مدونة استكمال مصنفات الإمامين ابن حزم والوكاني

الأحد، 20 مارس 2022

المحلي لابن حزم تابع أخير لكتاب الصلاة من { مسألة رقم 497 حتي آخر {555 - مسألة }

تابع كتـاب الصلاة { وهو التابع الأخير لتاب الصلاة}


حكم المساجد

497 - مسألة حكم المساجد : وتكره المحاريب في المساجد ، وواجب كنسها ، ويستحب أن تطيب بالطيب - : ويستحب ملازمة المسجد لمن هو في غنى عن الكسب والتصرف ؟ وقال علي : أما المحاريب فمحدثة ، وإنما كان رسول الله ﷺ يقف وحده ويصف الصف الأول خلفه - : حدثنا عبد الرحمن الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سعيد بن عفير ثنا الليث هو ابن سعد - حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك { أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلي بهم ، لم يفجأهم إلا رسول الله ﷺ قد كشف سجف حجرة عائشة فنظر إليهم وهم صفوف في الصلاة ثم تبسم ، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف ، وظن أن رسول الله ﷺ يريد أن يخرج إلى الصلاة ، وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله ﷺ فأشار إليهم رسول الله ﷺ بيده : أن أتموا صلاتكم ، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر . } قال علي : لو كان أبو بكر في محراب لما رأى رسول الله ﷺ إذ كشف الستر ، وكان هذا يوم موته عليه السلام ؟ وروينا عن علي بن أبي طالب : أنه كان يكره المحراب في المسجد ؟ وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يصلى في طاق الإمام ، قال سفيان ونحن نكرهه ؟ وعن المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه قال : رأيت الحسن جاء إلى ثابت البناني فحضرت الصلاة فقال ثابت : تقدم يا أبا سعيد ، قال الحسن : بل أنت أحق ، قال ثابت : والله لا أتقدمك أبدا فتقدم الحسن فاعتزل الطاق أن يصلي فيه قال معتمر : ورأيت أبي ، وليث بن أبي سليم يعتزلانه ؟ وعن وكيع يكون في آخر الزمان قوم تنقص أعمارهم ، يزينون مساجدهم ، ويتخذون لها مذابح كمذابح النصارى فإذا فعلوا ذلك صب عليهم البلاء ؟ [ وهو قول ] محمد بن جرير الطبري وغيره . وأما كنس المساجد فإن الله تعالى يقول : { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة } والعجب ممن يجيز المجيء إلى المسجد قبل غروب الشمس لصلاة المغرب وقبل الزوال لصلاة الجمعة - ثم يكره المجيء إلى سائر الصلوات قبل أوقاتها - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء حدثنا حسين بن علي هو الجعفي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت : { أمر رسول الله ﷺ ببناء المساجد في الدور ، وأن تطيب وتنظف } قال علي : الدور هي المحلات ، والأرباض ، تقول : دار بني عبد الأشهل ، ودار بني النجار تريد : محلة كل طائفة منهم . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - أنا عائذ بن حبيب ثنا حميد الطويل عن أنس قال : { رأى رسول الله ﷺ نخامة في قبلة المسجد ، فغضب حتى احمر وجهه ، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا ، فقال رسول الله ﷺ ما أحسن هذا }

498 - مسألة : والتحدث في المسجد بما لا إثم فيه من أمور الدنيا ، مباح ، وذكر الله تعالى أفضل . وإنشاد الشعر فيه مباح ، والتعلم فيه للصبيان وغيرهم مباح ، والسكن فيه والمبيت مباح ، ما لم يضق على المصلين ، وإدخال الدابة فيه مباح إذا كان لحاجة ، والحكم فيه والخصام كل ذلك جائز ، والتطرق فيه جائز ، إلا أن من خطر فيه بنبل فإنه يلزمه أن يمسك بحدائدها ، فإن لم يفعل فعليه القود في كل ما أصاب منها ؟ - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا زكرياء بن يحيى ثنا عبد الله بن نمير ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت { أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق في الأكحل ، فضرب عليه رسول الله ﷺ خيمة في المسجد ليعوده من قريب ، فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة لقوم من بني غفار - إلا الدم يسيل إليهم ، فقالوا : يا أهل الخيمة ، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما ، فمات منها } . وحديث السوداء التي كانت تسكن في المسجد من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أيضا . وأهل الصفة كانوا سكانا في المسجد ؟ وبه إلى البخاري : ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرني نافع أخبرني عبد الله بن عمر : أنه كان ينام وهو شاب أعزب في المسجد . ومن طريق مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن { أم سلمة قالت : شكوت إلى رسول الله ﷺ أني أشتكي ، قال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة } وبه إلى البخاري : ثنا عبد الله بن محمد ثنا عثمان بن عمر أنا يونس عن الزهري { عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه : أنه تقاضى ابن أبي الحدرد دينا كان له عليه في المسجد ، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله ﷺ وهو في بيته فخرج إليهما فنادى : يا كعب ضع من دينك هذا ، وأومأ إليه : أي الشطر ، قال : لقد فعلت يا رسول الله ، قال : قم فاقضه } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة " أن عمر بن الخطاب مر بحسان بن ثابت وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال : قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك " وذكر الحديث . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إبراهيم بن موسى ثنا الوليد هو ابن مسلم ثنا الأوزاعي ثنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن قتادة عن أبيه عن النبي ﷺ قال : { إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه } . ورويناه أيضا من طريق قتادة عن أنس . وقد { صلى عليه السلام حاملا أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله ﷺ } ؟ وبه إلى البخاري ثنا موسى بن إسماعيل ثنا عبد الواحد ثنا أبو بردة هو بريد بن عبد الله - أنه سمع أبا بردة هو جده عامر بن أبي موسى - عن أبيه عن النبي ﷺ قال : { من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها بكفه لا يعقر مسلما . } قال علي : والخبر الذي فيه النهي عن إنشاد الشعر لا يصح ؛ لأنه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " ، وهي صحيفة . وروينا عن ابن عمر ، والحسن ، والشعبي : إباحة التطرق في المسجد ؟ .

499 - مسألة : ودخول المشركين في جميع المساجد : جائز ، حاشا حرم مكة كله - المسجد وغيره - فلا يحل ألبتة أن يدخله كافر . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان وقال أبو حنيفة : لا بأس أن يدخله اليهودي ، والنصراني ، ومنع منه سائر الأديان وكره مالك دخول أحد من الكفار في شيء من المساجد . قال الله تعالى : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } قال علي : فخص الله المسجد الحرام ، فلا يجوز تعديه إلى غيره بغير نص ، وقد كان الحرم قبل بنيان المسجد وقد زيد فيه . وقال رسول الله ﷺ { : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا . } فصح أن الحرم كله هو المسجد الحرام ؟ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث ثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال : { بعث رسول الله ﷺ خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله ﷺ فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ قال : عندي خير ، يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت ؟ وذكر الحديث . وأنه عليه السلام أمر بإطلاقه في اليوم الثالث : فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، يا محمد ، والله : ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين إلي } وذكر الحديث فبطل قول مالك ؟ وأما قول أبي حنيفة فإنه قال : إن الله تعالى قد فرق بين المشركين وبين سائر الكفار - : فقال تعالى : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين } وقال تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم } قال : والمشرك : هو من جعل لله شريكا ، لا من لم يجعل له شريكا ؟ قال علي : لا حجة له غير ما ذكرنا فأما تعلقه بالآيتين فلا حجة له فيهما ؛ لأن الله تعالى قال : { فيهما فاكهة ونخل ورمان } والرمان من الفاكهة . وقال تعالى : { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال } وهما من الملائكة ؟ وقال تعالى : { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى } وهؤلاء من النبيين ؟ إلا أنه كان يكون ما احتج به أبو حنيفة حجة : إن لم يأت برهان بأن اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والصابئين : مشركون ، لأنه لا يحمل شيء معطوف على شيء إلا أنه غيره ، حتى يأتي برهان بأنه هو أو بعضه فنقول وبالله تعالى التوفيق - : إن أول مخالف لنص الآيتين أبو حنيفة ؛ لأن المجوس عنده : مشركون ، وقد فرق الله تعالى في الذكر بين المجوس ، وبين المشركين - فبطل تعلقه بعطف الله تعالى إحدى الطائفتين على الأخرى ؟ ثم وجدنا الله تعالى قد قال : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فلو كان هاهنا كفر ليس شركا لكان مغفورا لمن شاء الله تعالى بخلاف الشرك وهذا لا يقوله مسلم ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن راهويه عن جرير هو ابن عبد الحميد عن الأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل قال : قال عبد الله بن مسعود { قال رجل : يا رسول الله ، أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال : أن تدعو لله ندا ، وهو خلقك ، قال : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك } . وبه إلى مسلم : أنا عمرو بن محمد بن بكير الناقد ثنا إسماعيل ابن علية عن سعيد الجريري ثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال : كنا عند رسول الله ﷺ فقال : { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ثلاثا ؟ الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور أو قول الزور } وبه إلى مسلم : حدثني هارون بن سعيد الأيلي ثنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } قال علي : فلو كان هاهنا كفر ليس شركا لكان ذلك الكفر خارجا عن الكبائر ، ولكان عقوق الوالدين ، وشهادة الزور ، أعظم منه ، وهذا لا يقوله مسلم ؟ فصح أن كل كفر شرك ، وكل شرك كفر ، وأنهما اسمان شرعيان أوقعهما الله تعالى على معنى واحد ؟ ؟ وأما حجته بأن المشرك هو من جعل لله شريكا فقط : فهي منتقضة عليه من وجهين - : أحدهما : أن النصارى يجعلون لله تعالى شريكا يخلق كخلقه ، وهو يقول : إنهم ليسوا مشركين وهذا تناقض ظاهر ؟ والثاني : أن البراهمة ، والقائلين بأن العالم لم يزل ، وأن له خالقا واحدا لم يزل ، والقائلين بنبوة علي بن أبي طالب والمغيرة وبزيغ كلهم لا يجعلون لله تعالى شريكا وهم عند أبي حنيفة مشركون ، وهو تناقض ظاهر ؟ ووجه ثالث : وهو أنه لم يكن المشرك إلا ما وقع عليه اسم التشريك في اللغة - : وهو من جعل لله تعالى شريكا فقط - : لوجب أن لا يكون الكفر إلا من كفر بالله تعالى وأنكره جملة ، لا من أقر به ولم يجحده ، فيلزم من هذا أن لا يكون الكفار إلا الدهرية فقط ، وأن لا يكون اليهود ، ولا النصارى ، ولا المجوس ، ولا البراهمة . كفارا ؛ لأنهم كلهم مقرون بالله تعالى ، وهو لا يقول بهذا ، ولا مسلم على ظهر الأرض . أو كان يجب أن يكون كل من غطى شيئا : كافرا ، فإن الكفر في اللغة : التغطية ، فإذا كل هذا باطل فقد صح أنهما اسمان نقلهما الله تعالى عن موضوعهما في اللغة إلى كل من أنكر شيئا من دين الله الإسلام يكون بإنكاره معاندا لرسول الله ﷺ بعد بلوغ النذارة إليه ، وبالله تعالى التوفيق .

500 - مسألة : واللعب ، والزفن مباحان في المسجد حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن هشام بن عروة عن أبيه عن { عائشة أم المؤمنين قالت : جاء حبش يزفنون في المسجد في يوم عيد فدعاني النبي ﷺ فوضعت رأسي على منكبه ، فجعلت أنظر إلى لعبهم ، حتى كنت أنا التي انصرفت } .

501 - مسألة : ولا يجوز إنشاد الضوال في المساجد : " فمن نشدها فيه قيل له : لا وجدت : لا ردها الله عليك " - : حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا الحجي ثنا عبد العزيز هو الدراوردي - حدثني يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { إذا رأيتم الرجل ينشد ضالته - يعني في المسجد - فقولوا : لا رد الله عليك . } . وقد روينا أيضا " لا وجدت " .

502 - مسألة : ولا يجوز البول في المسجد فمن بال فيه صب على بوله ذنوبا من ماء ، ولا يجوز البصاق ، فمن بصق فيه فليدفن بصقته . ولا يحل أن يبنى مسجد بذهب ، ولا فضة ، إلا المسجد الحرام خاصة ؟ - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ : { البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها } . وروينا القول بذلك عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاوية ؟ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : أن أبا هريرة قال : { قام أعرابي فبال في المسجد ، فتناوله الناس فقال لهم النبي ﷺ دعوه وأهريقوا على بوله سجلا من ماء ، أو ذنوبا من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين } قال علي : { أمر النبي ﷺ بتنظيف المساجد وتطييبها } كما أوردنا قبل يقتضي كل ما وقع عليه اسم تنظيف وتطييب ، والتنظيف والتطييب : يوجبان إبعاد كل محرم ، وكل قذر ، وكل قمامة ، فلا بد من إذهاب عين البول وغيره - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا سليمان بن الأشعث ثنا محمد بن الصباح بن سفيان أنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : { ما أمرت بتشييد المساجد } قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عمرو بن العباس ثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي - ثنا سفيان الثوري عن واصل عن أبي وائل قال : جلست إلى شيبة يعني ابن عثمان بن أبي طلحة الحجبي - قال : جلس إلي عمر في مجلسك هذا فقال : هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين ، قلت : ما أنت بفاعل ، قال : لم ؟ قلت : لم يفعله صاحباك ، قال : هما المرءان يقتدى بهما " . وروينا عن أبي الدرداء : إذا حليتم مصاحفكم ، وزخرفتم مساجدكم : فالدمار عليكم ؟ وعن علي بن أبي طالب أنه قال : إن القوم إذا زينوا مساجدهم : فسدت أعمالهم ، وأنه كان يمر على مسجد للتيم مشوف فكان يقول : هذه بيعة التيم وعن عمر بن الخطاب أنه قال لمن أراد أن يبني مسجدا : لا تحمر ، ولا تصفر ؟

503 - مسألة : ولا يحل بناء مسجد عليه بيت متملك ليس من المسجد ، ولا بناء مسجد تحته بيت متملك ليس منه ، فمن فعل ذلك فليس شيء من ذلك مسجدا ، وهو باق على ملك بانيه كما كان ؟ برهان ذلك - : أن الهواء لا يتملك ، لأنه لا يضبط ولا يستقر ؟ وقال تعالى : { وأن المساجد لله } فلا يكون مسجدا إلا خارجا عن ملك كل أحد دون الله تعالى لا شريك له فإذ ذلك كذلك فكل بيت متملك لإنسان فله أن يعليه ما شاء ، ولا يقدر على إخراج الهواء الذي عليه عن ملكه ، وحكمه الواجب له ، لا إلى إنسان ولا غيره . وكذلك إذا بني على الأرض مسجدا وشرط الهواء له يعمل فيه ما شاء : فلم يخرجه عن ملكه إلا بشرط فاسد . وقد قال رسول الله ﷺ : { كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل } . وأيضا : فإذا عمل مسجدا على الأرض وأبقى الهواء لنفسه : فإن كان السقف له ؟ فهذا مسجد لا سقف له ، ولا يكون بناء بلا سقف أصلا . وإن كان السقف للمسجد ؟ فلا يحل له التصرف عليه بالبناء . وإن كان المسجد في العلو والسقف للمسجد : - فهذا مسجد لا أرض له ، وهذا باطل . فإن كان للمسجد فلا حق له فيه ، فإنما أبقى لنفسه بيتا بلا سقف ، وهذا محال ؟ ؟ وأيضا : فإن كان المسجد سفلا ؟ فلا يحل له أن يبني على رءوس حيطانه شيئا ، واشتراط ذلك باطل ؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله . وإن كان المسجد علوا ، فله هدم حيطانه متى شاء ، وفي ذلك هدم المسجد وانكفاؤه ولا يحل منعه من ذلك ؛ لأنه منع له من التصرف في ماله ، وهذا لا يحل .

504 - مسألة : والبيع جائز في المساجد قال الله تعالى : { وأحل الله البيع } ولم يأت نهي عن ذلك إلا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وهي صحيفته .

=====




كتـاب الصلاة


حكم المساجد

505 - مسألة : الصلاة الوسطى ؟ والصلاة الوسطى : هي العصر ، واختلف الناس في ذلك - : فصح عن زيد بن ثابت ، وأسامة بن زيد : أنها الظهر . وروي أيضا عن أبي سعيد الخدري وروي أيضا عن عائشة أم المؤمنين ، وأبي هريرة ، وابن عمر باختلاف عنهم ؟ وروي أيضا عن جملة من أصحاب النبي ﷺ . وعن أبي موسى الأشعري : أنها الصبح . وعن ابن عباس ، وابن عمر باختلاف عنهما . وعن علي ولم يصح عنه ؟ وهو قول : طاوس ، وعطاء ومجاهد ، وعكرمة ، وهو قول مالك . وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنها المغرب . ورويناه من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب . وقد ذكر بعض العلماء أنه قال : هي العتمة ؟ وذهب الجمهور إلى أنها العصر ؟ واحتج من ذهب إلى أنها الظهر - : بما رويناه عن زيد بن ثابت بإسناد صحيح قال : { كان رسول الله ﷺ يصلي الظهر بالهاجرة ، والناس في قائلتهم وأسواقهم ، ولم يكن يصلي وراء رسول الله ﷺ إلا الصف والصفان ، فأنزل الله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فقال رسول الله ﷺ : لينتهين أقوام أو لأحرقن بيوتهم } ؟ قال زيد بن ثابت : قبلها : صلاتان وبعدها : صلاتان . قال علي : ليس في هذا بيان جلي بأنها الظهر ؟ واحتج من ذهب إلى أنها المغرب بأن أول الصلوات فرضت الظهر ، فهي الأولى ، وبذلك سميت الأولى ، وبعدها العصر ، صلاتان للنهار ، فالمغرب هي الوسطى ، وبأن بعض الفقهاء لم يجعل لها إلا وقتا واحدا ؟ قال علي : وهذا لا حجة فيه ، لأنها خمس أبدا بالعدد من حيث شئت ، فالثالثة الوسطى ، ومن جعل لها وقتا واحدا فقد أخطأ ، إذ قد صح النص بأن لها وقتين كسائر الصلوات ؟ وما نعلم لمن ذهب إلى أنها : " العتمة " حجة نشتغل بها ؟ واحتج من قال : إنها الصبح بأن قال : إنها تصلى في سواد من الليل وبياض من النهار قال علي : وهذا لا شيء ، لأن المغرب تشاركها في هذه الصفة ، وليس في كونها كذلك بيان بأن إحداهما الصلاة الوسطى . وقالوا : قد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال : { من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام ليلة ، ومن صلى العشاء الآخرة في جماعة فكأنما قام نصف ليلة } قال علي : ليس في هذا تفضيل لها على الظهر ، ولا على العصر ، ولا على المغرب ، وإنما فيه تفضيلها على العتمة فقط ، وليس في هذا بيان : أنها الصلاة الوسطى . وقد صح عن النبي ﷺ { من فاته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله } وذكروا قول رسول الله ﷺ { تتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، يجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر } قال علي : قد شاركها في هذا صلاة العصر ، وليس في هذا بيان بأن إحداهما هي الصلاة الوسطى . وكذلك القول في قوله عليه السلام { : إن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا } . { ومن صلى البردين دخل الجنة } ولا فرق . وذكروا قول الله تعالى : { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } وهذا لا بيان فيه بأنها الوسطى ، لأنه تعالى أمر في هذه الآية بغير الصبح كما أمر بصلاة الصبح قال تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } فالأمر بجميعها سواء . وقد صح أن الملائكة تتعاقب في الصبح والعصر ، فقرآن العصر مشهود كقرآن الفجر ولا فرق . وليس في قوله تعالى : { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } دليل أن قرآن غير الفجر من الصلوات ليس مشهودا ، حاشا لله من هذا بل كلها مشهود بلا شك . واحتجوا بأنها أصعب الصلوات على المصلين ، في الشتاء : للبرد ، وفي الصيف : للنوم ، وقصر الليالي . قال علي : وهذا لا دليل فيه أصلا على أنها الوسطى ، والظهر يشتد فيها الحر حتى تكون أصعب الصلوات ، كما قال زيد بن ثابت . قال علي : هذا كل ما احتجوا به ، ليس في شيء منه حجة ، وإنما هي ظنون كاذبة ، وقد قال تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } وقال عليه السلام : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } ولا يحل الإخبار عن مراد الله تعالى بالظن الكاذب ، معاذ الله من ذلك . وقد قال قوم : نجعل كل صلاة هي الوسطى قال علي : وهذا لا يجوز ، لأن الله تعالى خص بهذه الصفة صلاة واحدة ، فلا يحل حملها على أكثر من واحدة ، ولا على غير التي أراد الله تعالى بها ، فيكون من فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه كاذبا على الله تعالى . قال علي : فوجب طلب مراد الله تعالى بالصلاة الوسطى من بيان رسول الله ﷺ لا من غيره . قال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } فنظرنا في ذلك - : فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن محمد هو المسندي وعبد الرحمن ثنا يحيى بن سعيد هو القطان . وقال المسندي : ثنا يزيد ، ثم اتفق يزيد ويحيى قالا : أنا هشام هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي قال : { قال رسول الله ﷺ يوم الخندق : شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ، ملأ الله قبورهم وبيوتهم - أو أجوافهم - نارا } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي قالا : ثنا شعبة قال : سمعت قتادة عن أبي حسان هو مسلم الأجرد - عن عبيدة السلماني عن علي قال : { قال رسول الله ﷺ يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس ، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا } هذا لفظ ابن أبي عدي ، ولفظ محمد بن جعفر { قبورهم أو بيوتهم أو بطونهم نارا } . حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا إبراهيم بن حماد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري ، عن عاصم بن أبي النجود عن { زر بن حبيش قال : قلت لعبيدة : سل عليا عن الصلاة الوسطى فسأله ، فقال : كنا نراها صلاة الفجر ، حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله قلوبهم وأجوافهم أو بيوتهم نارا . } قال علي : وقد رويناه أيضا من طريق حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر عن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ . ورويناه أيضا من طريق مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبي كريب قالوا : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن شتير بن شكل عن علي عن النبي ﷺ . وشتير تابعي ثقة ، وأبوه أحد الصحابة ، وقد سمعه شتير من علي . ورويناه أيضا من طرق . فهذه آثار متظاهرة لا يسع الخروج عنها ، وهو قول جماعة من السلف ، كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى - : قال علي : فتعلل بعض المخالفين بأن ذكروا ما رويناه من طريق ابن جريج عن نافع : أن حفصة أم المؤمنين كتبت بخط يدها في مصحفها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر - وقوموا لله قانتين وبما رويناه عن عبد الرزاق عن داود بن قيس عن عبد الله بن رافع : أن أم سلمة أم المؤمنين أمرته أن ينسخ لها مصحفا ، وأمرته أن يكتب فيه إذا بلغ إلى هذا المكان حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين . وعن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين أنها أملت عليه في مصحف كتبه لها : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر - وقوموا لله قانتين وقالت : " سمعتها من رسول الله ﷺ " . وعن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه { : كان في مصحف عائشة أم المؤمنين : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى - وصلاة العصر - وقوموا لله قانتين } . وعن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم سمعت ابن عباس يقول : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " وعن إسرائيل عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان أبي بن كعب يقرؤها : على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر . قالوا : فدل هذا على أنها ليست صلاة العصر ؟ قال علي : هذا اعتراض في غاية الفساد ، لأنه كله ليس منه عن رسول الله ﷺ شيء ، وإنما هو موقوف على حفصة ، وأم سلمة ، وعائشة : أمهات المؤمنين - وابن عباس ، وأبي بن كعب ، حاشا رواية عائشة فقط . ولا يجوز أن يعارض نص كلام رسول الله ﷺ بكلام غيره ؟ فإن وهنوا تلك الروايات قيل لهم : هذه الروايات هي الواهية وهذا كله لا يجوز ؟ ثم نقول لهم : من العجب احتجاجكم بهذه الزيادة التي أنتم مجمعون معنا على أنها لا يحل لأحد أن يقرأ بها ، ولا أن يكتبها في مصحفه ، وفي هذا بيان أنها روايات لا تقوم بها حجة وكل ما كان عمن دون رسول الله ﷺ فلا حجة فيه ، لأن الله تعالى لم يأمر عند التنازع بالرد إلى أحد غير كتابه وسنة رسوله ﷺ لا إلى غيرهما فقد عصى الله تعالى ، وخالف أمره ، فهذا برهان كاف ثم آخر ، وهو : أن الرواية قد تعارضت عن هؤلاء الصحابة المذكورين - : على أن نسلم لكم كل ما تريدون في معنى هذه اللفظة الزائدة التي في هذه - الآثار - وهي أننا روينا خبر أم سلمة من طريق وكيع عن داود بن قيس عن عبد الله بن رافع : أن أم سلمة أم المؤمنين كتبت مصحفا فقالت : اكتب " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر هكذا بلا واو ؟ وأما خبر ابن عباس فرويناه من طريق وكيع عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن هبيرة بن يريم قال : سمعت ابن عباس يقول : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر - هكذا بلا واو ؟ فاختلف وكيع ، وعبد الرزاق على داود بن قيس في حديث أم سلمة . واختلف وكيع ، ويحيى على شعبة في حديث ابن عباس ، وليس وكيع دون يحيى ولا دون عبد الرزاق ؟ وأما خبر أبي بن كعب فرويناه من طريق إسماعيل بن إسحاق عن محمد بن أبي بكر عن مجلوب أبي جعفر عن خالد الحذاء عن أبي قلابة قال : في قراءة أبي بن كعب صلاة الوسطى صلاة العصر فليست هذه الرواية دون الأولى ، فقد اختلف على أبي بن كعب أيضا ؟ وأما خبر عائشة فإننا روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن أبي سهل محمد بن عمرو الأنصاري عن محمد بن أبي بكر عن عائشة أم المؤمنين قالت : الصلاة الوسطى صلاة العصر ؟ فهذه أصح رواية عن عائشة أبو سهل محمد بن عمرو الأنصاري ثقة - روى عنه ابن مهدي ، ووكيع ، ومعمر ، وعبد الله بن المبارك ، وغيرهم . فبطل التعلق بشيء مما ذكرنا قبل ، إذ ليس بعض ما روي عن هؤلاء المذكورين بأولى من بعض ، والواجب الرجوع إلى ما صح عن رسول الله ﷺ في ذلك ، وقد ذكرنا أنه لم يصح عنه عليه السلام إلا أن الصلاة الوسطى : صلاة العصر ؟ فإن قيل : فكيف تصنعون أنتم في هذه الروايات التي أوردت عن حفصة ، وعائشة ، وأم سلمة ، وأبي ، وابن عباس - : التي فيها " وصلاة العصر " والتي فيها " صلاة العصر " عنهم " بلا واو " حاشا حفصة وكيف تقولون في القراءة بهذه الزيادة ، وهي لا تحل القراءة بها اليوم ؟ فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أن الذي يظن من اختلاف الرواية في ذلك فليس اختلافا ، بل المعنى في ذلك مع " الواو " ومع إسقاطها سواء ، وهو أنها تعطف الصفة على الصفة ، لا يجوز غير ذلك . كما قال الله تعالى : { ولكن رسول الله وخاتم النبيين } فرسول الله ﷺ هو خاتم النبيين . وكما تقول : أكرم إخوانك ، وأبا زيد الكريم والحسيب أخا محمد فأبو زيد هو الحسيب ، وهو أخو محمد . فقوله " وصلاة العصر " بيان للصلاة الوسطى فهي الوسطى وهي صلاة العصر . وأما قوله عليه السلام { شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر } فلا يحتمل تأويلا أصلا ، فوجب بذلك حمل قوله عليه السلام { والصلاة الوسطى وصلاة العصر } على أنها عطف صفة على صفة ولا بد ويبين أيضا صحة هذا التأويل عنهم ما قد أوردناه عنهم أنفسهم من قولهم " والصلاة الوسطى صلاة العصر " . وصحت الرواية عن عائشة بأنها العصر ، وهي التي روت نزول الآية فيها " وصلاة العصر " فصح أنها عرفت أنها صفة لصلاة العصر ، وهي سمعت النبي ﷺ يتلوها كذلك ، وبهذا ارتفع الاضطراب عنهم ، وتتفق أقوالهم ، ويصح كل ما روي عن رسول الله ﷺ في ذلك ، وينتفي عنه الاختلاف ، وحاشا لله أن يأتي اضطراب عن رسول الله ﷺ . ومن أبى من هذا لم يحصل على ما يريد ، ووجب الاضطراب في الرواية عنهم ولم يكن بعض ذلك أولى من بعض ، ووجب سقوط الروايتين معا ، وصح ما جاء في ذلك عن النبي ﷺ وبطل الاعتراض عليه بروايات اضطرب على أصحابها بما يحتمل التأويل مما يدعيه المخالف ، وبما لا يحتمل التأويل مما يوافق قولنا ، ولله الحمد . وأما القراءة بهذه الزيادة فلا تحل ، ومعاذ الله أن تزيد أمهات المؤمنين ، وأبي ، وابن عباس في القرآن ما ليس فيه ؟ والقول في هذا : هو أن تلك اللفظة كانت منزلة ثم نسخ لفظها - : كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج أخبرني عبد الملك بن عبد الرحمن عن أمه { أم حميد بنت عبد الرحمن قالت : سألت عائشة أم المؤمنين عن الصلاة الوسطى ؟ فقالت : كنا نقرؤها في الحرف الأول على عهد رسول الله ﷺ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى - وصلاة العصر وقوموا لله قانتين } حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - أنا يحيى بن آدم ثنا الفضيل بن مرزوق عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال " نزلت هذه الآية : حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها ما شاء الله ، ثم نسخها الله تعالى فنزلت : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فقال رجل كان جالسا عند شقيق له : هي إذن صلاة العصر ، فقال البراء : قد أخبرتك كيف نزلت ؟ وكيف نسخها الله ؟ والله أعلم " قال علي : فصح نسخ هذه اللفظة ، وبقي حكمها كآية الرجم ، وبالله تعالى التوفيق . وقد يثبتها من ذكرنا من أمهات المؤمنين على معنى التفسير والله أعلم ؟ قال علي : وقال بهذا من السلف طائفة - : كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر . ومن طريق إسماعيل بن إسحاق ثنا علي بن عبد الله هو ابن المديني ثنا بشر بن المفضل ثنا عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن بن نافع : أن أبا هريرة سئل عن الصلاة الوسطى فقال للذي سأله : ألست تقرأ القرآن ؟ قال : بلى ، قال : فإني سأقرأ عليك بهذا القرآن حتى تفهمها ، قال الله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } المغرب . وقال : { من بعد صلاة العشاء } العتمة . وقال : { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } الغداة . ثم قال : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } هي العصر ، هي العصر . وعن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه : أنه كان يرى الصلاة الوسطى : صلاة العصر . وعن يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن قتادة عن أبي أيوب هو يحيى بن يزيد المراغي عن عائشة أم المؤمنين قالت : الصلاة الوسطى صلاة العصر . وعن القاسم بن محمد عنها مثل ذلك ؟ وعن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن علي بن أبي طالب في الصلاة الوسطى ؟ قال : هي التي فرط فيها ابن داود يعني صلاة العصر . وعن يحيى بن سعيد القطان عن أبي حيان يحيى بن سعيد التيمي حدثني أبي : أن سائلا سأل عليا : أي الصلوات يا أمير المؤمنين الوسطى ؟ وقد نادى مناديه العصر ، فقال : هي هذه ؟ . قال علي : لا يصح عن علي ولا عن عائشة : غير هذا أصلا . وقد روينا قبل عن أم سلمة أم المؤمنين ، وابن عباس ، وأبي بن كعب وروي أيضا عن أبي أيوب الأنصاري . وعن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال : الصلاة الوسطى : صلاة العصر ؟ وعن أبي هلال عن قتادة قال : الصلاة الوسطى : صلاة العصر وعن معمر عن الزهري قال : الصلاة الوسطى : صلاة العصر وعن معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال : الصلاة الوسطى : صلاة العصر وهو قول سفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وداود ، وجميع أصحابهم ، وهو قول إسحاق بن راهويه وجمهور أصحاب الحديث . وقد رويناه أيضا مسندا إلى النبي ﷺ من طريق ابن مسعود وسمرة .

=======




كتـاب الصلاة


حكم المساجد

506 - مسألة : ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة : حسن ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد مولى ابن عباس وهو جد عمرو - قال سمعته يحدث عن ابن عباس قال " ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله ﷺ إلا بالتكبير " قال علي : فإن قيل : قد نسي أبو معبد هذا الحديث وأنكره ؟ قلنا : فكان ماذا ؟ عمرو أوثق الثقات ، والنسيان لا يعرى منه آدمي . والحجة قد قامت برواية الثقة

507 - مسألة : وجلوس الإمام في مصلاه بعد سلامه : حسن مباح لا يكره ، وإن قام ساعة يسلم : فحسن ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري عن أبي عوانة عن هلال بن أبي حميد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن { البراء بن عازب قال رمقت الصلاة مع رسول الله ﷺ فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه ، فسجدته ، فجلسته بين السجدتين ، فسجدته ، فجلسته ، وجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء . } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سلمة ثنا ابن وهب عن يونس بن زيد قال ابن شهاب : أخبرتني هند الفراسية { أن أم سلمة أم المؤمنين أخبرتها أن النساء كن إذا سلمن من الصلاة قمن ، وثبت رسول الله ﷺ ومن صلى من الرجال ما شاء الله ، فإذا قام رسول الله ﷺ قام الرجال } وقد صحت أخبار كثيرة مسندة تدل على هذا وبه إلى أحمد بن شعيب : أنا يعقوب بن إبراهيم ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان عن سفيان الثوري حدثني يعلى بن عطاء { عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أنه صلى مع رسول الله ﷺ الصبح ، فلما صلى انحرف } قال علي : وكلا الأمرين مأثور عن السلف - : روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : أنه كان إذا سلم كأنه على الرضف حتى يقوم وروينا خلاف ذلك عن ابن مسعود : أنه سئل عن الرجل يصلي المكتوبة : أيتطوع في مكانه ؟ قال : نعم ، ولم يفرق بين إمام وغير إمام ؟ . وعن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يؤمهم ثم يتطوع في مكانه وعن ابن جريج عن عطاء قال : قد كان يجلس الإمام بعدما يسلم ؟ وعن إبراهيم بن ميسرة ، قيل لطاوس : أيتحول الرجل إذا صلى المكتوبة من مكانه ليتطوع ؟ فقال : { أتعلمون الله بدينكم ؟ }

508 - مسألة : ومن وجد الإمام جالسا في آخر صلاته قبل أن يسلم ففرض عليه أن يدخل معه ، سواء طمع بإدراك الصلاة من أولها في مسجد آخر أو لم يطمع ، فإن وجده قد سلم ، فإن طمع بإدراك شيء من صلاة الجماعة في مسجد آخر لا مشقة في قصده ففرض عليه النهوض إليه . ولا يجوز الإسراع إلى الصلاة وإن علم أنها قد ابتدئت ؟ - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو نعيم هو الفضل بن دكين - ثنا شيبان عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : { بينما نحن نصلي مع رسول الله ﷺ إذ سمع جلبة رجال ، فلما صلى قال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة قال : فلا تفعلوا ، إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا } . وبه إلى البخاري : ثنا آدم ثنا ابن أبي ذئب حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا } فهذا عموم لما أدركه المرء من الصلاة ، قل أم كثر ، وهذان الخبران زائدان على الخبر الذي فيه { من أدرك من الصلاة مع الإمام ركعة فقد أدرك الصلاة } ولا يحل ترك الأخذ بالزيادة . وروينا عن ابن مسعود : أنه أدرك قوما جلوسا في آخر صلاتهم فقال : أدركتم إن شاء الله ؟ وعن شقيق بن سلمة : من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة وعن الحسن قال : إذا أدركهم سجودا سجد معهم وعن ابن جريج ، قلت لعطاء : إن سمع الإقامة أو الأذان وهو يصلي المكتوبة أيقطع صلاته ويأتي الجماعة ؟ قال : إن ظن أنه يدرك من المكتوبة شيئا فنعم ؟ وعن سعيد بن جبير : أنه جاء قوما فوجدهم قد صلوا ، فسمع مؤذنا فخرج إليه ؟ وروينا : أن الأسود بن يزيد فعله أيضا وعن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة : إذا كان أحدكم مقبلا إلى صلاة فليمش على رسله فإنه في صلاة ، فما أدرك فليصل ، وما فاته فليقضه بعد ، قال عطاء وإني لأصنعه وعن ثابت البناني قال : أقيمت الصلاة وأنس بن مالك واضع يده علي فجعل يقارب بين الخطا ، فانتهينا إلى المسجد وقد سبقنا بركعة ، فصلينا مع الإمام وقضينا ما فاتنا ، فقال لي أنس : يا ثابت أغمك ما صنعت بك ؟ قلت : نعم ، قال : صنعه بي أخي زيد بن ثابت وعن أبي ذر : من أقبل ليشهد الصلاة فأقيمت وهو في الطريق فلا يسرع ولا يزد على مشيته الأولى ، فما أدرك فليصل مع الإمام ، وما لم يدرك فليتمه ؟ . وعن سفيان بن زياد أن الزبير أدركه وهو يعجل إلى المسجد ، فقال له الزبير : أقصد ، فإنك في صلاة ، لا تخطو خطوة إلا رفعك الله بها درجة أو حط عنك بها خطيئة ؟ قال علي : وحديث الذي جاء وقد حفزه النفس ، فقال " الله أكبر كبيرا " . وحديث أبي بكرة - : فيهما النهي عن الإسراع أيضا ؟

509 - مسألة : ويستحب لكل مصل أن ينصرف عن يمينه فإن انصرف عن شماله : فمباح ، لا حرج في ذلك ولا كراهة ؟ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ، ثنا البخاري ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة أخبرني أشعث بن سليم سمعت أبي عن مسروق عن عائشة قالت { كان رسول الله ﷺ يعجبه التيمن في تنعله وترجله ، وفي شأنه كله } . وروينا عن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن السدي : سألت أنس بن مالك : كيف أنصرف إذا صليت ؟ قال : { أما أنا فرأيت رسول الله ﷺ ينصرف على يمينه } وعن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الأسود بن يزيد { عن ابن مسعود رأيت رسول الله ﷺ أكثر ما ينصرف عن يساره ، قال عمارة : فرأيت حجر رسول الله ﷺ عن يسار القبلة . }

510 - مسألة : ومن وجد الإمام راكعا أو ساجدا أو جالسا فلا يجوز ألبتة أن يكبر قائما ، لكن يكبر وهو في الحال التي يجد إمامه عليها ولا بد ، تكبيرتين ولا بد ، إحداهما للإحرام بالصلاة ، والثانية للحال التي هو فيها . لقول رسول الله ﷺ { إنما جعل الإمام ليؤتم به . } ولقوله عليه السلام { : ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا . } فأمر عليه السلام بالائتمام بالإمام ، والائتمام به : هو أن لا يخالفه الإنسان في جميع عمله ، ومن كبر قائما والإمام غير قائم فلم يأتم به ، فقد صلى بخلاف ما أمر ولا يجوز أن يقضي ما فاته من قيام أو غيره إلا بعد تمام صلاة الإمام لا قبل ذلك وبالله تعالى التوفيق .

=====







كتـاب الصلاة


صلاة المسافر

511 - مسألة : صلاة الصبح ركعتان في السفر والحضر أبدا ، وفي الخوف كذلك . وصلاة المغرب ثلاث ركعات في الحضر ، والسفر ، والخوف أبدا . ولا يختلف عدد الركعات إلا في الظهر والعصر والعتمة ، فإنها أربع ركعات في الحضر للصحيح ، والمريض ، وركعتان في السفر ، وفي الخوف ركعة . كل هذا إجماع متيقن ، إلا كون هذه الصلوات ركعة في الخوف ففيه خلاف .

512 - مسألة : وكون الصلوات المذكورة في السفر ركعتين فرض - سواء كان سفر طاعة أو معصية ، أو لا طاعة ولا معصية ، أمنا كان أو خوفا - فمن أتمها أربعا عامدا ، فإن كان عالما بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته ، وإن كان ساهيا سجد للسهو بعد السلام فقط وأما قصر كل صلاة من الصلوات المذكورة إلى ركعة في الخوف في السفر فمباح ، من صلاها ركعتين : فحسن ، ومن صلاها ركعة : فحسن ؟ وقال أبو حنيفة : قصر الصلاة في كل سفر طاعة أو معصية فرض ، فمن أتمها فإن لم يقعد بعد الاثنتين مقدار التشهد بطلت صلاته ، وأعاد أبدا ؟ وقال مالك : من أتم في السفر ، فعليه الإعادة في الوقت ؟ وقال الشافعي : القصر مباح ، ومن شاء أتم ؟ ولا قصر عند مالك ، والشافعي إلا في سفر مباح فقط ولم ير أبو حنيفة ، ولا مالك ، ولا الشافعي : القصر في الخوف إلى ركعة أصلا ، لكن ركعتان فقط ؟ برهان صحة قولنا - : ما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع ثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : { فرضت الصلاة ركعتين ، ثم هاجر رسول الله ﷺ ففرضت أربعا ، وتركت صلاة السفر على الأولى } . ورويناه أيضا : من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة . ومن طريق مالك عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة . ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد بن رافع ثنا محمد بن بشر ثنا يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زبيد اليامي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة ، قال : قال عمر بن الخطاب " { صلاة الأضحى ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان ، وصلاة المسافر ركعتان ، تمام غير قصر ، على لسان نبيكم ﷺ وقد خاب من افترى } . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الناقد ثنا محمد بن الصباح الجرجرائي ثنا عبد الله بن رجاء ثنا هشام الدستوائي عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { صلاة السفر ركعتان من ترك السنة فقد كفر } . وقد روينا هذا أيضا من كلام ابن عمر . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم عن عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن باباه عن يعلى بن أمية { قلت لعمر بن الخطاب { ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } فقد أمن الناس ؟ ، قال : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك ؟ فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته } . قال علي : فصح أن الصلاة فرضها الله تعالى ركعتين ثم بلغها في الحضر بعد الهجرة أربعا ، وأقر صلاة السفر على ركعتين . وصح أن صلاة السفر : ركعتان بقوله عليه السلام ، فإذ قد صح هذا فهي ركعتان لا يجوز أن يتعدى ذلك ، ومن تعداه فلم يصل كما أمر ، فلا صلاة له ، إذا كان عالما بذلك . ولم يخص عليه السلام سفرا من سفر ، بل عم ، فلا يجوز لأحد تخصيص ذلك ، ولم يجز رد صدقة الله تعالى التي أمر عليه السلام بقبولها ، فيكون من لا يقبلها عاصيا واحتج من خص بعض الأسفار بذلك بأن سفر المعصية محرم ، فلا حكم له ؟ فقلنا : أما محرم فنعم ، هو محرم ، ولكنه سفر ، فله حكم السفر ، وأنتم تقولون : إنه محرم ، ثم تجعلون فيه التيمم عند عدم الماء ، وتجيزون الصلاة فيه ، وترونها فرضا ، فأي فرق بين ما أجزتم - من الصلاة والتيمم لها - وبين ما منعتم من تأديتها ركعتين كما فرض الله تعالى في السفر ؟ ولا سبيل إلى فرق ؟ وكذلك الزنى محرم ، وفيه من الغسل كالذي في الحلال ، لأنه إجناب . ومجاوزة ختان لختان ، فوجب فيه حكم عموم الإجناب ومجاوزة الختان للختان ؟ وكما قالوا فيمن قاتل في قطع الطريق فجرح جراحات منعته من القيام ، فإن له من جواز الصلاة جالسا ما لمن قاتل في سبيل الله ولا فرق ، لعموم قوله عليه السلام : { صلوا قياما فمن لم يستطع فقاعدا } . فإن قيل لنا : فإنكم تقولون : من صلى في غير سبيل الحق راكبا أو مقاتلا أو ماشيا فلا صلاة له فما الفرق ؟ قلنا : نعم ، إن هؤلاء فعلوا في صلاتهم حركات لا يحل لهم فعلها ، فبذلك بطلت صلاتهم ولم يفعل المصلي ركعتين أو ركعة في صلاته شيئا غيرها ، وأما الذين ذكرتم فمشوا مشيا محرما في الصلاة ، وقاتلوا فيها قتالا محرما ؟ والعجب كل العجب من المالكيين الذين أتوا إلى عموم الله تعالى للسفر ، وعموم رسول الله ﷺ للسفر - { وما كان ربك نسيا } - فخصوه بآرائهم ولم يروا قصر الصلاة في سفر معصية ثم أتوا إلى ما خصه الله تعالى وأبطل فيه العموم ، من تحريمه الميتة جملة ، ثم قال { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم } . وقوله : { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم } : فقالوا بآرائهم : إن أكل الميتة ، والخنزير : حلال للمضطر ، وإن كان متجانفا لإثم ، وباغيا عاديا قاطعا للسبيل ، منتظرا لرفاق المسلمين يغير على أموالهم ويسفك دماءهم وهذا عجب جدا . واحتج بعضهم في هذا بأن قالوا : حرام عليه قتل نفسه فقلنا لهم : ولم يقتل نفسه ؟ بل يتوب الآن من نيته الفاسدة ، ويحل له أكل الميتة من حينه ، والتوبة فرض عليه ولا بد ؟ وقال أبو سليمان ، وأصحابنا : لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد ، أو عمرة . وهو قول جماعة من السلف - : كما روينا من طريق محمد بن أبي عدي ثنا شعبة عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الأسود عن ابن مسعود قال : لا يقصر الصلاة إلا حاج ، أو مجاهد ؟ وعن طاوس : أنه كان يسأل عن قصر الصلاة ؟ فيقول : إذا خرجنا حجاجا أو عمارا صلينا ركعتين وعن إبراهيم التيمي : أنه كان لا يرى القصر إلا في : حج ، أو عمرة ، أو جهاد واحتجوا بقول الله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } . وقالوا : لم يصل عليه السلام ركعتين إلا في : حج ، أو عمرة أو جهاد قال علي : لو لم يرد إلا هذه الآية وفعله عليه السلام لكان ما قالوا ، لكن لما ورد على لسانه عليه السلام : ركعتان في السفر ، وأمر بقبول صدقة الله تعالى بذلك - : كان هذا زائدا على ما في الآية وعلى عمله عليه السلام ، ولا يحل ترك الأخذ بالشرع الزائد ؟ واحتج الشافعيون في قولهم : إن المسافر مخير بين ركعتين أو أربع ركعات - : بهذه الآية ، وأنها جاءت بلفظ لا جناح وهذا يوجب الإباحة لا الفرض ؟ وبخبر رويناه من طريق عبد الرحمن بن الأسود { عن عائشة أنها اعتمرت مع رسول الله ﷺ من المدينة إلى مكة ، فلما قدمت مكة قالت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت ، وأفطرت وصمت قال : أحسنت يا عائشة } . ومن طريق عطاء عن عائشة { كان رسول الله ﷺ يسافر فيتم الصلاة ويقصر } . وبأن عثمان أتم الصلاة بمنى بحضرة جميع الصحابة رضي الله عنهم فأتموها معه ؟ وبأن عائشة - وهي روت { فرضت الصلاة ركعتين ركعتين } كانت تتم في السفر . قال علي : هذا كل ما احتجوا به ، وكله لا حجة لهم فيه - : أما الآية فإنها لم تنزل في القصر المذكور ، بل في غيره على ما نبين بعد هذا ، إن شاء الله تعالى . وأما الحديثان فلا خير فيهما - : أما الذي من طريق عبد الرحمن بن الأسود فانفرد به العلاء بن زهير الأزدي ، لم يروه غيره ، وهو مجهول . وأما حديث عطاء فانفرد به المغيرة بن زياد ، لم يروه غيره ، وقال فيه أحمد بن حنبل : هو ضعيف ، كل حديث أسنده فهو منكر وأما فعل عثمان ، وعائشة رضي الله عنهما فإنهما تأولا تأويلا خالفهما فيه غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم . كما حدثنا أحمد بن عمر الغدري ثنا أبو ذر الهروي ثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ثنا إبراهيم بن خزيم ثنا عبد بن حميد ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة - فذكر الخبر ، وفيه - قال الزهري : فقلت لعروة : فما كان عمل عائشة - فذكر الخبر ، وفيه - قال الزهري : فقلت لعروة : فما كان عمل عائشة أن تتم في السفر وقد علمت أن الله تعالى فرضها ركعتين ركعتين . قال : تأولت من ذلك ما تأول عثمان من إتمام الصلاة بمنى وروينا من طريق عبد الرزاق عن الزهري قال : بلغني أن عثمان إنما صلاها أربعا - يعني بمنى - لأنه أزمع أن يقيم بعد الحج . فعلى هذا أتم معه من كان يتم معه من الصحابة رضي الله عنهم ، لأنهم أقاموا بإقامته وقد خالفهما من الصحابة طوائف - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا صلى مع الإمام بمنى أربع ركعات انصرف إلى منزله فصلى فيه ركعتين أعادها ومن طريق عبد الرزاق عن سعيد بن السائب بن يسار حدثني داود بن أبي عاصم قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر بمنى ؟ فقال : " سمعت { أن رسول الله ﷺ كان يصلي بمنى ركعتين ركعتين } فصل إن شئت أو دع ؟ ومن طريق عبد الوارث بن سعيد التنوري : ثنا أبو التياح عن مورق العجلي عن صفوان بن محرز قلت لابن عمر : حدثني عن صلاة السفر ، قال : أتخشى أن تكذب علي ، قلت : لا ، قال : ركعتان ، من خالف السنة كفر ؟ ومن طريق سعيد بن منصور : ثنا مروان بن معاوية هو الفزاري - ثنا حميد بن علي العقيلي عن الضحاك بن مزاحم قال : قال ابن عباس : من صلى في السفر أربعا كمن صلى في الحضر ركعتين . ومن طريق سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : اعتل عثمان وهو بمنى فأتى علي فقيل له : صل بالناس ؟ فقال : إن شئتم صليت لكم صلاة رسول الله ﷺ يعني ركعتين قالوا : لا ، إلا صلاة أمير المؤمنين يعنون عثمان - : أربعا فأبى عثمان . وهكذا عمن بعدهم : روينا عن عمر بن عبد العزيز ، وقد ذكر له الإتمام في السفر لمن شاء ، فقال : لا ، الصلاة في السفر ركعتان حتمان لا يصح غيرهما . فإذا اختلف الصحابة فالواجب رد ما تنازعوا فيه إلى القرآن والسنة ؟ وأما المالكيون ، والحنفيون فقد تناقضوا ههنا أقبح تناقض ، لأنهم إذا تعلقوا بقول صاحب وخالفوا روايته قالوا : هو أعلم بما روى ، ولا يجوز أن يظن به أنه خالف رسول الله ﷺ إلا لعلم كان عنده رآه أولى مما روى . وها هنا أخذوا رواية عائشة وتركوا فعلها ، وقالوا بأقبح ما يشنعون به على غيرهم ، فرأوا أن عثمان ، وعائشة ومن معهما صلوا صلاة فاسدة يلزمهم إعادتها ، إما أبدا وإما في الوقت ؟ قال علي : وأما قولنا في صلاة الخوف ركعة فلما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ، وسعيد بن منصور ، وأبو الربيع الزهراني ، وقتيبة ، كلهم عن أبي عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال { فرض الله الصلاة على لسان نبيكم ﷺ في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة } . ورويناه أيضا - من طريق حذيفة ، وجابر ، وزيد بن ثابت ، وأبي هريرة وابن عمر ، كلهم عن رسول الله ﷺ بأسانيد في غاية الصحة ؟ وقال تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } . كتب إلى هشام بن سعيد الخير قال : ثنا عبد الجبار بن أحمد المقرئ الطويل ثنا الحسن بن الحسين بن عبدويه النجيرمي ثنا جعفر بن محمد بن الحسن الأصفهاني ثنا أبو بشر يونس بن حبيب بن عبد القادر ثنا أبو داود الطيالسي ثنا المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله - عن يزيد الفقير هو يزيد بن صهيب - قال : سألت جابر بن عبد الله عن الركعتين في السفر ، أقصرهما ؟ قال جابر لا : إن الركعتين في السفر ليستا بقصر ، إنما القصر ركعة عند القتال قال علي : وبهذه الآية قلنا : إن صلاة الخوف في السفر - إن شاء - ركعة - وإن شاء - ركعتان ؛ لأنه جاء في القرآن بلفظة لا جناح لا بلفظ الأمر والإيجاب ، وصلاهما الناس مع رسول الله ﷺ مرة ركعة ومرة ركعتين ، فكان ذلك على الاختيار كما قال جابر رضي الله عنه ؟

=========







كتـاب الصلاة


صلاة المسافر

513 - مسألة : ومن خرج عن بيوت مدينته ، أو قريته ، أو موضع سكناه فمشى ميلا فصاعدا : صلى ركعتين ولا بد إذا بلغ الميل ، فإن مشى أقل من ميل : صلى أربعا ؟ قال علي : اختلف الناس في هذا - : كما رويناه من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي المهلب : أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب : إنه بلغني أن رجالا يخرجون : إما لجباية ، وإما لتجارة ، وإما لجشر ثم لا يتمون الصلاة ، فلا تفعلوا ، فإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا ، أو بحضرة عدو . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عياش بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي : أن عثمان بن عفان كتب إلى عماله - : لا يصلي الركعتين : جاب ، ولا تاجر ، ولا تان ، إنما يصلي الركعتين من كان معه الزاد والمزاد . قال علي : الثاني - هو صاحب الضيعة ؟ قال علي : هكذا في كتابي وصوابه عندي : عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود قال : لا يغرنكم سوادكم هذا من صلاتكم ، فإنه من مصركم ؟ وعن عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنت مع حذيفة بالمدائن فاستأذنته أن آتي أهلي بالكوفة ، فأذن لي وشرط علي أن لا أفطر ولا أصلي ركعتين حتى أرجع إليه ، وبينهما نيف وستون ميلا ؟ وهذه أسانيد في غاية الصحة وعن حذيفة : أن لا يقصر إلى السواد ، وبين الكوفة والسواد : سبعون ميلا . وعن معاذ بن جبل ، وعقبة بن عامر : لا يطأ أحدكم بماشيته أحداب الجبال ، وبطون الأودية ، وتزعمون أنكم سفر ، لا ولا كرامة ، إنما التقصير في السفر البات ، من الأفق إلى الأفق ؟ ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن عاصم عن ابن سيرين قال : كانوا يقولون : السفر الذي تقصر فيه الصلاة : الذي يحمل فيه الزاد والمزاد ؟ وعن أبي وائل شقيق بن سلمة : أنه سئل عن قصر الصلاة من الكوفة إلى واسط ؟ فقال : لا تقصر الصلاة في ذلك ، وبينهما مائة ميل وخمسون ميلا ؟ فهنا قول - : ورويناه من طريق ابن جريج : أخبرني نافع : أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة إليه : مال له بخيبر ، وهي مسيرة ثلاث فواصل لم يكن يقصر فيما دونه . ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني ، وحميد ، كلاهما عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقصر الصلاة فيما بين المدينة ، وخيبر ، وهي كقدر الأهواز من البصرة ، لا يقصر فيما دون ذلك ؟ قال علي : بين المدينة ، وخيبر كما بين البصرة ، والأهواز - : وهو مائة ميل واحدة غير أربعة أميال وهذا مما اختلف فيه عن ابن عمر ، ثم عن نافع أيضا عن ابن عمر . وروينا عن الحسن بن حي : أنه قال : لا قصر في أقل من اثنين وثمانين ميلا ، كما بين الكوفة ، وبغداد ومن طريق وكيع عن سعيد بن عبيد الطائي عن علي بن ربيعة الوالبي الأسدي قال : سألت ابن عمر عن تقصير الصلاة ؟ فقال : حاج ، أو معتمر ، أو غاز ؟ قلت : لا ، ولكن أحدنا تكون له الضيعة بالسواد ، فقال : تعرف السويداء ؟ قلت : سمعت بها ولم أرها ، قال : فإنها ثلاث وليلتان وليلة للمسرع ، إذا خرجنا إليها قصرنا قال علي : من المدينة إلى السويداء - : اثنان وسبعون ميلا ، أربعة وعشرون فرسخا ؟ فهذه رواية أخرى عن ابن عمر . ومن طريق عبد الرزاق عن إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى يقول : سمعت سويد بن غفلة يقول : إذا سافرت ثلاثا فاقصر الصلاة ؟ وعن عبد الرزاق عن أبي حنيفة ، وسفيان الثوري ، كلاهما عن حماد عن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي - : أنه قال في قصر الصلاة ، قال أبو حنيفة في روايته : مسيرة ثلاث وقال سفيان في روايته : إلى نحو المدائن يعني من الكوفة ، وهو نحو نيف وستين ميلا ، لا يتجاوز ثلاثة وستين ولا ينقص عن واحد وستين ؟ وبهذين التحديدين جميعا يأخذ أبو حنيفة . وقال في تفسير الثلاث : سير الأقدام والثقل والإبل وقال سفيان الثوري : لا قصر في أقل من مسيرة ثلاث ، ولم نجد عنه تحديد الثلاث ؟ وعن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير في قصر الصلاة : في مسيرة ثلاث ؟ ومن طريق الحجاج بن المنهال : ثنا يزيد بن إبراهيم قال : سمعت الحسن البصري يقول : لا تقصر الصلاة في أقل من مسيرة ليلتين ؟ ومن طريق وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن : لا تقصر الصلاة إلا في ليلتين ، ولم نجد عنه تحديد الليلتين ؟ وعن معمر عن قتادة عن الحسن مثله ، قال : وبه يأخذ قتادة وعن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن مثله ، إلا أنه قال : مسيرة يومين ؟ ولم نجد عن قتادة ، ولا عن الزهري : تحديد اليومين وعن وكيع عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن ابن عباس قال : إذا سافرت يوما إلى العشاء فأتم ، فإن زدت فقصر ؟ وعن الحجاج بن المنهال : ثنا أبو عوانة عن منصور هو ابن المعتمر - عن مجاهد عن ابن عباس قال : لا يقصر المسافر عن مسيرة يوم إلى العتمة ، إلا في أكثر من ذلك . وهذا مما اختلف فيه عن ابن عباس ؟ ومن طريق وكيع عن هشام بن الغاز ربيعة الجرشي عن عطاء بن أبي رباح : قلت لابن عباس : أقصر إلى عرفة ؟ قال : لا ، ولكن إلى الطائف وعسفان ، فذلك ثمانية وأربعون ميلا وعن معمر أخبرني أيوب عن نافع : أن ابن عمر كان يقصر الصلاة مسيرة أربعة برد ؟ وهذا مما اختلف فيه عن ابن عمر كما ذكرنا ؟ وبهذا يأخذ الليث ، ومالك في أشهر أقواله عنه . وقال : فإن كانت أرض لا أميال فيها فلا - قصر في أقل من يوم وليلة للثقل قال : وهذا أحب ما تقصر فيه الصلاة إلي . وقد ذكر عنه : لا قصر إلا في خمسة وأربعين ميلا فصاعدا ؟ وروي عنه : أنه لا قصر إلا في اثنين وأربعين ميلا فصاعدا . وروي عنه : لا قصر إلا في أربعين ميلا فصاعدا . وروى عنه إسماعيل بن أبي أويس : لا قصر إلا في ستة وثلاثين ميلا فصاعدا - ذكر هذه الروايات عنه : إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه المعروف بالمبسوط . ورأى لأهل مكة خاصة في الحج خاصة - : أن يقصروا الصلاة إلى منى فما فوقها ، وهي أربعة أميال . وروى عنه ابن القاسم : أنه قال فيمن خرج ثلاثة أميال - كالرعاء وغيرهم - فتأول فأفطر في رمضان ؟ فلا شيء عليه إلا القضاء فقط وروينا عن الشافعي : لا قصر في أقل من ستة وأربعين ميلا بالهاشمي وههنا أقوال أخر أيضا - : كما روينا من طريق وكيع عن شعبة عن شبيل عن أبي جمرة الضبعي قال : قلت لابن عباس : أقصر إلى الأبلة ؟ قال : تذهب وتجيء في يوم ؟ قلت : نعم ، قال : لا ، إلا يوم متاح ؟ وعن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء ، قلت لابن عباس : أقصر إلى منى أو عرفة ؟ قال : لا ، ولكن إلى الطائف ، أو جدة ، أو عسفان ، فإذا وردت على ماشية لك ، أو أهل : فأتم الصلاة قال علي : من عسفان إلى مكة بتكسير الحلفاء اثنان وثلاثون ميلا . وأخبرنا الثقات أن من جدة إلى مكة : أربعين ميلا . وعن وكيع عن هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر : لا تقصر الصلاة إلا في يوم تام ؟ وعن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه سافر إلى ريم فقصر الصلاة . قال عبد الرزاق : وهي على ثلاثين ميلا من المدينة . وعن عكرمة : إذا خرجت فبت في غير أهلك فاقصر ، فإن أتيت أهلك فأتمم ؟ وبه يقول الأوزاعي : لا قصر إلا في يوم تام ولم نجد عن هؤلاء تحديد اليوم ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر : أنه قصد إلى ذات النصب ، وكنت أسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر ؟ قال عبد الرزاق : ذات النصب من المدينة على ثمانية عشر ميلا . ومن طريق محمد بن جعفر : ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قال : خرجت مع عبد الله بن عمر بن الخطاب إلى ذات النصب - وهي من المدينة على ثمانية عشر ميلا - فلما أتاها قصر الصلاة ؟ ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا هشيم أنا جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة : أن علي بن أبي طالب خرج إلى النخيلة فصلى بها الظهر ركعتين ، والعصر : ركعتين ، ثم رجع من يومه ، وقال : أردت أن أعلمكم سنة نبيكم ﷺ . ومن طريق وكيع : ثنا حماد بن زيد ثنا أنس بن سيرين قال : خرجت مع أنس بن مالك إلى أرضه ببذق سيرين - وهي على رأس خمسة فراسخ - فصلى بنا العصر في سفينة ، وهي تجري بنا في دجلة قاعدا على بساط ركعتين ثم سلم ، ثم صلى بنا ركعتين ثم سلم ؟ ومن طريق البزاز : ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير عن ابن السمط هو شرحبيل - : أنه أتى أرضا يقال لها " دومين " - من حمص على بضعة عشر ميلا - فصلى ركعتين ، فقلت له : أتصلي ركعتين ؟ قال : { رأيت عمر يصلي بذي الحليفة ركعتين ، وقال أفعل كما رأيت رسول الله ﷺ يفعل } " . وعن محمد بن بشار : ثنا محمد بن أبي عدي ثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير قال : خرج ابن السمط هو شرحبيل - إلى أرض يقال لها " دومين " - من حمص على ثلاثة عشر ميلا ، فكان يقصر الصلاة ، وقال : { رأيت عمر بن الخطاب يصلي بذي الحليفة ركعتين فسألته ؟ فقال : أفعل كما رأيت رسول الله ﷺ يفعل } . ورويناه من طريق مسلم أيضا بإسناده إلى شرحبيل عن ابن عمر . قال علي : لو كان هذا في طريق الحج لم يسأله ولا أنكر ذلك ؟ ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا إسماعيل ابن علية عن الجريري عن أبي الورد بن ثمامة عن اللجلاج قال : كنا نسافر مع عمر بن الخطاب ثلاثة أميال فيتجوز في الصلاة فيفطر ويقصر . ومن طريق محمد بن بشار : ثنا أبو عامر العقدي ثنا شعبة قال : سمعت ميسر بن عمران بن عمير يحدث عن أبيه عن جده : أنه خرج مع عبد الله بن مسعود - وهو رديفه على بغلة له - مسيرة أربعة فراسخ ، فصلى الظهر ركعتين ، والعصر ركعتين . قال شعبة : أخبرني بهذا ميسر بن عمران ، وأبوه عمران بن عمير شاهد قال علي : عمير هذا مولى عبد الله بن مسعود . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني هو سليمان بن فيروز - عن محمد بن زيد بن خلدة عن ابن عمر قال : تقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال ؟ قال علي : /126 L471 محمد بن زيد /126 هذا طائي ولاه علي بن أبي طالب القضاء بالكوفة ، مشهور من كبار التابعين . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا وكيع ثنا مسعر هو ابن كدام - عن محارب بن دثار قال : سمعت ابن عمر يقول : إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر ، يعني الصلاة . /126 L472 محارب /126 هذا سدوسي قاضي الكوفة ، من كبار التابعين ، أحد الأئمة ، ومسعر أحد الأئمة . ومن طريق محمد بن المثنى : ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا سفيان الثوري قال : سمعت جبلة بن سحيم يقول : سمعت ابن عمر يقول : لو خرجت ميلا قصرت الصلاة ؟ جبلة بن سحيم تابع ثقة مشهور . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار كلاهما عن غندر هو محمد بن جعفر - عن شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال : سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة ؟ فقال : { كان رسول الله ﷺ إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شك شعبة - صلى ركعتين } . قال علي : لا يجوز أن يجيب أنس إذا سئل إلا بما يقول به ؟ ومن طريق أبي داود السجستاني : أن دحية بن خليفة الكلبي أفطر في مسير له من الفسطاط إلى قرية على ثلاثة أميال منها . ومن طريق محمد بن بشار : ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة عن قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال : لقد كانت لي أرض على رأس فرسخين فلم أدر أأقصر الصلاة إليها أم أتمها ؟ ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال : سألت سعيد بن المسيب : أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة ؟ قال : نعم ، وهذا إسناد كالشمس ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن زمعة هو ابن صالح - عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء هو جابر بن زيد - قال : يقصر في مسيرة ستة أميال ؟ ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة أنه سمع الشعبي يقول : لو خرجت إلى دير الثعالب لقصرت ؟ وعن القاسم بن محمد ، وسالم : أنهما أمرا رجلا مكيا بالقصر من مكة إلى منى ، ولم يخصا حجا من غيره ، ولا مكيا من غيره . وصح عن كلثوم بن هانئ ، وعبد الله بن محيريز ، وقبيصة بن ذؤيب : القصر في بضعة عشر ميلا . وبكل هذا نقول ، وبه يقول أصحابنا في السفر : إذا كان على ميل فصاعدا في حج ، أو عمرة ، أو جهاد ، وفي الفطر ، في كل سفر قال علي : فهم من الصحابة كما أوردنا : عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، ودحية بن خليفة ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عمر ، وأنس ، وشرحبيل بن السمط . ومن التابعين : سعيد بن المسيب ، والشعبي ، وجابر بن زيد ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وقبيصة بن ذؤيب ، وعبد الله بن محيريز ، وكلثوم بن هانئ ، وأنس بن سيرين ، وغيرهم . وتوقف في ذلك سعيد بن جبير ، ويدخل فيمن قال بهذا : مالك في بعض أقواله ، على ما ذكرنا عنه في المفطر متأولا ، وفي المكي يقصر بمنى وعرفة ؟ قال علي : وإنما تقصينا الروايات في هذه الأبواب ، لأننا وجدنا المالكيين والشافعيين قد أخذوا يجربون أنفسهم في دعوى الإجماع على قولهم بل قد هجم على ذلك كبير من هؤلاء وكبير من هؤلاء . فقال أحدهما : لم أجد أحدا قال بأقل من - القصر فيما قلنا به ، فهو إجماع وقال الآخر : قولنا هو قول ابن عباس وابن عمر ، ولا مخالف لهما من الصحابة فاحتسبنا الأجر في إزالة ظلمة كذبهما عن المغتر بهما ، ولم نورد إلا رواية مشهورة ظاهرة عند العلماء بالنقل ، وفي الكتب المتداولة عند صبيان المحدثين ، فكيف أهل العلم ؟ والحمد لله رب العالمين .

قال علي : أما من قال بتحديد ما يقصر فيه بالسفر ، من أفق إلى أفق ، وحيث يحمل الزاد والمزاد وفي ستة وتسعين ميلا ، وفي اثنين وثمانين ميلا ، وفي اثنين وسبعين ميلا ، وفي ثلاثة وستين ميلا ، أو في أحد وستين ميلا ، أو ثمانية وأربعين ميلا ، أو خمسة وأربعين ميلا ، أو أربعين ميلا ، أو ستة وثلاثين ميلا : فما لهم حجة أصلا ولا متعلق ، لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا من إجماع ولا من قياس ، ولا رأي سديد ، ولا من قول صاحب لا مخالف له منهم - وما كان هكذا فلا وجه للاشتغال به ثم نسأل من حد ما فيه القصر ، والفطر بشيء من ذلك عن أي ميل هو ؟ ثم نحطه من الميل عقدا أو فترا أو شبرا ، ولا نزال نحطه شيئا فشيئا فلا بد له من التحكم في الدين ، أو ترك ما هو عليه ؟ فسقطت هذه الأقوال جملة والحمد لله رب العالمين ؟ ولا متعلق لهم بابن عباس ، وابن عمر لوجوه - : أحدها : أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم . والثاني : أنه ليس التحديد بالأميال في ذلك من قولهما ، وإنما هو من قول من دونهما . والثالث : أنه قد اختلف عنهما أشد الاختلاف كما أوردنا . فروى حماد بن سلمة عن أيوب السختياني ، وحميد كلاهما عن نافع ، ووافقهما ابن جريج عن نافع : أن ابن عمر كان لا يقصر في أقل من ستة وتسعين ميلا وروى معمر عن أيوب عن نافع : أن ابن عمر كان يقصر في أربعة برد ، ولم يذكر أنه منع من القصر في أقل ؟ وروى هشام بن الغاز عن نافع : أن ابن عمر قال : لا يقصر الصلاة إلا في اليوم التام وروى مالك عن نافع عنه : أنه لا يقصر في البريد . وقال مالك : ذات النصب ، وريم : كلتاهما من المدينة على نحو أربعة برد ، وروى عنه علي بن ربيعة الوالبي : لا قصر في أقل من اثنين وسبعين ميلا . وروى عنه ابنه سالم بن عبد الله - وهو أجل من نافع - : أنه قصر إلى ثلاثين ميلا . وروى عنه ابن أخيه حفص بن عاصم - وهو أجل من نافع وأعلم به : أنه قصر إلى ثمانية عشر ميلا ؟ وروى عنه شرحبيل بن السمط ، ومحمد بن زيد بن خلدة ، ومحارب بن دثار ، وجبلة بن سحيم - وكلهم أئمة - : القصر في أربعة أميال ، وفي ثلاثة أميال ، وفي ميل واحد ، وفي سفر ساعة . وأقصى ما يكون سفر الساعة من ميلين إلى ثلاثة . وأما ابن عباس فروى عنه عطاء : القصر إلى عسفان ، وهي اثنان وثلاثون ميلا ، وإذا وردت على أهل أو ماشية فأتم ، ولا تقصر إلى عرفة ولا منى . وروى عنه مجاهد : لا قصر في يوم إلى العتمة ، لكن فيما زاد على ذلك وروى عنه أبو جمرة الضبعي : لا قصر إلا في يوم متاح . وقد خالفه مالك في أمره عطاء : أن لا يقصر إلى منى ولا إلى عرفة ، وعطاء مكي ، فمن الباطل أن يكون بعض قوله حجة وجمهور قوله ليس حجة وخالفه أيضا مالك ، والشافعي في قوله : إذا قدمت على أهل أو ماشية فأتم الصلاة . فحصل قول مالك ، والشافعي : خارجا عن أن يقطع بأنه تحديد أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا وجد بينا عن أحد من التابعين أنه حد ما فيه القصر بذلك . ولعل التحديد - الذي في حديث ابن عباس - إنما هو من دون عطاء ، وهو هشام بن ربيعة . وليس في حديث نافع عن ابن عمر : أنه منع القصر في أقل من أربعة برد فسقطت أقوال من حد ذلك بالأميال المذكورة سقوطا متيقنا - وبالله تعالى التوفيق . ثم رجعنا إلى قول من حد بثلاثة أيام ، أو يومين ، أو يوم وشيء زائد ، أو يوم تام ، أو يوم وليلة - : فلم نجد لمن حد ذلك بيوم وزيادة شيء متعلقا أصلا ، فسقط هذا القول فنظرنا في الأقوال الباقية فلم نجد لهم متعلقا إلا بالحديث الذي صح عن رسول الله ﷺ من طريق أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وابن عمر في { نهي المرأة عن السفر - : في بعضها ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم وفي بعضها ليلتين إلا مع ذي محرم وفي بعضها يوما وليلة إلا مع ذي محرم وفي بعضها يوما إلا مع ذي محرم } " . فتعلقت كل طائفة مما ذكرنا ؟ فأما من تعلق بليلتين ، أو بيوم وليلة : فلا متعلق لهم أصلا ؛ لأنه قد جاء ذلك الحديث بيوم ، وجاء بثلاثة أيام ، فلا معنى للتعلق باليومين ، ولا باليوم والليلة ، دون هذين العددين الآخرين أصلا . وإنما يمكن أن يشغب هاهنا بالتعلق بالأكثر مما ذكر في ذلك الحديث ، أو بالأقل مما ذكر فيه - وأما التعلق بعدد قد جاء النص بأقل منه ، أو بأكثر منه ، فلا وجه له أصلا ، فسقط هذان القولان أيضا ؟ فنظرنا في قول من تعلق بالثلاث ، أو باليوم : فكان من شغب من تعلق باليوم أن قال : هو أقل ما ذكر في ذلك الحديث ، فكان ذلك هو حد السفر الذي ما دونه بخلافه ، فوجب أن يكون ذلك حدا لما يقصر فيه قالوا : وكان من أخذ بحدنا قد استعمل حكم الليلتين واليوم والليلة والثلاث ، ولم يسقط من حكم ما ذكر في ذلك الحديث شيئا : وهذا أولى ممن أسقط أكثر ما ذكر في ذلك الحديث ؟ قال علي : فقلنا لهم : تأتوا بشيء فإن كنتم إنما تعلقتم باليوم ؛ لأنه أقل ما ذكر في الحديث - : فليس كما قلتم ، وقد جهلتم أو تعمدتم فإن هذا الحديث رواه بشر بن المفضل عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوما وليلة إلا ومعها ذو محرم منها } " . ورواه مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر يوما وليلة إلا مع ذي محرم منها } " . ورواه الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه : أن أبا هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لا يحل لامرأة مسلمة تسافر ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها } . ورواه ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم } . ورواه جرير بن حازم عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ - فذكر الحديث وفيه - : " أن تسافر بريدا " وسعيد أدرك أبا هريرة وسمع منه ؟ فاختلف الرواة عن أبي هريرة ، ثم عن سعيد بن أبي سعيد ، وعن سهيل بن أبي صالح كما أوردنا . وروى هذا الحديث ابن عباس فلم يضطرب عليه ولا اختلف عنه ؟ كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب كلاهما عن سفيان بن عيينة ثنا عمرو بن دينار عن أبي معبد ، هو مولى ابن عباس - قال : سمعت ابن عباس يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم } . فعم ابن عباس في روايته كل سفر دون اليوم ودون البريد وأكثر منهما ، وكل سفر قل أو طال فهو عام لما في سائر الأحاديث وكل ما في سائر الأحاديث فهو بعض ما في حديث ابن عباس هذا فهو المحتوي على جميعها ، والجامع لها كلها ، ولا ينبغي أن يتعدى ما فيه إلى غيره ، فسقط قول من تعلق باليوم أيضا - وبالله تعالى التوفيق . ثم نظرنا في قول من حد ذلك بالثلاث فوجدناهم يتعلقون بذكر الثلاث في هذا الحديث وبما صح عن رسول الله ﷺ من قوله في المسح " { للمسافر ثلاثا بلياليهن ، وللمقيم يوما وليلة } لم نجدهم موهوا بغير هذا أصلا قال علي : وقالوا : من تعلق بالثلاث كان على يقين من الصواب ، لأنه إن كان عليه السلام ذكر نهيه عن سفرها ثلاثا قبل نهيه عن سفرها يوما أو أقل من يوم - : فالخبر الذي ذكر فيه اليوم هو الواجب أن يعمل به ، ويبقى نهيه عن سفرها ثلاثا غير منسوخ ، بل ثابت كما كان . وإن كان ذكر نهيه عن سفرها ثلاثا بعد نهيه عن سفرها يوما أو أقل من يوم - : فنهيه عن السفر ثلاثا هو الناسخ لنهيه إياها عن السفر أقل من ثلاث ؟ قالوا : فنحن على يقين من صحة حكم النهي عن السفر ثلاثا إلا مع ذي محرم وعلى شك من صحة النهي لها عما دون الثلاث ، فلا يجوز أن يترك اليقين للشك قال علي : وهذا تمويه فاسد من وجوه ثلاثة - : أحدها : أنه قد جاء النهي أن تسافر أكثر من ثلاث . روينا ذلك من طرق كثيرة في غاية الصحة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله ﷺ : { لا تسافر المرأة فوق ثلاث إلا ومعها ذو محرم } .

ومن طريق قتادة عن قزعة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال : { لا تسافر المرأة فوق ثلاث ليال إلا مع ذي محرم } " . ومن طريق أبي معاوية ، ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح السمان عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أخوها أو أبوها أو زوجها أو ابنها ، أو ذو محرم منها } . فإن كان ذكر الثلاث في بعض الروايات مخرجا لما دون الثلاث ، مما قد ذكر أيضا في بعض الروايات ، عن حكم الثلاث - : فإن ذكر ما فوق الثلاث في هذه الروايات مخرج للثلاث أيضا ، وإن ذكرت في بعض الروايات عن حكم ما فوق الثلاث ، وإلا فالقوم متلاعبون متحكمون بالباطل ؟ ويلزمهم أن يقولوا : إنهم على يقين من صحة حكم ما فوق الثلاث وبقائه غير منسوخ ، وعلى شك من صحة بقاء النهي عن الثلاث ، كما قالوا في الثلاث وفيما دونها سواء بسواء ولا فرق فقالوا : لم يفرق أحد بين الثلاث وبين ما فوق الثلاث ؟ فقيل لهم : قلتم بالباطل ، قد صح عن عكرمة أن حد ما تسافر المرأة فيه بأكثر من ثلاث لا بثلاث . فكيف ؟ ولا يجوز أن يكون قول قاله رجلان من التابعين ، ورجلان من فقهاء الأمصار ، واختلف فيه عن واحد من الصحابة قد خالفه غيره منهم فما يعده إجماعا إلا من لا دين له ولا حياء فكيف ؟ وإذ قد جاء عن ابن عمر أنه عد اثنين وسبعين ميلا إلى السويداء مسيرة ثلاث ، فإن تحديده الذي روي عنه : أن لا قصر فيما دونه لستة وتسعين ميلا - : موجب أن هذا أكثر من ثلاث ، لأن بين العددين أربعة وعشرين ميلا ، ومحال كون كل واحد من هذين العددين ثلاثا مستوية والوجه الثاني : أنه قد عارض هذا القول قول من حد باليوم الواحد ، وقولهم : نحن على يقين من صحة استعمالنا نهيه عليه السلام عن سفرها يوما واحدا مع غير ذي محرم ونهيها عن أكثر من ذلك ، لأنه إن كان النهي عن سفرها ثلاثا هو الأول أو هو الآخر ، فإنها منهية أيضا عن اليوم ، وليس تأخير نهيها عن الثلاث بناسخ لما تقدم من نهيه عليه السلام عما دون الثلاث ، وأنتم على يقين من مخالفتكم لنهيه عليه السلام لها عما دون الثلاث ، وخلاف أمره عليه السلام - بغير يقين للنسخ لا يحل ، فتعارض القولان والثالث : أن حديث ابن عباس الذي ذكرنا : قاض على جميع هذه الأحاديث ، وكلها بعض ما فيه ، فلا يجوز أن يخالف ما فيه أصلا ؟ لأن من عمل به فقد عمل بجميع الأحاديث المذكورة ، ومن عمل بشيء من تلك الأحاديث - دون سائرها - فقد خالف نهي رسول الله ﷺ ، وهذا لا يجوز ؟ قال علي : ثم لو لم تتعارض الروايات فإنه ليس في الحديث الذي فيه نهي المرأة عن سفر مدة ما إلا مع ذي محرم ، ولا في الحديث الذي فيه مدة مسح المسافر والمقيم - : ذكر أصلا - لا بنص ولا بدليل - على المدة التي يقصر فيها ويفطر ، ولا يقصر ، ولا يفطر في أقل منها . ومن العجب أن الله تعالى - : ذكر القصر في الضرب في الأرض مع الخوف . وذكر الفطر في السفر والمرض ؟ وذكر التيمم عند عدم الماء في السفر والمرض - : فجعل هؤلاء حكم نهي المرأة عن السفر إلا مع ذي محرم ، وحكم مسح المسافر - : دليل على ما يقصر فيه ويفطر ، دون ما لا قصر فيه ولا فطر ، ولم يجعلوه دليلا على السفر الذي يتيمم فيه من السفر الذي لا يتيمم فيه ؟ فإن قالوا : قسنا ما تقصر فيه الصلاة ، وما لا تقصر فيه على ما تسافر فيه المرأة مع غير ذي محرم ، وما لا تسافره ، وعلى ما يمسح فيه المقيم ، وما لا يمسح ؟ قلنا لهم : ولم فعلتم هذا ؟ وما العلة الجامعة بين الأمرين ؟ أو ما الشبه بينهما ؟ وهلا قستم المدة التي إذا نوى إقامتها المسافر أتم على ذلك أيضا ؟ وما يعجز أحد أن يقيس برأيه حكما على حكم آخر وهلا قستم ما يقصر فيه على ما لا يتيمم فيه ؟ فهو أولى إن كان القياس حقا ، أو على ما أبحتم فيه للراكب التنفل على دابته . ثم نقول لهم : أخبرونا عن قولكم : إن سافر ثلاثة أيام قصر وأفطر ، وإن سافر أقل لم يقصر ولم يفطر - : ما هذه الثلاثة الأيام ؟ أمن أيام حزيران ؟ أم من أيام كانون الأول فما بينهما ؟ وهذه الأيام التي قلتم ، أسير العساكر ؟ أم سير الرفاق على الإبل ، أو على الحمير ، أو على البغال ، أم سير الراكب المجد ؟ أم سير البريد ؟ أم مشي الرجالة . وقد علمنا يقينا أن مشي الراجل الشيخ الضعيف في وحل ووعر ، أو في حر شديد - : خلاف مشي الراكب على البغل المطيق في الربيع في السهل ، وأن هذا يمشي في يوم ما لا يمشيه الآخر في عشرة أيام ؟ وأخبرونا عن هذه الأيام : كيف هي ؟ أمشيا من أول النهار إلى آخره ؟ أم إلى وقت العصر ، أو بعد ذلك قليلا ، أو قبل ذلك قليلا ؟ أم النهار والليل معا ؟ أم كيف هذا وأخبرونا : كيف جعلتم هذه الأيام ثلاثا وستين ميلا على واحد وعشرين ميلا كل يوم ؟ ولم تجعلوها اثنين وسبعين ميلا على أربعة وعشرين ميلا كل يوم ؟ أو اثنين وثلاثين ميلا كل يوم ؟ أو عشرين ميلا كل يوم ؟ أو خمسة وثلاثين ميلا كل يوم فما بين ذلك فكل هذه المسافات تمشيها الرفاق ، ولا سبيل لهم إلى تحديد شيء مما ذكرنا - دون سائره - إلا برأي فاسد . وهكذا يقال لمن قدر ذلك بيوم ، أو بليلة ، أو بيوم ، أو بيومين ، ولا فرق ؟ فإن قالوا : هذا الاعتراض يلزمكم أن تدخلوه على رسول الله ﷺ في أمره المرأة أن لا تسافر ثلاثا أو ليلتين ، أو يوما وليلة أو يوما إلا مع ذي محرم ، وفي تحديده عليه السلام مسح المسافر ثلاثا والمقيم يوما وليلة ؟ قلنا - ولا كرامة لقائل هذا منكم - : بل بين تحديد رسول الله ﷺ وتحديدكم أعظم الفرق ، وهو أنكم لم تكلوا الأيام التي جعلتموها - حدا لما يقصر فيه وما يفطر ، أو اليوم والليلة كذلك ، التي جعلها منكم من جعلها حدا - : إلى مشي المسافر المأمور بالقصر أو الفطر في ذلك المقدار ؟ بل كل طائفة منكم جعلت لذلك حدا من مساحة الأرض لا ينقص منها شيء ؛ لأنكم مجمعون على أن من مشى ثلاثة أيام كل يوم ثمانية عشر ميلا ، أو عشرين ميلا لا يقصر ، فإن مشى يوما وليلة ثلاثين ميلا فإنه لا يقصر . واتفقتم أنه من مشى ثلاثة أيام كل يوم بريدا غير شيء أو جمع ذلك المشي في يوم واحد أنه لا يقصر ؟ واتفقتم معشر المموهين بذكر الثلاث ليالي في الحديثين على أنه لو مشى من يومه ثلاثا وستين ميلا فإنه يقصر ويفطر . ولو لم يمش إلا بعض يوم وهذا ممكن جدا ، كثير في الناس ؟ وليس كذلك أمر رسول الله ﷺ المرأة بأن لا تسافر ثلاثا أو يوما إلا مع ذي محرم . وأمره عليه السلام المسافر ثلاثة أيام بلياليهن بالمسح ثم يخلع ، لأن هذه الأيام موكولة إلى حالة المسافر والمسافرة ، على عموم قوله عليه السلام الذي لو أراد غيره لبينه لأمته . فلو أن مسافرة خرجت تريد سفر ميل فصاعدا لم يجز لها أن تخرجه إلا مع ذي محرم إلا لضرورة ؟ ولو أن مسافرا سافر سفرا يكون ثلاثة أميال يمشي في كل يوم ميلا لكان له أن يمسح ؟ ولو سافر يوما وأقام آخر وسافر ثالثا لكان له أن يمسح الأيام الثلاثة كما هي . وحتى لو لم يأت عنه عليه السلام إلا خبر الثلاث فقط لكان القول : أن المرأة إن خرجت في سفر مقدار قوتها فيه أن لا تمشي إلا ميلين من نهارها أو ثلاثة - : لما حل ، لها إلا مع ذي محرم . فلو كان مقدار قوتها أن تمشي خمسين ميلا كل يوم لكان لها أن تسافر مسافة مائة ميل مع ذي محرم لكن وحدها . والذي حده عليه السلام في هذه الأخبار معقول مفهوم مضبوط غير مقدر بمساحة من الأرض لا تتعدى ، بل بما يستحق به اسم سفر ثلاث أو سفر يوم ، ولا مزيد ؟ والذي حددتموه أنتم غير معقول ولا مفهوم ولا مضبوط أصلا بوجه من الوجوه فظهر فرق ما بين قولكم وقول رسول الله ﷺ ، وتبين فساد هذه الأقوال كلها بيقين لا إشكال فيه ، وأنها لا متعلق لها ولا لشيء منها لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا بإجماع ولا بقياس ولا بمعقول ، ولا بقول صاحب لم يختلف عليه نفسه ، فكيف أن لا يخالفه غيره منهم ، وما كان هكذا فهو باطل بيقين فإن قول رسول الله ﷺ في الأخبار المأثورة عنه حق كلها على ظاهرها ومقتضاها ، من خالف شيئا منها خالف الحق ، لا سيما تفريق مالك بين خروج المكي إلى منى وإلى عرفة في الحج فيقصر - : وبين سائر جميع بلاد الأرض يخرجون هذا المقدار فلا يقصرون ولا يعرف هذا التفريق عن صاحب ولا تابع قبله ؟ واحتج له بعض مقلديه بأن قال : إنما ذلك لأن رسول الله ﷺ قال : { يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر } ولم يقل ذلك : بمنى . قال علي : وهذا لا يصح عن رسول الله ﷺ أصلا ، وإنما هو محفوظ عن عمر رضي الله عنه ؟ ثم لو صح لما كانت فيه حجة لهم ، لأنه كان يلزمهم إذ أخرجوا حكم أهل مكة بمنى عن حكم سائر الأسفار من أجل ما ذكروا - : أن يقصر أهل منى بمنى وبمكة ؛ لأنه عليه السلام لم يقل لأهل منى : أتموا ؟ فإن قالوا : قد عرف أن الحاضر لا يقصر ؟ قيل لهم : صدقتم ، وقد عرف أن ما كان من الأسفار له حكم الإقامة فإنهم لا يقصرون فيها ، فإن كان ما بين مكة ومنى من أحد السفرين المذكورين فتلك المسافة في جميع بلاد الله تعالى كذلك ولا فرق ، إذ ليس إلا سفر أو إقامة بالنص والمعقول ولا فرق وقد حد بعض المتأخرين ذلك بما فيه المشقة ؟ قال علي : فقلنا هذا باطل لأن المشقة تختلف ، فنجد من يشق عليه مشي ثلاثة أميال حتى لا يبلغها إلا بشق النفس ، وهذا كثير جدا ، يكاد أن يكون الأغلب ، ونجد من لا يشق عليه الركوب في عمارية في أيام الربيع مرفها مخدوما شهرا وأقل وأكثر ، فبطل هذا التحديد قال علي : فلنقل الآن بعون الله تعالى وقوته على بيان السفر الذي يقصر فيه ويفطر فنقول - وبالله تعالى التوفيق - : قال الله عز وجل : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } . وقال عمر ، وعائشة ، وابن عباس : { إن الله تعالى فرض الصلاة على لسان نبيه ﷺ في السفر ركعتين ، } ولم يخص الله تعالى ولا رسوله ﷺ ولا المسلمون بأجمعهم سفرا من سفر ، فليس لأحد أن يخصه إلا بنص أو إجماع متيقن ؟ فإن قيل : بل لا يقصر ولا يفطر إلا في سفر أجمع المسلمون على القصر فيه والفطر ؟ قلنا لهم : فلا تقصروا ولا تفطروا إلا في حج ، أو عمرة ، أو جهاد ، وليس هذا قولكم ، ولو قلتموه لكنتم قد خصصتم القرآن والسنة بلا برهان ، وللزمكم في سائر الشرائع كلها أن لا تأخذا في شيء منها لا بقرآن ، ولا بسنة إلا حتى يجمع الناس على ما أجمعوا عليه منها ، وفي هذا هدم مذاهبكم كلها ، بل فيه الخروج على الإسلام ، وإباحة مخالفة الله تعالى ورسوله ﷺ في الدين كله ، إلا حتى يجمع الناس على شيء من ذلك ، وهذا نفسه خروج عن الإجماع وإنما الحق في وجوب اتباع القرآن والسنن حتى يصح نص أو إجماع في شيء منهما أنه مخصوص أو منسوخ ، فيوقف عند ما صح من ذلك ، فإنما بعث الله تعالى نبيه ﷺ ليطاع . قال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } ولم يبعثه الله تعالى ليعصى حتى يجمع الناس على طاعته ، بل طاعته واجبة قبل أن يطيعه أحد . وقبل أن يخالفه أحد ، لكن ساعة يأمر بالأمر ، هذا ما لا يقول مسلم خلافه ، حتى نقض من نقض والسفر : هو البروز عن محلة الإقامة ، وكذلك الضرب في الأرض ، هذا الذي لا يقول أحد من أهل اللغة - التي بها خوطبنا وبها نزل القرآن - سواه ، فلا يجوز أن يخرج عن هذا الحكم إلا ما صح النص بإخراجه ؟ ثم وجدنا رسول الله ﷺ قد خرج إلى البقيع لدفن الموتى ، وخرج إلى الفضاء للغائط والناس معه فلم يقصروا ولا أفطروا ، ولا أفطر ولا قصر فخرج هذا عن أن يسمى سفرا ، وعن أن يكون له حكم السفر ، فلم يجز لنا أن نوقع اسم سفر وحكم سفر إلا على من سماه من هو حجة في اللغة سفرا ، فلم نجد ذلك في أقل من ميل . فقد روينا عن ابن عمر أنه قال : لو خرجت ميلا لقصرت الصلاة ، فأوقعنا اسم السفر وحكم السفر في الفطر والقصر على الميل فصاعدا ، إذ لم نجد عربيا ولا شريعيا عالما أوقع على أقل منه اسم سفر ، وهذا برهان صحيح - وبالله تعالى التوفيق فإن قيل : فهلا جعلتم الثلاثة الأميال - كما بين المدينة وذي الحليفة - حدا للقصر والفطر ، إذ لم تجدوا عن رسول الله ﷺ أنه قصر ولا أفطر في أقل من ذلك ؟ قلنا : ولا وجدنا عليه السلام منعا من الفطر والقصر في أقل من ذلك ، بل وجدناه عليه السلام أوجب عن ربه تعالى الفطر في السفر مطلقا ، وجعل الصلاة في السفر ركعتين مطلقا ، فصح ما قلناه - ولله تعالى الحمد . والميل : هو ما سمي عند العرب ميلا ، ولا يقع ذلك على أقل من ألفي ذراع ؟ فإن قيل : لو كان هذا ما خفي على ابن عباس ، ولا على عثمان ، ولا على من لا يعرف ذلك من التابعين والفقهاء ، فهو مما تعظم به البلوى قلنا : قد عرفه عمر ، وابن عمر ، وأنس وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين . ثم نعكس عليكم قولكم - : فنقول للحنفيين : لو كان قولكم في هذه المسألة حقا ما خفي على عثمان ، ولا على ابن مسعود ، ولا على ابن عباس ، ولا على من لا يعرف قولكم ، كمالك ، والليث ، والأوزاعي ، وغيرهم ، ممن لا يقول به من الصحابة والتابعين والفقهاء وهو مما تعظم به البلوى ؟ ونقول للمالكيين : لو كان قولكم حقا ما خفي على كل من ذكرنا من الصحابة والتابعين والفقهاء ، وهو مما تعظم به البلوى ؟ إلا أن هذا الإلزام لازم للطوائف المذكورة لا لنا ؛ لأنهم يرون هذا الإلزام حقا ، ومن حقق شيئا لزمه . وأما نحن فلا نحقق هذا الإلزام الفاسد بل هو عندنا وسواس وضلال ، وإنما حسبنا اتباع ما قال الله تعالى ورسوله عليه السلام ، عرفه من عرفه ، وجهله من جهله ، وما من شريعة اختلف الناس فيها إلا قد علمها بعض السلف وقال بها ، وجهلها بعضهم فلم يقل بها - وبالله تعالى التوفيق قال علي : وقد موه بعضهم بأن قال : إن من العجب ترك سؤال الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله ﷺ عن هذه العظيمة ، وهي حد السفر الذي تقصر فيه الصلاة ويفطر فيه في رمضان ؟ فقلنا : هذا أعظم برهان ، وأجل دليل ، وأوضح حجة لكل من له أدنى فهم وتمييز - : على أنه لا حد لذلك أصلا إلا ما سمي سفرا في لغة العرب التي بها خاطبهم عليه السلام ، إذ لو كان لمقدار السفر حد غير ما ذكرنا لما أغفل عليه السلام بيانه ألبتة ، ولا أغفلوا هم سؤاله عليه السلام عنه ، ولا اتفقوا على ترك نقل تحديده في ذلك إلينا ، فارتفع الإشكال جملة ، ولله الحمد ، ولاح بذلك أن الجميع منهم قنعوا بالنص الجلي ، وإن كل من حد في ذلك حدا فإنما هو وهم أخطأ فيه ؟ قال علي : وقد اتفق الفريقان على أنه إذا فارق بيوت القرية وهو يريد : إما ثلاثة أيام وإما أربعة برد - : أنه يقصر الصلاة . فنسألهم : أهو في سفر تقصر فيه الصلاة ؟ أم ليس في سفر تقصر فيه الصلاة بعد ، لكنه يريد سفرا تقصر فيه الصلاة بعد ، ولا يدري أيبلغه أم لا ؟ ولا بد من أحد الأمرين ؟ فإن قالوا : ليس في سفر تقصر فيه الصلاة بعد ، ولكنه يريده ، ولا يدري أيبلغه أم لا ، أقروا بأنهم أباحوا له القصر ، وهو في غير سفر تقصر فيه الصلاة ، من أجل نيته في إرادته سفرا تقصر فيه الصلاة ، ولزمهم أن يبيحوا له القصر في منزله وخارج منزله بين بيوت قريته ، من أجل نيته في إرادته سفرا تقصر فيه الصلاة ولا فرق . وقد قال بهذا القول : عطاء ، وأنس بن مالك ، وغيرهما ، إلا أن هؤلاء يقرون أنه ليس في سفر ، ثم يأمرونه بالقصر ، وهذا لا يحل أصلا وإن قالوا : بل هو في سفر تقصر فيه الصلاة ؟ هدموا كل ما بنوا ، وأبطلوا أصلهم ومذهبهم ، وأقروا بأن قليل السفر وكثيره : تقصر فيه الصلاة ، لأنه قد ينصرف قبل أن يبلغ المقدار الذي فيه القصر عندهم ؟ وأما نحن فإن ما دون الميل من آخر بيوت قريته له حكم الحضر ، فلا يقصر فيه ولا يفطر ، فإذا بلغ الميل فحينئذ صار في سفر تقصر فيه الصلاة ويفطر فيه ، فمن حينئذ يقصر ويفطر . وكذلك إذا رجع فكان على أقل من ميل فإنه يتم ، لأنه ليس في سفر - يقصر فيه بعد .

=======




كتـاب الصلاة


صلاة المسافر

514 - مسألة : وسواء سافر في بر ، أو بحر ، أو نهر ، كل ذلك كما ذكرنا ، لأنه سفر ولا فرق ؟

515 - مسألة : فإن سافر المرء في جهاد ، أو حج ، أو عمرة ، أو غير ذلك من الأسفار - : فأقام في مكان واحد عشرين يوما بلياليها : قصر ، وإن أقام أكثر : أتم - ولو في صلاة واحدة ؟ ثم ثبتنا بعون الله تعالى على أن سفر الجهاد ، وسفر الحج ، وسفر العمرة ، وسفر الطاعة ، وسفر المعصية ، وسفر ما ليس طاعة ولا معصية - : كل ذلك سفر ، حكمه كله في القصر واحد . وإن من أقام في شيء عشرين يوما بلياليها فأقل فإنه يقصر ولا بد ، سواء نوى إقامتها أو لم ينو إقامتها ، فإن زاد على ذلك إقامة مدة صلاة واحدة فأكثر : أتم ولا بد ، هذا في الصلاة خاصة وأما في الصيام في رمضان فبخلاف ذلك ، بل إن أقام يوما وليلة في خلال السفر لم يسافر فيهما - : ففرض عليه أن ينوي الصوم فيما يستأنف وكذلك إن نزل ونوى إقامة ليلة والغد ، ففرض عليه أن ينوي الصيام ويصوم ؟ فإن ورد على ضيعة له ، أو ماشية ، أو دار ، فنزل هنالك : أتم ، فإذا رحل ميلا فصاعدا : قصر ؟ قال علي : واختلف الناس في هذا - : فروينا عن ابن عمر : أنه كان إذا أجمع على إقامة خمسة عشر يوما : أتم الصلاة . ورويناه أيضا عن سعيد بن المسيب وبه يقول أبو حنيفة ، وأصحابه . وروينا من طريق أبي داود ثنا محمد بن العلاء ثنا حفص بن غياث ثنا عاصم عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ أقام بمكة سبع عشرة يقصر الصلاة } " . قال ابن عباس من أقام سبع عشرة بمكة : قصر ، ومن أقام فزاد : أتم ؟ وروي عن الأوزاعي : إذا أجمع إقامة ثلاث عشرة ليلة : أتم ، فإن نوى أقل : قصر ؟ وعن ابن عمر قول آخر : أنه كان يقول : إذا أجمعت إقامة ثنتي عشرة ليلة فأتم الصلاة ؟ وعن علي بن أبي طالب : إذا أقمت عشرا فأتم الصلاة . وبه يأخذ سفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وحميد الرؤاسي صاحبه . وعن سعيد بن المسيب قول آخر وهو : إذا أقمت أربعا فصل أربعا . وبه يأخذ مالك ، والشافعي ، والليث ، إلا أنهم يشترطون أن ينوي إقامة أربع ، فإن لم ينوها : قصر ، وإن بقي حولا ؟ وعن سعيد بن المسيب قول آخر وهو : إذا أقمت ثلاثا فأتم ؟ ومن طريق وكيع عن شعبة عن أبي بشر هو جعفر بن أبي وحشية - عن سعيد بن جبير : إذا أراد أن يقيم أكثر من خمس عشرة أتم الصلاة . وعن سعيد بن جبير قول آخر : إذا وضعت رحلك بأرض فأتم الصلاة ؟ وعن معمر عن الأعمش عن أبي وائل قال : كنا مع مسروق بالسلسلة سنتين وهو عامل عليها فصلى بنا ركعتين ركعتين حتى انصرف ؟ وعن وكيع عن أبي شعبة عن أبي التياح الضبعي عن أبي المنهال العنزي قلت لابن عباس : إني أقيم بالمدينة حولا لا أشد على سير ؟ قال : صل ركعتين وعن وكيع عن العمري عن نافع عن ابن عمر : أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر أرتج عليهم الثلج ، فكان يصلي ركعتين ؟ قال علي : الوالي لا ينوي رحيلا قبل خمس عشرة ليلة بلا شك ، وكذلك من أرتج عليه الثلج فقد أيقن أنه لا ينحل إلى أول الصيف ؟ وقد أمر ابن عباس من أخبره أنه مقيم سنة لا ينوي سيرا : بالقصر ؟ وعن الحسن وقتادة : يقصر المسافر ما لم يرجع إلى منزله ، إلا أن يدخل مصرا من أمصار المسلمين قال علي : احتج أصحاب أبي حنيفة بأن قولهم أكثر ما قيل ، وأنه مجمع عليه أنه إذا نوى المسافر إقامة ذلك المقدار أتم ، ولا يخرج عن حكم القصر إلا بإجماع ؟ قال علي : وهذا باطل ، قد أوردنا عن سعيد بن جبير أنه يقصر حين ينوي أكثر من خمسة عشر يوما ، وقد اختلف عن ابن عمر نفسه . وخالفه ابن عباس كما أوردنا وغيره فبطل قولهم عن أن يكون له حجة واحتج لمالك ، والشافعي مقلدوهما بالخبر الثابت عن رسول الله ﷺ من طريق العلاء بن الحضرمي أنه عليه السلام قال { يمكث المهاجر بعد انقضاء نسكه ثلاثا } . قالوا : فكره رسول الله ﷺ للمهاجرين الإقامة بمكة التي كانت أوطانهم فأخرجوا عنها في الله تعالى حتى يلقوا ربهم عز وجل غرباء عن أوطانهم لوجهه عز وجل ، ثم أباح لهم المقام بها ثلاثا بعد تمام النسك . قالوا : فكانت الثلاث خارجة عن الإقامة المكروهة لهم ، وكان ما زاد عنها داخلا في الإقامة المكروهة ؟ ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا وهذا لا حجة لهم فيه ؛ لأنه ليس في هذا الخبر نص ولا إشارة إلى المدة التي إذا أقامها المسافر أتم ، وإنما هو في حكم المهاجر ، فما الذي أوجب أن يقاس المسافر يقيم على المهاجر يقيم ؟ هذا لو كان القياس حقا ، وكيف وكله باطل ، ؟ وأيضا : فإن المسافر مباح له أن يقيم ثلاثا وأكثر من ثلاث ، لا كراهية في شيء من ذلك ، وأما المهاجر فمكروه له أن يقيم بمكة بعد انقضاء نسكه أكثر من ثلاث ، فأي نسبة بين إقامة مكروهة وإقامة مباحة لو أنصفوا أنفسهم ؟ وأيضا : فإن ما زاد على الثلاثة الأيام للمهاجر داخل عندهم في حكم أن يكون مسافرا لا مقيما ، وما زاد على الثلاثة للمسافر فإقامة صحيحة ، وهذا مانع من أن يقاس أحدهما على الآخر ، ولو قيس أحدهما على الآخر لوجب أن يقصر المسافر فيما زاد على الثلاث ، لا أن يتم ، بخلاف قولهم ؟ وأيضا : فإن إقامة قدر صلاة واحدة زائدة على الثلاثة مكروهة ، فينبغي عندهم - إذا قاسوا عليه المسافر - أن يتم ولو نوى زيادة صلاة على الثلاثة الأيام . وهكذا قال أبو ثور ؟ فبطل قولهم على كل حال ، وعريت الأقوال كلها عن حجة ، فوجب أن نبين البرهان على صحة قولنا بعون الله تعالى وقوته ؟ قال علي : أما الإقامة في الجهاد ، والحج ، والعمرة ، فإن الله تعالى لم يجعل القصر إلا مع الضرب في الأرض ، ولم يجعل رسول الله ﷺ القصر إلا مع السفر ، لا مع الإقامة ، وبالضرورة ندري أن حال السفر غير حال الإقامة ، وأن السفر إنما هو التنقل في غير دار الإقامة وأن الإقامة هي السكون وترك النقلة والتنقل في دار الإقامة ، هذا حكم الشريعة والطبيعة معا . فإذ ذلك كذلك فالمقيم في مكان واحد مقيم غير مسافر بلا شك ، فلا يجوز أن يخرج عن حال الإقامة وحكمها في الصيام والإتمام إلا بنص . وقد صح بإجماع أهل النقل : أن رسول الله ﷺ نزل في حال سفره فأقام باقي نهاره وليلته ، ثم رحل في اليوم الثاني ، وأنه عليه السلام قصر في باقي يومه ذلك وفي ليلته التي بين يومي نقلته ، فخرجت هذه الإقامة عن حكم الإقامة في الإتمام ، والصيام ، ولولا ذلك لكان مقيم ساعة له حكم الإقامة ؟ وكذلك من ورد على ضيعة له ، أو ماشية ، أو عقار فنزل هنالك فهو مقيم ، فله حكم الإقامة كما قال ابن عباس ، إذ لم نجد نصا في مثل هذه الحال ينقلها عن حكم الإقامة . وهو أيضا قول الزهري ، وأحمد بن حنبل . ولم نجد عنه عليه السلام أنه أقام يوما وليلة لم يرحل فيهما فقصر وأفطر إلا في الحج ، والعمرة ، والجهاد فقط ، فوجب بذلك ما ذكرنا من أن من أقام في خلال سفره يوما وليلة لم يظعن في أحدهما فإنه يتم ، ويصوم . وكذلك من مشى ليلا وينزل نهارا فإنه يقصر باقي ليلته ويومه الذي بين ليلتي حركته . وهذا قول روي عن ربيعة . ونسأل من أبى هذا عن ماش في سفر تقصر فيه الصلاة عندهم نوى إقامة وهو سائر لا ينزل ولا يثبت - : اضطر لشدة الخوف إلى أن يصلي فرضه راكبا ناهضا أو ينزل لصلاة فرضه ثم يرجع إلى المشي : أيقصر أو يتم ؟ فمن قولهم : يقصر - : فصح أن السفر : هو المشي . ثم نسألهم عمن نوى إقامة وهو نازل غير ماش : أيتم أم يقصر ؟ فمن قولهم : يتم ، فقد صح أن الإقامة هي السكون لا المشي متنقلا . وهذا نفس قولنا - ولله تعالى الحمد ؟ وأما الجهاد ، والحج - : فإن عبد الله بن ربيع قال : ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال : { أقام رسول الله ﷺ بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة } . قال علي : محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة ، وباقي رواة الخبر أشهر من أن يسأل عنهم ؟ وهذا أكثر ما روي عنه عليه السلام في إقامته بتبوك ، فخرج هذا المقدار من الإقامة عن سائر الأوقات بهذا الخبر . وقال أبو حنيفة ، ومالك : يقصر ما دام مقيما في دار الحرب . قال علي : وهذا خطأ ، لما ذكرنا من أن الله تعالى لم يجعل ولا رسوله عليه السلام الصلاة ركعتين إلا في السفر ، وأن الإقامة خلاف السفر لما ذكرنا . وقال الشافعي ، وأبو سليمان : كقولنا في الجهاد . وروينا عن ابن عباس مثل قولنا نصا إلا أنه خالف في المدة . وأما الحج ، والعمرة : فلما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك قال { خرجنا مع رسول الله ﷺ من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع ، قال : كم أقام بمكة ؟ قال : عشرا } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا موسى بن إسماعيل قال : ثنا وهيب عن أيوب السختياني عن أبي العالية البراء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { قدم رسول الله ﷺ وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج } وذكر الحديث قال علي : فإذ قدم رسول الله ﷺ صبح رابعة من ذي الحجة ، فبالضرورة نعلم : أنه أقام بمكة ذلك اليوم الرابع من ذي الحجة ، والثاني وهو الخامس من ذي الحجة ، والثالث وهو السادس من ذي الحجة ، والرابع وهو السابع من ذي الحجة . وأنه خرج عليه السلام إلى منى قبل صلاة الظهر من اليوم الثامن من ذي الحجة ، هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من الأمة ، فتمت له بمكة أربعة أيام وأربع ليال كملا ، أقامها عليه السلام ناويا للإقامة هذه المدة بها بلا شك . ثم خرج إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة كما ذكرنا ؟ وهذا يبطل قول من قال : إن نوى إقامة أربعة أيام أتم ؛ لأنه عليه السلام نوى بلا شك إقامة هذه المدة ولم يتم . ثم كان عليه السلام بمنى اليوم الثامن من ذي الحجة ، وبات بها ليلة يوم عرفة . ثم أتى إلى عرفة بلا شك في اليوم التاسع من ذي الحجة ، فبقي هنالك إلى أول الليلة العاشرة ، ثم نهض إلى مزدلفة فبات بها الليلة العاشرة . ثم نهض في صباح اليوم العاشر إلى منى ، فكان بها ، ونهض إلى مكة فطاف طواف الإفاضة إما في اليوم العاشر وإما في الليلة الحادية عشرة ، بلا شك في أحد الأمرين . ثم رجع إلى منى فأقام بها ثلاثة أيام ، ودفع منها في آخر اليوم الرابع بعد رمي الجمار بعد زوال الشمس ، وكانت إقامته عليه السلام بمنى أربعة أيام غير نصف يوم . ثم أتى إلى مكة فبات الليلة الرابعة عشرة بالأبطح ، وطاف بها طواف الوداع ، ثم نهض في آخر ليلته تلك إلى المدينة ، فكمل له عليه السلام بمكة ، ومنى ، وعرفة ، ومزدلفة : عشر ليال كملا كما قال أنس ، فصح قولنا ، وكان معه عليه السلام متمتعون ، وكان هو عليه السلام قارنا . فصح ما قلناه في الحج والعمرة ، ولله الحمد ، فخرجت هذه الإقامة بهذا الأثر في الحج والعمرة حيث أقام عن حكم سائر الإقامات ، ولله تعالى الحمد . فإن قيل : أليس قد رويتم من طريق ابن عباس وعمران بن الحصين روايات مختلفة - : في بعضها { أقام رسول الله ﷺ بمكة تسع عشرة وفي بعضها ثمان عشرة وفي بعضها سبع عشرة . وفي بعضها خمس عشرة يقصر الصلاة ؟ } قلنا : نعم ، وقد بين ابن عباس أن هذا كان في عام الفتح ، وكان عليه السلام في جهاد ، وفي دار حرب ، لأن جماعة من أهل مكة - : كصفوان وغيرهم لهم مدة موادعة لم تنقض بعد . ومالك بن عوف في هوازن قد جمعت له العساكر بحنين على بضعة عشر ميلا . وخالد بن سفيان الهذلي على أقل من ذلك يجمع هذيلا لحربه . والكفار محيطون به محاربون له - : فالقصر واجب بعد في أكثر من هذه الإقامة . وهو عليه السلام يتردد من مكة إلى حنين . ثم إلى مكة معتمرا ، ثم إلى الطائف . وهو عليه السلام يوجه السرايا إلى من حول مكة من قبائل العرب ، كبني كنانة ، وغيرهم . فهذا قولنا ، وما دخل عليه السلام مكة قط من حين خرج عنها مهاجرا إلا في عمرة القضاء ، أقام بها ثلاثة أيام فقط . ثم حين فتحها كما ذكرنا محاربا . ثم في حجة الوداع : أقام بها كما وصفنا ، ولا مزيد . قال علي : وأما قولنا : إن هذه الإقامة لا تكون إلا بعد الدخول في أول دار الحرب وبعد الإحرام - : فلأن القاصد إلى الجهاد ما دام في دار الإسلام فليس في حال جهاد ، ولكنه مريد للجهاد وقاصد إليه ، وإنما هو مسافر كسائر المسافرين ، إلا أجر نيته فقط ، وهو ما لم يحرم فليس بعد في عمل حج ولا عمل عمرة ، لكنه مريد لأن يحج ، أو لأن يعتمر ، فهو كسائر من يسافر ولا فرق ؟ [ قال علي : وكل هذا لا حجة لهم فيه ، لأن رسول الله ﷺ لم يقل - إذ أقام بمكة أياما : إني إنما قصرت أربعا ؛ لأني في حج ، ولا لأني في مكة . ولا قال - إذ أقام بتبوك عشرين يوما يقصر : إني إنما قصرت لأني في جهاد . فمن قال : شيئا من هذا فقد قوله عليه السلام ما لم يقل ، وهذا لا يحل . فصح يقينا أنه لولا مقام النبي عليه السلام في تبوك عشرين يوما يقصر ، وبمكة دون ذلك يقصر - : لكان لا يجوز القصر إلا في يوم يكون فيه المرء مسافرا ، ولكان مقيم يوم يلزمه الإتمام . لكن لما أقام عليه السلام عشرين يوما بتبوك يقصر صح بذلك أن عشرين يوما إذا أقامها المسافر فله فيها حكم السفر ، فإن أقام أكثر أو نوى إقامة أكثر فلا برهان يخرج ذلك عن حكم الإقامة أصلا ولا فرق بين من خص الإقامة في الجهاد بعشرين يوما يقصر فيها ، وبين من خص بذلك بتبوك دون سائر الأماكن ، وهذا كله باطل لا يجوز القول به ، إذ لم يأت به نص قرآن ولا سنة - وبالله تعالى التوفيق . ووجب أن يكون الصوم بخلاف ذلك ؛ لأنه لم يأت فيه نص أصلا ، والقياس لا يجوز ، فمن نوى إقامة يوم في رمضان فإنه يصوم - وبالله تعالى التوفيق ] . قال علي : وقال أبو حنيفة ، والشافعي : إن أقام في مكان ينوي خروجا غدا أو اليوم فإنه يقصر ويفطر ولو أقام كذلك أعواما . قال أبو حنيفة : وكذلك لو نوى خروجا ما بينه وبين خمسة عشر يوما فإنه يفطر ويقصر . وقال مالك : يقصر ويفطر وإن نوى إقامة ثلاثة أيام فإنه يفطر ويقصر ، وإن نوى : أخرج اليوم ، أخرج غدا : قصر ، ولو بقي كذلك أعواما - ؟ قال علي : ومن العجب العجيب إسقاط أبي حنيفة النية حين افترضها الله تعالى من الوضوء للصلاة ، وغسل الجنابة ، والحيض وبقائه في رمضان ينوي الفطر إلى قبل زوال الشمس ، ويجيز كل ذلك بلا نية - : ثم يوجب النية فرضا في الإقامة ، حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله ﷺ ولا أوجبها برهان نظري قال علي : وبرهان صحة قولنا - : أن الحكم [ للإقامة للمدد ] التي ذكرنا - كانت هنالك نية لإقامة أو لم تكن - فهو أن النيات إنما تجب فرضا في الأعمال التي أمر الله تعالى بها فلا يجوز أن تؤدى بلا نية وأما عمل لم يوجبه الله ولا رسوله ﷺ فلا معنى للنية فيه ، إذ لم يوجبها هنالك قرآن ، ولا سنة ، ولا نظر ، ولا إجماع . والإقامة ليست عملا مأمورا به ، وكذلك السفر ، وإنما هما حالان أوجب الله تعالى فيهما العمل الذي أمر الله تعالى به فيهما ، فذلك العمل هو المحتاج إلى النية ، لا الحال . وهم موافقون لنا : أن السفر لا يحتاج إلى نية . ولو أن امرأ خرج لا يريد سفرا فدفعته ضرورات لم يقصد لها حتى صار من منزله على ثلاث ليال ، أو سير به مأسورا أو مكرها محمولا مجبرا فإنه يقصر ويفطر . وكذلك يقولون فيمن أقيم به كرها فطالت به مدته فإنه يتم ويصوم ، وكذلك يقولون فيمن اضطر للخوف إلى الصلاة راكبا أو ماشيا ، فذلك الخوف وتلك الضرورة لا يحتاج فيها إلى نية . وكذلك النوم لا يحتاج إلى نية ، وله حكم في إسقاط الوضوء وإيجاب تجديده وغير ذلك . وكذلك الإجناب لا يحتاج إلى نية ، وهو يوجب الغسل . وكذلك الحدث لا يحتاج إلى نية ، وهو يوجب حكم الوضوء والاستنجاء ، فكل عمل لم يؤمر به لكن أمر فيه بأعمال موصوفة فهو لا يحتاج إلى نية . ومن جملة هذه الأعمال هي الإقامة والسفر ، فلا يحتاج فيهما إلى نية أصلا ، لكن متى وجدا وجب لكل واحد منهما الحكم الذي أمر الله تعالى به فيه ولا مزيد - وبالله تعالى التوفيق . وهذا قول الشافعي وأصحابنا .

516 - مسألة : ومن ابتدأ صلاة وهو مقيم ثم نوى فيها السفر ، أو ابتدأها وهو مسافر ثم نوى فيها أن يقيم - : أتم في كلا الحالين . برهان ذلك - : ما ذكرناه من أن الإقامة غير السفر وأنه لا يخرج عن حكم الإقامة مما هو إقامة إلا ما أخرجه نص . فهو إذا نوى في الصلاة سفرا فلم يسافر بعد ، بل هو مقيم ، فله حكم الإقامة . وإذا افتتحها وهو مسافر فنوى فيها الإقامة فهو مقيم بعد لا مسافر ، فله أيضا حكم الإقامة . إذ إنما كان له حكم السفر بالنص المخرج لتلك الحال عن حكم الإقامة ، فإذا بطلت تلك الحال ببطلان نيته صار في حال الإقامة - وبالله تعالى التوفيق .

517 - مسألة : ومن ذكر وهو في سفر صلاة نسيها أو نام عنها في إقامته صلاها ركعتين ولا بد ، فإن ذكر في الحضر صلاة نسيها في سفر صلاها أربعا ولا بد . وقال الشافعي : يصليها في كلتا الحالتين : أربعا ؟ وقال مالك : يصليها إذا نسيها في السفر فذكرها في الحضر : ركعتين وإذا نسيها في الحضر فذكرها في السفر صلاها : أربعا . حجة الشافعي : أن - الأصل الإتمام ، وإنما القصر رخصة ؟ قال علي : وهذا خطأ ، ودعوى بلا برهان ، ولو أردنا معارضته لقلنا : بل الأصل القصر ، كما قالت عائشة رضي الله عنها " فرضت الصلاة ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على الحالة الأولى " . ولكنا لا نرضى بالشغب ، بل نقول : إن صلاة السفر أصل ، وصلاة الإقامة أصل ، ليست إحداهما فرعا للأخرى ، فبطل هذا القول . واحتج مالك بأن الصلاة إنما تؤدى كما لزمت إذا فاتت . قال علي : وهذا أيضا دعوى بلا برهان ، وما كان هكذا فهو خطأ ، وهو أول من يخالف هذا الأصل ويهدمه في كل موضع ، إلا هنا فإنه تناقض ، وذلك أنه يقول : من فاتته صلاة الجمعة فإنه لا يصليها إلا أربع ركعات . ومن فاتته في حال مرضه صلوات كان حكمها لو صلاها أن يصليها قاعدا أو مضطجعا أو مومئا فذكرها في صحته - : فإنه لا يصليها إلا قائما . ومن ذكر في حال المرض المذكور صلاة فاتته في صحته كان حكمها أن يصليها قائما فإنه لا يصليها إلا قاعدا أو مضطجعا . ومن صلى في حال خوف راكبا أو ماشيا صلاة نسيها في حال الأمن فإنه يؤديها راكبا أو ماشيا . ومن ذكر في حال الأمن صلاة نسيها في حال الخوف حيث لو صلاها لصلاها راكبا أو ماشيا فإنه لا يصليها إلا نازلا قائما . ومن نسي صلاة لو صلاها في وقتها لم يصلها إلا متوضئا فذكرها في حال تيمم : صلاها متيمما . ولو نسي صلاة لو صلاها في وقتها لم يصلها إلا متيمما فذكرها والماء معه فإنه لا يصليها إلا متوضئا . والقوم أصحاب قياس بزعمهم ، وهذا مقدار قياسهم وأما نحن فإن حجتنا في هذا إنما هو قول رسول الله ﷺ : { من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها } فإنما جعل عليه السلام وقتها وقت أدائها لا الوقت الذي نسيها فيه أو نام عنها ، فكل صلاة تؤدى في سفر فهي صلاة سفر ، وكل صلاة تؤدى في حضر فهي صلاة حضر ولا بد ؟ فإن قيل : فإن في هذا الخبر { كما كان يصليها لوقتها } . قلنا : هذا باطل ، وهذه لفظة موضوعة لم تأت قط من طريق فيها خير قال علي : وأما قولنا : إن نسي صلاة في سفر فذكرها في حضر فإنه لا يصليها إلا أربعا - : فهو قول الأوزاعي ، والشافعي ، وغيرهما . وأما قولنا : إن نسيها في حضر فذكرها في سفر فإنه يصليها سفرية - : فهو قول روي عن الحسن - وبالله تعالى التوفيق وقال الشافعي : لا يقصر إلا من نوى القصر في تكبيرة الإحرام . قال علي : وهذا خطأ ؛ لأن الشافعي قد تناقض ، فلم ير النية للإتمام ، وهذا على أصله الذي قد بينا خطأه فيه ، من أن الأصل عنده الإتمام ، والقصر دخيل ؟ وقد بينا أن صلاة السفر ركعتان ، فلا يلزمه إلا أن ينوي الظهر ، أو العصر ، أو العتمة فقط . ثم إن كان مقيما فهي أربع ، وإن كان مسافرا فهي ركعتان ولا بد ومن الباطل إلزامه النية في أحد الوجهين دون الآخر - وبالله تعالى التوفيق .

518 - مسألة : فإن صلى مسافر بصلاة إمام مقيم قصر ولا بد ، وإن صلى مقيم بصلاة مسافر أتم ولا بد ، وكل أحد يصلي لنفسه ، وإمامة كل واحد منهما للآخر جائزة ولا فرق ؟ روينا من طريق عبد الرزاق عن سعيد بن السائب عن داود بن أبي عاصم قال : { سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر ؟ فقال : ركعتان ؟ قلت : كيف ترى ونحن ههنا بمنى ؟ قال : ويحك سمعت برسول الله ﷺ وآمنت به ؟ قلت : نعم ؟ قال فإنه كان يصلي ركعتين فصل ركعتين إن شئت أو دع - } وهذا بيان جلي بأمر ابن عمر المسافر أن يصلي خلف المقيم ركعتين فقط ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحمن بن تميم بن حذلم . قال : كان أبي إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة - وهو مسافر - صلى إليها أخرى ، وإذا أدرك ركعتين اجتزأ بهما ؟ قال علي : تميم بن حذلم من كبار أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه . وعن شعبة عن مطر بن فيل عن الشعبي قال : إذا كان مسافرا فأدرك من صلاة المقيم ركعتين اعتد بهما ؟ وعن شعبة عن سليمان التيمي قال : سمعت طاوسا وسألته عن مسافر أدرك من صلاة المقيمين ركعتين ؟ قال : تجزيانه قال علي : برهان صحة قولنا ما قد صح عن رسول الله ﷺ من { أن الله تعالى فرض على لسانه ﷺ صلاة الحضر أربعا وصلاة السفر ركعتين } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا عبدة بن عبد الرحيم عن محمد بن شعيب أنا الأوزاعي عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثني عمرو بن أمية أن رسول الله ﷺ قال له : { إن الله قد وضع عن المسافر الصيام ونصف الصلاة } ولم يخص عليه السلام مأموما من إمام من منفرد { وما كان ربك نسيا } . وقال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . قال علي : والعجب من المالكيين ، والشافعيين ، والحنفيين القائلين : بأن المقيم خلف المسافر يتم ولا ينتقل إلى حكم إمامه في التقصير ، وإن المسافر خلف المقيم ينتقل إلى حكم إمامه في الإتمام . وهم يدعون أنهم أصحاب قياس بزعمهم ، ولو صح قياس في العالم لكان هذا أصح قياس يوجد ، ولكن هذا مما تركوا فيه القرآن والسنن والقياس وما وجدت لهم حجة إلا أن بعضهم قال : إن المسافر إذا نوى في صلاته الإقامة لزمه إتمامها ، والمقيم إذا نوى في صلاته السفر لم يقصرها ، قال : فإذا خرج بنيته إلى الإتمام فأحرى أن يخرج إلى الإتمام بحكم إمامه ؟ قال علي : وهذا قياس في غاية الفساد ؛ لأنه لا نسبة ولا شبه بين صرف النية من سفر إلى إقامة وبين الائتمام بإمام مقيم ، بل التشبيه بينهما هوس ظاهر واحتج بعضهم بقول النبي ﷺ : { إنما جعل الإمام ليؤتم به } ؟ فقلنا لهم : فقولوا للمقيم خلف المسافر : أن يأتم به إذن ؟ فقال قائلهم : قد جاء " أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " ؟ فقلنا : لو صح هذا لكان عليكم ؛ لأن فيه أن المسافر لا يتم ، ولم يفرق بين مأموم ولا إمام ، فالواجب على هذا أن المسافر جملة يقصر ، والمقيم جملة يتم ، ولا يراعي أحد منهما حال إمامه - وبالله تعالى التوفيق ؟

=======




كتـاب الصلاة


صلاة الخوف

519 - مسألة : من حضره خوف من عدو ظالم كافر ، أو باغ من المسلمين ، أو من سيل ، أو من نار ، أو من حنش ، أو سبع ، أو غير ذلك وهم في ثلاثة فصاعدا - : فأميرهم مخير بين أربعة عشر وجها ، كلها صح عن رسول الله ﷺ قد بيناها غاية البيان والتقصي في غير هذا الكتاب ، والحمد لله رب العالمين ؟ وإنما كتبنا كتابنا هذا للعامي والمبتدئ وتذكرة للعالم ، فنذكر ههنا بعض تلك الوجوه ، مما يقرب حفظه ويسهل فهمه ، ولا يضعف فعله ، وبالله تعالى التوفيق ؟ فإن كان في سفر ، فإن شاء صلى بطائفة ركعتين ثم سلم وسلموا ، ثم تأتي طائفة أخرى فيصلي بهم ركعتين ثم يسلم ويسلمون ، وإن كان في حضر صلى بكل طائفة أربع ركعات ، وإن كانت الصبح صلى بكل طائفة ركعتين ، وإن كانت المغرب صلى بكل طائفة ثلاث ركعات ، الأولى فرض الإمام ، والثانية تطوع له وإن شاء في السفر أيضا صلى بكل طائفة ركعة ثم تسلم تلك الطائفة ويجزئهما ، وإن شاء هو سلم ، وإن شاء لم يسلم ، ويصلي بالأخرى ركعة ويسلم ويسلمون ويجزئهم . وإن شاءت الطائفة أن تقضي الركعة والإمام واقف فعلت ، ثم تفعل الثانية أيضا كذلك ؟ فإن كانت الصبح صلى بالطائفة الأولى ركعة ثم وقف ولا بد وقضوا ركعة ثم سلموا ، ثم تأتي الثانية فيصلي بهم الركعة الثانية ، فإذا جلس قاموا فقضوا ركعة ، ثم سلم ويسلمون ؟ فإن كانت المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين ، فإذا جلس قاموا فقضوا ركعة وسلموا وتأتي الأخرى فيصلي بهم الركعة الباقية ، فإذا قعد صلوا ركعة ثم جلسوا وتشهدوا ، ثم صلوا الثالثة ثم يسلم ويسلمون ؟ فإن كان وحده فهو مخير بين ركعتين في السفر ، أو ركعة واحدة وتجزئه وأما الصبح فاثنتان ولا بد ، والمغرب ثلاث ولا بد ، وفي الحضر أربع ولا بد ؟ سواء ههنا الخائف من طلب بحق ، أو بغير حق . قال الله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } . فهذه الآية تقتضي بعمومها الصفات التي قلنا نصا ثم كل ما صح عن رسول الله ﷺ فلا يحل لأحد أن يرغب عن شيء منه ، قال الله تعالى آمرا لرسوله ﷺ أن يقول : { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين } . وقال تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } . وكل شيء فعله رسول الله ﷺ فهو من ملته ، وملته هي ملة إبراهيم عليه السلام وقد ذكرنا قبل هذا بيسير في باب من نسي صلاة فوجد جماعة يصلون يصلي صلاة أخرى في حديث أبي بكرة وجابر { أن رسول الله ﷺ صلى بطائفة ركعتين في الخوف ثم سلم ، وبطائفة أخرى ركعتين ثم سلم } . وذكرنا من قال ذلك من السلف ، فأغنى عن إعادته ، وهذا آخر فعل رسول الله ﷺ ؛ لأن أبا بكرة شهده معه ولم يسلم إلا يوم الطائف ، ولم يغز عليه السلام بعد الطائف غير تبوك فقط . فهذه أفضل صفات صلاة الخوف لما ذكرنا . وقال بهذا الشافعي ، وأحمد بن حنبل . وقد ذكرنا أيضا حديث ابن عباس " فرض الله الصلاة على لسان نبيكم ﷺ في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة " - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا أحمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا سفيان الثوري حدثني أشعث بن سليم هو ابن أبي الشعثاء - عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم قال : " كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال : أيكم صلى مع رسول الله ﷺ صلاة الخوف ؟ فقال حذيفة : أنا ، فقام حذيفة وصف الناس خلفه صفين صفا خلفه وصفا موازي العدو ، فصلى بالذين خلفه ركعة ، وانصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء ، وجاء أولئك ، فصلى بهم ركعة ولم يقضوا " . قال سفيان : وحدثني الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت عن النبي ﷺ مثل صلاة حذيفة . قال علي : الأسود بن هلال ثقة مشهور ، وثعلبة بن زهدم أحد الصحابة حنظلي وفد على رسول الله ﷺ وسمع منه وروى عنه . وصح هذا أيضا مسندا من طريق يزيد بن زريع ، وأبي داود الطيالسي كلاهما عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن يزيد الفقير عن جابر عن النبي ﷺ وأخبر جابر أن القصر المذكور في الآية عند الخوف هو هذا ؟ لا كون الصلاة ركعتين في السفر وصح أيضا : من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن النبي ﷺ وروي أيضا عن ابن عمر . فهذه آثار متظاهرة متواترة ، وقال بهذا جمهور من السلف . كما روي عن حذيفة أيام عثمان رضي الله عنه ومن معه من الصحابة ، لا ينكر ذلك أحد منهم ، وعن جابر ، وغيره ؟ وروينا عن أبي هريرة أنه صلى بمن معه صلاة الخوف ، فصلاها بكل طائفة ركعة إلا أنه لم يقض ولا أمر بالقضاء ؟ وعن ابن عباس : يومئ بركعة عند القتال ؟ وعن الحسن : أن أبا موسى الأشعري صلى في الخوف ركعة وعن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : إذا كانت المسايفة فإنما هي ركعة يومئ إيماء حيث كان وجهه ، راكبا كان أو ماشيا ؟ وعن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن قال في صلاة المطاردة : ركعة ومن طريق سعيد بن عبد العزيز عن مكحول في صلاة الخوف : إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهور الدواب ركعتين فإذا لم يقدروا فركعة وسجدتان ، فإن لم يقدروا أخروا حيث يأمنوا ؟ قال علي : أما تأخيرها عن وقتها فلا يحل ألبتة ؛ لأنه لم يسمح الله تعالى في تأخيرها ولا رسوله ﷺ . قال الله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } . وقال سفيان الثوري : حدثني سالم بن عجلان الأفطس سمعت سعيد بن جبير يقول : كيف يكون قصر وهم يصلون ركعتين ؟ وإنما هو ركعة ركعة ، يومئ بها حيث كان وجهه ؟ وعن شعبة عن أبي مسلمة هو سعيد بن يزيد - عن أبي نضرة عن جابر بن غراب كنا مصافي العدو بفارس ، ووجوهنا إلى المشرق ، فقال هرم بن حيان : ليركع كل إنسان منكم ركعة تحت جنته حيث كان وجهه وعن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان ، وقتادة عن صلاة المسايفة ؟ فقالوا : ركعة حيث كان وجهه وعن وكيع عن شعبة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم مثل قول الحكم ، وحماد ، وقتادة . وعن أبي عوانة عن أبي بشر عن مجاهد في قول الله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } قال : في العدو يصلي راكبا وراجلا يومئ حيث كان وجهه ، والركعة الواحدة تجزئه . وبه يقول سفيان الثوري ، وإسحاق بن راهويه ؟ قال علي : وهذان العملان أحب العمل إلينا ، من غير أن نرغب عن سائر ما صح عن رسول الله ﷺ في ذلك ، ومعاذ الله من هذا . لكن ملنا إلى هذين لسهولة العمل فيهما على كل جاهل ، وعالم ، ولكثرة من رواهما عن النبي ﷺ . ولكثرة من قال بهما من الصحابة والتابعين . ولتواتر الخبر بهما عن رسول الله ﷺ ولموافقتهما القرآن ؟ وقد قال بعض من لا يبالي بالكذب ، عصبية لتقليده المهلك له - : الأمر عندنا على أنهم قضوا قال علي : هذا انسلاخ من الحياء جملة ، وقصد إلى الكذب جهارا ولا فرق بين من قال هذا القول وبين من قال : الأمر عندنا على أنهم أتموا أربعا ؟ وقال : لم نجد في الأصول صلاة من ركعة ؟ وقلنا لهم : ولا وجدتم في الأصول صلاة الإمام بطائفتين ، ولا صلاة إلى غير القبلة ، ولا صلاة يقضي فيها المأموم ما فاته قبل تمام صلاة إمامه ، ولا صلاة يقف المأموم فيها لا هو يصلي مع إمامه ولا هو يقضي ما بقي عليه من صلاته ، وهذا كله عندكم جائز في الخوف ، ولا وجدتم شيئا من الديانة حتى جاء بها رسول الله ﷺ عن الله تعالى ، والأصول ليست شيئا غير القرآن والسنن ؟ فإن قيل : قد روي من طريق حذيفة : أنه أمر بقضاء ركعة قلنا : هذا انفرد به الحجاج بن أرطاة ، وهو ساقط لا تحل الرواية عنه ، ثم لو صح لما منع من رواية الثقات أنهم لم يقضوا ، بل كان يكون كل ذلك جائزا ؟ وقال بعضهم : قد روي عن حذيفة صلاة الخوف ركعتين وأربع سجدات ؟ قلنا : هذا من رواية يحيى الحماني وهو ضعيف ، عن شريك ، وهو مدلس ، وخديج ، وهو مجهول . ثم لو صح ذلك لكان مقصودا به صلاة إمامهم بهم وكذلك القول في رواية سليم بن صليع السلولي - وهو مجهول - عن حذيفة : أنه قال لسعيد : مر طائفة من أصحابك فيصلون معك ، وطائفة خلفكم ، فتصلي بهم ركعتين وأربع سجدات ؟ وهكذا نقول : في صلاة الإمام بهم وقال بعضهم : قد صح عن النبي ﷺ : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى } ؟ قلنا : نعم ، إلا ما جاء نص فيه أنه أقل من مثنى ، كالوتر ، وصلاة الخوف أو أكثر من مثنى ، كالظهر ، والعصر ، والعشاء . وقال بعضهم : قد نهي عن " البتيراء " ؟ قال علي : وهذه كذبة وخبر موضوع . وما ندري " البتيراء " في شيء من الدين - ولله الحمد وقال بعضهم : أنتم تجيزون للإمام أن يصلي بهم إن شاء ركعة ويسلم ، وإن شاء وصلها بأخرى بالطائفة الثانية ، وبيقين ندري أن ما كان للمرء فعله وتركه فهو تطوع لا فرض ، وإذ ذلك كذلك فمحال أن يصل فرضه بتطوع لا يفصل بينهما سلام ؟ قال علي : إنما يكون ما ذكروا فيما لم يأت به نص ، وأما إذا جاء النص فالنظر كله باطل ، لا يحل به معارضة الله تعالى ورسوله ﷺ . ثم نقول لهم : أليس مصلي الفرض من إمام أو منفرد - عندكم وعندنا - مخيرا بين أن يقرأ مع " أم القرآن " سورة إن شاء طويلة وإن شاء قصيرة وإن شاء اقتصر على " أم القرآن " فقط وإن شاء سبح في ركوعه وسجوده تسبيحة تسبيحة وإن شاء طولهما ؟ فمن قولهم : نعم . فقلنا لهم : فقد أبحتم ههنا ما قد حكمتم بأنه باطل ومحال من صلته فريضة بما هو عندكم تطوع إن شاء فعله وإن شاء تركه ؟ قال علي : وليس كما قالوا ، بل كل هذا خير فيه البر ، فإن طول ففرض أداه ، وإن لم يطول ففرض أداه ، وإن كان صلى ركعة في الخوف فهي فرضه ، وإن صلى ركعتين فهما فرضه . كما فعل عليه السلام وكما أمر { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } قال علي وسائر الوجوه الصحاح التي لم تذكر أخذ ببعضها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو موسى الأشعري ، وابن عمر ، وجماعة من التابعين والفقهاء رضي الله عنهم . وههنا أقوال لم تصح قط عن رسول الله ﷺ ولم ترو عنه أصلا ، ولكن رويت عمن دون رسول الله ﷺ فمن الصحابة رضي الله عنهم - : عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس ، والحكم بن عمرو الغفاري . ومن التابعين - : مسروق ، ومن الفقهاء - : الحسن بن حي ، وحميد الرؤاسي صاحبه . ومن جملتها قول رويناه عن سهل بن أبي حثمة ، رجع مالك إلى القول به ، بعد أن كان يقول ببعض الوجوه التي صحت عن رسول الله ﷺ وهو : أن يصف الإمام أصحابه طائفتين ، إحداهما خلفه ، والثانية مواجهة العدو ، فيصلي الإمام بالطائفة التي معه ركعة بسجدتيها ، فإذا قام إلى الركعة الثانية ثبت واقفا وأتمت هذه الطائفة لأنفسها الركعة التي بقيت عليها ، ثم سلمت ونهضت فوقفت بإزاء العدو ، والإمام في كل ذلك واقف في الركعة الثانية ، وتأتي الطائفة الثانية التي لم تصل فتصف خلف الإمام وتكبر ، فيصلي بهم الركعة الثانية بسجدتيها ، هي لهم أولى ، وهي للإمام ثانية ، ثم يجلس الإمام ويتشهد ويسلم ، فإذا سلم قامت هذه الطائفة الثانية فقضت الركعة التي لها ؟ قال علي : وهذا العمل المذكور - قضاء الطائفة الأولى والإمام واقف ، وقضاء الطائفة الثانية بعد أن يسلم الإمام - لم يأت قط جمع هذين القضاءين على هذه الصفة في شيء مما صح عن رسول الله ﷺ أصلا . وهو خلاف ظاهر القرآن ؛ لأنه تعالى قال : { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } ولأن الطائفة لم تصل بعض صلاتها معه ، وما كان خلافا لظاهر القرآن دون نص من بيان النبي ﷺ - : " فلا يجوز القول به ، وليس يوجب هذا القول قياس ، ولا نظر " . وليس تقليد سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه بأولى من تقليد من خالفه من الصحابة ، ممن قد ذكرناه - : كعمرو ، وابن عمرو ، وأبي موسى ، وجابر ، وابن عباس ، والحكم بن عمرو ، وحذيفة ، وثعلبة بن زهدم ، وأنس ، وعبد الرحمن بن سمرة ، وغيرهم . فإن قيل : إن سهل بن أبي حثمة روى بعض تلك الأعمال وخالفه . ولا يجوز أن يظن به أنه خالف ما حضر مع رسول الله ﷺ إلا لأمر علمه هو ناسخ لما رواه ؟ قلنا : هذا باطل ، وحكم بالظن ، وترك لليقين ، وإضافة إلى الصاحب رضي الله عنه ما لا يحل أن يظن به ، من أنه روى لنا المنسوخ وكتم الناسخ . ولا فرق بين قولكم هذا وبين من قال : لا يصح عنه أنه يخالف ما روى ، فالداخلة إنما هي فيما روي منه ما أضيف إليه ، لا فيما رواه هو عن النبي ﷺ واستدل على ذلك بأنه لا يجوز أن يخالف حكم رسول الله ﷺ . قال علي : ولسنا نقول : بشيء من هذين القولين ، بل نقول : إن الحق أخذ رواية الراوي ، لا أخذ رأيه ، إذ قد يتأول فيهم ، وقد ينسى ، ولا يجوز ألبتة أن يكتم الناسخ ويروي المنسوخ ؟ ولا يجوز لهم أن يوهموا ههنا بعمل أهل المدينة ؛ لأن ابن عمر ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، والزهري : مخالفون لاختيار مالك ، وما وجدنا ما اختاره مالك عن أحد قبله إلا عن سهل بن أبي حثمة وحده - وبالله تعالى التوفيق - : ومنها قول رويناه عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود وإبراهيم النخعي ، أخذ به أبو حنيفة وأصحابه إلا أن أبا يوسف رجع عنه - : وهو أن يصفهم الإمام صفين : طائفة خلفه ، وطائفة بإزاء العدو - : فيصلي بالتي خلفه ركعة بسجدتيها ، فإذا قام إلى الركعة الثانية وقف ، ونهضت الطائفة التي صلت معه فوقفوا بإزاء العدو ، وهم في صلاتهم بعد . ثم تأتي الطائفة التي كانت بإزاء العدو فتكبر خلف الإمام ، ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية له وهي لهم الأولى ، فإذا جلس وتشهد : سلم ، وتنهض الطائفة الثانية التي صلت معه الركعة الثانية ، وهم في صلاتهم ، فتقف بإزاء العدو . وتأتي الطائفة التي كانت صلت مع الإمام الركعة الأولى فترجع إلى المكان الذي صلت فيه مع الإمام ، فتقضي فيه الركعة التي بقيت لها ، وتسلم ، ثم تأتي فتقف بإزاء العدو . وترجع الطائفة الثانية إلى المكان الذي صلت فيه مع الإمام ، فتقضي فيه الركعة التي بقيت لها . إلا أن أبا حنيفة زاد من قبل رأيه زيادة لا تعرف من أحد من الأمة قبله - : وهي أنه قال : تقضي الطائفة الأولى الركعة التي بقيت عليها بلا قراءة شيء من القرآن فيها . وتقضي الطائفة الثانية الركعة التي بقيت عليها بقراءة القرآن فيها ولا بد قال علي : وهذا عمل لم يأت قط عن رسول الله ﷺ ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك أن فيه مما قد يخالف كل أثر جاء في صلاة الخوف ، تأخير الطائفتين معا إتمام الركعة الباقية لهما إلى أن يسلم الإمام ، فتبتدئ أولاهما بالقضاء ، ثم لا تقضي الثانية إلا حتى تسلم الأولى . وفيه أيضا مما يخالف كل أثر روي في صلاة الخوف - : مجيء كل طائفة للقضاء خاصة إلى الموضع الذي صلت فيه مع الإمام بعد أن زالت عنه إلى مواجهة العدو فإن قيل : قد روي نحو هذا عن ابن مسعود ؟ قلنا : قلتم الباطل والكذب ، إنما جاء عن ابن مسعود - من طريق واهية - خبر فيه ابتداء الطائفتين معا بالصلاة معا مع الإمام ، وأن الطائفة التي صلت آخرا هي بدأت بالقضاء قبل الثانية ، وليس هذا في قول أبي حنيفة ، وأنتم تعظمون خلاف الصاحب ، لا سيما إذا لم يرو عن أحد من الصحابة خلافه ؟ فإن قالوا : إنما تخيرنا ابتداء طائفة بعد طائفة اتباعا للآية ؟ قلنا : فقد خالفتم الآية في إيجابكم صلاة كل طائفة ما بقي عليها بعد تمام صلاة الإمام ، وإنما قال تعالى : { فليصلوا معك } فخالفتم القرآن ، وجميع الآثار عن النبي ﷺ صحيحها وسقيمها ، وجميع الصحابة رضي الله عنهم بلا نظر ولا قياس واحتج بعضهم بنادرة ، وهي : أنه قال : يلزم الإمام العدل بينهم ، فكما صلت الطائفة الواحدة أولا فكذلك تقضي أولا ؟ قال علي : وهذا باطل ، بل هو الجور والمحاباة ، بل العدل والتسوية هو أنه إذا صلت الواحدة أولا أن تقضي الثانية أولا ، فتأخذ كل طائفة بحظها من التقدم وبحظها من التأخر وقال بعضهم : لم نر قط مأموما بدأ بالقضاء قبل تمام صلاة إمامه ؟ فقيل لهم : ولا رأيتم قط مأموما يترك صلاة إمامه ويمضي إلى شغله ويقف برهة طويلة بعد تمام صلاة إمامه لا يقضي ما فاته منها ، وأنتم تقولون : بهذا بغير نص ولا قياس ، ثم تعيبون من اتبع القرآن والسنن ألا ذلك هو الضلال المبين لا سيما تقسيم أبي حنيفة في قضاء الطائفتين ، إحداهما بقراءة والأخرى بغير قراءة ، فما عرف هذا عن أحد قبله ، ولا يؤيده رأي سديد ، ولا قياس ؟ ومنها قول ذهب إليه أبو يوسف في آخر قوليه ، وهو قول الحسن اللؤلؤي ، وهو : أن لا تصلى صلاة الخوف بعد رسول الله ﷺ . قال علي : وهذا خلاف قول الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } . قال علي : إلا أن من قال : إن النكاح بسورة من القرآن خاص للنبي ﷺ والصلاة جالسا كذلك - : لا يقدر أن ينكر على أبي يوسف قوله ههنا ؟ ومنها قول رويناه عن الضحاك بن مزاحم ، ومجاهد ، والحكم بن عتبة ، وإسحاق بن راهويه ، وهو : أن تكبيرتين فقط تجزئان في صلاة الخوف وروينا أيضا عن الحكم ، ومجاهد : تكبيرة واحدة تجزئ في صلاة الخوف وهذا خطأ ؛ لأنه لم يأت به نص - وبالله تعالى التوفيق . فإن قال قائل : كيف تقولون بصلاة الخوف على جميع هذه الوجوه ، وقد رويتم عن زيد بن ثابت { أن رسول الله ﷺ صلى صلاة الخوف مرة ، لم يصل بنا قبلها ولا بعدها } ؟ قلنا : هذا لو صح لكان أشد عليكم ؛ لأنه يقال لكم : من أين كان لكم بأن الوجه الذي اخترتموه هو العمل الذي عمله رسول الله ﷺ إذ صلاها ؟ لا سيما إن كان المعترض بهذا حنفيا أو مالكيا ؟ لأن اختيار هاتين الفرقتين لم يأت قط عن رسول الله ﷺ وكيف وهذا حديث ساقط ؟ لم يروه إلا يحيى الحماني ، وهو ضعيف ، عن شريك القاضي ، وهو مدلس لا يحتج بحديثه ، فكيف يستحل ذو دين أن يعارض بهذه السوءة أحاديث الكواف من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين : إنهم شهدوا صلاة الخوف مع رسول الله ﷺ مرات : مرة بذي قرد ، ومرة بذات الرقاع ، ومرة بنجد ، ومرة بين ضجنان وعسفان ، ومرة بأرض جهينة ، ومرة بنخل ، ومرة بعسفان ، ومرة يوم محارب وثعلبة ، ومرة إما بالطائف وإما بتبوك . وقد يمكن أن يصليها في يوم مرتين للظهر والعصر ، وروى ذلك عن الصحابة أكابر التابعين والثقات الأثبات ؟ ونعوذ بالله من الخذلان ؟ قال علي : وإنما قلنا : بالصلاة ركعة واحدة في كل خوف لعموم حديث ابن عباس " فرضت الصلاة على لسان نبيكم ﷺ في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة " ولا يجوز تخصيص حكمه عليه السلام بالظنون الكاذبة - وبالله تعالى التوفيق .

520 - مسألة : ولا يجوز أن يصلي صلاة الخوف بطائفتين من خاف من طالب له بحق ، ولا أن يصلي أصلا بثلاث طوائف فصاعدا ؟ لأن في صلاتها بطائفتين عملا لكل طائفة في صلاتها هي منهية عنه إن كانت باغية ومن عمل في صلاته ما لم يؤمر به فلا صلاة له ، إذ لم يصل كما أمر ؟ وكذلك من صلى راكبا ، أو ماشيا ، أو محاربا ، أو لغير القبلة ، أو قاعدا خوف طالب له بحق ؛ لأنه في كل ذلك عمل عملا قد نهي عنه في صلاته ، وهو في كونه مطلوبا بباطل عامل من كل ذلك عملا أبيح له في صلاته تلك ؟ ولم يصل عليه السلام قط بثلاث طوائف ، ولولا صلاته عليه السلام بطائفتين لما جاز ذلك ، لأنه عمل في الصلاة ، ولا يجوز عمل في الصلاة ، إلا ما أباحه النص ، لقول رسول الله ﷺ : { إن في الصلاة لشغلا } . والواحد مع الإمام طائفة وصلاة جماعة ومن صلى كما ذكرنا هاربا عن كافر أو عن باغ بطلت صلاته أيضا ، إلا أن ينوي في مشيه ذلك تحرفا لقتال أو تحيزا إلى فئة فتجزئه صلاته حينئذ . لأن الله تعالى قال : { إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله } فمن ولي الكفار ظهره والبغاة المفترض قتالهم لا ينوي تحيزا ولا تحرفا - : فقد عمل في صلاته عملا محرما عليه ، فلم يصل كما أمر - وبالله تعالى التوفيق . وأما الفار عن السباع ، والنار ، والحنش ، والمجنون ، والحيوان العادي ، والسيل وخوف عطش ، وخوف فوت الرفقة ، أو فوت متاعه ، أو ضلال الطريق - : فصلاته تامة ، لأنه لم يفعل في ذلك إلا ما أمر به - وبالله تعالى التوفيق .

=======




كتـاب الصلاة


صلاة الجمعة

521 - مسألة : الجمعة ، هي ظهر يوم الجمعة ، ولا يجوز أن تصلى إلا بعد الزوال ، وآخر وقتها : آخر وقت الظهر في سائر الأيام . وروينا عن عبد الله بن سيلان قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق فقضى صلاته وخطبته قبل نصف النهار ثم شهدت الجمعة مع عمر بن الخطاب فقضى صلاته وخطبته مع زوال الشمس . وعن وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال : صلى بنا ابن مسعود الجمعة ضحى ، وقال : إنما عجلت بكم خشية الحر عليكم ؟ ومن طريق مالك بن أنس في موطئه عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه قال : كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح إلى جدار المسجد الغربي ، فإذا غشى الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب فصلى ، ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى ؟ قال علي : هذا يوجب أن صلاة عمر رضي الله عنه الجمعة كانت قبل الزوال ، لأن ظل الجدار ما دام في الغرب منه شيء فهو قبل الزوال ، فإذا زالت الشمس صار الظل في الجانب الشرقي ولا بد . وعن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن ابن أبي سليط : أن عثمان بن عفان صلى الجمعة بالمدينة وصلى العصر بملل قال ابن أبي سليط : وكنا نصلي الجمعة مع عثمان وننصرف وما للجدار ظل ؟ قال علي : بين المدينة ، وملل : اثنان وعشرون ميلا ، ولا يجوز ألبتة أن تزول الشمس ثم يخطب ويصلي الجمعة ثم يمشي هذه المسافة قبل اصفرار الشمس إلا من طرق طرق السرايا أو ركض ركض البريد المؤجل وبالحري أن يكون هذا ؟ وقد روينا أيضا هذا عن ابن الزبير . وعن ابن جريج عن عطاء قال : كل عيد حين يمتد الضحى : الجمعة ، والأضحى ، والفطر ، كذلك بلغنا ؟ وعن وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال : كل عيد فهو نصف النهار . قال علي : أين المموهون إنهم متبعون عمل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ؟ المشنعون بخلاف الصاحب إذا خالف تقليدهم ؟ وهذا عمل أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وابن الزبير ، وطائفة من التابعين ولكن القوم لا يبالون ما قالوا في نصر تقليدهم وأما نحن فالحجة عندنا فيما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا وكيع عن يعلى بن الحارث المحاربي عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال { كنا نجمع مع رسول الله ﷺ إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا هارون بن عبد الله ثنا يحيى بن آدم ثنا حسن بن عياش ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال { كنا نصلي مع رسول الله ﷺ الجمعة ثم نرجع فنريح نواضحنا ، قلت : أي ساعة ؟ قال : زوال الشمس } . وبه إلى أحمد بن شعيب : ثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وراح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر } . حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا صفوان بن عيسى ثنا محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة ، ثم كمن يهدي بقرة ، ثم مثل من يهدي شاة ، ثم مثل من يهدي دجاجة ، ثم كمثل من يهدي عصفورا ، ثم كمثل من يهدي بيضة ، فإذا خرج الإمام فجلس طويت الصحف } . وروينا نحوه من طريق الليث بن سعد عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ . قال علي : ففي هذين الحديثين - : فضل التبكير في أول النهار إلى المسجد لانتظار الجمعة ؟ وبطلان قول من منع من ذلك ، وقال : إن هذه الفضائل كلها إنما هي لساعة واحدة ، وهذا باطل ، لأن رسول الله ﷺ جعلها ساعات متغايرات ثانية ، وثالثة ، ورابعة ، وخامسة ، فلا يحل لأحد أن يقول : إنها ساعة واحدة ؟ وأيضا - فإن درج الفضل ينقطع بخروج الإمام ، وخروجه إنما هو قبل النداء ، وهم يقولون : إن تلك الساعة مع النداء ، فظهر فساد قولهم ؟ وفيهما - : أن الجمعة بعد الزوال ؛ لأن مالكا عن سمي ذكر خمس ساعات . وزاد محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة ، والليث عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة - : ساعة سادسة وقد ذكر أن بخروج الإمام تطوى الصحف ، فصح أن خروجه بعد الساعة السادسة ، وهو أول الزوال ، ووقت الظهر ؟ فإن قيل : " قد رويتم عن سلمة بن الأكوع { كنا نجمع مع رسول الله ﷺ فنرجع وما نجد للحيطان ظلا نستظل به } ؟ قلنا : نعم ، ولم ينف سلمة الظل جملة ، إنما نفى ظلا يستظلون به ، وهذا إنما يدل على قصر الخطبة ، وتعجيل الصلاة في أول الزوال ؟ وكذلك قول سهل بن سعد " وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد صلاة الجمعة " ليس ، فيه بيان أن ذلك كان قبل الزوال ؟ وقد روينا عن ابن عباس : خرج علينا عمر حين زالت الشمس فخطب يعني ، للجمعة ؟ وعن أبي إسحاق السبيعي : شهدت علي بن أبي طالب يصلي الجمعة إذا زالت ، الشمس ؟ وفرق مالك بين آخر وقت الجمعة وبين آخر وقت الظهر ، على أنه موافق لنا في أن أول وقتها هو أول وقت الظهر ، وهذا قول لا دليل على صحته ، وإذ هي ظهر اليوم فلا يجوز التفريق بين آخر وقتها من أجل اختلاف الأيام - وبالله تعالى التوفيق .

522 - مسألة : والجمعة إذا صلاها اثنان فصاعدا ركعتان يجهر فيهما بالقراءة . ومن صلاهما وحده صلاهما أربع ركعات يسر فيها كلها ، لأنها الظهر . وقد ذكرنا في باب وجوب قصر الصلاة من كتابنا حديث عمر { صلاة الجمعة ركعتان ، وصلاة المسافر ركعتان ، تمام غير قصر ، على لسان نبيكم ﷺ } . قال أبو محمد : وذهب بعض الناس إلى أنها ركعتان للفذ وللجماعة بهذا الخبر قال علي : وهذا خطأ ، لأنه الجمعة : اسم إسلامي لليوم ، لم يكن في الجاهلية ، إنما كان يوم الجمعة يسمى في الجاهلية " العروبة " فسمي في الإسلام " يوم الجمعة " ؛ لأنه يجتمع فيه للصلاة اسما مأخوذا من الجمع ، فلا تكون صلاة الجمعة إلا في جماعة وإلا فليست صلاة جمعة ، إنما هما ظهر ، والظهر أربع كما قدمنا . وقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه كان يجهر فيها ، وهو عمل أهل الإسلام ، نقل كواف من عهده عليه السلام إلى اليوم في شرق الأرض وغربها ؟ وأما العدد الذي يصليه الإمام فيه جمعة ركعتين كما ذكرنا - : فقد اختلف فيه - : فروينا عن عمر بن عبد العزيز : الجمعة تكون بخمسين رجلا فصاعدا . وقال الشافعي : لا جمعة إلا بأربعين رجلا : أحرارا ، مقيمين ، عقلاء ، بالغين - فصاعدا . وروينا عن بعض الناس : ثلاثين رجلا . وعن غيره : عشرين رجلا . وعن عكرمة : سبعة رجال لا أقل . وعن أبي حنيفة ، والليث بن سعد ، وزفر ، ومحمد بن الحسن : إذا كان ثلاثة رجال والإمام رابعهم صلوا الجمعة بخطبة ركعتين ، ولا تكون بأقل ؟ وعن الحسن البصري : إذا كان رجلان والإمام ثالثهما صلوا الجمعة بخطبة ركعتين وهو أحد قولي سفيان الثوري وقول أبي يوسف ، وأبي ثور وعن إبراهيم النخعي : إذا كان واحد مع الإمام صليا الجمعة بخطبة ركعتين . وهو قول الحسن بن حي ، وأبي سليمان ، وجميع أصحابنا ، وبه نقول ؟ قال علي : فأما من حد خمسين فإنهم ذكروا حديثا فيه { على الخمسين جمعة إذا كان عليهم إمام } . وهذا خبر لا يصح ؛ لأنه عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة ، والقاسم هذا ضعيف . وأما من حد بثلاثين فإنهم ذكروا خبرا مرسلا من طريق أبي محمد الأزدي - وهو مجهول - { إذا اجتمع ثلاثون رجلا فليؤمروا رجلا يصلي بهم الجمعة } . وأما من قال بقول أبي حنيفة ، والليث : فذكروا حديثا من طريق معاوية بن يحيى عن معاوية بن سعيد عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية وقد أدركت النبي ﷺ أنه قال : { الجمعة واجبة في كل قرية وإن لم يكن فيهم إلا أربعة ؟ } . وهذا لا يجوز الاحتجاج به ؛ لأن معاوية بن يحيى ، ومعاوية بن سعيد : مجهولان وأيضا - : فإن أبا حنيفة أول من يخالف هذا الخبر ، لأنه لا يرى الجمعة في القرى ، لكن في الأمصار فقط فكل هذه آثار لا تصح ، ثم لو صحت لما كان في شيء منها حجة ، لأنه ليس في شيء منها إسقاط الجمعة عن أقل من العدد المذكور ؟ وقد روي حديث ساقط عن روح بن غطيف - وهو مجهول { لما بلغوا مائتين جمع بهم النبي ﷺ } فإن أخذوا بالأكثر فهذا الخبر هو الأكثر ، وإن أخذوا بالأقل فسنذكر إن شاء الله تعالى حديثا فيه أقل وأما الشافعي : فإنه احتج بخبر صحيح رويناه من طريق الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه : أنه إذا سمع نداء الجمعة ترحم على أبي أمامة أسعد بن زرارة ، فسأله ابنه عن ذلك ؟ فقال : إنه أول من جمع بنا في هزم حرة بني بياضة ، في نقيع يعرف بنقيع الخضمات ونحن يومئذ أربعون رجلا . قال علي : ولا حجة له في هذا ؛ لأن رسول الله ﷺ لم يقل : إنه لا تجوز الجمعة بأقل من هذا العدد ، نعم والجمعة واجبة بأربعين رجلا وبأكثر من أربعين وبأقل من أربعين ؟ واحتج من قال : بقول أبي يوسف بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن سعيد عن يحيى هو القطان - عن هشام هو الدستوائي - ثنا قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال : { إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم } . وهذا خبر صحيح ، إلا أنه لا حجة لهم فيه ، لأن رسول الله ﷺ لم يقل : إنه لا تكون جماعة ولا جمعة بأقل من ثلاثة ؟ وأما حجتنا فهي ما قد ذكرناه قبل من حديث مالك بن الحويرث أن رسول الله : قال له : { إذا سافرتما فأذنا وأقيما ، وليؤمكما أكبركما } فجعل عليه السلام للاثنين حكم الجماعة في الصلاة ؟ فإن قال قائل : إن الاثنين إذا لم يكن لهما ثالث فإن حكم الإمام أن يقف المأموم على يمين الإمام ، فإذا كانوا ثلاثة فقد قيل : يقفان عن يمين الإمام ويساره ؟ وقد قيل : بل خلف الإمام ، ولم يختلفوا في الأربعة : أن الثلاثة يقفون خلف الإمام ، فوجدنا حكم الأربعة غير حكم الاثنين ؟ قلنا : فكان ماذا ؟ نعم ، هو كما تقولون : في مواضع الوقوف ، إلا أن حكم الجماعة واجب لهما بإقراركم ، وليس في حكم اختلاف موقف المأموم دليل على حكم الجمعة أصلا ؟ وقد حكم الله تعالى على لسان رسوله ﷺ بأن صلاة الجمعة ركعتان . وقال عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } . فلا يجوز أن يخرج عن هذا الأمر وعن هذا الحكم أحد إلا من جاء نص جلي أو إجماع متيقن على خروجه عنه ، وليس ذلك إلا الفذ وحده - وبالله تعالى التوفيق . فإن ابتدأها إنسان ولا أحد معه ثم أتاه آخر أو أكثر ، فسواء أتوه إثر تكبيره فما بين ذلك إلى أن يركع من الركعة الأولى - : يجعلها جمعة ويصليها ركعتين ، لأنها قد صارت صلاة جمعة ، فحقها أن تكون ركعتين ، وهو قادر على أن يجعلها ركعتين بنية الجمعة ، وهي ظهر يومه . فإن جاءه بعد أن ركع فما بين ذلك إلى أن يسلم - : فيقطع الصلاة ويبتدئها صلاة جمعة ، لا بد من ذلك ، لأنه قد لزمته الجمعة ركعتين ، ولا سبيل له إلى أداء ما لزمه من ذلك إلا بقطع صلاته التي قد بطل حكمها - وبالله تعالى التوفيق .

523 - مسألة : وسواء فيما ذكرنا - من وجوب الجمعة - المسافر في سفره ، والعبد ، والحر ، والمقيم ، وكل من ذكرنا يكون إماما فيها ، راتبا وغير راتب ، ويصليها المسجونون ، والمختفون ركعتين في جماعة بخطبة كسائر الناس ، وتصلى في كل قرية صغرت أم كبرت ، كان هنالك سلطان أو لم يكن ، وإن صليت الجمعة في مسجدين في القرية فصاعدا : جاز ذلك ؟ ورأى أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : أن لا جمعة على عبد ، ولا مسافر . واحتج لهم من قلدهم في ذلك بآثار واهية لا تصح : أحدها مرسل ، والثاني فيه هريم وهو مجهول والثالث فيه الحكم بن عمرو ، وضرار بن عمرو ، وهما مجهولان ولا يحل الاحتجاج بمثل هذا ؟ ولو شئنا لعارضناهم بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال { بلغني أن رسول الله ﷺ جمع بأصحابه في سفر ، وخطبهم يتوكأ على عصا } ولكننا ولله الحمد في غنى بالصحيح عما لا يصح ؟ واحتجوا بأن { رسول الله ﷺ لم يجهر في صلاة الظهر بعرفة ، وكان يوم جمعة } قال علي : وهذه جرأة عظيمة وما روى قط أحد : أنه عليه السلام لم يجهر فيها ، والقاطع بذلك كاذب على الله تعالى وعلى رسوله ﷺ قد قفا ما لا علم به ؟ وقد قال عطاء وغيره : إن وافق يوم عرفة يوم جمعة جهر الإمام ؟ قال علي : ولا خلاف في أنه عليه السلام خطب وصلى ركعتين وهذه صلاة الجمعة ، وحتى لو صح لهم أنه عليه السلام لم يجهر لما كان لهم في ذلك حجة أصلا ، لأن الجهر ليس فرضا ، ومن أسر في صلاة جهر ، أو جهر في صلاة سر ، فصلاته تامة ، لما قد ذكرنا قبل ؟ ولجأ بعضهم إلى دعوى الإجماع على ذلك وهذا مكان هان فيه الكذب على مدعيه . وروينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال : من ادعى الإجماع كذب - : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ، ومحمد بن عبد السلام الخشني - : قال ابن وضاح : ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع - : وقال محمد بن عبد السلام الخشني : ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي - : ثم اتفق وكيع ، وعبد الرحمن كلاهما عن شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي رافع عن أبي هريرة : أنهم كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن الجمعة وهم بالبحرين ؟ فكتب إليهم : أن جمعوا حيثما كنتم ؟ وقال وكيع : إنه كتب . وعن أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا أبو خالد الأحمر عن عبد الله بن يزيد قال : سألت سعيد بن المسيب : على من تجب الجمعة ؟ قال : على من سمع النداء وعن القعنبي عن داود بن قيس سمعت عمرو بن شعيب وقيل له : يا أبا إبراهيم ، على من تجب الجمعة ؟ قال : على من سمع النداء فعمم سعيد ، وعمرو : كل من سمع النداء ، ولم يخصا عبدا ، ولا مسافرا ، من غيرهما . وعن عبد الرزاق عن سعيد بن السائب بن يسار ثنا صالح بن سعد المكي أنه كان مع عمر بن عبد العزيز وهو متبد بالسويداء في إمارته على الحجاز ، فحضرت الجمعة ، فهيئوا له مجلسا من البطحاء ، ثم أذن المؤذن بالصلاة ، فخرج إليهم عمر بن عبد العزيز ، فجلس على ذلك المجلس ، ثم أذنوا أذانا آخر ، ثم خطبهم ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى بهم ركعتين وأعلن فيهما بالقراءة ، ثم قال لهم : إن الإمام يجمع حيثما كان . وعن الزهري مثل ذلك ، وقال ، إذا سئل عن المسافر يدخل قرية يوم الجمعة فينزل فيها ؟ قال : إذا سمع الأذان فليشهد الجمعة ومن طريق حماد بن سلمة عن أبي مكين عن عكرمة قال : إذا كانوا سبعة في سفر فجمعوا - يحمد الله ويثنى عليه ويخطب في الجمعة ، والأضحى والفطر ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : أيما عبد كان يؤدي الخراج فعليه أن يشهد الجمعة ، فإن لم يكن عليه خراج أو شغله عمل سيده فلا جمعة عليه . قال علي : الفرق بين عبد عليه الخراج ، وبين عبد لا خراج عليه : دعوى بلا برهان فقد ظهر كذبهم في دعوى الإجماع فلجئوا إلى أن قالوا : روي عن علي بن أبي طالب : لا جمعة على مسافر وعن أنس : أنه كان بنيسابور سنة أو سنتين فكان لا يجمع . وعن عبد الرحمن بن سمرة : أنه كان بكابل شتوة أو شتوتين فكان لا يجمع . قال علي : حصلنا من دعوى الإجماع على ثلاثة قد خالفتموهم أيضا ؛ لأن عبد الرحمن ، وأنسا رضي الله عنهما كانا لا يجمعان ، وهؤلاء يقولون : يجمع المسافر مع الناس ويجزئه . ورأى علي أن يستخلف بالناس من يصلي بضعفائهم صلاة العيد في المسجد أربع ركعات ، وهم لا يقولون : بهذا . وهذا عمر بن الخطاب يرى الجمعة عموما قال علي : قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } - : قال علي : فهذا خطاب لا يجوز أن يخرج منه مسافر ولا عبد بغير نص من رسول الله ﷺ وكذلك قول رسول الله ﷺ وحكمه وفعله أن صلاة الخوف ركعة ؟ وأما إمامة المسافر ، والعبد في الجمعة - : فإن أبا حنيفة ، والشافعي ، وأبا سليمان ، وأصحابهم قالوا : يجوز ذلك ، ومنع مالك من ذلك - : وهو خطأ . أول ذلك - قوله : إن المسافر والعبد إذا حضرا الجمعة كانت لهما جمعة فما الفرق بين هذا وبين جواز إمامتهما فيها مع قول النبي ﷺ { وليؤمكم أكبركم } و " { يؤم القوم أقرؤهم } ؟ فلم يخص عليه السلام جمعة من غيرها ، ولا مسافرا ، ولا عبدا من حر مقيم ، ولا جاء قط عن أحد من الصحابة منع العبد من الإمامة فيهما ، بل قد صح أنه كان عبد لعثمان رضي الله عنه أسود مملوك أميرا له على الربذة يصلي خلفه أبو ذر رضي الله عنه وغيره من الصحابة الجمعة وغيرها ؛ لأن الربذة بها جمعة ؟ وأما قولنا : كان هنالك سلطان أو لم يكن - : فالحاضرون من مخالفينا موافقون لنا في ذلك إلا أبا حنيفة ، وفي هذا خلاف قديم ؟ وقد قلنا : لا يجوز تخصيص عموم أمر الله تعالى بالتجميع بغير نص جلي ولا فرق بين الإمام في الجمعة والجماعة فيها وبين الإمام في سائر الصلوات والجماعة فيها ، فمن أين وقع لهم رد الجمعة خاصة إلى السلطان دون غيرها ؟ وأما قولنا : تصلى الجمعة في أي قرية صغرت أم كبرت - : فقد صح عن علي رضي الله عنه : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ، وقد ذكرنا خلاف عمر لذلك ، وخلافهم لعلي في غير ما قصة . وقال مالك : لا تكون الجمعة إلا في قرية متصلة البنيان ؟ قال علي : هذا تحديد لا دليل عليه ، وهو أيضا فاسد ، لأن ثلاثة دور قرية متصلة البنيان ، وإلا فلا بد له من تحديد العدد الذي لا يقع اسم قرية على أقل منه ، وهذا ما لا سبيل إليه . وقال بعض الحنفيين : لو كان ذلك لكان النقل به متصلا ؟ فيقال له : نعم قد كان ذلك ، حتى قطعه المقلدون بضلالهم عن الحق ، وقد شاهدنا جزيرة " ميورقة " يجمعون في قراها ، حتى قطع ذلك بعض المقلدين لمالك ، وباء بإثم النهي عن صلاة الجمعة . وروينا أن ابن عمر كان يمر على أهل المياه وهم يجمعون فلا ينهاهم عن ذلك . وعن عمر بن عبد العزيز : أنه كان يأمر أهل المياه أن يجمعوا ، ويأمر أهل كل قرية لا ينتقلون بأن يؤمر عليهم أمير يجمع بهم ؟ ويقال لهم : لو كان قولكم حقا وصوابا لجاء به النقل المتواتر ، ولما جاز أن يجهله ابن عمر ، وقبله أبوه عمر ، والزهري وغيره ، ولا حجة في قول قائل دون رسول الله ﷺ . وأما قولنا : إن الجمعة جائزة في مسجدين فصاعدا في القرية - : فإن أصحاب أبي حنيفة حكموا عن أبي يوسف : أنها لا تجزئ الجمعة إلا في موضع واحد من المصر ، إلا أن يكون جانبان بينهما نهر ، فيجزئ أن يجمع في كل جانب منهما . ورووا عن أبي حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، وأبي يوسف أيضا : أن الجمعة تجزئ في موضعين في المصر ، ولا تجزئ في ثلاثة مواضع ؟ وكلا هذين المذهبين من السخف حيث لا نهاية له لأنه لا يعضدهما قرآن ، ولا سنة ، ولا قول صاحب ، ولا إجماع ولا قياس وقد رووا عن محمد بن الحسن : أنها تجزئ في ثلاثة مواضع من المصر . فإن قالوا : صلى علي العيد في المصلى واستخلف من صلى بالضعفاء في المسجد ، فهما موضعان وهذا لا يقال : رأيا ؟ قلنا لهم : فقولوا : إنه لا تجزئ الجمعة إلا في المصلى . وفي الجامع فقط ، وإلا فقد خالفتموه ، كما خالفتموه في هذا الخبر نفسه ، إذ أمر رضي الله عنه الذي استخلف أن يصلي بهم العيد أربعا - : فقلتم : هذا شاذ فيقال لكم : بل الشاذ هو الذي أجزتم ، والمعروف هو الذي أنكرتم وما جعل الله تعالى آراءكم قياسا على الأمة ، ولا عيارا في دينه وهلا قلتم ، في هذا الخبر كما تقولون في خبر المصراة وغيره : هذا اعتراض على الآية ؛ لأن الله تعالى عم الذين آمنوا بافتراض السعي إلى الجمعة ، فصار تخصيصه اعتراضا على القرآن بخبر شاذ غير قوي النقل في أن ذلك لا يجب إلا في مصر جامع ؟ ومنع مالك ، والشافعي : من التجميع في موضعين في المصر . ورأينا المنتسبين إلى مالك يحدون في أن لا يكون بين الجامعين أقل من ثلاثة أميال وهذا عجب عجيب ، ولا ندري من أين جاء هذا التحديد ؟ ولا كيف دخل في عقل ذي عقل حتى يجعله دينا ؟ نعوذ بالله من الخذلان . قال الله تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم } فلم يقل عز وجل : في موضع ولا موضعين ولا أقل ، ولا أكثر { وما كان ربك نسيا } . فإن قالوا : قد كان أهل العوالي يشهدون مع النبي ﷺ الجمعة . قلنا : نعم وقد كان أهل ذي الحليفة يجمعون معه أيضا عليه السلام ، روينا ذلك من طريق الزهري ، ولا يلزم هذا عندكم ، وقد كانوا يشهدون معه عليه السلام سائر الصلوات ، ولم يكن ذلك دليلا على أن سائر قومهم لا يصلون الجماعات في مساجدهم ، ولم يأت قط نص بأنهم كانوا لا يجمعون سائر قومهم في مساجدهم ، ولا يحدون هذا أبدا ؟ ومن البرهان القاطع على صحة قولنا : أن الله تعالى إنما افترض في القرآن السعي إلى صلاة الجمعة إذا نودي لها ، لا قبل ذلك ، وبالضرورة أن من كان على نحو نصف ميل ، أو ثلثي ميل لا يدرك الصلاة أصلا إذا راح إليها في الوقت الذي أمره الله تعالى بالرواح إليها . فصح ضرورة أنه لا بد لكل طائفة من مسجد يجمعون فيه إذا راحوا إليه في الوقت الذي أمروا بالرواح إليه فيه أدركوا الخطبة والصلاة ، ومن قال غير هذا فقد أوجب الرواح حين ليس بواجب ، وهذا تناقض وإيجاب ما ليس عندهم واجبا . ومن أعظم البرهان عليهم : أن رسول الله ﷺ أتى المدينة وإنما هي قرى صغار مفرقة ، بنو مالك بن النجار في قريتهم حوالي دورهم أموالهم ونخلهم ، وبنو عدي بن النجار في دارهم كذلك ، وبنو مازن بن النجار كذلك ، وبنو سالم كذلك ، وبنو ساعدة كذلك ، وبنو الحارث بن الخزرج كذلك ، وبنو عمرو بن عوف كذلك ، وبنو عبد الأشهل كذلك ، وسائر بطون الأنصار كذلك ، فبنى مسجده في بني مالك بن النجار ، وجمع فيه في قرية ليست بالكبيرة ، ولا مصر هنالك . فبطل قول من ادعى أن لا جمعة إلا في مصر ، وهذا أمر لا يجهله أحد لا مؤمن ولا كافر ، بل هو نقل الكواف من شرق الأرض إلى غربها ، وبالله تعالى التوفيق . وقول عمر بن الخطاب ، " حيثما كنتم " إباحة للتجميع في جميع المساجد ؟ وروينا عن عمرو بن دينار أنه قال : إذا كان المسجد تجمع فيه للصلاة فلتصل فيه الجمعة . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : قلت لعطاء بن أبي رباح : أرأيت أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر كيف يصنعون ؟ قال : لكل قوم مسجد يجمعون فيه ثم يجزئ ذلك عنهم . وهو قول أبي سليمان ، وبه نأخذ ؟

=======







كتـاب الصلاة


صلاة الجمعة

524 - مسألة : وليس للسيد منع عبده من حضور الجمعة ، لأنه إذ قد ثبت أنه مدعو إليها فسعيه إليها فرض ، كما أن الصلاة فرض ولا فرق . ولا يحل له منعه من شيء من فرائضه ، قال تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله } . وقال رسول الله ﷺ : { لا طاعة في معصية إنما الطاعة في الطاعة } .

525 - مسألة : ولا جمعة على معذور بمرض ، أو غير ذلك من الأعذار ، ولا على النساء ، فإن حضر هؤلاء صلوها ركعتين . لأن الجمعة كسائر الصلوات تجب على من وجبت عليه سائر الصلوات في الجماعات - ويسقط الإجابة من الأعذار ما يسقط الإجابة إلى غيرها ولا فرق فإن حضرها المعذور فقد سقط العذر ، فصار من أهلها وهي ركعتان كما قال رسول الله ﷺ ولو صلاها الرجل المعذور بامرأته صلاها ركعتين ، وكذلك لو صلاها النساء في جماعة .

526 - مسألة : ويلزم المجيء إلى الجمعة من كان منها بحيث إذا زالت الشمس وقد توضأ قبل ذلك دخل الطريق إثر أول الزوال ومشى مترسلا ويدرك منها ولو السلام ، سواء سمع النداء أو لم يسمع ، فمن كان بحيث إن فعل ما ذكرنا لم يدرك منها ولا السلام لم يلزمه المجيء إليها ، سمع النداء أو لم يسمع ، وهو قول ربيعة . والعذر في التخلف عنها كالعذر في التخلف عن سائر صلوات الفرض ، كما ذكرنا قبل ، واختلف الناس في هذا - : فروينا عن ابن جريج عن سليمان بن موسى : أن معاوية كان يأمر على المنبر في خطبته أهل فاءين فمن دونها بحضور الجمعة ، وهم على أربعة وعشرين ميلا من دمشق . وعن معاذ بن جبل : أنه كان يأمر من كان على خمسة عشر ميلا بحضور الجمعة ، وعن الزهري وقتادة : تجب الجمعة على كل من كان من الجامع بمقدار ذي الحليفة من المدينة ، وقال إبراهيم النخعي : تؤتى الجمعة من فرسخين وعن أبي هريرة ، وأنس ، وابن عمر ، ونافع ، وعكرمة ، والحكم ، وعطاء ، وعن الحسن ، وقتادة ، وأبي ثور : تؤتى الجمعة من حيث إذا صلاها ثم خرج أدركه الليل في منزله ، وهو قول الأوزاعي . وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعن سعيد بن المسيب ، وعمرو بن شعيب : تجب الجمعة على من سمع النداء ، وأن عبد الله بن عمرو كان يكون من الطائف على ثلاثة أميال فلا يأتي الجمعة . وبه يقول أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه . وعن ابن المنكدر : تؤتى الجمعة على أربعة أميال ؟ وقال مالك ، والليث : تجب الجمعة على من كان من المصر على ثلاثة أميال ، ولا تجب على من كان على أكثر من ذلك ؟ وقال الشافعي : تجب على أهل المصر وإن عظم ، وأما من كان خارج المصر ، فمن كان بحيث يسمع النداء فعليه أن يجيب ومن كان بحيث لا يسمع النداء لم تلزمه الجمعة ؟ وقال أبو حنيفة وأصحابه : تلزم الجمعة جميع أهل المصر - سمعوا النداء أو لم يسمعوا - ولا تلزم من كان خارج المصر ، سمع النداء أو لم يسمع ؟ قال علي : كل هذه الأقوال لا حجة لقائلها ، لا من قرآن ، ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا قول صاحب لا مخالف له ، ولا إجماع ، ولا قياس لا سيما قول أبي حنيفة وأصحابه . فإن تعلق من يحد ذلك بثلاثة أميال بأن أهل العوالي كانوا يجمعون مع رسول الله ﷺ ؟ قلنا : وقد روي أن أهل ذي الحليفة كانوا يجمعون معه عليه السلام ، وهي على أكثر من ثلاثة أميال ، وليس في ذلك دليل على أنه عليه السلام أوجب ذلك عليهم فرضا ، بل قد روي أنه عليه السلام أذن لهم في أن لا يصلوها معه . وقد صح ذلك عن عثمان رضي الله عنه - : كما روينا من طريق مالك عن الزهري عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال : شهدت العيد مع عثمان بن عفان فصلى ثم خطب فقال : إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان ، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ، ومن أحب أن يرجع فليرجع ، فقد أذنت له ؟ قال علي : لو كان ذلك عنده فرضا عليهم لما أذن لهم في تركها . وأما من قال : تجب على من سمع النداء - : فإن النداء قد لا يسمعه لخفاء صوت المؤذن - أو لحمل الريح له إلى جهة أخرى ، أو لحوالة رابية من الأرض دونه من كان قريبا جدا ، وقد يسمع على أميال كثيرة إذا كان المؤذن في المنار والقرية في جبل ، والمؤذن صيتا والريح تحمل صوته ؟ وبالضرورة ندري أن { قول رسول الله ﷺ : أتسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : أجب } أنه إنما أمره بالإجابة لحضور الصلاة المدعو إليها ، لا من يوقن أنه لا يدرك منها شيئا ، هذا معلوم يقينا ويبين ذلك إخباره عليه السلام بأنه يهم بإحراق منازل المتخلفين عن الصلاة في الجماعة لغير عذر . فإذ قد اختلفوا هذا الاختلاف فالمرجوع إليه ما افترض الله الرجوع إليه من القرآن والسنة ؟ - : فوجدنا الله تعالى قد قال : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } . فافترض الله تعالى السعي إليها إذا نودي لها ، لا قبل ذلك ، ولم يشترط تعالى من سمع النداء ممن لم يسمعه ، والنداء لها إنما هو إذا زالت الشمس ، فمن أمر بالرواح قبل ذلك فرضا فقد افترض ما لم يفترضه الله تعالى في الآية ولا رسوله ﷺ . فصح يقينا أنه تعالى أمر بالرواح إليها إثر زوال الشمس ، لا قبل ذلك ، فصح أنه قبل ذلك فضيلة لا فريضة ، كمن قرب بدنة ، أو بقرة ، أو كبشا ، أو ما ذكر معها وقد صح أمر النبي ﷺ من مشى إلى الصلاة بالسكينة والوقار ، والسعي المذكور في القرآن إنما هو المشي لا الجري . وقد صح أن السعي المأمور به إنما هو لإدراك الصلاة لا للعناء دون إدراكها ، وقد قال عليه السلام : { فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } . فصح قولنا بيقين لا مرية فيه - وبالله تعالى التوفيق .

527 - مسألة : ويبتدئ الإمام - بعد الأذان وتمامه - بالخطبة فيخطب واقفا خطبتين يجلس بينهما جلسة ؟ وليست الخطبة فرضا ، فلو صلاها إمام دون خطبة صلاها ركعتين جهرا ولا بد ونستحب له أن يخطبهما على أعلى المنبر مقبلا على الناس بوجهه ، يحمد الله تعالى ، ويصلي على رسوله ﷺ ويذكر الناس بالآخرة ، ويأمرهم بما يلزمهم في دينهم ؟ وما خطب به مما يقع عليه اسم خطبة أجزأه ، ولو خطب بسورة يقرؤها : فحسن فإن كان لم يسلم على الناس إذ دخل - فليسلم عليهم إذا قام على المنبر ؟ روينا عن أبي بكر ، وعمر : أنهما كانا يسلمان إذا قعدا على المنبر ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا أحمد بن الحجاج ثنا أبو كامل الجحدري ثنا خالد بن الحارث ثنا عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال { كان رسول الله ﷺ يخطب يوم الجمعة قائما ثم يجلس ، ثم يقوم ، كما يفعلون اليوم } . وقد روينا عن عثمان ، ومعاوية ، أنهما كانا يخطبان جالسين . قال أبو محمد : قال الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } فإنما لنا الائتساء بفعله ﷺ وليس فعله فرضا ؟ فأما أبو حنيفة ، ومالك فقالا : الخطبة فرض لا تجزئ صلاة الجمعة إلا بها ، والوقوف في الخطبة فرض ، واحتجا بفعل رسول الله ﷺ . ثم تناقضا فقالا : إن خطب جالسا أجزأه ، وإن خطب خطبة واحدة أجزأه ، وإن لم يخطب لم يجزه ، وقد صح عن جابر أنه قال " من أخبرك أن رسول الله ﷺ خطب جالسا فقد كذب " . قال أبو محمد : من الباطل أن يكون بعض فعله عليه السلام فرضا وبعضه غير فرض . وقال الشافعي : إن خطب خطبة واحدة لم تجزه الصلاة . ثم تناقض فأجاز الجمعة لمن خطب قاعدا ، والقول عليه في ذلك كالقول على أبي حنيفة ، ومالك في إجازتهما الجمعة بخطبة واحدة ولا فرق ؟ وقال عطاء ، وطاوس ، ومجاهد : من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة لم يصلها إلا أربعا ، لأن الخطبة أقيمت مقام الركعتين . روينا من طريق الخشني : ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي المكي قال : سمعت طاوسا ، وعطاء يقولان : من لم يدرك الخطبة صلى أربعا ومن طريق محمد بن المثنى : ثنا يحيى بن سعيد القطان عن أبي يونس الحسن بن يزيد سمعت مجاهدا يقول : إذا لم تدرك الخطبة يوم الجمعة فصل أربعا . وروينا من طريق عبد الرزاق عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب : أن عمر بن الخطاب قال : الخطبة موضع الركعتين ، فمن فاتته الخطبة صلى أربعا ؟ قال أبو محمد : الحنفيون ، والمالكيون يقولون : المرسل كالمسند وأقوى ، فيلزمهم الأخذ بقول عمر ههنا ، وإلا فقد تناقضوا ؟ قال أبو محمد : من احتج في إيجاب فرض الخطبة بأنها جعلت بدلا عن الركعتين لزمه أن يقول بقول هؤلاء ، وإلا فقد تناقض واحتج بعضهم في إيجاب الخطبة بقول الله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما } . قال أبو محمد : وهذا الاحتجاج لا منفعة لهم فيه في تصويب قولهم ، وإنما فيه أنهم تركوه قائما ، وهكذا نقول ، وإنما هو رد على من قال : إنهم تركوه عليه السلام قاعدا ، وهذا لا يقوله أحد ، وليس في إنكار الله تعالى لتركهم لنبيه عليه السلام قائما - : إيجاب لفرض القيام في الخطبة ، ولا لفرض الخطبة ؟ فإن كان ذلك عندهم كما يقولون فيلزمهم أن من خطب قاعدا فلا جمعة له ولا لهم ، وهذا لا يقوله أحد منهم ، فظهر أن احتجاجهم بالآية عليهم ، وأنها مبطلة لأقوالهم في ذلك لو كانت على إيجاب القيام ، وليس فيها أثر بوجه من الوجوه على إيجاب الخطبة ، إنما فيها أن الخطبة تكون قياما فقط ؟ فإن ادعوا إجماعا تعجل ما رويناه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري : من لم يخطب يوم الجمعة صلى ركعتين على كل حال . وقد قاله أيضا ابن سيرين : وقد أقدم بعضهم - بجاري عادتهم في الكذب على الله تعالى - فقال : إن قول الله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } إنما مراده إلى الخطبة وجعل هذا حجة في إيجاب فرضها ؟ قال أبو محمد : ومن لهذا المقدم أن الله تعالى أراد بالذكر المذكور فيها الخطبة ؟ بل أول الآية وآخرها يكذبان ظنه الفاسد ؛ لأن الله تعالى إنما قال : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } . ثم قال عز وجل : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا } . فصح أن الله إنما افترض السعي إلى الصلاة إذا نودي لها ، وأمر إذا قضيت بالانتشار وذكره كثيرا . فصح يقينا أن الذكر المأمور بالسعي له هو الصلاة ، وذكر الله تعالى فيها بالتكبير ، والتسبيح والتمجيد ، والقراءة ، والتشهد لا غير ذلك ؟ ولو كان ما قاله هذا الجاهل لكان من لم يدرك الخطبة ولا شيئا منها وأدرك الصلاة غير مؤد لما افترض الله تعالى عليه من السعي ، وهم لا يقولون هذا ، وقد قاله من هو خير منهم ، فلا يكذبون ثانية في دعوى الإجماع مموهين على الضعفاء - وبالله تعالى التوفيق . فإن قالوا : لم يصلها عليه السلام قط إلا بخطبة ؟ قلنا : ولا صلاها عليه السلام قط إلا بخطبتين قائما يجلس بينهما ، فاجعلوا كل ذلك فرضا لا تصح الجمعة إلا به ، ولا صلى عليه السلام قط إلا رفع يديه في التكبيرة الأولى ، فأبطلوا الصلاة بترك ذلك وأما قولنا : ما وقع عليه اسم خطبة فاقتداء بظاهر فعل رسول الله ﷺ . وقال أبو حنيفة : تجزئ تكبيرة ، وهذا نقض منه لإيجابه الخطبة فرضا ، لأن التكبيرة لا تسمى خطبة ، ويقال لهم : إذا جاز هذا عندكم فلم لا أجزأت عن الخطبة تكبيرة الإحرام فهي ذكر ؟ وقال مالك - : الخطبة : كل كلام ذي بال ؟ قال أبو محمد : ليس هذا حدا للخطبة ، وهو يراها فرضا ، ومن أوجب فرضا فواجب عليه تحديده ، حتى يعلمه متبعوه علما لا إشكال فيه ، وإلا فقد جهلوا فرضهم وأما خطبتها على أعلى المنبر فهكذا فعل رسول الله ﷺ صحت بذلك الآثار المتواترة وكان يلزمهم أن يجعلوا هذا أيضا فرضا ، لأنه مذ عمل المنبر لم يخطب النبي ﷺ في الجمعة إلا عليه ؟ وأما قولنا : إن خطب بسورة يقرؤها : فحسن . روينا من طريق مسلم حدثني محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن عبد الله بن محمد بن معاوية عن ابنة لحارثة بن النعمان قالت " ما حفظت ( ق ) إلا من في رسول الله ﷺ يخطب بها كل جمعة ، وكان تنورنا وتنور رسول الله ﷺ واحدا " .

528 - مسألة : ولا تجوز إطالة الخطبة ، فإن قرأ فيها بسورة فيها سجدة أو آية فيها سجدة فنستحب له أن ينزل فيسجد والناس ، فإن لم يفعل فلا حرج - : روينا من طريق مسلم بن الحجاج حدثني شريح بن يونس حدثني عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر عن أبيه عن واصل بن حيان قال : قال أبو وائل : خطبنا عمار بن ياسر فأوجز وأبلغ ، فلما نزل قلنا : يا أبا اليقظان ، لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست ؟ فقال إني سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة ، فإن من البيان سحرا } . ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : قال ابن مسعود : أحسنوا هذه الصلاة واقصروا هذه الخطب . قال أبو محمد : شهدت ابن معدان في جامع قرطبة قد أطال الخطبة ، حتى أخبرني بعض وجوه الناس أنه بال في ثيابه . وكان قد نشب في المقصورة ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم القاضي ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال { قرأ رسول الله ﷺ على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه } . ومن طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن صفوان بن محرز : أن أبا موسى الأشعري قرأ سورة الحج على المنبر بالبصرة فسجد بالناس سجدتين . ومن طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه : أن عمر بن الخطاب قرأ السجدة وهو على المنبر يوم الجمعة ، ثم نزل فسجد فسجدوا معه ، ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيئوا للسجود ، فقال عمر : على رسلكم ، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء ؟ ومن طريق البخاري : ثنا إبراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير - وكان من خيار الناس - أنه شهد عمر بن الخطاب قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل ، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها ، حتى إذا جاء السجدة قال : يا أيها الناس ، إنما نمر بالسجود ، فمن سجد فقد أصاب ، ومن لم يسجد فلا حرج عليه فلم يسجد عمر . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش أن عمار بن ياسر قرأ يوم الجمعة على المنبر { إذا السماء انشقت } ثم نزل فسجد . ومن طريق شعبة عن أبي إسحاق السبيعي : أن الضحاك بن قيس كان يخطب فقرأ " ص وذلك بحضرة الصحابة ، لا ينكر ذلك أحد بالمدينة ، والبصرة ، والكوفة ، ولا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ، وقد سجد رسول الله ﷺ في سجدات القرآن المشهورة ، فأين دعواهم اتباع عمل الصحابة ؟

529 - مسألة : وفرض على كل من حضر الجمعة - سمع الخطبة أو لم يسمع - أن لا يتكلم مدة خطبة الإمام بشيء ألبتة ، إلا التسليم إن دخل حينئذ ، ورد السلام على من سلم ممن دخل حينئذ ، وحمد الله تعالى إن عطس ، وتشميت العاطس إن حمد الله ، والرد على المشمت ، والصلاة على النبي ﷺ إذا أمر الخطيب بالصلاة عليه ، والتأمين على دعائه ، وابتداء مخاطبة الإمام في الحاجة تعن ، ومجاوبة الإمام ممن ابتدأه الإمام بالكلام في أمر ما فقط ؟ ولا يحل أن يقول أحد حينئذ لمن يتكلم - : انصت ، ولكن يشير إليه أو يغمزه ، أو يحصبه ؟ ومن تكلم بغير ما ذكرنا ذاكرا عالما بالنهي فلا جمعة له ؟ فإن أدخل الخطيب في خطبته ما ليس من ذكر الله تعالى ولا من الدعاء المأمور به فالكلام مباح حينئذ ، وكذلك إذا جلس الإمام بين الخطبتين فالكلام حينئذ مباح ، وبين الخطبة وابتداء الصلاة أيضا ، ولا يجوز المس للحصى مدة الخطبة حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن راهويه أنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور بن المعتمر عن أبي معشر زياد بن كليب عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن القرثع الضبي - وكان من القراء الأولين - عن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله ﷺ : { ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر ثم يخرج إلى الجمعة فينصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما كان قبله من الجمعة } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ، ومن مس الحصا فقد لغا } حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله ﷺ قال : { إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة : أنصت والإمام يخطب فقد لغوت } . قال أبو محمد : قال الله تعالى : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ كان يقرأ سورة على المنبر ؟ فقال أبو ذر لأبي بن كعب : متى نزلت هذه السورة ؟ فأعرض عنه أبي ، فلما قضى صلاته قال أبي بن كعب لأبي ذر : ما لك من صلاتك إلا ما لغوت ، فدخل أبو ذر على رسول الله ﷺ فأخبره بذلك ؟ فقال : صدق أبي بن كعب } . وبه إلى حماد عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني : أن علقمة بن عبد الله المزني كان بمكة فجاء كريه والإمام يخطب يوم الجمعة ، فقال له : حبست القوم قد ارتحلوا ، فقال له : لا تعجل حتى ننصرف ، فلما قضى صلاته قال له ابن عمر : أما صاحبك فحمار ، وأما أنت فلا جمعة لك ؟ ومن طريق وكيع عن أبيه عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي : أن رجلا استفتح عبد الله بن مسعود آية والإمام يخطب ، فلما صلى قال : هذا حظك من صلاتك ؟ قال أبو محمد : فهؤلاء ثلاثة من الصحابة لا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ، كلهم يبطل صلاة من تكلم عامدا في الخطبة . وبه نقول ، وعليه إعادتها في الوقت ، لأنه لم يصلها والعجب ممن قال : معنى هذا أنه بطل أجره قال أبو محمد : وإذا بطل أجره فقد بطل عمله بلا شك ؟ ومن طريق معمر عن أيوب السختياني عن نافع : أن ابن عمر حصب رجلين كانا يتكلمان يوم الجمعة ، وأنه رأى سائلا يسأل يوم الجمعة فحصبه ، وأنه كان يومئ إلى الرجل يوم الجمعة : أن اسكت ؟ وأما إذا أدخل الإمام في خطبته مدح من لا حاجة بالمسلمين إلى مدحه ، أو دعاء فيه بغي وفضول من القول ، أو ذم من لا يستحق - : فليس هذا من الخطبة ، فلا يجوز الإنصات لذلك ، بل تغييره واجب إن أمكن روينا من طريق سفيان الثوري عن مجالد قال : رأيت الشعبي ، وأبا بردة بن أبي موسى الأشعري يتكلمان والحجاج يخطب حين قال : لعن الله ولعن الله ، فقلت : أتتكلمان في الخطبة ؟ فقالا : لم نؤمر بأن ننصت لهذا ؟ وعن المعتمر بن سليمان التيمي عن إسماعيل بن أبي خالد قال : رأيت إبراهيم النخعي يتكلم والإمام يخطب زمن الحجاج ؟ قال أبو محمد : كان الحجاج وخطباؤه يلعنون عليا ، وابن الزبير رضي الله عنهم ولعن لاعنهم . قال أبو محمد : وقد روينا خلافا عن بعض السلف لا نقول به ؟ - : رويناه من طريق وكيع عن ابن نائل عن إسماعيل بن أمية عن عروة بن الزبير : أنه كان لا يرى بأسا بالكلام إذا لم يسمع الخطبة . وأما ابتداء السلام ورده فإن عبد الله بن ربيع حدثنا قال : ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا بشر هو ابن المفضل - عن محمد بن عجلان عن المقبري هو سعيد بن أبي سعيد - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإذا أراد أن يقوم فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة } وقال عز وجل { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } . وأما حمد العاطس وتشميته فإن عبد الله بن ربيع حدثنا قال : ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن سالم بن عبيد قال : إنه سمع رسول الله ﷺ قال : { إذا عطس أحدكم فليحمد الله ، وليقل له من عنده : يرحمك الله ، وليرد عليهم : يغفر الله لنا ولكم } . وقد قيل : إن بين هلال بن يساف وبين سالم بن عبيد : خالد بن عرفجة وبه إلى أبي داود : ثنا موسى بن إسماعيل قال عبد العزيز هو ابن عبد الله بن أبي سلمة - عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله على كل حال ، وليقل أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، ويقول هو : يهديكم الله ويصلح بالكم } . قال أبو محمد : فإن قيل : قد صح النهي عن الكلام والأمر بالإنصات في الخطبة ، وصح الأمر بالسلام ورده ، وبحمد الله تعالى عند العطاس وتشميته عند ذلك ورده ، فقال قوم : إلا في الخطبة ، وقلتم أنتم : بالإنصات في الخطبة إلا عن السلام ورده والحمد والتشميت والرد ، فمن لكم بترجيح استثنائكم وتغليب استعمالكم للأخبار على استثناء غيركم واستعماله للأخبار ، لا سيما وقد أجمعتم معنا على أن كل ذلك لا يجوز في الصلاة ؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : قد جاء عن رسول الله ﷺ في الصلاة أنه { لا يصلح فيها شيء من كلام الناس } والقياس للخطبة على الصلاة باطل ، إذ لم يوجبه قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع . فنظرنا في ذلك فوجدنا الخطبة يجوز فيها ابتداء الخطيب بالكلام ومجاوبته ، وابتداء ذي الحاجة لله بالمكالمة وجواب الخطيب له ، على ما نذكر بعد هذا ، وكل هذا ليس هو فرضا ، بل هو مباح . ويجوز فيها ابتداء الداخل بالصلاة تطوعا . فصح أن الكلام المأمور به مغلب على الإنصات فيها ، لأنه من المحال الممتنع الذي لا يمكن ألبتة جوازه - : أن يكون الكلام المباح جائزا فيها ويكون الكلام الفرض المأمور به الذي لا يحل تركه فيها - وبالله تعالى نتأيد - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا الوليد بن مسلم ثنا أبو عمرو هو الأوزاعي - حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال { بينما النبي ﷺ يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال : يا رسول الله ، هلك المال ، وجاع العيال ، فادع الله لنا ، فرفع رسول الله ﷺ يديه ، وما نرى في السماء قزعة } وذكر باقي الحديث . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة ثنا حميد بن هلال قال : { قال أبو رفاعة : انتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو يخطب ، فقلت : يا رسول الله ، رجل غريب جاء يسأل عن دينه ، لا يدري ما دينه ، فأقبل علي رسول الله ﷺ وترك خطبته حتى انتهى إلي ، وأتى بكرسي حسبت قوائمه حديدا ، فقعد عليه رسول الله ﷺ وجعل يعلمني مما علمه الله - عز وجل - ثم أتى إلى خطبته فأتم آخرها } . قال أبو محمد : أبو رفاعة هذا تميم العدوي له صحبة وقد ذكرنا قبل هذا الباب في المتصل به كلام عمر مع الناس على المنبر في أن السجود ليس فرضا . وذكرنا قبل كلام عمر مع عثمان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم وكلام عثمان معه وعمر يخطب في أمر غسل الجمعة وإنكار تركه ، لا ينكر الكلام في كل ذلك أحد من الصحابة ، حتى نشأ من لا يعتد به مع من ذكرنا . والعجيب أن بعضهم - ممن ينتسب إلى العلم بزعمهم - قال : لعل هذا قبل نسخ الكلام في الصلاة أو قال : في الخطبة فليت شعري أين وجد نسخ الكلام الذي ذكرنا في الخطبة ؟ وما الذي أدخل الصلاة في الخطبة ؟ وليس لها شيء في أحكامها . ولو خطب الخطيب على غير وضوء لما ضر ذلك خطبته ، وهو يخطبها إلى غير القبلة ، فأين الصلاة من الخطبة لو عقلوا ؟ ونعوذ بالله من الضلال - والدين لا يؤخذ ب " لعل " ومن طريق وكيع عن الفضل بن دلهم عن الحسن قال يسلم ، ويرد السلام ، ويشمت العاطس - والإمام يخطب . وعن وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي مثله . وعن الشعبي ، وسالم بن عبد الله بن عمر قالا : رد السلام يوم الجمعة واسمع . وقال القاسم بن محمد ، ومحمد بن علي : يرد في نفسه . ومن طريق شعبة قال : سألت حماد بن أبي سليمان ، والحكم بن عتيبة عن رجل جاء يوم الجمعة ، وقد خرج الإمام ؟ فقالا جميعا : يسلم ويردون عليه ، وإن عطس شمتوه ، ويرد عليهم ؟ وعند عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : إذا عطس الرجل يوم الجمعة والإمام يخطب فحمد الله تعالى ، أو سلم وأنت تسمعه وتسمع الخطبة فشمته في نفسك ، ورد عليه في نفسك ، فإن كنت لا تسمع الخطبة فشمته وأسمعه ، ورد عليه ، وأسمعه ؟ وعن معمر عن الحسن البصري وقتادة قالا جميعا في الرجل يسلم وهو يسمع الخطبة : أنه يرد ويسمعه . وعن حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن : أنه كان لا يرى بأسا أن يسلم الرجل ويرد السلام والإمام يخطب . وهو قول الشافعي ، وعبد الرزاق ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي سليمان وأصحابهم .

======




كتـاب الصلاة


صلاة الجمعة

530 - مسألة : والاحتباء جائز يوم الجمعة والإمام يخطب ، وكذلك شرب الماء ، وإعطاء الصدقة ، ومناولة المرء أخاه حاجته ، لأن كل هذا أفعال خير لم يأت عن شيء منها نهي . وقال تعالى : { وافعلوا الخير } ولو كرهت أو حرمت لبين ذلك تعالى على لسان نبيه ﷺ : { وما كان ربك نسيا } . وقد جاء النهي عن الاحتباء والإمام يخطب من طريق أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني . وأبو مرحوم هذا مجهول لم يرو عنه أحد نعلمه إلا سعيد بن أبي أيوب . روينا عن ابن عمر : أنه كان يحتبي يوم الجمعة والإمام يخطب ، وكذلك أنس بن مالك وشريح ، وصعصعة بن صوحان ، وسعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعي ، ومكحول ، وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، ونعيم بن سلامة ، ولم يبلغنا عن أحد من التابعين أنه كرهه ، إلا عبادة بن نسي وحده ، ولم ترو كراهة ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ؟ وروينا عن طاوس إباحة شرب الماء يوم الجمعة والإمام يخطب . وهو قول مجاهد والشافعي ، وأبي سليمان . وقال الأوزاعي : إن شرب الماء فسدت جمعته - وبالله تعالى التوفيق .

531 - مسألة : ومن دخل يوم الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين قبل أن يجلس . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج فليصل ركعتين } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله قال : إن النبي ﷺ خطب فقال : { إذا جاء أحدكم يوم الجمعة ، وقد خرج الإمام فليصل ركعتين } . قال أبو محمد : هذا أمر لا حيلة لمموه فيه ولله تعالى الحمد . وبه إلى مسلم : ثنا قتيبة وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول { دخل رجل المسجد ورسول الله ﷺ يخطب يوم الجمعة فقال له رسول الله ﷺ أصليت ؟ قال : لا ، قال : قم فصل الركعتين } . هذا لفظ إسحاق . وقال قتيبة في حديثه " ركعتين " . وهكذا رويناه من طريق حماد بن زيد وأيوب السختياني وابن جريج كلهم عن عمرو عن جابر عن النبي ﷺ ومن طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر عن النبي ﷺ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود محمد بن محبوب وإسماعيل بن إبراهيم قالا : ثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : { جاء سليك الغطفاني ورسول الله ﷺ يخطب ، فقال له عليه السلام : أصليت شيئا ؟ قال : لا ، قال : صل الركعتين تجوز فيهما } . وحدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا إبراهيم بن أحمد بن فراس العبقسي ثنا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري ثنا إسحاق بن راهويه أنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري " أنه جاء ومروان يخطب يوم الجمعة ، فقام فصلى الركعتين ، فأجلسوه ، فأبى ، وقال : أبعد ما صليتموها مع رسول الله ﷺ ؟ " فهذه آثار متظاهرة متواترة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بأصح أسانيد توجب العلم بأمره ﷺ من جاء يوم الجمعة والإمام يخطب بأن يصلي ركعتين ، وصلاهما أبو سعيد مع النبي ﷺ وبعده بحضرة الصحابة لا يعرف له منهم مخالف ، ولا عليه منكر ، إلا شرط مروان الذين تكلموا بالباطل وعملوا الباطل في الخطبة ، فأظهروا بدعة وراموا إماتة سنة وإطفاء حق ، فمن أعجب شأنا ممن يقتدي بهم ويدع الصحابة ؟ وقد روى الناس من طريق مالك وغيره عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة عن رسول الله ﷺ قال : { إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس } . فعم عليه السلام ولم يخص فلا يحل لأحد أن يخص إلا ما خصه النبي ﷺ ممن يجد الإمام يقيم لصلاة الفرض ، أو قد دخل فيها ؟ وسبحان من يسر هؤلاء لعكس الحقائق ، فقالوا : من جاء والإمام يخطب فلا يركع ، ومن جاء والإمام يصلي الفرض ولم يكن أوتر ولا ركع ركعتي الفجر فليترك الفريضة وليشتغل بالنافلة فعكسوا أمر رسول الله ﷺ عكسا . ولولا البرهان الذي قد ذكرنا قبل بأن لا فرض إلا الخمس لكانت هاتان الركعتان فرضا ، ولكنهما في غاية التأكيد ، لا شيء من السنن أوكد منهما ، لتردد أمر رسول الله ﷺ بهما . وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي : ثنا سفيان الثوري عن أبي نهيك عن سماك بن سلمة قال : سأل رجل ابن عباس عن الصلاة والإمام يخطب ؟ فقال : لو أن الناس فعلوه كان حسنا ؟ وعن أبي نعيم الفضل بن دكين : ثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال : رأيت الحسن البصري دخل يوم الجمعة وابن هبيرة يخطب ، فصلى ركعتين في مؤخر المسجد ثم جلس . وعن وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال : إذا جئت يوم الجمعة وقد خرج الإمام فإن شئت صليت ركعتين ؟ وهو قول سفيان بن عيينة ، ومكحول ، وعبد الله بن يزيد المقرئ ، والحميدي ، وأبي ثور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وجمهور أصحاب الحديث . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهما وقال الأوزاعي : إن كان صلاهما في بيته جلس ، وإن كان لم يصلهما في بيته ركعهما في المسجد والإمام يخطب . وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يصل ، قال مالك فإن شرع فيهما فليتمهما ؟ قال أبو محمد : إن كانتا حقا فلم لا يبتدئ بهما ؟ فالخير ينبغي البدار إليه وإن كانتا خطأ وغير جائزتين فما يجوز التمادي على الخطأ وفي هذا كفاية . واحتج من سمع منهما بخبر ضعيف - : رويناه من طريق معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية قال : كنا مع عبد الله بن بسر صاحب رسول الله ﷺ فقال : { جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب فقال له رسول الله ﷺ اجلس فقد آذيت } . قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه ، لوجوه أربعة - : أحدها : أنه لا يصح ؛ لأنه من طريق معاوية بن صالح لم يروه غيره ، وهو ضعيف ؟ والثاني : أنه ليس في الحديث - لو صح - أنه لم يكن ركعهما ، وقد يمكن أن يكون ركعهما ثم تخطى ، ويمكن أن لا يكون ركعهما ، فإذ ليس في الخبر لا أنه ركع ، ولا أنه لم يركع - : فلا حجة لهم فيه ولا عليهم . ولا يجوز أن يقيم في الخبر ما ليس فيه فيكون من فعل ذلك أحد الكذابين ؟ والثالث : أنه حتى لو صح الخبر ، وكان فيه أنه لم يكن ركع - : لكان ممكنا أن يكون قبل أمر النبي ﷺ من جاء والإمام يخطب بالركوع ، وممكنا أن يكون بعده ، فإذ ليس فيه بيان بأحد الوجهين فلا حجة فيه لهم ولا عليهم ؟ والرابع : أنه لو صح الخبر وصح فيه أنه لم يكن ركع . وصح أن ذلك كان بعد أمره عليه السلام من جاء والإمام يخطب بأن يركع ، وكل ذلك لا يصح منه شيء - : لما كانت لهم فيه حجة ، لأننا لم نقل : إنهما فرض ، وإنما /51 قلنا /51 : إنهما سنة يكره تركها ، وليس فيه نهي عن صلاتهما ؟ فبطل تعلقهم بهذا الخبر الفاسد جملة - وبالله تعالى التوفيق ، وبقي أمره عليه السلام بصلاتهما لا معارض له ؟ وتعلل بعضهم بخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري " أن رجلا دخل المسجد " فذكر الحديث . وفيه - : { أن رسول الله ﷺ أمره أن يصلي ركعتين ، ثم قال : إن هذا دخل المسجد في هيئة بذة فأمرته أن يصلي ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه } ؟ قالوا : فإنما أمره رسول الله ﷺ بالركعتين ليفطن فيتصدق عليه قال أبو محمد : وهذا الحديث من أعظم الحجج عليهم ، لأن فيه أمر رسول الله ﷺ بصلاتهما ، وعلى كل حال فليس اعتراض على حديث جابر الذي ذكرناه . وفيه قوله عليه السلام : { من جاء يوم الجمعة والإمام يخطب أو قد خرج فليركع ركعتين } . ثم نقول لهم : قولوا لنا : هل أمره رسول الله ﷺ من ذلك بحق أم بباطل ؟ فإن قالوا : بباطل ، كفروا . وإن قالوا : بحق أبطلوا مذهبهم ، ولزمهم الأمر بالحق الذي أمر به رسول الله ﷺ وصح أنهما حق على كل حال ، إذ لا يأمر عليه السلام بوجه من الوجوه إلا بحق . ثم نقول لهم : إذ قلتم هذا فتقولون أنتم به فتأمرون من دخل بهيئة بذة والإمام يخطب يوم الجمعة بأن يركع ركعتين ليفطن له فيتصدق عليه ؟ أم لا ترون ذلك ؟ إن قالوا : نأمره بذلك تركوا مذهبهم . وإن قالوا : لسنا نأمره بذلك ؟ قيل لهم : فأي راحة لكم في توجيهكم للخبر الثابت وجوها أنتم مخالفون لها ، وعاصون للخبر على كل حال ؟ وهل ههنا إلا إيهام الضعفاء المغترين المحرومين أنكم أبطلتم حكم الخبر وصححتم بذلك قولكم ؟ والأمر في ذلك بالضد ، بل هو عليكم - وحسبنا الله ونعم الوكيل وقال بعضهم : لما لم يجز ابتداء التطوع لمن كان في المسجد لم يجز لمن دخل المسجد . قال أبو محمد : وهذه دعوى فاسدة لم يأذن الله تعالى بها ، ولا قضاها رسوله عليه السلام ، بل قد فرق عليه السلام بينهما ، بأن أمر من حضر بالإنصات والاستماع ، وأمر الداخل بالصلاة ، فالمعترض على هذا مخالف لله ولرسوله عليه السلام ، فالمتطوع جائز لمن في المسجد ما لم يبدأ الإمام بالخطبة ولمن دخل ما لم تقم الإقامة للصلاة ؟

532 - مسألة : والكلام مباح لكل أحد ما دام المؤذن يؤذن يوم الجمعة ما لم يبدأ الخطيب بالخطبة . والكلام جائز بعد الخطبة إلى أن يكبر الإمام . والكلام جائز في جلسة الإمام بين الخطبتين ، لأن الكلام بالمباح مباح إلا حيث منع منه النص ، ولم يمنع النص إلا من الكلام في خطبة الإمام كما أوردنا قبل ؟ - : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن جرير بن حازم عن ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك قال : { كان رسول الله ﷺ ينزل من المنبر يوم الجمعة فيكلمه الرجل في الحاجة ، فيكلمه ثم يتقدم إلى المصلى فيصلي } . ومن طريق حماد بن سلمة أنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر الصديق لما قعد على المنبر يوم الجمعة قال له بلال : يا أبا بكر ؟ قال : لبيك ، قال : أعتقتني لله أم لنفسك ؟ قال أبو بكر : بل لله تعالى ، قال : فأذن لي أجاهد في سبيل الله تعالى ، فأذن له ، فذهب إلى الشام فمات بها رضي الله عنه . ومن طريق حماد بن سلمة عن برد أبي العلاء عن الزهري : أن عمر بن الخطاب قال : كلام الإمام يقطع الكلام - : فلم ير عمر الكلام يقطعه إلا كلام الإمام ؟ وعن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن عمران بن موسى عن أبي الصعبة قال : قال عمر بن الخطاب لرجل يوم الجمعة وعمر على المنبر : هل اشتريت لنا ؟ وهل أتيتنا بهذا ؟ يعني الحب ؟ وعن هشيم بن بشير أخبرني محمد بن قيس أنه سمع موسى بن طلحة بن عبيد الله يقول : رأيت عثمان بن عفان جالسا يوم الجمعة على المنبر والمؤذن يؤذن وعثمان يسأل الناس عن أسعارهم وأخبارهم . وعن طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب : كلام الإمام يقطع الكلام ؟ وعن عبد الله بن عون : قال لي حماد بن أبي سليمان في المسجد بعد أن خرج الإمام يوم الجمعة : كيف أصبحت ؟ وعن عطاء وإبراهيم النخعي : لا بأس بالكلام يوم الجمعة قبل أن يخطب الإمام وهو على المنبر وبعد أن يفرغ . وعن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني مثله . وعن حماد بن سلمة عن إياس بن معاوية مثله . وعن الحسن : لا بأس بالكلام في جلوس الإمام بين الخطبتين .

533 - مسألة : ومن رعف والإمام يخطب واحتاج إلى الخروج فليخرج وكذلك من عرض له ما يدعوه إلى الخروج . ولا معنى لاستئذان الإمام ، قال الله عز وجل : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } . وقال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . ولم يأت نص بإيجاب استئذان الإمام في ذلك ؟ ويقال لمن أوجب ذلك : فإن لم يأذن له الإمام ، أتراه يبقى بلا وضوء ؟ أو هو يلوث المسجد بالدم ؟ أو يضيع ما لا يجوز له تضييعه من نفسه أو ماله أو أهله ؟ ومعاذ الله من هذا ؟

534 - مسألة : ومن ذكر في الخطبة صلاة فرض نسيها أو نام عنها فليقم وليصلها ، سواء كان فقيها أو غير فقيه ، لقول رسول الله ﷺ : { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } وقد ذكرناه بإسناده قبل . وقد فرق قوم في ذلك بين الفقيه وغيره - وهذا خطأ لم يوجبه قرآن ولا سنة ، ولا نظر ، ولا معقول ، بل الحجة ألزم للفقيه في أن لا يضيع دينه منها لغيره . فإن قيل : يراه الجاهل فيظن الصلاة تطوعا جائزة حينئذ ؟ قلنا : لا أعجب ممن يستعمل لنفسه مخالفة أمر رسول الله ﷺ وتضييع فرضه خوف أن يخطئ غيره ولعل غيره لا يظن ذلك أو يظن ، فقد قال تعالى : { لا تكلف إلا نفسك } . وقال تعالى : { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } .

535 - مسألة : ومن لم يدرك مع الإمام من صلاة الجمعة إلا ركعة واحدة ، أو الجلوس فقط فليدخل معه وليقض إذا أدرك ركعة واحدة وإن لم يدرك إلا الجلوس صلى ركعتين فقط . وبه قال أبو حنيفة ، وأبو سليمان . وقال مالك والشافعي : إن أدرك ركعة قضى إليها أخرى ، فإن لم يدرك إلا رفع الرأس من الركعة فما بعده صلى أربعا . وقال عطاء ، وطاوس ، ومجاهد - ورويناه أيضا عن عمر بن الخطاب : من لم يدرك شيئا من الخطبة صلى أربعا . واحتج من ذهب إلى هذا بأن الخطبة جعلت بإزاء الركعتين ، فيلزم من قال بهذا : أن من فاتته الخطبة الأولى وأدرك الثانية أن يقضي ركعة واحدة ، مع أن هذا القول لم يأت به نص قرآن ولا سنة ؟ واحتج مالك ، والشافعي بقول رسول الله ﷺ : { من أدرك مع الإمام ركعة واحدة فقد أدرك الصلاة } . قال أبو محمد : وهذا خبر صحيح ، وليس فيه : أن من أدرك أقل من ركعة لم يدرك الصلاة ؟ بل قد صح عن رسول الله ﷺ ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا إسحاق بن إسماعيل النضري ثنا عيسى بن حبيب ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا جدي محمد بن عبد الله ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها وأنتم تمشون ، عليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو نعيم ثنا شيبان عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : { بينما نحن نصلي مع رسول الله ﷺ إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة ، قال : فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } . فأمره رسول الله ﷺ بأن يصلي مع الإمام ما أدرك ، وعم عليه السلام ولم يخص ، وسماه مدركا لما أدرك من الصلاة ، فمن وجد الإمام جالسا ، أو ساجدا ، فإن عليه أن يصير معه في تلك الحال ويلتزم إمامته ، ويكون بذلك بلا شك داخلا في صلاة الجماعة ، فإنما يقضي ما فاته ويتم تلك الصلاة ، ولم تفته إلا ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان فلا تصلى إلا ركعتين . وهذان الخبران زائدان على الذي فيه " من أدرك ركعة " والزيادة لا يجوز تركها - وبالله تعالى التوفيق . روينا من طريق شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة عن الرجل يدرك الإمام يوم الجمعة وهم جلوس ؟ قال : يصلي ركعتين ، قال شعبة : فقلنا له : ما قال هذا عن إبراهيم إلا حماد ؟ قال الحكم : ومن مثل حماد ؟ وعن معمر عن حماد بن أبي سليمان قال : إن أدركهم جلوسا في آخر الصلاة يوم الجمعة صلى ركعتين ؟ قال أبو محمد : إلا أن الحنفيين قد تناقضوا ههنا ، لأن من أصولهم - التي جعلوها دينا - أن قول الصاحب الذي يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف فإنه لا يحل خلافه ؟ وقد روينا عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : إذا أدرك الرجل ركعة يوم الجمعة صلى إليها أخرى ، وإن وجد القوم جلوسا صلى أربعا ؟ وعن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود : من أدرك الركعة فقد أدرك الجمعة ، ومن لم يدرك الركعة فليصل أربعا . ولا يعرف لهما من الصحابة رضي الله عنهم مخالف . نعم ، وقد رويت فيه آثار - ليست بأضعف من حديث الوضوء بالنبيذ ، والوضوء من القهقهة في الصلاة ، والوضوء والبناء من الرعاف والقيء ، فخالفوها إذ خالفها أبو حنيفة - من طريق الحجاج بن أرطاة من طريق ابن عمر ، ومن طريق غيره عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مسندين وهذا مما تناقضوا فيه ؟ قال أبو محمد : وأما نحن فلا حجة عندنا في أحد دون رسول الله ﷺ ولو صح في هذا أثر عن النبي ﷺ لقلنا به ولم نتعده

536 - مسألة : والغسل واجب يوم الجمعة لليوم لا للصلاة وكذلك الطيب ، والسواك ، وقد ذكرنا كل ذلك فأغنى عن ترداده ، إذ قد تقصيناه في كتاب الطهارة ، من ديواننا هذا ولله الحمد ولا يتطيب لها المحرم ولا المرأة ، لما ذكرنا في كتابنا هذا في النساء يحضرون صلاة الجماعة ، ولأن المحرم منهي عن إحداث التطيب ، على ما نذكر في كتاب الحج إن شاء الله تعالى . ويلزم الغسل ، والسواك : المحرم ، والمرأة كما يلزم الرجل ، فمن عجز عن الماء تيمم ، لما قد ذكرناه في التيمم من ديواننا هذا - ولله تعالى الحمد

537 - مسألة : فإن ضاق المسجد أو امتلأت الرحاب واتصلت الصفوف صليت الجمعة وغيرها في الدور ، والبيوت ، والدكاكين المتصلة بالصفوف ، وعلى ظهر المسجد ، بحيث يكون مسامتا لما خلف الإمام ، لا للإمام ولا لما أمام الإمام أصلا ومن حال بينه وبين الإمام والصفوف نهر عظيم أو صغير أو خندق أو حائط لم يضره شيء ، وصلى الجمعة بصلاة الإمام ؟ - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد هو ابن سلام - ثنا عبدة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت : { كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل في حجرته ، وجدار الحجرة قصير ، فرأى الناس شخص النبي ﷺ فقام أناس يصلون بصلاته } وذكر باقي الحديث . قال أبو محمد : حكم الإمامة سواء في الجمعة وغيرها ، والنافلة والفريضة ، لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بالفرق بين أحوال الإمامة في ذلك ، ولا جاء نص بالمنع من الائتمام بالإمام إذا اتصلت الصفوف ، فلا يجوز المنع من ذلك بالرأي الفاسد ؟ وصح عن النبي ﷺ { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فحيثما أدركتك الصلاة فصل } فلا يحل أن يمنع أحد من الصلاة في موضع إلا موضعا جاء النص بالمنع من الصلاة فيه ، فيكون مستثنى من هذه الجملة . روينا عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها : أنها كانت تصلي في بيتها بصلاة الإمام وهو في المسجد ؟ وقد جاء ذلك مبينا في صلاة الكسوف ، إذ صلت في بيتها بصلاة النبي ﷺ بالناس ؟ ومن طريق حماد بن سلمة أخبرني جبلة بن أبي سليمان الشقري قال : رأيت أنس بن مالك يصلي في دار أبي عبد الله في الباب الصغير الذي يشرف على المسجد يرى ركوعهم وسجودهم ؟ وعن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي مجلز قال : تصلي المرأة بصلاة الإمام وإن كان بينهما طريق أو جدار بعد أن تسمع التكبير . وعن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه : أنه جاء يوم الجمعة إلى المسجد وقد امتلأ فدخل دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، والطريق بينه وبين المسجد ، فصلى معهم وهو يرى ركوعهم وسجودهم . وعن النضر بن أنس أنه صلى في بيت الخياط يوم الجمعة في الرحبة التي تباع فيها القباب . وعن حماد بن سلمة عن ثابت البناني قال : جئت أنا والحسن البصري يوم الجمعة والناس على الجدر والكنف ، فقلت له : أبا سعيد ، أترجو لهؤلاء ؟ قال : أرجو أن يكونوا في الأجر سواء ؟ وقال مالك : لا تصلى الجمعة خاصة في مكان محجور بصلاة الإمام في المسجد ، وأما سائر صلوات الفرض فلا بأس بذلك فيها . وهذا لا نعلمه عن أحد من الصحابة ، ولا يعضد هذا القول قرآن ، ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا قياس ، ولا رأي سديد وقال أبو حنيفة : إن كان بين الإمام والمأموم نهر صغير أجزأته صلاته ، فإن كان كبيرا لم تجزه . وهذا كلام ساقط ، لا يعضده قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا رأي سديد ؟ وحد النهر الكبير بما يمكن أن تجري فيه السفن قال أبو محمد : ليت شعري أي السفن ؟ وفي السفن ما يحمل ألف وسق ، وفيها زويرق صغير يحمل ثلاثة أو أربعة فقط . وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال : من صلى بصلاة الإمام وبينهما طريق أو جدر أو نهر فلا يأتم به - فلم يفرق بين نهر صغير وكبير وروينا من طريق شعبة : ثنا قتادة قال : قال لي زرارة بن أوفى سمعت أبا هريرة يقول : لا جمعة لمن صلى في الرحبة - وبه يقول زرارة . قال أبو محمد : لو كان تقليدا لكان هذا - لصحة إسناده - أولى من تقليد مالك ، وأبي حنيفة ، وعن عقبة بن صهبان عن أبي بكرة : أنه رأى قوما يصلون في رحبة المسجد يوم الجمعة ، فقال : لا جمعة لهم ، قلت : لم ؟ قال : لأنهم يقدرون على أن يدخلوا فلا يفعلون . قال أبو محمد : هذا كما قال لمن قدر على أن يصل الصف فلم يفعل وإن العجب كله ممن يجيز الصلاة حيث صح نهي رسول الله ﷺ عن الصلاة فيه كالمقبرة ، ومعطن الإبل ، والحمام ، ثم يمنع منها حيث لا نص في المنع منها ، كالموضع المحجور ، أو بينها نهر كبير وكل هذا كما ترى وبالله تعالى التوفيق

538 - مسألة : ومن زوحم يوم الجمعة أو غيره فإن قدر على السجود كيف أمكنه ولو إيماء وعلى الركوع كذلك - : أجزأه ، فإن لم يقدر أصلا وقف كما هو ، فإذا خف الأمر صلى ركعتين وأجزأه . لقول رسول الله ﷺ { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . ولقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ولا فرق بين العجز عن الركوع والسجود بمرض أو بخوف أو بمنع زحام وقد صلى السلف الجمعة إيماء في المسجد ، إذ كان بنو أمية يؤخرون الصلاة إلى قرب غروب الشمس

539 - مسألة : وإن جاء اثنان فصاعدا وقد فاتت الجمعة صلوها جمعة ، لما ذكرنا من أنها ركعتان في الجماعة

540 - مسألة : ومن كان بالمصر فراح إلى الجمعة من أول النهار فحسن ، لما ذكرنا قبل ، وكذلك من كان خارج المصر أو القرية على أقل من ميل ، فإن كان على ميل فصاعدا صلى في موضعه ، ولم يجز له المجيء إلى المسجد إلا مسجد مكة ، ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس خاصة ، فالمجيء إليها على بعد : فضيلة - : لما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا محمد بن معمر ثنا روح هو ابن عبادة - ثنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { إنما الرحلة إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، ومسجد إيلياء } . قال أبو محمد : الرحلة هي السفر ، وقد بينا قبل أن السفر ميل فصاعدا وبالله تعالى التوفيق

541 - مسألة : والصلاة في المقصورة جائزة ، والإثم على المانع لا على المطلق له دخولها ، بل الفرض على من أمكنه دخولها أن يصل الصفوف فيها ، لأن إكمال الصفوف فرض كما قدمنا فمن أطلق على ذلك فحقه أطلق له ، وحق عليه لم يمنع منه ، ومن منع فحقه منع منه والمانع من الحق ظالم ، ولا إثم على الممنوع ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }

542 - مسألة : ولا يحل البيع من أثر استواء الشمس ، ومن أول أخذها في الزوال والميل إلى أن تقضى صلاة الجمعة فإن كانت قرية قد منع أهلها الجمعة أو كان ساكنا بين الكفار ، ولا مسلم معه : فإلى أن يصلي ظهر يومه ، أو يصلوا ذلك كلهم أو بعضهم ، فإن لم يصل : فإلى أن يدخل أول وقت العصر . ويفسخ البيع حينئذ أبدا إن وقع ولا يصححه خروج الوقت ، سواء كان التبايع من مسلمين ، أو من مسلم وكافر ، أو من كافرين . ولا يحرم حينئذ : نكاح ، ولا إجازة ، ولا سلم ، ولا ما ليس بيعا ؟ وقال مالك كذلك في البيع الذي فيه مسلم ، وفي النكاح ، وعقد الإجارة ، والسلم ، وأباح الهبة ، والقرض ، والصدقة ؟ وقال أبو حنيفة ، والشافعي : البيع ، والنكاح ، والإجارة ، والسلم : جائز كل ذلك في الوقت المذكور . قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } ووقت النداء : هو أول الزوال ، فحرم الله تعالى البيع إلى انقضاء الصلاة وأباحه بعدها ، فهو كما قال عز وجل ، ولم يحرم تعالى نكاحا ، ولا إجارة ، ولا سلما ، ولا ما ليس بيعا { وما كان ربك نسيا } . و { تلك حدود الله فلا تعتدوها } . وكل ما ذكرنا فجائز أن يكون وهو ناهض إلى الصلاة غير متشاغل بها فجاز كل ذلك ، لأنه ليس مانعا من السعي إلى الصلاة . فظهر تناقض قول مالك وفساده فإن كان جعل علة كل ذلك : التشاغل ، سألناهم عمن لم يتشاغل ؟ بل باع أو أنكح ، أو أجر وهو ناهض إلى الجمعة ، أو هو في المسجد ينتظر الصلاة ؟ فمن قولهم : يفسخ ، فبطل تعليلهم بالتشاغل ، فإن لم يعللوا بالتشاغل فقد قاسوا على غير علة ، وهو باطل عند من يقول : بالقياس ، فكيف عند من لا يقول به ؟ فإن قال : النكاح بيع ، قلنا : هذا باطل ما سماه الله تعالى قط بيعا ولا رسوله ﷺ . ونسألهم عمن حلف أن لا يبيع : فنكح أو أجر ؟ فمن قولهم : لا يحنث واعتل أبو حنيفة ، والشافعي : بأن النهي عن ذلك إنما هو للتشاغل عن الجمعة فقط قال أبو محمد : وهذه دعوى كاذبة ، وقول على الله تعالى بغير علم ، وهذا لا يحل لأحد أن يخبر عن مراد الله تعالى بغير أن يخبر بذلك الله تعالى أو رسوله ﷺ . ولو أراد الله تعالى ذلك لبينه ولم يكلنا إلى خطأ رأي أبي حنيفة وظنه ، وقد قال رسول الله ﷺ : { إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث } وقال تعالى : { وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } . فإن قالوا : قد علمنا ذلك ؟ قلنا : ومن أين علمتموه ؟ فإن ادعيتم ضرورة كذبتم ، لأننا غير مضطرين إلى علم ذلك ، والطبيعة واحدة ، وإن ادعوا دليلا سئلوه ، ولا سبيل لهم إليه ، فلم يبق إلا الظن وقالوا : نحن منهيون عن البيع في الصلاة ، ولو باع امرؤ في صلاته : نفذ البيع ؟ فقلنا لهم : إن البيع لا يجوز أن يكون في الصلاة أصلا ؛ لأنه إذا وقع عمدا أبطلها ، فليس حينئذ في صلاة ، وإذا لم يكن في صلاة فبيعه جائز ، وإن ظن أنه ليس في صلاة فباع ، أو نكح ، أو أنكح ، أو عمل ما لا يجوز في الصلاة فهو كله باطل ؛ لأن الحال التي هو فيها مانعة من ذلك ، وهي حال ثابتة ، فما ضادها فباطل . وكذلك من باع ، أو نكح ، أو طلق ، أو أعتق ، ولم يبق عليه من الوقت إلا مقدار إحرامه بالتكبير - وهو ذاكر لذلك - فهو كله باطل ، لأنه منهي عن كل ذلك . وقال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فكل من عمل أمرا بخلاف ما أمر به فهو مردود بنص حكم رسول الله ﷺ . روينا من طريق عكرمة عن ابن عباس " لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادى بالصلاة فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع " . وعن القاسم بن محمد : أنه فسخ بيعا وقع في الوقت المذكور ؟ قال أبو محمد : وهذا مما تناقض فيه الشافعيون ، والحنفيون ، لأنهم لا يجيزون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له من الصحابة مخالف ، وهذا مكان لا يعرف لابن عباس فيه مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ؟ وتناقض المالكيون أيضا ، لأنهم حملوا قوله تعالى : { وذروا البيع } : على التحريم ، ولم يحملوا أمره تعالى بتمتيع المطلقة على الإيجاب وقالوا : لفظة " ذر " لا تكون إلا للتحريم ؟ فقلنا : هذا باطل ، وقد قال تعالى : { ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } فهذه للوعيد لا للتحريم وأما منعنا أهل الكفر من البيع حينئذ : فلقوله تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فوجب الحكم بين أهل الكفر بحكم أهل الإسلام ولا بد . وقال تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله }

========




كتـاب الصلاة


صلاة العيدين

543 - مسألة : هما عيد الفطر من رمضان .

وهو : أول يوم من شوال ، ويوم الأضحى : وهو اليوم العاشر من ذي الحجة ، ليس للمسلمين عيد غيرهما ، إلا يوم الجمعة .

وثلاثة أيام بعد يوم الأضحى ؛ لأن الله تعالى لم يجعل لهم عيدا غير ما ذكرنا ، ولا رسوله ﷺ .

ولا خلاف بين أهل الإسلام في ذلك ، ولا يحرم العمل ، ولا البيع في شيء من هذه الأيام : لأن الله تعالى لم يمنع من ذلك ، ولا رسوله ﷺ ولا خلاف أيضا بين أهل الإسلام في هذا ؟

وسنة صلاة العيدين : أن يبرز أهل كل قرية أو مدينة إلى فضاء واسع بحضرة منازلهم ضحوة إثر ابيضاض الشمس ، وحين ابتداء جواز التطوع .

ويأتي الإمام فيتقدم بلا أذان ولا إقامة ، فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة ، وفي كل ركعة " أم القرآن " وسورة ، وتستحب أن تكون السورة في الأولى " ق " .

وفي الثانية " اقتربت الساعة " أو " سبح اسم ربك الأعلى " . و " هل أتاك حديث الغاشية " .

وما قرأ من القرآن مع ( أم القرآن ) أجزأه .

ويكبر في الركعة الأولى إثر تكبيرة الإحرام : سبع تكبيرات متصلة قبل قراءة القرآن ( أم القرآن ) ويكبر في أول الثانية إثر تكبيرة القيام : خمس تكبيرات . يجهر بجميعهن قبل قراءته ( أم القرآن ) .

ولا يرفع - يديه في شيء منها إلا حيث يرفع في سائر الصلوات فقط .

ولا يكبر بعد القراءة إلا تكبيرة الركوع فقط .

فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة ، فإذا أتمهما افترق الناس .

فإن خطب قبل الصلاة فليست خطبة ، ولا يجب الإنصات له ، كل هذا لا خلاف فيه إلا في مواضع نذكرها إن شاء الله تعالى ؟

منها : ما يقرأ مع ( أم القرآن ) وفي صفة التكبير وأحدث بنو أمية : تأخير الخروج إلى العيد ، وتقديم الخطبة قبل الصلاة والأذان والإقامة فأما الذي يقرأ مع " أم القرآن " :

فإن أبا حنيفة قال : أكره أن يقتصر على سورة بعينها .

وشاهدنا المالكيين لا يقرءون مع " أم القرآن " " إلا " " والشمس وضحاها " ، و " سبح اسم ربك الأعلى " .

وهذان الاختياران : فاسدان ، وإن كانت الصلاة كذلك جائزة .

وإنما ننكر اختيار ذلك ، لأنهما خلاف ما صح عن رسول الله ﷺ .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى قرأت على مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود : { أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله ﷺ في الفطر ، والأضحى ؟ فقال : كان يقرأ فيهما بق والقرآن المجيد و اقتربت الساعة } .

قال أبو محمد : عبيد الله أدرك أبا واقد الليثي وسمع منه ، واسمه الحارث بن عوف ، ولم يصح عن رسول الله ﷺ شيء غير هذا ؟

وما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان ثنا وكيع ثنا مسعر بن كدام ، وسفيان هو الثوري كلاهما عن معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب { أنه عليه السلام كان يقرأ في العيد : سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية } .

واختيارنا هو اختيار الشافعي ، وأبي سليمان .

وقد روي عن أبي حنيفة أنه ذكر بعض ذلك ؟ ومنها التكبير .

فإن أبا حنيفة قال : يكبر للإحرام ثم يتعوذ ثم يكبر ثلاث تكبيرات يجهر بها ، ويرفع يديه مع كل تكبيرة ، ثم يقرأ ثم يركع ، فإذا قام بعد السجود إلى الركعة الثانية كبر للإحرام ثم قرأ ، فإذا أتم السورة مع ( أم القرآن ) كبر ثلاث تكبيرات جهرا ، يرفع مع كل تكبيرة يديه ، ثم يكبر للركوع .

وقال مالك : سبعا في الأولى بتكبيرة الإحرام ، وخمسا في الثانية سوى تكبيرة القيام واختلف في ذلك عن السلف رضي الله عنهم - : فروينا عن علي رضي الله عنه : أنه كان يكبر في الفطر ، والأضحى ، والاستسقاء سبعا في الأولى ، وخمسا في الآخرة ، ويصلي قبل الخطبة ، ويجهر بالقراءة .

وأن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان : كانوا يفعلون ذلك ، إلا أن في الطريق إبراهيم بن أبي يحيى ، وهو أيضا منقطع ، عن محمد بن علي بن الحسين : أن عليا ؟

وروينا من طريق مالك ، وأيوب السختياني كلاهما عن نافع قال : شهدت العيد مع أبي هريرة فكبر في الأولى سبعا ، وفي الأخرى خمسا قبل القراءة .

وهذا سند كالشمس وروينا من طريق معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن الأسود بن يزيد قال : كان ابن مسعود جالسا وعنده حذيفة ، وأبو موسى الأشعري ، فسألهم سعيد بن العاص عن التكبير في الصلاة يوم الفطر ، والأضحى ؟ فقال ابن مسعود يكبر أربعا ثم يقرأ ، ثم يكبر فيركع ، ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا بعد القراءة ؟

ومن طريق شعبة عن خالد الحذاء ، وقتادة كلاهما عن عبد الله بن الحارث هو ابن نوفل قال : كبر ابن عباس يوم العيد في الركعة الأولى أربع تكبيرات ثم قرأ ثم ركع ، ثم قام فقرأ ثم كبر ثلاث تكبيرات سوى تكبيرة الصلاة وهذان إسنادان في غاية الصحة ، وبهذا تعلق أبو حنيفة .

قال أبو محمد : أين وجد لهؤلاء رضي الله عنهم أو لغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ما قاله من أن يتعوذ إثر الأولى ثم يكبر ثلاثا ، وأنه يرفع يديه معهن ؟ فبطل عن أن يكون له متعلق بصاحب .

وأطرف ذلك أمره برفع الأيدي في التكبير ، الذي لم يصح قط أن رسول الله ﷺ رفع فيه يديه ، ونهيه عن رفع الأيدي في التكبير في الصلاة حيث صح أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه وهكذا فليكن عكس الحقائق ، وخلاف السنن ؟

وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في التكبير في العيدين ؟ قال : يكبر تسعا أو إحدى عشرة ، أو ثلاث عشرة - وهذا سند في غاية الصحة ؟ وعن جابر بن عبد الله قال : التكبير في يوم العيد في الركعة الأولى أربعا ، وفي الآخرة ثلاثا ، والتكبير سبع سوى تكبير الصلاة إلا أن في الطريق إبراهيم بن يزيد وليس بشيء

قال أبو محمد : وفي هذا آثار عن رسول الله ﷺ لا يصح شيء منها : منها - من طريق ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة { أن رسول الله ﷺ كان يكبر في الفطر ، والأضحى ، في الأولى : سبع تكبيرات ، وفي الثانية : خمس تكبيرات } .

ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله ﷺ أنه قال { التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة ، والقراءة بعدهما كلتاهما } .

وهذا كله لا يصح ، ومعاذ الله أن نحتج بما لا يصح كمن يحتج بابن لهيعة وعمرو بن شعيب إذا وافقا هواه ، كفعله في زكاة الإبل وغير ذلك ، ويرد روايتهما إذا خالفا هواه هذا فعل من لا دين له ، ولا يبالي بأن يضل في دين الله تعالى ويضل ومنها خبر من طريق زيد بن الحباب عن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول أخبرني أبو عائشة جليس أبي هريرة أنه حضر سعيد بن العاص { سأل أبا موسى الأشعري ، وحذيفة بن اليمان كيف كان رسول الله ﷺ يكبر في الأضحى ، والفطر ؟ فقال أبو موسى كان يكبر أربعا ، تكبيره على الجنائز ، قال حذيفة : صدق ، قال أبو موسى كذلك كنت أكبر بالبصرة حيث كنت عليهم } .

قال أبو محمد : عبد الرحمن بن ثوبان ضعيف وأبو عائشة مجهول ، لا يدرى من هو ولا يعرفه أحد ولا تصح رواية عنه لأحد ، ولو صح لما كان فيه للحنفيين حجة ، لأنه ليس فيه ما يقولون من أربع تكبيرات في الأولى بتكبيرة الإحرام ، وأربع في الثانية بتكبيرة الركوع ، ولا أن الأولى يكبر فيها قبل القراءة ، وفي الثانية بعد القراءة ، بل ظاهره أربع في كلتا الركعتين في الصلاة كلها ، كما في صلاة الجنازة .

وهذا قياس عليهم لا لهم ؛ لأن تكبير الجنازة أربع فقط .

وهم يقولون : بست في كلتا الركعتين دون تكبيرتي الإحرام والركوع والقيام ، أو بعشر تكبيرات إن عدوا فيها تكبيرة الإحرام ، والقيام ، والركوع ، وليس فيه رفع الأيدي كما زعموا ، فظهر تمويههم جملة ولله تعالى الحمد .

قال علي : وأما مالك فإنه جعل في الأولى سبعا بتكبيرة الإحرام ، وخمسا في الثانية دون تكبيرة القيام ، وهذا غير محفوظ عن أحد من السلف .

وإنما اخترنا ما اخترنا ، لأنه أكثر ما قيل ، والتكبير خير ، ولكل تكبيرة عشر حسنات ، فلا يحقرها إلا محروم ، ولو وجدنا من يقول : بأكثر لقلنا به ، لقول الله تعالى : { وافعلوا الخير } والتكبير خير بلا شك . واختيارنا هو اختيار الشافعي ، وأبي سليمان ومنها ما أحدث بنو أمية من تأخير الصلاة ، وإحداث الأذان والإقامة ، وتقديم الخطبة قبل الصلاة .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري عن أبي عاصم ، ويعقوب بن إبراهيم . قال أبو عاصم : أنا ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس . وقال يعقوب : ثنا أبو أسامة هو حماد بن أسامة ثنا عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر . ثم اتفق ابن عباس ، وابن عمر كلاهما يقول { إن رسول الله ﷺ وأبا بكر ، وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة قال ابن عباس وعثمان } .

ومن طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، كلهم يصلي ثم يخطب .

وبالسند المذكور إلى البخاري : ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني عطاء عن ابن عباس ، وجابر بن عبد الله قالا جميعا : لم يكن يؤذن يوم الفطر ، ولا يوم الأضحى ؟

قال علي : لا أذان ولا إقامة لغير الفريضة ، والأذان والإقامة فيهما الدعاء إلى الصلاة ، فلو أمر عليه السلام بذلك لصارت تلك الصلاة فريضة بدعائه إليها ؟

واعتلوا : بأن الناس كانوا إذا صلوا تركوهم ولم يشهدوا الخطبة ، وذلك لأنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فكان المسلمون يفرون ، وحق لهم ، فكيف وليس الجلوس للخطبة واجبا ؟

حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا عبد الله بن أحمد الكرماني ثنا الفضل بن موسى السيناني عن ابن جريج عن عطاء هو ابن أبي رباح عن { عبد الله بن السائب قال شهدت مع رسول الله ﷺ العيد فصلى ، ثم قال عليه السلام : قد قضينا الصلاة فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب أن يذهب فليذهب } .

قال أبو محمد : إن قيل : إن محمد بن الصباح أرسله عن الفضل بن موسى ؟

قلنا : نعم ، فكان ماذا ؟

المسند زائد علما لم يكن عند المرسل ، فكيف وخصومنا أكثرهم يقول : إن المرسل والمسند سواء ؟

وروينا من طريق ابن جريج عن عطاء ، قال : ليس حقا على الناس حضور الخطبة ، يعني في العيدين والآثار في هذا كثيرة جدا

544 - مسألة : ويصليهما ، العبد ، والحر ، والحاضر ، والمسافر ، والمنفرد ، والمرأة والنساء : وفي كل قرية ، صغرت أم كبرت ، كما ذكرنا .

إلا أن المنفرد لا يخطب وإن كان عليهم مشقة في البروز إلى المصلى صلوا جماعة في الجامع ؟

لأن رسول الله ﷺ قد ذكرنا عنه في كلامنا في القصر في صلاة السفر وصلاة الجمعة أن صلاة العيد ركعتان ، فكان هذا عموما ، لا يجوز تخصيصه بغير نص ، وقال تعالى : { وافعلوا الخير } والصلاة خير : ولا نعلم في هذا خلافا ، إلا قول أبي حنيفة : إن صلاة العيدين لا تصلى إلا في مصر جامع ، ولا حجة لهم إلا شيئا رويناه من طريق علي : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع .

وقد قدمنا أنه لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ .

فإن كان قول علي رضي الله عنه حجة في هذا فقد روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة ثنا محمد بن النعمان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل : أن علي بن أبي طالب أمر رجلا أن يصلي بضعفة الناس أربع ركعات في المسجد يوم العيد ؟

فإن ضعفوا هذه الرواية ؟

قيل لهم : هي أقوى من التي تعلقتم بها عنه أو مثلها ، ولا فرق ، وكلهم مجمع على أن صلاة العيدين تصلى حيث تصلى الجمعة .

وقد ذكرنا حكم الجمعة ولا فرق بين صلاة العيدين وصلاتها في المواطن وقد روينا عن عمر ، وعثمان رضي الله عنهما : أنهما صليا العيد بالناس في المسجد لمطر وقع يوم العيد ، وكان رسول الله ﷺ يبرز إلى المصلى لصلاة العيدين ، فهذا أفضل ، وغيره يجزئ ، لأنه فعل لا أمر وبالله تعالى التوفيق

545 - مسألة : ويخرج إلى المصلى : النساء حتى الأبكار ، والحيض وغير الحيض ، ويعتزل الحيض المصلى ، وأما الطواهر فيصلين مع الناس ، ومن لا جلباب لها فلتستعر جلبابا ولتخرج ، فإذا أتم الإمام الخطبة فنختار له أن يأتيهن يعظهن ويأمرهن بالصدقة ، وتستحب لهن الصدقة يومئذ بما تيسر .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو الرقي ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد التنوري ثنا أيوب السختياني عن { حفصة بنت سيرين قالت : كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد ، فلما قدمت أم عطية أتيتها فسألتها ؟ فقالت عن رسول الله ﷺ أنه قال : لتخرج العواتق ذوات الخدور أو قال : وذوات الخدور } شك أيوب { والحيض ، فيعتزل الحيض المصلى ، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين } .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا عيسى بن يونس ثنا هشام هو ابن حسان - عن حفصة بنت سيرين عن { أم عطية قالت أمرنا رسول الله ﷺ أن نخرجهن في الفطر ، والأضحى : العواتق والحيض ، وذوات الخدور ، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ، قلت : يا رسول الله ، إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لتلبسها أختها من جلبابها } .

وبالسند المذكور إلى البخاري : ثنا إسحاق هو ابن إبراهيم بن نصر ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني عطاء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول { قام النبي ﷺ يوم الفطر فصلى ، فبدأ بالصلاة ، ثم خطب ، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن ، وهو يتوكأ على يد بلال وبلال باسط ثوبه ، تلقي فيه النساء صدقة } .

وقلت لعطاء : أترى حقا على الإمام ذلك ، يأتيهن ويذكرهن ؟ قال : إنه لحق عليهم ، وما لهم لا يفعلونه ؟

وبالسند المذكور إلى مسلم حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن { ابن عباس قال : شهدت صلاة الفطر مع النبي ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب ، فنزل نبي الله ﷺ كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ، ثم أقبل يشقهم ، حتى جاء النساء ومعه بلال فقال { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } فتلا هذه الآية ، ثم قال : أنتن على ذلك ؟ فقالت امرأة واحدة منهن لم يجبه غيرها منهن : نعم يا نبي الله ، قال : فتصدقن ، فبسط بلال ثوبه ، ثم قال : هلم فدى لكن أبي وأمي ، فجعلن يلقين الفتخ والخواتم في ثوب بلال } .

فهذه آثار متواترة عنه ﷺ من طريق جابر ، وابن عباس وغيرهما بأنه عليه السلام رأى حضور النساء المصلى ، وأمر به ، فلا وجه لقول غيره إذا خالفه ولا متعلق للمخالف إلا رواية عن ابن عمر أنه منعهن ، وقد جاء عن ابن عمر خلافها ، ولا يجوز أن يظن بابن عمر إلا أنه إذ منعهن لم يكن بلغه أمر رسول الله ﷺ فإذا بلغه رجع إلى الحق كما فعل إذ سب ابنه أشد السب إذ سمعه يقول : نمنع النساء المساجد ليلا ؟ ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ ولو ادعى امرؤ الإجماع على صحة خروج النساء إلى العيدين ، وأنه لا يحل منعهن : لصدق ، لأننا لا نشك في أن كل من حضر ذلك من الصحابة رضي الله عنهم أو بلغه ممن لم يحضر : فقد سلم ورضي وأطاع ، والمانع من هذا مخالف للإجماع وللسنة

546 - مسألة : ونستحب السير إلى العيد على طريق والرجوع على آخر ، فإن لم يكن ذلك فلا حرج ، لأنه قد روي ذلك من فعل رسول الله ﷺ وليست الرواية فيه بالقوية ؟

547 - مسألة : وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة : صلي للعيد ، ثم للجمعة ولا بد ، ولا يصح أثر بخلاف ذلك ؟

لأن في رواته : إسرائيل ، وعبد الحميد بن جعفر ، وليسا بالقويين ، ولا مؤنة على خصومنا من الاحتجاج بهما إذا وافق ما روياه تقليدهما ، وهنا خالفا روايتهما فأما رواية إسرائيل ، فإنه روى عن عثمان بن المغيرة { عن إياس بن أبي رملة : سمعت معاوية سأل زيد بن أرقم : أشهدت مع رسول الله ﷺ عيدين ؟ قال : نعم صلى العيد أول النهار ، ثم رخص في الجمعة } .

وروى عبد الحميد بن جعفر : حدثني وهب بن كيسان قال " اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير ، فأخر الخروج حتى تعالى النهار ، ثم خرج فخطب فأطال ، ثم نزل فصلى ركعتين ، ولم يصل للناس يومئذ الجمعة ، فقال ابن عباس : أصاب السنة " .

قال أبو محمد : الجمعة فرض والعيد تطوع ، والتطوع لا يسقط الفرض .

548 - مسألة : والتكبير ليلة عيد الفطر : فرض ، وهو في ليلة عيد الأضحى : حسن .

قال تعالى وقد ذكر صوم رمضان : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } .

فبإكمال عدة صوم رمضان وجب التكبير ، ويجزئ من ذلك تكبيرة . وأما ليلة الأضحى ويومه ، ويوم الفطر : فلم يأت به أمر ، لكن التكبير فعل خير وأجر

549 - مسألة : ويستحب الأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى ، فإن لم يفعل فلا حرج ، ما لم يرغب عن السنة في ذلك ، وإن أكل يوم الأضحى قبل غدوه إلى المصلى فلا بأس ، وإن لم يأكل حتى يأكل من أضحيته فحسن ، ولا يحل صيامها أصلا .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الرحيم أنا سعيد بن سليمان أخبرنا هشيم أنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس قال : { كان رسول الله ﷺ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات }

قال أبو محمد : يلزم من أوجب ذلك أن يوجب : التمر ، دون غيره .

روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع قال : كان ابن عمر يغدو يوم الفطر من المسجد ، ولا أعلمه أكل شيئا .

وعن إبراهيم النخعي عن علقمة ، والأسود : أن ابن مسعود قال : لا تأكلوا قبل أن تخرجوا يوم الفطر إن شئتم ؟ وعن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم النخعي قال : إن شاء طعم يوم الفطر ، والأضحى ، وإن شاء لم يطعم ؟

550 - مسألة : والتنفل قبلهما في المصلى حسن ، فإن لم يفعل فلا حرج ، لأن التنفل فعل خير .

فإن قيل : قد صح أن رسول الله ﷺ لم يصل قبلهما ، ولا بعدهما ؟ قلنا : نعم ؛ لأنه عليه السلام كان الإمام ، وكان مجيئه إلى التكبير لصلاة العيد بلا فصل ، ولم ينه عليه السلام قط لا بإيجاب ولا بكراهة عن التنفل في المصلى قبل صلاة العيد وبعدها ، ولو كانت مكروهة لبينها عليه السلام .

وقد صح أن رسول الله ﷺ لم يزد قط في ليلة على ثلاث عشرة ركعة ، أفتكرهون الزيادة أو تمنعون منها ؟

فمن قولهم : لا .

فيقال لهم : فرقوا ولا سبيل إلى فرق

وروينا عن قتادة : كان أبو هريرة ، وأنس بن مالك ، والحسن ، وأخوه سعيد ، وجابر بن زيد يصلون قبل خروج الإمام وبعده : يعني في العيدين ؟

وعن معمر عن أيوب السختياني قال : رأيت أنس بن مالك والحسن يصليان قبل صلاة العيد .

وعن معتمر بن سليمان عن أبيه قال : رأيت أنس بن مالك ، والحسن ، وأخاه سعيدا ، وأبا الشعثاء جابر بن زيد : يصلون يوم العيد قبل خروج الإمام .

وعن علي بن أبي طالب : أنه أتى المصلى فرأى الناس يصلون ، فقيل له في ذلك فقال : لا أكون الذي ينهى عبدا إذا صلى

551 - مسألة : والتكبير إثر كل صلاة ، وفي الأضحى ، وفي أيام التشريق ، ويوم عرفة - : حسن كله .

لأن التكبير فعل خير ، وليس ههنا أثر عن رسول الله ﷺ بتخصيص الأيام المذكورة دون غيرها .

وروينا عن الزهري ، وأبي وائل ، وأبي يوسف ، ومحمد : استحباب التكبير غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق عند العصر .

وعن يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن الأسود وأصحاب ابن مسعود قال : كان ابن مسعود يكبر صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر يوم النحر .

قال عبد الرحمن في روايته : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، الحمد لله .

وعن علقمة مثل هذا ، وهو قول أبي حنيفة وعن ابن عمر : من يوم النحر إلى صلاة الصبح آخر أيام التشريق .

قال أبو محمد : من قاس ذلك على تكبير أيام منى فقد أخطأ ، لأنه قاس من ليس بحاج على الحاج ، ولم يختلفوا أنهم لا يقيسونهم عليهم في التلبية ، فيلزمهم مثل ذلك في التكبير .

ولا معنى لمن قال : إنما ذلك في الأيام المعلومات ، لقول الله تعالى { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } .

وقال : إن يوم النحر مجمع عليه أنه من المعلومات وما بعده مختلف فيه ؛ لأنه دعوى فاسدة ، وما حجر الله تعالى قط ذكره في شيء من الأيام ؟

ولا معنى لمن اقتصر بالمعلومات على يوم النحر ؛ لأن النص يمنع من ذلك ، بقوله تعالى : { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } وقد صح أن يوم عرفة ليس من أيام النحر ، وأن ما بعد يوم النحر هو من أيام النحر ، فبطل هذا القول وبالله تعالى التوفيق

552 - مسألة : ومن لم يخرج يوم الفطر ، ولا يوم الأضحى لصلاة العيدين : خرج لصلاتهما في اليوم الثاني ، وإن لم يخرج غدوة خرج ما لم تزل الشمس ، لأنه فعل خير .

وقال تعالى : { وافعلوا الخير }

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر هو الحوضي ثنا شعبة عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي عمير بن أنس بن مالك عن عمومة له من أصحاب النبي ﷺ { أن ركبا جاءوا إلى رسول الله ﷺ يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم } .

قال أبو محمد : هذا مسند صحيح ، وأبو عمير مقطوع على أنه لا يخفى عليه من أعمامه من صحت صحبته ممن لم تصح صحبته وإنما يكون هذا علة ممن يمكن أن يخفى عليه هذا ، والصحابة كلهم عدول رضي الله عنهم ، لثناء الله تعالى عليهم .

وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي فلو لم يخرج في الثاني من الأضحى وخرج في الثالث فقد قال به أبو حنيفة ، وهو فعل خير لم يأت عنه نهي ؟

553 - مسألة : والغناء واللعب والزفن في أيام العيدين حسن في المسجد وغيره .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب وأنا عمرو هو ابن الحارث أن محمد بن عبد الرحمن هو يتيم عروة عن { عائشة قالت : دخلت على رسول الله ﷺ وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمارة الشيطان عند رسول الله ﷺ فأقبل عليه رسول الله ﷺ فقال : دعها فلما غفل غمزتهما فخرجتا ، وكان يوم عيد ، يلعب السودان بالدرق والحراب ، فإما سألت رسول الله ﷺ وإما قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه ، خدي على خده ، وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم ، قال : فاذهبي } .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثني ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن ابن شهاب حدثه عن عروة { عن عائشة : أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان ، ورسول الله ﷺ مسجى بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف رسول الله ﷺ عنه وقال : دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد } .

وبه إلى مسلم : ثنا زهير بن حرب ثنا جرير هو ابن عبد المجيد عن هشام هو ابن عروة عن أبيه { عن عائشة قالت : جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد ، فدعاني النبي ﷺ فوضعت رأسي على منكبه ، فجعلت أنظر إلى لعبهم ، حتى كنت أنا التي انصرفت } .

وبه إلى مسلم : حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : { بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله ﷺ بحرابهم إذ دخل عمر بن الخطاب ، فأهوى إليهم ليحصبهم بالحصباء ، فقال رسول الله ﷺ دعهم يا عمر }

قال أبو محمد : أين يقع إنكار من أنكر من إنكار سيدي هذه الأمة بعد نبيها ﷺ أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما ؟

وقد أنكر عليه السلام عليهما إنكارهما ، فرجعا عن رأيهما إلى قوله عليه السلام

=======




كتـاب الصلاة


صلاة الاستسقاء

554 - مسألة : قال أبو محمد : إن قحط الناس أو أشتد المطر حتى يؤذي فليدع المسلمون في إدبار صلواتهم وسجودهم وعلى كل حال ، ويدعو الإمام في خطبة الجمعة .

قال عز وجل : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } .

قال تعالى : { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم } .

فإن أراد الإمام البروز في الاستسقاء خاصة لا فيما سواه فليخرج متبذلا متواضعا إلى موضع المصلى والناس معه ، فيبدأ فيخطب بهم خطبة يكثر فيها من الاستغفار ، ويدعو الله عز وجل . ثم يحول وجهه إلى القبلة وظهره إلى الناس ، فيدعو الله تعالى رافعا يديه ، ظهورهما إلى السماء ، ثم يقلب رداءه أو ثوبه الذي يتغطاه ، فيجعل باطنه ظاهره ، وأعلاه أسفله ، وما على منكب من منكبيه على المنكب الآخر ، ويفعل الناس كذلك .

ثم يصلي بهم ركعتين ، كما قلنا في صلاة العيد سواء بسواء ، بلا أذان ولا إقامة ، إلا أن صلاة الاستسقاء يخرج فيها المنبر إلى المصلى ، ولا يخرج في العيدين ، فإذا سلم انصرف وانصرف الناس ؟ .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه - هو عبد الله بن زيد الأنصاري - قال : { رأيت رسول الله ﷺ يوم خرج يستسقي فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو ، ثم حول رداءه ، ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة } .

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبيد ثنا حاتم بن إسماعيل عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن أبي كنانة عن أبيه قال : { سألت ابن عباس عن صلاة رسول الله ﷺ في الاستسقاء ؟ فقال : خرج رسول الله ﷺ متبذلا متواضعا متضرعا ، فجلس على المنبر فلم يخطب خطبتكم هذه ، لكن لم يزل في التضرع ، والدعاء ، والتكبير ، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد } .

قال أبو محمد : أما الاستغفار فلقول الله تعالى : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } .

وتحويل الرداء يقتضي ما قلناه - وهذا كله قول أصحابنا . وقال مالك : بتقديم الخطبة ؟ وقال الشافعي : صلاة الاستسقاء كصلاة العيد ؟ وقد روينا عن السلف خلاف هذا ، ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ .

روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي : أن ابن الزبير بعث إلى عبد الله بن يزيد هو الخطمي - أن يستسقي بالناس ، فخرج فاستسقى بالناس ، وفيهم : البراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، فصلى ثم خطب .

قال أبو محمد : لعبد الله بن يزيد هذا صحبة بالنبي ﷺ وعن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي : أنهم كانوا يكبرون في الاستسقاء ، والفطر ، والأضحى سبعا في الأولى ، وخمسا في الثانية ، ويصلون قبل الخطبة ويجهرون بالقراءة ، ولكن في الطريق إبراهيم بن أبي يحيى ، وهو أيضا منقطع .

وروينا : أن عمر خرج إلى المصلى فدعا في الاستسقاء ، ثم انصرف ولم يصل .

قال أبو محمد : ولا يمنع اليهود ، ولا المجوس ، ولا النصارى : من الخروج إلى الاستسقاء للدعاء فقط ، ولا يباح لهم إخراج ناقوس ولا شيء يخالف دين الإسلام - وبالله تعالى التوفيق


صلاة الكسوف

555 - مسألة : صلاة الكسوف على وجوه - :

أحدها - أن تصلي ركعتين كسائر التطوع ، وهذا في كسوف الشمس ، وفي كسوف القمر أيضا - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد التنوري - ثنا يونس هو ابن عبيد - عن الحسن عن أبي بكرة قال : { خسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ فخرج يجر رداءه ، حتى انتهى إلى المسجد ، فثاب الناس فصلى بهم ركعتين ، فانجلت الشمس ، فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، وإنهما لا يخسفان لموت أحد ، وإذا كان ذلك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم ، وذلك أن ابنا للنبي ﷺ مات ، يقال له : إبراهيم ، فقال ناس في ذلك }

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يزيد هو ابن زريع ثنا يونس هو ابن عبيد - عن الحسن عن أبي بكرة { كنا عند رسول الله ﷺ فانكسفت الشمس ، فقام إلى المسجد يجر رداءه من العجلة ، فقام إليه الناس ، فصلى ركعتين كما يصلون ، فلما انجلت خطبنا ، فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم كسوف أحدهما فصلوا حتى ينجلي } .

وروينا نحو هذا أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص يوم مات إبراهيم ابن رسول الله ﷺ إلا أن فيه تطويل الركوع والسجود والقيام .

فأخذ بهذا طائفة من السلف - : منهم عبد الله بن الزبير : صلى في الكسوف ركعتين كسائر الصلوات : فإن قيل : قد خطأه أخوه عروة ؟ قلنا : عروة أحق بالخطأ ؛ لأن عبد الله صاحب ، وعروة ليس بصاحب وعبد الله عمل بعلم ، وأنكر عروة ما لم يعلم .

وبهذا يقول أبو حنيفة .

قال أبو محمد : وهذا الوجه يصلى لكسوف الشمس ، ولكسوف القمر في جماعة ، ولو صلى ذلك عند كل آية تظهر من زلزلة أو نحوها لكان حسنا ، لأنه فعل خير وإن شاء صلى ركعتين ويسلم ، ثم ركعتين ويسلم ، هكذا حتى ينجلي الكسوف في الشمس والقمر ، والآيات كما ذكرنا

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ثنا الحارث بن عمير البصري عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت } 

وروينا أيضا قوله ﷺ { فصلوا حتى تنجلي } عن أبي بكرة ، كما ذكرنا آنفا .

وعن المغيرة بن شعبة ، وعن ابن عمر ، وأبي مسعود ، بأسانيد في غاية الصحة ، وهذا اللفظ يقتضي ما ذكرنا .

وهذا قول طائفة من السلف : روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري والربيع بن صبيح .

وقال سفيان : عن المغيرة عن إبراهيم النخعي

وقال الربيع : عن الحسن ثم اتفق الحسن وإبراهيم قالا جميعا في الكسوف : صلى ركعتين ركعتين .

وإن شاء ذكر الله تعالى ودعا بعد أن يكبر قائما ، فإذا انجلى الكسوف قرأ وركع ركعتين هذا في الشمس والقمر والآيات أيضا .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن الجريري عن حيان بن عمير أبي العلاء { عن عبد الرحمن بن سمرة وكان من أصحاب رسول الله ﷺ قال : كنت أرمي بأسهم لي في المدينة في حياة رسول الله ﷺ إذ كسفت الشمس ، فنبذتها ، وقلت : والله لأنظرن إلى ما حدث لرسول الله ﷺ في كسوف الشمس ، قال : فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه ، فجعل يسبح ويحمد ويهلل ، ويكبر ، ويدعو حتى حسر عنها ، فلما حسر عنها قرأ سورتين وصلى ركعتين } .

وإن شاء لكسوف الشمس خاصة إن كسفت بعد صلاة الفجر إلى أن يصلي الظهر : صلى ركعتين كما قدمنا .

وإن كسفت من بعد صلاة الظهر إلى أخذها في الغروب : صلى أربع ركعات ، كصلاة الظهر ، أو العصر وفي كسوف القمر خاصة : إن كسف بعد صلاة المغرب إلى أن تصلي العشاء الآخرة : صلى ثلاث ركعات كصلاة المغرب .

وإن كسف بعد صلاة العتمة إلى الصبح : صلى أربعا : كصلاة العتمة : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي ثنا خالد هو الحذاء عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ فخرج يجر ثوبه فزعا ، حتى أتى المسجد ، فلم يزل يصلي بنا حتى انجلت فلما انجلت قال : إن ناسا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء ، وليس كذلك ، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكنهما آيتان من آيات الله تعالى ، وإن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة } .

فإن قيل : إن أبا قلابة قد روى هذا الحديث عن رجل عن قبيصة العامري ؟ قلنا : نعم ، فكان ماذا ؟ وأبو قلابة قد أدرك النعمان فروى هذا الخبر عنه .

ورواه أيضا عن آخر فحدث بكلتا روايتيه ، ولا وجه للتعلل بمثل هذا أصلا ولا معنى له ؟

وإن شاء في كسوف الشمس خاصة : صلى ركعتين ، في كل ركعة ركعتان ، يقرأ ثم يركع ثم يرفع ، فيقرأ , ثم يركع ثم يرفع فيقول : " سمع الله لمن حمده " ثم يسجد سجدتين . ثم يقوم فيركع أخرى ، في كل ركعة ركعتان ، كما وصفنا ، ثم يسجد سجدتين ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم .

وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي ثور ؟

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك بن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس قال : { انخسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ فصلى رسول الله ﷺ فقام قياما طويلا نحوا من قراءة سورة البقرة ، ثم ركع ركوعا طويلا ، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ثم انصرف } .

وذكر باقي الخبر ؟ وروينا أيضا مثله عن عائشة رضي الله عنها وإن شاء صلى في كسوف الشمس خاصة ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات ، يقرأ ثم يركع ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقول : " سمع الله لمن حمده " ثم يسجد سجدتين : ثم يقوم فيركع أيضا ركعة فيها ثلاث ركعات كما ذكرنا ، ثم يرفع ثم يسجد ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم ؟ .

وقد روينا ما يظن فيه هذا الفعل عن ابن عباس : روينا من طريق حماد بن سلمة : أنا قتادة عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس : أنه صلى في زلزلة بالبصرة ، قام بالناس فكبر أربعا ثم قرأ ثم كبر وركع ، ثم رفع رأسه فكبر أربعا ، ثم قرأ ما شاء الله أن يقرأ ، ثم كبر فركع .

ومن طريق معمر عن قتادة وعاصم الأحول كلاهما عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس أنه صلى بالبصرة في الزلزلة فأطال القنوت ، ثم ركع ثم رفع رأسه فأطال القنوت ، ثم ركع ثم رفع رأسه فأطال القنوت ، ثم ركع ، ثم سجد ، ثم صلى الثانية كذلك ، فصار ثلاث ركعات في أربع سجدات .

وقال : هكذا صلاة الآيات ؟

قال قتادة : صلى حذيفة بالمدائن بأصحابه مثل صلاة ابن عباس في الآيات ثلاث ركعات ثم سجد سجدتين ، وفعل في الأخرى مثل ذلك ؟

ومن طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين قالت : صلاة الآيات ست ركعات في أربع سجدات وإن شاء صلى في كسوف الشمس خاصة ركعتين في كل ركعة أربع ركعات ، يقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقول : " سمع الله لمن حمده " ثم يسجد سجدتين ، ثم يفعل في الثانية كذلك أيضا سواء بسواء ، ثم يجلس ويتشهد ويسلم

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل ابن علية عن سفيان الثوري عن حبيب هو ابن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس قال : { صلى رسول الله ﷺ حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات }

وعن علي رضي الله عنه مثل ذلك وبه إلى مسلم : ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري ثنا حبيب هو ابن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس { عن النبي ﷺ أنه صلى في كسوف ، قرأ ثم ركع ، ثم قرأ ثم ركع ، ثم قرأ ثم ركع ، ثم قرأ ثم ركع ، ثم سجد ، قال : والأخرى مثلها } .

وهو قول علي كما ذكرنا ؟

وقد فعله أيضا ابن عباس ، وحبيب بن أبي ثابت روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أن سليمان الأحول أخبره أن طاوسا أخبره أن ابن عباس : صلى إذ كسفت الشمس على ظهر صفة زمزم - ركعتين في كل ركعة أربع ركعات .

وعن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت : أنه صلى في كسوف الشمس ركعتين ، في كل ركعة أربع ركعات ، كما روى .

وإن شاء صلى في كسوف الشمس خاصة ركعتين ، في كل ركعة خمس ركعات ، يقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ، ثم يرفع ثم يسجد سجدتين ثم الثانية كذلك أيضا ثم يجلس ويتشهد ويسلم ؟

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه ثنا معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبي عن قتادة في صلاة الآيات عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين { أن النبي ﷺ صلى ست ركعات في أربع سجدات } .

ورويناه أيضا مبينا في كسوف الشمس بصفة العمل كذلك من طريق أبي بن كعب .

ومن طريق وكيع عن المبارك بن فضالة عن الحسن البصري : أن علي بن أبي طالب صلى في كسوف عشر ركعات في أربع سجدات ؟

قال أبو محمد : كل هذا في غاية الصحة عن رسول الله ﷺ وعمن عمل به من صاحب أو تابع ؟

وروي عن العلاء بن زياد العدوي - وهو من كبار التابعين أن صفة صلاة الكسوف : أن يقرأ ثم يركع فإن لم تنجل ركع ثم رفع ، فقرأ هكذا أبدا حتى تنجلي ، فإذا انجلت سجد ثم ركع الثانية .

وعن إسحاق بن راهويه نحو هذا ؟

قال أبو محمد : لا يحل الاقتصار على بعض هذه الآثار دون بعض ؛ لأنها كلها سنن ، ولا يحل النهي عن شيء من السنن ؟

فأما مالك : فإنه في اختياره بعض ما روي من طريق ابن عباس ، وعائشة رضي الله عنهما وتقليد أصحابه له في ذلك : هادمون أصلا لهم كبيرا ، وهو أن الثابت عن عائشة ، وابن عباس خلاف ما رويا مما اختاره مالك كما أوردنا آنفا .

ومن أصلهم أن الصاحب إذا صح عنه خلاف ما روى كان ذلك دليلا على نسخه ؛ لأنه لا يترك ما روى إلا لأن عنده علما بسنة هي أولى من التي ترك ، وهذا مما تناقضوا فيه ؟

وأما أبو حنيفة ومن قلده : فإنهم عارضوا سائر ما روي بأن قالوا : لم نجد في الأصول صفة شيء من هذه الأعمال ؟

قال أبو محمد : وهذا ضلال يؤدي إلى الانسلاخ من الإسلام ؟ لأنهم مصرحون بأن لا يؤخذ لرسول الله ﷺ سنة ، ولا يطاع له أمر - : إلا حتى يوجد في سائر الديانة حكم آخر مثل هذا الذي خالفوا ، ومع هذا فهو حمق من القول .

وليت شعري من أين وجب أن لا تؤخذ لله شريعة إلا حتى توجد أخرى مثلها وإلا فلا ؟

وما ندري هذا يجب ، لا بدين ولا بعقل ، ولا برأي سديد ، ولا بقول متقدم ، وما هم بأولى من آخر ، قال : بل لا آخذ بها حتى أجد لها نظيرين أو من ثالث قال : لا حتى أجد لها ثلاث نظائر ؟ والزيادة ممكنة لمن لا دين له ولا عقل ولا حياء ثم نقضوا هذا فجوزوا صلاة الخوف كما جوزوها ، ولم يجدوا لها في الأصول نظيرا ، في أن يقف المأموم في الصلاة بعد دخوله فيها مختارا للوقوف ، لا يصلي بصلاة إمامه ، ولا يتم ما بقي عليه ؟

وجوزوا البناء في الحدث ، ولم يجدوا في الأصول لها نظيرا ، أن يكون في صلاته بلا طهارة ، ثم لا يعمل عمل صلاته ، ولا هو خارج عنها ، والقوم لا يبالون بما قالوا ؟

وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجهر في صلاة الكسوف وقال من احتج لهم : لو جهر فيها رسول الله ﷺ لعرف بما قرأ ؟

قال أبو محمد : هذا احتجاج فاسد ، وقد عرف ما قرأ ؟

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن مهران هو الرازي - ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن نمر عبد الرحمن - سمع ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : { جهر رسول الله ﷺ في صلاة الكسوف بقراءته } .

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا العباس بن الوليد بن يزيد أخبرني أبي ثنا الأوزاعي أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين : { أن رسول الله ﷺ قرأ قراءة طويلة فجهر بها } في صفتها لصلاة الكسوف ؟

قال أبو محمد : قطع عائشة ، وعروة ، والزهري ، والأوزاعي بأنه عليه السلام جهر فيها - : أولى من ظنون هؤلاء الكاذبة .

وقد روينا من طريق أبي بن كعب { أن رسول الله ﷺ قرأ في أول ركعة من صلاة الكسوف سورة من الطول } .

فإن قيل : إن سمرة روى فقال : { إنه عليه السلام صلى في الكسوف لا نسمع له صوتا } ؟

قلنا : هذا لا يصح ؛ لأنه لم يروه إلا ثعلبة بن عباد العبدي ، وهو مجهول ، ثم لو صح لم تكن لهم فيه حجة ، لأنه ليس فيه أنه عليه السلام لم يجهر وإنما فيه { لا نسمع له صوتا }

وصدق سمرة في أنه لم يسمعه ، ولو كان بحيث يسمعه لسمعه كما سمعته عائشة رضي الله عنها التي كانت قريبا من القبلة في حجرتها ، وكلاهما صادق ثم لو كان فيه " لم يجهر " لكان خبر عائشة زائدا على ما في خبر سمرة ، والزائد أولى ، أو لكان كلا الأمرين جائزا لا يبطل أحدهما الآخر ، فكيف وليس فيه شيء من هذا ؟

قال أبو محمد : ولا نعلم اختيار المالكيين روي عمله عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ببيان اقتصاره على ذلك العمل ؟

فإن قيل : كيف تكون هذه الأعمال صحاحا كلها وإنما صلاها عليه السلام مرة واحدة إذ مات إبراهيم ؟

قلنا : هذا هو الكذب والقول بالجهل : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبدة بن عبد الرحيم أنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة { أن رسول الله ﷺ صلى في كسوف في صفة زمزم أربع ركعات وأربع سجدات } .

فهذه صلاة كسوف كانت بمكة سوى التي كانت بالمدينة ، وما رووا قط عن أحد " أن رسول الله ﷺ لم يصل الكسوف إلا مرة " . وكسوف الشمس يكون متواترا ، بين كل كسوفين خمسة أشهر قمرية ، فأي نكرة في أن يصلي عليه السلام فيه عشرات من المرات في نبوته ؟

صورة المراصد الفلكية لكسوف الشمس وأما اقتصارنا على ما وصفنا في صلاة كسوف القمر لقول رسول الله ﷺ { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى }

فلا يجوز أن تكون صلاة إلا مثنى مثنى ، إلا صلاة جاء نص جلي صحيح بأنها أقل من مثنى أو أكثر من مثنى ، كما جاء في كسوف الشمس ، فيوقف عند ذلك ولا تضرب الشرائع بعضها ببعض ، بل كلها حق ؟ وإنما قلنا بصلاة الكسوف القمري ، والآيات في جماعة ، لقول رسول الله ﷺ : { صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين } .

ويصليها : النساء ، والمنفرد ، والمسافرون ، كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق

=====




كتـاب الصلاة


سجود القرآن

556 - مسألة في القرآن أربع عشرة سجدة :

أولها : في آخر خاتمة سورة الأعراف - ثم في الرعد ثم في النحل - ثم في " سبحان " - ثم في " كهيعص " - ثم في الحج في الأولى - وليس قرب آخرها - سجدة - ثم في الفرقان - ثم في النمل - ثم في " الم تنزيل " - ثم في " ص " ثم في " حم " فصلت - ثم في " والنجم " في آخرها . - ثم في " إذا السماء انشقت " عند قوله تعالى { لا يسجدون } ثم في " اقرأ باسم ربك " في آخرها .

وليس السجود فرضا لكنه فضل ويسجد لها في الصلاة الفريضة والتطوع ، وفي غير الصلاة في كل وقت ، وعند طلوع الشمس وغروبها واستوائها إلى القبلة وإلى غير القبلة وعلى طهارة وعلى غير طهارة .

فأما السجدات المتصلة إلى " الم تنزيل " فلا خلاف فيها ، ولا في مواضع السجود منها ، إلا في سورة النمل ، فإن كثيرا من الناس قالوا : موضع السجدة فيها عند تمام قراءتك { رب العرش العظيم } .

وقال بعض الفقهاء ، بل في تمام قراءتك { وما تعلنون } وبهذا نقول ، لأنه أقرب إلى موضع ذكر السجود والأمر به ، والمبادرة إلى فعل الخير أولى .

قال تعالى : { سارعوا إلى مغفرة من ربكم } .

وقالت طائفة : في الحج سجدة ثانية قرب آخرها ، عند قوله تعالى : { وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } ولا نقول بهذا في الصلاة ألبتة ، لأنه لا يجوز أن يزاد في الصلاة سجود لم يصح به نص ، والصلاة تبطل بذلك ، وأما في غير الصلاة فهو حسن ، لأنه فعل خير ؟

وإنما لم نجزه في الصلاة ؛ لأنه لم يصح فيها سنة عن رسول الله ﷺ ولا أجمع عليها ، وإنما جاء فيها أثر مرسل .

وصح عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ، وأبي الدرداء : السجود فيها - وروي أيضا عن أبي موسى الأشعري - : روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي : ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف سمعت عبد الله بن ثعلبة يقول : صليت خلف عمر بن الخطاب فسجد في الحج سجدتين .

وعن مالك عن عبد الله بن دينار : رأيت عبد الله بن عمر سجد في الحج سجدتين .

وعن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر : أنه وأباه عمر كانا يسجدان في الحج سجدتين .

وقال ابن عمر : لو سجدت فيها واحدة لكانت السجدة في الآخرة أحب إلي ؟ وقال عمر : إنها فضلت بسجدتين .

وعن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه : أن أبا الدرداء سجد في الحج سجدتين .

وروي أيضا عن علي بن أبي طالب ، وأبي موسى ، وعبد الله بن عمرو بن العاص .

قال أبو محمد : أين المهولون من أصحاب مالك ، وأبي حنيفة بتعظيم خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة ؟ وقد خالفوا ههنا فعل عمر بحضرة الصحابة لا يعرف له منهم مخالف ، ومعه طوائف ممن ذكرنا ، ومعهم حديث مرسل بمثل ذلك ، وطوائف من التابعين ومن بعدهم ؟ وبه يقول الشافعي .

وأما نحن فلا حجة عندنا إلا فيما صح عن رسول الله ﷺ فإن قالوا : قد جاء عن ابن عباس في هذا خلاف ؟ قلنا : ليس كما تقولون ، إنما جاء عن ابن عباس : السجود عشر ، وقد جاء عنه : ليس في " ص " سجدة فبطل أن يصح عنه خلاف في هذا .

بل قد صح عنه السجود في الحج سجدتين - : كما روينا من طريق شعبة عن عاصم الأحول عن أبي العالية عن ابن عباس قال : فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين ؟ واختلف : أفي " ص " سجدة أم لا ؟

وإنما قلنا : بالسجود فيها ؛ لأنه قد صح عن رسول الله ﷺ السجود فيها ، وقد ذكرناه قبل هذا في سجود الخطيب يوم الجمعة يقرأ السجدة .

واختلف في السجود في " حم " .

فقالت طائفة : السجدة عند تمام قوله تعالى : { إن كنتم إياه تعبدون } وبه نأخذ .

وقالت طائفة : بل عند قوله : { وهم لا يسأمون } وإنما اخترنا ما اخترنا لوجهين - :

أحدهما : أن الآية التي يسجد عندها قبل الأخرى ، والمسارعة إلى الطاعة أفضل .

والثاني : أنه أمر بالسجود واتباع الأمر أولى ؟

وقال بعض من لم يوفق للصواب : وجدنا السجود في القرآن إنما هو في موضع الخبر لا في موضع الأمر ؟

قال أبو محمد : وهذا هو أول من خالفه لأنه وسائر المسلمين يسجدون في الفرقان في قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا }

وهذا أمر لا خبر ؟ وفي قراءة الكسائي وهي إحدى القراءات الثابتة : { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض } إلى آخر الآية ، بتخفيف " ألا " بمعنى : ألا يا قوم اسجدوا ، وهذا أمر ؟

وفي النحل عند قوله تعالى : { ويفعلون ما يؤمرون } .

وقد وجدنا ذكر السجود بالخير لا سجود فيه عند أحد .

وهو قوله تعالى في آل عمران { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون } .

وفي قوله تعالى : { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما }

فصح أن القوم في تخليط لا يحصلون ما يقولون - : وروينا عن وكيع عن أبيه عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الأسود قال : كان أصحاب ابن مسعود يسجدون بالأولى من الآيتين .

وكذلك عن أبي عبد الرحمن السلمي .

وهو قول مالك ، وأبي سليمان ؟ وصح عن ابن مسعود ، وعلي : أنهما كانا لا يريان عزائم السجود من هذه المذكورات إلا " الم " و " حم " وكانا يريانهما أوكد من سواهما ؟

وقال مالك : لا سجود في شيء من المفصل .

وروي ذلك عن ابن عباس ، وزيد بن ثابت - : وخالفهما آخرون من الصحابة ، كما نذكر إن شاء الله تعالى ، بعد أن نقول : صح عن رسول الله ﷺ السجود فيها ، ولا حجة في أحد دونه ولا معه : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي قال سمعت الأسود بن زيد عن ابن مسعود { أن رسول الله ﷺ قرأ : والنجم فسجد فيها } .

حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن { أبي هريرة قال : سجدنا مع رسول الله ﷺ في : والنجم و اقرأ باسم ربك } .

وبه يأخذ جمهور السلف ؟ وروينا من طريق مالك عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة : أن عمر بن الخطاب قرأ لهم " والنجم إذا هوى " فسجد فيها ، ثم قام فقرأ بسورة أخرى ، وأنه فعل ذلك في الصلاة بالمسلمين ؟

وعن أبي عثمان النهدي : أن عثمان بن عفان قرأ في صلاة العشاء ب " والنجم " فسجد في آخرها ، ثم قام فقرأ ب " والتين والزيتون " فركع وسجد ، فقرأ سورتين في ركعة .

ومن طريق سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب قال : العزائم أربع - : " الم تنزيل " " و حم السجدة " " والنجم " " واقرأ باسم ربك "

وعن شعبة عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال : عزائم السجود أربع : ( الم تنزيل ) " وحم " " والنجم " " واقرأ باسم ربك " وعن سليمان بن موسى ، وأيوب السختياني كلاهما عن نافع مولى ابن عمر قال : إن ابن عمر كان إذا قرأ ب ( النجم ) سجد .

وعن { المطلب بن أبي وداعة قال : سجد رسول الله ﷺ في النجم ولم أسجد - وكان مشركا حينئذ - .

قال : فلن أدع السجود فيها أبدا } أسلم المطلب يوم الفتح .

فهذا عمر ، وعثمان ، وعلي ، بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، وهم يشنعون أقل من هذا .

وبالسجود فيها يقول : عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وسفيان ، وأبو حنيفة والشافعي ، وأحمد ، وداود ، وغيرهم .

قال أبو محمد : واحتج المقلدون لمالك بخبر - : رويناه من طريق يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن { زيد بن ثابت قال : قرأت على رسول الله ﷺ والنجم فلم يسجد فيها } .

قال أبو محمد : لا حجة لهم في هذا ، فإنه لم يقل : إن النبي ﷺ قال : لا سجود فيها ، وإنما في هذا الخبر حجة على من قال : إن السجود فرض فقط .

وهكذا نقول : إن السجود ليس فرضا ، لكن إن سجد فهو أفضل ، وإن ترك فلا حرج ، ما لم يرغب عن السنة ؟

وأيضا : فإن راوي هذا الخبر قد صح عن مالك أنه لا يعتمد على روايته - وهو ابن قسيط - فالآن صارت روايته حجة في إبطال السنن ؟ على أنه ليس فيها شيء مما يدعونه ؟

وموهوا أيضا بخبر - : رويناه من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن بكر هو ابن عبد الله المزني - أن أبا سعيد الخدري قال : { إن رسول الله ﷺ كان يسجد بمكة بالنجم فلما قدم المدينة رأى أبو سعيد فيما يرى النائم كأنه يكتب سورة ص ، فلما أتى على السجدة : سجدت الدواة ، والقلم ، والشجر ، وما حوله من شيء , قال : فأخبرت رسول الله ﷺ فسجد فيها ، وترك النجم }

فهذا خبر لا يصح ؛ لأن بكرا لم يسمعه من أبي سعيد ، والله أعلم ممن سمعه ، إلا أنه قد صح بطلان هذا الخبر بلا شك لما رويناه آنفا من قول أبي هريرة { إن رسول الله ﷺ سجد بهم في النجم } وأبو هريرة متأخر الإسلام ، وإنما أسلم بعد فتح خيبر ، وفي هذا الخبر أن ترك السجود فيها كان إثر قدومه عليه السلام المدينة ، وهذا باطل

وموهوا بخبر رويناه من طريق مطر الوراق يذكره عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ لم يسجد في المفصل مذ قدم المدينة } .

وهذا باطل بحت ، لما ذكرنا من حديث أبي هريرة ، ولما نذكره إثر هذا إن شاء الله تعالى : وعلة هذا الخبر هو أن مطرا سيئ الحفظ .

ثم لو صح لكان المثبت أولى من النافي ، ولا عمل أقوى من عمل عمر ، وعثمان بحضرة الصحابة بالمدينة - وبالله تعالى التوفيق .

وذكروا أحاديث مرسلة ساقطة ، لا وجه للاشتغال بها لما ذكرنا ؟

وأما إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك فإن عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا قال : ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسلم بن إبراهيم ، ومعاذ بن فضالة قالا : ثنا هشام الدستوائي عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن أبي سلمة عن { عبد الرحمن بن عوف قال : رأيت أبا هريرة سجد في إذا السماء انشقت ، فقلت : يا أبا هريرة ، ألم أرك تسجد ؟ قال : لو لم أر النبي ﷺ سجد لم أسجد بها } .

ومن طريق مالك أيضا عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بمثله .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن { أبي هريرة قال : سجدنا مع رسول الله ﷺ في : إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك } .

قال أبو محمد : هذا يكذب رواية مطر التي احتجوا بها ؟

ومن طريق الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن صفوان بن سليم عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة : { سجد رسول الله ﷺ في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك }

ورويناه من طرق كثيرة متواترة كالشمس ، اكتفينا منها بهذا .

وبهذا يأخذ عامة السلف - : روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، والمعتمر بن سليمان كلهم قال : ثنا قرة هو ابن خالد - عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : " سجد : أبو بكر ، وعمر في : " إذا السماء انشقت " ومن هو خير منهما " زاد عبد الرحمن ، والمعتمر " و : ( اقرأ باسم ربك ) وهذا أثر كالشمس صحة .

وقد ذكرنا عن علي ، وابن مسعود آنفا : عزائم السجود - : " الم " " وحم " " والنجم " " واقرأ باسم ربك " . ومن طريق شعبة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي رزين : قرأ عمار بن ياسر : " إذا السماء انشقت " وهو يخطب ، فنزل فسجد وعن الثقات : أيوب ، وعبيد الله بن عمر ، وسليمان بن موسى عن نافع : أن ابن عمر كان يسجد في : " إذا السماء انشقت " ، " واقرأ باسم ربك " .

وهو قول أصحاب ابن مسعود ، وشريح ، والشعبي وعمر بن عبد العزيز أمر الناس بذلك والشعبي وأبي حنيفة ، والأوزاعي ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، وأصحابهم ، وأصحاب الحديث ؟

وأما سجودها على غير وضوء ، وإلى غير القبلة كيف ما يمكن ؟ فلأنها ليست صلاة ، وقد قال عليه السلام : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى }

فما كان أقل من ركعتين فليس إلا أن يأتي نص بأنه صلاة ، كركعة الخوف ، والوتر ، وصلاة الجنازة ، ولا نص في أن سجدة التلاوة : صلاة ؟

وقد روي عن عثمان رضي الله تعالى عنه ، وسعيد بن المسيب : تومئ الحائض بالسجود ؟ قال سعيد : وتقول : رب لك سجدت .

وعن الشعبي : جوازها إلى غير القبلة


سجود الشكر

557 - مسألة : سجود الشكر حسن ، إذا وردت لله تعالى على المرء نعمة فيستحب له السجود ، لأن السجود فعل خير .

وقد قال الله تعالى : { وافعلوا الخير } .

ولم يأت عنه نهي عن النبي ﷺ .

بل قد حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي قال : ثنا الوليد بن هشام المعيطي ثنا { معدان بن أبي طلحة اليعمري قال : لقيت ثوبان مولى رسول الله ﷺ فقلت له : أخبرني بعمل يدخلني الله به الجنة ، أو قلت : ما أحب الأعمال إلى الله تعالى ؟ فقال : سألت رسول الله ﷺ كما سألتني فقال عليك بكثرة السجود لله تعالى ، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله - عز وجل بها - درجة ، وحط عنك بها خطيئة قال معدان : ثم لقيت أبا الدرداء فسألته ؟ فقال مثل ما قال لي ثوبان } .

قال أبو محمد : الوليد بن هشام من كبار أصحاب عمر بن عبد العزيز لفضله وعمله ، وباقي الإسناد أشهر من أن يسأل عنهم ؟

وليس لأحد أن يقول : إن هذا السجود إنما هو سجود الصلاة خاصة ، ومن أقدم على هذا فقد قال على رسول الله ﷺ ما لم يقله ، بل كذب عليه ، إذ أخبر عن مراده بالغيب والظن الكاذب .

وقد روينا عن أبي بكر الصديق : أنه لما جاءه فتح اليمامة : سجد ؟

وعن علي بن أبي طالب : أنه لما وجد ذو الثدية في القتلى : سجد ، إذ عرف أنه في الحزب المبطل ، وأنه هو المحق ؟ وصح عن كعب بن مالك في حديث تخلفه عن تبوك : أنه لما تيب عليه : سجد ؟ ولا مخالف لهؤلاء من الصحابة أصلا ، ولا مغمز في خبر كعب ألبتة ؟ .

========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مكتبات الكتاب الاسلامي

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أ...