مدونة استكمال مصنفات الإمامين ابن حزم والوكاني

الأحد، 20 مارس 2022

المحلي لابن حزم من 454 - مسألة الي 496 مسألة }}

تابع كتـاب الصلاة

الأعمال المستحبة في الصلاة وليست فرضا

454 - مسألة : ونستحب لكل مصل إذا رفع رأسه من السجدة الثانية أن يجلس متمكنا ثم يقوم من ذلك الجلوس إلى الركعة الثانية والرابعة ؟ . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن الصباح أنا هشيم أنا خالد هو الحذاء - عن أبي قلابة أنا مالك بن الحويرث الليثي { أنه رأى النبي ﷺ يصلي ، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا } . وهو عمل طائفة من السلف - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا إسماعيل هو ابن علية - عن أيوب السختياني عن أبي قلابة { ثنا أبو سليمان مالك بن الحويرث في مسجدنا قال : إني لأصلي بكم ما أريد الصلاة ، ولكني أريد أريكم كيف رأيت رسول الله ﷺ قال أبو قلابة : كان يصلي مثل صلاة شيخنا هذا ، يعني عمرو بن سلمة إمامكم ، وذكر أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى قعد ثم قام } . قال علي : عمرو هذا له صحبة ، ولأبيه صحبة ، فهو عمل طائفة من الصحابة وغيرهم معهم ؟ وروينا - عن أحمد بن حنبل : أن حماد بن زيد كان يفعل ذلك على حديث مالك بن الحويرث ، وهو قول الشافعي وأحمد ، وداود ؟ ولم ير ذلك أبو حنيفة ومالك قال علي : وهذا مما تركوا فيه عمل صاحبين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، وهم يعظمون ذلك إذا وافق تقليدهم ؟ فإن احتجوا بحديث أبي حميد - الذي نذكره بعد هذا الفصل إن شاء الله تعالى - بأنه ليس فيه هذا الجلوس ؟ قلنا لهم : لا حجة لكم في هذا ، لأنه ليس تذكر جميع السنن في كل حديث ، وإن كان لم يذكره أبو حميد فقد ذكره غيره من الصحابة ، ولم يذكر أبو حميد أنه كان لا يفعل ذلك ، فمن أقحم ذلك في حديث أبي حميد فقد كذب على أبي حميد ، وعلى رسول الله ﷺ ولا فرق بين من قال : لو فعل ذلك رسول الله ﷺ لذكر أبو حميد أنه فعله - : وبين من عارضه ، فقال : لو لم يفعله رسول الله ﷺ لذكر أبو حميد أنه كان لا يفعله ؟ والعجب أنهم خالفوا حديث أبي حميد فيما ذكر فيه نصا ، كما نبين إن شاء الله تعالى ، فلم يروه حجة فيما فيه ، واحتجوا به فيما ليس فيه وهذا عجب جدا ؟ قال علي : وهذا مما تركوا فيه السنة والقياس وهم يدعون أنهم أصحاب قياس ؟ فهلا قالوا : كما لا يقوم إلى الركعة الثالثة إلا من قعود فكذلك لا يقوم إلى الثانية والرابعة إلا من قعود ، ولكنهم لا السنن يتبعون ، ولا القياس يحسنون - وبالله تعالى التوفيق ؟

455 - مسألة : ففي الصلاة أربع جلسات : جلسة بين كل سجدتين ، وجلسة إثر السجدة الثانية من كل ركعة ، وجلسة للتشهد بعد الركعة الثانية ، يقوم منها إلى الثالثة في المغرب ، والحاضر في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، وجلسة للتشهد في آخر كل صلاة ، يسلم في آخرها . وصفة جميع الجلوس المذكور أن يجعل أليته اليسرى على باطن قدمه اليسرى مفترشا لقدمه ، وينصب قدمه اليمنى ، رافعا لعقبها ، مجلسا لها على باطن أصابعها ، إلا الجلوس الذي يلي السلام من كل صلاة ، فإن صفته : أن يفضي بمقاعده إلى ما هو جالس عليه ، ولا يقعد على باطن قدمه فقط ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا بشر بن المفضل عن عاصم بن كليب عن أبيه { عن وائل بن حجر قال : قلت : لأنظرن إلى صلاة رسول الله ﷺ كيف يصلي فقام رسول الله ﷺ فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا بأذنيه ثم أخذ شماله بيمينه ، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك ، ثم جلس فافترش رجله اليسرى } ، وذكر باقي الحديث . فهذا عموم لكل جلوس في الصلاة - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا محمد بن يوسف الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث هو ابن سعد - عن يزيد بن أبي حبيب ، ويزيد بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن { محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا في نفر من أصحاب النبي ﷺ فذكرنا صلاة النبي ﷺ فقال أبو حميد الساعدي : أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله ﷺ رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه ، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ، ثم هصر ظهره ، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه ، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته } . قال البخاري : سمع الليث يزيد بن أبي حبيب ، وسمع يزيد بن حلحلة وابن حلحلة عن ابن عطاء ، وروينا من طريق عبد الرزاق عن عطاء ونافع مولى ابن عمر ، كلاهما عن ابن عمر : أنه كان يجلس في مثنى فيجلس على اليسرى رجليه ، يتبطنها جالسا عليها ، ويقعي على أصابع يمناه ثانيها وراءه ؟ وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ؟ وقال أبو حنيفة : الجلوس كله - لا نحاش شيئا - مفترشا بأليته اليسرى باطن قدمه اليسرى ؟ وقال مالك : الجلوس كله - لا نحاش شيئا - مفضيا بمقاعده إلى الأرض قال علي : وكلا القولين خطأ وخلاف للسنة الثابتة التي أوردنا ؟ ومن العجب احتجاج الطائفتين كلتيهما بحديث أبي حميد المذكور في إسقاط الجلسة إثر السجدة الثانية من الركعة الأولى والثالثة ، وليس فيه ذكر لها أصلا ، لا بإثبات ولا بإسقاط ، ثم يخالفون حديث أبي حميد في نص ما فيه من صفة الجلوس وهذا غريب جدا واعترض بعض المعترضين بالباطل على حديث أبي حميد هذا بأن العطاف بن خالد رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء عن رجل عن أبي حميد ، وأن محمد بن عمرو بن عطاء روى هذا الحديث أيضا عن عباس بن سهل الساعدي عن أبيه وليس فيه هذا التقسيم . قال علي : هذا اعتراض من لا يتقي الله ؛ لأن عطاف بن خالد ساقط لا تحل الرواية عنه إلا على بيان ضعفه ، فلا يجوز أن يحتج به على رواية الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو عن عطاء أنه شهد الأمر . وأما رواية محمد بن عمرو عن عباس بن سهل فهذا خطأ ممن قال ذلك . إنما رواه عيسى بن عبد الله بن مالك عن عباس بن سهل ، أو عياش - هكذا بالشك . ورواه أيضا فليح بن سليمان عن عباس بن سهل - : وهاتان الروايتان أيضا - على علاتهما - موافقتان لروايتي أبي حميد . وقال بعض القائلين : إن بعض الرواة روى حديث محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد فذكر فيه : أن أبا قتادة شهد المجلس وأبو قتادة قتل مع علي ، ولم يدركه محمد بن عمرو . قال علي : والذي ذكر عن أبي قتادة أنه قتل مع علي من أحاديث السمريين والروافض ، ولا يصح ذلك ، ولا يعترض بمثل هذا على رواية الثقات . وأيضا : فإنما ذكر أبا قتادة : عبد الحميد بن جعفر ، ولعله وهم فيه ، فبطل ما شغبوا به ، وبالله تعالى التوفيق

456 - مسألة : وفرض على كل مصل أن يضع - إذا سجد - يديه على الأرض قبل ركبتيه ولا بد - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر البصري ثنا أبو داود ثنا سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي - ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه } . فإن ذكر ذاكر ما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا العلاء بن إسماعيل ثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك قال : { رأيت رسول الله ﷺ إذا دخل في الصلاة فإذا انحط للسجود سبقت ركبتاه يديه } . قلنا : هذا لا حجة فيه لوجهين - : أحدهما : أنه ليس في حديث أنس : أنه عليه السلام كان يضع ركبتيه قبل يديه ، وإنما فيه : سبق الركبتين اليدين فقط ، وقد يمكن أن يكون هذا السبق في حركتهما لا في وضعهما ، فيتفق الخبران والثاني : أنه لو كان فيه بيان وضع الركبتين قبل اليدين ، لكان ذلك موافقا لمعهود الأصل في إباحة كل ذلك ، ولكان خبر أبي هريرة واردا بشرع زائد رافع للإباحة السالفة بلا شك ، ناهية عنها بيقين ، ولا يحل ترك اليقين لظن كاذب - وبالله تعالى التوفيق ؟ وركبتا البعير : هي في ذراعيه

457 - مسألة : ونستحب لكل مصل إماما كان أو مأموما أو منفردا في فرض كان أو نافلة ، رجلا كان أو امرأة - : أن يسلم تسليمتين فقط : إحداهما عن يمينه ، والأخرى عن يساره ، يقول في كلتيهما " السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله " لا ينوي بشيء منهما سلاما على إنسان لا على المأمومين ولا على من على يمينه ، ولا ردا على الإمام ، ولا على من على يساره لكن ينوي بالأولى - وهي الفرض - الخروج من الصلاة فقط ، والثانية : سنة حسنة ، لا يأثم تاركها ؟ أما وجوب فرض التسليمة الأولى فقد ذكرناه قبل ، فأغنى عن إعادته ؟ وأما التسليمة الثانية : فإن عبد الله بن ربيع التميمي حدثنا قال : ثنا محمد بن معاوية المرواني ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ، وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - قال إسحاق : ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ويحيى بن آدم ، وقال ابن المثنى : ثنا ابن معاذ العنبري ، قال الفضل ويحيى ، ومعاذ : ثنا زهير هو أبو معاوية - عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود ، وعلقمة عن { عبد الله بن مسعود قال : رأيت رسول الله ﷺ يكبر في كل خفض ، ورفع ، وقيام ، وقعود ، ويسلم عن يمينه وعن شماله : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ، حتى يرى بياض خده ورأيت أبا بكر ، وعمر يفعلانه } ورويناه أيضا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود عن رسول الله ﷺ كذلك وعن عبد الرزاق عن معمر ، وسفيان الثوري كلاهما عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود عن رسول الله ﷺ كذلك ؟ وعن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود عن رسول الله ﷺ وعن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان ، { قلت لابن عمر : أخبرني عن صلاة رسول الله ﷺ فذكر " السلام عليكم ورحمة الله ، عن يمينه ، السلام عليكم ورحمة الله ، عن يساره } وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عمه عامر بن سعد عن أبيه { أن رسول الله ﷺ كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده } بأسانيد صحاح متواترة متظاهرة وهو فعل أبي بكر وعمر كما ذكرنا آنفا ؟ وروينا من طريق حارثة بن مضرب أن عمار بن ياسر كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله " وعن يساره " السلام عليكم ورحمة الله " ؟ ومن طريق أبي وائل وأبي عبد الرحمن السلمي : أن علي بن أبي طالب كان يسلم عن يمينه وعن شماله " السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله " ؟ وعن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار قال : كان مسجد الأنصار يسلمون تسليمتين عن أيمانهم وعن شمائلهم ، وكان مسجد المهاجرين يسلمون تسليمة واحدة ؟ ومن طريق أبي عبد الرحمن السلمي : أن ابن مسعود كان يسلم من الصلاة تسليمتين ؟ قال علي بن أحمد : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وعمار ، وابن مسعود : من أكابر المهاجرين ، وهو فعل أبي عبيدة بن عبد الله ، وخيثمة والأسود ، وعلقمة ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ومن أدركوا من الصحابة وبه يقول إبراهيم النخعي ، وحماد بن سلمة ، وأبو حنيفة ، وسفيان ، والحسن بن حي ، والشافعي ، وأحمد ، وداود ، وجمهور أصحاب الحديث . وقال مالك : يسلم الإمام والفذ تسليمة واحدة ، ويسلم المأموم الذي ليس على يساره أحد تسليمتين ، إحداهما رد على الإمام ويسلم المأموم الذي على يساره غيره ثلاث تسليمات ، الثالثة رد على الذي عن يساره ؟ قال علي : أما تسليمة واحدة فلا يصح فيها شيء عن النبي ﷺ لأن الأخبار في ذلك إنما هي من طريق محمد بن المفرج عن محمد بن يونس وكلاهما مجهول أو مرسل من طريق الحسن أو من طريق زهير بن محمد ، وهو ضعيف أو من طريق ابن لهيعة ، وهو ساقط والثابت عن سعد تسليمتان كما ذكرنا ، فهي زيادة عدل ، ثم لو صحت لكان من روى تسليمتين قد زاد حكما وعلما على من لم يرو إلا واحدة ، وزيادة العدل لا يجوز تركها ، وهي زيادة خير ؟ وإنما لم نقل بوجوب التسليمتين جميعا فرضا كما قال الحسن بن حي : فلأن الثانية إنما هي فعل رسول الله ﷺ فليست أمرا منه عليه السلام ، وإنما يجب أمره لا فعله ؟ وتفريق مالك بين سلام المأموم والإمام والمنفرد - : قول لا برهان له عليه ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولا قول لصاحب ولا قياس ؟ وإنما قلنا : إن التسليم خروج عن الصلاة فقط ، لا يجوز أن يكون ابتداء سلام ولا ردا ، لبرهانين - : أحدهما : الثابت عن رسول الله ﷺ من طريق ابن مسعود " { أن الله أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة } وأنه عليه السلام قال : { إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس } من طريق معاوية بن الحكم والتسليم المقصود به الابتداء أو الرد : كلام مع الناس ، وهذا منسوخ لا يحل ، بل تبطل به الصلاة إن وقع ؟ والثاني : أنهم مجمعون معنا على أن الفذ يقول " السلام عليكم ، وليس بحضرته إنسان يسلم عليه ، وكذلك الإمام لا يكون معه إلا الواحد ، فإنه يقول " السلام عليكم " بخطاب الجماعة فصح أنه ليس ابتداء سلام على إنسان ولا ردا ؟ فإن ذكر ذاكر ما رويناه من طريق مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب قالا : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال : { خرج علينا رسول الله ﷺ فقال : مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ؟ اسكنوا في الصلاة } ؟ وبه إلى مسلم : ثنا أبو كريب ثنا ابن أبي زائدة عن مسعر ثنا عبيد الله ابن القبطية عن جابر بن سمرة قال : { كنا إذا صلينا مع رسول الله ﷺ قلنا : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ، وأشار بيده إلى الجانبين ، فقال رسول الله ﷺ : علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس ؟ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله } قال علي : لا حجة في هذا لمن ذهب إلى تسليمة واحدة ، لأن فيه تسليمتين كما ترى ؟ وأما من تعلق به في أن السلام من الصلاة ابتداء : سلام على من معه ، فإن هذا بلا شك كان ثم نسخ ؛ لأن نص الخبر : أنهم كانوا يفعلون ذلك في الصلاة ، فأمروا بالسكون فيها ، وأن هذا كان إذ كان الكلام في الصلاة مباحا ثم نسخ ، وليس فيه : أن المراد بذلك التسليم ، الذي هو التحليل من الصلاة ، فبطل تعلقهم به - وبالله تعالى التوفيق ؟

458 - مسألة : ونستحب إذا أكمل التشهد في كلتا الجلستين أن يصلي على رسول الله ﷺ فيقول : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد " ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر : أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري - وعبد الله بن زيد هو الذي أرى النداء للصلاة - أخبره عن أبي مسعود الأنصاري قال : { أتانا رسول الله ﷺ في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ فسكت رسول الله ﷺ حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد } ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - ثنا روح عن مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم أنا أبو حميد الساعدي " أنهم { قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد } ؟ وبه إلى مسلم : ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة قال : سمعت ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن - قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية ؟ { خرج علينا رسول الله ﷺ فقلنا : قد عرفنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد } قال علي : جمعنا قبل جميع ألفاظه عليه السلام في هذه الأحاديث . وإن اقتصر المصلي على بعض ما في هذه الأخبار أجزأه ، وإن لم يفعل أصلا كرهنا ذلك ، وصلاته تامة إلا أن فرضا عليه ولا بد أن يقول ما في خبر من هذه الأخبار ولو مرة واحدة في دهره ، لأمره عليه السلام بأن يقال ذلك ولقول الله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } والمرء إذا فعل ما أمر به مرة فقد أدى ما عليه ، إلا أن يأتي الأمر بترديد ذلك مقادير معلومة ، أو في أوقات معلومة ، فيكون ذلك لازما ومن قال : إن تكرار ما أمر به يلزم - : كان كلامه باطلا ، لأنه يكلف من ذلك ما لا حد له ، ولو كان ذلك لازما لأدى إلى بطلان كل شغل ، وبطلان سائر الأوامر ، وهذا هو الإصر والحرج اللذان قد آمننا الله تعالى منهما وإنما كرهنا تركه ، لأنه فضل عظيم لا يزهد فيه إلا محروم وصح { عن النبي ﷺ : أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشرا } ؟ وقال الشافعي : من لم يصل على النبي ﷺ في صلاته بطلت صلاته ، واحتج بأن التسليم على رسول الله ﷺ فرض ، وهو في التشهد فرض . قال : وقد روى عبد الرحمن بن بشر عن أبي مسعود : { قيل للنبي ﷺ : أمرنا أن نصلي عليك وأن نسلم ، فأما السلام فقد عرفناه ، فكيف نصلي عليك ؟ فعلمهم عليه السلام } بعض ما ذكرنا قبل " وفي بعض ما ذكرنا : أنه عليه السلام قال لهم { : والسلام كما علمتم } قالوا : فالصلاة فرض حيث السلام ؟ قال علي : لو أن رسول الله ﷺ قال : إن الصلاة حيث يكون السلام : لكان ما قالوه ، لكن لما لم يقله عليه السلام ، لم يكن ذلك ، ولم يجز أن نحكم بما لم يقل عليه السلام ، فيكون فاعل ذلك يقنت له عليه السلام ما لم يقل ، وشارعا ما لم يأذن به الله تعالى قال علي : ولقد كان يلزم من قال : إن الصيام فرض في الاعتكاف من أجل أن الله تعالى ذكر الاعتكاف مع ذكره للصوم - : أن يجعل الصلاة على رسول الله ﷺ في كل صلاة فرضا ، لأن الله تعالى ورسوله ﷺ ذكرا الصلاة عليه مع التسليم عليه فإن ذكر ذاكر : حديث ابن وهب عن أبي هانئ أن أبا علي الجنبي حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد يقول : { سمع رسول الله ﷺ رجلا يدعو في صلاته لم يمجد ( الله ) ولم يصل على النبي ﷺ ، فقال له رسول الله ﷺ : " عجلت أيها المصلي ثم علمهم رسول الله ﷺ فسمع رجلا يصلي فمجد الله تعالى وحمده وصلى على النبي ﷺ فقال له رسول الله ﷺ : ادع تجب ، وسل تعط } ؟ قال علي : ليس في هذا إيجاب الصلاة عليه ﷺ في الصلاة ، ولو كان ذلك لما قال له " عجلت " فليس من عجل في صلاته بمبطل لها ، بل كان يقول له : ارجع فصل فإنك لم تصل ، لكن في هذا الخبر استحباب الصلاة عليه ﷺ في الصلاة وغيرها فقط ؟ فإن ذكروا حديث كعب بن عجرة الذي فيه { أن رسول الله ﷺ اعترض له جبريل ، فقال له : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقال عليه السلام : آمين } ؟ قال علي : هذا خبر لا يصح ؛ لأن راويه أبو بكر بن أبي أويس ، وقد غمز غمزا شديدا عن محمد بن هلال ، وهو مجهول ، عن سعد بن إسحاق ، وهو مضطرب في اسمه غير مشهور الحال ولو صح لكان فيه إيجاب الصلاة على رسول الله ﷺ نصا متى ذكر في صلاة أو غيرها ، ولم يكن فيه تخصيص ما بعد التشهد في الصلاة بذلك وقد ذكر بعضهم ما يوافق قولهم عن أبي حميد ، وأبي أسيد ؟ قال علي : هذا لازم لمن رأى تقليد الصاحب ، لا لنا - وبالله تعالى التوفيق ؟

=====




كتـاب الصلاة


الأعمال المستحبة في الصلاة وليست فرضا

459 - مسألة : والقنوت فعل حسن ، بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل صلاة فرض - الصبح وغير الصبح ، وفي الوتر ، فمن تركه فلا شيء عليه في ذلك وهو أن يقول بعد قوله " ربنا ولك الحمد " " اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت " ويدعو لمن شاء ، ويسميهم بأسمائهم إن أحب - فإن قال ذلك قبل الركوع لم تبطل صلاته بذلك ، وأما السنة فالذي ذكرنا ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن سعيد عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري ، وشعبة قالا : ثنا عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب { أن رسول الله ﷺ كان يقنت في الصبح والمغرب } حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد التنوري - عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن { أبي هريرة قال " والله إني لأقربكم صلاة برسول الله ﷺ فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر ، وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح ، بعدما يقول : سمع الله لمن حمده ، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار ؟ وقال أبو هريرة : كان رسول الله ﷺ إذا قال : سمع الله لمن حمده ، في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت فقال : اللهم نج الوليد بن الوليد ، اللهم نج سلمة بن هشام ، اللهم نج عياش بن أبي ربيعة ، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين } حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو عبد الله الكابلي ثنا إبراهيم بن موسى الرازي أنا محمد بن أنس عن مطرف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب { أن النبي ﷺ كان لا يصلي صلاة إلا قنت فيها } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد ثنا حماد هو ابن زيد - عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين { أن أنس بن مالك سئل : هل قنت رسول الله ﷺ في صلاة الصبح ؟ قال : نعم ، قيل له : قبل الركوع أو بعده ؟ قال : بعد الركوع } قال علي : فهذا كله نص قولنا - ولله الحمد فإن قيل : فقد روي عن أنس : أنه سئل عن القنوت : أقبل الركوع أم بعده ؟ فقال : قبل الركوع قلنا : إنما أخبر بذلك أنس عن أمراء عصره ، لا عن رسول الله ﷺ كما سئل عن بعض أمور الحج فأخبر بفعل النبي ﷺ ثم قال : أفعل كما يفعل أمراؤك - وهذا من أنس : إما تقية ، وإما رأي منه ، ولا حجة في أحد بعد رسول الله ﷺ وأما عمن بعد رسول الله ﷺ فروينا عن يحيى بن سعيد القطان : ثنا العوام بن حمزة قال : سألت أبا عثمان النهدي عن القنوت في الصبح ؟ فقال : بعد الركوع ، فقلت : عمن ؟ قال : عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان وروى أيضا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي : أن عمر بن الخطاب كان يقنت بعد الركوع ، وقد شاهد أبو عثمان النهدي أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ؟ ومن طريق البخاري عن مسدد عن إسماعيل ابن علية أنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس قال : كان القنوت في المغرب والفجر ومن طريق سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن معقل أن علي بن أبي طالب قنت في المغرب بعد الركعة فدعا على أناس وعن معمر عن أيوب عن ابن سيرين : أن أبي بن كعب قنت في الوتر بعد الركوع ؟ وروينا أيضا عن علقمة ، والأسود : أن معاوية كان يقنت في الصلاة ؟ وروينا أيضا عن ابن عباس : القنوت بعد الركوع ؟ فهؤلاء أئمة الهدى ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ومعاوية ، ومعهم أبي ، وابن عباس وذهب قوم إلى المنع من القنوت كما روينا { عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال صليت خلف رسول الله ﷺ فلم يقنت ، وخلف أبي بكر فلم يقنت ، وخلف عمر فلم يقنت ، وخلف عثمان فلم يقنت ، وخلف علي فلم يقنت ، يا بني إنها بدعة } وعن علقمة ، والأسود قالا : صلى بنا عمر بن الخطاب زمانا فلم يقنت وعن الأسود بن يزيد قال : كان ابن مسعود لا يقنت في صلاة الغداة وعن سفيان عن منصور عن إبراهيم النخعي عن أبي الشعثاء قال : سألت ابن عمر عن القنوت في الفجر ؟ فقال : ما شعرت أن أحدا يفعله ؟ وعن مالك عن نافع : أن ابن عمر كان لا يقنت في الفجر ؟ وروينا عن ابن عباس : أنه لم يقنت ؟ وعن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح : قال سألت سالم بن عبد الله بن عمر : هل كان عمر بن الخطاب يقنت في الصبح ؟ قال : لا ، إنما هو شيء أحدثه الناس ؟ وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري : أنه كان يقول : من أين أخذ الناس القنوت ؟ ويعجب : إنما قنت رسول الله ﷺ أياما ثم ترك ذلك ؟ قال علي : وكان يحيى بن يحيى الليثي ، وبقي بن مخلد : لا يريان القنوت وعلى ذلك جرى أهل مسجديهما بقرطبة إلى الآن قال علي : أما الرواية عن رسول الله ﷺ وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس رضي الله عنهم : بأنهم لم يقنتوا فلا حجة في ذلك النهي عن القنوت ، لأنه قد صح عن جميعهم أنهم قنتوا ، وكل ذلك صحيح ، قنتوا وتركوا ، فكلا الأمرين مباح ، والقنوت ذكر لله تعالى ، ففعله حسن ، وتركه مباح ، وليس فرضا ، ولكنه فضل ؟ وأما قول والد أبي مالك الأشجعي : إنه بدعة - فلم يعرفه ، ومن عرفه أثبت فيه ممن لم يعرفه ، والحجة فيمن علم ، لا فيمن لم يعلم وأما ابن مسعود فلم يأت عنه كرهه ، ولا أنه نهى عنه ، وإنما جاء أنه كان لا يقنت في الفجر فقط ، وهذا مباح ، وقد قنت غيره من الصحابة رضي الله عنهم وأما ابن عمر فلم يعرفه كما لم يعرف المسح ، وليس ذلك بقادح في معرفة من عرفه ؟ وأما الزهري فجهل القنوت ورآه منسوخا ، كما صح عنه من تلك الطريق نفسها : أن كون زكاة البقر في كل ثلاثين : تبيع ، وفي أربعين : مسنة - منسوخ ، وأن زكاتها كزكاة الإبل ، فإن كان قول الزهري في نسخ القنوت حجة ، فهو حجة في نسخ زكاة البقر في ثلاثين تبيع ، وفي أربعين مسنة ، وإن لم يكن هنالك حجة فليس هو ههنا حجة ؟ والعجب من المالكيين المحتجين بقول ابن عمر إذا وافق تقليدهم ثم سهل عليهم ههنا خلاف ابن عمر ، وخلاف سالم ابنه ، وخلاف الزهري ، وهما عالما أهل المدينة والعجب ممن يحتج في ترك القنوت بقول سالم : أحدثه الناس ، وهو يرى حجة قول القائل : فعدل الناس مدين من بر بصاع من شعير في زكاة الفطر ، وهذا كله تحكم في الدين بالباطل وقالوا : لو كان القنوت سنة ما خفي عن ابن مسعود ولا عن ابن عمر ؟ فقلنا : قد خفي وضع الأيدي على الركب في الركوع على ابن مسعود ، فثبت على القول بالتطبيق إلى أن مات ، وخفي على ابن عمر المسح على الخفين ، ولم يروا ذلك حجة ، فما بال خفاء القنوت عنهما صار حجة ؟ إن هذا لعجب وتلاعب بالدين ، مع أن القنوت ممكن أن يخفى ، لأنه سكوت متصل بالقيام من الركوع ، لا يعرفه إلا من سأل عنه ، وليس فرضا فيعلمه الناس ولا بد ، فكيف وقد عرفه ابن عمر كما نذكر بعد هذا ، ولم ينكره ابن مسعود ؟ وقال بعض الناس : الدليل على نسخ القنوت ما رويتموه من طريق معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه { أنه سمع رسول الله ﷺ حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الأخيرة قال : اللهم ألعن فلانا وفلانا ، دعا على ناس من المنافقين فأنزل الله عز وجل : { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } } قال علي : هذا حجة في إثبات القنوت ، لأنه ليس فيه نهي عنه ، فهذا حجة في بطلان قول من قال : إن ابن عمر جهل القنوت ، ولعل ابن عمر إنما أنكر القنوت في الفجر قبل الركوع ، فهو موضع إنكار ، وتتفق الروايات عنه ، فهو أولى ، لئلا يجعل كلامه خلافا للثابت عن رسول الله ﷺ ، وإنما في هذا الخبر إخبار الله تعالى بأن الأمر له ، لا لرسول الله ﷺ وأن أولئك الملعونين لعله تعالى يتوب عليهم ، أو في سابق علمه : أنهم سيؤمنون فقط ؟ وذهب قوم إلى أن القنوت إنما يكون في حال المحاربة ؟ : واحتجوا بما رويناه من طريق ابن المجالد عن أبيه عن إبراهيم النخعي عن علقمة ، والأسود قالا " ما قنت رسول الله ﷺ في شيء من الصلوات ، إلا إذا حارب ، فإنه كان يقنت في الصلوات كلهن ، ولا قنت أبو بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، حتى ماتوا ، ولا قنت علي حتى حارب أهل الشام ، فكان يقنت في الصلوات كلهن وكان معاوية يقنت أيضا ، يدعو كل واحد منهما على صاحبه " قال علي : هذا لا حجة فيه ؛ لأنه عن رسول الله ﷺ مرسل ولا حجة في مرسل وفيه : عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان : أنهم لم يقنتوا وقد صح عنهم بأثبت من هذا الطريق : أنهم كانوا يقنتون والمثبت العالم أولى من النافي الذي لم يعلم أو نقول : كلاهما صحيح ، وكلاهما مباح ؟ وفيه - لو انسند - إثبات القنوت عن النبي ﷺ في حال المحاربة في جميع الصلوات ؟ وعن علي ومعاوية كذلك ، وليس فيه نهي في غير حال المحاربة ، فهو حجة لنا - لو ثبت - ونحن غانون عنه بالثابت الذي ذكرنا قبل ، ولله تعالى الحمد ؟ وأما أبو حنيفة ومن قلده فقالوا : لا يقنت في شيء من الصلوات كلها ، إلا في الوتر ، فإنه يقنت فيه قبل الركوع : السنة كلها ، فمن ترك القنوت فيه فليسجد سجدتي السهو ؟ وأما مالك ، والشافعي فإنهما قالا : لا يقنت في شيء من الصلوات المفروضة كلها إلا في الصبح خاصة وقال مالك : قبل الركوع وقال الشافعي : بعد الركوع وقال الشافعي : فإن نزلت بالمسلمين نازلة قنت في جميع الصلوات ، ولا يقنت في الوتر إلا في ليلة النصف من رمضان خاصة بعد الركوع ؟ قال علي : أما قول أبي حنيفة : فما وجدناه كما هو عن أحد من الصحابة - نعني النهي عن القنوت في شيء من الصلوات حاشا الوتر فإنه يقنت فيه ، وعلى من تركه سجود السهو . وكذلك قول مالك في تخصيصه الصبح خاصة بالقنوت ، ما وجدناه عن أحد من الصحابة ، ولا عن أحد من التابعين ؟ وكذلك تفريق الشافعي بين القنوت في الصبح وبين القنوت في سائر الصلوات ؟ وهذا مما خالفوا فيه كل شيء روي في هذا الباب عن الصحابة رضي الله عنهم ، مع تشنيعهم على من خالف بعض الرواية عن صاحب لسنة صحت عن رسول الله ﷺ ؟ قال علي : وقولنا هو قول سفيان الثوري ؟ وروي عن ابن أبي ليلى : ما كنت لأصلي خلف من لا يقنت ، وأنه كان يقنت في صلاة الصبح قبل الركوع وعن الليث كراهة القنوت جملة ؟ وروي عنه أيضا : أنه كان يقنت في صلاة الصبح ؟ وعن أشهب : ترك القنوت جملة ؟ قال علي : وأما من رأى القنوت قبل الركوع فإنهم ذكروا أثرا رويناه من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن ابن أبزى ؟ قال علي : وعزرة ليس بالقوي وبأثر آخر في الوتر من حديث حفص بن غياث ، قيل : إنه أخطأ فيه ، وإنما الثابت بعد الركوع كما ذكرنا ؟ ومن قنت قبل الركوع فلم يأت بالمختار ، ولم تبطل صلاته ؛ لأنه ذكر لله تعالى ؟ وأما القنوت في الوتر : فإن عبد الله بن ربيع حدثنا قال : ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا قتيبة بن سعيد ، وأحمد بن جواس الحنفي قالا : ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق السبيعي عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء هو ربيعة بن شيبان السعدي - قال : { قال الحسن بن علي علمني رسول الله ﷺ كلمات أقولهن في الوتر - قال ابن جواس في روايته : في قنوت الوتر ، ثم اتفقا : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت } قال علي : القنوت ذكر الله تعالى ودعاء ، فنحن نحبه . وهذا الأثر وإن لم يكن مما يحتج بمثله فلم نجد فيه عن رسول الله ﷺ غيره ، وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله : ضعيف الحديث أحب إلينا من الرأي ، قال علي : وبهذا نقول ؟ وقد جاء عن عمر رضي الله عنه القنوت بغير هذا والمسند أحب إلينا ؟ فإن قيل : لا يقوله عمر إلا وهو عنده عن النبي ﷺ ؟ قلنا لهم : المقطوع في الرواية على أنه عن النبي ﷺ أولى من المنسوب إليه عليه السلام بالظن الذي نهى الله تعالى عنه ورسوله عليه السلام فإن قلتم : ليس ظنا ، فأدخلوا في حديثكم أنه مسند ، فقولوا : عن عمر عن النبي ﷺ فإن فعلتم كذبتم ، وإن أبيتم حققتم أنه منكم قول على رسول الله ﷺ بالظن الذي قال الله تعالى فيه : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } وأما تسمية من يدعى له ، فقد ذكرنا أن رسول الله ﷺ فعل ذلك كما : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو الطاهر ، وحرملة بن يحيى قالا : أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول { كان رسول الله ﷺ يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد - ثم يقول وهو قائم : اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ، اللهم العن لحيان ، ورعلا ، وذكوان وعصية ، عصت الله ورسوله } ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل الله تعالى : { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } وبه إلى مسلم : ثنا محمد بن محمد بن مهران الرازي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثهم { أن النبي ﷺ قنت بعد الركعة في صلاة شهرا ، إذا قال : سمع الله لمن حمده يقول في قنوته : اللهم نج الوليد بن الوليد ، اللهم نج سلمة بن هشام ، اللهم نج عياش بن أبي ربيعة ، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ؟ قال أبو هريرة : ثم رأيت رسول الله ﷺ ترك الدعاء بعد ، فقلت : أرى رسول الله ﷺ قد ترك الدعاء ؟ فقيل : وما تراهم قدموا } قال علي : إنما ترك الدعاء ؛ لأنهم قدموا قال علي : واختلف الناس في هذا ، فروي عن ابن مسعود أنه قال : احملوا حوائجكم على المكتوبة ؟ وعن عمرو بن دينار وغيره من تابعي أهل مكة ما من صلاة أدعو فيها بحاجتي أحب إلي من المكتوبة ؟ وعن الحسن البصري : ادع في الفريضة بما شئت ؟ وعن عروة بن الزبير : أنه كان يقول : في سجوده : اللهم اغفر للزبير بن العوام ، وأسماء بنت أبي بكر ؟ وبه يقول ابن جريج ، والشافعي ، ومالك ، وداود ، وغيرهم وروينا عن عطاء ، وطاوس ، ومجاهد : أن لا يدعى في الصلاة المكتوبة بشيء أصلا وعن عطاء : من دعا في صلاته لإنسان سماه باسمه بطلت صلاته وعن ابن سيرين : لا يدعى في الصلاة إلا بما في القرآن ؟ وذهب أبو حنيفة إلى أن من سمى في صلاته إنسانا يدعو له باسمه بطلت صلاته ، ثم زاد غلوا فقال : من عطس في صلاته فقال " الحمد لله رب العالمين " وحرك به لسانه بطلت صلاته ، ولا يدعى في الصلاة إلا بما يشبه ما في القرآن ؟ قال علي : وهذا خلاف لما في سنة رسول الله ﷺ إذ دعا لقوم سماهم وعلى قوم سماهم ، وما نهى قط عن ذلك ، ومن ادعى ذلك فقد كذب ؟ واحتج في ذلك قوم بقوله عليه السلام { إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس } ؟ قال علي : لا حجة لهم في هذا ، لأن هذا النهي إنما هو عن أن يكلم المصلي أحدا من الناس ؟ وأما الدعاء فإنما هو كلام مع الله تعالى ، وإلا فالقراءة كلام الناس ، وقد صح عن النبي ﷺ النهي عن أن يقرأ المصلي القرآن ساجدا ، وأمر بالدعاء في السجود ؟ فصح بطلان قول أبي حنيفة ، وثبت أنه لا يحل الدعاء في السجود بما في القرآن إذا قصد به القراءة ؟ وصح عن النبي ﷺ أنه قال بعد التشهد { ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به } وهذا مما خالف فيه أبو حنيفة : ابن مسعود ، ولا نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم

460 - مسألة : ونستحب أن يشير المصلي إذا جلس للتشهد بأصبعه ولا يحركها ويده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا القعنبي عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعافري قال : رآني عبد الله بن عمر أعبث بالحصى في الصلاة ، فلما انصرف نهاني وقال : اصنع كما كان رسول الله ﷺ يصنع { إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى ، وقبض أصابعه كلها ، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى }

461 - مسألة : ونستحب لكل مصل أن يكون أخذه في التكبير مع ابتدائه للانحدار للركوع ، ومع ابتدائه للانحدار للسجود ، ومع ابتدائه للرفع من السجود ، ومع ابتدائه للقيام من الركعتين ، ويكون ابتداؤه لقول " سمع الله لمن حمده " مع ابتدائه في الرفع من الركوع ، ولا يحل للإمام ألبتة أن يطيل التكبير ، بل يسرع فيه ، فلا يركع ولا يسجد ولا يقوم ولا يقعد إلا وقد أتم التكبير حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : { كان أبو هريرة يصلي فيكبر حين يقوم ، وحين يركع ، وإذا أراد أن يسجد ، وإذا سجد بعدما يرفع من السجود وإذا جلس ، وإذا أراد أن يقوم من الركعتين كبر ، فإذا سلم قال : والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله ﷺ ما زالت هذه صلاته حتى فارق الدنيا } وروينا أيضا عن علي ، وابن الزبير ، وعمران بن الحصين - : أما علي ، وابن الزبير ، فمن فعلهما وعن عمران مسندا إلى رسول الله ﷺ : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث هو ابن سعد - عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول : { كان النبي ﷺ إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، حين يرفع صلبه من الركعة ، ثم يقول وهو قائم : ربنا ولك الحمد } وذكر باقي الخبر . وبهذا يقول أبو حنيفة ، وأحمد ، والشافعي ، وداود ، وأصحابهم . وقال مالك بذلك ، إلا في التكبير للقيام من الركعتين ، فإنه لا يراه إلا إذا استوى قائما - وهذا قول لا يؤيده قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ، وهذا مما خالفوا فيه طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف ؟ وأما قولنا بإيجاب تعجيل التكبير للإمام فرضا : فلقول رسول الله ﷺ : { إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا } فأوجب عليه السلام التكبير على المأمومين فرضا إثر تكبير الإمام وبعده ولا بد ، فإذا مد الإمام التكبير أشكل ذلك على المأمومين فكبروا معه وقبل تمام تكبيره ، فلم يكبروا كما أمروا ، ومن لم يكبر فلا صلاة له ، لأنه لم يصل كما أمر ، فقد أفسد على الناس صلاتهم ، وأعان على الإثم والعدوان - وبالله تعالى التوفيق

=======
  تابع كتـاب الصلاة

الأعمال المستحبة في الصلاة وليست فرضا

462 - مسألة : كل حدث ينقض الطهارة - بعمد أو نسيان - فإنه متى وجد بغلبة أو بإكراه أو بنسيان في الصلاة ما بين التكبير للإحرام لها إلى أن يتم سلامه منها - : فهو ينقض الطهارة والصلاة معا ، ويلزمه ابتداؤها ، ولا يجوز له البناء فيها ، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا ، في فرض كان أو في تطوع ، إلا أنه لا تلزمه الإعادة في التطوع خاصة وهو أحد قولي الشافعي ؟ وقال أبو سليمان ، وأبو حنيفة وأصحابهما : يبني بعد أن يتوضأ ، إلا أن أبا حنيفة قال : لو نام في صلاته فاحتلم فإنه يغتسل ويبتدئ ولا يبني ، ولا ندري قولهم فيه إن كان حكمه التيمم ، فإنهم إن كانوا راعوا طول العمل في الغسل ، فليس التيمم كذلك ، لأن حكم المحدث ، والجنب فيه سواء وقالوا : إن أحدث الإمام بغلبة وهو ساجد - : فإن كبر ورفع رأسه : بطلت صلاته وصلاة من وراءه وإن رفع رأسه ولم يكبر لم تبطل صلاته ولا صلاة من وراءه فإن استخلف عليهم أو استخلفوا قبل خروج الإمام من المسجد : لم تبطل صلاة الإمام ولا صلاة المأمومين ؟ فإن لم يستخلف عليهم ولا استخلفوا حتى خرج من المسجد : بطلت صلاته وصلاتهم والأشهر عن أبي حنيفة : تبطل صلاة المأمومين وتتم صلاة الإمام ؟ فإن خرج فأخذ الماء من خابية بإناء فتوضأ : رجع وبنى - : فإن استقى الماء من بئر : بطلت صلاته فإن تكلم سهوا أو عمدا : بطلت صلاته ؟ قال علي : هذه أقوال في غاية الفساد والتناقض والتحكم في دين الله تعالى بلا دليل ومع ذلك فأكثرها لم يقله أحد قبلهم ، وإنما كلامنا في إبطال البناء وإثباته قال علي : احتج من قال بالبناء بأثرين ضعيفين - : أحدهما - من طريق أبي الجهم عن أبي بكر المطوعي عن داود بن رشيد عن إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن أبيه ، وابن أبي مليكة عن عائشة عن النبي ﷺ { إذا قاء أحدكم أو قلس فليتوضأ وليبن على ما صلى ما لم يتكلم } ومن طريق سعيد بن منصور : ثنا إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن أبيه وابن أبي مليكة عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال : { إن قاء أحدكم في صلاته أو رعف أو قلس فلينصرف ويتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته } ومن طريق الأنصاري عن ابن جريج عن أبيه مرسلا والثاني - من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وكلاهما لا حجة فيه ؛ لأن إسماعيل بن عياش ضعيف ، لا سيما فيما روى عن الحجازيين فمتفق على أنه ليس بحجة - وعبد الرحمن بن زياد في غاية السقوط ؟ وأثر ساقط من طريق عمر بن رياح البصري - وهو ساقط - عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ كان إذا رعف في الصلاة توضأ وبنى على ما مضى من صلاته } وأما الحنفيون فإنهم تناقضوا فقاسوا على ما ذكر في هذين الخبرين جميع الأحداث التي لم تذكر فيهما . ولم يقيسوا الاحتلام على ذلك ، وهذا تناقض وما جاء قط أثر - صحيح ولا سقيم - في البناء من الأحداث ، كالبول والرجيع والريح والمذي ؟ وأما أصحابنا فاحتجوا بأنه قد صح ما صلى فلا يجوز إبطاله إلا بنص قال علي : وهذا احتجاج صحيح ، ولولا النص الوارد بإبطال ما مضى منها ما أبطلناه ولكن البرهان على بطلان ما صلى : أن عبد الله بن ربيع حدثنا قال : ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن محمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ } قال علي : ورويناه من طرق ، فإذ صح أن الصلاة ممن أحدث لا يقبلها الله حتى يتوضأ ، وقد صح بلا خلاف وبالنص : أن الصلاة لا تجزئ إلا متصلة ، ولا يجوز أن يفرق بين أجزائها بما ليس صلاة : فنحن نسأل من يرى البناء للمحدث فنقول : أخبرونا عن المحدث الذي أمرتموه بالبناء ، مذ يحدث فيخرج فيمشي فيأخذ الماء فيغسل حدثه أو يستنجي فيتوضأ فينصرف إلى أن يأخذ في عمل الصلاة ، أهو عندكم في صلاة ؟ أم هو في غير صلاة ، ولا سبيل لهم إلى قسم ثالث فإن قالوا : هو في صلاة أكذبهم قول رسول الله ﷺ : { إن الله لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ } ومن المحال الباطل أن يعتد له بصلاة قد أيقنا أن الله تعالى لا يقبلها ، فصح أن عمل صلاته الذي كان قبل قد انقطع ، وأما أجره فباق له بلا شك ، إلا أنه الآن في غير صلاة بلا شك ، إذ هو في حال لا يقبل الله تعالى معها صلاة ؟ وإن قالوا : بل هو في غير صلاة ؟ قلنا : صدقتم ، فإذ هو في غير صلاة : فعليه أن يأتي بالصلاة متصلة ، لا يحول بين أجزائها - وهو ذاكر قاصدا - بما ليس من الصلاة وبوقت هو فيه في صلاة ، وهذا برهان لا مخلص منه ؟ ولو أردنا أن نحتج من الحديث بأقوى مما احتجوا به لذكرنا ما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق قال : قال رسول الله ﷺ { : إذا فسا أحدكم في الصلاة فليتوضأ وليعد الصلاة } فإن ذكروا من بنى من الصحابة رضي الله عنهم فقد روينا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثني عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري : أن المسور بن مخرمة كان إذا رعف في الصلاة يعيدها ولا يعتد بما مضى ؟ وقد اختلف السلف الصالح في هذا : فروينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي : أنه قال - في الذي يحدث في صلاته ثم يتوضأ - : صل ما بقي من صلاتك وإن تكلمت . ومن طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : في الغائط والبول والريح : يتوضأ ويستقبل الصلاة ، وفي القيء والرعاف : يتوضأ ويبني على صلاته ما لم يتكلم ؟ وعن المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن ابن سيرين فيمن أحدث في صلاته قبل أن يسلم ، قال : إن صلاته لم تتم ؟ وعن معمر عن الزهري فيمن أحدث في صلاته قبل أن يسلم : أنه يعيد الصلاة ؟ وهو قول سفيان الثوري ، ومالك ، وابن شبرمة ، وآخر قولي الشافعي ، وبه نأخذ

463 - مسألة : فإن رعف أحد ممن ذكرنا في صلاة - كما ذكرنا - فإن أمكنه أن يسد أنفه وأن يدع الدم يقطر على ما بين يديه ، بحيث لا يمس له ثوبا ولا شيئا من ظاهر جسده ، فعل وتمادى على صلاته ، ولا شيء عليه . برهان ذلك - : أن الرعاف ليس حدثا على ما ذكرنا قبل ، فإذ ليس حدثا ، ولا مس له الدم ثوبا ، ولا ظاهر جسد فلم يعرض في طهارته ، ولا في صلاته شيء ؟ فإن مس الدم شيئا من جسده أو ثوبه فأمكنه غسل ذلك غير مستدبر القبلة فليغسله وهو متمادي في صلاته ، وصلاته تامة ، وسواء مشى إلى الماء كثيرا أو قليلا ؟ برهان ذلك - أن غسل النجاسة واجتناب المحرمات فرض بلا خلاف ، فهو في مشيه لذلك وفي عمله لذلك مؤدي فرض ، ولا تبطل الصلاة بأن يؤدي فيها ما أمر بأدائه ، لأنه لم يخالف ، بل صلى كما أمر ، ومن فعل ما أمر به فهو محسن ، وقد قال تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } فإن عجز عن ذلك : صلى كما هو ، وصلاته تامة ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فثبت أنه لا يكلف ما لا يستطيع فإن تعمد استدبار القبلة لذلك : بطلت صلاته ، لأنه مخالف ما افترض الله تعالى عليه قاصدا إلى ذلك ؟ وقال مالك : إن أصابه الرعاف قبل أن يتم ركعة بسجدتيها : قطع صلاته وابتدأ ، وإن أصابه بعد أن أتم ركعة بسجدتيها : فليخرج فليغسل الدم ويرجع فيبني ؟ قال علي : وهذا تقسيم لم يأت به قرآن ولا سنة ، لا صحيحة ولا سقيمة ، ولا قول صاحب ولا قياس ، وما كان كذلك فلا معنى للاشتغال به

464 - مسألة : ومن زوحم حتى فاته الركوع أو السجود أو ركعة أو ركعات - : وقف كما هو ، فإن أمكنه أن يأتي بما فاته فعل ، ثم اتبع الإمام حيث يدركه وصلاته تامة ، ولا شيء عليه غير ذلك ، فإن لم يقدر على ذلك إلا بعد سلام الإمام بمدة - قصيرة أو طويلة - فعل كذلك أيضا ، وصلاته تامة ، والجمعة وغيرها سواء في كل ما ذكرنا ؟ فلو أدرك مع الإمام ركعة صلاها وأضافها إلى ما كان صلى ، ثم أتم صلاته ، ولا شيء عليه غير ذلك ؟ والغافل سهوا والمزحوم سواء في كل ما ذكرنا ؟ فإن قدر أن يسجد على ظهر أحد ممن بين يديه أو على رجله ، فليفعل ويجزئه ؟ برهان ذلك - : قول الله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } فمن صح له الإحرام فما زاد فقد صح له عمل مفترض أداؤه كما أمر ، فلا يحل له إبطاله بغير نص من رسول الله ﷺ في إبطاله وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال رسول الله ﷺ { : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا ابن أبي ذئب حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ، ولا تسرعوا ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن عجلان حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن معاوية بن أبي سفيان قال : قال رسول الله ﷺ : { لا تبادروني بركوع ولا بسجود فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت ، إني قد بدنت } فأمر عليه السلام بصلاة ما أدرك المرء ، وأن لا يسبق الإمام بركوع ولا بسجود ، وأنه مهما فات المأموم من ركوع أدركه بعد رفع الإمام ، ولم يخص عليه السلام ركعة أولى من ثانية ، ولا ثالثة ولا رابعة ، وأمر بقضاء ما فاته ؟ وقد أخبر عليه السلام أنه رفع عن أمته الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه - وهذا يوجب يقين ما قلنا : من أن يأتي المرء بصلاته حسب ما يستطيع وما عدا هذا فهو قول فاسد ؟

465 - مسألة : ومن لم يمس بالماء - في وضوئه وغسله - ولو مقدار شعرة مما أمر بغسله في الغسل أو الوضوء فلا صلاة له ، لقول رسول الله ﷺ { لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ } وهذا لم يتوضأ بعد ، إذ لم يكمل طهارته كما أمر

466 - مسألة : ومن أحال القرآن متعمدا فقد كفر ، وهذا ما لا خلاف فيه ؟ ومن كانت لغته غير العربية : جاز له أن يدعو بها في صلاته ولا يجوز له أن يقرأ بها ، ومن قرأ بغير العربية : فلا صلاة له ؟ وقال أبو حنيفة : من قرأ بالفارسية في صلاته : جازت صلاته ؟ قال علي : قال رسول الله ﷺ { : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } وقال الله تعالى : { قرآنا عربيا } وقال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } فصح أن غير العربية لم يرسل به الله تعالى محمدا عليه السلام ، ولا أنزل به عليه القرآن ، فمن قرأ بغير العربية فلم يقرأ ما أرسل الله تعالى به نبيه عليه السلام ، ولا قرأ القرآن ، بل لعب بصلاته فلا صلاة له ، إذ لم يصل كما أمر فإن ذكروا : قول الله تعالى : { وإنه لفي زبر الأولين } ؟ قلنا : نعم ، ذكر القرآن والإنذار به في زبر الأولين ، وأما أن يكون الله تعالى أنزل هذا القرآن على أحد قبل رسول الله ﷺ فباطل وكذب ممن ادعى ذلك ؟ ولو كان هذا ما كان فضيلة لرسول الله ﷺ ولا معجزة له وما نعلم أحدا قال هذا قبل أبي حنيفة ؟ ومن لم يحفظ ( أم القرآن ) صلى كما هو ، وعليه أن يتعلمها ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فهو غير مكلف ما لا يقدر عليه ، فإن حفظ شيئا من القرآن غيرها لزمه فرضا أن يصلي به ، ويتعلم ( أم القرآن ) : لقول رسول الله ﷺ : { لا صلاة إلا بقراءة } ولقول الله تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن }

=======







كتـاب الصلاة


سجود السهو

467 - مسألة : كل عمل يعمله المرء في صلاته سهوا وكان - ذلك العمل مما لو تعمده ذاكرا بطلت صلاته - : فإنه يلزمه في السهو سجدتا السهو ؟ ويشبه أن يكون هذا مذهب الشافعي إلا أنه رأى السهو في ترك الجلسة بعد الركعتين ، وظاهر مذهبه أنها ليست فرضا ؟ وقال : من أسقط شيئا من صلب صلاته سهوا فعليه سجود السهو ؟ وقال أبو سليمان وأصحابنا : لا سجود سهو إلا في مواضع ، وهي - : من سلم أو تكلم أو مشى ساهيا في الصلاة المفروضة . أو من قام من اثنتين في صلاة مفروضة ومن شك فلم يدر كم صلى ؟ أو من زاد في صلاته ركعة فما فوقها ساهيا في صلاة مفروضة وقال أبو حنيفة : لا سجود سهو إلا في عشرة أوجه - : إما قيام مكان قعود وإما قعود مكان قيام - للإمام أو الفذ وإما سلام قبل تمام الصلاة للإمام أو الفذ أو نسيان تكبير صلاة العيد خاصة للإمام أو الفذ أو نسيان القنوت في الوتر للإمام أو الفذ أو نسيان التشهد للإمام أو الفذ أو نسيان ( أم القرآن ) للإمام أو الفذ أو تأخيرها بعد قراءة السورة للإمام أو للفذ أو من جهر في قراءة سر أو أسر في قراءة جهر للإمام خاصة ، فقط ؟ قال : فإن تعمد ذلك فصلاته تامة ولا سجود سهو عليه ؟ قال : فإن نسي سجدة أو شك فلم يدر كم صلى ؟ فإن كان ذلك أول مرة : أعاد الصلاة ؟ وإن كان قد عرض له ذلك ولو مرة : سجد للسهو فإن لم يذكر ذلك إلا بعد أن خرج من المسجد : بطلت صلاته وأعادها . وأما مذهب مالك في سجوده لسهو فغير منضبط ، لأنه رأى فيمن ترك ثلاث تكبيرات من الصلاة فصاعدا غير تكبيرة الإحرام - : أن يسجد للسهو . فإن لم يفعل حتى انتقض وضوءه ، أو تطاول ذلك : بطلت صلاته وأعادها . ورأى فيمن سها عن تكبيرتين من الصلاة كذلك : أن يسجد للسهو ؟ فإن لم يفعل حتى انتقض وضوءه أو تطاول ذلك : فلا شيء عليه وصلاته تامة ، ولا سجود سهو عليه . ورأى فيمن سها عن تكبيرة واحدة غير تكبيرة الإحرام أن لا شيء عليه ، لا سجود سهو ولا غيره . ورأى على من جعل " الله أكبر " مكان " سمع الله لمن حمده " سجود السهو . ورأى على من جهر في قراءة سر ، أو أسر في قراءة جهر ، إن كان ذلك قليلا فلا شيء عليه ، وإن كان كثيرا فعليه سجود السهو ؟ قال علي : ورأى فيمن سها عن قراءة ( أم القرآن ) في ركعتين من صلاته فصاعدا : أن صلاته تبطل . فإن سها عنها في ركعة - : فمرة رأى سجود السهو فقط ومرة رأى عليه أن يأتي بركعة ويسجد للسهو ؟ قال علي : أما قول أبي حنيفة فأفسد من أن يشتغل به فإنه لم يتعلق فيه بقرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا بقياس ، ولا بقول صاحب ، ولا برأي سديد بل لا نعلم أحدا قاله قبله وكذلك قول مالك سواء سواء ، وزيادة أنه لا يختلف مسلمان في - : أن كل صلاة فرض - تكون أربع ركعات - فإن فيها اثنتين وعشرين تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام ؟ وأن صلاة المغرب فيها ست عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام ؟ وأن كل صلاة فرض تكون ركعتين ففيها عشر تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام ؟ فتسويتهم بين من سها عن ثلاث تكبيرات وبين من سها عن تكبيرتين ، وتفريقهم بين من سها عن تكبيرتين ، وبين من سها عن تكبيرة واحدة - : أحد عجائب الدنيا وحسبنا الله ونعم الوكيل وأما قول الشافعي فظاهر التناقض - : إذ رأى سجود السهو في ترك الجلسة الأولى ، وليست عنده فرضا ولم ير سجود السهو في ترك جميع تكبير الصلاة - حاشا تكبيرة الإحرام - ولا في العمل القليل - الذي تفسد الصلاة عنده بكثيره ولم يجد في القليل الذي أسقط فيه السجود حدا يفصله به مما تبطل الصلاة عنده بتعمده ، ويجب سجود السهو في سهوه ، وهذا فاسد جدا ومن العجب قوله " صلب الصلاة " وما علم الناس للصلاة صلبا ولا بطنا ولا كبدا ولا معيا ومثل هذا قد أغنى ظاهر فساده عن تكلف نقضه وأما قول أصحابنا فإنهم قالوا : لا سجود سهو إلا حيث سجده رسول الله ﷺ أو أمر بسجوده ، ولم يسجد عليه السلام إلا حيث ذكرنا ؟ قال علي : وهذا قول صحيح لا يحل خلافه ، إلا أننا قد وجدنا خبرا صحيحا يوجب صحة قولنا وجعلوه معارضا لغيره ، وهذا باطل لا يجوز ، بل الأخبار كلها تستعمل ، ولا يحل ترك شيء منها ، فإن لم يكن وجب الأخذ بالشرع الزائد الوارد فيها ، لأنه حكم من الله تعالى ، فلا يحل تركه ؟ قال علي : وبرهان صحة قولنا هو أن أعمال الصلاة قسمان - بيقين لا شك فيه - لا ثالث لهما - : إما فرض ، يعصي من تركه ، وإما غير فرض ، فلا يعصي من تركه ؟ فما كان غير فرض فهو مباح فعله ، ومباح تركه ؟ وإن كان بعضه مندوبا إليه مكروها تركه . فما كان مباحا تركه فلا يجوز أن يلزم حكما في ترك أمر أباح الله تعالى تركه ، فيكون فاعل ذلك شارعا ما لم يأذن به الله تعالى ؟ وأما الفرض - وهو القسم الثاني - وهو الذي تبطل الصلاة بتعمد تركه ولا تبطل بالسهو فيه ، لقول الله تعالى : { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } . فإذ الصلاة لا تبطل بالسهو فيه وكان سهوا ، ففيه سجود السهو ، إذ لم يبق غيره ، فلا يجوز أن يخص بعضه بالسجود دون بعض - وبالله تعالى التوفيق . قال علي : وقد جاء ما قلنا نصا - : كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا القاسم بن زكريا ثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال { صلينا مع رسول الله ﷺ فإما زاد أو نقص - شك إبراهيم قال ابن مسعود قلنا : يا رسول الله ، أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : لا ، فقلنا له الذي صنع ، فقال : إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة قال : قرأت على منصور ، وسمعته يحدث ، وكتب به إلي عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود : أن رسول الله ﷺ قال لهم : { إنما أنا بشر ، فإذا نسيت فذكروني ، إذا أوهم أحدكم في صلاته فليتحر أقرب ذلك من الصواب ثم ليتم عليه ثم ليسجد سجدتين } قال علي : فهذا نص قولنا في إيجاب السجود في كل زيادة ونقص في الصلاة ، وكل وهم ، ولا يقال لمن أدى صلاته بجميع فرائضها كما أمره الله تعالى : أنه زاد في صلاته ، ولا نقص منها ، ولا أوهم فيها ، بل قد أتمها كما أمر ، وإنما الزائد في الصلاة ، أو الناقص منها ، والواهم : من زاد فيها ما ليس منها ، أو نقص منها ما لا تتم إلا به على سبيل الوهم - وبالله تعالى التوفيق . وقد قال بقولنا طائفة من السلف رضي الله عنهم : - كما روينا عن حماد بن سلمة عن سعيد بن قطن : أن أبا زيد الأنصاري قال : إذا أوهم أحدكم في صلاته فليسجد سجدتي الوهم ؟ وعن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : لا وهم إلا في قعود ، أو قيام ، أو زيادة ، أو نقصان ، أو تسليم في ركعتين ؟ ومن طريق معمر عن قتادة عن أنس : أنه نسي ركعة من الفريضة حتى دخل في التطوع ، ثم ذكر ، فصلى بقية صلاة الفريضة ، ثم سجد سجدتين وهو جالس ؟ قال علي : ما نعلم لأنس في هذا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم وعن ابن جريج - قلت لعطاء : فإن استيقنت أني صليت خمس ركعات ؟ قال : فلا تعد ولو صليت عشر ركعات ، واسجد سجدتي السهو ؟ وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري إذا زدت أو نقصت : فاسجد سجدتي السهو

468 - مسألة : قال علي : وكل ما عمله المرء في صلاته سهوا من كلام أو إنشاد شعر ، أو مشي أو اضطجاع ، أو استدبار القبلة أو عمل أي عمل كان ، أو أكل أو شرب ، أو زيادة ركعة أو ركعات ، أو خروج إلى تطوع - كثر ذلك أو قل - أو تسليم قبل تمامها ، فإنه متى ذكر - طال زمانه أو قصر ، ما لم ينتقض وضوءه - : فإنه يتم ما ترك فقط ، ثم يسجد سجدتي السهو ، إلا انتقاض الوضوء ، فإنه تبطل به الصلاة ، لما ذكرنا قبل ؟ برهان ذلك - : ما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه متصلة بها . وقال أبو حنيفة : من تكلم في صلاته ساهيا : بطلت صلاته . فإن سلم منها ساهيا : لم تبطل صلاته . فإن أكل ساهيا - أو زاد ركعة ، ولم يكن جلس في آخرها مقدار التشهد : بطلت صلاته - فإن بال أو تغوط بغلبة : لم تبطل صلاته . فإن عطس فقال " الحمد لله " محركا بها لسانه : بطلت صلاته قال علي : وهذا الكلام فيه من التخليط والقبح - مع مخالفة السنة - ما نسأل الله تعالى السلامة من مثله - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة قالا : ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - عن الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال { بينا أنا أصلي مع رسول الله ﷺ إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت ، فلما صلى رسول الله ﷺ فبأبي هو وأمي ، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ، قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ، أو كما قال رسول الله ﷺ } . حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن : قرئ على أبي قلابة وأنا أسمع : حدثكم بشر بن عمر الزهراني حدثني رفاعة بن يحيى إمام مسجد بني زريق قال : سمعت معاذ بن رفاعة بن رافع يحدث عن أبيه قال : { صلينا مع رسول الله ﷺ المغرب فعطس رجل خلف النبي ﷺ فقال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، فلما انصرف رسول الله ﷺ قال : لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها ويصعد بها إلى السماء } فهذا رسول الله ﷺ قد غبط الذي حمد الله تعالى إذا عطس في الصلاة جاهرا بذلك ، ولم يلزم الذي تكلم ناسيا بإعادة ، على ما ذكرنا فيما خلا من هذا الديوان ؟ . قال علي : وأما من فرق بين قليل العمل وكثيره ، فأبطل الصلاة بكثيره ولم يبطلها بقليله ، أو رأى سجود السهو في كثيره ولم يره في قليله ، أو حد الكثير بالخروج عن المسجد والقليل بأن لا يخرج عنه - : فكلام في غاية الفساد ونسألهم : عمن رمى نزقا لنسج مرة واحدة عامدا في الصلاة . أو أخذ حبة سمسمة عمدا ذاكرا فأكلها . أو تكلم بكلمة واحدة ذاكرا . فمن قولهم : إن قليل هذا وكثيره يبطل الصلاة . فنسألهم : عمن كثر حكه لجسده محتاجا إلى ذلك من أول صلاته إلى آخرها ، وكان عليه كساء فلوت فاضطر إلى جمعه على نفسه من أول الصلاة إلى آخرها . فمن قولهم : هذا كله مباح في الصلاة ؟ قلنا : صدقتم ، فهاتوا نصا أو إجماعا - غير مدعى بلا علم - على أن ههنا أعمالا يبطل الصلاة كثيرها ولا يبطلها قليلها . ثم هاتو نصا أو إجماعا متيقنا - : غير مدعى بالكذب على تحديد القليل من الكثير ولا سبيل إلى ذلك أبدا ؟ فصح ما قلناه : من أن كل عمل أبيح في الصلاة بالنص - : فقليله وكثيره مباح فيها ، وكل عمل لم يبح بالنص في الصلاة : فقليله وكثيره يبطل الصلاة بالعمد ، ويوجب سجود السهو إذا كان سهوا . وأما الخروج عن المسجد فرب مسجد يكون طوله أزيد من ثلاثمائة خطوة ورب مسجد يخرج منه بخطوة واحدة - وبالله تعالى التوفيق . { وقد سلم رسول الله ﷺ ساهيا وتكلم وراجع وخرج عن المسجد ودخل بيته ثم عرف فخرج فأتم ما بقي من صلاته وسجد لسهوه سجدتين فقط } . وقد قال عليه السلام { من رغب عن سنتي فليس مني } . وبهذا يبطل أيضا قول من قال " لكل سهو في الصلاة سجدتان " . وأما من قال : إن تطاولت المدة على من ترك سجود السهو بطلت صلاته ولزمه إعادتها ، وقول من قال : إن تطاولت المدة عليه سقط عنه سجود السهو وصحت صلاته - : فقولان في غاية الفساد ؟ وأول ذلك - : أنهما قولان بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل ؟ والثاني : أنه يلزمهم الفرق بين تطاول المدة وبين قصرها بنص صحيح أو إجماع متيقن غير مدعى بالكذب ، ولا سبيل إلى ذلك ؟ والحق في هذا : هو أن من أمره رسول الله ﷺ بسجدتي السهو فقد لزمه أداء ما أمره به ، ولا يسقطه عنه رأي ذي رأي ، وعليه أن يفعل ما أمره به أبدا ، ولا يسقطه عنه إلا تحديد رسول الله ﷺ ذلك العمل بوقت محدود الآخر ؟ والعجب من قوم أتوا إلى أمر رسول الله ﷺ بالصلاة في وقت محدود الطرفين ، وبالصيام في وقت محدود الطرفين - فقالوا : لا يسقط عملهما ؟ وإن بطل ذلك الوقت الذي جعله الله تعالى وقتا لهما ولم يجعل ما عدا ذلك الوقت وقتا لهما ثم أتوا إلى سجود السهو الذي أمر به رسول الله ﷺ إصلاحا لما وهم فيه من فروض الصلاة ، وأطلق بالأمر به ولم يحده - : فأبطلوه بوقت حدوه من قبل أنفسهم وقولنا هذا هو قول الأوزاعي ، وقال به الشافعي في أول قوليه .

469 - مسألة : وإذا سها الإمام فسجد للسهو : ففرض على المؤتمين أن يسجدوا معه ، إلا من فاتته معه ركعة فصاعدا ، فإنه يقوم إلى قضاء ما عليه ، فإذا أتمه سجد هو للسهو ، إلا أن يكون الإمام سجد للسهو قبل السلام ففرض على المأموم أن يسجدهما معه ، وإن كان بقي عليه قضاء ما فاته ، ثم لا يعيد سجودهما إذا - سلم ؟ برهان ذلك - : { أن رسول الله ﷺ سها فسجد وسجد المسلمون معه بعلمه بذلك } ؟ وأما من عليه قضاء ركعة فصاعدا : فإن الإمام إذا سلم فقد خرج من صلاته ، ولزم المأموم القضاء ، لقول رسول الله ﷺ : { ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا } . وقال عليه السلام أيضا : { فأتموا } فلا يجوز له الاشتغال بغير الإتمام المأمور به موصولا بما أدرك ، فلم يتم صلاته بعد ، والسجود للسهو لا يكون إلا في آخر الصلاة وبعد تمامها ، بأمره عليه السلام بذلك كما ذكرنا آنفا ؟ وأما إذا سجدهما الإمام قبل أن يسلم فقد قال رسول الله ﷺ : { إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا } ففرض عليه الائتمام به في كل ما يفعله الإمام في موضعه وإن كان موضعه للمأموم بخلاف ذلك ، وكذلك يفعل في القيام والقعود والسجود - وبالله تعالى التوفيق

470 - مسألة : وإذا سها المأموم ولم يسه الإمام ففرض على المأموم أن يسجد للسهو ، كما كان يسجد لو كان منفردا أو إماما ولا فرق ؟ لأن رسول الله ﷺ أمر كما أوردنا آنفا كل من أوهم في صلاته بسجدتي السهو ، ولم يخص عليه السلام بذلك إماما ولا منفردا من مأموم ، فلا يحل تخصيصهم في ذلك . ومن قال : إن الإمام يحمل السهو عن المأموم - : فقد أبطل ، وقال ما لا برهان له به ، وخالف أمر رسول الله ﷺ المذكور برأيه ، ولا خلاف منا ومنهم في أن من أسقط ركعة أو سجدة أو أحدث - سهوا كان كل ذلك أو عمدا - فإن الإمام لا يحمله عنه ، فمن أين وقع لهم أن يحمل عنه سائر ما سها فيه من فرض ؟ إن هذا لعجب . وقد روي هذا القول عن ابن سيرين وغيره . وهو قول أبي سليمان ، وبه نأخذ ؟

471 - مسألة : ومن سجد سجدتي السهو على غير طهارة أجزأتا عنه ونكره ذلك ؟ . برهان ذلك - : ما قد ذكرناه مما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية المرواني ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر غندر - وعبد الرحمن بن مهدي قالا جميعا : ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء أنه سمع علي بن عبد الله الأزدي هو البارقي - أنه سمع ابن عمر يحدث عن النبي ﷺ أنه قال : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى } . قال علي : فلا يجوز أن تكون صلاة غير مثنى ، إلا ما سماه رسول الله ﷺ صلاة وهو غير مثنى : كالفروض التي هي أربع أربع ، وكالوتر وكالصلاة قبل الظهر وبعد الجمعة أربعا لا تسليم بينهن ، وصلاة الجنائز . وما عدا ذلك فليس صلاة ، ولم يسم عليه السلام سجدتي السهو : صلاة . ولا وضوء يجب لازما إلا لصلاة - : كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة ثنا أبو عاصم عن ابن جريج ثنا سعيد بن الحويرث أنه سمع ابن عباس يقول : { إن النبي ﷺ قضى حاجته من الخلاء فقرب إليه طعام فأكل فلم يمس ماء } . قال ابن جريج - : وزادني عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث { أن النبي ﷺ قيل له : إنك لم تتوضأ ؟ قال : ما أردت صلاة فأتوضأ } قال عمرو : سمعته من سعيد بن الحويرث ؟ ورويناه أيضا عن سفيان بن عيينة وحماد بن زيد كلاهما عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس عن رسول الله ﷺ أنه قال نحو ذلك

472 - مسألة : والأفضل أن يكبر لكل سجدة من سجدتي السهو ويتشهد بعدهما ويسلم منهما ، فإن اقتصر على السجدتين دون شيء من ذلك أجزأه قال علي : أما الاقتصار على السجدتين فقط ، فلما أوردناه آنفا من أمره عليه السلام من أوهم في صلاته أو زاد أو نقص : بسجدتين ، ولم يأمر عليه السلام فيهما بغير ذلك ؟ وأما اختيارنا التكبير لهما والتشهد والسلام - : فلما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن عبيد بن حساب ثنا حماد هو ابن زيد - عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال { صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي ، الظهر قال أو العصر ، فصلى بنا ركعتين ، ثم سلم ، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها ، إحداهما على الأخرى ، يعرف في وجهه الغضب ، ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون : قصرت الصلاة ، قصرت الصلاة ، وفي الناس أبو بكر وعمر ، فهاباه أن يكلماه ، فقام رجل كان يسميه رسول الله ﷺ ذا اليدين ، فقال : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ - قال : لم أنس ولم تقصر الصلاة ؟ قال : بل نسيت يا رسول الله فأقبل رسول الله ﷺ على القوم فقال : أصدق ذو اليدين ؟ فأومئوا إليه : أي نعم فرجع رسول الله ﷺ إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ، ثم سلم ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع وكبر ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع وكبر } . فقيل لمحمد بن سيرين : سلم في السهو ؟ قال : لم أحفظ من أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن الحصين قال : " ثم سلم " . وبه إلى أبي داود : ثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى حدثني أشعث هو ابن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين { أن رسول الله ﷺ سها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم } . قال علي : وهذه أعمال لا أوامر ، فالائتساء فيها حسن ؟ روينا عن ابن جريج عن عطاء قال : ليس في سجدتي السهو قراءة ، ولا ركوع ، ولا تشهد . وعن الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس بن مالك ، والحسن : أنهما لا يتشهدان في سجدتي السهو . وعن الحسن : ليس فيهما تسليم - : قال علي : ولا بد له فيهما من أن يقول " سبحان ربي الأعلى " لقول رسول الله ﷺ : { اجعلوها في سجودكم } وهذا عموم لكل سجود ؟ .

======







كتـاب الصلاة


سجود السهو

473 - مسألة : وسجود السهو كله بعد السلام إلا في موضعين ، فإن الساهي فيهما مخير بين أن يسجد سجدتي السهو بعد السلام وإن شاء قبل السلام ؟ أحدهما : من سها فقام من ركعتين ولم يجلس ويتشهد ، فهذا سواء كان إماما أو فذا فإنه إذا استوى قائما فلا يحل له الرجوع إلى الجلوس ، فإن رجع وهو عالم بأن ذلك لا يجوز ذاكر لذلك - : بطلت صلاته ، فإن فعل ذلك ساهيا لم تبطل صلاته ، وهو سهو يوجب السجود ، لكن يتمادى في صلاته فإذا أتم التشهد الآخر فإن شاء سجد سجدتي السهو ثم سلم ، وإن شاء سلم ثم سجد سجدتي السهو ؟ والموضع الثاني : أن لا يدري في كل صلاة تكون ركعتين أصلى ركعة أو ركعتين ؟ وفي كل صلاة تكون ثلاثا أصلى ركعة أو ركعتين أو ثلاثا ؟ وفي كل صلاة تكون أربعا أصلى أربعا أم أقل ؟ فهذا يبني على الأقل ويصلي أبدا حتى يكون على يقين من أنه قد أتم ركعات صلاته وشك في الزيادة . فإذا تشهد في آخر صلاته فهو مخير إن شاء سجد سجدتي السهو قبل السلام ، ثم يسلم ، وإن شاء سلم ثم سجد سجدتي السهو . وإن أيقن من خلال ذلك أنه كان قد أتم جلس من حينه وتشهد وسلم ولا بد ، ثم سجد للسهو وإن ذكر بعد أن سلم وسجد أنه زاد يقينا فلا شيء عليه وصلاته تامة . والسجود في صلاة التطوع واجب كما هو في صلاة الفرض ، ولا فرق في كل ما ذكرناه ؟ وقال أبو حنيفة : السجود كله للسهو بعد السلام ؟ وقال الشافعي : هو كله قبل السلام ؟ وقال مالك : هو في الزيادة بعد السلام ، وفي النقصان قبل السلام قال علي : تعلق أبو حنيفة ببعض الآثار وترك بعضا وهذا لا يجوز ؟ وكذلك فعل الشافعي وزاد حجة نظرية وهي : أنه قال : إن جبر الشيء لا يكون إلا فيه لا بائنا عنه قال علي : والنظر لا يحل أن يعارض به كلام رسول الله ﷺ ، وليت شعري من أين لهم بأن جبر الشيء لا يكون إلا فيه لا بائنا عنه ؟ وهم مجمعون على أن الهدي ، والصيام : يكونان جبرا لما نقص من الحج ، وهما بعد الخروج عنه وأن عتق الرقبة أو الصدقة ، أو صيام الشهرين جبر لنقص وطء التعمد في نهار رمضان وبعض ذلك لا يجوز إلا بعد تمامه ، وسائر ذلك يجوز بعد تمامه ، وهذه صفة الآراء المقحمة في الدين بلا برهان من الله تعالى ، ولا من رسوله ﷺ . وأما قول مالك ، فرأي مجرد فاسد بلا برهان على صحته ، وهو أيضا مخالف للثابت عن رسول الله ﷺ من أمره بسجود السهو قبل السلام من شك فلم يدر كم صلى ؟ وهو سهو زيادة فبطلت هذه الأقوال كلها ، وبالله تعالى التوفيق . قال علي : وبرهان صحة قولنا - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان ثنا الفضيل هو ابن عياض - عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود : أن رسول الله ﷺ قال لهم : { فأيكم ما نسي شيئا فليتحر الذي يرى أنه صواب ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة ، قال : قال عبد الله هو ابن مسعود - : إن رسول الله ﷺ قال لهم في حديث { إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ، ثم ليسلم ، ثم ليسجد سجدتين } قال علي : ورويناه من طرق كثيرة جياد غاية فلو لم يرد غير هذه السنة لم يجز سجود السهو إلا بعد السلام - : حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة قال { صلى بنا رسول الله ﷺ ركعتين ، ثم قام فلم يجلس ، فقام الناس معه ، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ، ثم سلم } . فلم يرجع عليه السلام إلى الجلوس ، وقد قال عليه السلام : { صلوا كما تروني أصلي } - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ثنا يزيد بن هارون أنا المسعودي هو أبو العميس عتبة بن عبد الله بن مسعود - عن زياد بن علاقة قال { صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين ، فقلنا : سبحان الله ، فقال : سبحان الله ، ومضى ، فلما أتم صلاته وسلم سجد سجدتي السهو ، فلما انصرف قال : رأيت رسول الله ﷺ يصنع كما صنعت } . قال علي : وكلا الخبرين صحيح ، فكلاهما الأخذ به سنة ؟ وقد قال بعض مقلدي أبي حنيفة : لعل ابن بحينة لم يسمع رسول الله ﷺ إذ سلم قال علي : وهذا تعلل بدعوى الكذب ، وإسقاط السنن بالظن الكاذب ولا يحل أن يقال فيما رواه الثقة - فكيف الصاحب - : لعله وهم ، إلا بيقين وارد بأنه وهم ، وأما بالظن فلا . قال عليه السلام { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } . ومن الباطل أن يسلم رسول الله ﷺ من صلاته ولا يسلم المؤتمون بسلامه ، وأن يسلموا كما سلم عليه السلام ولا يسمع ابن بحينة شيئا من ذلك فلا يدعي هذا إلا قليل الحياء ، رقيق الدين مستهين بالكذب حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف ثنا موسى بن داود ثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ، أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء أبو كريب ثنا أبو خالد هو الأحمر - عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين ، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين ، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته ، وكانت السجدتان ترغيما للشيطان } . ورويناه من طريق مالك مرسلا . فهذا نص ما قلنا ، وهذا هو بيان التحري المذكور في حديث ابن مسعود . وفي هذا بطلان قول أبي حنيفة : إن عرض له ذلك أول مرة أعاد الصلاة ، وأما بعد ذلك فيتحرى أغلب ظنه - مع أن هذا التقسيم فاسد ، لأنه بلا برهان ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر هو الحوضي - ومسلم بن إبراهيم ثنا شعبة عن الحكم هو ابن عتيبة - عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : { صلى رسول الله ﷺ الظهر خمسا ؟ فقيل له : أزيد في الصلاة ؟ قال : وما ذلك ؟ قيل : صليت خمسا ، فسجد سجدتين بعدما سلم } . فقال أبو حنيفة : من صلى خمسا ساهيا فصلاته باطل ، إلا أن يكون جلس في آخر الرابعة مقدار التشهد . قال علي : وهذا تقسيم مخالف للسنة ، خارج عن القياس ، بعيد عن سداد الرأي وروينا عن يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أبيه عن الحارث بن شبل عن عبد الله بن شداد : أن ابن عمر لم يجلس في الركعتين ، فمضى ، فلما سلم في آخر صلاته سجد سجدتين وتشهد مرتين حدثنا يوسف بن عبد الله النمري ثنا عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا أبي ثنا أبو معاوية الضرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن سعد بن أبي وقاص { أنه نهض في الركعتين فسبحوا له ، فاستتم قائما ، ثم سجد سجدتي السهو حين انصرف ثم قال : كنتم تروني أجلس إني صنعت كما رأيت رسول الله ﷺ صنع } . وعن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار سمعت ابن عمر يقول : إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخ حتى يعلم أنه قد أتم ، ثم ليسجد سجدتين وهو جالس . ففسر ابن عمر التحري كما قلناه ؟ فإن احتج محتج بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر وسفيان بن عيينة كلاهما عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن عمران بن الحصين عن النبي ﷺ أنه قال : { التسليم بعد سجدتي السهو } ؟ قلنا : لم يسمع ابن سيرين من عمران بن الحصين ، فهذا منقطع ، ثم لو أسند لما كان معارضا لأمره عليه السلام بسجود السهو بعد السلام ، بل كان يكون مضافا إليه ، وإنما كان يكون فيه أن بعد السجدتين تسليما منهما فقط - وبالله تعالى التوفيق . وروينا عن عطاء إيجاب سجود السهو في التطوع ، وعموم أمره ﷺ من أوهم في صلاة بسجدتي السهو - : يدخل فيه التطوع ، ولا يجوز إخراجه منه بالظن وبالله تعالى نتأيد .

474 - مسألة : ومن أكره على السجود لوثن أو لصليب أو لإنسان وخشي الضرب أو الأذى أو القتل على نفسه أو على مسلم غيره إن لم يفعل - : فليسجد لله تعالى قبالة الصنم ، أو الصليب ، أو الإنسان ، ولا يبالي إلى القبلة يسجد أو إلى غيرها ؟ وقد قال بعض الناس : إن كان المأمور بالسجود له في القبلة فليسجد لله وإلا فلا ؟ قال علي : وهذا تقسيم فاسد ، لأن المنع من السجود لله تعالى إلى كل جهة عمدا قصدا لم يأت منه منع . قال تعالى : { فأينما تولوا فثم وجه الله } . وإنما أمرنا باستقبال الكعبة في الصلاة خاصة ، والسجود وحده ليس صلاة ، وهو جائز بلا طهارة ، وإلى غير القبلة ، وللحائض ، لأنه لم يأت نص بإيجاب ذلك فيه ؟ وقال تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } .

475 - مسألة : ومن عجز عن القيام أو عن شيء من فروض صلاته - : أداها قاعدا فإن لم يقدر فمضطجعا بإيماء وسقط عنه ما لا يقدر عليه ويجزئه ولا سجود سهو في ذلك ؟ ويكون في اضطجاعه كما يقدر ، إما على جنبه ووجهه إلى القبلة ، وإما على ظهره بمقدار ما لو قام لاستقبل القبلة ، فإن عجز عن ذلك فليصل - كما يقدر - إلى القبلة وإلى غيرها ، وكذلك من قدح عينيه فإنه يصلي كما يقدر قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . وقال رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وأمر تعالى على لسان رسول الله ﷺ بالتداوي ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر هو الحوضي - ثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال : { أتيت رسول الله ﷺ وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير ، فسلمت ثم قعدت ، فجاءت الأعراب من ههنا وههنا ، فقالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ قال : تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد : الهرم } . فإن ذكروا : أن عائشة نهت ابن عباس عن ذلك قلنا : كم قصة لها رضي الله عنها خالفتموها ؟ حيث لا يعلم لها مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، وحيث لم تأت سنة بخلافها - : كأمرها المستحاضة بالوضوء لكل صلاة إيجابا ومعها في ذلك : علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وابن الزبير رضي الله عن جميعهم ، ولا مخالف لهم في ذلك يعرف من الصحابة ، ومعها السنة الصحيحة . وكإمامتها هي ، وأم سلمة رضي الله عنهما : النساء في الفريضة ، ولا مخالف لهما في ذلك من الصحابة يعرف . ومثل هذا كثير جدا فإن كان لا يحل خلافها في مكان لم يحل في كل مكان ، وإن كان خلافها للسنة مباحا في موضع فهو واجب بالسنة في كل موضع

476 - مسألة : ومن ابتدأ الصلاة مريضا مومئا أو قاعدا أو راكبا لخوف ثم أفاق أو أمن - : قام المفيق ونزل الآمن ، وبنيا على ما مضى من صلاتهما ، وأتما ما بقي ، وصلاتهما تامة ، سواء كان ما مضى منها أقلها أو لم يكن إلا التكبير ، أو لم يبق منها إلا السلام فما بين ذلك ، كل ذلك سواء ؟ . ومن ابتدأ صلاته صحيحا قائما إلى القبلة ، ثم مرض مرضا أصاره إلى القعود ، أو إلى الإيماء ، أو إلى غير القبلة . أو خاف فاضطر إلى الركوب والركض والدفاع - : فليبن على ما مضى من صلاته ، وليتم ما بقي ، كما ذكرنا سواء ولا فرق ، لما ذكرنا من قوله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ولقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ؟ } . وهو قول مالك ، وزفر ، وأبي سليمان ، وغيرهم . وقال الشافعي : إن أمن بعد الخوف فنزل بنى وتمت صلاته ، وإن خاف بعد الأمن فركب ابتدأ الصلاة قال علي : وهذا تقسيم فاسد ، وتفريق - على أصله - بين قليل العمل وكثيره ، وهو أصل في غاية الفساد . وقال تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } . وقد صلى بعض الصحابة ماشيا إلى عدوه . وقال أبو حنيفة : من ابتدأ الصلاة جالسا لمرض به ثم صح في صلاته فإنه يبني ، لا يختلف قوله في ذلك . واختلف قوله في الذي يفتتحها مومئا لمرض به ثم يصح فيها ، وفي الذي يفتتحها صحيحا قائما ثم يمرض فيها مرضا ينقله إلى القعود أو إلى الإيماء مضطجعا . فمرة قال : يبني ، ومرة قال : يبتدئها ولا بد ، وسواء أصابه ذلك بعد أن قعد مقدار التشهد وقبل أن يسلم ، أو أصابه قبل ذلك وهذه الرواية في غاية الفساد ، والتفريق بالباطل الذي لا يدرى كيف يتهيأ في عقل ذي عقل قبوله من غير رسول الله ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى { إن هو إلا وحي يوحى } من الخالق الذي { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } . وقال أبو يوسف : إن افتتح صحيحا قائما ثم مرض فانتقل إلى الإيماء أو إلى الجلوس ، أو افتتحها مريضا قاعدا ثم صح - : فإن هؤلاء - ما لم ينتقل حالهم قبل أن يقعدوا مقدار التشهد - : فإنهم يبنون . قال : ومن افتتحها مريضا مومئا ثم صح فيها - قبل أن يقعد مقدار التشهد : - فإنه يبتدئ ولا بد ؟ وقال محمد بن الحسن : من افتتحها مريضا قاعدا ، أو مومئا ثم صح فيها فإنه يبتدئ الصلاة ولا بد . ومن افتتحها قائما ثم مرض فيها قبل أن يقعد مقدار التشهد فصار إلى القعود أو إلى الإيماء فإنه يبني ؟ قال علي : وهذه أقوال في غاية الفساد بلا برهان ، وإنما ذكرناها لنري أهل السنة مقدار فقه هؤلاء القوم وعلمهم

477 - مسألة : ومن اشتغل باله بشيء من أمور الدنيا في الصلاة كرهناه ، ولم تبطل لذلك صلاته ، ولا سجود سهو في ذلك ، إذا عرف ما صلى ولم يسه عن شيء من صلاته ؟ برهان ذلك - : ما قد ذكرناه بإسناده من قول رسول الله ﷺ : { إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل } وهذا نفس قولنا . فإن قيل : فإنكم تبطلون الصلاة بأن ينوي فيها عمدا الخروج عن الصلاة جملة ، أو الخروج عن إمامة الإمام بلا سبب يوجب ذلك عليه ، أو الخروج عن فرض إلى تطوع ، أو من تطوع إلى فرض ، أو من صلاة إلى صلاة أخرى ، إذا عمد كل ذلك ذاكرا ويوجبون في سهوه بكل ذلك سجود السهو ، وحكم السهو في إلغاء ما عمل في تلك الحال من واجبات صلاته ؟ . قلنا : نعم ، لأن هذا قد أخرج ما حدث به نفسه بعمل فعمل شيئا ما ، في صلاته عمدا بخلاف ما أمر به ، فبطلت صلاته ، أو سها بذلك العمل ، فوجب عليه سجود السهو - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي هو الدستوائي - عن يحيى بن أبي كثير ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله ﷺ قال : { إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الأذان ، فإذا قضي الأذان أقبل ، فإذا ثوب بها أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل يخطر بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا وكذا لما لم يكن يذكر ، حتى يظل المرء إن يدري كم صلى ؟ فإذا لم يدر أحدكم كم صلى ؟ فليسجد سجدتين وهو جالس ؟ } . فلم يبطل عليه السلام الصلاة بتذكير الشيطان له ما يشغله به عن صلاته ، ولا جعل في ذلك سجود سهو ، وجعل عليه السلام سجود السهو في جهله كم صلى فقط ؟ ومن طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه : أن عمر بن الخطاب قال : إني لأحسب جزية البحرين في الصلاة

478 - مسألة : ومن ذكر في نفس صلاته - أي صلاة كانت : أنه نسي صلاة فرض واحدة أو أكثر من واحدة ، أو كان في صلاة الصبح فذكر أنه نسي الوتر - : تمادى في صلاته تلك حتى يتمها ، ثم يصلي التي ذكر فقط ، لا يجوز له غير ذلك ، ولا يعيد التي ذكرها فيها . قال الله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } فهذا في عمل قد نهي عن إبطاله ؟ وقال أبو حنيفة : إن كان الذي ذكر خمس صلوات فأقل : قطع التي هو فيها وصلى التي ذكر ، وقطع صلاة الصبح ، وأوتر ، ثم صلى التي قطع ، فإن خشي فوت التي هو فيها تمادى فيها ثم صلى التي ذكر ولا مزيد . فإن كانت التي ذكر ست صلوات فصاعدا تمادى في صلاته التي هو فيها ثم قضى التي ذكر ؟ وقال مالك : إن كانت التي ذكر خمس صلوات فأقل أتم التي هو فيها ثم صلى التي ذكر ، ثم أعاد التي ذكرها فيها . وإن كانت ست صلوات فأكثر أتم التي هو فيها ثم قضى التي ذكرها ولا يعيد التي ذكرها فيها ؟ قال علي : وهذان قولان فاسدان - : أول ذلك : أنه تقسيم بلا برهان ، ولا فرق بين ذكر الخمس وذكر الست ، لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولا قول صاحب ، ولا قياس ولا رأي سديد . ولا فرق بين وجوب الترتيب في صلاة يوم وليلة وبين وجوبه في ترتيب صلاة أمس قبل صلاة اليوم ، وصلاة أول أمس قبل صلاة أمس ، وهكذا أبدا ؟ فإن ذكروا قول رسول الله ﷺ : { من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك } ؟ قلنا : هذا حق وهو عليه السلام الآمر بهذا قد ذكر صلاة الصبح إذ انتبه بعد طلوع الشمس ، فأمر الناس بالاقتياد ، والوضوء ، والأذان . ثم صلى هو وهم ركعتي الفجر ، ثم صلى الصبح . فصح أن معنى قوله عليه السلام : { فليصلها إذا ذكرها } كما أمر ، لا كما لم يؤمر من قطع صلاة قد أمره عليه السلام بالتمادي فيها بقوله : { فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا } . وبقوله عليه السلام : { إن في الصلاة لشغلا } . ثم هم أول مخالف لهذا الخبر لتفريقهم بين ذكر خمس فأقل ، وبين ذكره أكثر من خمس ، وليس في الخبر نص ولا دليل بالفرق بين ذلك ؟ فإن ذكروا خبر ابن عمر : " من ذكر صلاة في صلاة " انهدمت عليه ؟ فقد قلنا : إنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ ، وهم قد خالفوا قول ابن عمر في تفريقهم بين خمس فأقل وبين أكثر من خمس . فإن ادعوا إجماعا في ذلك كانوا كاذبين على الأمة ، لقولهم عليهم بغير علم ، وبالظن الذي لا يحل وأكذبهم : أن أحمد بن حنبل ، وأحد قولي الشافعي - : أنه يبدأ بالفائتة ، ولو أنها صلاة عشرين سنة ؟ لا سيما أمر أبي حنيفة بإبطال الصبح - وهي فريضة - للوتر - وهي تطوع - ولا يأثم من تركه . وأمر مالك بأن يتم صلاة لا يعتد له بها ، ثم يعيدها ؟ وهذا عجب جدا أن يأمره بعمل لا يعتد له به ولا يخلو هذا المأمور بالتمادي في صلاته من أن تكون هي الصلاة التي أمر الله تعالى بها أم هي صلاة لم يأمره الله تعالى بها ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث . فإن كان أمره بالتمادي في الصلاة التي أمره الله تعالى بها فأمره بإعادتها باطل . وإن كان أمره بالتمادي في صلاة لم يأمره الله تعالى بها فقد أمره بما لا يجوز ؟ وقولنا : هو قول طاوس ، والحسن ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأبي سليمان وغيرهم ، ولا فرق بين ذكره الصلاة التي نسي أو نام عنها في صلاة أخرى ، أو بعد أن أتم صلاة أخرى ، أو في وقت صلاة أخرى قبل أن يبدأ بها - من طريق النظر أصلا - وبالله تعالى التوفيق .

479 - مسألة : فإن ذكر صلاة وهو في وقت أخرى ، فإن كان في الوقت فسحة فليبدأ بالتي ذكر ، سواء كانت واحدة أو خمسا أو عشرا أو أكثر ، يصلي جميعها مرتبة ثم يصلي التي هو في وقتها سواء كانت في جماعة أو فذا ، وحكمه - ولا بد - أن يصلي تلك الصلاة مع الجماعة من التي نسي ، فإن قضاها بخلاف ذلك أجزأه فإن كان يخشى فوت التي هو في وقتها بدأ بها ولا بد ، لا يجزئه غير ذلك ، سواء كانت التي ذكر واحدة أو أكثر ، فإذا أتم التي هو في وقتها صلى التي ذكر ، لا شيء عليه غير ذلك ، فإن بدأ بالتي ذكر وفات وقت التي ذكرها في وقتها بطل كلاهما ، وعليه أن يصلي التي ذكر ، ولا يقدر على التي تعمد تركها حتى خرج وقتها . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟ وقال مالك : إن كانت التي ذكر خمس صلوات فأقل : بدأ بالتي ذكر ، وإن خرج وقت التي حضرت ، وإن كانت أكثر من خمس بدأ بالتي حضر وقتها ؟ قال علي : وهذا قول لا برهان على صحته أصلا ، لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا قول صاحب ، ولا رأي له وجه ، لكنه طرد المسألة التي قبل هذه إذ تناقض أبو حنيفة ؟ وبرهان صحة قولنا - : { أن رسول الله ﷺ نسي الظهر والعصر يوم الخندق حتى غربت الشمس ، فأمر بالأذان والإقامة ثم صلى الظهر ، ثم أمر بالأذان والإقامة ، ثم صلى العصر ، ثم أمر بالأذان والإقامة فصلى المغرب في وقتها } . وإنما لم نجعل ذلك واجبا ؛ لأنه عمل لا أمر . وأما إن فاته وقت الحاضرة فإن التي ذكر من اللواتي خرج وقتها لغير الناسي متمادية الوقت للناسي أبدا لا تفوته باقي عمره ، والتي هو في وقتها تفوته بتعمده تركها حتى يخرج وقتها وهو ذاكر لها ، فهو مأمور بصلاتها ، كما هو مأمور بالتي نسي ولا فرق . فإذا حرام عليه التفريط في صلاة يذكرها حتى يدخل وقت أخرى أو يخرج وقت هذه فلا يحل له ذلك ؟ فإن تعلق بقوله عليه السلام : { فليصلها إذا ذكرها } ؟ قلنا : أنتم أول مخالف لهذا الخبر ، في تفريقكم بين الخمس وبين أكثر من الخمس ، وأما نحن فما خالفناه ، لأنه لا بد من أن يصلي إحدى التي ذكر قبل الأخرى ، فالتي يكون عاصيا لله إن أخرها أوجب من التي لا يكون عاصيا له تعالى إن أخرها وبقولنا هذا يقول سعيد بن المسيب ، والحسن ، وسفيان الثوري ، وغيرهم ؟

480 - مسألة : ومن أيقن أنه نسي صلاة لا يدري أي صلاة هي ؟ فإن مالكا ، وأبا يوسف ، والشافعي ، وأبا سليمان قالوا : يصلي صلاة يوم وليلة ؟ ويلزم على هذا القول إن لم يدر أمن سفر أم من حضر ؟ أن يصلي ثماني صلوات ؟ وقال سفيان الثوري ، ومحمد بن الحسن : يصلي ثلاث صلوات - : إحداها - ركعتان ، ينوي بها الصبح . والثانية - ثلاث ينوي بها المغرب . والثالثة - أربع ينوي بها الظهر أو العصر ؟ أو العشاء الآخرة ؟ ويلزم على هذا القول إن لم يدر أمن سفر هي أم من حضر ؟ أن يصلي صلاتين فقط - : إحداهما ركعتان ، والأخرى ثلاث ركعات ؟ وقال زفر ، والمزني : يصلي صلاة واحدة أربع ركعات ، يقعد في الثانية ، ثم في الثالثة ، ثم في الرابعة ، ثم يسجد للسهو . قال زفر : بعد السلام ، وقال المزني : قبل السلام وقال الأوزاعي : يصلي صلاة واحدة أربع ركعات فقط ، لا يقعد إلا في الثانية والرابعة ، ثم يسجد للسهو ينوي في ابتدائه إياها أنها التي فاتته في علم الله تعالى . وبهذا نأخذ ، إلا أن الأوزاعي قال : يسجد للسهو قبل السلام ، وقلنا نحن : بعد السلام ؟ برهان صحة قولنا - : أن الله - عز وجل - لما فرض عليه - بيقين مقطوع لا شك فيه ، ولا خلاف من أحد منهم ولا منا - : صلاة واحدة ، وهي التي فاتته ، فمن أمره بخمس صلوات ، أو ثمان صلوات ، أو ثلاث صلوات ، أو صلاتين ؟ فقد أمره - يقينا - بما لم يأمره الله تعالى به ولا رسوله ﷺ وفرضوا عليه صلاة أو صلاتين أو صلوات ليست عليه ، وهذا باطل بيقين ، فلا يجوز أن يكلف إلا صلاة واحدة كما هي عليه ولا مزيد . فسقط قول كل من ذكرنا ، حاشا قولنا ، وقول زفر ، والمزني ؟ فاعترضوا علينا بأن قالوا : إن النية للصلاة فرض عندنا وعندكم ، وأنتم تأمرونه بنية مشتركة لا تدرون أنها الواجب عليه ، وهذا الاعتراض إنما هو للذين أمروه بالخمس ، أو الثمان فقط ؟ قلنا لهم : نعم إن النية فرض عندنا وعندكم ، وأنتم تأمرونه لكل صلاة أمرتموه بها بنية مشكوك فيها أو كاذبة بيقين ولا بد من أحدهما . لأنكم إن أمرتموه أن ينوي لكل صلاة أنها التي فاتته قطعا فقد أوجبتم عليه الباطل والكذب ، وهذا لا يحل ، لأنه ليس على يقين من أنها التي فاتته . فإذا لم يكن على يقين منها ونواها قطعا فقد نوى الباطل ، وهذا حرام . وإن أمرتموه أن ينوي في ابتداء كل صلاة منها أنها التي علم الله أنها فاتته فقد أمرتموه بما عبتم علينا ، سواء سواء ، لا بمثله ؟ ونحن نقول : إن هذه الملامة ساقطة عنه ، لأنه لا يقدر على غيرها أصلا ، وقد قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ فقد سقطت عنه النية المعينة ، لعدم قدرته عليها ، وبقي عليه وجوب النية المرجوع فيها إلى علم الله تعالى ، إذ هو قادر عليها - وبالله تعالى التوفيق ، فسقط ذلك القول أيضا ؟ . ثم قلنا لزفر ، والمزني : إنكم ألزمتموه جلسة بعد الركعة الثالثة لم يأمر الله تعالى بها قط ، ولا يجوز أن يلزم أحد إلا ما نحن على يقين من أن الله تعالى ألزمه إياه فسقط أيضا قولهما ، لأنهما دخلا في بعض ما أنكرا على غيرهما ؟ قال علي : وبرهان صحة قولنا - : هو أن الله تعالى إنما أوجب عليه صلاة واحدة فقط ، لا يدري أي صلاة هي ؟ فلا يقدر ألبتة على نية لها بعينها ، ولا بد له من نية مشكوك فيها أي صلاة هي ؟ فينوي أنه يؤدي الصلاة التي فاتته التي يعلمها الله تعالى ، فيصلي ركعتين ، ثم يجلس ويتشهد ، فإذا أتم تشهده فقد شك : أتم صلاته التي هي عليه إن كانت الصبح ، أو إن كانت صلاة تقصر في السفر ؟ أم صلى بعضها كما أمر ولم يتمها ، إن كانت صلاة تتم في الحضر ؟ أو كانت المغرب ؟ فإذا كان في هذه الحال فقد دخل في جملة من أمره النبي ﷺ - إذا لم يدر كم صلى ؟ أن يصلي حتى يكون على يقين من التمام ، وعلى شك من الزيادة فيقوم إلى ركعة ثالثة ولا بد ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية منها فقد شك : هل أتم صلاته التي عليه - إن كانت المغرب - فيقعد حينئذ ؟ أم بقيت عليه ركعة ، إن كانت الظهر ، أو العصر ، أو العتمة ، في حضر ؟ فإذا صار في هذه الحال فقد دخل في جملة من أمره رسول الله ﷺ إذا لم يدر كم صلى ؟ بأن يصلي حتى يكون على يقين من التمام وعلى شك من الزيادة ، فعليه أن يقوم إلى رابعة ، فإذا أتمها وجلس في آخرها وتشهد فقد أيقن بالتمام بلا شك ، وحصل في شك من الزيادة ، فليسلم حينئذ ، وليسجد كما أمره الله تعالى على لسان رسوله ﷺ . وهذا هو الحق المقطوع على وجوبه - والحمد لله رب العالمين ؟ ويدخل على زفر ، والمزني - في إلزامهما إياه جلسة في الثالثة - أنهما ألزماه إفراد النية في تلك الجلسة أنها للمغرب خاصة ، وهذا خطأ ، لأنه إعمال يقين فيما لا يقين فيه ؟ فإن أيقن أنها من سفر صلى صلاة واحدة كما ذكرنا ، يقعد في الثانية ، ثم في الثالثة ويسلم ثم يسجد للسهو ؟ قال علي : فإن نسي ظهرا وعصرا لا يدري ؟ أمن يوم واحد أم من يومين ، أو يدري صلاهما فقط ، ولا يبالي أيهما قدم ؟ لأنه لم يوجب عليه غير ذلك نص سنة ولا قرآن ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟ وقال المالكيون : إن لم يدر أهي من يوم أم من يومين ؟ فليصل ثلاث صلوات إما ظهرا بين عصرين ، وإما عصرا بين ظهرين ؟ قال علي : وهذا تخليط ناهيك به وإنما يجب الترتيب ما دامت الأوقات قائمة مرتبة بترتيب الله تعالى لها ، وأما عند خروج بعض الأوقات فلا ؟ إذ لم يأت بذلك نص قرآن ولا سنة ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .

481 - مسألة : فإن كان قوم في سفينة لا يمكنهم الخروج إلى البر إلا بمشقة أو بتضييعها فليصلوا فيها كما يقدرون ، بإمام وأذان وإقامة ولا بد ، فإن عجزوا عن إقامة الصفوف وعن القيام لميد أو لكون بعضهم تحت السطح أو لترجح السفينة - : صلوا كما يقدرون . وسواء كان بعضهم أو كلهم قدام الإمام أو معه أو خلفه ، إذا لم يقدروا على أكثر ، وصلى من عجز من القيام قاعدا ولا يجزئ القادر على القيام إلا القيام ؟ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ولقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ولقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وقال أبو حنيفة : يصلي قاعدا من قدر على القيام - وهذا خلاف أمر الله تعالى بالقيام في الصلاة . واحتج بأن أنسا صلى في سفينة قاعدا ؟ . فقلنا : وما يدريكم أنه كان قاعدا وهو يقدر على القيام ؟ حاشا لله أن يظن بأنس رضي الله عنه أنه صلى قاعدا ، وهو قادر على القيام

482 - مسألة : والصلاة جائزة في البيع ، والكنائس ، والهبارات والبيت من بيوت النيران ، وبيوت البد والديور : إذا لم يعلم هنالك ما يجب اجتنابه من دم ، أو خمر أو ما أشبه ذلك ، لقول رسول الله ﷺ : { وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، حيثما أدركتك الصلاة فصل } .

483 - مسألة : وحد دنو المرء من سترته أقرب ذلك قدر ممر الشاة ، وأبعده ثلاثة أذرع لا يحل لأحد الزيادة على ذلك فإن بعد عن سترته عامدا أكثر من ثلاثة أذرع وهو ينوي أنها سترته بطلت صلاته ، فإن لم ينو أنها سترة له فصلاته تامة . وكل ما مر أمامه مما يقطع الصلاة والسترة بينه وبينه أو مقدارها - نوى ذلك سترة أو لم ينو - : فصلاته تامة ، وسواء مر ذلك على السترة أو خلفها ؟ وحد مقدار السترة : ذراع في أي غلظ كان ومن مر أمام المصلي وجعل بينه وبينه أكثر من ثلاثة أذرع فلا إثم على المار ، وليس على المصلي دفعه ، فإن مر أمامه على ثلاثة أذرع فأقل فهو آثم إلا أن تكون سترة المصلي أقل من ثلاثة أذرع ، فلا حرج على المار في المرور وراءها أو عليها . برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر ، وإسحاق بن منصور قالا : أنا سفيان هو ابن عيينة - عن صفوان بن سليم عن نافع بن جبير بن مطعم عن سهل بن أبي حثمة ، قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته } . قال علي : فصار فرضا على من صلى إلى سترة أن يدنو منها ، وكان من لم يدن منها - إذا صلى إليها - غير مصل كما أمر ، فلا صلاة له ؟ فإذ الدنو منها فرض فلا بد من بيان مقدار الدنو المفترض من خلافه ، إذ لا يمكن أن يأمرنا عليه السلام بأمر يلزمنا ، ثم لا يبينه علينا ، والله تعالى قد أمره بالبيان علينا ، والتبليغ إلينا ، قال تعالى : { بلغ ما أنزل إليك من ربك } . وقال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } . فنظرنا في ذلك فوجدنا - : عبد الله بن يوسف بن نامي حدثنا قال : ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثنا ابن أبي حازم هو عبد العزيز - ثنا أبي عن سهل بن سعد الساعدي قال : { كان بين مصلى رسول الله ﷺ وبين الجدار ممر الشاة } فكان هذا أقل ما يمكن من الدنو ، إذ ما كان أقل من هذا فمانع من الركوع ومن السجود إلا بتقهقر ، ولا يجوز تكلف ذلك إلا لمن لا يقدر على أكثر من ذلك . وقد وجدنا عبد الله بن ربيع حدثنا ، قال : ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال : { إن رسول الله ﷺ دخل الكعبة ، هو وأسامة بن زيد ، وبلال ، وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ، فسألت بلالا حين خرج : ماذا صنع رسول الله ﷺ قال : جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه - وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة - ثم صلى ، وجعل بينه وبين الجدار نحوا من ثلاثة أذرع } . قال علي : لم نجد في البعد عن السترة أكثر من هذا ، فكان هذا حد البيان في أقصى الواجب من ذلك - وقد ذكرنا البراهين فيما خلا من كتابنا هذا ولله تعالى الحمد . وقد قال بهذا قبلنا طائفة من السلف - : روينا عن ابن جريج عن عطاء قال : يقال : أدنى ما يكفيك فيما بينك وبين السارية ثلاثة أذرع . وقد { صلى عليه السلام إلى الحربة ، والعنزة ، والبعير ، وحد السترة في ارتفاعها بمؤخرة الرحل } ، ورويناه عن أبي سعيد وعطاء وغيرهم . ولم يصح في الخط شيء ، فلا يجوز القول به - وبالله تعالى التوفيق

484 - مسألة : ومن بكى في الصلاة من خشية الله تعالى أو من هم عليه ولم يمكنه رد البكاء فلا شيء عليه ولا سجود سهو ولا غيره ، فلو تعمد البكاء عمدا بطلت صلاته - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن مطرف هو ابن الشخير - عن أبيه قال : { أتيت رسول الله ﷺ وهو يصلي ، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل ، يعني يبكي } . قال علي : هكذا هو التفسير نصا في نفس الحديث ؟ وأما غلبة البكاء فقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . وأما تعمد البكاء فعمل لم يأت بإباحته نص ؟ وقال عليه السلام { إن في الصلاة لشغلا } . فصح أن كل عمل فهو محرم في الصلاة ، إلا عملا جاء بإباحته نص ، أو إجماع ، وبالله تعالى التوفيق .

======




كتـاب الصلاة


صلاة الجماعة

485 - مسألة : ولا تجزئ صلاة فرض أحدا من الرجال - : إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام ، فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته ، فإن كان بحيث لا يسمع الأذان ففرض عليه أن يصلي في جماعة مع واحد إليه فصاعدا ولا بد ، فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا أن لا يجد أحدا يصليها معه فيجزئه حينئذ ، إلا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلف عن الجماعة وليس ذلك فرضا على النساء ، فإن حضرنها حينئذ فقد أحسن ، وهو أفضل لهن ؟ فإن استأذن الحرائر ، أو الإماء بعولتهن أو ساداتهن في حضور الصلاة في المسجد : ففرض عليهم الإذن لهن - ولا يخرجن إلا تفلات غير متطيبات ولا متزينات ، فإن تطيبن ، أو تزين لذلك : فلا صلاة لهن ، ومنعهن حينئذ فرض ؟ . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - كلهم عن مروان بن معاوية الفزاري عن عبيد الله بن الأصم عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال : { أتى النبي ﷺ رجل أعمى فقال : يا رسول الله ، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله ﷺ أن يرخص له ، فيصلي في بيته ، فرخص له ، فلما ولى دعاه وقال له : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم ، قال رسول الله ﷺ : فأجب ؟ } حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث الليثي قال : قال لنا رسول الله ﷺ : { إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما ثم ليؤمكما أكبركما } ؟ وبه إلى البخاري - : حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث : أن النبي ﷺ قال لرجلين أتياه يريدان السفر : { إذا خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما } ؟ . وبه إلى البخاري - : حدثنا معلى بن أسد ثنا وهيب هو ابن خالد - عن أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال : { إن رسول الله ﷺ قال لنا - وقد أتيته في نفر من قومي - : إذا حضرت الصلاة . فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم } . حدثنا أحمد بن قاسم حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم حدثني جدي قاسم بن أصبغ ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن النبي ﷺ قال : { من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر } . حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إبراهيم بن محمد ثنا ابن بكير عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { والذي نفسي بيده ، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء } . وقد رويناه من طريق سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مسندا - ومن طريق شعبة ، وعبد الله بن نمير ، وأبي معاوية كلهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مسندا . وليس في ذكر العشاء في آخر الحديث دليل على أنها المتوعد على تركها دون غيرها ، بل هي قضيتان متغايرتان ؟ . وأيضا فالمخالف موافق لنا على أن حكم صلاة العشاء في وجوب حضورها كسائر الصلوات ولا فرق . ورسول الله ﷺ لا يهم بباطل ولا يتوعد إلا بحق . فإن قيل : فلم لم يحرقها ؟ قيل : لأنهم بادروا وحضروا الجماعة ، لا يجوز غير ذلك - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا النفيلي هو عبد الله بن محمد - ثنا أبو المليح هو الحسن بن عمر الرقي - حدثني يزيد بن يزيد هو ابن جابر - حدثني يزيد بن الأصم قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : { لقد هممت أن آمر فتيتي فتجمع حزما من حطب ، ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم } . قال يزيد : فقلت ليزيد بن الأصم : يا أبا عوف ، الجمعة عنى أو غيرها ؟ قال : صمتا أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة عن رسول الله ﷺ ما ذكر جمعة ولا غيرها " . قال علي : وقد أقدم قوم على الكذب على رسول الله ﷺ جهارا فقال : إنما عنى المنافقين ومعاذ الله من الكذب على رسول الله ﷺ ومن المحال البحت أن يكون عليه السلام يريد المنافقين فلا يذكرهم ويذكر تاركي الصلاة وهو لا يريدهم فإن ذكروا حديث أبي هريرة ، وابن عمر كلاهما عن رسول الله ﷺ { إن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد سبعا وعشرين درجة } . قلنا : هذان خبران صحيحان ، وقد صحت الأخبار التي صدرناها ، وثبت أنه لا صلاة لمتخلف عن الجماعة إلا أن يكون معذورا ، فوجب استعمال هذين الخبرين على ما قد صح هنالك ، لا على التعارض والتناقض المبعدين عن كلام رسول الله ﷺ . فصح أن هذا التفاضل إنما هو على صلاة المعذور التي تجوز ، وهي دون صلاة الجماعة في الفضل كما أخبر عليه السلام . ومن حمل هذين الخبرين على غير ما ذكرنا حصل على خلاف رسول الله ﷺ في الأحاديث الأخر ، وعلى تكذيبه عليه السلام في قوله : أن لا صلاة في غير الجماعة إلا لمعذور ، واستخف بوعيده ، وعصى أمره عليه السلام في إجابة النداء . وبأن يؤم الاثنين فصاعدا أحدهما ، وهذا عظيم جدا ؟ وهذا الذي قلنا : هو مثل قول الله تعالى : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه } . فنص تعالى على أن المتخلف عن الجهاد بغير عذر مذموم أشد الذم في غير ما موضع من القرآن - : منها قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم } في آيات كثيرة جدا . ثم بين الله تعالى أن المجاهدين مفضلون على القاعدين درجة ودرجات ، فصح أنه إنما عنى القاعدين المعذورين الذين لهم نصيب من وعد الله الحسنى والأجر ، لا الذين توعدوا بالعذاب ؟ وكما أخبر عليه السلام أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ، ولم يختلفوا معنا في أن المصلي قاعدا بغير عذر لا أجر له ، ولا نصيب من الصلاة ، فصح أن النسبة المذكورة من الفضل إنما هي بين المباح له الصلاة قاعدا لعذر من خوف أو مرض أو في نافلة ؟ فإن أرادوا أن يخصوا بذلك النافلة فقط ، سألناهم الدليل على ذلك ؟ ولا سبيل لهم إليه ، إلا بدعوى في أن المعذور في الفريضة صلاته كصلاة القائم ، وهذه دعوى كاذبة مخالفة لعموم قوله عليه السلام : { صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم } دون تخصيص منه عليه السلام ؟ وأيضا - فإن حمام بن أحمد حدثنا قال : ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا بكر بن حماد ، والقاضي أحمد بن محمد البرتي - : قال القاضي البرتي : ثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو الرقي ثنا عبد الوارث - : وقال بكر : ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان وعبد الوارث بن سعيد التنوري ثم اتفقا عن الحسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن الحصين - : قال القاضي البرتي في حديثه : إن عمران بن الحصين حدثه - وكان رجلا مبسورا : { أنه سأل رسول الله ﷺ عن صلاة الرجل وهو قاعد ، فقال عليه السلام : من صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد } قال علي : وخصومنا لا يجيزون التنفل بالإيماء للصحيح ، فبطل تأويلهم جملة - ولله تعالى الحمد . ولا شك في أن من فعل الخير أفضل من آخر منعه العذر من فعله ، وهذا منصوص عليه في الخبر الذي فيه - : إن الفقراء قالوا : يا رسول الله ، ذهب أصحاب الدثور بالأجور ، فعلمهم رسول الله ﷺ الذكر الذي علمهم ، فبلغ الأغنياء ففعلوه زائدا على ما كانوا يفعلونه من العتق والصدقة ، فذكر الفقراء ذلك لرسول الله ﷺ فقال : { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } . ولا خلاف في أن من حج أفضل ممن لم يحج ممن أقعده العذر ، وهكذا في سائر الأعمال - وقد جاء في الأثر الصحيح : { من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا } . فعم عليه السلام من لم يعملها بعذر أو غير عذر ؟ فإن ذكروا الأثر الوارد فيمن كان له حزب من الليل فأقعده عنه المرض أو النوم : كتب له ؟ قلنا : لا ننكر تخصيص ما شاء الله تعالى تخصيصه إذا ورد النص بذلك ، وإنما ننكره بالرأي والظن والدعوى ، وقد يكتب له القيام كما في الحديث ، ويضاعف الأجر للقائم عشرة أمثال قيامه ، فهذا ممكن موافق لسائر النصوص - وبالله تعالى التوفيق . فإن ذكروا : { أن رسول الله ﷺ أم الناس في بيته وهو منفك القدم وفي منزل أنس ؟ } قلنا : نعم ، وهو معذور عليه السلام بانفكاك قدمه ، ولا يخلو الذين معه من أن يكونوا جميع أهل المسجد فصلوا هنالك ، فهنالك كانت الجماعة ، وهذا لا ننكره ، أو من أن يكونوا ممن لزمه الكون معه عليه السلام لضرورة ، فهذا عذر ، وتكون إمامته في منزل أنس في غير وقت صلاة فرض ، لكن تطوعا ؟ وكل هذا لا يعارض به ما ثبت من وجوب فرض الصلاة في جماعة ، ووجوب إجابة داعي الله تعالى في قوله : " حي على الصلاة " ؟ . وقال الشافعي : هي فرض على الكفاية ؟ قال علي : وهذه دعوى بلا برهان ، وإذ أقر بأنها فرض ، ثم ادعى سقوط الفرض لم يصدق إلا بنص وقد قال : بمثل هذا جماعة من السلف - : روينا عن أبي هريرة أنه رأى إنسانا خرج من المسجد بعد النداء فقال " أما هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ " . وروينا عن أبي الأحوص عن ابن مسعود أنه قال : " حافظوا على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن ، فإنهن من سنن الهدى ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنهن إلا منافق بين النفاق ، ولقد رأيتنا وإن الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف وما منكم أحد إلا له مسجد في بيته ، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم " . ومن طريق وكيع عن مسعر بن كدام عن أبي حصين عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى الأشعري قال : من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له . وعن ابن مسعود : من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له ؟ وعن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : أنه صلى ركعتين من المكتوبة في بيته فسمع الإقامة فخرج إليها ؟ قال علي : لو أجزأت ابن عمر صلاته في منزله ما قطعها ؟ وعن أبي هريرة : لأن يمتلئ أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع المنادي فلا يجيبه ؟ وعن سفيان الثوري عن منصور عن عدي بن ثابت الأنصاري عن عائشة أم المؤمنين قالت : من سمع النداء فلم يأته فلم يرد خيرا ولم يرد به وعن يحيى بن سعيد القطان : ثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي حدثني أبي عن علي بن أبي طالب : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ؟ فقيل له : يا أمير المؤمنين ، ومن جار المسجد ؟ قال : من سمع الأذان ومثله من طريق سفيان بن عيينة ، وسفيان الثوري عن أبي حيان المذكور عن أبيه عن علي . وعن محمد بن جعفر عن شعبة عن عدي بن ثابت سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال : من سمع النداء ، ثم لم يأت فلا صلاة له إلا من عذر . وعن عطاء : ليس لأحد من خلق الله تعالى في الحضر والقرية يسمع النداء والإقامة - : رخصة في أن يدع الصلاة قال ابن جريج : فقلت له : وإن كان على بز يبيعه يفرق إن قام عنه أن يضيع ؟ قال : لا ، لا رخصة له في ذلك ؟ قلت : إن كان به مرض أو رمد غير حابس أو تشتكي يده ؟ قال : أحب إلي أن يتكلف ، قلت له : أرأيت من لم يسمع النداء من أهل القرية وإن كان قريبا من المسجد ؟ قال : إن شاء فليأت ، وإن شاء فليجلس ؟ وعن عطاء : كنا نسمع أنه لا يتخلف عن الجماعة إلا منافق وعن إبراهيم النخعي : أنه كان لا يرخص في ترك الصلاة في الجماعة إلا لمريض أو خائف ؟ وعن هشام بن حسان عن الحسن قال : إذا سمع الرجل الأذان فقد احتبس ؟ وعن سفيان بن عيينة حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال : كنت عند سعيد بن المسيب فجاءه رجل فسأله عن بعض الأمر ونادى المنادي فأراد أن يخرج فقال له سعيد : قد نودي بالصلاة ، فقال له الرجل : إن أصحابي قد مضوا وهذه راحلتي بالباب ، فقال له سعيد : لا تخرج ، فإن رسول الله ﷺ قال : { لا يخرج من هذا المسجد بعد النداء إلا منافق ، إلا رجل خرج وهو يريد الرجعة إلى الصلاة } فأبى الرجل إلا الخروج ، فقال سعيد : دونكم الرجل ، قال : فإني عنده ذات يوم إذ جاءه رجل فقال : يا أبا محمد ألم تر الرجل ؟ - يعني ذلك الذي خرج - وقع عن راحلته فانكسرت رجله قال سعيد : قد ظننت أنه سيصيبه أمر ؟ وهو قول أبي سليمان ، وجميع أصحابنا ؟ وأما النساء فلا خلاف في أن شهودهن الجماعة ليس فرضا ؟ وقد صح في الآثار كون نساء النبي ﷺ في حجرهن لا يخرجن إلى المسجد ؟ واختلف الناس في أي الأمرين أفضل لهن ؟ أصلاتهن في بيوتهن ؟ أم في المساجد في الجماعات - : وبرهان صحة قولنا - : هو ما قد ذكرنا من قول رسول الله ﷺ : { إن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة } . وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه النساء من غيرهن .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج أنا حرملة بن يحيى أنا ابن وهب أنا يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب أنا سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها } . فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن ، فأقبل عليه عبد الله بن عمر فسبه سبا سيئا ، ما سمعته سبه مثله قط قال : أخبرك عن رسول الله ﷺ وتقول : والله لنمنعهن وبه إلى مسلم : حدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب كلاهما عن سفيان بن عيينة عن الزهري سمع سالم بن عبد الله بن عمر يحدث عن أبيه يبلغ به النبي ﷺ قال : { إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها } . وبه إلى مسلم : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي ، وعبد الله بن إدريس قالا : ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : إن رسول الله ﷺ قال : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله } . وبه إلى مسلم : حدثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل } . وبه إلى مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان ثنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زينب امرأة ابن مسعود قالت : قال لنا رسول الله ﷺ : { إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا } . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن وضاح ثنا حامد هو ابن يحيى البلخي - ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، ولا يخرجن إلا وهن تفلات } . قال علي : وهذا نفس قولنا ، فإذا خرجن متزينات أو متطيبات فهن عاصيات لله تعالى ، خارجات بخلاف ما أمرن ، فلا يحل إرسالهن حينئذ أصلا . والآثار في حضور النساء صلاة الجماعة مع رسول الله ﷺ متواترة في غاية الصحة ، لا ينكر ذلك إلا جاهل - : كحديث عائشة أم المؤمنين { إن كان رسول الله ﷺ ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس } . وحديث أبي حازم عن سهل بن سعد : { لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر خلف رسول الله ﷺ فقال قائل : يا معشر النساء ، لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع الرجال } . وقوله عليه السلام : { إني لأدخل في الصلاة أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي خشية أن تفتن أمه } . والخبر الذي رويناه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال : { خير صفوف الرجال المقدم ، وشرها المؤخر وشر صفوف النساء المقدم ، وخيرها المؤخر ، ثم قال : يا معشر النساء ، إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن ، لا ترين عورات الرجال من ضيق الأزر } وحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { لو تركنا هذا الباب للنساء } فما دخل من ذلك الباب ابن عمر حتى مات . وأن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يدخل من باب النساء وحديث أسماء في صلاة الكسوف ، وأنها صلت في المسجد مع النساء خلف رسول الله ﷺ . فما كان عليه السلام ليدعهن يتكلفن الخروج في الليل والغلس يحملن صغارهن ويفرد لهن بابا ويأمر بخروج الأبكار وغير الأبكار ومن لا جلباب لها فتستعير جلبابا إلى المصلى ، فيتركهن يتكلفن من ذلك ما يحط أجورهن ، ويكون الفضل لهن في تركه ، هذا لا يظنه بناصح للمسلمين إلا عديم عقل ، فكيف برسول الله ﷺ ؟ الذي أخبر تعالى أنه { عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة : أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص قال : - اجتمعنا إلى رسول الله ﷺ فقال : { إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم } ؟ قال علي : واحتج من خالف الحق في هذا بخبر موضوع عن عبد الحميد بن المنذر الأنصاري عن عمته أو جدته أم حميد : أن النبي ﷺ قال : { إن صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك معي } ؟ قال علي : عبد الحميد بن المنذر مجهول لا يدريه أحد . وذكروا أيضا - ما رويناه عن عائشة رضي الله عنها من قولها : لو أدرك رسول الله ﷺ ما أحدث النساء لمنعهن من الخروج كما منعه نساء بني إسرائيل ؟ وهذا لا حجة فيه لوجوه ثمانية - : أولها : أن الله تعالى باعث محمد ﷺ بالحق موجب دينه إلى يوم القيامة الموحي إليه بأن لا يمنع النساء - حرائرهن وإماءهن ، ذوات الأزواج وغيرهن - من المساجد ليلا ونهارا - قد علم ما يحدث النساء ، فلم يحدث تعالى لذلك منعا لهن ، ولا قال له : إذا أحدثن فامنعوهن ؟ والثاني : أنه عليه السلام ، لو صح أنه لو أدرك أحداثهن لمنعهن - لما كان ذلك مبيحا منعهن ، لأنه عليه السلام لم يدرك فلم يمنع ، فلا يحل المنع ، إذ لم يأمر به عليه السلام والثالث : أن من الكبائر نسخ شريعة مات عليه السلام ولم ينسخها ، بل هو كفر مجرد والرابع : أنه لا حجة في قول أحد بعده عليه السلام ؟ والخامس : أن عائشة رضي الله عنها لم تقل : إن منعهن لكم مباح ، بل منعت منه وإنما أخبرت ظنا منها بأمر لم يكن ولا تم ، فهم مخالفون لها في ذلك ؟ والسادس : أنه لا حدث منهن أعظم من الزنى ، وقد كان فيهن على عهد رسول الله ﷺ ، وقد نهاهن الله تعالى : عن التبرج ، وأن يضربن بأرجلهن { ليعلم ما يخفين من زينتهن } ، وأنذر عليه السلام بنساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت لا يرحن رائحة الجنة ، وعلم أنهن سيكن بعده ، فما منعهن من أجل ذلك ؟ والسابع : أنه لا يحل عقاب من لم يحدث من أجل من أحدث ، فمن الباطل أن يمنع من لم يحدث من أجل من أحدث ، والله تعالى يقول : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . والثامن : أنهم لا يختلفون في أنه لا يحل منعهن من التزاور ، ومن الصفق في الأسواق ، والخروج في حاجاتهن ، وليس في الضلال والباطل أكثر من إطلاقهن على كل ذلك وقد أحدث منهن من أحدث ، وتخص صلاتهن في المسجد الذي هو أفضل الأعمال بعد التوحيد بالمنع ، حاشا لله من هذا ، وما ندري كيف ينطلق لسان من يعقل بالاحتجاج بمثل هذا في خلاف السنن الثابتة المتواترة . قال علي : والصحيح من هذا - هو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى أن عمرو بن عاصم الكلابي حدثهم قال : ثنا همام هو ابن يحيى - عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال : { صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مسجدها أفضل من صلاتها في بيتها } . وروينا هذا الخبر بلفظ آخر كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن قاسم ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ثنا همام عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال : { إنما المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها } قال علي : هكذا بذكر المخدع ليس فيه للمسجد ذكر أصلا ، ثم لو صح فيه أن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها - وهذا لا يوجد أبدا من طريق فيها خير - لما كانت فيه حجة ، لأنه كان يكون منسوخا بلا شك ، بما ذكرنا من تركه عليه السلام لهن يتكلفن التكلف في الغبش ، راغبات في الصلاة في الجماعة معه إلى أن مات عليه السلام ، فهذا آخر الأمر بلا شك ؟ قال علي : مسجدها ههنا هو مسجد محلتها ومسجد قومها ، ولا يجوز أن يظن أنه مسجد بيتها ، إذ لو كان ذلك لكان عليه السلام قائلا : صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في بيتك ، وهذه لكنة وعي ، حرام أن ينسبا إليه عليه السلام وبقولنا : قال الأئمة - : روينا عن معمر عن الزهري : أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عمر بن الخطاب ، وكانت تشهد الصلاة في المسجد ، فكان عمر يقول لها : والله إنك لتعلمين ما أحب هذا ، فقالت : والله لا أنتهي حتى تنهاني ، فقال عمر : فإني لا أنهاك - قال : فلقد طعن عمر يومئذ وإنها لفي المسجد . قال علي : ولو رأى عمر صلاتها في بيتها أفضل لكان أقل أحواله أن يجبرها بذلك ويقول لها : إنك تدعين الأفضل وتختارين الأدنى ، لا سيما مع أني لا أحب لك ذلك ، فما فعل ، بل اقتصر على إخبارها بهواه الذي لا يقدر على صرفه ، ومن الباطل أن تختار - وهي صاحبة ، ويدعها هو - أن تتكلف إسخاط زوجها فيما غيره أفضل منه ؟ فصح أنهما رأيا الفضل العظيم الذي يسقط فيه موافقة رضا الزوج ، وأمير المؤمنين ، وصاحب رسول الله ﷺ في خروجها إلى المسجد في الغلس وغيره ، وهذا في غاية الوضوح لمن عقل ؟ وروينا من طريق هشام بن عروة : أن عمر بن الخطاب أمر سليمان بن أبي حثمة أن يؤم النساء في مؤخر المسجد في شهر رمضان . ومن طريق عرفجة : أن علي بن أبي طالب كان يأمر الناس بالقيام في رمضان ، فيجعل للرجال إماما ، وللنساء إماما ، قال عرفجة : فأمرني فأممت النساء مع ما ذكرنا من شدة غضب ابن عمر على ابنه إذ قال : إنه يمنع النساء من الخروج إلى الصلاة ؟ فهؤلاء أئمة المسلمين بحضرة الصحابة ، ثم على هذا عمل المسلمين في أقطار الأرض جيلا بعد جيل - وبالله تعالى التوفيق .

=========




كتـاب الصلاة


صلاة الجماعة

486 - مسألة : ومن العذر للرجال في التخلف عن الجماعة في المسجد - : المرض ، والخوف ، والمطر ، والبرد ، وخوف ضياع المال ، وحضور الأكل ، وخوف ضياع المريض ، أو الميت ، وتطويل الإمام حتى يضر بمن خلفه ، وأكل الثوم ، أو البصل ، أو الكراث ما دامت الرائحة باقية ، ويمنع آكلوها من حضور المسجد ، ويؤمر بإخراجهم منه ولا بد ، ولا يجوز أن يمنع من المساجد أحد غير هؤلاء ، لا مجذوم ، ولا أبخر ، ولا ذو عاهة ، ولا امرأة بصغير معها فأما المرض والخوف فلا خلاف في ذلك ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقوله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وقال تعالى : { إلا من أكره } . وكذلك إضاعة المال ، ونهى عليه السلام عن إضاعة المال ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا حاتم هو ابن إسماعيل - عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن ابن أبي عتيق أنه شهد عائشة أم المؤمنين قالت : إني سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا صلاة بحضرة طعام ، ولا وهو يدافعه الأخبثان } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن منصور أنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج ثنا عطاء عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ : { من أكل من هذه الشجرة ، قال أول يوم : الثوم ، ثم قال : الثوم والبصل والكراث فلا يقربنا في مساجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام هو الدستوائي - ثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة : أن عمر بن الخطاب قال : " { إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين : هذا البصل ، والثوم ، لقد رأيت نبي الله ﷺ إذا وجد ريحهما من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع } - : ولا يخرج غير هؤلاء ، لأن الله تعالى : لو أراد منع أحد غيرهم من المساجد لبين ذلك { وما كان ربك نسيا } فإن ذكر ذاكر حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ : { لا عدوى ولا طيرة ، وفر من المجذوم فرارك من الأسد } ؟ فإن معناه كقول الله تعالى { اعملوا ما شئتم } أي فر من المجذوم فرارك من الأسد ، لا عدوى إنه لا يعديك ، ولا ينفعك فرارك مما قدر عليك ، ولو لم يكن معناه هذا لكان آخر الحديث ينقض أوله ، وهذا محال وأيضا : فلو كان على معنى الفرار لكان الأمر به عموما ، فوجوب أن تفر منه امرأته وولده وكل أحد حتى يموت جوعا وجهدا ، ولوجب أن تقفل الأزقة أمامه ، كما يفعل بالأسد وهذا باطل بيقين ، وما يشك أحد أنه قد كان في عصره عليه السلام مجذومون فما فر عنهم أحد . فصح أن مراده عليه السلام ما ذكرناه - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سعيد بن عفير حدثني الليث حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري { أن عتبان بن مالك - ممن شهد بدرا من الأنصار - أتى إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله ، قد أنكرت بصري ، وأنا أصلي لقومي ، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي المسجد ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى ؟ فقال رسول الله ﷺ : سأفعل إن شاء الله } . قال عتبان : فغدا على رسول الله ﷺ وذكر الحديث ؟ وبه إلى البخاري : ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله بن عمر حدثني نافع قال : أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان ثم قال : ألا صلوا في رحالكم ، فأخبرنا { أن رسول الله ﷺ كان يأمر مؤذنا يؤذن ، ثم يقول على إثره : ألا صلوا في الرحال } ؟ حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه هو أسامة بن عمير الهذلي - أنه قال له { رأيتنا مع رسول الله ﷺ زمن الحديبية ، ومطرنا مطرا فلم تبل السماء أسفل نعالنا ، فنادى منادي النبي ﷺ : أن صلوا في رحالكم } . وبه إلى عبد الرزاق : ثنا ابن جريج عن نافع عن ابن عمر عن نعيم بن النحام قال { أذن مؤذن رسول الله ﷺ ليلة فيها برد ، وأنا تحت اللحاف فتمنيت أن يلقي الله على لسانه ولا حرج ، فلما فرغ قال : ولا حرج } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا إسماعيل هو ابن علية - ثنا عبد الحميد صاحب الزيادي ثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين : أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير : إذا قلت " أشهد أن محمدا رسول الله " فلا تقل " حي على الصلاة " قل " صلوا في بيوتكم " وقال ابن عباس : قد فعل هذا من هو خير مني ، إن الجمعة عزمة ، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والمطر . حدثنا يوسف بن عبد الله النمري ثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي القاضي ثنا إسحاق بن أحمد ثنا العقيلي ثنا موسى بن إسحاق هو الأنصاري ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن سعيد هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن كثير مولى ابن سمرة قال : مررت بعبد الرحمن بن سمرة وهو على بابه جالس ، فقال : ما خطب أميركم ؟ قلت : أما جمعت معنا ؟ قال : منعنا هذا الردغ . قال علي : فهذا ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن سمرة بحضرة الصحابة يتركون الجمعة وغيرها للطين ، ويأمرون المؤذن أن يقول : { ألا صلوا في الرحال } ولا نعرف لهم مخالفا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ؟ وأما التطويل فقد ذكرنا حديث معاذ والذي خرج عن إمامته فلم ينكر النبي ﷺ ذلك على الخارج وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى ثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري قال { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان ، مما يطيل بنا ، فما رأيت رسول الله ﷺ غضب في موعظة قط أشد مما غضب ، فقال يومئذ : يا أيها الناس ، إن منكم منفرين ، فأيكم أم الناس فليوجز ، فإن من ورائه الكبير ، والضعيف ، وذا الحاجة } . فلم ينكر رسول الله ﷺ تأخره عن صلاة الفريضة من أجل إطالة الإمام ؟ وأما المجذوم ، والأبخر ، وآكل الفجل وغيرهم - : فلو جاز منعهم المسجد لما أغفل ذلك رسول الله ﷺ { وما كان ربك نسيا }

487 - مسألة : والأفضل أن يؤم الجماعة في الصلاة أقرؤهم للقرآن وإن كان أنقص فضلا . فإن استووا في القراءة فأفقههم . فإن استووا في الفقه والقراءة فأقدمهم صلاحا فإن حضر السلطان الواجبة طاعته أو أميره على الصلاة فهو أحق بالصلاة على كل حال فإن كانوا في منزل إنسان فصاحب المنزل أحق بالإمامة على كل حال إلا من السلطان . وإن استووا في كل ما ذكرنا فأسنهم ؟ فإن أم أحد بخلاف ما ذكرنا أجزأ ذلك ، إلا من تقدم بغير أمر السلطان على السلطان ، أو بغير أمر صاحب المنزل على صاحب المنزل ، فلا يجزئ هذين ولا تجزئهم ؟ وقد ذكرنا حديث مالك بن الحويرث : { وليؤمكما أكبركما } وكانا في القراءة والفقه والهجرة سواء ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد هو القطان - ثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال : { إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم } . ورويناه - أيضا من طريق عبد الله بن المبارك عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ وبه إلى مسلم : ثنا أبو سعيد الأشج ، ومحمد بن المثنى . قال الأشج : عن أبي خالد الأحمر عن الأعمش . وقال ابن المثنى : ثنا محمد بن جعفر عن شعبة . ثم اتفق شعبة والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود ؟ قال شعبة : سمعت أوس بن ضمعج يقول : سمعت أبا مسعود هو البدري - قال : قال رسول الله ﷺ : { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه } . قال علي : وقد فسر رسول الله ﷺ الهجرة الباقية أبدا كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال : { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه } قال علي : وقال مالك : يؤم الأفضل وإن كان أقل قراءة - وهذا خطأ ، لأنه خلاف أمر رسول الله ﷺ - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج أنا نافع أنه سمع ابن عمر يقول " كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين أصحاب رسول الله ﷺ والأنصار في مسجد قباء ، فيهم : أبو بكر ، وعمر ، وأبو سلمة وزيد بن حارثة ، وعامر بن ربيعة " . قال علي : وحدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال " لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضعا بقباء قبل مقدم رسول الله ﷺ كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا " . قال علي : فهذا فعل الصحابة رضي الله عنهم بعلم رسول الله ﷺ ولا مخالف لهم من الصحابة في ذلك . فإن قيل : إن عمر قدم صهيبا ؟ قلنا : نعم ، وصار صهيب أميرا مستخلفا من قبل الإمام ، فهو أحق الناس يومئذ لأنه سلطان ؟ قال علي : وروينا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير فقال أبو سلمة : قال النبي ﷺ : { إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم ، وإن كان أصغرهم سنا ، فإذا أمهم فهو أميرهم } . وقال أبو سلمة : فذاك أمير أمره رسول الله ﷺ وإنما أجزنا إمامة من أم بخلاف ذلك - : لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ثنا بكر بن عيسى قال سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين { أن أبا بكر الصديق صلى للناس ورسول الله ﷺ في الصف } . وبه إلى أحمد بن شعيب - : أنا علي بن حجر ثنا إسماعيل هو ابن علية - ثنا حميد عن أنس قال { آخر صلاة صلاها رسول الله ﷺ مع القوم : صلى في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع وحسن بن علي الحلواني جميعا عن عبد الرزاق أنا ابن جريج حدثني ابن شهاب عن حديث عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره - فذكر حديثا وفيه قال { فأقبلت معه - يعني رسول الله ﷺ - حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى لهم ، فأدرك رسول الله ﷺ إحدى الركعتين ، فصلى عليه السلام مع الناس الركعة الآخرة ، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله ﷺ يتم صلاته فأفزع ذلك المسلمين ، فأكثروا التسبيح ، فلما قضى رسول الله ﷺ أقبل عليهم فقال : أحسنتم ، أو قد أصبتم ، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها } . وبهذا الإسناد إلى ابن شهاب - : عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن حمزة بن المغيرة بن شعبة نحو هذا الحديث ، وفيه قال المغيرة : { أردت تأخير عبد الرحمن بن عوف فقال رسول الله ﷺ دعه } . قال علي : فبهذين الخبرين علمنا أن قول رسول الله ﷺ { يؤم القوم أقرؤهم ، فإن استووا فأفقههم ، فإن استووا فأقدمهم هجرة ، فإن استووا ، فأقدمهم سنا } : ندب لا فرض ؛ لأنه عليه السلام أقرأ من أبي بكر ، وعبد الرحمن ، وأفقه منهما ، وأقدم هجرة ، إلى الله تعالى منهما وأسن منهما ؟ وبهذين الأثرين جازت الصلاة خلف كل مسلم ، وإن كان في غاية النقصان ، لأنه لا مسلم إلا ونسبته في الفضل والدين إلى أفضل المسلمين بعد رسول الله ﷺ - : أقرب من نسبة أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف - وهما من أفضل المسلمين رضي الله عنهما - في الفضل والدين إلى رسول الله ﷺ ، فخرج هذا بدليله ؟ ولم نجد في التقدم على السلطان وعلى صاحب المنزل أثرا يخرجهما عن الوجوب إلى الندب ، فبقي على الوجوب . بل وجدنا ما يشد وجوب ذلك - : كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال : { لما استعز برسول الله ﷺ وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة ، فقال : مروا من يصلي بالناس فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر في الناس ، وكان أبو بكر غائبا ، فقال : قم يا عمر فصل بالناس ، فتقدم وكبر ، فلما سمع رسول الله ﷺ صوته - وكان عمر رجلا مجهرا - فقال رسول الله ﷺ فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة ثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال : تزوجت امرأة فكان عندي ليلة زفاف امرأتي نفر من أصحاب رسول الله ﷺ فلما حضرت الصلاة أراد أبو ذر أن يتقدم فيصلي ، فجذبه حذيفة وقال : رب البيت أحق بالصلاة ، فقال لابن مسعود : أكذلك ؟ قال : نعم قال أبو سعيد : فتقدمت فصليت بهم وأنا يومئذ عبد ؟ وعن ابن جريج عن عطاء - في القوم يتنازلون فيهم القرشي والعربي والمولى والأعرابي والعبد ، لكل امرئ منهم فسطاط ، فانطلق أحدهم إلى فسطاط أحدهم فحانت الصلاة ، قال - : صاحب الرحل يؤمهم هو ، حقه يعطيه من يشاء .

488 - مسألة : والأعمى ، والبصير ، والخصي ، والفحل ، والعبد ، والحر ، وولد الزنى ، والقرشي - : سواء في الإمامة في الصلاة ، وكلهم جائز أن يكون إماما راتبا ، ولا تفاضل بينهم إلا بالقراءة ، والفقه ، وقدم الخير ، والسن ، فقط ؟ وكره مالك إمامة ولد الزنى ، وكون العبد إماما راتبا - ولا وجه لهذا القول ، لأنه لا يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا قول صاحب ، وعيوب الناس في أديانهم وأخلاقهم ، لا في أبدانهم ولا في أعراقهم . قال الله عز وجل : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } . واحتج بعض المقلدين له بأن قال : يفكر من خلفه فيه فيلهى عن صلاته قال علي : وهذا في غاية الغثاثة والسقوط ولا شك في أن فكرة المأموم في أمر الخليفة إذا صلى بالناس ، أو الأحدب إذا أمهم - أكثر من فكرته في ولد الزنى ، ولو كان لشيء مما ذكرنا حكم في الدين لما أغفله الله على لسان رسوله ﷺ : { وما كان ربك نسيا } . والعجب كله في الفرق بين الإمام الراتب وغير الراتب وتجوز إمامة الفاسق كذلك ونكرهه ، إلا أن يكون هو الأقرأ ، والأفقه ، فهو أولى حينئذ من الأفضل ، إذا كان أنقص منه في القراءة ، أو الفقه ، ولا أحد بعد رسول الله ﷺ إلا وله ذنوب . قال عز وجل : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } . وقال تعالى : { والصالحين من عبادكم وإمائكم } . فنص تعالى على أن من لا يعرف له أب : إخواننا في الدين . وأخبر أن في العبيد والإماء صالحين ؟ - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة : أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي ، هو وأبوه ، وعبيد بن عمير ، والمسور بن مخرمة وناس كثير ، فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وهو غلامها لم يعتق ، فكان إمام أهلها بني محمد بن أبي بكر ، وعروة ، وأهلها ، إلا عبد الله بن عبد الرحمن كان يستأخر عنه أبو عمرو فقالت عائشة رضي الله عنها : إذا غيبني أبو عمرو ودلاني في حفرتي فهو حر ؟ وعن إبراهيم النخعي قال : يؤم العبد الأحرار وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال : كان يؤمنا في مسجدنا هذا عبد ، فكان شريح يصلي فيه ؟ وعن وكيع عن سفيان الثوري عن يونس عن الحسن البصري قال : ولد الزنى وغيره سواء ؟ وعن وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال : ولد الزنى بمنزلة رجل من المسلمين ، يؤم ، وتجوز شهادته إذا كان عدلا وعن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت إذا سئلت عن ولد الزنى : قالت ليس عليه من خطيئة أبويه شيء { ولا تزر وازرة وزر أخرى } . وعن وكيع عن سفيان الثوري عن برد أبي العلاء عن الزهري قال : كان أئمة من ذلك ، قال وكيع : يعني من الزنى . وعن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان قال : سألت إبراهيم عن ولد الزنى ، والأعرابي ، والعبد ، والأعمى : هل يؤمون ؟ قال : نعم ، إذا أقاموا الصلاة وعن الشعبي : ولد الزنى تجوز شهادته ويؤم ؟ وعن معمر قال سألت الزهري عن ولد الزنى : هل يؤم ؟ قال : نعم ، وما شأنه ؟ وقد كان أبو زيد صاحب رسول الله ﷺ يؤم وهو مقعد ذاهب الرجل وقد كان طلحة أشل اليد ، وما اختلف في جواز إمامته ، وقد كان في الشورى . ومن طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه دخل على عثمان رضي الله عنه وهو محصور ، فقال له : إنك إمام عامة ، ونزل بك ما نرى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج ، فقال له عثمان : إن الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم ؟ وكان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ، ونجدة - : أحدهما خارجي ، والثاني أفسق البرية وكان ابن عمر يقول : الصلاة حسنة ما أبالي من شركني فيها ؟ وعن ابن جريج قلت لعطاء : أرأيت إماما يؤخر الصلاة حتى يصليها مفرطا فيها ؟ قال : أصلي مع الجماعة أحب إلي ، قلت : وإن اصفرت الشمس ولحقت برءوس الجبال ؟ قال : نعم ، ما لم تغب ، قلت لعطاء : فالإمام لا يوفي الصلاة ، أعتزل الصلاة معه ؟ قال : بل صل معه ، وأوف ما استطعت ، الجماعة أحب إلي ، فإن رفع رأسه من الركوع ولم يوف الركعة فأوف أنت ، فإن رفع رأسه من السجدة ولم يوف ، فأوف أنت ، فإن قام وعجل عن التشهد فلا تعجل أنت ، وأوف وإن قام ؟ وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عقبة عن أبي وائل : أنه كان يجمع مع المختار الكذاب . وعن أبي الأشعث قال : ظهرت الخوارج علينا فسألت يحيى بن أبي كثير ، فقلت : يا أبا نصر ، كيف ترى في الصلاة خلف هؤلاء ؟ قال : القرآن إمامك ، صل معهم ما صلوها ؟ وعن إبراهيم النخعي قلت لعلقمة : إمامنا لا يتم الصلاة ؟ قال علقمة : لكنا نتمها ، يعني نصلي معه ونتمها وعن الحسن : لا تضر المؤمن صلاته خلف المنافق ، ولا تنفع المنافق صلاته خلف المؤمن ؟ وعن قتادة قلت لسعيد بن المسيب : أنصلي خلف الحجاج ؟ قال : إنا لنصلي خلف من هو شر منه قال علي : ما نعلم أحدا من الصحابة رضي الله عنهم امتنع من الصلاة خلف المختار ، وعبد الله بن زياد ، والحجاج ، ولا فاسق أفسق من هؤلاء . وقد قال الله عز وجل : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } . ولا بر أبر من الصلاة وجمعها في المساجد فمن دعا إليها ففرض إجابته وعونه على البر والتقوى الذي دعا إليهما ، ولا إثم بعد الكفر آثم من تعطيل الصلوات في المساجد ، فحرام علينا أن نعين على ذلك ؟ وكذلك الصيام ، والحج ، والجهاد ، من عمل شيئا من ذلك عملناه معه ، ومن دعانا إلى إثم لم نجبه ، ولم نعنه عليه وكل هذا قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟

=======




كتـاب الصلاة


صلاة الجماعة

489 - مسألة : ومن صلى جنبا أو على غير وضوء - عمدا أو نسيانا - فصلاة من ائتم به صحيحة تامة ، إلا أن يكون علم ذلك يقينا فلا صلاة له ؛ لأنه ليس مصليا ، فإذا لم يكن مصليا فالمؤتم بمن لا يصلي عابث عاص مخالف لما أمر به ، ومن هذه صفته في صلاته فلا صلاة له وقال أبو حنيفة : لا تجزئ صلاة من ائتم بمن ليس على طهارة عامدا كان الإمام أو ناسيا ؟ وقال مالك : إن كان ناسيا فصلاة من خلفه تامة ، وإن كان عامدا فلا صلاة لمن خلفه ؟ وقال الشافعي ، وأبو سليمان ، كما قلنا ؟ قال علي : برهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وليس في وسعنا علم الغيب من طهارته ؟ وكل إمام يصلى وراءه في العالم : ففي الممكن أن يكون على غير طهارة عامدا أو ناسيا ، فصح أننا لم نكلف علم يقين طهارتهم ؟ وكل أحد يصلي لنفسه ، ولا يبطل صلاة المأموم - إن صحت - بطلان صلاة الإمام ، ولا يصح صلاة المأموم - إن بطلت - صحة صلاة الإمام . ومن تعدى هذا فهو مناقض ، لأنهم لا يختلفون - نعني الحنفيين ، والمالكيين - في أن الإمام إن أحدث مغلوبا فإن طهارته قد انتقضت . قال المالكيون : وصلاته أيضا قد بطلت . ثم لا يختلفون : أن صلاة من خلفه لم تنتقض ولا طهارتهم ، فبطل أن تكون صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام ، وأن تفسد بفسادها ، وهم أصحاب قياس بزعمهم . وهم لا يختلفون : في أن صلاة المأموم إن فسدت فإنه لا يصلحها صلاح صلاة الإمام ، فهلا طردوا أصلهم فقالوا : فكذلك إن صحت صلاة المأموم لم يفسدها فساد صلاة الإمام ؟ فلو صح قياس يوما ، لكان هذا أصح قياس في الأرض ؟ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الفضل بن سهل ثنا الحسن بن موسى الأشيب ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال : { يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ، وإن أخطئوا فلكم وعليهم } . قال علي : وعمدتنا في هذا هو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن أبي بكرة : { أن رسول الله ﷺ دخل في صلاة الفجر فكبر فأومأ إليهم : أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر ، فصلى بهم ، فلما قضى الصلاة قال : إنما أنا بشر مثلكم ، وإني كنت جنبا } . قال علي : فقد اعتدوا بتكبيرهم خلفه وهو عليه السلام جنب قال علي : وروينا من طريق هشام بن عروة عن أبيه : أن عمر بن الخطاب صلى بالناس وهو جنب فأعاد ، ولم يبلغنا أن الناس أعادوا ؟ وعن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر : أن أباه صلى بالناس صلاة العصر وهو على غير وضوء ، فأعاد ولم يعد أصحابه ؟ وعن إبراهيم النخعي ، والحسن ، وسعيد بن جبير : فيمن أم قوما وهو على غير طهارة ؟ أنه يعيد ولا يعيدون ، ولم يفرقوا بين ناس وعامد وقال عطاء : لا يعيدون خلف غير المتوضئ ، ويعيدون خلف الجنب - وهذا لا معنى له وروينا عن علي بن أبي طالب : يعيد ويعيدون ؟ ولا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ وقد خالفه عمر ، وابن عمر ، هذا لو صح عن علي ، فكيف ولا يصح ، لأن في الطريق إليه عباد بن كثير ، وهو مطرح ، وغالب بن عبيد الله وهو مجهول . وعبيد الله بن زحر عن علي بن زيد وكلاهما ضعيف ؟ وروى المخالفون عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى - وهو كذاب - عمن لم يسمه وهو مجهول - عن أبي جابر البياضي - وهو كذاب - عن سعيد بن المسيب : في القوم يصلون خلف من ليس على طهارة ناسيا - : أنهم يعيدون . ولو صح لكان مرسلا لا حجة فيه ، فكيف وفيه : كذابان ومجهول فحصلت الرواية عن عمر وابن عمر ، لا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلافها ، وهي في غاية الصحة قال علي : وأما الألثغ ، والألكن ، والأعجمي اللسان ، واللحان : فصلاة من ائتم بهم جائزة . لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فلم يكلفوا إلا ما يقدرون عليه ، لا ما لا يقدرون عليه ، فقد أدوا صلاتهم كما أمروا ، ومن أدى صلاته كما أمر فهو محسن . قال تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } . والعجب كل العجب ممن يجيز صلاة الألثغ واللحان والألكن لنفسه - ويبطل صلاة من ائتم بهم في الصلاة ، وهم - مع ذلك - يبطلون صلاة من صلى وهو جنب ناسيا ، ويجيزون صلاة من ائتم به وهو لا صلاة له وبالله تعالى التوفيق .

490 - مسألة : ولا تجوز إمامة من لم يبلغ الحلم ، لا في فريضة ، ولا نافلة ، ولا أذانه ؟ . وقال الشافعي : تجوز إمامته في الفريضة والنافلة ، ويجوز أذانه ؟ وقال مالك : تجوز إمامته في النافلة ولا تجوز في الفريضة قال علي : احتج من أجاز إمامته بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة - أنا أيوب هو السختياني - عن { عمرو بن سلمة الجرمي قال : كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي ﷺ فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا : أن رسول الله ﷺ قال كذا وقال كذا ، وكنت غلاما حافظا ، فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا ، فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله ﷺ في نفر من قومه فعلمهم الصلاة ، وقال : يؤمكم أقرؤكم فكنت أقرأهم لما كنت أحفظ ، فقدموني فكنت أؤمهم ، وعلي بردة لي صغيرة ، فكنت إذا سجدت تكشفت عني ، فقالت امرأة من النساء : واروا عنا عورة قارئكم ؟ فاشتروا لي قميصا عمانيا ، فما فرحت بشيء بعد الإسلام ما فرحت به فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين ؟ } قال علي : فهذا فعل عمرو بن سلمة ، وطائفة من الصحابة معه ، لا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم ، مخالف فأين الحنفيون ، والمالكيون : المشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم ؟ وهم أترك الناس له . لا سيما من قال منهم : إن ما لا يعرف فيه خلاف : فهو إجماع ، وقد وجدنا لعمرو بن سلمة هذا : صحبة ، ووفادة على النبي ﷺ مع أبيه . قال علي : وأما نحن فلا حاجة عندنا في غير ما جاء به رسول الله ﷺ من إقرار ، أو قول ، أو عمل ، ولو علمنا أن رسول الله ﷺ عرف هذا وأقره لقلنا به ، فأما إذا لم يأت بذلك أثر فالواجب عند التنازع أن يرد ما اختلفنا فيه إلى ما افترض الله علينا الرد إليه من القرآن والسنة - : فوجدنا رسول الله ﷺ قد قال : { إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أقرؤكم } فكان المؤذن مأمورا بالأذان ، والإمام مأمورا بالإمامة ، بنص هذا الخبر . ووجدناه ﷺ قد قال : { إن القلم رفع عن الصغير حتى يحتلم . } فصح أنه غير مأمور ولا مكلف . فإذ هو كذلك فليس هو المأمور بالأذان ، ولا بالإمامة ، وإذ ليس مأمورا بهما فلا يجزئان إلا من مأمور بهما ، لا ممن لم يؤمر بهما ، ومن ائتم بمن لم يؤمر أن يؤتم به - وهو عالم بحاله - فصلاته باطل ، فإن لم يعلم بأنه لم يبلغ ، وظنه رجلا بالغا - : فصلاة المؤتم به تامة ، كمن صلى خلف جنب ، أو كافر - لا يعلم بهما - ولا فرق وبالله التوفيق ؟ وأما الفرق بين إمامة من لم يبلغ في الفريضة وبين إمامته في النافلة - : فكلام لا وجه له أصلا ؛ لأنه دعوى بلا برهان

491 - مسألة : وصلاة المرأة بالنساء جائزة ، ولا يجوز أن تؤم الرجال ؟ وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي - إلا أن أبا حنيفة كره ذلك ، وأجاز ذلك - : وقال الشافعي : بل هي السنة - ومنع مالك من ذلك ؟ قال علي : أما منعهن من إمامة الرجال : فلأن رسول الله ﷺ أخبر : أن المرأة تقطع صلاة الرجل ، وأن موقفها في الصلاة خلف الرجال ، والإمام لا بد له من التقدم أمام المؤتمين ، أو من الوقوف عن يسار المأموم إذا لم يكن معه غيره . فلو تقدمت المرأة أمام الرجل لقطعت صلاته ، وصلاتها . وكذلك لو صلت إلى جنبه ، لتعديها المكان الذي أمرت به ، فقد صلت بخلاف ما أمرت ؟ وأما إمامتها النساء : فإن المرأة لا تقطع صلاة المرأة إذا صلت أمامها أو إلى جنبها ، ولم يأت بالمنع من ذلك قرآن ولا سنة ، وهو فعل خير ؟ وقد قال تعالى : { وافعلوا الخير } وهو تعاون على البر والتقوى . وكذلك : إن أذن وأقمن فهو حسن لما ذكرنا ؟ : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ميسرة بن حبيب النهدي هو أبو حازم - عن ريطة الحنفية : أن عائشة أم المؤمنين أمتهن في الفريضة ؟ : حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا زياد بن لاحق عن تميمة بنت سلمة عن عائشة أم المؤمنين : أنها أمت النساء في صلاة المغرب فقامت وسطهن وجهرت بالقراءة وبه إلى يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أم الحسن بن أبي الحسن حدثتهم : أن أم سلمة أم المؤمنين كانت تؤمهن في رمضان وتقوم معهن في الصف ؟ قال علي : هي خيرة ثقة الثقات ، وهذا إسناد كالذهب . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : تقيم المرأة لنفسها ؟ وقال طاوس : كانت عائشة أم المؤمنين تؤذن ، وتقيم ؟ : وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن حجيرة بنت حصين قالت أمتنا أم سلمة أم المؤمنين في صلاة العصر ، وقامت بيننا . ورويناه أيضا : من طريق وكيع عن سفيان بإسناده . وعن ابن عباس : تؤم المرأة النساء ، وتقوم وسطهن ؟ وعن ابن عمر : أنه كان يأمر جارية له تؤم نساءه في رمضان ؟ وعن عطاء ، ومجاهد ، والحسن ، جواز إمامة المرأة للنساء في الفريضة ، والتطوع - وتقوم وسطهن في الصف وعن النخعي ، والشعبي : لا بأس بأن تصلي المرأة بالنساء في رمضان ، وتقوم وسطهن ؟ قال علي : وقال الأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه وأبو ثور : يستحب أن تؤم المرأة النساء ، وتقوم وسطهن ؟ قال علي : ما نعلم لمنعها من التقدم حجة أصلا ، وحكمها عندنا التقدم أمام النساء ، وما نعلم لمن منع من إمامتها النساء حجة أصلا . لا سيما وهو قول جماعة من الصحابة كما أوردنا ، لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم أصلا ، وهم يعظمون هذا إذا وافق أهواءهم ، ويرونه خلافا للإجماع ، وهو سهل عليهم خلافهم ، إذا لم يوافق أهواءهم ، وبالله تعالى التوفيق

492 - مسألة : وإذا أحدث الإمام ، أو ذكر : أنه غير طاهر ، فخرج ، فاستخلف : فحسن - فإن لم يستخلف فليتقدم أحدهم يتم بهم الصلاة ولا بد ، فإن أشار إليهم أن ينتظروه ؟ ففرض عليهم انتظاره حتى ينصرف فيتم بهم صلاتهم ، ثم يتم لنفسه ؟ أما انتظاره : فلما ذكرنا آنفا من { ذكر رسول الله ﷺ أنه جنب فخرج وأومأ إليهم أن مكانكم ثم عاد ، وقد اغتسل فصلى بهم } ؟ وأما استخلافهم : فلما ذكرنا قبل من { أن النبي ﷺ مضى إلى قباء فقدم المسلمون أبا بكر فجاء رسول الله ﷺ . فلما أحس أبو بكر به تأخر وتقدم عليه السلام فصلى بالناس } ، ولأن فرضا على الناس أن يصلوا في جماعة كما قدمنا ، فلا بد لهم من إمام : إما باستخلاف إمامهم ، وإما باستخلافهم أحدهم ، وإما بتقدم أحدهم ؟ وقال أبو حنيفة : إن أحدث الإمام وهو ساجد فرفع رأسه ولم يكبر واستخلف : جاز ذلك . وصلاتهم كلهم تامة . فلو كبر ثم استخلف بطلت صلاة الجميع . فلو خرج من المسجد قبل أن يستخلف بطلت صلاة الجميع ؟ قال علي : وهذه أقوال في غاية الفساد والتخليط ، وليس عليها من بهجة الحق أثر ؟ وليت شعري إذا أحدث ساجدا فرفع رأسه ولم يكبر : في صلاة هو أم في غير صلاة ؟ وهل إمامته لهم باقية أو لا ؟ ولا بد من أحد الوجهين - : فإن قالوا : هو في صلاة وإمامته باقية ، جعلوه مصليا بلا وضوء ، وإماما بلا وضوء ، وهذا خلاف أصلهم الآخر الفاسد في بطلان صلاة من ائتم بإمام هو على غير طهارة ناسيا أو ذاكرا ؟ ثم نقول لهم : إذ هو في صلاة وهو بعد باق على إمامته لهم ؟ فما ذنبه إذ كبر فأبطل صلاة نفسه وصلاتهم ؟ هذه عداوة منكم لذكر الله تعالى وأخية قولكم : من عطس في صلاته فقال بلسانه " الحمد لله رب العالمين " بطلت صلاته ؟ ولو قعد مقدار التشهد فقذف محصنة ، أو ضرط عامدا لم تبطل صلاته تعالى الله ، ما أوحش هذه الأقوال التي لا يحل قبولها ؟ إلا لو قالها رسول الله ﷺ وحده ، الذي لم نأخذ الصلاة ، ولا الدين ، ولا ذكر الله تعالى إلا عنه ، فلا يحل لنا إذن شيء من ذلك إلا كما أمرنا وإن قالوا : بل ليس في صلاة ، ولا هم بعد في إمامته ؟ قلنا لهم : فإذ قد خرج بالحدث من إمامتهم وعن الطهارة التي لا صلاة إلا بها - : فما الذي ولد عليه تكبيره من الضرر ، حتى أحدث عليه قوله " الله أكبر " : بطلان صلاته ، وكذلك خروجه من المسجد ؟ وفي هذا القول من السخافة غير قليل وهذا مسجد بيت المقدس طوله ثمانمائة ذراع ونيف ، ورب مسجد ليس عرضه إلا ثلاثة أذرع أو نحوها ، وطوله مثل ذلك فقط ونحمد الله على تسليمه إيانا من مثل هذه الأقوال المنافرة لصحة الدماغ ؟ قال علي : فإن استخلف من دخل حينئذ ولم يكبر بعد ، أو قد كبر ، أو من أدرك معه أول صلاته ، أو قدموا لهم من هذه صفته ، أو تقدم هو - : فكل ذلك جائز ، إذ استخلاف إمام يتم بهم فرض كما ذكرنا ، لوجوب الصلاة في جماعة عليهم ، فليبدأ المستخلف - إن كان لم يدرك من الصلاة ركعة واحدة واستخلف في الثانية : فيتم تلك الركعة بهم ، ثم إذا سجد سجدتيها أشار إليهم فجلسوا ، وقام هو إلى ثانيته ، فإذا أتمها جلس وتشهد ، ثم قام وقاموا معه فأتم بهم الركعتين أو الركعة - : إن كانت المغرب ، فإن كانت الصبح فكذلك سواء سواء ، فإذا أتم تشهده سلم وسلموا ؟ فإن فاتته ركعتان واستخلف في الجلوس كبر وقاموا معه بعد أن يتموا تشهدهم بأسرع ما يمكن ، وأتى بالركعتين الباقيتين وهم معه ، فإذا جلسوا قام إلى باقي صلاته فأتمها ثم يتشهد ويسلم ويسلمون ، فإن كان ذلك في جلوس الصبح فكذلك ، ثم جلس وتشهد وسلم وسلموا ؟ فإن فاتته ثلاث ركعات واستخلف في أول الرابعة صلاها ، فإذا رفع من آخر سجوده قام وجلسوا ، ثم أتى بركعة وجلس وتشهد ، ثم قام وأتى بباقي صلاته ، ثم جلس وتشهد وسلم وسلموا ؟ وبالجملة فلا يصلي إلا صلاة نفسه ، لا كما كان يصلي لو كان مأموما ، لأنه إمام والإمام لا يتبع أحدا في صلاته لكن يتبع فيها ، وأما هم فيتبعونه فيما لا يريدون به في صلاتهم وقوفا ولا سجدة ثالثة ، وكل أحد يصلي لنفسه قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } فإن كان المستخلف في مؤخر الصفوف فما بين ذلك إلى أحد جهات الصف الأول - : ففرض عليه المشي مستقبلا للقبلة كما هو على أحد جنبيه إلى موقف الإمام ؛ لأن فرض الإمام - لغير الضرورة - أن يقف أمام المأمومين وهم وراءه ولا بد ، ففرض عليه المشي إلى ما أمر به من ذلك ، ولا يجوز له أن يخالف عن كون وجهه إلى شطر المسجد الحرام ، إلا لضرورة لا يقدر على غير ذلك معها - وبالله تعالى التوفيق .

493 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يؤم وهو ينظر ما يقرأ به في المصحف ، لا في فريضة ولا نافلة ، فإن فعل عالما بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته ، وصلاة من ائتم به عالما بحاله ، عالما بأن ذلك لا يجوز ؟ قال علي : من لا يحفظ القرآن فلم يكلفه الله تعالى قراءة ما لا يحفظ ، لأنه ليس ذلك في وسعه . قال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فإذا لم يكن مكلفا ذلك فتكلفه ما سقط عنه : باطل ، ونظره في المصحف عمل لم يأت بإباحته في الصلاة نص . وقد قال عليه السلام : { إن في الصلاة لشغلا } ؟ وكذلك صلاة من صلى على عصا ، أو إلى حائط لضعفه عن القيام ؛ لأنه لم يؤمر بذلك وحكم من هذه صفته أن يصلي جالسا وليس له أن يعمل في صلاته ما لم يؤمر به . ولو كان ذلك فضلا لكان رسول الله ﷺ أولى بذلك ، لكنه لم يفعله ، بل صلى جالسا إذ عجز عن القيام ، وأمر بذلك من لا يستطيع ، فصلاة المعتمد : مخالفة لأمر رسول الله ﷺ . وقد قال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد . } وهو قول سعيد بن المسيب ، والحسن ، وغيرهما

========




كتـاب الصلاة


صلاة الجماعة

494 - مسألة : ومن نسي صلاة فرض - أي صلاة كانت - فوجد إماما يصلي صلاة أخرى - أي صلاة كانت - في جماعة : ففرض عليه ولا بد أن يدخل فيصلي التي فاتته ، وتجزئه ، ولا نبالي باختلاف نية الإمام والمأموم وجائز صلاة الفرض خلف المتنفل : والمتنفل خلف من يصلي الفرض ، وصلاة فرض خلف من يصلي صلاة فرض أخرى ، كل ذلك حسن ، وسنة ؟ ولو وجد المرء جماعة تصلي التراويح في رمضان ، ولم يكن صلى العشاء الآخرة ، فليصلها معهم ، ينوي فرضه ، فإذا سلم الإمام ولم يكن هو أتم صلاته فلا يسلم ، بل يقوم ، فإن قام الإمام إلى الركعتين : قام هو أيضا فائتم به فيهما ، ثم يسلم بسلام الإمام - وكذلك لو ذكر صلاة فائتة ؟ وجائز أن يصلي إمام واحد بجماعتين فصاعدا في مساجد شتى صلاة واحدة هي لهم : فرض ، وكلها له : نافلة ، سوى التي صلى أولا . وكذلك من صلى صلاة فرض في جماعة فجائز له أن يؤم في تلك الصلاة جماعة أخرى وجماعة بعد جماعة . ؟ ومن فاتته الصبح فوجد قوما يصلون الظهر صلى معهم ركعتين ينوي بهما الصبح ، ثم سلم ، وصلى الباقيتين بنية الظهر ، ثم أتم ظهره ، وهكذا يعمل في كل صلاة على حسب ما ذكرنا : وهذا قول الشافعي ، وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز أن تختلف نية الإمام والمأموم . قال علي : إن من العجب أن يكون الحنيفيون يجيزون الوضوء للصلاة والغسل من الجنابة بغير نية ، أو بنية التبرد . وفيهم من يجيز صوم رمضان بنية الإفطار ، وترك الصوم وكلهم يجيزه بنية التطوع ويجزئه عن فرضه ، وبنية الفطر إلى زوال الشمس ، فيبطلون النيات حيث أوجبها الله تعالى ورسوله ﷺ ثم يوجبونها ههنا حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله ﷺ . وفي المالكيين من يجزئ عنده غسل الجمعة ، ودخول الحمام من غسل الجنابة ، فيسقطون النية حيث هي فرض ، ويوجبونها حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله ﷺ . قال علي : وإنما يجب الكلام في وجوب اتفاق نية الإمام والمأموم ، أو في سقوط وجوبه ، فإذا سقط وجوبه صحت المسائل التي ذكرنا كلها ، لأنها مبنية على هذا الأصل ، ومنتجة منه ؟ قال علي : فنقول وبالله تعالى التوفيق : إنه لم يأت قط : قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس : يوجب اتفاق نية الإمام والمأموم ، وكل شريعة لم يوجبها قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، فهي غير واجبة ، وهذه شريعة لم يوجبها شيء مما ذكرنا ، فهي باطل ؟ ثم البرهان يقوم على سقوط وجوب ذلك ، وقد كان يكفي من سقوطه عدم البرهان على وجوبه ؟ قال علي : من المحال أن يكلفنا الله تعالى موافقة نية المأموم منا لنية الإمام لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وليس في وسعنا علم ما غيب عنا من نية الإمام حتى نوافقها ، وإنما علينا ما يسعنا ونقدر عليه من القصد بنياتنا تأدية ما أمرنا به كما أمرنا ، وهذا برهان ضروري سمعي وعقلي وبرهان آخر : وهو قول الله تعالى : { لا تكلف إلا نفسك } وهذا نص جلي كاف في إبطال قولهم فإن قالوا : قد قال رسول الله ﷺ : { إنما جعل الإمام ليؤتم به } ؟ قلنا : نعم ، وقد بين رسول الله ﷺ - في هذا الخبر نفسه - المواضع التي يلزم الائتمام بالإمام فيها ، وهي قوله عليه السلام : { فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا } فهاهنا أمر عليه السلام بالائتمام فيه ، لا في النية التي لا سبيل إلى معرفتها لغير الله تعالى ، ثم لناويها وحده ؟ والعجب كل العجب أن المحتجين بهذا الخبر فيما ليس فيه منه أثر - من إيجاب موافقة نية المأموم لنية الإمام - : أول عاصين لهذا الخبر - : فيقولون : لا يقتدي المأموم بالإمام في قول " سمع الله لمن حمده " فإذا قيل لهم : هذا ؟ قالوا : لم يذكر النبي ﷺ ذلك ؟ فقيل لهم : ولا نهى عنه ، ولا ذكر عليه السلام أيضا موافقة نية المأموم للإمام ، لا في هذا ولا في غيره . ثم خالفه المالكيون في أمره بأن نصلي قعودا إذا صلى قاعدا ، فأي عجب أعجب من احتجاجهم بخبر يخالفون نص ما فيه ويوجبون به ما ليس فيه ؟ نعوذ بالله من مثل هذا ؟ وقال عليه السلام : { إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى } فنص عليه السلام نصا جليا على أن لكل أحد ما نوى . فصح يقينا أن للإمام نيته ، وللمأموم نيته ، لا تعلق لإحداهما بالأخرى ، وما عدا هذا فباطل بحت لا شك فيه - وبالله تعالى نتأيد ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن منصور عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله { أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله ﷺ عشاء الآخرة ، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة } وبه إلى مسلم : ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله { أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي ﷺ ثم يأتي فيؤم قومه ، فصلى ليلة مع النبي ﷺ العشاء ، ثم أتى قومه فأمهم ، فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف ، فقالوا له : أنافقت يا فلان ؟ قال : لا والله ، ولآتين رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله ، إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار ، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله ﷺ على معاذ فقال : يا معاذ ، أفتان أنت ؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا } . فهذا رسول الله ﷺ قد علم بالأمر وأقره على حاله ولم ينكرها ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا يحيى بن سعيد هو القطان - عن محمد بن عجلان ثنا عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله { أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله ﷺ ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة . } قال علي : إنما أوردنا هذا الخبر ؛ لأن بعض من لا يردعه دين عن الكذب قال : لم يرو أحد هذه اللفظة إلا عمرو بن دينار ؟ فأريناه : أنه قد رواها عبيد الله بن مقسم ، وهو متفق على ثقته ، ثم حتى لو انفرد بها عمرو فكان ماذا ؟ ما يختلف مسلمان في أن عمرا هو النجم الثاقب ثقة وحفظا وإمامة ، وبلا شك فهو فوق أبي حنيفة ومالك اللذين يعارض هؤلاء السنن برأيهما الذي أخطآ فيه ؛ لأن عمرا لقي الصحابة وأخذ عنهم . وأقل مراتب عمرو : أن يكون في نصاب شيوخ مالك ، وأبي حنيفة : كالزهري ، ونافع ، وحماد بن أبي سليمان وغيرهم . وقد روى عن عمرو من هو أجل من مالك ، وأبي حنيفة ومثلهما : كأيوب ، ومنصور ، وشعبة ، وحماد بن زيد ، وسفيان ، وابن جريج وغيرهم . فكيف وقد صح في هذا ما هو أجل من فعل معاذ ؟ كما حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان عن الأشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري { عن أبي بكرة أنه صلى مع رسول الله ﷺ صلاة الخوف ، فصلى بالذين خلفه ركعتين ، والذين جاءوا بعد ركعتين ، فكانت للنبي ﷺ أربعا ، ولهؤلاء ركعتين } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن معاذ بن العنبري ثنا أبي ثنا الأشعث هو ابن عبد الملك عن الحسن البصري عن أبي بكرة قال { صلى رسول الله ﷺ في خوف الظهر ، فصف بعضهم خلفه ، وبعضهم بإزاء العدو ، فصلى ركعتين ثم سلم ، فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ، ثم جاء أولئك فصفوا خلفه ، فصلى بهم ركعتين ثم سلم ، فكانت لرسول الله ﷺ أربعا ولأصحابه : ركعتين ، ركعتين } وبه كان يفتي الحسن ؟ قال علي : وقد صح سماع الحسن من أبي بكرة - : كما قد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور ثنا سفيان هو ابن عيينة أنا أبو موسى هو إسرائيل بن موسى - قال : سمعت الحسن يقول : سمعت أبا بكرة يقول : { لقد رأيت رسول الله ﷺ على المنبر ، والحسن بن علي معه } وذكر الحديث . وأبو موسى هذا : ثقة روى عنه سفيان والحسين بن علي الجعفي ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عفان هو ابن مسلم - ثنا أبان هو ابن يزيد العطار - ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر قال { أقبلنا مع رسول الله ﷺ حتى إذا كنا بذات الرقاع } وذكر الحديث . قال { : فنودي بالصلاة ، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا ، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين . قال جابر : فكانت للنبي ﷺ أربع ركعات ، وللقوم ركعتان } . قال علي : وهذا حديث سمعه يحيى من أبي سلمة وسمعه أبو سلمة من جابر ، ورويناه كذلك من طرق ، اكتفينا بهذا طلب الاختصار . فهذا آخر فعل رسول الله ﷺ لأن أبا بكرة شهده ، وإنما كان إسلامه يوم الطائف بعد فتح مكة وبعد حنين وقد لجأ بعضهم إلى ما يلجأ إليه المفضوح المبلح الذي لا يتقي الله تعالى فيما يتكلم به فقال : ليس في حديث جابر : أنه سلم عليه السلام بين الركعتين ، والركعتين ؟ قال علي : فيقال له : كذبت ، قد روينا من طريق قتادة عن سليمان اليشكري عن جابر { أنه عليه السلام سلم بينهما } . فقالوا : قد تكلم في سماع قتيبة من سليمان ؟ فقلنا : أنتم تقولون : المرسل كالمسند ، فالآن أتاكم التعلل بالباطل في المسند بأنه قد قيل - ولم يصح ذلك القول - : أنه مرسل ، إن هذا لعجب لا سيما وقد بين أبو بكرة في حديثه أنه عليه السلام سلم بين الركعتين والركعتين ، ولم يرو أحد : أنه عليه السلام لم يسلم بين الركعتين والركعتين ؟ ولو صح : أنه عليه السلام لم يسلم بين الركعتين والركعتين لكان ذلك أشد على المخالفين ، لأنهم إنما هم مقلدو أبي حنيفة ، ومالك وأبو حنيفة يرى على من صلى أربعا وهو مسافر : أن صلاته فاسدة ، إلا أن يجلس في الاثنتين مقدار التشهد فتصح صلاته ، وتكون الركعتان اللتان يقوم إليهما تطوعا . فإن كان عليه السلام لم يقعد بين الركعتين مقدار التشهد فصلاته عندهم فاسدة ، فإن أقدموا على هذا القول كفروا بلا مرية . وإن كان عليه السلام قعد بين الركعتين مقدار التشهد ، فقد صارت الطائفة الثانية مصلية فرضهم خلفه ، وهو عليه السلام متنفل ، وهذا قولنا لا قولهم ؟ وأما المالكيون فإنهم يقولون : إن المسافر إن صلى أربعا : فقد أساء في صلاته وعليه أن يعيدها في الوقت . فإن قالوا : هذا في صلاة رسول الله ﷺ كفروا بلا مرية ، وإن قالوا : بل سلم بين الركعتين والركعتين : أقروا بأن الطائفة الثانية رضي الله عنهم صلوا فرضهم خلفه عليه السلام وهو متنفل وهذا إجماع صحيح من جميع الصحابة رضي الله عنهم مع النبي ﷺ ممن حضر ، ولا يخفى مثل هذا على من غاب ، وكلهم مسلم لأمره عليه السلام ؟ وقد لجأ بعض المفتونين من مقلدي مالك إلى أن قال : هذا خاص برسول الله ﷺ ، لأن في الائتمام به من البركة في النافلة ما ليس في الائتمام بغيره في الفريضة ؟ - : قال علي : فر هذا البائس من الإذعان للحق إلى الكذب على الله تعالى في دعواه الخصوص فيما لم يقل عليه السلام قط : إنه خصوص له . بل قد صح عنه عليه السلام من طريق مالك بن الحويرث أنه قال { صلوا كما تروني أصلي . } وقال تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } . وما قال قط أحد : إنه يجوز معه عليه السلام في الصلاة ما لا يجوز مع غيره ، إلا هؤلاء المقدمون ، نصرا لتقليدهم الفاسد ونعوذ بالله من الخذلان . قال علي : واعترضوا في حديث معاذ بأشياء نذكرها ، وإن كنا غانين عن ذلك بحديث أبي بكرة وجابر ، لكن نصر الحق فضيلة ، وقمع الباطل وسيلة إلى الله تعالى

قال بعضهم : لا يجوز اختلاف نية الإمام والمأموم لما رويتموه من طريق ابن سخبر الجرجاني عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن عبد الله بن عياش بن عباس القتباني عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت } : قال علي : وهذا خبر لا يصح ؛ لأن راويه أبو صالح وهو ساقط . وإنما الصحيح من هذا الخبر - : فهو ما رواه أيوب السختياني وابن جريج بن سلمة وورقاء بن عمرو وزكريا بن إسحاق كلهم عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي ﷺ : قال : { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } . وقد ذكرناه بإسناده في صدر كتاب الصلاة من ديواننا هذا . ثم لو صح لفظ صالح لكان حجة عليهم لا لهم ؛ لأنهم مخالفون له ؛ لأن المالكيين ، والحنفيين معا متفقون - : على أن صلاة الصبح إذا أقيمت فإن من لم يكن أوتر ، ولا ركع ركعتي الفجر - : يصليهما قبل أن يدخل في التي أقيمت فسبحان من يسرهم للاحتجاج بما لا يصح من الأخبار في إبطال ما صح منها ثم لا مؤنة عليهم من خلاف ما احتجوا به حيث لا يجوز خلافه ؟ وأيضا : فهم مصفقون على جواز التنفل خلف من يصلي الفريضة في الظهر والعصر ، فهم أول مخالف لما صححوه من الباطل من حديث أبي صالح ؟ وأما نحن فلو صح هذا الخبر لقلنا به ، ولاستعملنا معه ما قد صح من سائر الأخبار ، من حديث : معاذ ، وجابر ، وأبي بكرة ، وأبي ذر ، ولم نترك منها شيئا لشيء آخر وذكر بعضهم خبرا : - رويناه من طريق عمرو بن يحيى المازني عن معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سلمة من أصحاب رسول الله ﷺ يقال له سليم { أنه أتى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله ، إنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فيأتي معاذ فيطول علينا ؟ فقال رسول الله ﷺ يا معاذ لا تكن فتانا ؟ إما أن تخفف لقومك ، أو تجعل صلاتك معي } . فادعوا من هذا أن معاذا كان يجعل التي يصلي مع النبي ﷺ نافلة ؟ قال علي : وهذا تأويل لا يحل القول به ، لوجوه ستة - : أحدها - أنه كذب ودعوى بلا دليل ، وهذا لا يعجز عنه من لا يحجزه عنه تقوى أو حياء ؟ والثاني - أن هذا خبر لا يصح ؛ لأنه منقطع ؛ لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي ﷺ ولا أدرك هذا الذي شكا إلى رسول الله ﷺ بمعاذ ؟ - : حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا محمد بن معمر ثنا أبو بكر هو عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي - عن أسامة بن زيد قال : سمعت معاذ بن عبد الله بن خبيب قال سمعت جابر بن عبد الله قال كان معاذ - فذكر الحديث - وفيه : { أن سليما قال لرسول الله ﷺ إني رجل أعمل نهاري حتى إذا أمسيت أمسيت ناعسا ، فيأتينا معاذ وقد أبطأ علينا ، فلما احتبس صليت } وذكر الحديث - وفيه : أن سليما صاحب هذه القصة قتل يوم أحد ؟ والثالث - أن يكون رسول الله ﷺ يقول : { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة . } ويقول الله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } ثم يكون معاذ - وهو من أعلم هذه الأمة بالدين - يضيع فرض صلاته الذي قد تعين عليه ، فيترك أداءه ، ويشتغل بالتنفل ، وصلاة الفرض قد أقيمت ، حتى لا يدرك منها شيئا ، لا سيما مع رسول الله ﷺ . فليت شعري ، إلى من كان يؤخر معاذ صلاة فرضه حتى يصليها معه راغبا عن أن يصليها مع رسول الله ﷺ اتباعا لرأي أبي حنيفة ومالك ؟ ألا إن هذا هو الضلال المبين ، قد نزه الله تعالى معاذا عنه عند كل ذي مسكة عقل ؟ والرابع - أن هذا التأويل السخيف الذي لم يستحيوا من أن ينسبوه إلى معاذ رضي الله عنه : لا يجوز عندهم أيضا ، وهو أن تحضر صلاة فرض فينوي بعض الحاضرين ممن لم يكن صلى بعد تلك الصلاة - أن يصليها مع الإمام لا ينوي بها إلا التطوع ففي كل حال قد نسبوا إلى معاذ ما لا يحل عندهم ولا عند غيرهم ، وهذه فتنة سوء مذهبة للعقل والدين ، ونعوذ بالله من الخذلان ، فأي راحة لهم في أن ينسبوا إلى معاذ ما لا يحل عندهم بلا معنى ؟ والخامس - أن يقال لهم : إذ جوزتم لمعاذ ما لا يجوز عندكم من أن يصلي نافلة خلف رسول الله ﷺ ومعاذ لم يصل ذلك الفرض بعد ، وهو عليه السلام يصلي فرضه - : فأي فرق في شريعة ، أو في معقول بين صلاة نافلة خلف مصلي فريضة ، وبين ما منعتم منه من صلاة فرض خلف المصلي نافلة ، وكلاهما اختلاف نية الإمام مع المأموم ، ولا فرق ؟ فهلا قاسوا أحدهما على الآخر ؟ وهلا قاسوا جواز صلاة الفريضة خلف المتنفل من الأئمة على جواز حج الفريضة خلف الحاج تطوعا من الأئمة ، يقف بوقوفه ويدفع بدفعه ويأتم به في حجه ؟ فلو كان شيء من القياس حقا لكان هذا من أحسن القياس وأصحه ، وهم أهل قياس بزعمهم ، ولكن هذا مقدار علمهم فيما شغلوا به أنفسهم وتركوا السنن ؟ فكيف بما لا يشتغلون به من طلب السنن والاعتناء بها - والحمد لله على عظيم نعمته ؟ قال علي : وموه بعضهم هنا بكلام يشبه كلام الممرورين وهو أنه قال : الفرق بينهما : أن بعض سبب التطوع سبب الفريضة ، وأن من ابتدأ صلاة لا ينوي بها شيئا كان داخلا في نافلة ؟ قال علي : هذا كلام لا يفهمه قائله فكيف سامعه وحق قائله سكنى المارستان ومعاناة دماغه ويقال له : اجعل هذا الكلام حجة في المساواة بين الأمرين ؟ وأيضا : فقد قال الباطل والكذب ، بل من ابتدأ صلاة لا ينوي بها شيئا فليس مصليا ولا شيء له ، لقول رسول الله ﷺ { وإنما لكل امرئ ما نوى . } فنحن ندين بأن كلام رسول الله ﷺ أحق بالاتباع من كلام هذا الممخرق بالهذيان ؟ ثم لو صح هذا الحديث الذي ذكروه من طريق معاذ بن رفاعة لما كان لهم فيه متعلق أصلا ، لأنه واضح المعنى ، وكان يكون قوله عليه السلام { : إما أن تخفف عن قومك أو اجعل صلاتك معي } أي لا تصل بهم إذا لم تخفف بهم ، واقتصر على أن تكون صلاتك معي فقط ، هذا مقتضى ذلك اللفظ الذي لا يحتمل سواه ؟ وموه بعضهم بخبر رويناه من طريق قتادة عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن خالد بن أيمن المعافري قال : { وكان أهل العوالي يصلون في منازلهم ويصلون مع النبي ﷺ فنهاهم النبي ﷺ أن يعيدوا الصلاة في يوم مرتين . } وخبر آخر فيما كتب به إلى أبو سليمان داود بن شاذ بن داود المصري قال : ثنا عبد الغني بن سعيد الأزدي الحافظ ثنا هشام بن محمد بن قرة الرعيني ثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال : ثنا الحسين بن نصر قال : سمعت يزيد بن هارون يقول : أنا الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن { سليمان بن يسار قال : أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون ، فقلت : ألا تصلي معهم ؟ قال : قد صليت في رحلي إن رسول الله ﷺ نهى أن تصلى فريضة في يوم مرتين } قال : فكانت صلاة معاذ إذ كان مباحا أن تصلي الصلاة مرتين في اليوم ، ثم نسخ ذلك ؟ قال علي : أما حديث ابن عمر : فصحيح ، وأما حديث خالد بن أيمن : فساقط ؛ لأنه مرسل . ثم لا حجة لهم في شيء منهما - : أول ذلك : أن قائل هذا قد كذب ، وما كان قط مباحا أن تصلي صلاة واحدة على أنها فرض مرتين ، ولا خلاف في أن الله تعالى لم يفرض ليلة الإسراء إلا خمس صلوات فقط ، حاشا ما اختلفوا فيه من الوتر فقط ، وصح { أنه عليه السلام أخبر أنه قال له : هن خمس وهن خمسون { ما يبدل القول لدي } } فبطل كل ما موه به هذا المموه ؟ ووجه آخر : وهو أن معنى الحديث واحد ، وهو حق ، وما حل قط ، ولا قلنا نحن - ومعاذ الله من ذلك : أن تصلى صلاة في يوم مرتين - : وإنما قلنا : أن تؤدى الفريضة خلف المتنفل ، كما فعل رسول الله ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم ، وتصلى النافلة خلف مصلي الفرض ، كما أمر عليه السلام ، وكما يجيزون هم أيضا معنا . وتؤدى الفريضة خلف مؤدي فريضة أخرى ، كما أخبر عليه السلام : بأن { الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } ، ولم ينه عليه السلام عن ذلك قط ولا أحد من أصحابه ، حتى حدث ما حدث وإنما المجيزون أن تصلى صلاة في يوم مرتين : فالمالكيون القائلون : بإعادة الصلاة في الوقت ، وبأن من ذكر صلاة في أخرى : صلى التي هو فيها ثم التي ذكر ، ثم يصلي التي صلى ، وأما نحن فلا ؟ والعجب من احتجاجهم بابن عمر ، وهم يخالفونه في هذه المسألة نفسها ؟ وقال بعضهم قولا يجري في القبح مجرى ما تقدم لهم ويربي عليه ، وهو أنه قال : إنما كان ذلك من معاذ لعدم من كان يحفظ القرآن حينئذ ؟ قال علي : لو اتقى الله قائل هذا الهوس أو استحيا من الكذب ، لم ينصر الباطل بما هو أبطل منه . ولو عرف قدر الصحابة ومنزلتهم في العلم : لم يقل هذا ؛ لأننا نجد ، الزنجي والتركي ، والصقلبي والرومي واليهودي : يسلمون ، فلا تمضي لهم جمعة إلا وقد تعلمت المرأة منهم ، والرجل ( أم القرآن ) و ( قل هو الله أحد ) وما يقيمون به صلاتهم . ولم يستح هذا الجاهل الوقاح أن ينسب إلى حي عظيم من أحياء الأنصار ، وحي آخر صغير منهم ، وهم بنو سلمة ، وبنو أدى قد أسلم منهم - قبل الهجرة بعامين وأشهر - ثلاثة رجال ، وأسلم جمهورهم قبل الهجرة بدهر - : أنهم بقوا المدة الطويلة التي ذكرنا بعد إسلامهم لم يهتبلوا بصلاتهم ، ولا تعلموا سورة يصلون بها ، وهم أهل العربية والبصائر في الدين : اللهم العن من لا يستحيي من المجاهرة بالباطل والكذب المفضوح ؟ فليعلم أهل الجهل : أنه كان فيمن يصلي في مسجد بني سلمة الذي كان يؤم فيه معاذ بن جبل - ثلاثون عقبيا ، وثلاثة وأربعون بدريا سوى غيرهم . أفما كان في جميع هؤلاء الفضلاء أحد يحسن من القرآن ما يصلي به ؟ ما شاء الله كان . وكان من جملتهم : جابر بن عبد الله ووالده ، وكعب بن مالك ، وأبو اليسر والحباب بن المنذر ، ومعاذ ، ومعوذ ، وخلاد بنو عمرو بن الجموح ، وعقبة بن عامر بن نابئ وبشر بن البراء بن معرور ، وجبار بن صخر ، وغيرهم من أهل العلم والفضل وقد روينا من أصح طريق عن كعب بن مالك قال : { ما هاجر رسول الله ﷺ حتى حفظت سورا من القرآن } ؟ ثم إن هذه الكذبة التي قالها هذا الجاهل دعوى افتراها لم يجدها قط في شيء من الروايات السقيمة فكيف الصحيحة ؟ وما كان هكذا فلا وجه للشغل بها إلا فضيحة قائلها فقط ، ثم تحذير الضعفاء منه ، والتقرب إلى الله تعالى بذلك ؟ والثالث : أن يقال له : هبك أن هذه الكذبة كما ذكرت ، أيجوز ذلك عندكم ؟ وهل يحل لديكم أن تسلم طائفة فلا يكون فيهم من يقرأ شيئا من القرآن إلا واحد فيصلي ذلك الواحد مع غيرهم ثم يؤمهم في تلك الصلاة ؟ فمن قولهم : لا ، فيقال لهم : فأي راحة لكم في استنباط كذب لا تنتفعون به في ترقيع فاسد تقليدكم ؟ ثم يقال لهم : احملوه على ما شئتم ، أليس قد علمه رسول الله ﷺ وأقره ؟ فبأي وجه تبطلون فعل رسول الله ﷺ وحكمه ؟ وقد تعلل بعضهم في حديث جابر وأبي بكرة بنحو هذه الفضائح فقال : لعل هذا كان قبل أن تقصر الصلاة ، أو في سفر لا تقصر الصلاة في مثله ؟ فقلنا : هذا جهل وكذب آخر ، أبو بكرة متأخر الإسلام ، لم يشهد بالمدينة قط خوفا ، ولا صلاة خوف ، ولا فيما يقرب منها ، وإنما كان ذلك - قال جابر - : بنخل ، وبذات الرقاع ، فكلا الموضعين على أزيد من ثلاثة أيام من المدينة . وقد صح عن عائشة رضي الله عنها : أن الصلاة أنزلت بمكة : ركعتين ركعتين ، فلما هاجر رسول الله ﷺ أتمت صلاة الحضر ، وأقرت صلاة السفر ؟ فبطل كل عار أتوا به في إبطال الحقائق من السنن المجتمع عليها ؟ ثم هو فعل الصحابة بعد رسول الله ﷺ - : روينا من طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن عمار العنزي : أن عاملا لعمر بن الخطاب كان بكسكر فكان يصلي بالناس ركعتين ثم يسلم ، ثم يصلي ركعتين أخريين ثم يسلم ؟ فبلغ ذلك عمر ، فكتب إلى عمر إني رأيتني شاخصا عن أهلي ولم أرني بحضرة عدو فرأيت أن أصلي بالناس ركعتين ثم أسلم ثم أصلي ركعتين ثم أسلم ، فكتب إليه عمر بن الخطاب : أن قد أحسنت ؟ ومن طريق حميد بن هلال أخبرني عبد الله بن الصامت قال : كنا مع الحكم بن عمرو الغفاري - هو صاحب رسول الله ﷺ - في جيش ، وهو يصلي بنا صلاة الصبح ، وبين يديه عنزة ، فمر حمار بين يدي الصفوف فأعاد بهم الصلاة ، وقال : قد كان بين يدي ما يسترني - يعني العنزة - ولكني أعدت لمن لم يكن بين يديه ما يستره - وذكر الحديث : فهذا صاحب رسول الله ﷺ صلى نافلة بمن يؤدي فريضة ؟ وعن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن عطاء الخراساني : أن أبا الدرداء أتى مسجد دمشق وهم يصلون العشاء وهو يريد المغرب ، فصلى معهم فلما قضى الصلاة قام فصلى ركعة ، فجعل ثلاثا للمغرب وركعتين تطوعا . ومن طريق قتادة هذا الخبر ، وزاد فيه : ثم صلى العشاء ؟ وعن معمر عن قتادة عن أنس بن مالك : فيمن أتى التراويح في شهر رمضان ولم يكن صلى العشاء وقد بقي للناس ركعتان قال : اجعلهما من العشاء ؟ وعن عطاء قال : من صلى مع قوم هو ينوي الظهر وهم يريدون العصر ، قال : له ما نوى ، ولهم ما نووا ، وكان يفعل ذلك . وعن إبراهيم النخعي مثل ذلك ؟ وعن طاوس : من وجد الناس يصلون القيام وهو لم يصل العشاء فليصلها معهم ، وليعتدها المكتوبة ؟ وروى ذلك ابن جريج عن عطاء ، وحماد بن أبي سليمان عن إبراهيم ، وعبد الله بن طاوس عن أبيه ، ورواه عن هؤلاء الثقات ؟ قال علي : ما نعلم لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم مخالفا أصلا ، وهم يعظمون هذا إذا وافق تقليدهم وقولنا هذا : هو قول الأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبي سليمان ، وجمهور أصحاب الحديث - وبالله تعالى التوفيق

495 - مسألة : ومن أتى مسجدا قد صليت به صلاة فرض جماعة بإمام راتب وهو لم يكن صلاها : فليصلها في جماعة ، ويجزئه الأذان الذي أذن فيه قبل ، وكذلك الإقامة ، ولو أعادوا أذانا وإقامة : فحسن ، لأنه مأمور بصلاة الجماعة ، وأما الأذان والإقامة : فإنه لكل من صلى تلك الصلاة في ذلك المسجد ممن شهدهما أو ممن جاء بعدهما ؟ وهو قول أحمد بن حنبل ، وأبي سليمان ، وغيرهما ؟ وقال مالك : لا تصلى فيه جماعة أخرى إلا أن لا يكون له إمام راتب . واحتج له مقلدوه بأنه قال هذا قطعا لأن يفعل ذلك أهل الأهواء ؟ قال علي : ومن كان من أهل الأهواء لا يرى الصلاة خلف أئمتنا فإنهم يصلونها في منازلهم ، ولا يعتدون بها في المسجد مبتدأة أو غير مبتدأة مع إمام من غيرهم . فهذا الاحتياط لا وجه له ، بل ما حصلوا إلا على استعجال المنع مما أوجبه الله تعالى من أداء الصلاة في جماعة خوفا من أمر لا يكاد يوجد ممن لا يبالي باحتياطهم ؟ ولقد أخبرني يونس بن عبد الله القاضي قال : كان محمد بن بقي بن زرب القاضي إذا دخل مسجدا قد جمع فيه إمامه الراتب - وهو لم يكن صلى تلك الصلاة بعد - جمع بمن معه في ناحية المسجد ؟ قال علي : القصد إلى ناحية المسجد بذلك عجب آخر قال علي : وأما نحن فإن من تأخر عن صلاة الجماعة لغير عذر ، لكن قلة اهتبال ، أو لهوى ، أو لعداوة مع الإمام - : فإننا ننهاه ، فإن انتهى وإلا أحرقنا منزله ، كما قال رسول الله ﷺ . والعجب أن المالكيين يقولون : فإن صلوها فيه جماعة أجزأتهم فيا لله ويا للمسلمين أي راحة لهم في منعهم من صلاة جماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة ؟ وهي عندهم جازية عمن صلاها فأي اختيار أفسد من هذا ؟ وروينا عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الجعد أبي عثمان قال : جاءنا أنس بن مالك عند الفجر وقد صلينا فأقام وأم أصحابه ؟ وروينا أيضا : أنه كان معه نحو عشرة من أصحابه فأذن وأقام ثم صلى بهم . وروينا أيضا : من طريق معمر وحماد بن سلمة عن أبي عثمان عن أنس وسماه حماد فقال : في مسجد بني رفاعة ؟ وعن ابن جريج قلت لعطاء : نفر دخلوا مسجد مكة خلاف الصلاة ليلا أو نهارا ، أيؤمهم أحدهم ؟ قال : نعم ، وما بأس ذلك ؟ وعن سفيان الثوري عن عبد الله بن يزيد : أمني إبراهيم في مسجد قد صلي فيه ، فأقامني عن يمينه بغير أذان ولا إقامة وعن معمر صحبت أيوب السختياني من مكة إلى البصرة ، فأتينا مسجد أهل ماء قد صلي فيه ، فأذن أيوب وأقام ثم تقدم فصلى بنا ؟ وعن حماد بن سلمة عن عثمان البتي قال : دخلت مع الحسن البصري وثابت البناني مسجدا قد صلى فيه أهله ، فأذن ثابت وأقام ، وتقدم الحسن فصلى بنا ، فقلت : يا أبا سعيد : أما يكره هذا ؟ قال : وما بأسه قال علي هذا مما لا يعرف فيه لأنس مخالف من الصحابة رضي الله عنهم وروينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن سليمان هو ابن الأسود الناجي عن أبي المتوكل هو علي بن داود الناجي عن أبي سعيد الخدري قال { جاء رجل وقد صلى رسول الله ﷺ فقال : أيكم يتجر على هذا ، فقام رجل فصلى معه } قال علي : لو ظفروا بمثل هذا لطاروا به كل مطار

496 مسألة : وإن دخل اثنان فصاعدا فوجدوا الإمام في بعض صلاته فإنهم يصلون معه ، فإذا سلم فالأفضل للذين يتمون ما فاتهم أن يقضوه بإمام يؤمهم منهم ، لأنهم مأمورون بالصلاة جماعة ، ولولا نص ورد بأن يقضوا فرادى لما أجزأ ذلك - : وروينا عن عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان التيمي عن ليث قال : دخلت مع ابن سابط في أناس المسجد والإمام ساجد فسجد بعضنا وتهيأ بعضنا للسجود ، فلما سلم الإمام قام ابن سابط بأصحابه ، فذكرت ذلك لعطاء ؟ فقال : كذلك ينبغي ، فقلت : إن هذا لا يفعل عندنا . قال : يفرقون . قال علي : هذا يبين أن الناس مضوا على أعمال سلاطين الجور المتأخرين وعن معمر عن قتادة : في القوم يدخلون المسجد فيدركون فيه مع الإمام ركعة ؟ قال : يقومون فيقضون ما بقي عليهم ، يؤمهم أحدهم وهو قائم معهم في الصف

==============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مكتبات الكتاب الاسلامي

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أ...