمة منعهما من حضور الصلاة في جماعة في المسجد
  55. 322 - مسألة: ولا يؤذن، ولا يقام لشيء من النوافل
  56. 323 - مسألة : ولا يجوز أن يؤذن ويقيم إلا رجل بالغ عاقل مسلم مؤد لالفاظ الأذان والإقامة
  57. 324 - مسألة: ولا يجوز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا
  58. 325 - مسألة: ويجزئ الأذان والإقامة قاعدا وراكبا وعلى غير طهارة وجنبا
  59. 326 - مسألة: ومن عطس في أذانه، وإقامته: ففرض عليه أن يحمد الله تعالى
  60. 327 - مسألة: ولا تجوز الآجرة على الأذان
  61. 328 - مسألة: ومن كان في المسجد فاندفع الأذان لم يحل له الخروج من المسجد
  62. 329 - مسألة: وجائز أن يقيم غير الذي أذن
  63. 330 - مسألة: ومن سمع المؤذن فليقل كما يقول المؤذن سواء سواء
  64. 331 - مسألة: وصفة الأذان: معروفة
  65. 332 - مسألة: ولا يجوز تنكيس الأذان، ولا الإقامة
  66. 333 - مسألة: فإن كان برد شديد أو مطر رش فصاعدا؛ فيجب أن يزيد المؤذن في أذانه بعد
  67. 234 - مسألة: والكلام جائز بين الإقامة والصلاة طال الكلام أو قصر
  68. أوقات الصلاة
  69. 235 - مسألة: أول وقت الظهر أخذ الشمس في الزوال والميل
  70. 336 - مسألة: في أن تعجيل جميع الصلوات في أول أوقاتها أفضل على كل حال
  71. 337 -فصل: في أن وقت الظهر أطول من وقت العصر أبدا في كل زمان ومكان
  72. 338 - مسألة : الشفق، والفجر
  73. 339 - مسألة : ومن كبر لصلاة فرض، وهو شاك هل دخل وقتها أم لا لم تجزه
  74. 340 - مسألة: فلو بدأها وهو عند نفسه موقن بأن وقتها قد دخل فإذا بالوقت لم يكن دخل لم تجزه أيضا
  75. 341 - مسألة: كل من ركع ركعتي الفجر لم تجزه صلاة الصبح إلا بأن يضطجع على شقه الأيمن
  76. 342 - مسألة : حكم من فاتته صلاة الصبح بنسيان، أو بنوم
  77. 343 - مسألة: صفة الصلاة
  78. 344 - مسألة : حكم من أصاب بدنه أو ثيابه أو مصلاه شيء
  79. 345 - مسألة: كيفية صلاة من كان محبوسا في كان لا يقدر على الزوال عنه
  80. 346 - مسألة: وستر العورة فرض عن عين الناظر
  81. 347 - مسألة: وأما من لا يجد ثوبا أبيح له الصلاة به أو أكره أو نسي
  82. 348 - مسألة: حكم ما لو ابتدأ التكبير مكشوف العورة
  83. 349 - مسألة: مقدار العورة التي يجب سترها
  84. 350 - مسألة: والعراة بعطب، أو سلب، أو فقر: يصلون كما هم في جماعة في صف خلف إمامهم
  85. 351 - مسألة: واستقبال جهة الكعبة بالوجه والجسد فرض على المصلي حاشا المتطوع راكبا
  86. 352 - مسألة: ويلزم الجاهل أن يصدق في جهة القبلة من أخبره من أهل المعرفة
  87. 353 - مسألة: فمن صلى إلى غير القبلة ممن يقدر على معرفة جهتها عامدا أو ناسيا بطلت صلاته
  88. 354 - مسألة: والنية في الصلاة فرض
  89. 355 - مسألة: فإن انصرفت نيته في الصلاة ناسيا إلى غيرها، أو إلى تطوع،
  90. أو إلى خروج عن الصلاة: ألغى ما عمل من فروض صلاته
  91. 356 - مسألة: والإحرام بالتكبير: فرض، لا تجزئ الصلاة إلا به
  92. 357 - مسألة: ويجزئ في التكبير: الله أكبر، والله الأكبر، والأكبر الله، والكبير الله، والله الكبير، والرحمن أكبر
  93. 358 - مسألة: ورفع اليدين للتكبير مع الإحرام في أول الصلاة: فرض، لا تجزئ الصلاة إلا به
  94. 359 - مسألة: وقراءة أم القرآن: فرض في كل ركعة من كل صلاة إماما كان أو مأموما
  95. 360 - مسألة: ولا يجوز للمأموم أن يقرأ خلف الإمام شيئا غير أم القرآن
  96. 361 - مسألة: فمن دخل خلف إمام فبدأ بقراءة أم القرآن فركع الإمام قبل أن يتم
  97. هذا الداخل أم القرآن فلا يركع حتى يتمها
  98. 362 - مسألة: فإن جاء والإمام راكع فليركع معه، ولا يعتد بتلك الركعة
  99. 363 - مسألة: وفرض على كل مصل أن يقول إذا قرأ
  100. 364 - مسألة: فمن نسي التعوذ أو شيئا من أم القرآن حتى ركع أعاد متى ذكر فيها وسجد للسهو
  101. 365 - مسألة: ومن كان لا يحفظ أم القرآن صلى وقرأ ما أمكنه من القرآن إن كان يعلمه، لا حد في ذلك
  102. 366 - مسألة: ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء بسم الله الرحمن الرحيم
  103. آية من القرآن لم تجزه الصلاة إلا بالبسملة
  104. 367 - مسألة: حكم من قرأ أم القرآن بغير اللغة العربية في الصلاة
  105. 368 - مسألة: وليس على الإمام والمنفرد أن يتعوذا للسورة التي مع أم القرآن
  106. 369 - مسألة: والركوع في الصلاة فرض
  107. 370 - مسألة: فمن عجز عن الركوع أو عن السجود خفض لذلك قدر طاقته
  108. 371 - مسألة: ومن كان بين يديه طين لا يفسد ثيابه، ولا يلوث وجهه لزمه أن يسجد عليه
  109. 372 - مسألة: والجلوس بعد رفع الرأس من آخر سجدة من الركعة الثانية فرض في كل صلاة مفترضة
  110. 373 - مسألة: ما يقال عند الفراغ من التشهد
  111. 374 - مسألة: ويستحب أن يقول إذا فرغ من التشهد ما حدثناه عبد الله بن ربيع
  112. 375 - مسألة: والتطبيق في الصلاة لا يجوز
  113. 376 - مسألة: فإذا أتم المرء صلاته فليسلم
  114. 377 - مسألة: وكل من سها عن شيء مما ذكرنا فإنه فرض عليه حتى ركع لم يعتد بتلك الركعة
  115. 378 - مسألة: ولا يحل تعمد الكلام مع أحد من الناس في الصلاة
  116. 379 - مسألة: ولا يجوز لاحد أن يفتي الإمام إلا في أم القرآن وحدها
  117. 380 - مسألة: ومن تكلم ساهيا في الصلاة فصلاته تامة
  118. 381 - مسألة: ولا يحل للمصلي أن يضم ثيابه أو يجمع شعره قاصدا بذلك للصلاة
  119. 382 - مسألة: وفرض على المصلي أن يغض بصره عن كل ما لا يحل له النظر إليه
  120. 383 - مسألة: وفرض عليه أن لا يضحك، ولا يتبسم عمدا
  121. 384 - مسألة: وأن لا يمسح الحصا أو ما يسجد عليه إلا مرة واحدة
  122. 385 - مسألة: ويقطع صلاة المصلي كون الكلب بين يديه، مارا أو غير مار
  123. 386 - مسألة: ولا يحل للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء، ولا عند الدعاء في غير الصلاة أيضا
  124. 387 - مسألة: فإن صلت امرأة إلى جنب رجل لا تأتم به
  125. 388 - مسألة: ومن تعمد في الصلاة وضع يده على خاصرته بطلت صلاته
  126. 389 - مسألة: والإتيان بعدد الركعات والسجدات فرض لا تتم الصلاة إلا به
  127. 390 - مسألة: ولا يحل للمصلي أن يفترش ذراعيه في السجود
  128. 391 - مسألة: وفرض على المصلي أن لا يبصق أمامه، ولا عن يمينه، في صلاة كان أو في غير صلاة
  129. 392 - مسألة: ولا تحل الصلاة في عطن إبل
  130. 393 - مسألة : ولا تحل الصلاة في حمام
  131. 394 - مسألة: ولا تجوز الصلاة في أرض مغصوبة
  132. 395 - مسألة: ولا تحل الصلاة للرجل خاصة في ثوب فيه حرير
  133. 396 - مسألة: ولا يحل لأحد أن يقرأ القرآن في ركوعه، ولا في سجوده
  134. 397 - مسألة: حكم ما لو قرأ الرآن في جلوسه عند التشهد
  135. 398 - مسألة: ولا تجزئ أحدا الصلاة في مسجد الضرار الذي بقرب قباء
  136. 399 - مسألة: ولا تجزئ الصلاة في مسجد أحدث مباهاة
  137. 400 - مسألة : ولا تجزئ الصلاة في مكان يستهزأ فيه بالله عز وجل أو برسوله أو بشيء من الدين
  138. 401 - مسألة : ولا تجوز القراءة في مصحف، ولا في غيره لمصل
  139. 402 - مسألة: ومن سلم عليه وهو يصلي فليرد إشارة لا كلاما
  140. 403 - مسألة: ولا تجزئ الصلاة بحضرة طعام المصلي غداء كان أو عشاء
  141. 404 - مسألة : ومن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا ففرض عليه أن لا يصلي في المسجد حتى تذهب الرائحة
  142. 405 - مسألة: ومن تعمد فرقعة أصابعه أو تشبيكها في الصلاة بطلت صلاته
  143. 406 - مسألة : ومن صلى معتمدا على عصا أو على جدار أو على إنسان أو مستندا فصلاته باطلة
  144. 407 - مسألة: ومن تختم في السبابة أو الوسطى، أو الإبهام، أو البنصر
  145. إلا الخنصر وحده وتعمد الصلاة كذلك فلا صلاة له
  146. 408 - مسألة : حكم ما لو صرف نيته في الصلاة متعمدا إلى صلاة أخرى
  147. 409 - مسألة : حكم من أتى كاهنا أو عرافا
  148. 410 - مسألة: حكم ما لو أن إمامه قد سلم أو نسي أنه في إمامة الإمام
  149. 411 - مسألة: والصلاة خلف من يدري المرء أنه كافر باطل
  150. 412 - مسألة: حكم من صلى خلف من يظن أنه مسلم ثم علم أنه كافر
  151. 413 - مسألة: وأما من تأول في بعض ما يوجب الوضوء فلم ير الوضوء منه: فالائتمام به جائز
  152. 414 - مسألة : ومن علم أن إمامه قد زاد ركعة أو سجدة فلا يجوز له أن يتبعه عليها
  153. 415 - مسألة: وأيما رجل صلى خلف الصف بطلت صلاته
  154. 416 - مسألة: وواجب على من دخل المسجد أن يقول
  155. 417 - مسألة : وفرض على كل مأموم أن لا يرفع، ولا يركع، ولا يسجد، ولا يكبر،
  156. ولا يقوم، ولا يسلم قبل إمامه
  157. 418 - مسألة: فمن كان عليل البصر وخشي ضررا من طول الركوع أو السجود
  158. فليؤخر ذلك إلى قرب رفع الإمام رأسه بمقدار ما يركع
  159. 419 - مسألة: ولا يحل لأحد أن يكبر قبل إمامه إلا في أربعة مواضع
  160. 420 - مسألة: ومن سبق إلى مكان من المسجد لم يجز لغيره إخراجه عنه
  161. 421 - مسألة: ولا يحل لأحد أن يصلي أمام الإمام إلا لضرورة حبس فقط
  162. 422 - مسألة: وكل من استخلفه الإمام المحدث فإنه لا يصلي إلا صلاة نفسه
  163. 423 - مسألة: وأيما عبد أبق عن مولاه فلا تقبل له صلاة حتى يرجع
  164. 424 - مسألة: ومن صلى من الرجال وهو لابس معصفرا بطلت صلاته
  165. 425 - مسألة: ومن صلى وهو يحمل شيئا مسروقا أو مغصوبا أو إناء فضة أو ذهب بطلت صلاته
  166. 426 - مسألة: وفرض على الرجل إن صلى في ثوب واسع أن يطرح منه على عاتقه أو عاتقيه
  167. 427 - مسألة: ولا يجوز لاحد أن يصلي وهو مشتمل الصماء
  168. 428 - مسألة: ولا تجزئ الصلاة ممن جر ثوبه خيلاء من الرجال
  169. 429 - مسألة: والصلاة جائزة في ثوب الكافر والفاسق
  170. 430 - مسألة: ولا يجزئ أحدا من الرجال أن يصلي وقد زعفر جلده بالزعفران
  171. 431 - مسألة: ولا يحل للرجل أن يصفق بيديه في صلاته
  172. 432 - مسألة: ولا يحل للمرأة إذا شهدت المسجد أن تمس طيبا
  173. 433 - مسألة: ولا يحل للمرأة أن تصلي وهي واصلة شعرها بشعر إنسان
  174. 434 - مسألة: حكم صلاة التي تتولى وصل شعر غيرها والواشمة
  175. 435 - مسألة: والصلاة جائزة على ظهر الكعبة
  176. 436 - مسألة: ومن صلى وفي قبلته مصحف فذلك جائز
  177. 437 - مسألة: حكم من صلى وفي قبلته نار
  178. 438 - مسألة: حكم الصلاة في البيعة، والكنيسة، وبيت النار والمجزرة
  179. 439 - مسألة: والصلاة جائزة على الجلود، وعلى الصوف
  180. 440 - مسألة: ومن زوحم يوم الجمعة أو غيرها فلم يقدر على السجود
  181. على ما بين يديه، فليسجد على رجل من يصلي بين يديه
  182. 441 - مسألة: وجائز للإمام أن يصلي في مكان أرفع من مكان جميع المأمومين
  183. الأعمال المستحبة في الصلاة وليست فرضا
  184. 442 - مسألة: رفع اليدين عند كل ركوع وسجود وقيام وجلوس، سوى تكبيرة الإحرام
  185. 443 - مسألة: والتوجيه سنة حسنة
  186. 444 - مسألة: ويجب على الإمام التخفيف إذا أم جماعة
  187. 445 - مسألة: يستحب أن يقرأ في صلاة الصبح مع أم القرآن في كل ركعة من ستين آية إلى مائة آية
  188. 446 - مسألة: ويستحب الجهر في ركعتي صلاة الصبح، والآولتين من المغرب، والآولتين من العتمة
  189. 447 - مسألة: ويستحب تطويل الركعة الآولى من كل صلاة أكثر من الركعة الثانية منها
  190. 448 - مسألة: ويستحب أن يضع المصلي يده اليمنى على كوع يده اليسرى في الصلاة
  191. 449 - مسألة: ونستحب أن لا يكبر الإمام إلا حتى يستوي كل من وراءه في صف أو أكثر من صف
  192. 450 - مسألة: ونستحب لكل مصل إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله
  193. 451 - مسألة: ونستحب لكل مصل إذا قال:
  194. 452 - مسألة: فإن طول الإنسان ركوعه وسجوده ووقوفه في رفعه من الركوع وجلوسه بين السجدتين،
  195. حتى يكون كل شيء من ذلك مساويا لوقوفه مدة قراءته قبل الركوع فحسن.
  196. 453 - مسألة: وتحسين الركوع هو أن لا يرفع رأسه إذا ركع، ولا يميله، لكن معتدلا مع ظهره
  197. 454 - مسألة: ونستحب لكل مصل إذا رفع رأسه من السجدة الثانية أن يجلس متمكنا ثم يقوم من
  198. ذلك الجلوس إلى الركعة الثانية والرابعة.
  199. 455 - مسألة: جلسات الصلاة
  200. 456 - مسألة: وفرض على كل مصل أن يضع إذا سجد يديه على الأرض قبل ركبتيه
  201. 457 - مسألة: ونستحب لكل مصل إماما كان أو مأموما أو منفردا في فرض كان أو نافلة،
  202. رجلا كان أو امرأة: أن يسلم تسليمتين فقط
  203. 458 - مسألة: ونستحب إذا أكمل التشهد في كلتا الجلستين أن يصلي على رسول الله ﷺ
  204. 459 - مسألة: والقنوت فعل حسن، بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل صلاة فرض الصبح وغير الصبح
  205. 460 - مسألة: ونستحب أن يشير المصلي إذا جلس للتشهد بأصبعه
  206. 461 - مسألة: ونستحب لكل مصل أن يكون أخذه في التكبير مع ابتدائه للانحدار للركوع
  207. نواقض الصلاة
  208. 462 - مسألة: ما ينقض الطهارة والصلاة
  209. 463 - مسألة: حكم الرعاف في الصلاة
  210. 464 - مسألة: ومن زوحم حتى فاته الركوع أو السجود أو ركعة أو ركعات
  211. 465 - مسألة: ومن لم يمس بالماء في وضوئه وغسله ولو مقدار شعرة
  212. مما أمر بغسله في الغسل أو الوضوء فلا صلاة له
  213. 466 - مسألة: ومن أحال القرآن متعمدا فقد كفر
  214. سجود السهو
  215. 467 - مسألة: كل عمل يعمله المرء في صلاته سهوا وكان ذلك العمل مما لو تعمده ذاكرا بطلت صلاته
  216. 468 - مسألة: الأعمال الموجبة للسهو
  217. 469 - مسألة: وإذا سها الإمام فسجد للسهو: ففرض على المؤتمين أن يسجدوا معه
  218. 470 - مسألة: وإذا سها المأموم ولم يسه الإمام ففرض على المأموم أن يسجد للسهو
  219. 471 - مسألة: ومن سجد سجدتي السهو على غير طهارة أجزأتا عنه ونكره ذلك
  220. 472 - مسألة: والأفضل أن يكبر لكل سجدة من سجدتي السهو
  221. 473 - مسألة: وسجود السهو كله بعد السلام إلا في موضعين
  222. 474 - مسألة: حكم من أكره على السجود لصنم أو وثن
  223. 475 - مسألة: ومن عجز عن القيام أو عن شيء من فروض صلاته: أداها قاعدا
  224. 476 - مسألة: ومن ابتدأ الصلاة مريضا مومئا أو قاعدا أو راكبا لخوف ثم أفاق أو أمن: قام المفيق ونزل الآمن
  225. 477 - مسألة: ومن اشتغل باله بشيء من أمور الدنيا في الصلاة كرهناه، ولم تبطل لذلك صلاته
  226. 478 - مسألة: ومن ذكر في نفس صلاته أي صلاة كانت: أنه نسي صلاة فرض واحدة أو أكثر من واحدة
  227. 479 - مسألة: فإن ذكر صلاة وهو في وقت أخرى، فإن كان في الوقت فسحة فليبدأ بالتي ذكر
  228. 480 - مسألة: ماذا يفعل من أيقن أنه نسي صلاة لا يدري أي صلاة هي
  229. 481 - مسألة: فإن كان قوم في سفينة لا يمكنهم الخروج إلى البر إلا بمشقة أو بتضييعها فليصلوا فيها كما يقدرون
  230. 482 - مسألة: والصلاة جائزة في البيع، والكنائس
  231. 483 - مسألة: وحد دنو المرء من سترته أقرب ذلك قدر ممر الشاة
  232. 484 - مسألة: ومن بكى في الصلاة من خشية الله تعالى أو من هم عليه ولم يمكنه رد البكاء فلا شيء عليه
  233. صلاة الجماعة
  234. 485 - مسألة: ولا تجزئ صلاة فرض أحدا من الرجال: إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام
  235. 486 - مسألة: أعذار التخلف عن الجماعة
  236. 487 - مسألة: والأفضل أن يؤم الجماعة في الصلاة أقرؤهم للقرآن وإن كان أنقص فضلا
  237. 488 - مسألة:والأعمى، والبصير، والخصي، والفحل، والعبد، والحر، وولد الزنى، والقرشي: سواء في الإمامة في الصلاة
  238. 489 - مسألة: ومن صلى جنبا أو على غير وضوء عمدا أو نسيانا فصلاة من ائتم به صحيحة تامة
  239. 490 - مسألة: ولا تجوز إمامة من لم يبلغ الحلم، لا في فريضة، ولا نافلة، ولا أذانه
  240. 491 - مسألة: وصلاة المرأة بالنساء جائزة، ولا يجوز أن تؤم الرجال
  241. 492 - مسألة: وإذا أحدث الإمام، أو ذكر: أنه غير طاهر، فخرج، فاستخلف: فحسن
  242. 493 - مسألة: وإذا أحدث الإمام، أو ذكر: أنه غير طاهر، فخرج، فاستخلف: فحسن
  243. 494 - مسألة: حكم من نسي صلاة فرض أي صلاة كانت فوجد إماما يصلي صلاة أخرى
  244. 495 - مسألة: ومن أتى مسجدا قد صليت به صلاة فرض جماعة بإمام راتب وهو لم يكن صلاها: فليصلها في جماعة
  245. 496 - مسألة: وإن دخل اثنان فصاعدا فوجدوا الإمام في بعض صلاته فإنهم يصلون معه
  246. حكم المساجد
  247. 497 - مسألة: وتكره المحاريب في المساجد, وواجب كنسها
  248. 498 - مسألة: والتحدث في المسجد بما لا إثم فيه من أمور الدنيا, مباح, وذكر الله تعالى أفضل
  249. 499 - مسألة: ودخول المشركين في جميع المساجد: جائز, حاشا حرم مكة كله
  250. 500 - مسألة: واللعب, والزفن مباحان في المسجد
  251. 501 - مسألة: ولا يجوز إنشاد الضوال في المساجد
  252. 502 - مسألة: ولا يجوز البول في المسجد
  253. 503 - مسألة: ولا يحل بناء مسجد عليه بيت متملك ليس من المسجد
  254. 504 - مسألة: والبيع جائز في المساجد
  255. 505 - مسألة: في الصلاة الوسطى
  256. 506 - مسألة: ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن
  257. 507 - مسألة: وجلوس الإمام في مصلاه بعد سلامه حسن مباح لا يكره
  258. 508 - مسألة: ومن وجد الإمام جالسا في آخر صلاته قبل أن يسلم ففرض عليه أن يدخل معه
  259. 509 - مسألة: ويستحب لكل مصل أن ينصرف عن يمينه فإن انصرف عن شماله فمباح
  260. 510 - مسألة: ومن وجد الإمام راكعا أو ساجدا أو جالسا فلا يجوز ألبتة أن يكبر قائما
  261. صلاة المسافر
  262. 511 - مسألة: صلاة الصبح ركعتان في السفر والحضر أبدا
  263. 512 - مسألة: وكون الصلوات المذكورة في السفر ركعتين فرض سواء كان سفر طاعة أو معصية
  264. 513 - مسألة: ومن خرج عن بيوت مدينته, أو قريته, أو موضع سكناه فمشى ميلا فصاعدا: صلى ركعتين
  265. 514 - مسألة: وسواء سافر في بر, أو بحر, أو نهر, كل ذلك كما ذكرنا, لأنه سفر، ولا فرق
  266. 515 - مسألة: فإن سافر المرء في جهاد, أو حج, أو عمرة, أو غير ذلك من الأسفار:
  267. فأقام في مكان واحد عشرين يوما بلياليها: قصر
  268. 516 - مسألة: ومن ابتدأ صلاة وهو مقيم ثم نوى فيها السفر, أو ابتدأها
  269. وهو مسافر ثم نوى فيها أن يقيم: أتم
  270. 517 - مسألة: ومن ذكر وهو في سفر صلاة نسيها أو نام عنها في إقامته صلاها ركعتين
  271. 518 - مسألة: فإن صلى مسافر بصلاة إمام مقيم قصر
  272. صلاة الخوف
  273. 519 - مسألة: سبب مشروعية صلاة الخوف
  274. 520 - مسألة: ولا يجوز أن يصلي صلاة الخوف بطائفتين من خاف من طالب له بحق
  275. صلاة الجمعة
  276. 521 - مسألة: الجمعة, هي ظهر يوم الجمعة
  277. 522 - مسألة: والجمعة إذا صلاها اثنان فصاعدا ركعتان يجهر فيهما بالقراءة
  278. 523 - مسألة: وسواء فيما ذكرنا من وجوب الجمعة المسافر في سفره, والعبد, والحر, والمقيم
  279. 524 - مسألة: وليس للسيد منع عبده من حضور الجمعة
  280. 525 - مسألة: ولا جمعة على معذور بمرض
  281. 526 - مسألة: ويلزم المجيء إلى الجمعة من كان منها بحيث إذا زالت الشمس وقد توضأ قبل ذلك دخل الطريق
  282. 527 - مسألة: ويبتدئ الإمام بعد الأذان وتمامه بالخطبة
  283. 528 - مسألة: ولا تجوز إطالة الخطبة
  284. 529 - مسألة: وفرض على كل من حضر الجمعة سمع الخطبة
  285. 530 - مسألة: والاحتباء جائز يوم الجمعة والإمام يخطب
  286. 531 - مسألة: ومن دخل يوم الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين قبل أن يجلس
  287. 532 - مسألة: والكلام مباح لكل أحد ما دام المؤذن يؤذن يوم الجمعة
  288. 533 - مسألة: ومن رعف والإمام يخطب واحتاج إلى الخروج فليخرج
  289. 534 - مسألة: ومن ذكر في الخطبة صلاة فرض نسيها أو نام عنها فليقم وليصلها
  290. 535 - مسألة: ومن لم يدرك مع الإمام من صلاة الجمعة إلا ركعة واحدة, أو الجلوس فقط فليدخل معه
  291. 536 - مسألة: والغسل واجب يوم الجمعة لليوم لا للصلاة
  292. 537 - مسألة: فإن ضاق المسجد أو امتلات الرحاب واتصلت الصفوف صليت الجمعة وغيرها
  293. 538 - مسألة: ومن زوحم يوم الجمعة أو غيره فإن قدر على السجود كيف أمكنه ولو إيماء وعلى الركوع كذلك أجزأه
  294. 539 - مسألة: وإن جاء اثنان فصاعدا وقد فاتت الجمعة صلوها جمعة
  295. 540 - مسألة: ومن كان بالمصر فراح إلى الجمعة من أول النهار فحسن
  296. 541 - مسألة: والصلاة في المقصورة جائزة
  297. 542 - مسألة: ولا يحل البيع من أثر استواء الشمس
  298. صلاة العيدين
  299. 543 - مسألة: هما عيد الفطر من رمضان, وهو: أول يوم من شوال, ويوم الأضحى
  300. 544 - مسألة: ويصليهما, العبد, والحر, والحاضر, والمسافر, والمنفرد, والمرأة والنساء
  301. 545 - مسألة: ويخرج إلى المصلى: النساء حتى الأبكار, والحيض وغير الحيض
  302. 546 - مسألة: ونستحب السير إلى العيد على طريق والرجوع على آخر
  303. 547 - مسألة: وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة: صلي للعيد, ثم للجمعة
  304. 548 - مسألة: والتكبير ليلة عيد الفطر: فرض, وهو في ليلة عيد الأضحى حسن
  305. 549 - مسألة: ويستحب الأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى
  306. 550 - مسألة: والتنفل قبلهما في المصلى حسن
  307. 551 - مسألة: والتكبير إثر كل صلاة, وفي الأضحى, وفي أيام التشريق, ويوم عرفة: حسن كله
  308. 552 - مسألة: ومن لم يخرج يوم الفطر, ولا يوم الأضحى لصلاة العيدين خرج لصلاتهما في اليوم الثاني
  309. 553 - مسألة: والغناء واللعب والزفن في أيام العيدين حسن في المسجد وغيره
  310. صلاة الاستسقاء
  311. 554 - مسألة: إن قحط الناس أو أشتد المطر حتى يؤذي فليدع المسلمون في إدبار صلواتهم
  312. صلاة الكسوف
  313. 555 - مسألة: صلاة الكسوف على وجوه
  314. سجود القرآن
  315. 556 - مسألة: في القرآن أربع عشرة سجدة
  316. سجود الشكر
  317. 557 - مسألة: سجود الشكر حسن


===

اول كتاب الصلاة

275 - مسألة : الصلاة قسمان : فرض وتطوع ؛ فالفرض هو الذي من تركه عامدا ، كان عاصيا لله عز وجل وهو الصلوات الخمس : الظهر والعصر والمغرب والعشاء الأخيرة والفجر . والقضاء لما نسي منها أو نام عنها هو هي نفسها ، والفرض قسمان : فرض متعين على كل مسلم عاقل بالغ ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، وهو ما ذكرناه ؛ وفرض على الكفاية ؛ يلزم كل من حضر ؛ فإذا قام به بعضهم سقط عن سائرهم ، وهو الصلاة على جنائز المسلمين . والتطوع هو ما إن تركه المرء عامدا لم يكن عاصيا لله عز وجل بذلك ، وهو الوتر وركعتا الفجر وصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والضحى ، وما يتنفل المرء قبل صلاة الفرض وبعدها ، والإشفاع في رمضان وتهجد الليل وكل ما يتطوع به المرء ، ويكره ترك كل ذلك . برهان ذلك أنه ليس في ضرورة العقل إلا القسمان المذكوران ، إما شيء يعصي الله تعالى تاركه ؛ وإما شيء لا يعصي الله تعالى تاركه ؛ ولا واسطة بينهما . وقولنا : الفرض والواجب والحتم واللازم والمكتوب ؛ ألفاظ معناها واحد ، وهو ما ذكرنا . وقولنا : التطوع والنافلة بمعنى واحد ، وهو ما ذكرنا ، وقال قوم : ههنا قسم ثالث وهو الواجب . قال أبو محمد : هذا خطأ ؛ لأنه دعوى بلا برهان ، وقول لا يفهم ، ولا يقدر قائله على أن يبين مراده فيه . فإن قالوا : إن بعض ذلك أوكد من بعض ، قلنا : نعم ، بعض التطوع أوكد من بعض ، وليس ذلك بمخرج شيء منه عن أن يكون تطوعا ، لكن أخبرونا عن هذا الذي قلتم : هو واجب لا فرض ، ولا تطوع ، أيكون تاركه عاصيا لله عز وجل ؟ أم لا يكون عاصيا ؟ ولا بد من أحد هذين القسمين ، ولا سبيل إلى قسم ثالث ، فإن كان تاركه عاصيا فهو فرض ؛ وإن كان تاركه ليس عاصيا فليس فرضا . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا حمد بن محمد حدثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فإذا هو يسأل عن الإسلام ؛ فقال رسول الله ﷺ : خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علي غيرهن ؟ قال : لا إلا أن تتطوع وذكر باقي الحديث فأدبر الرجل ، وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه ؛ فقال رسول الله ﷺ : أفلح إن صدق } . وهذا نص من رسول الله ﷺ على قولنا ، وأنه ليس إلا واجبا أو تطوعا ، فإن ما عدا الخمس فهو تطوع ، وهذا لا يسع أحدا خلافه . وأما وجوب النذر ؛ فلقول الله تعالى : { أوفوا بالعقود } ؛ ولقول رسول الله ﷺ { من نذر أن يطيع الله فليطعه } ، ولا خلاف من أحد من الأمة في أن الصلوات الخمس فرض ، ومن خالف ذلك فكافر . وأما كون صلاة الجنازة فرضا على الكفاية ؛ فلقول رسول الله ﷺ : { صلوا على صاحبكم } ، ولا خلاف في أنه إذا قام بالصلاة عليها قوم فقد سقط الفرض عن الباقين . وأما كون ما عدا ذلك تطوعا فإجماع من الحاضرين من المخالفين إلا في الوتر ؛ فإن أبا حنيفة قال : إنه واجب ، وقد روي عن بعض المتقدمين : إنه فرض . فالبرهان على من قال إنه فرض ما روينا بالسند المذكور إلى مسلم : حدثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب ثنا يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن أنس بن مالك فذكر حديث الإسراء - وفيه أن رسول الله ﷺ قال : " ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة " ثم ذكر عليه السلام مراجعته لربه عز وجل في ذلك ؛ إلى أن قال " فراجعت ربي " فقال : " هي خمس وهي خمسون { ما يبدل القول لدي } فهذا خبر من الله عز وجل مأمون تبدله ، فصح أن الصلوات لا تبدل أبدا عن خمس وأمنا النسخ في ذلك أبدا بهذا النص ، فبطل بهذا قول من قال : إن الوتر فرض ، وإن تهجد الليل فرض ، وهو قول رويناه عن الحسن . وأيضا فإن يونس بن عبد الله حدثنا قال : حدثنا أبو عيسى بن أبي عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حسين بن علي هو الجعفي - عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ قال : الصلاة من جوف الليل قال : أي الصيام أفضل بعد رمضان ؟ قال : شهر الله الذي يدعونه المحرم } . قال أبو محمد : فصح أن تهجد الليل ليس من المكتوبة ؛ والوتر من تهجد الليل ؛ فبهذين الخبرين صح أن قول رسول الله ﷺ لعبد الله بن عمرو { يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل } وقوله عليه السلام لحفصة عن أخيها عبد الله بن عمر رضي الله عن جميعهم { نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل } ، وقوله عليه السلام الذي رويناه من طريق أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال : { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } ، وقوله عليه السلام : { بادروا الصبح بالوتر } و { يا أهل القرآن أوتروا } إن هذه الأوامر كلها ندب ، لا يجوز غير ذلك . وأما الحديث { إن الشيطان يعقد على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد وفي آخره فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان } ، وقوله عليه السلام : إذ ذكر له رجل لم يزل نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة ، فقال عليه السلام : { بال الشيطان في أذنه } - إنما هو على الفرض ونومه عنه لما ذكرنا . والبرهان لا يعارض إلا ببرهان ، وما كان من عند الله فلا يختلف ، ولا يتكاذب ، وروينا عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : الوتر ليس بحتم ولكنه سنة . وروينا عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال : { الوتر ليس فريضة ولكنه سنة سنها رسول الله ﷺ } ، وعن عبادة بن الصامت تكذيب من قال إن الوتر واجب . وروينا عن الحجاج بن المنهال حدثنا جرير بن حازم قال : سألت نافعا مولى ابن عمر : أكان ابن عمر يوتر على راحلته ؟ قال نعم وهل للوتر فضيلة على سائر التطوع ؟ وروينا عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير أنه سئل عن من لم يوتر حتى أصبح ؟ قال سيوتر يوما آخر . وروينا عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه سأله رجل عن الوتر ، فقال سعيد : أوتر النبي ﷺ وإن تركت فليس عليك ، وصلى الضحى ، وإن تركت فليس عليك ؛ وصلى ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها ، وإن تركت فليس عليك . وعن ابن جريج ، قلت لعطاء : أواجب الوتر وركعتان أمام الصبح أو شيء من الصلاة قبل المكتوبة أو بعدها ؟ قال لا ، وهو قول الشافعي وداود وجمهور المتقدمين والمتأخرين . وأما أبو حنيفة فإن كان ذهب إلى أن الوتر فرض فقد ذكرنا بطلان هذا القول ، وإن كان ذهب إلى أن الوتر واجب لا فرض ، ولا تطوع ؛ فهو قول فاسد ، وقد ذكرنا إبطاله في صدر هذه المسألة . وقال مالك : ليس فرضا ، ولكن من تركه أدب ، وكانت جرحة في شهادته . قال أبو محمد : وهذا خطأ بين ؛ لأنه لا يخلو تاركه أن يكون عاصيا لله عز وجل أو غير عاص ؛ فإن كان عاصيا لله تعالى فلا يعصي أحد بترك ما لا يلزمه وليس فرضا ؛ فالوتر إذن فرض ، وهو لا يقول بهذا ، وإن قال : بل هو غير عاص - لله تعالى . قيل : فمن الباطل أن يؤدب من لم يعص الله تعالى ، أو أن تجرح شهادة من ليس عاصيا لله عز وجل ؛ لأن من لم يعص الله عز وجل فقد أحسن ، والله تعالى يقول : { ما على المحسنين من سبيل } . قال أبو محمد : إلا أن الوتر أوكد التطوع ، للأحاديث التي ذكرنا من أمر رسول الله ﷺ ؛ ثم أوكدها بعد الوتر صلاة الضحى وركعتان عند دخول المسجد ، وصلاة من صلى في جماعة ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة ؛ وصلاة الكسوف وأربع بعد الجمعة { ؛ لأن رسول الله ﷺ أمر بهذه } ، وما أمر به عليه السلام فهو أوكد مما لم يأمر به . روينا من طريق مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة السلمي أن رسول الله ﷺ قال : { إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس } . وروينا عن عبد الوارث بن سعيد التنوري ثنا أبو التياح حدثني أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة قال { أوصاني خليلي ﷺ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد } . وروينا عن شعبة عن أبي نعامة عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : قال رسول الله ﷺ : { فصل الصلاة لوقتها ، ثم إن أقيمت الصلاة فصل معهم فإنها زيادة خير } . وروينا عن سفيان بن عيينة حدثنا سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال { أمرنا رسول الله ﷺ أن نصلي أربعا بعد الجمعة } . وروينا عن الحسن بن أبي بكرة { إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم } . حدثنا حمام حدثنا عباس بن أصبغ ثنا ابن أيمن ثنا ابن وضاح ثنا حامد بن يحيى البلخي حدثنا سفيان بن عيينة ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال { أمرنا رسول الله ﷺ أن نصلي بعد الجمعة أربعا } . ثم بعد هذه سائر التي ذكرنا ؛ لأنه لم يأت بها أمر ، لكن جاء بها عمل منه عليه السلام وترغيب ، وأما كراهتنا ترك ذلك فلأنه فعل خير ، قال الله تعالى : { وافعلوا الخير } .

276 - مسألة : ولا صلاة على من لم يبلغ من الرجال والنساء ؛ ويستحب لو علموها إذا عقلوها ؛ لقول رسول الله ﷺ الذي قد ذكرناه قبل { رفع القلم عن ثلاثة فذكر فيه الصبي حتى يبلغ } ؛ وقد { علم رسول الله ﷺ ابن عباس قبل بلوغه بعض حكم الصلاة وأمه فيها } ، ويستحب إذا بلغ سبع سنين أن يدرب عليها فإذا بلغ عشر سنين أدب عليها . لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله ﷺ : { مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها } .

277 - مسألة : ولا على مجنون ، ولا مغمى عليه ، ولا حائض ، ولا نفساء ، ولا قضاء على واحد منهم إلا ما أفاق المجنون والمغمى عليه ؛ أو طهرت الحائض والنفساء في وقت أدركوا فيه بعد الطهارة الدخول في الصلاة . برهان ذلك قول رسول الله ﷺ { رفع القلم عن ثلاثة فذكر المجنون حتى يفيق } وأما الحائض والنفساء ، وإسقاط القضاء عنها فإجماع متيقن ، وأما المغمى عليه فإننا روينا عن عمار بن ياسر وعطاء ومجاهد وإبراهيم وحماد بن أبي سليمان وقتادة أن المغمى عليه يقضي ، وقال سفيان : يقضي إن أفاق عند غروب الشمس الظهر والعصر فقط ، وقال أبو حنيفة : إن أغمي عليه خمس صلوات قضاهن ، فإن أغمي عليه أكثر لم يقض شيئا . قال علي : أما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد ؛ لأنه لا نص أتى بما قال ، ولا قياس ؛ لأنه أسقط عن المغمى عليه ست صلوات ولم ير عليه قضاء شيء منهن . وأوجب عليه إن أغمي عليه خمس صلوات أن يقضيهن ؛ فلم يقس المغمى عليه على المغمى عليه في إسقاط القضاء ، ولا قاس المغمى عليه على النائم في وجوب القضاء عليه في كل ما نام عنه . وقد صح عن ابن عمر خلاف قول عمار على أن الذي روينا عن عمار إنما هو إنه أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن ، كما روينا عن عبد الرزاق بن جريج عن نافع أن ابن عمر اشتكى مرة غلب فيها على عقله حتى ترك الصلاة ثم أفاق فلم يصل ما ترك من الصلاة ؛ وعن عبد الله بن عمر عن نافع : أغمي على ابن عمر يوما وليلة فلم يقض ما فاته . وعن ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه : إذا أغمي على المريض ثم عقل لم يعد الصلاة . قال معمر : سألت الزهري عن المغمى عليه فقال لا يقضي وعن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين أنهما قالا في المغمى عليه : لا يعيد الصلاة التي أفاق عندها . قال حماد قلت لعاصم بن بهدلة : أعدت ما كان مغمى عليك ؟ قال أما ذاك فلا . قال علي : المغمى عليه لا يعقل ، ولا يفهم ؛ فالخطاب عنه مرتفع ، وإذا كان كل من ذكرنا غير مخاطب بها في وقتها الذي ألزم الناس أن يؤدوها فيه : فلا يجوز أداؤها في غير وقتها ؛ لأنه لم يأمر الله تعالى بذلك ، وصلاة لم يأمر الله تعالى بها لا تجب ، وبالله تعالى التوفيق .

278 - مسألة : وأما من سكر حتى خرج وقت الصلاة أو نام عنها حتى خرج وقتها أو نسيها حتى خرج وقتها : ففرض على هؤلاء خاصة أن يصلوها أبدا . قال الله تعالى : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فلم يبح الله تعالى للسكران أن يصلي حتى يعلم ما يقول . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حماد بن زيد عن ثابت هو البناني - عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ قال : إنه { ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط في اليقظة فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها } ، ورويناه أيضا من طريق أنس مسندا : وهذا كله إجماع متيقن .


279 - مسألة : وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فهذا لا يقدر على قضائها أبدا ، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع ؛ ليثقل ميزانه يوم القيامة ؛ وليتب وليستغفر الله عز وجل . وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : يقضيها بعد خروج الوقت ، حتى أن مالكا وأبا حنيفة قالا : من تعمد ترك صلاة أو صلوات فإنه يصليها قبل التي حضر وقتها - إن كانت التي تعمد تركها خمس صلوات فأقل - سواء خرج وقت الحاضرة أو لم يخرج ؛ فإن كانت أكثر من خمس صلوات بدأ بالحاضرة . برهان صحة قولنا قول الله تعالى : { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } وقوله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } فلو كان العامد لترك الصلاة مدركا لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل ، ولا لقي الغي ؛ كما لا ويل ، ولا غي ؛ لمن أخرها إلى آخر وقتها الذي يكون مدركا لها . وأيضا فإن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتا محدود الطرفين ، يدخل في حين محدود ؛ ويبطل في وقت محدود ، فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها ؛ لأن كليهما صلى في غير الوقت ؛ وليس هذا قياسا لأحدهما على الآخر ، بل هما سواء في تعدي حدود الله تعالى ، وقد قال الله تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . وأيضا فإن القضاء إيجاب شرع ، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله . فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تعمد تركه من الصلاة : أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها ، أهي التي أمره الله تعالى بها ؟ أم هي غيرها ؟ فإن قالوا : هي هي ؛ قلنا لهم : فالعامد ؛ لتركها ليس عاصيا ؛ لأنه قد فعل ما أمره الله تعالى ، ولا إثم على قولكم ، ولا ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها ، وهذا لا يقوله مسلم . وإن قالوا : ليست هي التي أمره الله تعالى بها ، قلنا صدقتم ؛ وفي هذا كفاية إذ أقروا بأنهم أمروه بما لم يأمره به الله تعالى . ثم نسألهم عمن تعمد ترك الصلاة إلى بعد الوقت : أطاعة هي أم معصية ؟ فإن قالوا : طاعة ، خالفوا إجماع أهل الإسلام كلهم المتيقن ، وخالفوا القرآن والسنن الثابتة : وإن قالوا : هو معصية صدقوا ، ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة . وأيضا فإن الله تعالى قد حد أوقات الصلاة على لسان رسوله ﷺ وجعل لكل وقت صلاة منها أولا ليس ما قبله وقتا لتأديتها ، وآخرا ليس ما بعده وقتا ؛ لتأديتها ، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الأمة ؛ فلو جاز أداؤها بعد الوقت لما كان لتحديده عليه السلام آخر وقتها معنى ؛ ولكان لغوا من الكلام وحاشا لله من هذا . وأيضا فإن كل عمل علق بوقت محدود فإنه لا يصح في غير وقته ، ولو صح في غير ذلك الوقت لما كان ذلك الوقت وقتا له ، وهذا بين ، وبالله تعالى التوفيق . ونسألهم : لم أجزتم الصلاة ، بعد الوقت ، ولم تجيزوها قبله ؟ فإن ادعوا الإجماع كذبوا ؛ لأن ابن عباس والحسن البصري يجيزان الصلاة قبل الوقت ، لا سيما والحنفيون والشافعيون والمالكيون يجيزون الزكاة قبل الوقت ، ويدعون أن قتال أبي بكر ؛ لأهل الردة ، إنما كان قياسا للزكاة على الصلاة ، وأنه قال : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، وهم قد فرقوا ههنا بين حكم الزكاة والصلاة فليعجب المتعجبون ، وإن ادعوا فرقا من جهة نص أو نظر لم يجدوه . فإن قالوا : فإنكم تجيزون الناسي والنائم والسكران على قضائها أبدا . وهذا خلاف قولكم بالوقت ؟ قلنا : لا بل وقت الصلاة للناسي والسكران والنائم ممتد غير منقض . وبرهان ذلك أنهم ليسوا عصاة في تأخيرها إلى أي وقت صلوها فيه ، وكل أمر الله عز وجل فإنه منقسم على ثلاثة أوجه لا رابع لها إما أمر غير معلق بوقت ؛ فهذا يجزئ أبدا متى أدي ، كالجهاد والعمرة وصدقة التطوع والدعاء وغير ذلك ، فهذا يجزئ متى أدي ؛ والمسارعة إليه أفضل ؛ لقول الله عز وجل : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها } ، وإما أمر معلق بوقت محدود الأول غير محدود الآخر كالزكاة ونحوها ، فهذا لا يجزئ قبل وقته ، ولا يسقط بعد وجوبه أبدا ؛ لأنه لا آخر لوقته ، والمبادرة إليه أفضل ؛ لما ذكرنا . وإما أمر معلق بوقت محدود أوله وآخره فهذا لا يجزئ قبل وقته ، ولا بعد وقته ؛ ويجزئ في جميع وقته في أوله وآخره ووسطه كالصلاة والحج وصوم رمضان ونحو ذلك . ونقول لمن خالفنا : قد وافقتمونا على أن الحج لا يجزئ في غير وقته ، وأن الصوم لا يجزئ في غير النهار ؛ فمن أين أجزتم ذلك في الصلاة ؟ وكل ذلك ذو وقت محدود أوله وآخره ؟ وهذا ما لا انفكاك منه . فإن قالوا قسنا العامد على الناسي . قلنا القياس كله باطل ؛ ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأن القياس عند القائلين به إنما هو قياس الشيء على نظيره ، لا على ضده ، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من أهل القياس ، وقد وافقهم من لا يقول بالقياس ، على أنه لا يجوز قياس الشيء على ضده ، فصار إجماعا متيقنا وباطلا لا شك فيه . والعمد ضد النسيان ، والمعصية ضد الطاعة ، بل قياس ذلك على ما ذكرنا من الحج ؛ لو كان القياس حقا ، لا سيما ، والحنفيون والمالكيون لا يقيسون الحالف عامدا ؛ للكذب على الحالف فيحنث غير عامد للكذب في وجوب الكفارة ، بل يسقطون الكفارة عن العامد ، ويوجبونها على غير العامد ، ولا يقيسون قاتل العمد على قاتل الخطأ في وجوب الكفارة عليه ، بل يسقطونها عن قاتل العمد ، ولا يرون قضاء الصلاة على المرتد ؛ فهذا تناقض لا خفاء به ، وتحكم بالدعوى وبالله تعالى التوفيق . ولو كان القضاء واجبا على العامد ؛ لترك الصلاة حتى يخرج وقتها لما أغفل الله تعالى ولا رسوله ﷺ ذلك ، ولا نسياه ، ولا تعمدا إعناتنا بترك بيانه { وما كان ربك نسيا } وكل شريعة لم يأت بها القرآن ، ولا السنة فهي باطل . وقد صح عن رسول الله ﷺ { من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله } فصح أن ما فات فلا سبيل إلى إدراكه ، ولو أدرك أو أمكن أن يدرك ؛ لما فات ، كما لا تفوت المنسية أبدا ، وهذا لا إشكال فيه ، والأمة أيضا كلها مجمعة على القول والحكم بأن الصلاة قد فاتت إذا خرج وقتها ، فصح فوتها بإجماع متيقن ، ولو أمكن قضاؤها وتأديتها لكان القول بأنها فاتت كذبا وباطلا . فثبت يقينا أنه لا يمكن القضاء فيها أبدا . وممن قال بقولنا في هذا عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ، وسعد بن أبي وقاص وسليمان وابن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وبديل العقيلي ، ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم . فروينا من طريق شعبة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن حراش قال : رأى ابن عمر رجلا يقرأ صحيفة ، فقال له : يا هذا القارئ ؛ إنه لا صلاة ؛ لمن لم يصل الصلاة لوقتها ، فصل ثم اقرأ ما بدا لك . وروينا من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي عن عمه الضحاك بن عثمان أن عمر بن الخطاب قال في خطبته بالجابية : ألا ، وإن الصلاة لها وقت شرطه الله لا تصلح إلا به . ومن طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي نضرة عن سالم بن الجعد قال : قال سليمان - هو صاحب رسول الله ﷺ : الصلاة مكيال ؛ فمن وفى وفي له ؛ ومن طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين . قال علي : من أخر الصلاة عن وقتها فقد طفف ، ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال في قول الله تعالى : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال : السهو الترك عن الوقت . قال علي : لو أجزأت عنده بعد الوقت لما كان له الويل عن شيء قد أداه . وبه إلى وكيع عن المسعودي عن القاسم هو ابن عبد الرحمن - والحسن هو ابن سعد - قيل لعبد الله بن مسعود { الذين هم على صلاتهم دائمون } { والذين هم على صلاتهم يحافظون } فقال : ذلك على مواقيتها . قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على تركها ، قال تركها هو الكفر . وعن محمد بن المثنى : حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : ذكر لنا أن عبد الله بن مسعود كان يقول : إن للصلاة وقتا كوقت الحج ؛ فصلوا الصلاة ؛ لميقاتها . وعن محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق قال : سمعت محمد بن سيرين يقول : إن للصلاة وقتا واحدا ، فإن الذي يصلي قبل الوقت مثل الذي يصلي بعد الوقت . ومن طريق سحنون عن ابن القاسم أخبرني مالك أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق حين كانت بنو أمية يؤخرون الصلاة ، أنه كان يصلي في بيته ، ثم يأتي المسجد يصلي معهم ، فكلم في ذلك ، فقال أصلي مرتين أحب إلي من أن لا أصلي شيئا . قال علي : فهذا يوضح أن الصلاة الأولى كانت فرضه والأخرى تطوع ، فهما صلاتان صحيحتان ، وإن الصلاة بعد الوقت ليست صلاة أصلا ، ولا هي شيء . وعن أسد بن موسى بن مروان بن معاوية الفزاري : أن عمر بن عبد العزيز قال : سمعت الله تعالى ذكر أقواما فعابهم فقال : { أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } ولم تكن إضاعتهم إياها ، أن تركوها ؛ ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا ، ولكن أخروها عن وقتها . وعن عبد الرزاق عن معمر عن بديل العقيلي قال : بلغني أن العبد إذا صلى الصلاة ؛ لوقتها صعدت ولها نور ساطع في السماء ، وقالت : حفظتني حفظك الله ، وإذا صلاها لغير وقتها طويت كما يطوى الثوب الخلق فضرب بها وجهه . ومن العجب أن بعضهم قال : معنى قول ابن عمر : لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها أي لا صلاة كاملة ؛ وكذلك قال آخرون في قوله عليه السلام : { لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود } وفي قوله عليه السلام : { لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } . قال علي : فيقال ؛ لهؤلاء : ما حملكم على ما ادعيتم ؟ فإن قالوا : هو معهود كلام العرب ؛ قلنا : ما هو كذلك ؛ بل معهود كلام العرب الذي لا يجوز غيره - أن " لا " للنفي والتبرئة جملة إلا أن يأتي دليل من نص آخر أو ضرورة حس على خلاف ذلك ، ثم هبكم أنه كما قلتم ؛ فإن ذلك حجة لنا ، وهو قولنا ؛ لأن كل صلاة لم تكمل ولم تتم فهي باطل كلها ، بلا خلاف منا ومنكم . فإن قالوا : إنما هذا فيما نقص من فرائضها ؛ قلنا : نعم ؛ والوقت من فرائض الصلاة بإجماع منا ومنكم ومن كل مسلم فهي صلاة تعمد ترك فريضة من فرائضها . قال علي : ما نعلم ؛ لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم مخالفا منهم ، وهم يشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق أهواءهم ، وقد جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد . وهؤلاء الحنفيون والمالكيون لا يرون على المرتد قضاء ما خرج وقته . فهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم أيضا لا يرون على من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها قضاء . قال علي : وما جعل الله تعالى عذرا لمن خوطب بالصلاة في تأخيرها عن وقتها بوجه من الوجوه ، لا في حال المطاعنة والقتال والخوف وشدة المرض والسفر . وقال الله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك } ، وقال تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ولم يفسح الله تعالى ، ولا رسوله ﷺ في تركها عن وقتها حتى صلاها بطائفتين وجوه إحدى الطائفتين إلى غير القبلة ، على ما نذكر في صلاة الخوف إن شاء الله عز وجل . ولم يفسح تعالى في تأخيرها عن وقتها للمريض المدنف ، بل أمر إن عجز عن الصلاة قائما أنه يصلي قاعدا فإن عجز عن القعود فعلى جنب ؛ وبالتيمم إن عجز عن الماء ، وبغير تيمم إن عجز عن التراب فمن أين أجاز من أجاز تعمد تركها حتى يخرج وقتها ؟ ثم أمره بأن يصليها بعد الوقت ، وأخبره بأنها تجزئه كذلك ؛ من غير قرآن ، ولا سنة ، لا صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا قول لصاحب ، ولا قياس . وقد أقدم بعضهم فذكر { صلاة رسول الله ﷺ يوم الخندق الظهر والعصر بعد غروب الشمس } ، ثم أشار إلى أنه عليه السلام تركها متعمدا ذاكرا لها . قال علي : وهذا كفر مجرد ممن أجاز ذلك من رسول الله ﷺ ؛ لأنهم مقرون معنا بلا خلاف من أحدهم ، ولا من أحد من الأمة - في أن من تعمد ترك صلاة فرض ذاكرا لها حتى يخرج وقتها ، فإنه فاسق مجرح الشهادة ، مستحق ؛ للضرب والنكال ، ومن أوجب شيئا من النكال على رسول الله ﷺ أو وصفه وقطع عليه بالفسق أو بجرحه في شهادته ، فهو كافر مشرك مرتد كاليهود والنصارى ؛ حلال الدم والمال ؛ بلا خلاف من أحد من المسلمين . وذكر بعضهم قول الله تعالى : { وأقم الصلاة لذكري } وقوله عليه السلام : { خمس صلوات كتبهن الله تعالى } وقال قد صح وجوب الصلاة ، فلا يجوز سقوطها إلا ببرهان نص أو إجماع . قال علي ، وهذا قول صحيح ، وقد صح البرهان بأن { رسول الله ﷺ أوجب كل صلاة في وقت محدود أوله وآخره } ، ولم يوجبها عليه السلام لا قبل ذلك الوقت ، ولا بعده ، فمن أخذ بعموم هذه الآية وهذا الخبر لزمه إقامة الصلاة قبل الوقت وبعده ، وهذا خلاف لتوقيت النبي ﷺ الصلاة بوقتها . وموه بعضهم بحديث رويناه من طريق أنس ؛ إنهم اشتدت الحرب غداة فتح تستر فلم يصلوا إلا بعد طلوع الشمس ؛ وهذا خبر لا يصح ؛ لأنه إنما رواه مكحول : أن أنس بن مالك قال : ومكحول لم يدرك أنسا ؛ ثم لو صح فإنه ليس فيه أنهم تركوها عارفين بخروج وقتها ، بل كانوا ناسين لها بلا شك ، لا يجوز أن يظن بفاضل من عرض المسلمين غير هذا ، فكيف بصاحب من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كانوا ذاكرين لها لصلوها صلاة الخوف كما أمروا ، أو رجالا وركبانا كما ألزمهم الله تعالى ؛ لا يجوز غير هذا ، فلاح يقينا كذب من ظن غير هذا ، وبالله التوفيق .




280 - مسألة : وأما قولنا : أن يتوب من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها ويستغفر الله تعالى ويكثر من التطوع ؛ فلقول الله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة } ولقول الله تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } وقال تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقال تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا } وأجمعت الأمة - وبه وردت النصوص كلها - على أن للتطوع جزءا من الخير الله أعلم بقدره ، وللفريضة أيضا جزء من الخير الله أعلم بقدره ، فلا بد ضرورة من أن يجتمع من جزء التطوع إذا كثر ما يوازي جزء الفريضة ، ويزيد عليه ؛ وقد أخبر الله تعالى أنه لا يضيع عمل عامل ، وأن { الحسنات يذهبن السيئات } ، وأن { من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية } ، و { من خفت موازينه فأمه هاوية } . حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا عمر بن عبد الملك ثنا أبو داود ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا إسماعيل هو ابن علية - ثنا يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي أنه لقي أبا هريرة فقال له أبو هريرة : { أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة ، يقول ربنا - تبارك وتعالى - للملائكة وهو أعلم : انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة وإن كان انتقص منها شيئا قال : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال : أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ، ثم تؤخذ الأعمال على ذلكم } . قال أبو داود : وحدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة - عن داود بن أبي هند عن زرارة بن أوفى عن تميم الداري عن النبي ﷺ بهذا المعنى ، قال { ثم الزكاة مثل ذلك ، ثم تؤخذ الأعمال حسب ذلك } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ني عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا جميعا ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله هو ابن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال : { صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين درجة } . وبه إلى مسلم حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي حدثنا عبد الواحد هو ابن زياد - ثنا عثمان بن حكيم أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عمرة قال : دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه ، فقال : يا ابن أخي سمعت رسول الله ﷺ يقول : { من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله } . فهذا بيان مقدار أجر التطوع وأجر الفريضة ، وإنما هذا لمن تاب وندم وأقلع واستدرك ما فرط . وأما من تعمد ترك المفروضات واقتصر على التطوع ؛ ليجبر بذلك ما عصى في تركه مصرا على ذلك ، فهذا عاص في تطوعه ؛ لأنه وضعه في غير موضعه ؛ لأن الله تعالى لم يضعه ؛ لتترك الفريضة ، بل ؛ ليكون زيادة خير ونافلة ، فهذا هو الذي يجبر به الفرض المضيع . وإذا عصى في تطوعه فهو غير مقبول منه ؛ قال رسول الله ﷺ { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . فإن ذكر ذاكر ما روي من أن التطوع لا يقبل ممن لا يؤدي الفريضة كالتاجر لا يصح له ربح حتى يخلص رأس ماله ؛ فباطل لا يصح ؛ لأنه إنما رواه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف ، وعبد الملك بن حبيب الأندلسي عن المكفوف عن أيوب بن خوط ، وهذه بلايا في نسق إحداها يكفي ؛ ومرسل أيضا ، وعبد الملك بن حبيب عن مطرف عن مالك أن أبا بكر الصديق . وعبد الملك ساقط ؛ وهذا أيضا منقطع ، ولو صح ذلك لكان المراد به من قصد التطوع ؛ ليعوضه عن الفريضة مصرا على ذلك غير نادم ، ولا تائب ، وبالله تعالى التوفيق .

========




كتاب الصلاة


الصلوات المفروضات الخمس

281 - مسألة : المفروض من الصلاة على كل بالغ عاقل حر أو عبد ذكر أو أنثى خمس وهي : الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ، وهي العتمة ، وصلاة الفجر . فالصبح ركعتان أبدا ، على كل أحد ، من صحيح أو مريض أو مسافر أو مقيم ؛ خائف أو آمن ؛ والمغرب ثلاث ركعات أبدا ؛ كما قلنا في الصبح سواء سواء . وأما الظهر والعصر والعشاء الآخرة - فكل واحدة منهن على المقيم - مريضا كان أو صحيحا ، خائفا أو آمنا - أربع ركعات أربع ركعات ؛ وكل هذا إجماع متيقن مقطوع به ، لا خلاف فيه بين أحد من الأمة قديما ، ولا حديثا ، ولا في شيء منه ؛ وكل واحدة منهن على المسافر الآمن ركعتان ركعتان ، وأما المسافر الخائف فإن شاء صلى كل واحدة منهن ركعتين ، وإن شاء صلى كل واحدة منهن ركعة واحدة ، والخلاف موجود في كل هذا فيما ذلك السفر ؛ وفي مقدار ذلك السفر من الزمان ومن المسافة ؛ وفي هل ذلك القصر عليه فرض أم هو فيه مخير ، وفي هل تجزئ ركعة واحدة في الخوف في السفر أم لا . وسنذكر البرهان على الحق من ذلك ، وبطلان الخطأ فيه ، في أبوابه إن شاء الله عز وجل ، ولا حول ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وبه تعالى نستعين وبه نتأيد .


أقسام التطوع

282 - مسألة : أوكد التطوع ما قد ذكرناه في أول مسألة من كتاب الصلاة من ديواننا هذا ، من الأقسام التي أمر بها رسول الله ﷺ مخصوصة بأسمائها ، وبعد ذلك ما لم يرد به أمر ، ولكن جاء الندب إليه . أوكد ذلك ركعتان بعد الفجر الثاني وقبل صلاة الصبح ، ثم صلاة العيدين ؛ ثم صلاة الاستسقاء وقيام رمضان ، وأربع ركعات قبل الظهر بعد الزوال ، وأربع ركعات بعد الظهر وأربع ركعات قبل العصر ، إن شاء لم يسلم إلا في آخرهن ، وإن شاء سلم من كل ركعتين ، وركعتان بعد صلاة العصر ، وركعتان بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب ، وركعتان بعد صلاة المغرب ، وركعتان قبل صلاة العتمة ؛ وركعتان عند القدوم من السفر في المسجد ؛ وما تطوع به المرء إذا توضأ ثم ما تطوع به المرء في نهاره وليله . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني زهير بن حرب ثنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج أخبرني عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين { أن النبي ﷺ لم يكن على شيء من النوافل ، أشد تعاهدا منه على ركعتين قبل الصبح } . وبه إلى مسلم : حدثنا محمد بن عبيد الغبري ثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام بن عامر عن عائشة أم المؤمنين عن النبي ﷺ قال { ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها } . وقد { صلى رسول الله ﷺ صلاة الاستسقاء } على ما سنذكره في بابها إن شاء الله عز وجل ، { وحض عليه السلام أيضا على قيام رمضان } على ما نذكره في بابه إن شاء الله عز وجل . وبه إلى مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى النيسابوري ثنا هشيم عن خالد هو الحذاء - عن عبد الله بن شقيق قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله ﷺ عن تطوعه ؟ فقالت : { كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ؛ ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين ؛ ويصلي بالناس المغرب ، ثم يدخل فيصلي ركعتين ، ويصلي بالناس العشاء ، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين } . حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر هو الحوضي - ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه { أن رسول الله ﷺ كان يصلي قبل العصر ركعتين } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسماعيل بن مسعود ثنا يزيد بن زريع ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة : سألنا عليا عن صلاة رسول الله ﷺ ؛ فوصف ، قال : { كان يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ثنتين ، ويصلي قبل العصر أربعا ، يفصل بين كل ركعتين بتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين } . وبه إلى أحمد بن شعيب : أنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الرحمن ثنا حصين بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال : سألنا عليا عن صلاة رسول الله ﷺ فوصف قال : { كان يصلي قبل الظهر أربع ركعات ؛ يجعل التسليم في آخر ركعة ، وبعدها أربع ركعات يجعل التسليم في آخر ركعة } . قال أبو محمد : لا تعارض بين شيء مما ذكرنا ، بل كل ذلك حسن مباح ؛ من رواية الثقات الأثبات . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا ابن علية هو إسماعيل - عن الجريري عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله ﷺ { بين كل أذانين صلاة لمن شاء } . قال علي : دخل في هذا العموم ما بين أذان العتمة ، وإقامتها ، وما بين أذان المغرب ، وإقامتها ؛ وما بين أذان صلاة الصبح ، وإقامتها . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا الضحاك يعني أبا عاصم - ثنا ابن جريج أنا ابن شهاب أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أخبره عن أبيه وعمه عبد الله وعبيد الله ابني كعب بن مالك عن أبيهما : { أن رسول الله ﷺ كان لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى ، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه } . وبه إلى مسلم : ثنا عبد بن حميد أنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال : { كان رسول الله ﷺ يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسحاق بن نصر ثنا أبو أسامة عن أبي حيان التيمي عن أبي زرعة عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ قال ؛ لبلال عند صلاة الفجر : يا بلال ؛ حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ؟ فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة قال بلال : ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار ، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي } .


فصل في الركعتين قبل المغرب

283 - مسألة : قال أبو محمد : منع قوم من التطوع بعد غروب الشمس ، وقبل صلاة المغرب ، منهم مالك وأبو حنيفة ، وما نعلم لهم حجة إلا أن أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي قال ثنا محمد بن أحمد بن مفرج ثنا الصموت ثنا البزار ثنا عبد الواحد بن غياث ثنا حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي ﷺ { بين كل أذانين صلاة إلا المغرب } . قال أبو محمد : هذه اللفظة انفرد بها حيان بن عبيد الله - وهو مجهول - والصحيح هو ما رواه الجريري عن عبد الله بن بريدة ، وقد ذكرناه آنفا . وذكروا عن إبراهيم النخعي : أن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا يصلونها وهذا لا شيء ؛ أول ذلك أنه منقطع ؛ لأن إبراهيم لم يدرك أحدا ممن ذكرناه ، ولا ولد إلا بعد قتل عثمان بسنين ، ثم لو صح لما كانت فيه حجة ؛ لأنه ليس فيه أنهم رضي الله عنهم نهوا عنهما ، ولا أنهم كرهوهما ، ونحن لا نخالفهم في أن ترك جميع التطوع مباح ، ما لم يتركه المرء رغبة عن سنة رسول الله ﷺ فهذا هو الهالك ، ثم لو صح نهيهم عنهما - ومعاذ الله أن يصح - لما كانت في أحد منهم حجة على رسول الله ﷺ ولا على من صلاهما من الصحابة رضي الله عنهم ، وقد خالفوا أبا بكر وعمر وجماعة من الصحابة في المسح على العمامة ، ومعهم سنة رسول الله ﷺ فلا عجب أعجب من إقدامهم على مخالفة الصحابة إذا اشتهوا وتعظيمهم مخالفتهما إذا اشتهوا وهذا تلاعب بالدين لا خفاء به نعني هؤلاء المقلدين المتأخرين . وذكروا عن ابن عمر أنه قال : ما رأيت أحدا يصليهما ، وهذا لا شيء أول ذلك أنه لا يصح ؛ لأنه عن أبي شعيب أو شعيب ، ولا ندري من هو ؟ وأيضا فليس في هذا لو صح نهي عنهما ، ونحن لا ننكر ترك التطوع ما لم ينه عنه بغير حق ثم لو صح عنه النهي عنهما ؛ وهو لا يصح أبدا ؛ بل قد روي عنه جواز صلاتهما ؛ لما كان فيه حجة على رسول الله ﷺ ولا على سائر الصحابة النادبين إليهما ؛ ومن العجائب أنهم لا يرون حجة قول ابن عمر { صليت خلف رسول الله ﷺ وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم يقنت أحد منهم } إذ لم يوافق تقليدهم ، وقد صح هذا عنه ثم يجعلون ما لم يصح عنه ، حجة إذا وافق أهواءهم وهذا عجب جدا . قال علي : والحجة فيها هو ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يزيد هو المقري - ثنا سعيد بن أبي أيوب ثنا يزيد بن أبي حبيب سمعت مرثد بن عبد الله اليزني هو أبو الخير قال : { أتيت عقبة بن عامر الجهني فقلت : ألا أعجبك من أبي تميم ؛ يركع ركعتين قبل صلاة المغرب فقال عقبة إنا كنا نفعله على عهد رسول الله ﷺ فسألت فما يمنعك الآن ؟ قال : الشغل } . وبه إلى البخاري : ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر عن غندر ثنا شعبة قال : سمعت عمرو بن عامر الأنصاري عن أنس بن مالك قال { كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب رسول الله ﷺ يبتدرون السواري حتى يخرج النبي ﷺ وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب وأبو بكر بن أبي شيبة ، كلاهما عن ابن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال { كنا على عهد رسول الله ﷺ نصلي ركعتين بعد غروب الشمس ، فسألت : أكان رسول الله ﷺ يصليهما ؟ فقال : كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا } . قال علي : إن رسول الله ﷺ لا يقر إلا على الحق الحسن ، ولا يرى مكروها إلا كرهه ، ولا خطأ إلا نهى عنه . قال الله تعالى { لتبين للناس ما نزل إليهم } . قال علي : وقال بهذا جمهور الناس ، وروينا عن عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال " كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت لكثرة من يصليهما " فهذا عموم للصحابة رضي الله عنهم . وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق ؛ كلاهما عن سفيان الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش أنه رأى عبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب يصليان الركعتين قبل صلاة المغرب . وقال حماد بن زيد عن عاصم عن زر عن عبد الرحمن وأبي مثل ذلك ، وزاد : لا يدعانهما . وعن معمر عن الزهري عن أنس : أنه كان يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب . وعن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن يزيد بن خمير عن خالد بن معدان عن رغبان مولى حبيب بن مسلمة : رأيت أصحاب رسول الله ﷺ يهبون إلى الركعتين قبل صلاة المغرب كما يهبون إلى الفريضة . وروينا عن وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب : ما رأيت فقيها يصلي الركعتين قبل المغرب إلا سعد بن مالك ، يعني سعد بن أبي وقاص . وروينا من طريق حجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن داود الوراق عن جعفر بن أبي وحشية : أن جابر بن عبد الله كان يصلي قبل المغرب ركعتين . وعن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن عن راشد بن يسار قال : أشهد على خمسة من أصحاب رسول الله ﷺ من أصحاب الشجرة أنهم كانوا يصلون ركعتين قبل المغرب . وعن محمد بن جعفر عن شعبة عن الحكم بن عتيبة : أنه صلى مع عبد الرحمن بن أبي ليلى فكان يصلي الركعتين قبل المغرب . وعن وكيع عن يزيد بن إبراهيم : سمعت الحسن البصري يسأل عن الركعتين قبل المغرب ؟ فقال : حسنتين جميلتين ؛ لمن أراد بهما وجه الله تعالى ، وبه يقول الشافعي وأصحابنا .


284 - مسألة : وأما إعادة من صلى إذا وجد جماعة تصلي تلك الصلاة ، فإن ذلك مستحب - مكروه تركه - في كل صلاة ، سواء كان صلى منفردا ؛ لعذر أو في جماعة ، وليصلها ولو مرات كلما وجد جماعة تصليها ، وقد قال قوم : لا يصليها ثانية أصلا . وقال أبو حنيفة : لا يصلي ثانية إلا الظهر والعتمة فقط ، سواء كان صلاهما في جماعة أو منفردا ، والأولى هي صلاته ؛ حاشا صلاة الجمعة ؛ فإنه إن صلاها في بيته منفردا أجزأته ، ولم يكن عليه أن ينهض إلى الجامع ، فإن خرج إلى المسجد والإمام لم يسلم بعد من صلاة الجمعة ؛ فحين خروجه لذلك تبطل صلاته التي كان صلى في بيته ، وكانت التي تصلى مع الإمام فرضه . وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن : لا تبطل صلاته التي صلى في بيته بخروجه إلى الجامع ، لكن بدخوله مع الإمام في صلاة الجمعة تبطل التي صلى في منزله . وقال مالك : يعيد من صلى في منزله صلاة فرض مع الجماعة إذا وجدها تصلي تلك الصلاة جميع الصلوات حاشا المغرب فلا يعيدها ، قال : والأمر في أي الصلاتين فرضه إلى الله تعالى ، قال : فإن صلى في جماعة لم يعد في أخرى . قال أبو محمد : أما من منع من الإعادة جملة فإنه احتج بما رويناه من طريق أبي داود : ثنا أبو كامل يزيد بن زريع ثنا حسين هو المعلم - عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار قال : أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون ، فقلت : ألا تصلي معهم ؟ قال قد صليت ، وسمعت رسول الله ﷺ يقول { لا تصلوا صلاة في يوم مرتين } . قال علي : وهذا خبر صحيح لا يحل خلافه ، ولا حجة لهم فيه ولم نقل قط ، ومعاذ الله من هذا ؛ إنه يصلي على نية أنها الصلاة التي صلى ، فيجعل في يوم واحد ظهرين أو عصرين أو صبحين أو مغربين أو عتمتين ؛ هذا كفر لا يحل القول به ؛ لأحد لكنه يصلي نافلة كما نص رسول الله ﷺ على ذلك . وأما قول أبي حنيفة ، فإنه احتج بأن التطوع بعد الصبح وبعد العصر لا يجوز واحتج بالأخبار الواردة في ذلك ، وغلبها على أحاديث الأمر ؛ وغلبنا نحن أحاديث الأمر ، وسنذكر البرهان على الصحيح من العملين إن شاء الله تعالى ، بعد تمام كلامنا في هذه المسألة وفي التي بعدها إن شاء الله . وأما قول مالك فإنهم احتجوا في المنع من أن يصلي مع الجماعة التي تصلي المغرب خاصة بأن قالوا : إن المغرب وتر النهار ، فلو صلاها ثانية لشفعها ، فبطل كونها وترا . قال علي : وهذا خطأ ؛ لأن إحداهما نافلة والأخرى فريضة ، بإجماع منا ومنهم والنافلة لا تشفع الفريضة ، بإجماع منا ومنهم . وقالوا : لا تطوع بثلاث ؛ لأن رسول الله ﷺ قال { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى } وهذا لا حجة لهم فيه ؛ لأن الذي وجبت طاعته في إخباره بأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ، هو الذي أمر من صلى ووجد جماعة تصلي أن يصلي معهم ولم يخص صلاة بعد صلاة ، وهو الذي أمر أن يتنفل في الوتر بواحدة أو بثلاث ، والعجب من احتجاجهم بهذا الخبر ، ونسوا أنفسهم في الوقت فقالوا : يصلي الظهر والعصر والعتمة مع الجماعة ؛ فأجازوا له التطوع بأربع ركعات لا يسلم بينها ؛ وليس ذلك مثنى مثنى ، وهذا تناقض منهم . والحق في هذا هو أن جميع أوامره ﷺ حق لا يضرب بعضها ببعض ، بل يؤخذ بجميعها كما هي . وقالوا : إن وقت صلاة المغرب ضيق ، وهذا خطأ ؛ لأن الجماعة التي وجدها تصلي ، لا شك في أنها تصلي في وقت تلك الصلاة بلا خلاف ، فما ضاق وقتها بعد ، فبطل كل ما شغبوا به في تخصيص المغرب هم والحنفيون معا ، وبالله تعالى التوفيق . وأما تخصيص المالكيين بأن يصلي من صلاها منفردا فخطأ ؛ لأنه لم يأت بتخصيص ذلك قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا رأي صحيح ، وإن كانت الصلاة فضلا لمن صلى منفردا فإنها أفضل لمن يصلي في جماعة ، ولا فرق ، وفضل صلاة الجماعة قائم في كل جماعة يجدها ، ولا فرق . وأما قولهم : إنه لا يدري أيهما صلاته فخطأ ؛ لأنهم لا يختلفون في أنه إن لم يصل مع الجماعة التي وجدها تصلي - غير راغب عن سنة رسول الله ﷺ - فلا إثم عليه ، فإذ لا خلاف عندهم في أنه إن لم يصل فلا يلزمه أن يصلي ، ولا بد ؛ فلا شك في أنها نافلة إن صلاها ؛ لأن هذه هي صفة النافلة ؛ فلا خلاف في أنه إن شاء صلاها ، وإن شاء لم يصلها . وأيضا فإنه لا يخلو إذا صلى مع الجماعة وقد صلى تلك الصلاة قبل من أن يكون نوى صلاته إياها أنه فرضه ، ونوى ذلك أيضا في التي صلى في منزله ، فإن كان فعل هذا ، فقد عصى الله تعالى ورسوله ﷺ وخرق الإجماع ؛ في أن صلى صلاة واحدة في يوم مرتين ؛ على أن كل واحدة منهما فرضه الذي أمر به ، أو يكون لم ينو شيئا من ذلك في كلتيهما ؛ فهذا لم يصل أصلا . ولا تجزيه واحدة منهن ، وهو عابث عاص ؛ لله تعالى أو يكون نوى في الأولى أنها فرضه وفي الثانية أنها نافلة أو في الأولى أنها نافلة وفي الثانية أنها فرضه ، فهو كما نوى ، ولا يمكن غير هذا أصلا وقال الأوزاعي : الثانية هي فرضه . قال علي : والحق في هذا : أنه إن كان ممن له عذر في التخلف عن الجماعة فصلى وحده ، أو صلى في جماعة ، فالأولى فرضه بلا شك ؛ لأنها هي التي أدى على أنها فرضه ، ونوى ذلك فيها . وقد قال رسول الله ﷺ { إنما الأعمال بالنيات وإنما ؛ لكل امرئ ما نوى } ، وإن كان ممن لا عذر له في التأخر عن الجماعة ؛ فالأولى إن صلاها وحده باطل : والثانية فرضه ، وعليه أن يصلي ، ولا بد على ما نذكر في وجوب فرض الجماعة إن شاء الله تعالى ، والجمعة وغيرها في كل ذلك سواء . وأما قول أبي حنيفة وأصحابه فيمن صلى الجمعة في منزله ؛ لغير عذر فباطل لوجوه : أولها : تفريقه في ذلك بين الجمعة وغيرها بلا برهان . والثاني : أنه فرق بين الجمعة وغيرها فقد أخطأ في قوله : إنها تجزئه إذا صلاها منفردا ؛ لغير عذر في منزله . والثالث : إبطاله تلك الصلاة بعد أن جوزها : إما بخروجه إلى الجامع ، وإما بدخوله مع الإمام ، وكل ذلك آراء فاسدة مدخولة ، وقول في الدين بغير علم . قال علي : فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها فلنذكر ما صح عن رسول الله ﷺ في ذلك . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج : حدثني أبو الربيع الزهراني وأبو كامل الجحدري قالا : ثنا حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله ﷺ { وكيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ، أو يميتون الصلاة عن وقتها ؟ قلت : فما تأمرني ؟ قال : صل الصلاة لوقتها ، فإن أدركتها فيهم فصل فإنها لك نافلة } . وبه إلى مسلم : حدثني زهير بن حرب ثنا إسماعيل هو ابن إبراهيم بن علية - عن أيوب السختياني عن أبي العالية البراء قال : أخر ابن زياد الصلاة ، فجاء عبد الله بن الصامت فذكرت له صنيع ابن زياد فقال : سألت أبا ذر كما سألتني فقال { إني سألت رسول الله ﷺ كما سألتني فضرب فخذي وقال : صل الصلاة لوقتها فإن أدركت الصلاة معهم فصل ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي } . فهذا عموم منه ﷺ لكل صلاة ، ولمن صلاها في جماعة أو منفردا لا يجوز تخصيص شيء من ذلك بالدعوى بلا دليل ، وبالله تعالى التوفيق . وأخذ بهذا جماعة من السلف كما روينا عن أبي ذر : أنه أفتى بذلك ؛ وكما روينا عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري والنعمان بن مقرن اتعدا موعدا فجاء أحدهما إلى صاحبه وقد صلى ، فصلى الفجر مع صاحبه . وبه إلى حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد كلاهما عن أنس بن مالك قال : قدمنا مع أبي موسى الأشعري فصلى بنا الفجر في المربد ، ثم جئنا إلى المسجد الجامع فإذا المغيرة بن شعبة يصلي بالناس ، والرجال والنساء مختلطون ، فصلينا معهم . فهذا فعل الصحابة في صلاة الفجر بخلاف قول أبي حنيفة ؛ وبعد أن صلوا جماعة بخلاف قول مالك ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف يخص صلاة المنفرد دون غيره . وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن سعد بن عبيد عن صلة بن زفر العبسي : خرجت مع حذيفة فمر بمسجد فصلى معهم الظهر وقد كان صلى ؛ ثم مر بمسجد فصلى معهم العصر وقد كان صلى ، ثم مر بمسجد فصلى معهم المغرب وشفع بركعة وكان قد صلى ، وعن قتادة قال : يعيد العصر إذا جاء الجماعة . قال سعيد بن المسيب : صل مع القوم فإن صلاتك معهم تفضل صلاتك وحدك بضعا وعشرين صلاة . وعن سفيان عن جابر عن الشعبي : لا بأس أن تعاد الصلاة كلها . وعن ابن جريج عن عطاء : إذا صليت المكتوبة في البيت ثم أدركتها مع الناس فإني أجعل التي صليتها في بيتي نافلة ، وأجعل التي صليت مع الناس المكتوبة ولو لم أدرك إلا ركعة واحدة منها . قال : وسئل عطاء عن المغرب يصليها الرجل في بيته ثم يجد الناس فيها ؟ قال : أشفع التي صليت في بيتي بركعة ثم أسلم ثم ألحق بالناس ، فأجعل التي هم فيها المكتوبة . وروينا عن وكيع عن عمرو بن حسان عن وبرة قال : صليت أنا وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن الأسود المغرب ، ثم جئنا إلى الناس وهم في الصلاة ، فدخلنا معهم فلما سلم الإمام قام إبراهيم فشفع بركعة . قال أبو محمد : لم يشفع عبد الرحمن ، وكل ذلك مباح ؛ لأنه تطوع لم يأت نهي عن شيء منه . وعن حماد بن سلمة أخبرنا عثمان البتي عن أبي الضحى أن مسروقا صلى المغرب ، ثم رأى قوما يصلون فصلى المغرب معهم في جماعة ، ثم شفع المغرب بركعة . وعن وكيع عن الربيع بن صبيح قال : تعاد الصلاة إلا الفجر والعصر ؛ ولكن إذا أذن في المسجد فالفرار أقبح من الصلاة . قال أبو محمد : فإن ذكروا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع أن ابن عمر قال : إن كنت قد صليت في أهلك ثم أدركت الصلاة في المسجد مع الإمام فصل معه ؛ غير صلاة الصبح والمغرب ، فإنهما لا يصليان في يوم مرتين ، فلا حجة لهم في هذا ؛ لأنهم قد خالفوه فخالفه أبو حنيفة في زيادته العصر فيما لا يعاد ؛ وخالفه مالك في إعادة صلاة الصبح ، ومن أقر على نفسه بخلاف الحق والحجة ، فقد كفى خصمه مؤنته ، وبالله تعالى التوفيق .

===========


كتاب الصلاة

285 - مسألة : وأما الركعتان بعد العصر : فإن أبا حنيفة ومالكا نهيا عنهما ؟ وأما الشافعي فإنه قال : من فاتته ركعتان قبل الظهر [ أو بعده ] فله أن يصليهما بعد العصر ؛ فإن صلاهما بعد العصر فله أن يثبتهما في ذلك الوقت فلا يدعهما أبدا وقال أحمد بن حنبل : لا أصليهما ، ولا أنكر على من صلاهما ، وقال أبو سليمان : هما مستحسنتان ؟ قال علي : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة عن إسماعيل بن جعفر أخبرني محمد هو ابن أبي حرملة أنا { أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله ﷺ يصليهما بعد العصر ؟ فقالت : كان يصليهما قبل العصر ، ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما - وكان رسول الله ﷺ إذا صلى صلاة أثبتها } . قال علي : بهذا تعلق الشافعي - ، ولا حجة له فيه ؛ لأن رسول الله ﷺ لم يقل : إنهما لا تجوزان إلا لمن نسيهما أو شغل عنهما ، ولو لم تكن صلاتهما حينئذ جائزة حسنة ما أثبتهما في وقت لا تجوزان فيه . ؟ وأما أبو حنيفة ومالك - فاحتج لهما بما رويناه من طريق أبي داود : حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثنا عمي - هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد - ثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته { أن رسول الله ﷺ كان يصلي بعد العصر - يعني ركعتين - وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال } ؟ وبما رويناه من طريق البزار : ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { إنما صلى رسول الله ﷺ الركعتين بعد العصر ؛ لأنه جاءه مال فقسمه شغله عن الركعتين ، بعد الظهر ، فصلاهما بعد العصر ، ولم يعد لهما } ؟ وبما رويناه من طريق ابن أيمن : ثنا قاسم بن يونس ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح ثنا الليث ثنا خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عبد الله بن بابي مولى عائشة أم المؤمنين أن موسى بن طلحة أخبره أن معاوية لما حج دخلنا عليه ، فسأل ابن الزبير عن الركعتين بعد العصر اللتين صلاهما رسول الله ﷺ فقال : أخبرتنيه عائشة ؛ فأرسل معاوية المسور بن مخرمة إلى عائشة : هل صلاهما رسول الله ﷺ [ عندك ] ؟ قالت : لا ، ولكن أخبرتني أم سلمة أنه صلاهما عندها ؟ فأرسل معاوية المسور إلى أم سلمة يسألها فقالت : { دخل علي رسول الله ﷺ بعد العصر فصلى ركعتين فقلت : يا رسول الله لقد رأيتك اليوم صليت صلاة ما رأيتك تصليها ؟ فقال : شغلني خصم فكانت ركعتين وكنت أصليهما قبل العصر فأحببت أن أصليهما الآن ؟ قالت : لم أر رسول الله ﷺ صلاهما قبل ذلك اليوم ، ولا بعده } . وبما رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدي : ثنا سفيان هو الثوري - ثنا أبو إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : { كان رسول الله ﷺ يصلي دبر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا العصر والصبح } . وبما رواه بعض الناس عن حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن أم سلمة { صلى رسول الله ﷺ العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين ؟ فقلت : يا رسول الله ، صليت صلاة لم تصلها ؟ قال : قدم علي مال فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد الظهر فصليتهما الآن ؟ قلت : يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا ؟ قال : لا } .


وبما رواه أيضا من طريق أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عبد الرحمن بن أبي سفيان أن معاوية أرسل إلى عائشة يسألها عن السجدتين بعد العصر ؟ فقالت : ليس عندي صلاهما لكن أم سلمة حدثتني أنه صلاهما عندها ؟ فأرسل إلى أم سلمة ؟ فقالت : { صلاهما رسول الله ﷺ عندي ، لم أره صلاهما قبل ولا بعد ؟ قال : هما سجدتان كنت أصليهما بعد الظهر فقدم علي قلائص من الصدقة فنسيتهما حتى صليت العصر ؛ ثم ذكرتهما ، فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يروني فصليتهما عندك } ؟ وذكروا الأخبار التي وردت في النهي عن الصلاة بعد العصر ؛ وسنذكرها إن شاء الله بعد هذه المسألة - وبه تعالى نتأيد ؟ قال علي : وكل هذا لا حجة لهم في شيء منه - : أما حديث ذكوان عن عائشة ؛ فليس فيه نهي عنهما ، وإنما فيه نهي عنها يعني عن الصلاة بعد العصر جملة ، وهذا صحيح ، وإذ ذلك كذلك فالواجب استعمال فعله ونهيه ؛ فننهى عن الصلاة بعد العصر ، ونصلي ما صلى عليه السلام ، ونخص الأقل من الأكثر ، ونستعملهما جميعا ، ولا نخاف واحدا منهما . ولا فرق بين من ترك الركعتين اللتين صح أنه عليه السلام صلاهما بعد العصر ونهى عنهما من أجل نهيه عن الصلاة بعد العصر - : وبين من ترك نهيه عليه السلام عن الصلاة بعد العصر من أجل صلاته الركعتين بعد العصر . ولو قالت : وكان ينهى عنهما ؛ لكان ذلك يدل على أنهما له خاصة ؛ ولكن لا يحل بالكذب ، ولا الزيادة في الرواية ؛ ومن فعل ذلك فليتبوأ مقعده من النار - فسقط تعلقهم بهذا الخبر جملة . وأما حديث ابن عباس فمعلول من وجوه : أولها : - أن جرير بن عبد الحميد لم يسمع من عطاء بن السائب إلا بعد اختلاط عطاء ، وتفلت عقله ، هذا معروف عند أصحاب الحديث . وثانيها : - أنه لو صح وسمعنا نحن ابن عباس يقول ذلك - : لما كانت فيه حجة ؛ لأنه رضي الله عنه أخبر بما عرف ، وأخبرت عائشة بما كان عندها ، مما لم يكن عند ابن عباس : من { أن رسول الله ﷺ لم يدع الركعتين بعد العصر إلى أن مات } ؟ فهذا العلم الزائد الذي لا يحل تركه ، ومن أيقن وقال : علمت أولى ممن قال : لا أعلم وكلاهما صادق ؟ وثالثها - أنه حتى لو صح قول ابن عباس ولم يأت عن أحد من الصحابة خلافه - لما كانت فيه حجة ؛ لأن فعل رسول الله ﷺ الشيء مرة واحدة حجة باقية ؛ وحق ثابت أبدا ، ما لم ينه عما فعل من ذلك ؟ ومن قال : لا يكون فعل رسول الله ﷺ الشيء حقا إلا حتى يكرر فعله فهو كافر مشرك وسخيف [ مع ذلك ] ؛ لأنه يقال له مثل ذلك فيما فعل مرتين أو ثلاثا أو ألف مرة ، ولا فرق ؛ وهذا لا يقوله مسلم ، ولا ذو عقل ؟ والعجب أنهم يقولون : إن الصاحب إذا روى خبرا عن رسول الله ﷺ ثم خالفه فذلك دليل عندهم على وهن الخبر ؛ وقد صح عن ابن عباس الصلاة بعد العصر كما نذكر بعد هذا فهلا عللوا هذا الخبر بمخالفة ابن عباس ؛ لما روى في ذلك ، ولكنهم لا مئونة عليهم من التناقض - فسقط هذا الخبر جملة ، - وبالله تعالى التوفيق ؟ وأما خبر موسى بن طلحة فلا حجة لهم فيه ؛ لوجوه : أولها - ضعف سنده ؛ لأنه من طريق أبي صالح كاتب الليث ، وهو ضعيف وفيه سعيد بن أبي هلال ، وليس بالقوي ولم يذكر فيه موسى بن طلحة سماعا من أم سلمة ، ولا من عائشة رضي الله عنهما . والثاني : - أنه ليس فيه نهي عن صلاتهما والثالث : - أنه لو صح لكان حجة لنا ؛ لأن فيه { أن رسول الله ﷺ صلى الركعتين بعد العصر } ولو كانتا لا تجوزان ، أو مكروهتين ما فعلهما عليه الصلاة والسلام ، وفعله عليه السلام حق وهدى ، سواء فعله مرة أو ألف مرة ؛ ومن قال : إن فعله ضلال ؛ فهو كافر ؟ . والرابع : - أنه قد صح خلاف هذا عن أم سلمة رضي الله عنها كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . والخامس : - أنه موضوع بلا شك ؛ لأن فيه إنكار عائشة أنه عليه السلام صلاهما عندها ، ونقل التواتر عن عائشة من رواية الأئمة : أنه لم يزل عليه السلام يصليهما عندها ؛ مثل : عروة بن الزبير ، وعبد الله بن الزبير ، ومسروق ، والأسود بن يزيد ، وطاوس ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وأيمن ، وغيرهم . وهذا القول سواء سواء أيضا - في حديث أم سلمة الذي ذكرنا من طريق عبد الرحمن بن أبي سفيان - وعبد الرحمن هذا مجهول - ولم يذكر أيضا : أنه سمعه من أم سلمة وهو خبر موضوع لا شك فيه ؛ لأن فيه كذبا ظاهرا لا شك فيه ؟ وهو ما نسب إلى عائشة من قولها " ليس عندي صلاهما " وقد ذكرنا من روى تكذيب هذا آنفا . ولأن فيه أيضا لفظا لا يجوز ألبتة أن يقوله عليه السلام ؛ وهو { فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس ينظرون إلي فصليتهما عندك } . إذ لا يخلو فعلهما : أن يكون مكروها أو حراما ؛ أو مباحا حسنا ؟ فإن كان حراما أو مكروها ؛ فمن نسب إلى رسول الله ﷺ التستر لمحرمات فهو كافر ؛ لتفسيقه رسول الله ﷺ وقد أمر عليه السلام أن يقرأ على الناس { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } . ومن المحال الممتنع أن يتعنى عليه السلام بتكلف صلاة مكروهة لا أجر فيها ؟ فهذا هو التكلف الذي أمره تعالى أن يقول فيه : { وما أنا من المتكلفين } وحاشا لله تعالى أن يفعل عليه السلام - قاصدا إلى فعله - إلا ما يقربه من ربه تعالى وينسيه تعالى الشيء [ ليس ] لنا فيه ما يقربنا من ربنا عز وجل ؟ ، ولا مزيد . وأما حديث علي بن أبي طالب فلا حجة فيه أصلا ؛ لأنه ليس فيه إلا إخباره رضي الله عنه بما علم ؛ من أنه لم ير رسول الله ﷺ صلاهما ، وهو الصادق في قوله ، وليس في هذا نهي عنهما ، ولا كراهة لهما ؛ [ وما ] صام عليه السلام قط شهرا كاملا غير رمضان ؛ وليس هذا بموجب كراهية صوم [ شهر كامل تطوعا ] . ثم قد روى غير علي : أنه عليه السلام صلاهما - فكل أخبر بعلمه ، وكلهم صادق ثم قد صح عن علي خلاف ذلك ؛ كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . وهم يقولون : إن الصاحب إذا روى حديثا وخالفه فهذا دليل عندهم على سقوط ذلك الخبر ؛ فهلا قالوا هذا ههنا ؟ ، وأما حديث حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن أم سلمة ؟ فحديث منكر ؛ لأنه ليس هو في كتب حماد بن سلمة . وأيضا فإنه منقطع ، ولم يسمعه ذكوان من أم سلمة ؟ برهان ذلك : أن أبا الوليد الطيالسي روى هذا الخبر عن حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن عائشة عن أم سلمة { أن النبي ﷺ صلى في بيتها ركعتين بعد العصر فقلت : ما هاتان الركعتان ؟ قال : كنت أصليهما بعد الظهر ، وجاءني مال فشغلني فصليتهما الآن } . فهذه هي الرواية المتصلة : وليس فيها { أفنقضيهما نحن ؟ قال : لا } فصح أن هذه الزيادة لم يسمعها ذكوان من أم سلمة ، ولا ندري عمن أخذها ؟ فسقطت . ثم لو صحت هذه اللفظة لما كان لهم فيها حجة أصلا ؛ لأنه ليس فيها نهي عن صلاتهما [ أصلا ] ، وإنما فيها : النهي عن قضائهما فقط ، فلا يحل توثيب كلامه عليه السلام إلى ما لم يقله تلبيسا من فاعل ذلك في الدين - فسقط كل ما تعلقوا به ولله الحمد . وأما أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر ؛ فسنذكرها - إن شاء الله تعالى - إثر هذه المسألة والكلام عليها ؛ بحول الله تعالى وقوته ؟ وأما تعلق الشافعي بحديث رسول الله ﷺ الذي ذكرنا من أنه عليه السلام { كان إذا صلى صلاة أثبتها } فلا حجة له فيه ؛ لأنه ليس فيه نهي عن أن يصليهما من لم ينس الركعتين قبل العصر ؛ وليس فيه إلا [ الإباحة ؛ للصلاة ] حينئذ ؛ إذ لو لم تكن جائزة لما صلاها عليه السلام ، قاضيا ، ولا مثبتا ، وفي إثباته عليه السلام إياها أصح بيان بأنها حينئذ جائزة حسنة ؛ ولم يقل عليه السلام : إنه لا يصليهما إلا من نسيهما - فسقط تعلقه به ؟ قال علي : فإذ سقط كل ما شغبوا به فلنذكر - إن شاء الله عز وجل - الآثار الواردة في الركعتين بعد العصر - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير ؛ قال زهير : ثنا جرير ، وقال ابن نمير : ثنا أبي ، ثم اتفقا جميعا : عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : { ما ترك رسول الله ﷺ ركعتين بعد العصر عندي قط } . وبه إلى مسلم : ثنا علي بن حجر أنا علي بن مسهر أنا أبو إسحاق الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن أبيه عن عائشة قالت { صلاتان ما تركهما رسول الله ﷺ في بيتي قط سرا ، ولا علانية : ركعتين قبل الفجر وركعتين بعد العصر } . وبه إلى مسلم ثنا حسن الحلواني ثنا عبد الرزاق أنا مع معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن عائشة قالت { لم يدع رسول الله ﷺ الركعتين بعد العصر } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو نعيم هو الفضل بن دكين - ثنا عبد الواحد بن أيمن حدثني أبي أنه سمع عائشة أم المؤمنين قالت : { والذي ذهب به تعني رسول الله ما تركهما حتى لقي الله تعالى - تعني الركعتين بعد العصر - قالت : وما لقي الله حتى ثقل عن الصلاة } فهذا غاية التأكيد فيهما . وقد روتهما أيضا أم سلمة وميمونة أما المؤمنين وتميم الداري ، وعمر بن الخطاب ، وزيد بن خالد الجهني ، وغيرهم - فصار نقل تواتر يوجب العلم . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا ابن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو الرقي - ثنا عبد الوارث بن سعيد التنوري ثنا حنظلة هو ابن أبي سفيان الجمحي - عن عبد الله بن الحارث بن نوفل : قال : صلى بنا معاوية العصر فرأى ناسا يصلون ، فقال : ما هذه الصلاة ؟ فقالوا : هذه فتيا عبد الله بن الزبير ؟ فجاء عبد الله بن الزبير مع الناس ، فقال له معاوية : ما هذه الفتيا التي تفتي : أن يصلوا بعد العصر ؟ فقال ابن الزبير : حدثتني زوج رسول الله ﷺ { أنه عليه السلام صلى بعد العصر } . فأرسل معاوية إلى عائشة ؟ فقالت : هذا حديث ميمونة بنت الحارث ؟ فأرسل إلى ميمونة رسولين ؟ فقالت : إنما حدثت { أن رسول الله ﷺ كان يجهز جيشا فحبسوه حتى أرهق العصر ، فصلى العصر ، ثم رجع فصلى ما كان يصلي قبلها ؟ قالت : وكان رسول الله ﷺ إذا صلى صلاة أو فعل شيئا - : يحب أن يداوم عليه } . فقال ابن الزبير : أليس قد صلى ؟ والله لأصلينه قال علي : ظهرت حجة ابن الزبير ، فلم يجز عليه الاعتراض قال علي : وقالوا : قد كان عمر يضرب الناس عليها ، وابن عباس معه ؟ قلنا : لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ لا في عمر ، ولا في غيره ؛ بل هو عليه السلام الحجة على عمر وغيره - وقد خالف عمر في ذلك طوائف من الصحابة وقد صح عن عمر ، وعن ابن عباس : إباحة الركوع والتطوع ؛ والوجه الذي من أجله ضرب عمر عليها - فقد خالفوا عمر رضي الله عنه في ذلك ؟ حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا محمد بن أحمد بن مفرج ثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف ثنا يحيى بن بكير حدثني الليث بن سعد عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل يتيم عروة بن الزبير عن عروة { أخبرني تميم الداري ، أو أخبرت أن تميما الداري ركع ركعتين بعد العصر فأتاه عمر فضربه بالدرة ، فأشار إليه تميم : أن اجلس ؟ فجلس عمر حتى فرغ تميم ، فقال لعمر : لم ضربتني ؟ فقال له عمر : لأنك ركعت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما ؟ قال له تميم إني صليتهما مع من هو خير منك : رسول الله ﷺ ؟ فقال له عمر : إني ليس بي إياكم أيها الرهط ؟ ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب ، حتى يمرون بالساعة التي نهى عنها رسول الله ﷺ أن يصلى فيها كما صلوا بين الظهر والعصر ؛ ثم يقولون : قد رأينا فلانا وفلانا يصلون بعد العصر } . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج سمعت أبا سعيد الأعمى يحدث عن السائب مولى الفارسيين عن زيد بن خالد الجهني { أن عمر رآه يصلي بعد العصر ركعتين - وعمر خليفة - فضربه بالدرة وهو يصلي كما هو ، فلما انصرف قال له زيد : يا أمير المؤمنين ، فوالله لا أدعهما أبدا بعد إذ رأيت رسول الله ﷺ يصليهما ؛ } فجلس إليه عمر ، وقال : يا زيد بن خالد ، لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما " فهذا نص جلي ثابت عن عمر بإجازته التطوع بعد العصر ما لم تصفر الشمس وتقارب الغروب ؟ وروينا بالإسناد الثابت عن شعبة عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي قال : قال ابن عباس : لقد رأيت عمر بن الخطاب يضرب الناس على الصلاة بعد العصر ؟ ثم قال ابن عباس : صل إن شئت ما بينك وبين أن تغيب الشمس ؟ . قال علي : هم يقولون في الصاحب يروي الحديث ثم يخالفه : لولا أنه كان عنده علم بنسخه ما خالفه ؟ فيلزمهم أن يقولوا ههنا : لولا أنه كان عند ابن عباس علم أثبت من فعل عمر ما خالف ما كان عليه [ مع ] عمر . وبمثله عن شعبة عن أبي شعيب عن طاوس : سئل ابن عمر عن الركعتين بعد العصر : فرخص فيهما ؟ قال علي : هلا قالوا : إن ابن عمر لم يكن ؛ ليخالف أباه ، لولا فضل علم كان عنده بأثبت من فعل أبيه ؟ وروينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح : أن عائشة وأم سلمة أمي المؤمنين كانتا تركعان ركعتين بعد العصر . وروينا عن حماد بن سلمة وهشام بن عروة ، قال حماد : عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال : كانت عائشة أم المؤمنين تصلي ركعتين بعد العصر وهي قائمة : وكانت ميمونة أم المؤمنين تصلي أربعا وهي قاعدة ، فسئلت عن ذلك ؟ فقالت عن عائشة : إنها شابة وأنا عجوز فأصلي أربعا بدل ركعتيها . قال علي : هذا يبطل رواية من روى عن أم سلمة { أنقضيها نحن ؟ قال : لا } . وقال هشام عن أبيه : كان الزبير وعبد الله بن الزبير يصليان بعد العصر ركعتين روينا عن عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة : كنا نصلي مع ابن الزبير العصر في المسجد الحرام ، فكان يصلي بعد العصر ركعتين ، وكنا نصليهما معه ، نقوم صفا خلفه . وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال : سبح المنكدر بعد العصر فضربه عمر قال علي : المنكدر والسائب صاحبان لرسول الله ﷺ . وعن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه : أن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر ؛ فلما استخلف عمر تركهما : فلما توفي عمر ركعهما ؛ فقيل له : ما هذا ؟ فقال : إن عمر كان يضرب الناس عليهما قال علي : في هذا الحديث بيان واضح أن أبا بكر الصديق وعثمان رضي الله عنهما كانا يجيزان الركوع بعد العصر وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة وسفيان جميعا قالا : ثنا أبو إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة : أن علي بن أبي طالب كان في سفر فصلى العصر ؛ ثم دخل فسطاطه فصلى ركعتين ؟ وعن محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي قال : سألت أبا جحيفة عن الركعتين بعد العصر ؟ فقال : إن لم ينفعاك لم يضراك وعن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة ثنا يزيد بن خمير عن عبد الله بن يزيد عن جبير بن نفير قال : كتب عمر إلى عمير بن سعد ينهاه عن الركعتين بعد العصر ؛ فقال أبو الدرداء : أما أنا فلا أتركهما ؛ فمن شاء أن ينحضج فلينحضج . وعن حماد بن زيد ثنا أنس بن سيرين قال : خرجت مع أنس بن مالك إلى أرضه ببذ سيرين ، وهي خمسة فراسخ فحضرت صلاة العصر ، فأمنا قاعدا على بساط في السفينة ، فصلى بنا ركعتين ، ثم سلم ، ثم صلى بنا ركعتين وعن يزيد بن هارون عن عمار بن أبي معاوية الذهني عن أبي شعبة التميمي قال : رأيت الحسن بن علي بن أبي طالب يطوف بعد العصر ويصلي ؟ وعن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن بلال مؤذن رسول الله ﷺ قال : { لم ينه عن الصلاة إلا عند غروب الشمس } وعن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود في حديث : { سيأتي عليكم زمان كثير خطباؤه ، قليل علماؤه ، يطيلون الخطبة ويؤخرون الصلاة حتى يقال : هذا شرق الموتى قلت : وما شرق الموتى ؟ قال : إذا اصفرت الشمس جدا فمن أدرك ذلك منكم فليصل الصلاة لوقتها ، فإن احتبس فليصل معهم ، وليجعل صلاته وحده الفريضة ، وصلاته معهم تطوعا } . قال علي : فهؤلاء أكابر الصحابة رضي الله عنهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والزبير ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة : أمهات المؤمنين ، وابن الزبير ، ومن بحضرته من الصحابة ، وتميم الداري ، والمنكدر ، وزيد بن خالد الجهني ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو جحيفة ، وأبو الدرداء ، [ وأنس ] والحسن بن علي ، وبلال ، وطارق بن شهاب ، وابن مسعود . وروي أيضا عن النعمان بن بشير وغيرهم ، فمن بقي ؟ ؟ وما نعلم لهم متعلقا بأحد من الصحابة رضي الله عنهم إلا رواية عن أبي سعيد الخدري ، جعلها خاصة ؛ لرسول الله ﷺ . وإذا قال صاحب : هي خاصة ، وقال آخرون منهم : هي عامة ، فالسير على العموم حتى يأتي نص صحيح بأنها خصوص ، ولا سبيل إلى وجوده ، وأخرى عن معاوية ، ليس فيها نهي عنهما ، بل فيها : إن الناس كانوا يصلونها في عهد رسول الله ﷺ . وأخرى مرسلة لا تصح عن ابن مسعود ؛ ليس فيها أيضا إلا : وأنا أكره ما كره عمر ، وقد صح عن عمر ، وعن ابن مسعود : إباحة ذلك . وعن أبي بكرة : المنع من الصلاة جملة من حين صفرة الشمس . والحنفيون والمالكيون مخالفون له في ذلك ، كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . وأما التابعون فكثير ، منهم : هشام بن عروة ؛ وأنس بن سيرين ؛ كما ذكرنا آنفا وعن حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن يزيد بن طلق : أن عبد الرحمن بن البيلماني كان يصلي بعد العصر ركعتين ؟ وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني إبراهيم بن ميسرة أن طاوسا صلى بحضرته ركعتين بعد العصر . ثم قال له : أتصلي بعد العصر ؟ قلت : نعم ، قال : أكرمت والله وعن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن أشعث بن أبي الشعثاء هو أشعث بن سليم قال : سافرت مع أبي ، وعمرو بن ميمون ، والأسود ، ومسروق ، وأبي وائل فكانوا يصلون بعد الظهر ركعتين ، وبعد العصر ركعتين ؟ وعن محمد بن جعفر غندر : ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي قال : رأيت شريحا القاضي يصلي بعد العصر ركعتين ؟ وعن محمد بن المثنى عن معاذ بن معاذ العنبري ثنا أبي عن قتادة قال : كان سعيد بن المسيب يصلي بعد العصر ركعتين ؟ . وعن محمد بن المثنى : ثنا أبو عاصم النبيل عن عمر بن سعيد قال : رأيت القاسم بن محمد بن أبي بكر يطوف بعد العصر ويصلي ركعتين - ، وكذلك أيضا عن الحسن فهؤلاء : هشام بن عروة ، وأنس بن سيرين ، وطاوس ، وعبد الرحمن بن البيلماني ، وإبراهيم بن ميسرة وأبو الشعثاء ، وأشعث ابنه ، وعمرو بن ميمون ، ومسروق ، والأسود ، وأبو وائل ، وشريح القاضي ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ؛ وغيرهم : كعبد الله بن أبي الهذيل ، وأبي بردة بن أبي موسى ، وعبد الرحمن بن الأسود ، والأحنف بن قيس وبهما يقول أبو خيثمة وأبو أيوب الهاشمي ، وبه نأخذ إن شاء الله تعالى .

==========

تابع كتاب الصلاة

286 - مسألة : ولا يجوز تعمد تأخير ما نسي أو نام عنه من الفرض . ولا تعمد التطوع عند اصفرار الشمس حتى يتم غروبها ؛ وعند استواء الشمس ، حتى تأخذ في الزوال . ولا بعد السلام من صلاة الصبح حتى تصفو الشمس وتبيض . ويقضي في هذه الأوقات كل ما لم يذكر إلا فيها ؛ من صلاة منسية أو نيم عنها ؛ [ من فرض ] أو تطوع ، وصلاة الجنازة ؛ والاستسقاء ؛ والكسوف ، والركعتان عند دخول المسجد . ومن توضأ للصلاة في أحد هذه الأوقات فله أن يتطوع حينئذ ما لم يتعمد المرء ترك كل ذلك - وهو ذاكر له - حتى تدخل الأوقات المذكورة فمن فعل هذا فلا تجزئه صلاته تلك أصلا ؟ وهذا نص نهيه صلى الله تعالى عليه وسلم عن تحري الصلاة في هذه الأوقات . وأما بعد الفجر ما لم يصل الصبح فالتطوع حينئذ جائز حسن ما أحب المرء ، وكذلك إثر غروب الشمس قبل صلاة المغرب ، وبنحو هذا يقول داود في كل ما ذكرنا ؛ حاشا التطوع بعد العصر ، فإنه عنده جائز إلى بعد غروب الشمس ؛ ورأى النهي - عن ذلك - منسوخا ؟ وقال أبو حنيفة : ثلاثة أوقات لا يصلى فيها فرض فائت أو غير فائت ، ولا نفل بوجه من الوجوه ؛ وهي : عند أول طلوع قرص الشمس ، إلا أن تبيض وتصفو . أو عند استواء الشمس حتى تأخذ في الزوال ، حاشا يوم الجمعة خاصة ؛ فإنها يصلي فيها من جاء إلى الجامع وقت استواء الشمس . وعند أخذ أول الشمس في الغروب حتى يتم غروبها ؛ حاشا عصر يومه خاصة ؛ فإنه يصلى عند الغروب وقبله وبعده . وتكره الصلاة على الجنائز في هذه الأوقات ؛ فإن صلى عليها فيهن أجزأ ذلك ؟ وثلاثة أوقات يصلي فيهن الفروض كلها ؛ وعلى الجنازة ؛ ويسجد سجود التلاوة ، ولا يصلي فيها التطوع ؛ ولا الركعتان إثر الطواف ؛ ولا الصلاة المنذورة ؛ وهي : إثر طلوع الفجر الثاني حتى يصلي الصبح ؛ إلا ركعتي الفجر فقط . وبعد صلاة العصر حتى تأخذ الشمس في الغروب ، [ إلا أنه كره الصلاة على الجنازة إذا اصفرت الشمس ] . وكذلك سجود التلاوة ؛ وبعد تمام غروبها حتى يصلي المغرب . ومن جاء عنده يوم الجمعة والإمام يخطب : وقت رابع لهذه الثلاثة التي ذكرنا آخرا . قال أبو حنيفة : فمن دخل في صلاة الصبح فطلعت له الشمس وقد صلى أقلها أو أكثرها بطلت صلاته تلك . ولو أنه قعد مقدار التشهد وتشهد ثم طلع أول قرص الشمس إثر [ ذلك ] كله وقبل أن يسلم فقد بطلت صلاته . ولو قهقه حينئذ لا ينقض وضوءه . ولو أنه أحدث عمدا أو نسيانا أو تكلم عمدا أو نسيانا بعد أن قعد مقدار التشهد وقبل أن يسلم : فصلاته تامة كاملة - ولو قهقه حينئذ لم ينقض وضوءه ؟ وقال أبو يوسف ، ومحمد : إذا قعد مقدار التشهد قبل طلوع أول الشمس فصلاته تامة ، فلو دخل في صلاة العصر فصلى أولها ولو تكبيرة أو أكثرها فغربت له الشمس كلها أو بعضها فليتماد في صلاته ، ولا يضرها ذلك شيئا عند أبي حنيفة وأصحابه . قالوا : فإن صلى في منزله ركعتي الفجر ثم جاء إلى المسجد فليجلس ولا يركع . قال أبو حنيفة : فإن جاء إلى المسجد بعد تمام غروب الشمس فليقف حتى تقام الصلاة ولا يجلس ولا يركع . قال أبو يوسف : يجلس ولا يركع . وقال مالك : يصلي الفروض كلها المنسية وغيرها في جميع هذه الأوقات ولا يتطوع [ بعد صلاة الصبح ] حتى تبيض الشمس وتصفو ولا بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ، ولا بعد غروبها حتى تصلى المغرب . ومن دخل المسجد [ حينئذ ] قعد ولا يركع ، ولا يتطوع بعد طلوع الفجر إلا بركعتي الفجر ، حاشا من غلبته عينه فنام عن حزبه ؛ فإنه لا بأس بأن يصليه بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح . ومن ركع ركعتي الفجر في منزله ثم أتى المسجد فإن شاء ركع ركعتين ، وإن شاء جلس ، ولم يركع ، وقد روي عنه : [ إن ] كان مصبحا فليجلس ولا يركع . والتطوع عنده جائز على كل حال عند استواء الشمس ، ولم يكره ذلك وأجاز الصلاة على الجنازة بعد صلاة الصبح ما لم يسفر جدا ، وبعد العصر ما لم تصفر الشمس . وعنه في سجود التلاوة قولان : أحدهما : لا يسجد لها بعد صلاة الصبح حتى تصفو الشمس ، ولا بعد صلاة العصر ما لم تغرب الشمس . والآخر : أنه لا بأس بالسجود لها ما لم يسفر ، وما لم تصفر الشمس ، وقال : من قرأها في الوقت المنهي فيه عن السجود فليسقط الآية التي فيها السجدة ويصل التي قبلها بالتي بعدها ؟ ، وقال الشافعي : يقضي الفائتات من الفروض ويصلي كل تطوع مأمور به في هذه الأوقات ، وإنما الممنوع : هو ابتداء التطوع فيها فقط ، إلا يوم الجمعة وبمكة ، فإنه يتطوع في جميع هذه الأوقات وغيرها . قال علي : أما تقاسيم أبي حنيفة فدعاو فاسدة متناقضة ، لا دليل على شيء منها ، لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا من إجماع ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ولا رأي سديد ، وأقوال مالك : لا دليل على تقسيمها ؛ لا سيما قوله بإسقاط الآية في التلاوة بين الآيتين ، فهو إفساد نظم القرآن ، وقول ما سبقه إليه أحد . وكذاك إسقاطه وقت استواء الشمس من جملة الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ، فهو خلاف الثابت في ذلك عن النبي ﷺ بلا معارض له ؟ وأما تفريق الشافعي بين مكة وغيرها ، وبين يوم الجمعة وغيره : فلأثرين ساقطين رويناهما : في أحدهما - النهي عن الصلاة في هذه الأوقات إلا بمكة . وفي الآخر { يوم الجمعة صلاة كله } ، وليسا مما يشتغل به ، ولا أورده أحد من أئمة أهل الحديث ؛ فوجب الإضراب عن هذه الأقوال جملة ، والإقبال على السنن الواردة في هذا الباب ، والنظر في استعمالها كلها [ وفي ] تغليب أحد الحكمين على الآخر ، على ما جاء في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم ، وعن التابعين رحمهم الله . قال علي : حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عفان بن مسلم ثنا همام بن يحيى ثنا قتادة حدثنا أبو العالية عن ابن عباس قال : شهد عندي رجال مرضيون ، وأرضاهم عندي عمر ، أن رسول الله ﷺ قال : { لا صلاة بعد صلاتين بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس } . ورويناه هكذا من طرق ، اكتفينا بهذا لصحته وكلها صحاح . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا عبد الله بن وهب عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال : سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول : { ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب } . وروينا أيضا في هذه الأوقات عن الصنابحي وغيره : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود السجستاني ثنا الربيع بن نافع هو أبو توبة - ثنا محمد بن المهاجر عن العباس بن سالم عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن { عمرو بن عنبسة السلمي أنه قال : قلت يا رسول الله : أي الليل أسمع ؟ قال : جوف الليل الآخر ، فصل ما شئت ، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة ، حتى تصلي الصبح ، ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيس رمح أو رمحين ، فإنها بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار ، ثم صل ما شئت ، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمح ظله ، وأقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها فإذا زاغت فصل ما شئت ، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة ، حتى تصلي العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار } وذكر الحديث . وروينا من طرق عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله ﷺ قال : { الشمس تطلع ومعها قرني الشيطان ، فإذا ارتفعت فارقها . فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها ، ونهى رسول الله ﷺ عن الصلاة في هذه الأوقات } ؟ . قال علي : والعجب من مخالفة المالكيين لهذا الخبر ، وهو من رواية شيخهم . قال علي : فذهب إلى هذه الآثار قوم ، فلم يروا الصلاة أصلا في هذه الأوقات . كما روينا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن عاصم بن سليمان الأحول عن بكر بن عبد الله المزني قال : كان أبو بكرة في بستان له فنام عن العصر ، فلم يستيقظ حتى اصفرت الشمس ، فلم يصل حتى غربت الشمس ، ثم قام فصلى . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر وسفيان الثوري كلاهما عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين : أن أبا بكرة أتاهم في بستان لهم فنام عن العصر فقام فتوضأ ، ثم لم يصل حتى غابت الشمس . وبه إلى سفيان الثوري عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن رجل من ولد كعب بن عجرة : أنه نام عن الفجر حتى طلعت الشمس ، قال : فقمت أصلي فدعاني كعب بن عجرة فأجلسني حتى ارتفعت الشمس وابيضت ، ثم قال : قم فصل ؟ . وروينا عن محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، وأبو عامر العقدي كلاهما عن سفيان الثوري عن زيد بن جبير عن أبي البختري قال : كان عمر بن الخطاب يضرب على الصلاة بنصف النهار . أبو البختري هذا هو صاحب ابن مسعود وعلي . وذهب آخرون إلى قضاء الصلوات الفائتات في هذه الأوقات ، وإلى التمادي في صلاة الصبح إذا طلعت الشمس ، وهو فيها ، أو إذا غربت له وهو فيها ، وإلى تأدية كل صلاة تطوع جاء بها أمر ، واحتجوا بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع حدثني حجاج الأحول عن قتادة عن أنس بن مالك قال : { سئل رسول الله ﷺ عن الرجل يرقد عن الصلاة أو يغفل عنها ؟ فقال : كفارتها أن يصليها إذا ذكرها } . وبه إلى أحمد بن شعيب : أنا قتيبة بن سعيد ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ قال : إنه { ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط في اليقظة ، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها } ، وهذا عموم لكل صلاة فرض أو نافلة . وقد ذكرنا أمر رسول الله ﷺ بصلاة الكسوف ، وبالركعتين عند دخول المسجد ، وبالصلاة على الجنائز ، وسائر ما أمر به من التطوع عليه السلام ، وأخذ بهذا جماعة من السلف . كما روينا عن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن المسور بن مخرمة دخل على ابن عباس فحدثه ، فنام ابن عباس وانسل المسور ، فلم يستيقظ حتى أصبح ، فقال لغلامه : أتراني أستطيع أن أصلي قبل أن تخرج الشمس أربعا - يعني العشاء - وثلاثا - يعني الوتر - وركعتين - يعني ركعتي الفجر - وواحدة - يعني ركعة من الصبح ؟ - قال : نعم فصلاهن . وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء بن أبي رباح عن عطاء بن يحنس أنه سمع أبا هريرة يقول : إن خشيت من الصبح فواتا فبادرت بالركعة الأولى الشمس ، فإن سبقت بها الشمس فلا تعجل بالآخرة أن تكملها . وبه إلى عبد الرزاق : أنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك قال : صليت خلف أبي بكر الفجر فاستفتح البقرة فقرأها في ركعتين : فقال عمر حين فرغ قال يغفر الله لك لقد كادت الشمس أن تطلع قبل أن تسلم ؟ قال : لو طلعت لألفتنا غير غافلين . وبه إلى معمر عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمان النهدي قال : صلى بنا عمر صلاة الغداة فما انصرف حتى عرف كل ذي بال أن الشمس قد طلعت ؛ فقيل له : ما فرغت حتى كادت الشمس أن تطلع ؟ فقال : لو طلعت لألفتنا غير غافلين . قال علي : فهذا نص جلي بأصح إسناد يكون أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وكل من معهما من الصحابة رضي الله عنهم لا يرون طلوع الشمس يقطع صلاة من طلعت عليه ، وهو يصلي الصبح . والعجب من الحنفيين الذين يرون إنكار عمر على عثمان بحضرة الصحابة ترك غسل الجمعة حجة في سقوط وجوب الغسل لها - وهذا ضد ما يدل عليه إنكار عمر - : ثم لا يرون تجويز أبي بكر وعمر صلاة الصبح وإن طلعت الشمس : حجة في ذلك . بل خالفوا جميع ما جاء عن الصحابة في ذلك من مبيح ومانع وخالفوا أبا بكرة في تأخير صلاة العصر حتى غابت الشمس ، وقد ذكرنا من قال من الصحابة بالتطوع بعد العصر ، ومن أمر بالإعادة مع الجماعة ، وإلى صفرة الشمس في المسألة التي كانت قبل هذه فأغنى عن إعادته ؟ .

وروينا عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي في الصلاة التي تنسى ، قال : يصليها حين يذكرها ، وإن كان في وقت تكره فيه الصلاة ومثله أيضا عن عطاء وطاوس وغيرهم . وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان : ثنا شعبة عن موسى بن عقبة قال : سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول : إن أباه كان يطوف بعد العصر ، وبعد الغداة ثم يصلي الركعتين قبل طلوع الشمس . قال موسى : وكان نافع يكره ذلك ، فحدثته عن سالم فقال لي نافع : سالم أقدم مني وأعلم . قال علي : هذا يدل على رجوع نافع إلى القول بهذا ؛ وعلى أنه قول موسى بن عقبة - : قال علي : فغلب هؤلاء أحاديث الأوامر على أحاديث النهي ، وقالوا : إن معنى النهي عن الصلاة في هذه الأوقات ، أي إلا أن تكون صلاة أمرتم بها ، فصلوها فيها وفي غيرها . وقال الآخرون : معنى الأمر بهذه الصلوات ، أي إلا أن تكون وقتا نهى فيه عن الصلاة فلا تصلوها فيه . قال علي : فلما كان كلا العملين ممكنا ، لم يكن واحد منهما أولى من الآخر إلا ببرهان ، فنظرنا في ذلك : فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى : قرأت على مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، وبسر بن سعيد ، وعبد الرحمن الأعرج حدثوه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر } ؟ . فكان هذا مبينا غاية البيان أن قضاء الصلوات في هذه الأوقات فرض ؛ وأن الأمر مستثنى من النهي بلا شك ؟ . فإن قيل : فلم قلتم : إن من أدرك أقل من ركعة من العصر ومن الصبح قبل طلوع الشمس ، وقبل غروبها فإنه يصليهما ؟ . قلنا : لما نذكره - إن شاء الله عز وجل في أوقات الصلوات - من قوله عليه السلام { وقت صلاة الصبح ما لم يطلع قرن الشمس ، ووقت صلاة العصر ما لم تغرب الشمس } . فكان هذا اللفظ منه عليه السلام ممكنا أن يريد به وقت الخروج من هاتين الصلاتين ، وممكنا أن يريد به وقت الدخول فيها ؟ . فنظرنا في ذلك ؛ فكان هذا الخبر مبينا أن بعد طلوع الشمس وبعد غروبها وقت لبعض صلاة الصبح ، ولبعض صلاة العصر بيقين ؛ فصح أنه عليه السلام إنما أراد وقت الدخول فيهما ، وكان هذا الخبر هو الزائد على الحديث الذي فيه { من أدرك ركعة } والزيادة واجب قبولها ؟ فوضح أن الأمر مغلب على النهي . فوجدنا الآخرين قد احتجوا بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا عبد الله بن يزيد المقري حدثنا الأسود بن شيبان ثنا خالد بن شمير قال قدم علينا عبد الله بن رباح من المدينة وكانت الأنصار تفقهه ، فحدثنا قال : حدثنا أبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله ﷺ قال : { بعث رسول الله ﷺ جيش الأمراء فلم يوقظنا إلا الشمس طالعة فقمنا وهلين لصلاتنا ، فقال النبي ﷺ رويدا رويدا ، حتى تعالت الشمس ، قال رسول الله ﷺ من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما ؟ فقام من كان يركعهما ومن لم يكن يركعهما ، ثم أمر رسول الله ﷺ أن ينادى بالصلاة فيؤذن بها ، فقام رسول الله ﷺ فصلى بنا ؛ فلما انصرف قال : إنا بحمد الله لم نكن في شيء من أمر الدنيا شغلنا عن صلاتنا } وذكر الحديث .

======







كتاب الصلاة

حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة عن هشام بن حسان عن الحسن عن عمران بن الحصين قال : { أسرينا مع رسول الله ﷺ ثم عرس بنا من آخر الليل ، فاستيقظنا وقد طلعت الشمس ، فجعل الرجل منا يثور إلى طهوره دهشا فقال رسول الله ﷺ : ارتحلوا ؟ قال : فارتحلنا ، حتى إذا ارتفعت الشمس نزلنا ، فقضينا من حوائجنا ، ثم توضأنا ؛ ثم أمر بلالا فأذن فصلى ركعتين ، ثم أقام بلال فصلى بنا النبي ﷺ } وذكر الحديث . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا هشيم أخبرنا حصين ثنا عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة أبيه قال : { سرنا مع رسول الله ﷺ ونحن في سفر ذات ليلة ، فقلنا : يا رسول الله ، لو عرست بنا ؟ قال : إني أخاف أن تناموا عن الصلاة ، فمن يوقظنا بالصلاة ؟ قال بلال : أنا يا رسول الله ، فعرس القوم ، واستند بلال إلى راحلته ، فغلبته عيناه ، واستيقظ رسول الله ﷺ وقد بدا حاجب الشمس ، فقال : يا بلال ، أين ما قلت ؟ فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، ما ألقيت علي نومة مثلها . فقال رسول الله ﷺ إن الله قبض أرواحكم حين شاء ؛ ثم أمرهم رسول الله ﷺ فانتشروا لحاجاتهم وتوضئوا ، وارتفعت الشمس ، فصلى بهم الفجر } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر أنا إسماعيل هو ابن جعفر - ثنا العلاء بن عبد الرحمن : أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر ، قال : وداره بجنب المسجد ؛ فلما دخلنا عليه قال : صليتم العصر ؟ قلنا : لا ، إنما انصرفنا الساعة من الظهر ؛ قال : فصلوا العصر ، فقمنا فصلينا ، فلما انصرفنا قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { تلك صلاة المنافقين جلس يرقب العصر حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا ، لا يذكر الله فيها إلا قليلا } . ورويناه من طريق مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أنس قال سمعت رسول الله ﷺ يقول : { تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني الشيطان أو على قرني الشيطان قام فنقر أربعا ، لا يذكر الله فيها إلا قليلا } . وبما ذكرناه قبل في مسألة الركعتين بعد العصر من قول ابن مسعود : يطيلون الخطبة ويؤخرون الصلاة حتى يقال : هذا شرق الموتى ، فقيل لابن مسعود : وما شرق الموتى ؟ قال : إذا اصفرت الشمس جدا ، فمن أدرك ذلك منكم فليصل الصلاة لوقتها ، فإن احتبس فليصل معهم ، وليجعل صلاته وحده : الفريضة ، وصلاته معهم : تطوعا . والحديث الذي ذكرناه من طريق أبي ذر عن رسول الله ﷺ { كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ، أو يميتون الصلاة عن وقتها ؟ قلت : فما تأمرني ؟ قال : صل الصلاة لوقتها ، فإن أدركتها معهم فصل ، فإنها لك نافلة } . وقالوا : صح نهي رسول الله ﷺ عن الصلاة جملة في الأوقات المذكورة ، ونهيه عليه السلام عن الصيام جملة في يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق ، وصح أمره بقضاء الصلوات من نام عنها أو نسيها ، وبالنذر ، وبما ذكرتم من النوافل ، وبقضاء الصوم للحائض والمريض والمسافر ، والنذر والكفارات - : فلم تختلفوا معنا في أن لا يصام شيء من ذلك في الأيام المنهي عن صيامها ، وغلبتم : النهي على الأمر ، فوجب أن يكون كذلك في نهيه عن الصلاة في الأوقات المذكورة ، مع أمره عليه السلام بما أمر به من الصلوات وقضائها ، وإلا فلم فرقتم بين النهيين والأمرين ؟ فغلبتم في الصوم : النهي على الأمر ، وغلبتم في الصلاة : الأمر على النهي ؟ وهذا تحكم لا يجوز ؟ . وقالوا : يمكن أن يكون قوله عليه السلام فيمن أدرك ركعة من صلاة الصبح ومن العصر قبل طلوع [ الشمس ] ، وقبل غروبها فقد أدرك الصبح : قبل النهي عن الصلاة في الأوقات المذكورة ؟ . قال علي : هذا كل ما اعترضوا به ، ما لهم اعتراض غيره أصلا ، ولسنا نعني أصحاب أبي حنيفة ، فإنهم لا متعلق لهم بشيء مما ذكرنا ، إذ ليس منها خبر إلا وقد خالفوه ، وتحكموا فيه بالآراء الفاسدة ، وإنما نعني من ذهب مذهب المتقدمين في تغليب النهي جملة فقط . قال علي : وكذلك أيضا لا متعلق للمالكين بشيء مما ذكرنا من الآثار ؛ لأنه ليس منها شيء إلا وقد خالفوه ، وتحكموا فيه ، وحملوا بعضه على الفرض ، وبعضه على التطوع بلا برهان ، وإنما نعني من ذهب مذهب المتقدمين في تغليب الأمر جملة والكلام إنما هو بين هاتين الطائفتين فقط ؟ . قال علي : كل هذا لا حجة لهم فيه . أما حديثا أبي قتادة وعمران بن الحصين فإنهما قد جاءا ببيان زائد ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة - فذكر الحديث وفيه - : { مال رسول الله ﷺ وملت معه ، فقال انظر ؟ فقلت : هذا راكب ، هذان راكبان ، هؤلاء ثلاثة ؟ حتى صرنا سبعة ، فقال رسول الله ﷺ : احفظوا علينا صلاتنا يعني صلاة الفجر ، فضرب على آذانهم ، فما أيقظهم إلا حر الشمس ؛ فقاموا فساروا هنيهة ثم نزلوا فتوضئوا وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر ، ثم صلوا الفجر وركبوا ، فقال بعضهم لبعض : لقد فرطنا في صلاتنا ؟ فقال النبي ﷺ : إنه لا تفريط في النوم ، إنما التفريط في اليقظة ، فمن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } ، وذكر باقي الخبر .

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا وهب بن بقية عن خالد عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عمران بن الحصين : { أن رسول الله ﷺ كان في مسير له ، فناموا عن صلاة الفجر ، فاستيقظوا بحر الشمس ، فارتفعوا قليلا حتى استقلت الشمس ، ثم أمر مؤذنا فأذن فصلى ركعتين قبل الفجر ، ثم أقام ثم صلى الفجر } . فهذا يونس عن الحسن وثابت البناني عن عبد الله بن رباح وهما أحفظ من خالد بن شمير ، من هشام بن حسان يذكران : أن رسول الله ﷺ لم يستيقظ إلا بحر الشمس وبضرورة الحس والمشاهدة يدري كل أحد أن حر الشمس لا يوقظ النائم إلا بعد صفوها وابيضاضها وارتفاعها ؛ وأما قبل ذلك فلا . وليس في حديث عبد الله بن أبي قتادة أنه عليه السلام { أمرهم بالانتظار أصلا ، وإنما أمرهم بالانتشار للحاجة ، ثم الوضوء ، ثم الصلاة فقط } . وإذ ذلك كذلك فقد وجب أن ننظر ما الذي من أجله أخر رسول الله ﷺ الصلاة في ذلك اليوم ؟ ، وحتى لو لم يذكر حر الشمس في شيء من هذا الخبر لما كان فيه حجة لمن زعم أنه عليه السلام إنما أخر الصلاة من أجل أن الشمس لم تكن صفت ولا ابيضت ؛ لأنه ليس في شيء من الأخبار أصلا : أن رسول الله ﷺ قال : " إنما أخرت الصلاة من أجل أن الشمس لم تبيض ولا ارتفعت ؛ ولا أنه عليه السلام قال : أمهلوا حتى ترتفع الشمس وتبيض ؛ وإنما ذلك ظن من بعض الرواة ؛ وقد قال الله تعالى : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } . على أنه لم يقل قط أبو قتادة ولا عمران رضي الله عنهما : إن تأخيره عليه السلام الصلاة إنما كان لأن الشمس لم تكن ابيضت ، ولا ارتفعت ؛ وإنما ذكروا صفة فعله عليه السلام فقط ؟ . فحصل من قطع بأن رسول الله ﷺ إنما أخر الصلاة يومئذ من أجل أن الشمس لم تكن ابيضت ولا ارتفعت : على قفو ما ليس له به علم ، وعلى الحكم بالظن ؛ وكلاهما محرم بنص القرآن ؛ وعلى الكذب على رسول الله ﷺ وهذا عظيم جدا فوجب أن نطلب السبب الذي من أجله أخر عليه السلام الصلاة في ذلك اليوم : ففعلنا ، فوجدنا - : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج : حدثني محمد بن حاتم ثنا يحيى بن سعيد هو القطان - ثنا يزيد بن كيسان ثنا أبو حازم هو سلمان الأشجعي - عن أبي هريرة قال : { عرسنا مع النبي ﷺ فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس ، فقال النبي ﷺ : ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته ؛ فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ؟ ففعلنا ، ثم دعا بالماء فتوضأ ، ثم سجد سجدتين ، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة } . وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود السجستاني ثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان هو ابن يزيد العطار ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - في هذا الخبر - فقال رسول الله ﷺ { تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة ؟ فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى } . قال علي : فارتفع الإشكال جملة والحمد لله ؛ وصح يقينا أنه عليه السلام إنما أخر الصلاة ؛ ليزولوا عن المكان الذي أصابتهم فيه الغفلة ، وحضرهم فيه الشيطان فقط ، لا لأن الشمس لم تكن ارتفعت . وقد قال بعضهم : إنها حينئذ بين قرني الشيطان ؛ فالعلة موجودة ؟ قال علي : وهذا تخديش في الرخام ولم يقل عليه السلام : إن تأخير الصلاة من أجل كون الشمس بين قرني الشيطان ؛ وإنما قال : { منزل حضرنا فيه الشيطان } وحضور الشيطان في منزل قوم هو - بلا شك من كل ذي فهم - غير كون الشمس بين قرني الشيطان فظهر كذب هذا القائل يقينا - وبالله تعالى التوفيق ؟ . ووجه رابع هو : أنه حتى لو صح لهم أن تردده عليه السلام كان من أجل أن الشمس لم تكن ابيضت بعد - ، وهذا لا يصح أبدا - لكان قوله في ذلك الحديث نفسه بعد صلاته بهم { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } . وفي بعض ألفاظ الرواة { فليصلها حين يذكرها } ناسخا لفعله في تأخير الصلاة ؛ لأنه بعده ؟ . فإن قيل : فهلا جعلتموه ناسخا لتحولهم عن المكان ؟ . قلنا : لا يجوز ذلك ؛ لأن قوله عليه السلام { إذا ذكرها } و { حين يذكرها } قصد منه إلى زمان تأديتها ؛ وليس فيه حكم لمكان تأديتها ؛ فلا يكون لما ليس فيه خلاف بحكمه أصلا ، وهذا غاية الحقيقة والبيان - ولله الحمد ؟ . وأما حديث أنس { تلك صلاة المنافقين } فلا حجة لهم فيه أصلا ؛ لوجوه - : أحدها - أن رسول الله ﷺ لم يذم في ذلك الحديث تأخير الصلاة فقط وحده ؛ وإنما ذم التأخير مع كونه ينقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ؛ وهذا بلا شك مذموم - أخر الصلاة أو لم يؤخرها - وهذا مثل قوله تعالى : { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا } . وأيضا فإنه قد صح أن رسول الله ﷺ أخبر بأن من أدرك من الصبح ركعة ومن العصر ركعة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فقد أدرك الصلاتين ؛ فمن الباطل المحال أن يكون المدرك للصلاة عاصيا بها ومصليا صلاة المنافقين . ولا يختلف اثنان في أن من أدرك الصلاة في وقتها فقد أدى ما أمر ، وليس عاصيا ، وإن كان قد ترك الأفضل ؟ . وقد صح عن النبي ﷺ ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا مروان بن معاوية الفزاري أنا إسماعيل بن أبي خالد ثنا قيس بن أبي حازم سمعت جرير بن عبد الله يقول : { كنا عند رسول الله ﷺ فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } - يعني العصر والفجر . وبه إلى مسلم : حدثنا أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد ، ومسعر بن كدام أنهما سمعا أبا بكر بن عمارة بن رؤيبة عن أبيه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } - يعني : الفجر والعصر هكذا في الحديث نصا . قال علي : فإذا هذا كذلك فظاهر الخبر أنه عليه السلام عنى من أخر صلاة لا يحل تأخيرها إلى ذلك الوقت ، وهذا في غير العصر بلا شك [ لكن في الظهر المتعين تحريم تأخيرها إلى ذلك الوقت ] كما أخبر عليه السلام أن التفريط في اليقظة : أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى ؟ . فإن قالوا في خبر أنس { جلس يرقب وقت العصر } ، قلنا : نعم ، وإذا أخر الظهر إلى وقت العصر راقبا للعصر فقد عصى الله تعالى ؛ فبطل تعلقهم بهذا أيضا - والحمد لله رب العالمين وأما حديث ابن مسعود فحجة لنا عليهم ظاهرة ؛ لأنه لم يعن بيقين إلا صلاة الجمعة تؤخر إلى ذلك الوقت ؛ بقوله : { يطيلون الخطبة ويؤخرون الصلاة } . وأيضا - فإنه رضي الله عنه أجاز التطوع معهم إذا اصفرت الشمس في ذلك الخبر نفسه ؛ فصح أن ابن مسعود موافق لنا في هذا ؟ . وأما حديث أبي ذر فكذلك أيضا ، وهو خبر موافق لنا - ولله الحمد . لأنه نصه : أن رسول الله ﷺ قال : { يؤخرون الصلاة عن وقتها } ، وقد صح أن ما لم تغرب الشمس فهو وقت للدخول في صلاة العصر ، وما لم تطلع الشمس فهو وقت للدخول في صلاة الصبح - فبطل تعلقهم بجميع الآثار - ولله الحمد ؟ . وأما قولهم : لعل قوله ﷺ : { من أدرك من صلاة الصبح ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصبح } كان قبل النهي عن الصلاة في الأوقات المذكورة - : فخطأ ؛ لأن " لعل " لا حكم لها ، وإنما هي ظن ؟ . وأيضا - فالبرهان قد صح أن قوله عليه السلام : { من أدرك ركعة } متأخر عن أخبار النهي أن أبا هريرة هو روى { من أدرك ركعة } وهو متأخر الصحبة وروى أخبار النهي : عمر بن الخطاب ، وعمر بن عبسة وإسلامهما قديم ؟ . وبالجملة فلا يقدح في أحد الخبرين تأخره ولا تقدمه ، إذا أمكن استعمالهما وضم أحدهما إلى الآخر ؛ فالواجب الأخذ بجميعها كما قدمنا - وبالله تعالى التوفيق . وأما قولهم : إننا قد أجمعنا على تغليب خبر النهي عن صوم يومي الفطر ، والنحر ، وأيام التشريق ، على أحاديث الأمر بقضاء رمضان ، والنذر ، والكفارات ؛ فكذلك يجب أن نغلب أخبار النهي عن الصلاة في الأوقات المذكورة على أحاديث الأمر بقضاء الصلاة المنسية والمنوم عنها والنذر وسائر ما أمر به من التطوع - : فهذا قياس والقياس كله باطل ؟ . ولعل هذا يلزم من قال بالقياس من المالكيين والشافعيين ، إلا أنهم أيضا يعارضون الحنفيين في هذا القياس ، بأن يقولوا لهم : أنتم أول من نقض هذا القياس ، ولم يطرده ؛ فأجزتم صلاة عصر اليوم في الوقت المنهي عن الصلاة فيه . ولم تقيسوا عليه الصبح ، ولا قستموها على الصبح ، ثم زدتم إبطالا لهذا القياس : فجعلتم بعض الوقت المنهي عن الصلاة فيه جملة يقضى فيه الفرض ويسجد فيه للتلاوة ويصلى فيه على الجنازة ؛ ولا يصلى فيه صلاة منذورة ، وجعلتم بعضه لا يصلى فيه شيء من ذلك كله ، فلم تقيسوا صلاة في بعض الوقت على صلاة في سائره ؟ وكان هذا أصح في القياس وأولى من قياس حكم صلاة على صوم ؟ . وأما قولهم لنا : لم فرقتم بين الأمرين والنهيين ؟ . [ فجوابنا - وبالله تعالى التوفيق - : أننا فعلنا ذلك ؛ لأن النصوص جاءت مثبتة ] لتغليب أحاديث الأمر بالصلوات جملة على أحاديث النهي عن الصلاة في تلك الأوقات ، وبعضها متأخر ناسخ للمتقدم ، ولم يأت نص أصلا بتغليب الأمر بالصوم على أحاديث النهي ؛ بل صح الإجماع المتيقن على وجوب تغليب النهي [ عن ] صيام يوم الفطر ، والنحر على أحاديث إيجاب القضاء ، والنذور ، والكفارات ، وكقوله عليه السلام في أيام التشريق : { إنها أيام أكل وشرب } موجبا للأكل والشرب فيها ؛ فلم يجز أن تصام بغير نص جلي فيها بخلاف ما جاء في الصلاة - وبالله تعالى التوفيق - فسقط كل ما شغبوا به ولله الحمد ؟ . وأما جواز ابتداء التطوع بعد العصر ما لم تصفر الشمس ، وجواز التطوع بعد الفجر ما لم تصل صلاة الفجر على كل حال ؟ . فلما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا عمرو بن علي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة وسفيان الثوري كلاهما عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن وهب بن الأجدع عن علي بن أبي طالب عن رسول الله ﷺ قال : { لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة } . وهب بن الأجدع تابع ثقة مشهور - وسائر الرواة أشهر من أن يسأل عنهم ؛ وهذه زيادة عدل لا يجوز تركها ؟ . وأما من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح فلحديث عمرو بن عبسة الذي ذكرنا في صدر هذه المسألة الذي فيه { فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح ، ثم أقصر حتى تطلع الشمس } ؟ . وبما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أنا ابن وهب عن يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد ، وعبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخبراه عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : قال رسول الله ﷺ : { من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل } ؟ . قال علي : والرواية في أن { لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر } ساقطة مطروحة مكذوبة كلها ، لم يروها أحد إلا من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو مالك ، أو من طريق أبي بكر بن محمد ، وهو مجهول لا يدرى من هو ، وليس هو ابن حزم ، أو من طريق أبي هارون العبدي ، وهو ساقط ، أو من طريق يسار مولى ابن عمر وهو مجهول ومدلس ، عن كعب بن مرة ممن لا يدرى من هو . وقد قال بهذا جماعة من السلف - : كما روينا من طريق وكيع عن أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : كنا نأتي عائشة أم المؤمنين قبل صلاة الفجر ؟ فأتيناها يوما فإذا هي تصلي ؛ فقلنا : ما هذه الصلاة ؟ فقالت : إني نمت عن حزبي فلم أكن لأدعه ؟ . وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ، والمعتمر بن سليمان التيمي كلاهما عن ليث عن مجاهد قال : مر ابن مسعود برجلين يتكلمان بعد طلوع الفجر ، فقال : يا هذان إما أن تصليا وإما أن تسكتا ؟ وعن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح : أن طاوسا قال لمجاهد : أتعقل ؟ إذا طلع الفجر فصل ما شئت ؟ . وعن عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن الحسن البصري قال : صل بعد الفجر ما شئت ؟ . ومن طريق شعبة عن هشام بن عروة [ عن أبيه ] أنه كان لا يرى بأسا بأن يصلي بعد الفجر أكثر من ركعتين ؟ ، وروينا ذلك أيضا عن عطاء بن أبي رباح وغيره ؟ . قال علي : والعجب كله من تعلق هؤلاء القوم بحديث عقبة بن عامر الجهني ، وفيه { نهى النبي ﷺ عن أن نقبر موتى المسلمين وهي : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف للغروب حتى تغرب } ، ولم يأت قط خبر يعارض هذا النهي أصلا - ثم لا يبالون بإطراحه ، فيجيزون أن تقبر الموتى في هذه الأوقات دون أن يكرهوا ذلك ، ثم يحرمون قضاء التطوع ، وبعضهم قضاء الفرض ، وقد جاءت النصوص معارضة لهذا النهي . قال علي : ولا يحل دفن الموتى في هذه الساعات ألبتة - ، وأما الصلاة عليهم فجائزة بها ، للأمر بذلك عموما ؟ . ولما حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا سفيان هو ابن عيينة قال سمعت عبيد الله بن عمر كم مرة يقول : سمعت نافعا يقول : سمعت ابن عمر يقول : لست أنهى أحدا صلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار ؛ ولكني أفعل كما رأيت أصحابي يفعلون ؛ وقد قال رسول الله : ﷺ { لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها } . قال علي : فإنما نهى عليه السلام عن تحري الصلاة والقصد إليها في هذين الوقتين ، وفي وقت الاستواء فقط ، وصح بهذا أن التطوع المأمور به والمندوب إليه يصلى في هذه الأوقات : هو عمل الصحابة رضي الله عنهم ؛ لأن ابن عمر أخبر [ أنه ] إنما يفعل كما رأى أصحابه يفعلون : وهو كما ذكرنا عنه آنفا - يصلي إثر الطواف بعد صلاة الصبح ، وقبل طلوع الشمس ، [ وبعد العصر قبل غروب الشمس ] . وأما من رأى من أصحابنا النهي عن الصلاة بعد [ صلاة ] العصر منسوخا بصلاته عليه السلام الركعتين - : فكان يصح هذا لولا حديث وهب بن الأجدع الذي ذكرنا - من إباحته عليه السلام - : الصلاة بعد العصر ما دامت الشمس مرتفعة ؛ فبطل النسخ في ذلك ؟ . وصح أن النهي ليس إلا عن القصد بالصلاة إذا اصفرت الشمس وضافت للغروب فقط - وبالله تعالى التوفيق . وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور ثنا سفيان بن عيينة قال سمعت من أبي الزبير قال : سمعت عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم أنه قال : قال رسول الله ﷺ { يا بني عبد مناف ، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار } ؟ . قال علي : وإسلام جبير متأخر جدا ، إنما أسلم يوم الفتح : وهذا بلا شك بعد نهيه عليه السلام عن الصلاة في الأوقات المذكورة فوجب استثناء كل ذلك من النهي - وبالله تعالى التوفيق

======




كتاب الصلاة

287 - مسألة : ولا يجوز أن تخص ليلة الجمعة بصلاة زائدة على سائر الليالي ؟ . لما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب ثنا حسين الجعفي عن زائدة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي } ، وذكر باقي الحديث . ؟


288 - مسألة : وخير الأعمال ما ثبت أن رسول الله ﷺ عمله وما دووم عليه وإن قل ، وذلك أحب إلينا من الزيادة عليه برهان ذلك - : قول الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وما كان عليه السلام ليدع الأفضل . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب هو الثقفي - ثنا عبيد الله هو ابن عمر - عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال : { يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل } .


289 - مسألة : وصلاة التطوع في الجماعة أفضل منها منفردا ؛ وكل تطوع فهو في البيوت أفضل منه في المساجد إلا ما صلى منه جماعة في المسجد فهو أفضل . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ : { صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وسوقه خمسا وعشرين درجة } وذكر باقي الحديث ، وهذا عموم لكل صلاة فرض أو تطوع . وقد روينا من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن { أنس أن جدته مليكة دعت رسول الله ﷺ لطعام صنعته فأكل منه ، ثم قال : قوموا فلأصلي لكم ، فقام رسول الله ﷺ وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا ، فصلى لنا رسول الله ﷺ ركعتين وانصرف } . وقد صلى عليه السلام بالناس في المسجد تطوعا إذ أمهم على المنبر وفي بيت عتبان بن مالك . قد صلى ابن الزبير بالناس في المسجد الحرام ركعتين بعد العصر جماعة وكذلك أنس أيضا . وبه إلى أبي داود : ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن إبراهيم بن أبي النضر عن أبيه عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت أن النبي ﷺ قال : { صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجد إلا المكتوبة } ، وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي : ثنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر ، والنعمان بن قيس ، قال منصور : عن مجاهد قال لي أبو معمر : إذا صليت المكتوبة فارجع إلى بيتك . وقال النعمان بن قيس ما رأيت عبيدة السلماني متطوعا في مسجد الحي قط ؟ . وروينا عن ابن المثنى : ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ثنا سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن ضمرة بن حبيب عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال : تطوع الرجل في بيته يزيد على تطوعه عند الناس كفضل الجماعة على صلاة الرجل وحده ؟ . وبه إلى ابن المثنى : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا إسرائيل عن عمران بن مسلم قال : كان سويد بن غفلة لا يتطوع في المسجد . وروينا عن وكيع قال : قال سفيان الثوري قال نسير بن ذعلوق ما رأيت الربيع بن خثيم متطوعا في مسجد الحي قط . وعن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال سئل حذيفة بن اليمان عن التطوع في المسجد بعد الفريضة ؟ فقال : إني لأكرهه ؛ بينما هم جميعا إذا اختلفوا . وعن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن العباس بن سعد قال : أدركت الناس زمان عثمان بن عفان وهم يصلون الركعتين بعد المغرب في بيوتهم ؟ . والتطوع بعد الجمعة وبعد سائر الصلوات سواء فيما ذكرنا ، وكل ذلك جائز في المسجد أيضا ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : كل ذلك في المسجد أفضل وقال مالك : كل ذلك في المسجد أفضل إلا بعد الجمعة فإنه كره التطوع في المسجد بعد الجمعة واحتج بعض أصحابه بأن هذا خوف الذريعة في أن يقضيها أهل البدع الذين لا يعتدون بالصلاة مع الأئمة ؟ . قال علي : وهذا غاية في الفساد من القول ؛ لأن المبتدع يفعل مثل ذلك أيضا في مساجد الجماعات بسائر الصلوات ولا فرق . وأيضا : فهم قادرون على أن ينصرفوا إلى بيوتهم فيقضونها هنالك ؟ روينا من طريق أبي داود : ثنا إبراهيم بن الحسن ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني عطاء : أنه رأى ابن عمر يصلي بعد الجمعة فينماز عن مصلاه الذي صلى فيه الجمعة قليلا غير كثير ، فيركع ركعتين ثم يمشي أنفس من ذلك فيصلي أربع ركعات رأيته يصنع ذلك مرارا . وعن محمد بن المثنى : ثنا المعتمر بن سليمان التيمي قال سمعت عطاء بن السائب يحدث عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : كان ابن مسعود يعلمنا أن نصلي بعد الجمعة أربعا فكنا نصلي بعدها أربعا ؛ حتى جاء علي بن أبي طالب فأمرنا أن نصلي بعدها ستا ، فنحن نصلي بعدها ستا ؟ . وقد حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان بن عيينة ثنا عمرو بن دينار قبل أن نلقى الزهري عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { رأيت رسول الله ﷺ يصلي بعد الجمعة ركعتين } .


290 - مسألة : وأفضل الوتر من آخر الليل ، وتجزئ ركعة واحدة والوتر وتهجد الليل ينقسم على ثلاثة عشر وجها ، أيها فعل أجزأه ، وأحبها إلينا ، وأفضلها : أن نصلي ثنتي عشرة ركعة ، نسلم من كل ركعتين ثم نصلي ركعة واحدة ونسلم ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا القعنبي ثنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : { أن نبي الله ﷺ كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين } . والوجه الثاني : أن يصلي ثماني ركعات ، يسلم من كل ركعتين منها ، ثم يصلي خمس ركعات متصلات لا يجلس إلا في آخرهن ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبدة بن سليمان ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت { كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، يوتر منهن بخمس ركعات ، لا يجلس في شيء من الخمس إلا في آخرهن ، ثم يجلس ويسلم } . والثالث : أن يصلي عشر ركعات ، يسلم من آخر كل ركعتين ، ثم يوتر بواحدة ؟ . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين قالت : { كان رسول الله ﷺ يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشرة ركعة ، يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة } ؟ . والرابع : أن يصلي ثماني ركعات ، يسلم من كل ركعتين ، ثم يوتر بواحدة : - لما رويناه من طريق مسلم : حدثنا محمد بن عباد ثنا سفيان بن عيينة ثنا الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه { أن رجلا سأل رسول الله ﷺ عن صلاة الليل ؟ فقال : مثنى مثنى ، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة } . والخامس : أن يصلي ثماني ركعات ، لا يجلس في شيء منهن جلوس تشهد إلا في آخرها ؛ فإذا جلس في آخرهن وتشهد : قام دون أن يسلم ؛ فأتى بركعة واحدة ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم : - لما روينا عن مسلم : حدثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى أن { سعد بن هشام بن عامر أتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله ﷺ ؟ فقال له ابن عباس : ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله ﷺ ؟ قال : من ؟ قال : عائشة . فذكر سعد : أنه دخل على عائشة أم المؤمنين فسألها عن وتر رسول الله ﷺ وأنها قالت له : إنه كان يصلي تسع ركعات ، لا يجلس فيها إلا في الثامنة ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يقوم فيصلي التاسعة ، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم يسلم تسليما يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم ، وهو قاعد ، فلما أسن رسول الله ﷺ وأخذه اللحم أوتر بسبع ؛ وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عثمان بن عبد الله ثنا عبيد الله بن محمد ثنا حماد عن أبي حرة عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة : { أن النبي ﷺ كان يوتر بتسع ركعات ، يقعد في الثامنة ؛ ثم يقوم فيركع ركعة } ؟ . والسادس : أن يصلي ست ركعات ، يسلم في آخر كل ركعتين منها ، ويوتر بسابعة ؛ لقوله عليه السلام { صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة } ؟ . والسابع : أن يصلي سبع ركعات ، لا يجلس ولا يتشهد إلا في آخر السادسة منهن ، ثم يقوم دون تسليم فيأتي بالسابعة ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني زكرياء بن يحيى ثنا إسحاق أنا معاذ بن هشام الدستوائي ثنا أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام بن عامر عن عائشة أم المؤمنين { أن رسول الله ﷺ لما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات ، لا يقعد إلا في السادسة ، ثم ينهض ولا يسلم فيصلي السابعة ، ثم يسلم تسليمة } وذكر الحديث . والثامن : أن يصلي سبع ركعات ، لا يجلس جلوس تشهد إلا في آخرهن فإذا كان في آخرهن جلس وتشهد وسلم - لما روينا بالسند المذكور إلى أحمد بن شعيب : أنا إسماعيل بن مسعود الجحدري أنا خالد بن الحارث ثنا سعيد بن أبي عروبة ثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام بن عامر أن عائشة أم المؤمنين قالت { لما أسن رسول الله ﷺ وأخذه اللحم صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن ، ثم يصلي ركعتين بعد أن يسلم } . والتاسع : أن يصلي أربع ركعات ، يتشهد ويسلم من كل ركعتين ، ثم يوتر بواحدة ؛ لقوله عليه السلام : { صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة } . والعاشر : أن يصلي خمس ركعات متصلات ؛ لا يجلس ، ولا يتشهد إلا في آخرهن - : لما روينا بالسند المذكور إلى أحمد بن شعيب : أنا إسحاق بن منصور أنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة { أن النبي ﷺ كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن } ؟ . قال علي : وقد قال بهذا بعض السلف - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء ، أنه رأى عروة بن الزبير أوتر بخمس أو سبع ما جلس لمثنى - : ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة قال : كذلك يوتر أهل البيت بخمس ، لا يجلس إلا في آخرهن - : وعن عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي عن ليث عن عطاء عن ابن عباس أنه قال : الوتر كصلاة المغرب ، إلا أنه لا يقعد إلا في الثالثة : قال علي : قول ابن عباس هذا لم يروه عن النبي ﷺ فلا نقول به إذ لا حجة إلا في رسول الله ﷺ قوله أو عمله أو إقراره فقط ؟ . والوجه الحادي عشر : أن يصلي ثلاث ركعات ، يجلس في آخر الثانية منهن ، ويتشهد ويسلم ، ثم يأتي بركعة واحدة ، يتشهد في آخرها ويسلم ؛ لقوله عليه السلام : { صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة } . وهذا قول مالك : وقد روى بعض الناس في هذا أثرا من طريق الأوزاعي عن المطلب بن عبد الله : أنه سأل ابن عمر عن الوتر ؟ فأمره أن يفصل بين الركعتين والركعة بتسليم ، فقال له الرجل : إني أخاف أن تكون البتيراء ؟ فقال له ابن عمر : أتريد سنة رسول الله ﷺ ؟ هذه سنة رسول الله ﷺ ؟ . والثاني عشر : أن يصلي ثلاث ركعات ، يجلس في الثانية ، ثم يقوم دون تسليم ويأتي بالثالثة ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم ، كصلاة المغرب . وهو اختيار أبي حنيفة - : لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود ثنا بشر بن المفضل ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام بن عامر : أن عائشة أم المؤمنين حدثته " أن رسول الله ﷺ كان { لا يسلم في ركعتي الوتر } ؟ . والثالث عشر : أن يركع ركعة واحدة فقط ، وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان وغيرهما - : لما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا بكر بن حماد ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - ثنا شعبة ثنا قتادة عن أبي مجلز قال : سألت ابن عباس ، وابن عمر عن الوتر ؟ فكل واحد منهما قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { ركعة من آخر الليل } . وروينا عن سعد بن أبي وقاص ، وابن عباس ، ومعاوية ، وغيرهم : الوتر بواحدة فقط لا يزاد عليها شيء ، وكذلك أيضا عن عثمان أمير المؤمنين وحذيفة وابن مسعود وابن عمر ؟ قال علي : هذا كل ما صح عندنا ؛ ولو صح عندنا عن النبي ﷺ زيادة على هذا لقلنا به - ، وبالله تعالى التوفيق . ولم يصح عن النبي ﷺ نهي عن البتيراء ، ولا في الحديث - على سقوطه - بيان ما هي البتيراء ؟ ، وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : الثلاث بتيراء - يعني في الوتر ؛ فعادت البتيراء على المحتج بالخبر الكاذب فيها . فإن قيل : قد صح عن النبي ﷺ أنه قال : { صلاة المغرب وتر النهار ، فأوتروا صلاة الليل } ؟ . قيل لهم : ليس في هذا الخبر أن يكون وتر الليل ثلاثا كوتر النهار ، وهذا كذب ممن ينسبه إلى إرادة رسول الله ﷺ فإن قطعتم بذلك كذبتم وكنتم أيضا خالفتم ما قلتم ؛ لأنه يلزمكم أن تجهروا في الأوليين وتسروا في الثالثة كالمغرب ؛ وأن تقنتوا في المغرب كما تقنتون في الوتر ؛ أو أن لا تقنتوا في الوتر كما لا تقنتوا في المغرب ؛ والقياس كله باطل ، وبالله تعالى التوفيق .

291 - مسألة : والوتر آخر الليل أفضل . ومن أوتر أوله فحسن ، والصلاة بعد الوتر جائزة ، ولا يعيد وترا آخر ؛ ولا يشفع بركعة : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا ابن أبي خلف ثنا أبو زكرياء السيلحيني ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الله بن أبي رباح عن أبي قتادة { أن النبي ﷺ قال لأبي بكر : متى توتر ؟ قال : أول الليل ، وقال لعمر : متى توتر ؟ قال : آخر الليل فقال عليه السلام لأبي بكر : أخذ هذا بالحذر ، وقال لعمر : أخذ هذا بالقوة } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا هشام بن عمار عن يحيى هو ابن حمزة قاضي دمشق - عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثتني عائشة أم المؤمنين { أن النبي ﷺ كان يصلي بعد العشاء الآخرة ثماني ركعات ، ثم يصلي ركعتين يقرأ فيهما - وهو جالس - فإذا أراد أن يركع قام فركع ، ثم ركع بعد ذلك ركعتي الفجر } ؟ . قال علي : وأما قوله عليه السلام : { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } و { بادروا الصبح بالوتر } فندب ؛ لما قد بينا : من أن الوتر ليس فرضا ؛ ومن فعله عليه السلام إذ صلى ركعتين بعد الوتر غير ركعتي الفجر ؛ { ولقوله عليه السلام لأبي هريرة : أن لا ينام إلا على وتر } . فلا يجوز ترك بعض كلامه لبعض ، وليس هذا مكان نسخ لكنه إباحة كله - ، وبالله تعالى نتأيد ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا ملازم بن عمرو ثنا عبد الله بن بدر عن { قيس بن طلق قال : زارنا طلق بن علي في رمضان ، وأمسى عندنا فأفطر ثم قام بنا تلك الليلة وأوتر بنا ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه ، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا ، فقال : أوتر بأصحابك فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول لا وتران في ليلة } وقد روي عن عثمان رضي الله عنه وغيره شفع الوتر بركعة ، إذا أراد أن يصلي بعدما يوتر - ولا حجة إلا في رسول الله ﷺ .


292 - مسألة : ويقرأ في الوتر بما تيسر من القرآن مع " أم القرآن : " ، وإن قرأ في الثلاث ركعات مع أم القرآن بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد فحسن . وإن اقتصر على ( أم القرآن ) فحسن ، وإن قرأ في ركعة الوتر مع أم القرآن بمائة آية من النساء " فحسن ؟ ، قال تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول ، عن أبي مجلز { أن أبا موسى الأشعري كان بين مكة والمدينة ؛ فصلى العشاء ركعتين ، ثم قام فصلى ركعة أوترها ، وقرأ فيها بمائة آية من النساء وقال : ما ألوت أن وضعت قدمي حيث وضع رسول الله ﷺ وأن أقرأ ما قرأ رسول الله ﷺ } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا الحسين بن عيسى ثنا أبو أسامة ثنا زكرياء بن أبي زائدة عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : { كان رسول الله ﷺ يوتر بثلاث يقرأ فيهن في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد } .

293 - مسألة : ويوتر المرء قائما وقاعدا لغير عذر إن شاء ، وعلى دابته : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا مالك عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن { سعيد بن يسار قال : كنت أسير مع ابن عمر بطريق مكة فخشيت الصبح فنزلت فأوترت ، ثم لحقته ، فقال ابن عمر : أين كنت ؟ فقلت : خشيت الصبح فنزلت فأوترت ، فقال ابن عمر : أليس لك في رسول الله أسوة حسنة ؟ قلت : بلى ، والله قال : فإن رسول الله ﷺ كان يوتر على راحلته } . وعن جرير بن حازم سألت نافعا مولى ابن عمر : أكان ابن عمر يوتر على راحلته ؟ قال : نعم ؛ وهل للوتر فضل على سائر التطوع ؟ ، وعن سفيان الثوري عن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه : أن علي بن أبي طالب كان يوتر على راحلته : ، وعن ابن جريج قلت لعطاء : أيوتر الرجل وهو جالس ؟ قال : نعم وعن وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي : الوتر لا يقضى ، ولا ينبغي تركه ؛ وهو تطوع ، وهو أشرف التطوع . : وعن حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب : الوتر والأضحى : تطوع - : قال علي : لا خلاف في أن التطوع يصليه المرء جالسا إن شاء - : كما روينا عن طريق مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة السهمي { عن حفصة أم المؤمنين قالت : ما رأيت رسول الله ﷺ صلى في سبحته قاعدا حتى كان قبل موته بعام ، فكان يصلي في سبحته قاعدا } ، وبالله تعالى التوفيق .

294 - مسألة : ويستحب أن يختم القرآن كله مرة في كل شهر ؛ فإن ختمه في أقل : فحسن ، ويكره أن يختم في أقل من خمسة أيام ؛ فإن فعل ففي ثلاثة أيام لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ذلك . ولا يجوز لأحد أن يقرأ أكثر من ثلث القرآن في يوم وليلة ؟ برهان ذلك : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني القاسم بن زكرياء ثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف { عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ﷺ اقرأ القرآن في شهر قلت : إني أجد قوة ؟ قال : فاقرأه في عشرين ليلة ، قلت : إني أجد قوة ؟ قال : فاقرأه في سبع ، لا تزد على ذلك } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الصمد هو ابن عبد الوارث - ثنا همام بن يحيى ثنا قتادة عن يزيد بن عبد الله هو ابن الشخير - { عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال لرسول الله ﷺ في كم أقرأ القرآن ؟ قال : في شهر } ثم ذكر الحديث وفيه : أنه عليه السلام قال له { : اقرأه في سبع ؟ قال : إني أقوى من ذلك ؛ قال عليه السلام : لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث } . فإن قيل : قد كان عثمان يختم القرآن في ليلة ؟ قلنا : قد كره ذلك ابن مسعود ، وقال تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ، وسنة رسول الله كما ذكرنا - : وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة وسفيان كلاهما عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز ؟ ، وعن عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ثنا حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف : أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن في ركعة ؛ وكان ابن مسعود يكره ذلك ؟ فإن ذكروا حديثا رويناه من طريق هشام الدستوائي عن عطاء بن السائب عن أبيه { عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سأل النبي ﷺ كيف أقرأ القرآن ؟ قال : اقرأه في يوم وليلة ، لا تزيد على ذلك ؟ } . فإن رواية عطاء لهذا الخبر مضطربة معلولة ، وعطاء قد اختلط بأخرة روينا هذا الخبر نفسه من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبيه { عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال له : اقرأ القرآن في شهر ، قال : فناقصني وناقصته } . قال عطاء : فاختلفنا عن أبي ؛ فقال بعضنا : سبعة أيام ، وقال بعضنا خمسة . قال علي : فعطاء يعترف باختلافهم على أبيه ، وأنه لم يحقق ما قال أبوه فإن ذكروا : أن داود عليه السلام كان يختم القرآن في ساعة ؟ قلنا : قرآن داود هو الزبور ، لا هذا القرآن ، وشريعته غير شريعتنا - وداود عليه السلام لم يبعث إلا إلى قومه خاصة ، لا إلينا ؛ ومحمد عليه السلام هو الذي بعث إلينا ، صح ذلك عن رسول الله ﷺ وقال تعالى : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } .

وأما قيام الليل فقد صح أن رسول الله ﷺ لم يقم ليلة قط حتى الصباح ؟ وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله : { وأحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان يرقد شطر الليل ، ثم يقوم ثم يرقد آخره ثم يقوم ثلث الليل بعد شطره } . قال علي : فإذ هذا أحب الصلاة إلى الله تعالى فما زاد على هذا فهو دون هذا بلا شك ؛ فإذا كان دون هذا فهو ضائع لا أجر فيه ؛ فهو تكلف ، وقد نهينا عن التكلف - وقد منع من قيام الليل كله : سلمان ، ومعاذ ، وغيرهما ؟

295 - مسألة : والجهر والإسرار في قراءة التطوع ليلا ونهارا : مباح للرجال والنساء ؟ إذ لم يأت منع من شيء من ذلك ، ولا إيجاب لشيء من ذلك في قرآن ولا سنة ؟ فإن قيل : تخفض النساء ؟ قلنا : ولم ؟ ولم يختلف مسلمان في أن سماع الناس كلام نساء رسول الله ﷺ مباح للرجال ، ولا جاء نص في كراهة ذلك من سائر النساء ، وبالله تعالى التوفيق ؟

=======

كتاب الصلاة

296 - مسألة : والجمع بين السور في ركعة واحدة في الفرض والتطوع أيضا : حسن - وكذلك قراءة بعض السور في الركعة في الفرض والتطوع أيضا : حسن للإمام والفذ ؟ برهان ذلك - : قول الله تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } وقد ذكرنا عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قراءتهما " البقرة في صلاة الفجر في الركعتين " وآل عمران " كذلك بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ؟ .

297 - مسألة : وجائز للمرء أن يتطوع مضطجعا بغير عذر إلى القبلة ، وراكبا حيث توجهت به دابته إلى القبلة وغيرها ؛ الحضر والسفر سواء في كل ذلك - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسحاق بن منصور ثنا روح بن عبادة أنا حسين هو المعلم عن عبد الله بن بريدة { عن عمران بن الحصين : أنه سأل نبي الله ﷺ عن صلاة الرجل قاعدا فقال عليه السلام : إن صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد } ؟ . قال علي : لا يخرج من هذه الإباحة إلا مصلي الفرض القادر على القيام أو على القعود فقط ؟ ، وروينا من طريق مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة { أن رسول الله ﷺ كان يصلي جالسا ؛ فيقرأ وهو جالس ؛ فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين آية أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ثم سجد ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا معاذ بن معاذ العنبري عن حميد الطويل عن { عبد الله بن شقيق العقيلي قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله ﷺ بالليل ؟ فقالت : كان يصلي ليلا طويلا قائما ، وليلا طويلا قاعدا ؛ فإذا قرأ قائما ركع قائما ، وإذا قرأ قاعدا ركع قاعدا ؟ } . قال علي : كل هذا سنة ومباح ؛ وكل ذلك قد فعله رسول الله ﷺ . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري حدثنا البخاري ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا شيبان هو ابن فروخ - عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان : أن جابر بن عبد الله حدثه : { أن رسول الله ﷺ كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة } . وبه إلى البخاري : ثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدثني جابر قال { كان النبي ﷺ يصلي على راحلته نحو المشرق ، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة } . قال علي : فهذا عموم للراكب أي شيء ركب ، وفي كل حال من سفر أو حضر ، وهذا العموم زائد على كل خبر ورد في هذا الباب ، ولا يجوز تركه - وهو قول أبي يوسف وغيره . ولم يأت في الراجل نص أن يتطوع ماشيا ، والقياس باطل ، فلا يجوز ذلك لغير الراكب ، وقد روينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يصلون على رحالهم ودوابهم حيثما توجهت بهم . وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم عموما في السفر والحضر ، وبالله تعالى التوفيق .

298 - مسألة : ويكون سجود الراكب وركوعه إذا صلى إيماء - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا موسى بن إسماعيل ثنا عبد العزيز بن مسلم ثنا عبد الله بن دينار قال { : كان عبد الله بن عمر يصلي في السفر على راحلته أينما توجهت به ، يومئ إيماء ، وذكر ابن عمر عن رسول الله ﷺ أنه كان يفعله } .

299 - مسألة : وأما صلاة الفرض فلا يحل لأحد أن يصليها إلا واقفا إلا لعذر : من مرض ، أو خوف من عدو ظالم ؛ أو من حيوان ؛ أو نحو ذلك ؛ أو ضعف عن القيام كمن كان في سفينة ؛ أو من صلى مؤتما بإمام مريض ، أو معذور فصلى قاعدا فإن هؤلاء يصلون قعودا ؛ فإن لم يقدر الإمام على القعود ، ولا القيام : صلى مضطجعا وصلوا كلهم خلفه مضطجعين ولا بد ، وإن كان في كلا الوجهين مذكرا - يسمع الناس تكبير الإمام - صلى إن شاء قائما إلى جنب الإمام ، وإن شاء صلى كما يصلي إمامه . فأما الخائف ، والمريض ؛ فلقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ؛ ولقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ؛ ولقوله تعالى : { وقوموا لله قانتين } فأوجب الله تعالى القيام إلا عمن أسقطه عنه بالنص ؛ وهذا في الخائف والمريض : إجماع - مع { أنه عليه السلام قد صلى الفريضة قاعدا لمرض كان به ولوث برجله } . وأما من صلى خلف إمام يصلي قاعدا لعذر ، فإن الناس اختلفوا فيه ؟ فقال مالك ومن قلده : لا يجوز أن يؤم المريض قاعدا الأصحاء - إلا رواية رواها عن الوليد بن مسلم موافقة لقول أبي حنيفة ، والشافعي . وقال أبو حنيفة والشافعي : يؤم المريض قاعدا : الأصحاء ، إلا أنهم يصلون وراءه قياما ، ولا بد قال أبو حنيفة : ولا يؤم المصلي مضطجعا لعذر : الأصحاء أصلا وقال أبو سليمان وأصحابنا : يؤم المريض قاعدا : الأصحاء ، ولا يصلون وراءه إلا قعودا كلهم ، ولا بد ؟ قال علي : وبهذا نأخذ إلا فيمن يصلي إلى جنب الإمام يذكر الناس ويعلمهم تكبير الإمام ؛ فإنه مخير بين أن يصلي قاعدا وبين أن يصلي قائما . قال علي : فنظرنا هل جاء في هذا عن رسول الله ﷺ بيان ؟ فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله ﷺ قال : { إنما جعل الإمام ليؤتم به } وذكر كلامه عليه السلام وفيه { ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا المغيرة الحزامي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال : سمع الله لمن حمده ؟ فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون } . وبه إلى مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو الربيع الزهراني وأبو كريب هو محمد بن العلاء ومحمد بن عبد الله بن نمير ، قال أبو بكر : واللفظ له : حدثنا عبدة بن سليمان ، وقال أبو الربيع : ثنا حماد بن زيد ، وقال أبو كريب : ثنا عبد الله بن نمير ؛ وقال محمد بن عبد الله : ثنا أبي ، ثم اتفقوا كلهم : عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : { اشتكى رسول الله ﷺ فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه ، فصلى رسول الله ﷺ جالسا فصلوا بصلاته قياما ؛ فأشار إليهم : أن اجلسوا ؟ فجلسوا فلما انصرف قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا } . وروينا أيضا من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر : { اشتكى رسول الله ﷺ فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره ، فالتفت إلينا فرآنا قياما ، فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودا فلما سلم قال : إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود ؟ فلا تفعلوا وائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما ، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا } ، ورواه أيضا قيس بن أبي حازم ، وهمام بن منبه ، وأبو علقمة وأبو يونس كلهم عن أبي هريرة . ورويناه أيضا من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ، وعائشة ومن طريق الأسود عنها فصار نقل تواتر ؛ فوجب للعلم ؛ فلم يجز لأحد خلاف ذلك ؟ . فنظرنا فيما اعترض به المالكيون في منعهم من صلاة الجالس لمرض أو عذر للأصحاء ، فلم نجد لهم شيئا أصلا ، إلا أن قائلهم قال : هذا خصوص للنبي ﷺ واحتجوا في ذلك بما رويناه من طريق جابر الجعفي عن الشعبي ، ومن طريق عبد الملك بن حبيب عمن أخبره عن مجالد عن الشعبي أن رسول الله ﷺ قال : { لا يؤمن أحدكم بعدي جالسا } ؟ قال علي : وهذا لا شيء . أما قولهم : إن هذا خصوص لرسول الله ﷺ فباطل ؛ لأن نص الحديث يكذب هذا القول ؛ لأنه عليه السلام قال فيه : { إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا } فصح أنه عليه السلام عم بذلك كل إمام بعده بلا إشكال . وقوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } تكذيب لكل من ادعى الخصوص في شيء من سننه وأفعاله عليه السلام ، إلا أن يأتي على دعواه بنص صحيح أو إجماع متيقن ؟ . وأما حديث الشعبي فباطل ؛ لأنه رواية جابر الجعفي الكذاب المشهور بالقول برجعة علي رضي الله عنه ؟ ومجالد وهو ضعيف ، وهو مرسل مع ذلك . ومن العجب أن المالكيين يوهنون روايات أهل الكوفة التي لا نظير لها ، ولا يجدون في روايات أهل المدينة أصح منها أصلا ؛ فما نعلم لأهل المدينة أصح من رواية سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود ، وعلقمة ، ومسروق عن عمر بن الخطاب وعائشة أم المؤمنين وابن مسعود : ثم لا يبالون هاهنا بتغليب أفتن رواية لأهل الكوفة وأخبثها على أصح رواية لأهل المدينة ، كالزهري عن أنس ، وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وعبيد الله بن عبد الله عن عائشة ، وأبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، وسالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، كلهم عن النبي ﷺ وما بعد هذا عجب وأعجب من ذلك أنهم يقولون : إن أفعاله عليه السلام كأوامره ، ثم لم يبالوا هاهنا بخلاف آخر فعل فعله عليه السلام فإن آخر صلاة صلاها عليه السلام بالناس قاعدا ، كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ؟ فإن قالوا : إن صلاة القاعد ناقصة الفضل عن صلاة القائم ، فكيف يؤم الصحيح ؟ قلنا : إنما يكون ناقص الفضل إذا لم يقدر على القيام ، أو قدر عليه ففسح له في القعود ، وأما إذا افترض عليه القعود فلا نقصان لفضل صلاته حينئذ ، ثم ما في هذا مما يمنع أن يؤم الأنقص فضلا من هو أتم فضلا في صلاته منه ؟ وقد علمنا أن لا صلاة لأحد أفضل من صلاة رسول الله ﷺ وقد ائتم بأبي بكر ، وبعبد الرحمن بن عوف ، وهما أنقص صلاة منه بلا شك ؟ وقد يؤم عندكم المسافر - وصلاته ركعتان - هذا المقيم - وفرضه أربع ؛ فلم أجزتم ذلك ومنعتم هذا ؟ لولا التحكم بلا برهان فسقط هذا القول - ، ولله تعالى الحمد . ثم رجعنا إلى قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، فوجدناهم يدعون أن أمر رسول الله ﷺ بالصلاة جلوسا خلف الإمام الجالس لعذر ، أو مرض منسوخ ، فسألناهم : بماذا ؟ فذكروا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا زائدة ثنا موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن { عتبة قال : دخلت على عائشة أم المؤمنين فسألتها عن مرض رسول الله ﷺ فذكرت الخبر ؛ وفيه : عهده ﷺ إلى أبي بكر بالصلاة ، وأن أبا بكر صلى بالناس تلك الأيام ثم إن رسول الله ﷺ وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين ، أحدهما العباس ، لصلاة الظهر ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر ، فأومأ إليه النبي ﷺ : أن لا يتأخر ، وقال لهما : أجلساني إلى جنبه ، فأجلساه إلى جنب أبي بكر ، وكان أبو بكر يصلي ، وهو قائم بصلاة رسول الله ﷺ والناس يصلون بصلاة أبي بكر ، والنبي ﷺ قاعد } فذكر عبيد الله بن عبد الله أنه عرض هذا الحديث على ابن عباس فلم ينكر منه شيئا . وبه إلى مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة قالت : { لما ثقل رسول الله ﷺ قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس فذكرت الحديث - وفيه فلما دخل أبو بكر في الصلاة وجد النبي ﷺ من نفسه خفة ، فقام يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطان في الأرض ، فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه فذهب يتأخر فأومأ إليه رسول الله ﷺ أقم مكانك فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبي بكر . قالت عائشة : فكان رسول الله ﷺ يصلي بالناس جالسا ، وأبو بكر قائما ، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي ﷺ ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر } وبه إلى مسلم : حدثنا منجاب بن الحارث التميمي أنا ابن مسهر - هو علي - عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود ، عن عائشة ، فذكرت هذا الحديث وفيه { كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصلي بالناس ، وأبو بكر يسمعهم التكبير } . قال علي : فنظرنا في هذا الخبر ، فلم نجد فيه لا نصا ، ولا دليلا على ما ادعوه من نسخ الأمر بأن يصلي الأصحاء قعودا خلف الإمام المصلي قاعدا لعذر ، إذ ليس فيه بيان ولا إشارة بأن الناس صلوا خلفه عليه السلام قياما ، حاشا أبا بكر المسمع الناس تكبيره فقط ؛ فلم تجز مخالفة يقين أمره عليه السلام بالنقل المتواتر بأن يصلي الناس جلوسا - : لظن كاذب لا يصح أبدا ، بل لا يحل ألبتة أن يظن بالصحابة رضي الله عنهم مخالفة أمره عليه السلام كيف وفي نص لفظ الحديث دليل على أنهم لم يصلوا إلا قعودا وذلك لأن فيه : { أن الناس كانوا يقتدون بصلاة أبي بكر } ، وبالضرورة ندري أنهم لو كانوا قياما وأبو بكر قائم لما اقتدى بصلاته إلا الصف الأول فقط ؛ وأما سائر الصفوف فلا ؛ لأنهم كانوا لا يرونه ؛ لأن الصف الأول يحجبهم عنه ، والصفوف خلفه عليه السلام كانت مرصوصة ، لا متنابذة ، ولا متقطعة ، فإذ في نص الخبر ، ولفظه : { أنهم كانوا يقتدون بصلاة أبي بكر } ، فهذا خبر عن جميعهم ؛ فصح أنهم كانوا في حال يرونه كلهم ، فيصح لهم الاقتداء بصلاته ، ولا يكون ذلك ألبتة إلا في حال قعودهم ؛ ولا يجوز تخصيص لفظ الخبر ، ولا حمله على المجاز إلا بنص جلي . ثم لو كان في الحديث نصا : أنهم صلوا قياما - وهذا لا يوجد أبدا - لما كان فيه دليل على النسخ ألبتة ، بل كان يكون حينئذ إباحة فقط ، وبيان أن ذلك الأمر المتقدم ندب ولا مزيد كما قلنا في المذكر : إنه جائز له أن يصلي قاعدا أو قائما ، وفي الصف إن شاء أو إلى جنب الإمام . فبطل ما تعلقوا به جملة ، وظهر تناقض أبي حنيفة في إجازته أن يصلي المريض قاعدا بالأصحاء قياما - ، ومنعه أن يصلي المريض مضطجعا الأصحاء ، ولا فرق في ذلك أصلا ؟ ، وقد اعترض بعض الناس في هذا الخبر بأنه قد روي : أن أبا بكر كان هو الإمام . وذكروا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر ثنا حميد عن { أنس قال : آخر صلاة صلاها رسول الله ﷺ مع القوم : صلى في ثوب واحد متوشحا خلف أبي بكر } . وبه إلى أحمد بن شعيب : أنا محمد بن المثنى حدثني بكر بن عيسى قال سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة { أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله ﷺ في الصف } . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثني أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا بدل بن المحبر ثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود { أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله ﷺ خلفه } ، قال علي : ولا متعلق لهم بهذا ؛ لأنهما صلاتان متغايرتان بلا شك . ؟ إحداهما : التي رواها الأسود عن عائشة ، وعبيد الله عنها ، وعن ابن عباس ، صفتها : { أنه عليه السلام إمام الناس ، والناس خلفه ، وأبو بكر رضي الله عنه عن يمينه عليه السلام ، في موقف المأموم ، يسمع الناس تكبير النبي ﷺ } . والصلاة الثانية : التي رواها مسروق ، وعبيد الله عن عائشة ، وحميد عن أنس ، صفتها : { أنه عليه السلام كان خلف أبي بكر في الصف مع الناس ؟ } فارتفع الإشكال جملة . وليست صلاة واحدة في الدهر فيحمل ذلك على التعارض ، بل في كل يوم خمس صلوات ، ومرضه عليه السلام كان مدة اثني عشر يوما مرت فيها ستون صلاة أو نحو ذلك . وقد اعترض قوم في هذا الخبر برواية ساقطة واهية ، انفرد بها إسرائيل - وهو ضعيف - عن أبي إسحاق عن أرقم بن شرحبيل - وليس بمشهور الحال { أن رسول الله ﷺ استتم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة } ، قال : وأنتم لا تقولون بهذا ؟ . قال علي : والجواب ، وبالله تعالى التوفيق : أن هذه الرواية المطرحة لا يعارض بها ما رواه مثل إبراهيم عن الأسود عن عائشة ، وعبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس . وأيضا : فلو صح هذا الفعل لقلنا به ولحملناه على أنه عليه السلام قرأ أم القرآن التي لا بد منها والتي لا صلاة لمن لم يقرأ بها ، وإن لم يذكر أنه قرأها كما لا بد من الطهارة ومن القبلة ؛ ومن التكبير - ، وإن لم تذكر في الحديث - ثم بدأ عليه السلام بالقراءة في السورة من حيث وقف أبو بكر ، وهذا حسن جدا مباح جيد ؟ . وأيضا : فإن عائشة رضي الله عنها ذكرت : أنها كانت صلاة الظهر ، وهي سر ؛ فبطل ما رواه إسرائيل . وأيضا : فلو بطل هذا الخبر من صلاته عليه السلام في مرضه الذي مات فيه - : لخلص أمره عليه السلام المصلين خلفه في مرضه - إذ سقط من فرس فوثئت رجله الطاهرة بالقعود ، وبالصلاة خلف الإمام الجالس جلوسا ، الذي رويناه من طريق أنس ، وأبي هريرة ، وجابر وعائشة ، وابن عمر ، باقيا لا معارض له ، ولا معترض فيه لأحد ، ولله تعالى الحمد . قال علي : وبمثل قولنا يقول جمهور السلف رضي الله عنهم - : كما روينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة أنه قال : الإمام أمين ، فإن صلى قائما فصلوا قياما ، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا ؟ ، ومن طريق حماد بن سلمة ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير قال : إن جابر بن عبد الله كان به وجع فصلى بأصحابه قاعدا وأصحابه قعودا ؟ . وعن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه : أن أسيد بن الحضير اشتكى فكان يؤم قومه جالسا ؟ . قال ابن عيينة : وأخبرني إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أخبرني قيس بن قهد الأنصاري { أن إماما لهم اشتكى على عهد رسول الله ﷺ فكان يؤمنا جالسا ونحن جلوس } . قال علي : فهؤلاء أبو هريرة ، وجابر ، وأسيد ، وكل من معهم من الصحابة ، وعلى عهد رسول الله ﷺ في غير مسجده ، لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم أصلا ؛ كلهم يروي إمامة الجالس للأصحاء ، ولم يرو عن أحد منهم خلاف لأبي هريرة وغيره في أن يصلي الأصحاء وراءه جلوسا ؟ ، وروينا عن عطاء : أنه أمر الأصحاء بالصلاة خلف القاعد . وعن عبد الرزاق : ما رأيت الناس إلا على أن الإمام إذا صلى قاعدا صلى من خلفه قعودا ؛ قال : وهي السنة عن غير واحد ؟ . وروينا عن عباس بن عبد العظيم العنبري قال : سمعت عفان بن مسلم قال : { أتينا حماد بن زيد يوما ، وقد صلوا الصبح ، فقال : إنا أحيينا اليوم سنة من سنن رسول الله ﷺ قلنا : ما هي يا أبا إسماعيل ؟ قال : كان إمامنا مريضا ، فصلى بنا جالسا ، فصلينا خلفه جلوسا } . وبإمامة الجالس للأصحاء يقول أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، وداود وجمهور أصحاب الحديث . وما نعلم أحدا من التابعين منع من جواز صلاة المريض قاعدا بالأصحاء ؛ إلا شيئا روي عن المغيرة بن مقسم أنه قال : أكره ذلك ؟ - وليس هذا منعا من جوازها . قال علي : وقال زفر بن الهذيل : يصلي المريض الذي لا يقدر على القيام ولا على القعود بالأصحاء مضطجعا ؛ إلا أنه رأى أن يصلوا وراءه قياما قال علي : وهذا خطأ ؛ بل لا يصلون وراءه إلا مضطجعين مومئين ؛ لقول رسول الله ﷺ { إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه } وهذا عموم مانع للاختلاف على الإمام جملة ؟ . وليس في قوله عليه السلام : { إذا كبر فكبروا وإذا رفع فارفعوا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا } بمانع من أن يأتموا به في غير هذه الوجوه ؛ فوجب الائتمام به في كل حال ، إلا حالا خصها نص أو إجماع فقط . وأما المريض خلف الصحيح ؛ فإن الصحيح يصلي قائما ، والمريض يأتم به جالسا أو مضطجعا ؛ لأن رسول الله ﷺ في آخر صلاة صلاها مع الناس في جماعة صلى قاعدا خلف أبي بكر ، وأبو بكر قائم ، وذلك بعد أمره عليه السلام بأن لا يختلف على الإمام ؟ . ولقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ؛ ولقوله عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ، وبالله تعالى التوفيق .


300 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يصلي الفرض راكبا ولا ماشيا إلا في حال الخوف فقط ؛ وسواء خاف طالبا له بحق أو بغير حق ؛ أو خاف نارا ، أو سيلا ، أو حيوانا عاديا ، أو مطرا ، أو فوت رفقة ، أو تأخرا عن بلوغ محله ، أو غير ذلك - ؛ لقول الله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة } فلم يفسح تعالى في الصلاة راكبا أو راجلا ماشيا إلا لمن خاف ؛ ولم يخص عز وجل خوفا من خوف ؛ فلا يجوز تخصيصه أصلا . والعجب أن المالكيين منعوا من الصلاة كذلك إلا من خاف طالبا ، وهم يقولون في قطاع الطريق المفسدين في الأرض : إن مباحا لهم أكل الميتة والمحرمات في حال تماديهم على قطع الطريق وقتل المسلمين فيها فخصوا ما عم الله تعالى بلا دليل ، وأتوا إلى قوله تعالى : { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم } ، وإلى قوله تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } فقالوا : نعم ، ومن اضطر متجانفا لإثم وباغيا وعاديا ، وهذا عظيم جدا ؟ . وأما أبو حنيفة فإنه أجاز القصر للمسافر في معصية ؛ فيلزمه أن يكون هذا مثله ؛ إذ هو من أصحاب القياس ، وأما نحن فما اتبعنا إلا النص فقط ، وبالله تعالى التوفيق .

=========




كتاب الصلاة


301 - مسألة : وما عمله المرء في صلاته مما أبيح له من الدفاع عنه وغير ذلك فهو جائز ، ولا تبطل صلاته بذلك ، وكذلك المحاربة للظالم ، وإطفاء النار العادية ، وإنقاذ المسلم ، وفتح الباب ؛ قل ذلك العمل أم كثر ؟ . وكل ما تعمد المرء عمله في صلاته مما لم يبح له عمله فيها بطلت صلاته بذلك قل ذلك العمل أم كثر ؟ . وكل ما فعله المرء ناسيا في صلاته ما لم يبح له فعله : فصلاته تامة ، وليس عليه إلا سجود السهو فقط ؛ قل ذلك العمل أم كثر ؟ . وقال أبو حنيفة : لا يجوز لأحد أن يصلي وهو يقاتل ؛ لكن يدعون الصلاة ، وإن خرج وقتها ، وإن ذهبت صلاتان أو أكثر ؛ فإذا ذهب القتال قضوها ؟ . ورأى أن الكلام ناسيا يبطل الصلاة ؛ كما يبطله العمد ، ورأى السلام من الصلاة عمدا يبطلها قبل وقت وجوبه ، فإن كان بالنسيان لم تبطل به الصلاة . قال : فلو أراد مريد أن يمر بين يدي المصلي فقال المصلي : سبحان الله أو أشار بيده ؛ ليرده كرهت ذلك ، ولا تبطل صلاته بذلك ؛ فلو قال له قائل كلاما ؟ فقال له المصلي : سبحان الله بطلت صلاته . فلو عطس المصلي فقال : الحمد لله ، وحرك بذلك لسانه بطلت صلاته . ومن دعا لإنسان أو عليه فسماه بطلت صلاته ؟ ، ورأى الحدث بالغلبة - من الغائط والبول - لا تبطل به الصلاة ، ولكن تبطل به الطهارة فقط ؟ . ورأى من أخرج من بين أسنانه طعاما بلسانه فابتلعه عامدا : أن صلاته تامة ؛ وحد بعض أصحابه ذلك بمقدار الحمصة . قال : وإن بدأ الصلاة راكبا ثم أمن فنزل بنى ، فإن بدأها نازلا ثم خاف فركب بطلت صلاته ؟ . ورأى قتل القملة والبرغوث في الصلاة لا تبطل به الصلاة ، ورأى النفخ في الصلاة يبطل الصلاة . ورأى سائر الأعمال التي تبطل الصلاة بالعمد تبطلها بالنسيان ؟ . ورأى مالك : الكلام ، والسلام ، والعمل : كل ذلك يبطل الصلاة بالعمد ، بعض ذلك يحد فيه بطلان الصلاة بالكثير من ذلك دون القليل ، وبعضه بالقليل وبالكثير . ورأى أيضا : الكلام ، والعمل ، والسلام ، بالنسيان لا يبطل شيء منه الصلاة ؛ فإن كثر بالنسيان بطلت به الصلاة ، واختلف عنه في النفخ هل تبطل به الصلاة أم لا ؟ . ورأى أن المصلي إذا بلغ في صلاته مما بين أسنانه الحبة ونحوها عمدا فصلاته تامة فإن كان أكثر من ذلك بطلت صلاته . ولم ير التسبيح للعارض بغرض يبطل الصلاة ، وكره قول المصلي إذا عطس : " الحمد لله " ولم تبطل صلاته بذلك ؟ . وكره قتل البرغوث والقملة في الصلاة ، ولم يرها تبطل ، وإن تعمد ذلك . وأجاز للمصلي رمي العصفور في الصلاة ، ولم يرها تبطل بذلك ، وأمر المحارب أن يصلي إيماء ، فإن ابتدأ الصلاة راكبا لخوف ثم أمن فنزل ، أو ابتدأها نازلا ثم خاف فركب - : بنى في كل ذلك ، وصلاته تامة . وقال الشافعي : إن اضطر المحارب إلى القتال ، فله أن يضرب الضربة ويطعن الطعنة ، فإن تابع الضرب والطعن بطلت صلاته ، فإن صلى مبتدئا للصلاة وهو راكب ثم أمن فنزل بنى على صلاته ؛ إلا أن يحول وجهه عن القبلة فتبطل صلاته . فإن بدأ الصلاة نازلا ثم حدث خوف فركب بطلت صلاته وابتدأها ؟ قال : ومن خرج من بين أسنانه طعام يجري مجرى الريق فابتلعه ، ولم يملك غير ذلك فصلاته تامة ؛ فإن مضغه بطلت صلاته ، ولم ير التسبيح ولا التصفيق ينقصان الصلاة . ورأى قتل الحية والعقرب في الصلاة مباحا ، وكل عمل خفيف جاء بمثله أثر لم يقطعها ، ورأى العمل الكثير والمشي الكثير بالنسيان يبطل الصلاة ؟ . قال علي : وهذه كلها أقوال متناقضة متخاذلة بلا برهان ، وأعجب ذلك الفرق بين العمل القليل والكثير بلا دليل . ثم ما هو القليل ، وما هو الكثير ؟ وقد علمنا أنه لا قليل إلا ، وهو كثير بالإضافة إلى ما هو أقل منه ، ولا كثير إلا ، وهو قليل بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ؛ وكل ذلك رأي فاسد بلا برهان ، لا من قرآن ولا من سنة ، لا صحيحة ولا سقيمة ، ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ولا احتياط ولا رأي يصح . فمن الأشياء المباحة في الصلاة : الالتفات لمن أحس بشيء ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد قال : { ذهب رسول الله ﷺ إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر قال : أتصلي بالناس فأقيم ؟ قال : نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله ﷺ والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله ﷺ فأشار إليه رسول الله ﷺ : أن امكث مكانك ؟ فرفع أبو بكر يديه فحمد الله - عز وجل - على ما أمره به رسول الله ﷺ من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله ﷺ فصلى ، فلما انصرف قال : يا أبا بكر ، ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ قال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ ما لي رأيتكم أكثرتم من التصفيح ؟ من نابه شيء في صلاته فليسبح ؛ فإنه إذا سبح التفت إليه } . وبه إلى أبي داود : حدثنا عمرو بن عون أنا حماد بن زيد عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد - فذكر هذا الحديث نفسه ، وفي آخره : أن رسول الله ﷺ قال : { إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء } . ففي هذا الحديث : إباحة التسبيح على كل حال ، وإباحة حمد الله تعالى على كل حال : وبطلان قول من منع من ذلك ؛ لأن رسول الله ﷺ سمع أبا بكر وراءه يحمد الله تعالى رافعا يديه على ما من به عليه ؛ فلم تبطل بذلك صلاته ؟ . وفيه : أن التصفيق نهى عنه الرجال ، وأمر به النساء فيما نابهن في الصلاة ؛ فإن صفق الرجل في صلاته عالما بالنهي بطلت صلاته ؛ لأنه فعل في صلاته ما نهى عنه ؛ فلم يصل كما أمر . وإن سبحت المرأة فلم تنه عن التسبيح ؛ بل هو ذكر لله تعالى حسن ، وإن صفحت فحسن ؛ فإن كان ذلك عبثا ولغير نائب ؛ فهو عمل في الصلاة نهينا عنه ، ومن فعل في صلاته ما لم يبح له فلم يصل كما أمر ؟ . وفيه : إباحة الالتفات للنائب ينوب في الصلاة ؛ فمن التفت عبثا لغير نائب بطلت صلاته ؛ لأنه فعل ما لم يبح له ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله هو ابن المبارك - عن يونس هو ابن يزيد - عن الزهري قال : سمعت أبا الأحوص يحدثنا في مجلس سعيد بن المسيب ، وابن المسيب جالس : أنه سمع أبا ذر يقول : قال رسول الله ﷺ { لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا زائدة عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق { عن عائشة قالت : سألت رسول الله ﷺ عن الالتفات في الصلاة ؟ فقال : اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة } . قال علي : من صرف الله تعالى وجهه عنه في الصلاة فقد تركه ولم يرض عمله ، وإذا لم يرض عمله فهو غير مقبول بلا شك . وقد أيقنا أن الالتفات الذي نهى الله تعالى عنه وسخطه هو غير الالتفات الذي أمر به ؟ ، وعلمنا أن من اختلس الشيطان بعض صلاته فلم يتمها ، وإذا لم يتمها فلم يصل . وروينا عن وكيع عن المعلى بن عرفان عن أبي وائل عن ابن مسعود : لا يقطع الصلاة الالتفات ؟ . وعن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابن مسعود : لا يزال الله تعالى مقبلا على العبد بوجهه ما لم يلتفت أو يحدث - يعني في الصلاة ، ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن آدم بن علي عن ابن عمر : يدعى قوم يوم القيامة " المنقوصين " الذين ينقص أحدهم صلاته ، ووضوءه ، والتفاته . وعن وكيع عن سفيان الثوري عن حميد الأعرج عن مجاهد قال : أربع من لم تكن في صلاته تمت صلاته ، فذكر منها : الالتفات ، والإشارة باليد ، وبالرأس للحاجة ، والاستماع إلى ما يأتيه ، وهو في صلاته لحاجة في دينه أو دنياه - فكل هذا مباح في الصلاة . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني حرملة بن يحيى ثنا عبد الله بن وهب أخبرنا عمرو هو ابن الحارث - عن بكير هو ابن الأشج - عن كريب هو مولى ابن عباس أن أم سلمة أخبرته قالت { سمعت رسول الله ﷺ ينهى عنهما - يعني الركعتين بعد العصر - ثم رأيته يصليهما ، فأرسلت إليه الجارية فقلت : قومي بجنبه فقولي : تقول أم سلمة : يا رسول الله ، سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين ، وأراك تصليهما ، فإن أشار بيده فاستأخري عنه ؟ ففعلت الجارية ؟ فأشار بيده فاستأخرت عنه ؛ فلما انصرف قال : يا بنت أبي أمية ، سألت عن الركعتين بعد العصر ؟ } وذكرت الحديث . وقد ذكرنا قبل { إشارته عليه السلام بيده إذ صلى وهو جالس إلى المصلين وراءه قياما ينهاهم عن القيام } ، والإشارة برد السلام باليد والرأس في الصلاة جائزة . كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك { أن رسول الله ﷺ كان يشير في الصلاة } وهذا عموم في كل ما ناب ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة ثنا الليث هو ابن سعد عن أبي الزبير { عن جابر : أنه أدرك رسول الله ﷺ وهو يصلي ، فسلمت عليه فأشار إلي ؛ فلما فرغ دعاني وقال : إنك سلمت علي آنفا وأنا أصلي } . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان بن عيينة ثنا زيد بن أسلم قال : قال ابن عمر : { ذهب رسول الله ﷺ إلى مسجد بني عمرو بن عوف بقباء ليصلي فيه ، فدخل عليه رجال من الأنصار يسلمون عليه ؛ فسألت صهيبا وكان معه : كيف كان النبي ﷺ يرد عليهم ؟ قال : كان يشير إليهم } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا الأعرابي ثنا أبو داود ثنا قتيبة : أن الليث بن سعد حدثهم عن بكير عن نابل صاحب العباء عن ابن عمر عن { صهيب قال : مررت برسول الله ﷺ وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة ؟ } . قال علي : قال بعض الناس : لعل هذه الإشارة نهي لهم ؟ ؛ قال علي : هذا الكذب إذ لو كان كذلك لنهاهم إثر فراغه - : وروينا عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت البناني عن أبي رافع قال : رأيت أصحاب رسول الله ﷺ وإن أحدهم ليشهد على الشهادة وهو قائم يصلي ؟ . وعن حماد بن سلمة عن قتادة عن معاذة العدوية : أن عائشة أم المؤمنين كانت تأمر خادمها أن تقسم المرقة ، فتمر بها ، وهي في الصلاة فتشير إليها : أن زيدي ؛ وتأمر بالشيء للمسكين تومئ به ، وهي في الصلاة ؟ . وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن قال : رأيت ابن عمر يشير إلى أول رجل في الصف - ورأى خللا : أن تقدم ؟ . وعن وكيع عن أبيه عن عاصم الأحول عن معاذة العدوية : أن عائشة أم المؤمنين أومأت وهي في الصلاة إلى نسوة : أن كلن ؟ . وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محمد بن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : إني لأعدها للرجل عندي يدا أن يعدلني في الصلاة . وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج : قلت لعطاء : يمر بي إنسان فأقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله ثلاثا - : فيقبل ؛ فأقول له بيدي : أين تذهب ؟ فيقول : إلى كذا كذا - وأنا في المكتوبة ، هل انقطعت صلاتي ؟ قال : لا ، ولكن أكرهه ، قلت : فاسجد للسهو ؟ قال : لا . وعن حماد بن سلمة عن عاصم عن معاذة العدوية عن عائشة أم المؤمنين : أنها قامت إلى الصلاة في درع وخمار ، فأشارت إلى الملحفة فناولتها ، وكان عندها نسوة فأومأت إليهن بشيء من طعام بيدها - تعني وهي تصلي . وعن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي رافع قال : { كان يجيء الرجلان إلى الرجل من أصحاب رسول الله ﷺ وهو في الصلاة ، فيشهدانه على الشهادة ، فيصغي لها سمعه ، فإذا فرغا يومئ برأسه أي : نعم ؟ } . وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر قال : إذا كان أحدكم في الصلاة فسلم عليه ؟ فلا يتكلمن ، وليشر إشارة ؟ فإن ذلك رده ؟ . فإن ذكر ذاكر قوله عليه السلام : { لا غرار في صلاة ولا تسليم } . قيل : ليس هذا نهيا عن رد السلام في الصلاة بالإشارة ؛ ولا يفهم هذا من هذا اللفظ ، والدعوى مردودة إلا ببرهان ؟ .

======




كتاب الصلاة

والترويح لمن آذاه الحر ؛ لقول الله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فلو تروح عبثا بطلت صلاته ؟ . وروينا عن محمد بن المثنى عن محمد بن أبي عدي عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني قال : كان الحسن لا يرى بأسا بالترويح في الصلاة ؟ . وعن مجاهد : أنه كان يتروح في الصلاة ويمسح العرق ؟ . ومن ذلك إماطته عن كل ما يؤذيه ويشغله عن توفية صلاته حقها : لما ذكرنا ؟ ، وكذلك سقوط ثوب ، أو حك بدن ، أو قلع بثرة ، أو مس ريق ، أو وضع دواء ، أو رباط منحل : إذا كان كل ذلك يؤذيه فواجب عليه إصلاح شأنه ؛ ليتفرغ لصلاته ؟ . روينا عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : إذا رأى الإنسان في ثوبه دما وهو في الصلاة فانصرف يغسله ؟ أتم ، صلى ما بقي على ما مضى ما لم يتكلم ؟ . قال علي : وما لم ينحرف عن القبلة عامدا ؟ ، وروينا عن علي بن أبي طالب : أنه كان لا يتحرك في صلاته إلا أن يصلح ثوبا أو يحك جلدا . وأما من استرخى ثوبه حتى مس كعبه ففرض عليه أن يرفعه ؛ لئلا يصلي مسبلا عامدا فتبطل صلاته ؟ . وحت النخامة من حائط المسجد الذي في قبلته - : لما حدثناه عن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا قتيبة بن سعد ثنا الليث هو ابن سعد - عن نافع عن ابن عمر قال : { رأى النبي ﷺ نخامة في قبلة المسجد وهو يصلي بين يدي الناس فحتها ثم قال حين انصرف : إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله تعالى قبل وجهه ، فلا يتنخمن أحدكم قبل وجهه في الصلاة } . وقتل الحية ، والعقرب ، والغراب ، والحدأة ، والكلب العقور ، والفأر ، والوزغ - صغارها وكبارها - : مباح في الصلاة ؟ ؛ لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا علي بن المبارك ثنا يحيى بن أبي كثير عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ﷺ { اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية ، والعقرب } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو عوانة عن زيد بن جبير قال : { سأل رجل ابن عمر : ما يقتل المحرم من الدواب ؟ فقال ابن عمر : حدثتني إحدى نسوة النبي عليه السلام أنه ﷺ كان يأمر بقتل الكلب العقور ، والفأرة ، والعقرب ، والحديا والغراب ، والحية قال : وفي الصلاة أيضا ؟ } . قال علي : كل نساء النبي ﷺ ثقات فواضل عند الله عز وجل مقدسات بيقين ، ولا يمكن ألبتة أن يغيب على ابن عمر علمهن ولا علم واحدة منهن . فإن تأذى بوزغة ، أو برغوث ، أو قمل ؟ فوجب عليه دفعهن عن نفسه . فإن كان في دفعه قتلهن دون تكلف عمل شاغل عن الصلاة فلا حرج في ذلك ؛ لأننا قد روينا عنه ﷺ الأمر بقتل الوزغ من طريق أبي هريرة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأم شريك . ولا يجوز له التفلي في الصلاة ، ولا أن يشتغل بربط برغوث ، أو قملة في ثوبه ؛ إذ لا ضرورة إلى ذلك ؛ ولا جاء النص بإباحته ، ولا طلب قتل من لم يؤمر بقتله فيها ؛ لقوله ﷺ { إن في الصلاة لشغلا } ؟ . ومن خطر عليه مسكين فخشي فوته فله أن يناوله صدقة وهو يصلي ؟ ولو خشي على نعليه أو خفيه مطرا أو أذى أو سرقة فله أن يحصنهما ويزيلهما عن مكان الخوف ؛ لأن رسول الله ﷺ نهى عن إضاعة المال ؟ . ولو كان بحضرته أو عنده شيء فطلبه صاحبه فليشر له إليه ، أو ليناوله إياه ؛ لأنها أمانة تؤدى إلى أهلها ، قال عز وجل : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ، وإنما هذا إذا خشي ضياع الشيء أو فوت صاحبه ؛ فإذا لم يخش ذلك فلا يفعل ؛ إلا حتى يتم الصلاة ؟ . ومن صف قدميه أو راوح بينهما فذلك جائز ؛ لأنه كله قيام ، ومن أن في صلاته ، فإن كان من شدة مرض غالب لا يقدر منه على أكثر ؛ فلا شيء عليه ؛ رحمه الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فإن تعمده لغير ضرورة بطلت صلاته ، لأنه لم يأت النص بإباحته ؟ . ومن صلى ، وفي فمه - : دينار ، أو درهم ، أو لؤلؤة ، أو في كمه - : حرير ، أو ذهب ، أو غير ذلك مما عليه حفظه - : فذلك جائز له . ودفع المار بين يدي المصلي وسترته ومقاتلته إن أبى - : حق واجب على المصلي ، فإن وافق ذلك موت المار دون تعمد من المصلي لقتله : فهو هدر ، ولا دية فيه ، ولا قود ، ولا كفارة ؟ . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة ثنا ابن هلال يعني حميدا - قال : قال لي { أبو صالح السمان : بينما أنا مع أبي سعيد الخدري يصلي يوم الجمعة إلى شيء يستره من الناس إذ جاء رجل شاب من بني أبي معيط أراد أن يجتاز بين يديه فدفع في نحره ، فنظر فلم يجد مساغا إلا بين يدي أبي سعيد ؛ فعاد فدفع في نحره أشد من الدفعة الأولى ، فمثل قائما فنال من أبي سعيد ؛ ثم زاحم الناس فخرج ، فدخل على مروان فشكا إليه ما لقي ، ودخل أبو سعيد على مروان فقال له مروان : ما لك ولابن أخيك ؟ جاء يشكوك فقال أبو سعيد : سمعت رسول الله ﷺ يقول : إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره ؛ فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان } . فإن ذكروا قول مالك : بلغني أن رجلا جاء إلى عثمان بن عفان برجل كسر أنفه ، فقال : مر بين يدي في الصلاة ، وقد بلغني ما سمعت في المار بين يدي المصلي فقال له عثمان : فما صنعت أشد يا ابن أخي ضيعت الصلاة ، وكسرت أنفه . قال علي : هذا بلاغ لا يصح ؛ ولو صح لما كان إلا على المخالف ، لأنه ليس فيه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أقاد من كسر أنفه ، وحتى لو كان ذلك فيه لما كان في قول أحد حجة دون رسول الله ﷺ وقد رأى مقاتلته وضربه أبو سعيد الخدري وغيره ؟ . وحمل المصلي صغيرا على عنقه [ أوالسجود به ] إذا دعت إلى حمله حاجة جائز ؟ . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن أبي عمر ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن عثمان بن أبي سليمان ، ومحمد بن عجلان سمعا عامر بن عبد الله بن الزبير يحدث عن عمرو بن سليم الزرقي عن { أبي قتادة الأنصاري قال : رأيت رسول الله ﷺ يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي بنت زينب ابنة رسول الله ﷺ على عاتقه ، فإذا ركع وضعها ، وإذا رفع من السجود أعادها } ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى ثنا محمد يعني ابن إسحاق - عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة صاحب رسول الله ﷺ قال : { بينما نحن ننتظر رسول الله ﷺ في الظهر أو العصر ، وقد دعاه بلال للصلاة إذ خرج علينا وأمامة بنت أبي العاص - بنت ابنة رسول الله ﷺ - على عاتقه فقام رسول الله ﷺ في مصلاه ، فقمنا خلفه ، وهي في مكانها الذي هي فيه ، فكبر ؟ فكبرنا ، حتى إذا أراد رسول الله ﷺ أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد ، حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها ؛ فما زال رسول الله ﷺ يفعل ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته } . وبهذا يقول الشافعي ، وأبو سليمان ، وهذان الحديثان يثبتان كذب من خالفهما ، وادعى أنه كان في نافلة ، وكل ما فعله عليه السلام فهو غاية الخشوع ، وكل ما خالفه فهو الباطل ، وإن ظنه المخطئ خشوعا . وهذا الخبر بلا شك كان بعد قول رسول الله ﷺ لابن مسعود { إن في الصلاة لشغلا } ؛ لأن هذا القول منه عليه السلام كان قبل بدر ، إثر مجيء ابن مسعود من بلاد الحبشة ؛ لم ترد زينب المدينة وابنتها إلا بعد بدر ، بالأخبار الثابتة في ذلك ؟ ، ومن ركب على ظهره صغير وهو يصلي فتوقف لذلك فحسن ؟ . ومن استراب بتطويل الإمام سجوده فليرفع رأسه ليستعلم : هل خفي عنه تكبير الإمام أو لا ؟ ؛ لأنه مأمور باتباع الإمام ؛ فإن رآه لم يرفع فليعد إلى السجود ؛ ولا شيء عليه ؛ لأنه فعل ما أمر به من مراعاة حال الإمام . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسي ثنا يزيد بن هارون أنا جرير بن حازم ثنا محمد بن أبي يعقوب البصري عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال : { خرج علينا رسول الله ﷺ في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى ، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها ، فرفعت رأسي ، فإذا الصبي على ظهره عليه السلام وهو ساجد ؛ فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته قال أناس : يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك ؟ فقال رسول الله ﷺ كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته } . وتحريك من خشي المصلي نومه ، وإدارة من كان على اليسار إلى اليمين : مباح كل ذلك في الصلاة . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا محمد بن أبي فديك أنا الضحاك هو ابن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس عن { ابن عباس قال : بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث ، فقلت لها : إذا قام رسول الله ﷺ فأيقظيني ؛ فقام رسول الله ﷺ فقمت إلى جنبه الأيسر ، فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن ، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني } وذكر باقي الحديث ؟ . ويدعو المصلي في صلاته في سجوده وقيامه وجلوسه بما أحب ، مما ليس معصية ، ويسمي في دعائه من أحب ، وقد { دعا رسول الله ﷺ على : عصية ، ورعل ، وذكوان } . { ودعا للوليد بن الوليد ، وعياش بن أبي ربيعة ، وسلمة بن هشام ، يسميهم بأسمائهم } ، وما نهي عليه السلام قط عن هذا ، ولا نهى هو عنه . { وقال عليه السلام في السجود أخلصوا فيه الدعاء } أو نحو هذا . وقال : { ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه } ، وسنذكرها بأسانيدها إن شاء الله تعالى في صفة أعمال الصلاة ؟ . وكل منكر رآه المرء في الصلاة ففرض عليه إنكاره ، ولا تنقطع بذلك صلاته ؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق ، وفاعل الحق محسن ، ما لم يمنع من شيء منه نص أو إجماع . وقال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } . ومن جملة ذلك - : إطفاء النار المشتعلة ، وإنقاذ الصغير ، والمجنون ، والمقعد ، والنائم : من نار ، أو من حنش ، أو سبع ، أو إنسان عاد ؛ أو من سيل والمحاربة لمن أراد المصلي أو أراد مسلما بظلم ، وشد الأسير الكافر ، أو الظالم - إلا أن يمنع من شيء من ذلك نص أو إجماع ، ومن فرق بين شيء من ذلك فقد أخطأ ، وقال بلا برهان ؟ . وروينا من طريق البخاري : حدثنا آدم ثنا شعبة ثنا { الأزرق بن قيس قال : كنا بالأهواز نقاتل الحرورية ؛ فبينما أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي ولجام دابته في يده ؛ فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها قال شعبة وهو أبو برزة الأسلمي ؛ فجعل رجل من الخوارج يقول : اللهم افعل بهذا الشيخ ؛ فلما انصرف الشيخ قال : إني سمعت قولكم ، وإني غزوت مع رسول الله ﷺ ست غزوات أو سبع غزوات وشهدت تيسيره ، وإني كنت أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي } . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر [ عن الزهري ] عن الأزرق بن قيس أن أبا برزة الأسلمي خاف على دابته الأسد فمشى إليها ، وهو في الصلاة . وبه إلى معمر عن قتادة : سأله رجل قال : تدخل الشاة بيتي وأنا أصلي فأطأطئ رأسي فآخذ القصبة فأضربها بها ؟ قال قتادة : لا بأس به ؟ . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان : ثنا سليمان التيمي عن الحسن البصري في القملة يقتلها الرجل في الصلاة . قال علي : وكذلك من خاف على ماله أو سرقت نعله أو خفه أو غير ذلك فله أن يتبع السارق فينتزع منه متاعه ؟ . ولا يضر في كل ما ذكرنا ما اضطر من استدبار القبلة وكثرة العمل وقلته ؛ ما لم يتكلم ؛ فإن كان إماما أو مأموما فطمع بشيء من إدراك الصلاة بعد تمام حاجته ، أو بانتظار الناس له - : رجع ولا بد ؛ كما فعل رسول الله ﷺ إذ { كبر ناسيا وهو جنب فذكر فاغتسل ورجع فأتم الصلاة } ، وكما فعل يوم ذي اليدين . فإن لم يرج بإدراك شيء من الصلاة ، أو أيقن أن الناس لا ينتظرونه [ أو كان قد ] أتم صلاته حين تمام حاجته في أول مكان تجوز له فيه الصلاة . ولا يحل له أن يخطو خطوة واحدة لغير رجوع إلى الصلاة ؛ أو لزوال عن مكان لا تجوز فيه الصلاة ؟ . فلو رجا بصلاة [ في جماعة أخرى أقرب منها فليدخل فيها ؛ فآخر صلاة ] صلاها أهل الإسلام مع رسول الله ﷺ فبإمامين : بدأ أبو بكر وأتم رسول الله ﷺ ومن رغب عن سنة رسول الله ﷺ [ التي أجمع عليها جميع الصحابة رضي الله عنهم ، أولهم عن آخرهم ، معه عليه السلام ] وقلد رأي من يخطئ مرة ويصيب أخرى - : فما خير له في ذلك ، ونسأل الله العافية والتوفيق لما يرضيه . آمين . قال أبو محمد : وكل من فرق بين قليل العمل وكثيره فلا سبيل له إلى دليل على ذلك ، ولا بد له ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما : إما أن يحد في ذلك برأيه حدا فاسدا ليس هو أولى به من غيره بغير ذلك التحديد ، فيحصل على التحكم بالباطل ، وأن يشرع في الدين ما لم يأذن به الله ، وإما أن لا يحد في ذلك حدا ، فيحصل على أقبح الحيرة في أهم أعمال دينه ، وعلى أن لا يدري ما تبطل به صلاته مما لا تبطل به ، وهذا هو الجهل المتعوذ بالله منه ؟ . ونسأله عن عمل عمل : أهذا مما أبيح في الصلاة ؟ أو مما لم يبح فيها ؟ ولا سبيل إلى وجه ثالث ؟ ، فإن قال : هو مما أبيح فيها - لزمه أن قليله وكثيره : مباح ، وهو قولنا فيما جاء البرهان بإباحته فيها ، وإن قال : هو مما لم يبح فيها - لزمه أن قليله وكثيره : غير مباح فيها ؛ وهو قولنا فيما لم يأت البرهان بإباحته فيها ؟ . فإن قالوا : أبيح قليله ولم يبح كثيره ؟ . قلنا : هذه دعوى كاذبة مفتقرة إلى دليل ، فهاتوا برهانكم على صحة هذه الدعوى أولا ، ثم على بيان حد القليل المباح من الكثير المحظور ؛ ولا سبيل إلى شيء من ذلك ؟ . قال علي : ومشي المصلي إلى فتح الباب للمستفتح حسن لا يضر الصلاة شيئا - : حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتتي القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث ثنا برد أبو العلاء هو ابن سنان - عن الزهري عن عروة قالت عائشة : { كان رسول الله ﷺ يصلي ، فأستفتح الباب ، والباب في القبلة ، فيجيء فيفتح الباب ثم يعود في صلاته } . قال ابن أيمن : وحدثناه أبو بكر بن حماد ثنا مسدد ثنا بشر بن المفضل ثنا برد بن سنان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : { كان رسول الله ﷺ يصلي وعليه باب مغلق فجئت فاستفتحته فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه } . قال علي : ورواه يزيد بن زريع قال ثنا برد ثنا الزهري ، يذكره ؟ . قال علي : فالمشي لما ذكرنا مباح ، ولم يوقف عليه السلام على مشي من مشى ؟ . ومسح الحصى في الصلاة مرة واحدة جائز ونكرهه ، فإن زاد عامدا بطلت صلاته ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا سفيان عن الزهري عن أبي الأحوص أنه سمع أبا ذر يرويه عن رسول الله ﷺ قال : { إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى } . وبه إلى أبي داود : ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام هو الدستوائي ، عن يحيى هو ابن كثير - عن أبي سلمة عن معيقيب أن النبي قال : { لا تمسح - يعني الحصى - وأنت تصلي ، فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة } . قال علي : فإن احتجوا بهذا في الفرق بين القليل والكثير ؟ . قلنا : هذا في مسح الحصى المنهي عنه جملة ، المستثنى منه الواحدة فقط ؛ فقولوا لنا : ماذا تقيسون على هذا الخبر ؟ الأعمال المباحة جملة بالنصوص ؟ أم الأعمال المنهي عنها جملة ؟ ولا بد من أحد الأمرين ؟ . فإن قالوا : بل الأعمال المباحة جملة ؟ . قلنا : القياس كله باطل ؛ ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل أول ذلك : أنه قياس المباح على المحظور ، وهذا باطل عند صاحب كل قياس ؛ لأنه قياس الشيء على ضده ، وإنما القياس عند القائلين به : قياس الشيء على نظيره جملة ، أو على نظيره في العلة التي هي علامة الحكم بزعمهم . وأيضا : فأنتم تبيحون الخطوتين والثلاث في الصلاة والضربة والضربتين ، وأخذ الماء بإناء من الجابية لمن عليه الحدث في الصلاة ، وهذا أكثر من المرة الواحدة ؛ فظهر بطلان قياسكم وتحرمون ما زاد على ما ذكرنا . ؟ واستقاء الماء من البئر لمن عليه الحدث في الصلاة ؛ فلاح أنكم لم تتعلقوا بقياس أصلا ؟ . فإن قالوا : بل قسنا الأعمال المنهي عنها على هذا الخبر ؟ . قلنا لهم : فأبيحوا إدخال الإبرة في خياطة الثوب مرة واحدة ؛ وقدح النار بالزند بضربة واحدة ؛ وأبيحوا لطمة واحدة للخادم ، ورد مرمى الحائك مرة واحدة ؛ وقد الأديم بضربة واحدة ؛ والتذكية بجرة واحدة - كل ذلك في الصلاة ؛ وهم لا يقولون بهذا ؛ فظهر فساد قولهم - ، وبالله تعالى التوفيق . قال علي : فإن ذكروا ما روينا من طريق يعقوب بن عتبة بن الأخنس عن أبي غطفان عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ : قال { التسبيح للرجال - يعني في الصلاة ، والتصفيق للنساء ، من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعدها - يعني في الصلاة } . قال أبو داود : هذا الحديث وهم ؛ ولو صح لوجب ضمه إلى الأخبار الثابتة التي ذكرنا قبل ؛ من إشارة النبي ﷺ في الصلاة بأن يرد السلام ، وإلى الخادم في أن تستأخر عنه ؛ وكل ما بالمرء إلى الإشارة به ، وإليه ضرورة ؛ فتخرج تلك الإشارات بالنصوص التي فيها ، وتبقى كل إشارة لم يأت بإباحتها نص على التحريم ، كالإشارة بالبيع وبالمساومة ، وبماذا عملت ؛ والاستخبار ؛ وغير ذلك ؛ فهذا هو العمل الذي لا يجوز غيره لو صح هذا الخبر - ، وهو قولنا ، ولله الحمد - ؛ لأن الإشارات أنواع مختلفة ؛ فما أبيح منها بالنص كان مباحا ، وما لم يبح منها بالنص كان محرما ؛ فكيف والحديث لا يصح ؟ ، وبالله تعالى التوفيق .

=========




كتاب الصلاة

302 - مسألة : ومن خرج من صلاته ، وهو يظن أنه قد أتمها فكل عمل عمله من بيع أو ابتياع أو هبة أو طلاق أو نكاح أو غير ذلك - : فهو باطل مردود ؛ لأنه في حكم الصلاة ، ولو ذكر لعاد إليها . ولا خلاف في أن هذه الأفعال كلها محرمة في الصلاة فكل ما وقع منها في هذه الحال فهو غير الفعل الجائز اللازم المأمور به أو المباح بلا شك - ، وإذ هو غير الجائز فهو غير جائز بلا شك . وقد قال رسول الله ﷺ { : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } وهذا عمل ليس عليه أمره عليه السلام ؛ فهو مردود بلا شك . فلو ذكر أنه لم يتم صلاته ففعل شيئا من ذلك لزمه ؛ لأن بذكره وقصده إلى عمل ما ذكرنا خرج عن الصلاة ؛ وإذا خرج عن الصلاة فقد حصل في حال تنفذ فيها هذه الأفعال كلها ؛ وهكذا أيضا لو فعل ذلك بعد انتقاض طهارته فهي أيضا نافذة لازمة ؛ لأنه بانتقاض طهارته خرج عن الصلاة ؛ فوقع ذلك منه في غير الصلاة - ، وبالله تعالى التوفيق .

303 - مسألة : ومن خطر على باله شيء من أمور الدنيا أو غيرها ، معصية أو غير معصية ، أو صلى مصرا على الكبائر ؛ فصلاته تامة - . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا معاذ بن هشام هو الدستوائي قال : [ حدثني أبي ] عن يحيى بن أبي كثير ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله ﷺ قال : { إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الأذان ، فإذا قضي الأذان أقبل فإذا ثوب بالصلاة أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل ، حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى فإذا لم يدر أحدكم كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس } ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال : { إن الله تجاوز لأمتي ما لم تتكلم به وتعمل به ، وبما حدثت به أنفسها } . وقد ذكرنا قبل قول رسول الله ﷺ : { من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه } . فصح أن كل ذلك لا يؤثر في الصلاة ، وأنه لا يبطل الصلاة إلا قول مقصود إليه منهي عنه أو عمل كذلك ، أو القصد إلى تبديل نية الصلاة المأمور بها في الصلاة ؛ التي لا تصح الصلاة إلا بها ، وهي النية لأداء تلك الصلاة باسمها وعينها ؛ فمن لم ينو كذلك قاصدا إلى ذلك فلم يصل كما أمر ؟ . وروينا من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه قال : قال عمر بن الخطاب : - إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة ؟ . وقد افترض عز وجل التوبة على العاصين ، وأمروا بالصلاة مع ذلك - : قال الله تعالى : { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } . وبيقين ندري أنه تعالى إنما خاطب بهذا المصرين ؛ لأن التائب لا سيئة له ، وقال تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا } . وهذا كله إجماع ، إلا قوما خالفوا الإجماع - من أهل البدع - قالوا : لا تقبل توبة من عمل سوءا حتى يتوب من كل عمل سوء ، فلزمهم أن لا تقبل التوبة ممن تعمد ترك الصلاة ، وترك الزكاة ، وترك الصوم ؛ نعم ولا من ترك التوحيد إلا بالتوبة من تعمد كل سيئة - فحصلوا على الأمر بترك الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، وجميع أعمال البر - وهذا خروج عن الإسلام - ونعوذ بالله من الخذلان .

304 - مسألة : ومن كان راكبا على محمل ، أو على فيل ، أو كان في غرفة ، أو في أعلى شجرة ، أو على سقف ، أو في قاع بئر ، أو على نهر جامد ، أو على حشيش ، أو على صوف أو على جلود ، أو خشب ، أو غير ذلك - : فقدر على الصلاة قائما فله أن يصلي الفرض حيث هو قائما ، يوفي ركوعه وسجوده وجلوسه حقها ؟ . لأنه إنما أمر بالقيام في الصلاة والركوع والسجود ، والجلوس والطمأنينة والاعتدال في كل ذلك مع استقبال الكعبة ولا بد ؛ فإذا وفى كل ذلك حقه فقد صلى كما أمر ؟ . وقد قال رسول الله ﷺ : { حيثما أدركتك الصلاة فصل } وليس شيء من هذه المواضع منهيا عن الصلاة فيها . [ والعجب كله ممن يحرم الصلاة كما ذكرنا على المحمل ] ولم يأت بالنهي عن ذلك نص ، وهو يبيحها في أعطان الإبل ، والحمام ، والمقبرة ، وإلى القبر والنص قد صح بالنهي عن الصلاة في هذه المواضع . فإن عجز عن إتمام القيام أو الركوع أو السجود أو الجلوس أو القبلة - في الأحوال التي ذكرنا - ففرض عليه النزول إلى الأرض والصلاة كما أمر ؟ إلا من ضرورة تمنعه من النزول ؛ من خوف على نفسه أو ماله ؛ فليصل كما هو يقدر - قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، وقال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ، وقال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .

305 - مسألة : ومن تعمد ترك الوتر حتى طلع الفجر الثاني فلا يقدر على قضائه أبدا ، فلو نسيه أحببنا له أن يقضيه أبدا متى ما ذكره ولو بعد أعوام ؟ . برهان ذلك - : ما قد ذكرنا من قول رسول الله ﷺ : { الوتر ركعة من آخر الليل } . حدثنا حمام ثنا ابن المفرج عن ابن الأعرابي عن الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا طلع الفجر فقد ذهبت كل صلاة الليل والوتر ، فأوتروا قبل أن تصبحوا } . حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت الرقي ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا صالح بن معاذ ثنا يحيى بن أبي بكير عن معاوية بن قرة عن الأغر المزني أن رسول الله ﷺ قال : { من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له } . وأما من نسيه فهو داخل تحت قوله عليه السلام : { من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها } وهذا عموم يدخل فيه كل صلاة فرض ونافلة ، فهو بالفرض أمر فرض ؛ وهو بالنافلة أمر ندب وحض ؛ لأن النافلة لا تكون فرضا . وهذه الآثار تبطل قول من قال : [ من تعمد ترك صلاة الوتر حتى يطلع الفجر فإنه يصلي الوتر ، وقول من قال ] إن ذكر الوتر وهو في صلاة الصبح فقد بطلت صلاته ، إلا أن يخاف فوت صلاة الصبح فليتماد فيها وليبدأ بها . وهذا قول أبي حنيفة ؛ وهو مع خلافه للسنة قول لا دليل عليه ، لا من نظر ولا من احتياط ، لأنه يبطل الفرض المأمور بإتمامه من أجل نافلة ؛ وقد قال عز وجل : { ولا تبطلوا أعمالكم } .

306 - مسألة : ومن صلى الوتر قبل صلاة العتمة فهي باطلة أو ملغاة ؛ لأنه أتى بالوتر قبل وقته ، والشرائع لا تجزئ إلا في وقتها ، لا قبل وقتها ، ولا بعده ، وبالله تعالى التوفيق ؟ .

307 - مسألة : ووقت ركعتي الفجر من حين طلوع الفجر الثاني إلى أن تقام صلاة الصبح - هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الأمة .

308 - مسألة : فمن سمع إقامة صلاة الصبح ، وعلم أنه [ إن ] اشتغل بركعتي الفجر فاته من صلاة الصبح ولو التكبير - : فلا يحل له أن يشتغل بهما ؛ فإن فعل فقد عصى الله تعالى . وإن دخل في ركعتي الفجر فأقيمت صلاة الصبح فقد بطلت الركعتان ، ولا فائدة له في أن يسلم منهما ، ولو لم يبق عليه منهما إلا السلام لكن يدخل بابتداء التكبير في صلاة الصبح كما هو . فإذا أتم صلاة الصبح فإن شاء ركعهما ، وإن شاء لم يركعهما ، وهكذا يفعل كل من دخل في نافلة ، وأقيمت عليه صلاة الفريضة ؟ . وقال أبو حنيفة : من دخل المسجد ، وقد أقيمت الصلاة للصبح فإن طمع أن يدرك مع الإمام ركعة من صلاة الصبح تفوته أخرى فليصل ركعتي الفجر ، ثم يدخل مع الإمام . وإن خشي ألا يدرك مع الإمام ولا ركعة فليبدأ بالدخول مع الإمام ، ولا يقضي ركعتي الفجر بعد ذلك . وقال مالك : إن كان قد دخل المسجد ، وأقيمت الصلاة أو وجد الإمام في الصلاة فلا يركع ركعتي الفجر ، ولكن يدخل مع الإمام ؛ فإذا طلعت الشمس فإن شاء فليقضهما ؟ . وأما إن كان خارج المسجد فعلم بالإقامة أو بأن الإمام في الصلاة : فإن رجا أن يدرك مع الإمام ركعة فليركع ركعتي الفجر خارج المسجد ، ثم ليدخل مع الإمام ، وإن لم يرج ذلك فليدخل مع الإمام . وقال الشافعي وأبو سليمان كما قلنا ؟ : قال علي : ما نعلم لقول أبي حنيفة ومالك حجة ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا من إجماع ، ولا من قياس ، ولا من قول صاحب أصلا . فإن شغبوا بأنه قد روي عن ابن مسعود : أنه دخل المسجد وقد أقيمت صلاة الصبح فركع ركعتي الفجر ؛ وعن ابن عمر أنه أتى المسجد لصلاة الصبح فوجد الإمام يصلي فدخل بيت حفصة فصلى ركعتين ثم دخل في صلاة الإمام ؛ فلم يقسم ابن مسعود ولا ابن عمر تقسيمهم ، من رجاء إدراك ركعة أو عدم رجاء ذلك ، ولا يجدون هذا عن متقدم أبدا . والثابت عن ابن عمر مثل قولنا ؟ ؛ فإن قالوا : قد جاء عن النبي ﷺ : { من أدرك مع الإمام ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة } ؟ . قلنا : نعم ، هذا حق ، وإنما هذا فيمن فاتته الصلاة ، ولم يأت إلا ، والإمام فيها . وأما من كان حاضرا لإقامة الصلاة فترك الدخول مع الإمام أو اشتغل بقراءة قرآن أو بذكر الله تعالى أو بابتداء تطوع - : فلا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أنه عاص لله تعالى متلاعب بالصلاة فما الفرق بين هذا وبين اشتغاله بركعتي الفجر لو أنصفوا ؟ . فإن موهوا بأن ابن مسعود قد فعل ذلك ؟ ، قيل لهم : أما المالكيون فقد خالفوه في هذا الفعل نفسه ، فلم يروا لمن دخل المسجد ، والإمام يصلي أن يشتغل بركعتي الفجر ، فلا متعلق لهم بابن مسعود . وأما الحنفيون فقد خالفوا فعله أيضا في هذه المسألة ، فقد قسموا تقسيما لم يأت عن ابن مسعود . وابن مسعود يرى التطبيق في الصلاة ، وهم لا يرونه . وابن مسعود يرى أن لا تعتق أم الولد إلا من حصة ولدها من الميراث ، وهم لا يرون ذلك ؟ ، وقد خالفوا ابن مسعود حيث وافق السنة ، ولا يحل خلافه ؛ وحيث لا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم - : في عشرات من القضايا ؛ بل لعلهم خالفوه كذلك في مئين من القضايا وقد خالف ابن مسعود في هذه المسألة طائفة من الصحابة رضي الله عنهم كما نذكر بعدها إن شاء الله عز وجل . فلما عري قولهم من حجة أصلا رجعنا إلى قولنا ؛ فوجدنا البرهان على وجوبه وصحته - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ، ومسلم بن إبراهيم ، والحسن بن علي الحلواني ، ومحمد بن المتوكل : قال ( أحمد ) : ثنا محمد بن جعفر غندر ثنا شعبة عن ورقاء وقال ( مسلم ) : ثنا حماد بن سلمة وقال ( الحسن ) : ثنا يزيد بن هارون ، ، وأبو عاصم قال ( يزيد ) : عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني وقال ( أبو عاصم ) : عن ابن جريج وقال ( محمد ) : ثنا عبد الرزاق ثنا زكريا بن إسحاق - : ثم اتفق ورقاء ، وحماد بن سلمة ، ، وأيوب السختياني وابن جريج ، وزكريا بن إسحاق كلهم عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة ثنا أبو عوانة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن ابن بحينة هو عبد الله بن مالك قال : { أقيمت صلاة الصبح فرأى رسول الله ﷺ رجلا يصلي والمؤذن يقيم فقال : أتصلي الصبح أربعا ؟ } . وبه إلى مسلم : ثنا زهير بن حرب ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس قال : { دخل رجل المسجد ورسول الله ﷺ في صلاة الغداة ، فصلى ركعتين في جانب المسجد ، ثم دخل مع رسول الله فلما سلم رسول الله ﷺ قال : يا فلان ، بأي الصلاتين اعتددت ؟ أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا ؟ } . وروينا أيضا : من طريق حجاج بن المنهال : ثنا حماد بن سلمة ، وحماد بن زيد كلاهما عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس بمثله ، وفيه : أنه صلى الركعتين خلف الناس . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن صالح بن رستم هو أبو عامر الخزاز - عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : { أقيمت الصلاة ولم أكن صليت الركعتين يعني صلاة الصبح وركعتي الفجر ، قال ابن عباس : فقمت لأصليهما فجبذني وقال : أتريد أن تصلي الصبح أربعا ؟ قيل لأبي عامر : النبي ﷺ فتل ابن عباس ؟ قال : نعم ؟ } . قال علي : فهذه نصوص منقولة نقل الوتر ، لا يحل لأحد خلافها ، وقد حمل اتباع الهوى بعضهم على أن قال : إن عمرو بن دينار [ قد اضطرب ] عليه في هذا الحديث فرواه عنه سفيان بن عيينة ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد فأوقفوه على أبي هريرة . قال علي : وهذا مما كان ينبغي لقائله أن يتقي الله تعالى أولا ثم يستحي من الناس ثانية ، ولا يأتي بهذه الفضيحة ؛ لأن المحتجين بهذا مصرحون بأن قول الصاحب حجة فهبك لو لم يسند . أما كان يجب أن ترجح إما قول أبي هريرة على قول ابن مسعود ؛ أو قول ابن مسعود على قول أبي هريرة ؟ فكيف وليس ما ذكر مما يضر الحديث شيئا لأن ابن جريج ، وأيوب وزكريا بن إسحاق ليسوا بدون سفيان بن عيينة ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد فكيف والذي أسنده من طريق حماد بن سلمة أوثق ، وأضبط من الذي أوقفه عنه ، وأيوب لو انفرد لكان حجة على جميعهم ؛ فكيف وكل ذلك حق ، وهو أن عمرو بن دينار رواه عن عطاء عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ وعن عطاء عن أبي هريرة أنه أفتى به ، فحدث به على كل ذلك ؟ . ثم لو لم يأت حديث أبي هريرة أصلا لكان في حديث ابن سرجس وابن بحينة وابن عباس كفاية لمن نصح نفسه ، ولم يتبع هواه في تقليد من لا يغني عنه من الله شيئا ، ونصر الباطل بما أمكن من الكلام الغث ؟ . فكيف وقد روينا بأصح طريق عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كلاهما عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال : { إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } . فهذا فرض للدخول مع الإمام كيفما وجد ، وتحريم للاشتغال بشيء عن ذلك . واعترض بعضهم في حديث ابن سرجس وابن بحينة بضحكة أخرى ، وهي أن قال : لعل رسول الله ﷺ إنما أنكر عليه أن يصليهما مختلطا بالناس قال علي : وهذا كذب مجرد ، ومجاهرة سمجة ؛ لأن في الحديث نفسه [ أنه لم ] يصلهما إلا خلف الناس في جانب المسجد ، كما يأمرون من قلدهم في باطلهم فكيف ولو لم يكن هذا لكان مما يوضح كذب هذا القائل قول رسول الله ﷺ : { بأي الصلاتين اعتددت ؟ أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا ؟ } و { أتصلي الصبح أربعا ؟ } لأن من الباطل الممتنع أن يقول [ له ] النبي ﷺ هذا القول ، وهو لم ينكر عليه إلا صلاته الركعتين مختلطا بالناس [ ومتصلا بهم ] فيسكت عليه السلام عما أنكر من المنكر ويهتف بما لم يذكر من لفظه ، وقد أعاذ الله تعالى نبيه عن هذا التخليط الذي لا يليق بذي مسكة إلا بمثل من أطلق هذا ؟ . وأيضا : فإنه ظن مكذوب مجرد ، ولا فرق بين من قال هذا ، وبين من قال : لعل رسول الله ﷺ إنما أنكر عليه ؛ لأنه كان بلا وضوء ، أو لأنه كان يلبس ثوب حرير ؟ ومثل هذه الظنون لا يتعذر على من استسهل الكذب في الدين ، وعلى النبي ﷺ . فإن قيل : إنه عليه السلام لم يذكر من هذا شيئا ؟ قيل : ولا ذكر عليه السلام اختلاطه بالناس ولا اتصاله بهم ، وإنما نص عليه السلام على إنكاره الصلاة التي صلاها ، وهو عليه السلام يصلي الصبح فقط . وأيضا : فإن الله تعالى يقول منكرا على من فعل ما أنكره عليه { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } ولا يختلف اثنان في أن الفريضة خير من النافلة ، وهم يأمرونه بأن يستبدل النافلة التي هي أدنى ببعض الفريضة الذي هو خير من النافلة ، مع معصيتهم السنن التي أوردنا وبما قلناه يقول جمهور من السلف : كما روينا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الحسن بن مسافر عن سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب كان يضرب الناس على الصلاة بعد الإقامة . وعن معمر عن أيوب السختياني عن نافع : أن ابن عمر رأى رجلا يصلي والمؤذن يقيم فقال له ابن عمر : أتصلي الصبح أربعا ؟ وعن وكيع عن الفضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر : أنه جاء إلى القوم وهم في صلاة الغداة ولم يصل ركعتي الفجر ، فدخل معهم فلما ضحى قام فصلاهما . وعن أبي هريرة : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ؟ . وعن معمر : عن أيوب السختياني قال : كان محمد بن سيرين يكره أن تصلى ركعتا الفجر عند إقامة صلاة الصبح ، قال : أتصليهما وقد فرضت الصلاة ؟ . وبه إلى معمر : عن عبد الله بن طاوس عن أبيه : أنه كان إذا أقيمت الصلاة ولم يركع ركعتي الفجر صلى مع الإمام ، فإذا فرغ ركعهما بعد الصبح . وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي : في الذي يجد الإمام يصلي ولم يركع ركعتي الفجر ، قال : يبدأ بالمكتوبة . وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أن عمرو بن دينار أخبره أن صفوان بن موهب أخبره أنه سمع مسلم بن عقيل يقول للناس وهم يصلون وقد أقيمت الصلاة : ويلكم ، لا صلاة إذا أقيمت الصلاة . وعن عبد الرزاق : وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن فضيل [ عن سعيد بن جبير أنه قال : اقطع صلاتك عند الإقامة ؟ وعن عماد بن سلمة عن هشام ] بن عروة قال : جاء ابن أخ لعروة فأراد أن يصلي ركعتي الفجر والمؤذن يقيم ؛ فزجره عروة فصح أن من بدأ في تطوع ركعتي الفجر أو الوتر أو غيرهما فأقيمت صلاة الصبح أو غيرها فقد بطلت الصلاة التي كان فيها ، بالنصوص التي ذكرنا ؟ . فإن قيل : قال الله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } . قلنا : نعم هذا حق ، وما هو أبطلها ؛ ولو تعمد إبطالها لكان مسيئا ؛ ولكن الله عز وجل أبطلها عليه كما تبطل بالحدث ؛ وبمرور ما يبطل الصلاة مروره ونحو ذلك ؟ . وأما قضاء الركعتين فلقوله عليه السلام : { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } ، وهذا عموم . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا ابن وضاح ثنا يحيى بن معين ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ نام عن ركعتي الفجر ، فصلاهما بعد ما طلعت الشمس } فهذا عليه السلام لم يبدأ بهما قبل الفرض ؟ . [ وبه إلى ابن أيمن ] ثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ثنا الحسن بن ذكوان عن عطاء بن أبي رباح عن رجل من الأنصار قال : { رأى رسول الله ﷺ رجلا يصلي بعد الغداة ركعتين ، فقال : يا رسول الله ، لم أكن صليت ركعتي الفجر ، فصليتهما الآن ؟ فلم يقل [ له ] عليه السلام شيئا . } ومن طريق وكيع عن فضيل بن مرزوق عن عطية قال : رأيت ابن عمر [ صلاهما - : صلى ركعتي الفجر حين صلى الإمام . وعن ابن جريج عن عطاء : إذا أخطأت ] أن تركعهما قبل الصبح فاركعهما بعد الصبح . قال عبد الرزاق : رأيت ابن جريج يركع ركعتي الفجر في مسجد صنعاء بعد ما سلم الإمام . وبه يقول طاوس وغيره ؛ فلو تعمد تركها إلى أن تقام الصلاة فلا سبيل له إلى قضائها ؛ لأن وقتها قد خرج - ، وبالله تعالى التوفيق .

309 - مسألة : ومن نام عن صلاة الصبح أو نسيها حتى طلعت الشمس فالأفضل له أن يبدأ بركعتي الفجر ثم صلاة الصبح ، كما فعل رسول الله ﷺ في حديث أبي قتادة . وقد ذكرناه بإسناده في باب التطوع بعد طلوع الشمس وقبله وعند غروبها . وبهذا يقول أبو حنيفة ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وداود ، وأصحابهم ولم ير ذلك مالك - وما نعلم لقوله حجة ؛ لأنه خلاف الثابت عن رسول الله ﷺ .

310 - مسألة : والكلام قبل صلاة الصبح مباح وبعدها : وكرهه أبو حنيفة مذ يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس - : قال علي : هذا باطل ؛ لأنه لم يمنع من ذلك قرآن ولا سنة ؛ فهذان الوقتان في ذلك كسائر الأوقات ولا فرق . وإنما منع الله تعالى من الكلام في الصلاة وحين حضور الخطبة فقط ، وأباحه فيما عدا ذلك { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }

311 - مسألة : ومن دخل في مسجد فظن أن أهله قد صلوا صلاة الفرض التي هو في وقتها ، أو كان ممن لا يلزمه فرض الجماعة فابتدأ فأقيمت الصلاة - : فالواجب أن يبني على تكبيره ويدخل معهم في الصلاة ؛ فإن كان قد صلى منها ركعة فأكثر فكذلك ؛ فإذا أتم هو صلاته جلس وانتظر سلام الإمام فسلم معه . برهان ذلك - : أنه ابتدأ الصلاة كما أمر ، ومن فعل ما أمر فقد أحسن ، وقد قال عز وجل : { ما على المحسنين من سبيل } فإذ هو كذلك ثم وجد إماما ففرض عليه أن يأتم به ؛ لقول رسول الله ﷺ : { إنما جعل الإمام ليؤتم به } ؛ ولإنكاره عليه السلام على من صلى لنفسه ، والإمام يصلي بالناس ؛ فهذا لا يجوز إلا حيث أجازه رسول الله ﷺ فقط . وليس ذلك إلا لمن عذر فطول عليه الإمام فقط ، على ما نذكره في بابه إن شاء الله تعالى - ولا يضره أن يكبر قبل إمامه إذا كان تكبيره بحق ، ومخالفنا يجيز لمن كبر ثم استخلف الإمام من كبر بعده أن يأتم بهذا المستخلف الذي كبر مأمومه قبله . وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم ، والأعمش كلاهما عن إبراهيم النخعي أنه قال في رجل دخل في مسجد يرى أنهم قد صلوا فصلى ركعتين من المكتوبة ثم أقيمت الصلاة - : قال إبراهيم : يدخل مع الإمام فيصلي ركعتين ثم يسلم ثم يجعل الباقيتين تطوعا فقيل لإبراهيم : ما شعرت أن أحدا يفعل ذلك ؟ فقال إبراهيم : إن هذا كان يفعله [ من كان قبلكم ] . قال علي : هذا خبر عن الصحابة رضي الله عنهم وعن أكابر التابعين رحمة الله عليهم ، وقد روينا عن جماعة من التابعين رضي الله عنهم : أنهم كانوا يرون لمن افتتح صلاة تطوع فأقيمت عليه الفريضة أن يدخلوا في المكتوبة واصلين بتطوعهم بها ، فإذا رأوا ذلك في التطوع فهو عندهم في المكتوبة أوجب بلا شك : منهم نافع بن جبير بن مطعم ، والحسن ، وقتادة وغيرهم . وليس هذا قياسا ، بل هو باب واحد ، ونتيجة برهان واحد كما ذكرنا - ولا يحل ذلك عندنا في التطوع ، لما ذكرنا قبل [ من ] انقطاعها إذا أقيمت الصلاة - ، وبالله تعالى التوفيق .

312 - مسألة : ولا يجوز أن يسلم قبل الإمام إلا لعذر ، مثل أن يكون بدأ في قضاء صلاة فائتة أو بدأها في آخر وقتها ثم أقيمت صلاة الفرض في وقتها ؛ فإن هذا يأتم بالإمام في صلاته التي هو فيها ؛ فإذا أتمها سلم ثم دخل خلف الإمام في الصلاة التي الإمام فيها ، فإذا سلم الإمام قام فقضى ما بقي عليه منها ؟ ؛ لأن رسول الله ﷺ إنما قال : { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } والتي دخل فيها مكتوبة ؛ فلا يجوز له قطعها . ولا يجوز له مخالفة الإمام ؛ لنهي النبي ﷺ عن ذلك بقوله : { بأي صلاتيك اعتددت } منكرا على من فعل ذلك ؛ ولقوله عليه السلام { إنما الإمام جنة ، فلا تختلفوا عليه } فإذا قضى صلاته ففرض عليه الائتمام بالإمام في الصلاة التي يصليها الإمام ؛ ولا سبيل له إلى ذلك إلا بالسلام ، فيسلم ولا بد ، أو يكون مسافرا يدخل في صلاة مقيم ، ويخاف ممن لا علم له إن قعد منتظرا سلام الإمام فهذا يسلم ولا بد ؛ لأنه مضطر إلى ذلك ، ثم يأتم بالإمام متطوعا ، ونحو هذا - ، وبالله تعالى التوفيق .

313 - مسألة : فإن كان ممن يلزمه فرض الجماعة ، ولم يكن يائسا عن إدراكها فابتدأ الصلاة المكتوبة فأقيمت الصلاة - فالتي بدأ بها باطلة فاسدة ، لا تجزئه ، وعليه أن يدخل في التي أقيمت ، ولا معنى لأن يسلم من التي بدأ ؛ لأنه ليس في صلاة . برهان ذلك - : قول رسول الله ﷺ { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . وهذا كان عليه فرض الصلاة في جماعة ؛ لما نذكره في بابه إن شاء الله تعالى ؛ فإذا لم يفعل فقد عمل عملا ليس عليه أمر الله تعالى ؛ فهو مردود ؟ . 
يتبع ان شاء الله م 314. حتي......؟

=========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مكتبات الكتاب الاسلامي

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أ...