مدونة استكمال مصنفات الإمامين ابن حزم والوكاني

الأحد، 20 مارس 2022

تابع كتاب الزكاة من رقم { رقم 678 - مسألة - الي 725 - مسألة } وهو اخر كتاب الزكاة في كتاب المحلي لابن حزم يليه في الصفحة التاالية كتاب الصيام

الصفحة السابقة كانت أول كتاب الزكاة من رقم {  637 - الي 677 - مسألة} ويتبع باقي كتاب الزكاة هنا في هذه الصفحة حيث يبدء من مسألة رقم 678 - مسألة         

تابع كتاب الزكاة 

تابع كتاب الزكاة

678 - مسألة : قال مالك ، والليث ، وبعض أصحابنا : تزكى السوائم ، والمعلوفة ، والمتخذة للركوب ، وللحرث وغير ذلك ، من الإبل ، والبقر ، والغنم ؟ وقال بعض أصحابنا : أما الإبل فنعم ، وأما الغنم والبقر فلا زكاة إلا في سائمتها . وهو قول أبي الحسن بن المغلس . وقال بعضهم : أما الإبل ، والغنم فتزكى سائمتها وغير سائمتها ، وأما البقر فلا تزكى إلا سائمتها . وهو قول أبي بكر بن داود رحمه الله ؟ ولم يختلف أحد من أصحابنا في أن سائمة الإبل وغير السائمة منها تزكى سواء سواء . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا زكاة إلا في السائمة من كل ذلك : وقال بعضهم : تزكى غير السائمة من كل ذلك مرة واحدة في الدهر ، ثم لا تعود الزكاة فيها . فاحتج أصحاب أبي حنيفة ، والشافعي ، بأن قالوا : قولنا قول جمهور السلف من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ؟ كما روينا من طريق سفيان ، ومعمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي : ليس على عوامل البقر صدقة ؟ وقد ذكرنا آنفا قول عمر رضي الله عنه : في أربعين من الغنم سائمة شاة إلى عشرين ومائة . وعن ليث عن طاوس عن معاذ بن جبل : ليس على عوامل البقر صدقة ؟ وعن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر : لا صدقة في المثيرة ولا يعرف عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف في ذلك ؟ وعن ابن جريج عن عطاء : لا صدقة في الحمولة ، والمثيرة ؟ وهو قول عمرو بن دينار ، وعبد الكريم والحمولة : هي الإبل الحمالة ، والمثيرة بقر الحرث ، قال تعالى : { لا ذلول تثير الأرض } . وعن سعيد بن جبير : ليس على ثور عامل ولا على جمل ظعينة صدقة ؟ وعن إبراهيم النخعي : ليس في عوامل البقر صدقة ؟ وعن مجاهد : من له أربعون شاة في مصر يحلبها فلا زكاة عليه فيها ، ولا صدقة في البقر العوامل ؟ وعن الزهري : ليس في السواني من البقر ، وبقر الحرث صدقة ، وفيما عداهما من البقر الصدقة كصدقة الإبل ، وأوجب الزكاة في عوامل الإبل ؟ وعن عمر بن عبد العزيز : ليس في الإبل والبقر العوامل صدقة ؟ وعن الحسن البصري : ليس في البقر العوامل والإبل العوامل صدقة . وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله : ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وعن سعيد بن عبد العزيز ليس في البقر الحرث صدقة ؟ وعن الحكم بن عتيبة . ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وعن طاوس : ليس في عوامل البقر ، والإبل صدقة ، إلا في السوائم خاصة ؟ وعن الشعبي : ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وهو أيضا قول شهر بن حوشب والضحاك ؟ وعن ابن شبرمة : ليس في الإبل العوامل صدقة . وقال الأوزاعي : لا زكاة في البقر العوامل ، وأوجبها في الإبل العوامل . وقال سفيان : لا زكاة في غير السائمة من الإبل والبقر والغنم ، ولا زكاة في الغنم المتخذة للذبح - وذكر له قول مالك في إيجاب الزكاة في ذلك ، فعجب ، وقال : ما ظننت أن أحدا يقول هذا ؟ وهو قول أبي عبيد ، وغيره وروينا عن عمر بن عبد العزيز ، وقتادة وحماد بن أبي سليمان إيجاب الزكاة في الإبل العوامل ؟ وعن يحيى بن سعيد الأنصاري إيجاب الزكاة في كل غنم ، وبقر ، وإبل ، سائمة ؛ أو غير سائمة ؟ واحتجوا بأنه قد صح عن النبي ﷺ : في سائمة الغنم قالوا : ولا يجوز أن يقول عليه السلام كلاما لا فائدة فيه ؛ فدل أن غير السائمة بخلاف السائمة . وقد جاء في بعض الآثار : " في سائمة الإبل " قالوا : فقسنا سائمة البقر على ذلك ؟ وقالوا : إنما جعلت الزكاة فيما فيه النماء ؛ وأما فيما فيه الكلفة فلا ، ما نعلم لهم شيئا شغبوا به غير ما ذكرنا ؟ واحتج أصحابنا في تخصيص عوامل البقر خاصة بأن الأخبار في البقر لم تصح ؛ فالواجب أن لا تجب الزكاة فيها إلا حيث اجتمع على وجوب الزكاة فيها ؛ لم يجمع على وجوب الزكاة فيها في غير السائمة ؟ واحتج من رأى الزكاة في غير السائمة مرة في الدهر بأن قال : قد صحت الزكاة فيها بالنص المجمل ، ولم يأت نص بأن تكرر الزكاة فيها في كل عام ، فوجب تكرر الزكاة في السائمة بالإجماع المتيقن ؛ ولم يجب التكرار في غير السائمة ، لا بنص ولا بإجماع ؟ قال أبو محمد : أما حجة من احتج بكثرة القائلين بذلك ؛ وبأنه قول أربعة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف منهم مخالف - : فلا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ . ثم نقول للحنفيين ، والشافعيين في احتجاجهم بهذه القضية فإن الحنفيين نسوا أنفسهم في هذه القصة ، إذ قالوا بزكاة خمسين بقرة ببقرة وربع ، ولا يعرف ذلك عن أحد من الصحابة ولا من غيرهم إلا عن إبراهيم ، وتقسيمهم في الميتات تقع في البئر فتموت فيه ، فلا يعرف أن أحدا قسمه قبلهم ، وتقديرهم المسح في الرأس بثلاث أصابع مرة وبربع الرأس مرة ولا يعرف هذا الهوس عن أحد قبلهم ، ولوددنا أن نعرف بأي الأصابع هي ؟ أم بأي خيط يقدر ربع الرأس ؟ وإجازتهم الاستنجاء بالروث ؛ ولا يعرف أن أحدا أجازه قبلهم ، وتقسيمهم فيما ينقض الوضوء مما يخرج من الجوف ولا يعرف عن أحد قبلهم ، وقولهم في صفة صدقة الخيل ، ولا يعرف عن أحد قبلهم ، ومثل هذا كثير جدا ؛ وخلافهم لكل رواية جاءت عن أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب ، ولا مخالف له يعرف من الصحابة ، وخلافهم عمر بن الخطاب ، وأبو حثمة ، وابنه سهل بن أبي حثمة في ترك ما يأكله المخروص عليه من التمر ، ومعهم جميع الصحابة بيقين ، لا مخالف لهم في ذلك منهم - ومثل هذا كثير جدا وكذلك نسي الشافعيون أنفسهم في تقسيمهم ما تؤخذ منه الزكاة مما يخرج من الأرض ولا يعرف عن أحد قبل الشافعي ، وتحديدهم ما ينجس من الماء مما لا ينجس بخمسمائة رطل بغدادية وما يعرف عن أحد قبلهم ، وخلافهم جابر بن عبد الله فيما سقي بالنضح وبالعين أنه يزكى على الأغلب ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ، ومثل هذا كثير جدا لهم وأما احتجاجهم بما جاء في بعض الأخبار من ذكر السائمة ، فنعم ، صح هذا اللفظ في حديث أنس عن أبي بكر رضي الله عنه في الغنم خاصة ؟ فلو لم يأت غير هذا الخبر لوجب أن لا يزكى غير السائمة ؛ لكن جاء في حديث ابن عمر - كما أوردنا قبل - إيجاب الزكاة في الغنم جملة ، فكان هذا زائدا على ما في حديث أبي بكر ، والزيادة لا يجوز تركها . وأما الخبر في سائمة الإبل فلا يصح ؛ لأنه لم يرد إلا في خبر بهز بن حكيم فقط . ثم لو صح لكان ما في حديث أبي بكر وابن عمر زيادة حكم عليه والزيادة لا يحل خلافها ؟ ولا فرق بين هذا وبين قول الله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا } مع قوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم } فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية . قوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } مع قوله تعالى : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم } فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية ؟ وهلا استعمل الحنفيون والشافعيون هذا العمل حيث كان يلزمهم استعماله من قوله تعالى : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } فقالوا : وكذلك من قتله مخطئا ؟ ولعمري إن قياس غير السائمة على السائمة لأشبه من قياس قاتل الخطأ على قاتل العمد وحيث قال الله تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } فقالوا : نعم ، وإن لم يكن في حجورنا ومثل هذا كثير جدا ، لا يتثقفون فيه إلى أصل فمرة يمنعون من تعدى ما في النص حيث جاء نص آخر بزيادة عليه ، ومرة يتعدون النص حيث لم يأت نص آخر بزيادة عليه فهم أبدا يعكسون الحقائق . ولو أنهم أخذوا بجميع النصوص ، ولم يتركوا بعضها لبعض ، ولم يتعدوها إلى ما لا نص فيه - : لكان أسلم لهم من النار والعار ؟ وأما قولهم : إن الزكاة إنما جعلت على ما فيه النماء ؛ فباطل ، والزكاة واجبة في الدراهم والدنانير ، ولا تنمي أصلا ، وليست في الحمير ، وهي تنمي ، ولا في الخضر عند أكثرهم ، وهي تنمي ؟ وأيضا فإن العوامل من البقر ، والإبل تنمي أعمالها وكراؤها ، وتنمي بالولادة أيضا ؟ فإن قالوا : لها مؤنة في العلف ؟ قلنا : وللسائمة مؤنة الراعي وأنتم لا تلتفتون إلى عظيم المؤنة والنفقة في الحرث ، وإن استوعبته كله ؛ بل ترون الزكاة فيه ، ولا تراعون الخسارة في التجارة ، بل ترون الزكاة فيها فسقط هذا القول جملة - وبالله تعالى التوفيق ؟ وأما من خص من أصحابنا البقر بأن لا تزكى إلا سائمتها فقط فإنهم قالوا : قد صح عن النبي ﷺ زكاة الإبل والغنم عموما ، وحد زكاتها ، ومن كم تؤخذ الزكاة منها : فلم يجز أن يخص أمره ﷺ برأي ولا بقياس . وأما البقر فلم يصح في صفة زكاتها ، فوجب أن لا تجب الزكاة إلا في بقر صح الإجماع على وجوب الزكاة فيها ، ولا إجماع إلا في السائمة ؛ فوجبت الزكاة فيها ، دون غيرها التي لا إجماع فيها ؟ قال أبو محمد : وهذا خطأ ؛ بل قد صح عن النبي ﷺ إيجاب الزكاة في البقر ، بقوله عليه السلام الذي قد أوردناه قبل بإسناده - : { ما من صاحب إبل ولا بقر لا يؤدي زكاتها إلا فعل به كذا } . فصح بالنص وجوب الزكاة في البقر جملة ؛ إلا أنه لم يأت نص في العدد الذي تجب فيه الزكاة منها ، ولا كم يؤخذ منها ، ففي هذين الأمرين يراعى الإجماع ، وأما تخصيص بقر دون بقر فهو تخصيص للثابت عنه عليه السلام من إيجابه الزكاة في البقر بغير نص : وهذا لا يجوز ولا فرق بين من أسقط الزكاة عن غير السائمة بهذا الدليل وبين من أسقطها عن الذكور بهذا الدليل نفسه ، فقد صح الخلاف في زكاتها ؟ - : كما حدثنا حمام قال ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن المغيرة هو ابن مقسم الضبي - عن إبراهيم النخعي قال : ليس في شيء من السوائم صدقة إلا إناث الإبل ، وإناث البقر ، والغنم ؟ قال أبو محمد : ولا يقول بهذا أحد من أصحابنا ، ولا الحنفيون ، ولا المالكيون ، ولا الشافعيون ، ولا الحنبليون ؛ ولا يجوز القول به أصلا ؛ لأنه تحكم بلا برهان فوجبت بالنص الزكاة في كل بقر ، أي صفة من صفات البقر كانت ، سائمة أو غير سائمة ، إلا بقرا خصها نص أو إجماع ؟ وأما العدد ، والوقت ، وما يؤخذ منها فلا يجوز القول به إلا بإجماع متيقن أو بنص صحيح - وبالله تعالى التوفيق . وأما من قال في السائمة بعودة الزكاة فيها كل عام ، ورأى الزكاة في غير السائمة مرة في الدهر - : فإنه احتج بأن الزكاة واجبة في البقر بالنص الذي أوردنا ؛ ولم يأت بتكرار الزكاة في كل عام نص ؛ فلا تجوز عودة الزكاة في مال قد زكي ، إلا بالإجماع ؛ وقد صح الإجماع بعودة الزكاة في البقر ، والإبل ، والغنم السائمة كل عام ، فوجب القول بذلك ، ولا نص ولا إجماع في عودتها في غير السائمة منها كلها ؛ فلا يجب القول بذلك ؟ قال أبو محمد : كان هذا قولا صحيحا لولا أنه قد ثبت { أن رسول الله ﷺ كان يبعث المصدقين في كل عام لزكاة الإبل ، والبقر ، والغنم } هذا أمر منقول نقل الكافة ؛ وقد صح { عن النبي ﷺ ارضوا مصدقيكم } فإذ قد صح هذا بيقين ؛ فخروج المصدقين في كل عام موجب أخذ الزكاة في كل عام بيقين ؛ فإذ لا شك في ذلك ، فتخصيص بعض ما وجبت فيه الزكاة عاما بأن لا يأخذ منه المصدق الزكاة عاما ثانيا تخصيص للنص . وقول بلا برهان ؛ وإنما يراعى مثل هذا فيما لا نص فيه وبالله تعالى التوفيق .

679 - مسألة : وفرض على كل ذي إبل ، وبقر ، وغنم أن يحلبها يوم وردها على الماء ، ويتصدق من لبنها بما طابت به نفسه - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الحكم بن نافع هو أبو اليمان ثنا شعيب هو ابن أبي حمزة ثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : { تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت ، إذا هو لم يعط فيها حقها ، تطؤه بأخفافها ، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت ، إذا لم يعط فيها حقها ، تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها ، قال : ومن حقها أن تحلب على الماء } . قال أبو محمد : ومن قال : إنه لا حق في المال غير الزكاة فقد قال : الباطل ، ولا برهان على صحة قوله ، لا من نص ولا إجماع ، وكل ما أوجبه رسول الله ﷺ في الأموال فهو واجب ؟ ونسأل من قال هذا : هل تجب في الأموال كفارة الظهار والأيمان وديون الناس أم لا ؟ فمن قولهم : نعم ، وهذا تناقض منهم . وأما إعارة الدلو وإطراق الفحل فداخل تحت قول الله تعالى : { ويمنعون الماعون } .

680 - مسألة : الأسنان المذكورات في الإبل - : بنت المخاض : هي التي أتمت سنة ودخلت في سنتين ، سميت بذلك لأن أمها ماخض ؛ أي قد حملت فإذا أتمت سنتين ودخلت في الثالثة فهي بنت لبون وابن لبون ، لأن أمها قد وضعت فلها لبن ، فإذا أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة فهي حقة ، لأنها قد استحقت أن يحمل عليها الفحل ، والحمل ؛ فإذا أتمت أربع سنين ودخلت في الخامسة فهي جذعة ؛ فإذا أتمت خمس سنين ودخلت في السادسة فهي ثنية . ولا يجوز في الصدقة وهو ما لم يتم سنة وهو فصيل لا يجوز في الصدقة . حدثنا بهذه الأسماء وتفسيرها عبد الله بن ربيع : ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود بذلك كله ، عن أبي حاتم السجستاني ، والعباس بن الفرج الرياشي ، وعن أبي داود المصاحفي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى

681 - مسألة : والخلطة في الماشية أو غيرها لا تحيل حكم الزكاة ، ولكل أحد حكمه في ماله ، خالط أو لم يخالط لا فرق بين شيء من ذلك ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن فضالة أنا سريج بن النعمان ثني حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك : أن أبا بكر الصديق كتب له " أن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين التي أمر الله بها رسول الله ﷺ " فذكر الحديث ، وفي آخره { ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية } . قال أبو محمد : فاختلف الناس في تأويل هذا الخبر ؟ فقالت طائفة : إذا تخالط اثنان فأكثر في إبل ، أو في بقر ، أو في غنم ، فإنهم تؤخذ من ماشيتهم ، الزكاة كما كانت تؤخذ لو كانت لواحد ، والخلطة عندهم أن تجتمع الماشية في : الراعي ، والمراح ، والمسرح ، والمسقى ، ومواضع الحلب : عاما كاملا متصلا وإلا فليست خلطة ، وسواء كانت ماشيتهم مشاعة لا تتميز ، أو متميزة ، وزاد بعضهم : الدلو ، والفحل قال أبو محمد : وهذا القول مملوء من الخطأ ؟ أول ذلك : أن ذكرهم الراعي كان يغني عن ذكر المسرح ، والمسقى ؛ لأنه لا يمكن ألبتة أن يكون الراعي واحدا وتختلف مسارحها ومساقيها ؛ فصار ذكر المسرح والمسقى فضولا وأيضا - فإن ذكر الفحل خطأ ، لأنه قد يكون لإنسان واحد فحلان وأكثر ؛ لكثرة ماشيته ، وراعيان وأكثر لكثرة ماشيته ؛ فينبغي على قولهم - إذا أوجب اختلاطهما في الراعي ، والعمل - : أن يزكيها ، زكاة المنفرد ، وأن لا تجمع ماشية إنسان واحد إذا كان له فيها راعيان فحلان ، وهذا لا تخلص منه ؟ ونسألهم إذا اختلطا في بعض هذه الوجوه : ألهما حكم الخلطة أم لا ؟ فأي ذلك قالوا فلا سبيل أن يكون قولهم إلا تحكما فاسدا بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل بلا شك - وبالله تعالى التوفيق . ثم زادوا في التحكم فرأوا في جماعة لهم خمسة من الإبل ، أو أربعون من الغنم ، أو ثلاثون من البقر - بينهم كلهم - : أن الزكاة مأخوذة منها ، وأن ثلاثة لو ملك كل واحد منهم أربعين شاة - وهم خلطاء فيها - : فليس عليهم إلا شاة واحدة فقط ، كما لو كانت لواحد ، وقالوا : إن خمسة لكل واحد منهم خمسة من الإبل - تخالطوا بها عاما - فليس فيها إلا بنت مخاض وهكذا في جميع صدقات المواشي . وهذا قول الليث بن سعد ، وأحمد بن حنبل ، والشافعي ، وأبي بكر بن داود فيمن وافقه من أصحابنا . حتى أن الشافعي رأى حكم الخلطة جاريا كذلك في الثمار ، والزرع ، والدراهم ، والدنانير - فرأى في جماعة بينهم خمسة أوسق فقط أن الزكاة فيها ، وأن جماعة يملكون مائتي درهم فقط أو عشرين دينارا فقط - وهم خلطاء فيها - أن الزكاة واجبة في ذلك ، ولو أنهم ألف أو أكثر أو أقل ؟ وقالت طائفة : إن كان يقع لكل واحد من الخلطاء ما فيه الزكاة زكوا حينئذ زكاة المنفرد ، وإن كان لا يقع لكل واحد منهم ما فيه الزكاة فلا زكاة عليهم ، ومن كان منهم يقع له ما فيه الزكاة فعليه الزكاة ، ومن كان غيره منهم لا يقع له ما فيه الزكاة فلا زكاة عليه . فرأي هؤلاء في اثنين - فصاعدا - يملكان أربعين شاة ، أو ستين أو ما دون الثمانين ، أو ثلاثين من البقر أو ما دون الستين ، وكذلك في الإبل - : فلا زكاة عليهم ؛ فإن كان ثلاثة يملكون مائة وعشرين شاة ، لكل واحد منهم ثلثها ، فليس عليهم إلا شاة واحدة فقط ، وهكذا في سائر المواشي ولم ير هؤلاء حكم الخلطة إلا في المواشي فقط وهو قول الأوزاعي ، ومالك ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، وأبي الحسن بن المغلس من أصحابنا ؟ وقالت طائفة : لا تحيل الخلطة حكم الزكاة أصلا ، لا في الماشية ، ولا في غيرها ؛ وكل خليط ليزكي ما معه كما لو لم يكن خليطا ، ولا فرق ، فإن كان ثلاثة خلطاء لكل واحد أربعون شاة فعليهم ثلاث شياه ، على كل واحد منهم شاة ، وإن كان خمسة لكل واحد منهم خمس من الإبل وهم خلطاء فعلى كل واحد شاة ، وهكذا القول في كل شيء . وهو قول سفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، وشريك بن عبد الله ، والحسن بن حي ؟ قال أبو محمد : لم نجد في هذه المسألة قولة لأحد من الصحابة ، ووجدنا أقوالا عن عطاء وطاووس ، وابن هرمز ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والزهري ، فقط روينا عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس أنه كان يقول : إذا كان الخليطان يعلمان أموالهما فلا تجمع أموالهما في الصدقة . قال ابن جريج : فذكرت هذا لعطاء من قول طاووس فقال : ما أراه إلا حقا ، وروينا عن معمر عن الزهري قال : إذا كان راعيهما واحدا ، وكانت ترد جميعا - وتروح جميعا - صدقت جميعا ؟ ومن طريق ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال : إن الإبل إذا جمعها الراعي والفحل والحوض تصدق جميعا ثم يتحاص أصحابها على عدة الإبل في قيمة الفريضة التي أخذت من الإبل ، فإن كان استودعه إياها لا يريد مخالطته ولا وضعها عنده يريد نتاجها - فإن تلك تصدق وحدها ؟ وعن ابن هرمز مثل قول مالك ؟ قال أبو محمد : احتجت كل طائفة لقولها بحكم رسول الله ﷺ الذي صدرنا به - : فقال من رأى أن الخلطة تحيل الصدقة وتجعل مال الاثنين فصاعدا بمنزلة كما ] لو أنه لواحد - : أن معنى قوله عليه السلام { لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة } أن معنى ذلك هو أن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة ، لكل واحد منهما ثلثها : وهم خلطاء ؛ فلا يجب عليهم كلهم إلا شاة واحدة ، فنهى المصدق أن يفرقها ليأخذ من كل واحد شاة فيأخذ ثلاث شياه ، والرجلان يكون لهما مائتا شاة وشاتان ، لكل واحد نصفها ، فيجب عليهما ثلاث شياه فيفرقانها خشية الصدقة ؛ فيلزم كل واحد منهما شاة ، فلا يأخذ المصدق إلا شاتين ؟ وقالوا : معنى قوله عليه السلام { كل خليطين يتراجعان بينهما بالسوية } هو أن يعرفا أخذ الساعي فيقع على كل واحد حصته على حسب عدد ماشيته كاثنين لأحدهما أربعون شاة وللآخر ثمانون وهما خليطان ، فعليهما شاة واحدة ، على صاحب الثمانين ثلثاها وعلى صاحب الأربعين ثلثها وقال من رأى أن الخلطة لا تحيل حكم الصدقة : معنى قوله ﷺ : { لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة } هو أن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة ، لكل واحد ثلثها ، فيجب على كل واحد شاة ، فنهوا عن جمعها وهي متفرقة في ملكهم تلبيسا على الساعي أنها لواحد فلا يأخذ إلا واحدة ، والمسلم يكون له مائتا شاة وشاتان فيجب عليه ثلاث شياه ، فيفرقها قسمين ويلبس على الساعي أنها لاثنين ، لئلا يعطي منها إلا شاتين ، وكذلك نهى المصدق أيضا عن أن يجمع على الاثنين - فصاعدا - ما لهم ليكثر ما يأخذ ، وعن أن يفرق مال الواحد في الصدقة ، وإن وجده في مكانين متباعدين ليكثر ما يأخذ وقالوا : ومعنى قوله عليه السلام : { كل خليطين يترادان بينهما بالسوية } هو أن الخليطين في اللغة التي بها خاطبنا عليه السلام - هما ما اختلط مع غيره فلم يتميز ؛ ولذلك سمي الخليطان من النبيذ بهذا الاسم ، وأما ما لم يختلط غيره فليسا خليطين ، هذا ما لا شك فيه ، قالوا : فليس الخليطان في المال إلا الشركين فيه اللذين لا يتميز مال أحدهما من الآخر ، فإن تميز فليسا خليطين ، قالوا : فإذا كان خليطان كما ذكرنا وجاء المصدق ففرض عليه أن يأخذ من جملة المال الزكاة الواجبة على كل واحد منهما في ماله ، وليس عليه أن ينتظر قسمتها لمالهما ، ولعلهما لا يريدان القسمة ، وإن كانا حاضرين فليس له أن يجبرهما على القسمة ، فإذا أخذ زكاتيهما فإنهما يترادان بالسوية ؛ كائنين لأحدهما ثمانون شاة وللآخر أربعون ، وهما شريكان في جميعها ، فيأخذ المصدق شاتين ؛ وقد كان لأحدهما ثلثا كل شاة منهما وللآخر ثلثها ، فيترادان بالسوية فيبقى لصاحب الأربعين تسع وثلاثون ، ولصاحب الثمانين تسع وسبعون ؟ قال أبو محمد : فاستوت دعوى الطائفتين في ظاهر الخبر ، ولم تكن لإحداهما مزية على الأخرى في الخبر المذكور فنظرنا في ذلك فوجدنا تأويل الطائفة التي رأت أن الخلطة لا تحيل حكم الزكاة أصح ؛ لأن كثيرا من تفسيرهم المذكور متفق من جميع أهل العلم على صحته ، وليس شيء من تفسير الطائفة الأخرى مجمعا عليه ؛ فبطل تأويلهم لتعريه من البرهان ؛ وصح تأويل الأخرى لأنه لا شك في صحة ما اتفق عليه ، ولا يجوز أن يضاف إلى رسول الله ﷺ قول لا يدل على صحته نص ولا إجماع ؛ فهذه حجة صحيحة ؟ ووجدنا أيضا الثابت عن رسول الله ﷺ قوله : { وليس فيما دون خمس ذود صدقة } وأن من لم يكن له إلا أربع من الإبل فلا صدقة عليه { وليس فيما دون أربعين شاة شيء } وسائر ما نصه عليه السلام في صدقة الغنم ، والإبل ، من أن في أربعين شاة شاة ، وفي خمس وعشرين [ من الإبل ] بنت مخاض ، وغير ذلك ، ووجدنا من لم يحل بالخلطة حكم الزكاة قد أخذ بجميع هذه النصوص ولم يخالف شيئا منها ، ووجدنا من أحال بالخلطة حكم الزكاة يرى هذه النصوص ولم يخالف شيئا منها ووجدنا من أحال بالخلطة حكم الزكاة يرى في خمسة لكل واحد منهم خمس من الإبل أن على كل واحد منهم خمس بنت مخاض ، وأن ثلاثة لهم مائة وعشرون شاة على السواء بينهم أن على كل امرئ منهم ثلث شاة ، وأن عشرة رجال لهم خمس من الإبل بينهم ، فإن بعضهم يوجب على كل واحد منهم عشر شاة وهذه زكاة ما أوجبها الله تعالى قط ؛ وخلاف لحكمه تعالى وحكم رسوله ﷺ . وسألناهم عن إنسان له خمس من الإبل ، خالط بها صاحب خمس من الإبل في بلد ، وله أربع من الإبل خالط بها صاحب أربع وعشرين في بلد آخر ، وله ثلاث من الإبل ، خالط بها صاحب خمس وثلاثين في بلد ثالث ؟ فما علمناهم أتوا في ذلك بحكم يعقل أو يفهم وسؤالنا إياهم في هذا الباب يتسع جدا ؛ فلا سبيل لهم إلى جواب يفهمه أحد ألبتة ، فنبهنا بهذا السؤال على ما زاد عليه . وقال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . ومن رأى حكم الخلطة يحيل الزكاة فقد جعل زيدا كاسبا على عمرو ، وجعل لمال أحدهما حكما في مال الآخر ؛ وهذا باطل وخلاف للقرآن والسنن . وما عجز رسول الله ﷺ قط - وهو المفترض عليه البيان لنا - عن أن يقول : المختلطان في وجه كذا ووجه كذا [ يزكيان ] زكاة المنفرد ، فإذ لم يقله فلا يجوز القول به ؟ وأيضا - فإن قولهم بهذا الحكم إنما هو فيما اختلط في الدلو ، والراعي ، والمراح ، والمحتلب - : تحكم بلا دليل أصلا ، لا من سنة ولا من قرآن ولا قول صاحب ولا من قياس ، ولا من وجه يعقل ، وبعضهم اقتصر على بعض الوجوه بلا دليل وليت شعري : أمن قوله عليه السلام مقصورا على الخلطة في هذه الوجوه دون أن يريد به الخلطة في المنزل ، أو في الصناعة ، أو في الشركة في الغنم كما قال طاوس وعطاء ؟ وفي هذا كفاية فإن ذكروا ما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا أبو الأسود هو النضر بن عبد الجبار مصري - ثنا ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد أنه كتب إليه : أنه سمع السائب بن يزيد يقول : إنه سمع سعد بن أبي وقاص يحدث عن رسول الله ﷺ أنه قال : { الخليطان ما اجتمع على الفحل ، والمرعى ، والحوض } . قلنا : هذا لا يصح ؛ لأنه عن ابن لهيعة . ثم لو صح فما خالفناكم في أن ما اجتمع على فحل ، ومرعى ، وحوض : أنهما خليطان في ذلك ؛ وهذا حق لا شك فيه ؛ ولكن ليس فيه إحالة حكم الزكاة المفترضة بذلك ولو وجب بالاختلاط في المرعى إحالة حكم الزكاة لوجب ذلك في كل ماشية في الأرض ، لأن المراعي متصلة في أكثر الدنيا ، إلا أن يقطع بينهما بحر ، أو نهر ، أو عمارة وأيضا - فليس في هذا الخبر ذكر لتخالطهما بالراعي ، وهو الذي عول عليه مالك ، والشافعي ؛ وإلا فقد يختلط في المسقى ، والمرعى ، والفحل : أهل الحلة كلهم ، وهما لا يريان ذلك خلطة تحيل حكم الصدقة ؟ وزاد ابن حنبل : والمحتلب . وقال بعضهم : إن اختلطا أكثر الحول كان لهما حكم الخلطة وهذا تحكم بارد ونسألهم عمن خالط آخر ستة أشهر ؟ فبأي شيء أجابوا فقد زادوا في التحكم بلا دليل ولم يكونوا بأحق بالدعوى من غيرهم ؟ وأما قول مالك فظاهر الحوالة جدا ؛ لأنه خص بالخلطة المواشي ، فقط ، دون الخلطة في الثمار ، والزرع والناض ، وليس هذا التخصيص موجودا في الخبر فإن قال : إن النبي ﷺ إنما قال ذلك بعقب ذكره حكم الماشية ؟ قلنا : فكان ماذا ؟ فإن كان هذا حجة لكم فاقتصروا بحكم الخلطة على الغنم فقط لأنه عليه السلام لم يقل ذلك إلا بعقب ذكر زكاة الغنم ؛ وهذا ما لا مخلص منه ؟ فإن قالوا : قسنا الإبل ، والبقر ، على الغنم ؟ قيل لهم : فهلا قستم الخلطة في الزرع والثمرة على الخلطة في الغنم ؟ وأيضا : فإن مالكا استعمل إحالة الزكاة بالخلطة في النصاب [ فزائدا ] ولم يستعمله في عموم الخلطة كما فعل الشافعي ، وهذا تحكم ودعوى بلا برهان ؛ وإن كان فر عن إحالة النص في أن لا زكاة فيما دون النصاب - : فقد وقع فيه فيما فوق النصاب ، ولا فرق بين الإحالتين - وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم يشنعون بخلاف الجمهور إذا وافق تقليدهم ؛ وهم هنا قد خالفوا خمسة من التابعين ، لا يعلم لهم - من طبقتهم ولا ممن قبلهم - مخالف وهذا عندنا غير منكر ؛ لكن أوردناه لنريهم تناقضهم ، واحتجاجهم بشيء لا يرونه حجة إذا خالف أهواءهم وموهوا أيضا بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه حكيم عن معاوية بن حيدة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون ، لا تفرق إبل عن حسابها ، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ، عزمة من عزمات ربنا ؛ لا يحل لآل محمد منها شيء ، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله } قالوا : فمن أخذ الغنم من أربعين ناقة لثمانية شركاء ؛ لكل واحد منهم خمس ، فقد فرقها عن حسابها ، ولم يخص عليه السلام ملك واحد من ملك جماعة ؟ قال أبو محمد : فنقول لهم وبالله تعالى نتأيد : إن كل هذا الخبر عندكم حجة فخذوا بما فيه ، من أن مانع الزكاة تؤخذ منه وشطر إبله زيادة ؟ فإن قلتم : هذا منسوخ ؟ قلنا لكم : هذه دعوى بلا حجة ، لا يعجز عن مثلها خصومكم ، فيقولوا لكم والذي تعلقتم به منه منسوخ وإن كان المشغب به مالكيا ؟ قلنا لهم : فإن كان شريكه مكاتبا أو نصرانيا فإن قالوا : هذا قد خصته أخبار أخر ؟ قلنا : وهذا نص قد خصته أخبار أخر ، وهي أن لا زكاة في أربع من الإبل فأقل ، وأن في كل خمس شاة إلى أربع وعشرين . ثم نقول ؛ هذا خبر لا يصح . لأن بهز بن حكيم غير مشهور العدالة ، ووالده حكيم كذلك . فكيف ولو صح هذا الخبر لما كان لهم فيه حجة ؛ لأنه ليس فيه أن حكم المختلطين حكم الواحد ؛ ولا يجوز أن يجمع مال إنسان إلى مال غيره في الزكاة ، ولا أن يزكى مال زيد بحكم مال عمرو ؛ لقول الله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فلو صح لكان معناه بلا شك فيما جاوز العشرين ومائة من الإبل ؛ لمخالفة جميع الأخبار أولها عن آخرها ؛ لما خالف هذا العمل لإجماعهم وإجماع الأخبار على أن في ست وأربعين من الإبل حقة لا بنت لبون ؛ ولسائر ذلك من الأحكام التي ذكرنا وأيضا : أنه ليس في هذا الخبر إلا الإبل فقط ؛ نقلهم حكم الخلطة إلى الغنم ، والبقر : قياس ، والقياس كله باطل ؛ ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأنه ليس نقل هذا الحكم عن الإبل إلى البقر والغنم بأولى من نقله إلى الثمار والحبوب والعين . وكل ذلك دعوى في غاية الفساد - وبالله تعالى التوفيق . ولأبي حنيفة هاهنا تناقض طريف ؛ وهو أنه قال في شريكين في ثمانين شاة لكل واحد منهما نصفها : إن عليهما شاتين بينهما ؛ وأصاب في هذا . ثم قال في ثمانين شاة لرجل واحد نصفها ونصفها الثاني لأربعين رجلا : إنه لا زكاة فيها أصلا ، لا على الذي يملك نصفها ، ولا على الآخرين ؛ واحتج في إسقاطه الزكاة عن صاحب الأربعين بأن تلك التي بين اثنين يمكن قسمتها وهذه لا يمكن قسمتها ؟ فجمع كلامه هذا : أربعة أصناف من فاحش الخطأ ؟ أحدها - إسقاطه الزكاة عن مالك أربعين شاة هاهنا ؟ والثاني - إيجابه الزكاة على مالك أربعين في المسألة الأخرى ؛ ففرق بلا دليل والثالث - احتجاجه في إسقاطه الزكاة هنا بأن القسمة تمكن هنالك : ولا تمكن هاهنا ؛ فكان هذا عجبا ؟ وما ندري للقسمة وإمكانها . أو تعذر إمكانها مدخلا في شيء من أحكام الزكاة ؟ والرابع - أنه قد قال الباطل ؛ بل إن كانت القسمة هنالك ممكنة فهي هاهنا ممكنة ، وإن كانت هاهنا متعذرة فهي هنالك متعذرة ؛ فاعجبوا لقوم هذا مقدار فهمهم ؟ قال أبو محمد : فإذا قال قائل : فأنتم توجبون الزكاة على الشريك في الماشية إذا ملك ما فيه الزكاة في حصته ، وتوجبونها على الشريكين في الرقيق في زكاة الفطر ، وتقولون فيمن له نصف عبد مع آخر ونصف عبد آخر مع آخر ، فأعتق النصفين - : إنه لا يجزئانه عن رقبة واجبة ؛ ومن له نصف شاة مع إنسان ، ونصف شاة أخرى مع آخر فذبحهما - : إنه لا يجزئه ذلك عن هدي واجب فكيف هذا ؟ قلنا : نعم ، لأن رسول الله ﷺ قال : { ليس على المسلم في فرسه وعبده صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } فقلنا بعموم هذه اللفظة . وقال عليه السلام : { كل خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية } فقلنا بذلك ، وأوجب رقبة وهدي شاة ولا يسمى نصفا عبدين : رقبة ؛ ولا نصفا شاة : شاة - وبالله تعالى التوفيق .


كتاب الزكاة

682 - مسألة : لا زكاة في الفضة مضروبة كانت أو مصوغة أو نقارا أو غير ذلك - حتى تبلغ خمس أواقي فضة محضة ؛ لا يعد في هذا الوزن شيء يخالطها من غيرها فإذا أتمت كذلك سنة قمرية متصلة ففيها خمسة دراهم بوزن مكة ، والخمس أواقي هي مائتي درهم بوزن مكة الذي قد ذكرنا قبل زكاة البر والتمر والشعير ، فإذا زادت على ما ذكرنا وأتمت بزيادتها سنة قمرية ففيما زاد - قل أو كثر - ربع عشرها ، وهكذا كل سنة ، فإن نقص من وزن الأواقي المذكورة ولو فلس فلا زكاة فيها ؟ وإن كان فيها خلط ؛ فإن غير الخلط شيئا من لون الفضة أو محكها أو رزانتها أسقط ذلك الخلط فلم يعد ؛ فإن بقي في الفضة المحضة خمس أواقي زكيت ، وإلا فلا ، وإن كان الخلط لم يغير شيئا من صفات الفضة زكيت بوزنها ؟ وهذا كله مجمع عليه إلا ثلاثة مواضع ؛ نذكرها إن شاء الله تعالى ؟ قال مالك : إن نقصت المائتا درهم نقصانا تجوز به جواز الوزنة ففيها الزكاة ؟ وقال بعض التابعين : إن نقصت نصف درهم ففيها الزكاة ؟ وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما روينا من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : إذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، وإن نقص من المائتين فليس فيه شيء وهو قول عمر بن الخطاب ، وهو قول الحسن البصري ، والشعبي ، وسفيان الثوري ، وأبي سليمان ، والشافعي ؟ وقال أبو حنيفة في نقصان الوزن كقول أصحابنا ، واضطرب في الخلط يكون فيها ؟ وقال مالك : إن كان في الدراهم خلط زكيت بوزنها كلها ؟ وقال الشافعي ، وأبو سليمان ، كما قلنا ؟ - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا مالك ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال : { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ، ولا في أقل من خمس من الإبل الذود صدقة ولا في أقل من خمس أواق من الورق صدقة } . ورويناه أيضا عن علي عن النبي ﷺ كما حدثنا حمام ثنا أبو محمد الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن نمير عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي ﷺ قال : { ليس في أقل من مائتي درهم شيء } . قال أبو محمد : فمنع عليه السلام من أن يجب في أقل من خمس أواق من الورق صدقة ، فإذا نقصت - ما قل أو كثر - في أقل من خمس أواق ، فصح يقينا أنه لا شيء فيها ، وسواء كان معها خلط يبلغ أزيد من خمس أواق أو لم يكن ، وسقط كل قول مع قول رسول الله . وهذا مما خالف فيه المالكيون صاحبا لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ؟ وأما إذا لم يغير الخلط شيئا من حدود الفضة وصفاتها فهو فضة ، كالخلط يكون في الماء لا يغير شيئا من صفاته ، وهكذا في كل شيء لم يغير ما صار فيه - وبالله تعالى التوفيق ؟ واختلفوا فيما زاد على المائتين - : فروينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن عاصم الأحول عن الحسن البصري قال : كتب عمر إلى أبي موسى : فيما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم وهو قول الحسن ، ومكحول ، وعطاء ، وطاووس ، وعمرو بن دينار ، والزهري - وبه يقول أبو حنيفة ، والأوزاعي ؟ وحدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في مائتي درهم خمسة دراهم ؛ فما زاد فبحساب ذلك . وبه إلى معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : ما زاد على المائتين فبالحساب ؟ وهو قول إبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، ومحمد بن سيرين ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، ووكيع . وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وأبي ليلى ، ومالك ؟ قال أبو محمد : احتج أهل هذه المقالة بحديث من طريق المنهال بن الجراح - وهو كذاب - عن حبيب بن نجيح - وهو مجهول - عن عبادة بن نسي عن معاذ بن جبل { أن رسول الله ﷺ أمره - حين وجهه إلى اليمن - أن لا يأخذ من الكسور شيئا ، إذا بلغ الورق مائتي درهم خمسة دراهم ، ولا يأخذ مما زاد حتى يبلغ أربعين درهما } . وبما رويناه من طريق يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزري - وهو ساقط مطرح بإجماع عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال : { في كل خمس أواق خمسة دراهم ، فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم } . وبما رويناه من طريق الحسن بن عمارة - وهو ساقط مطروح بإجماع - عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ أنه قال له { : يا علي ، أما علمت أني عفوت عن صدقة الخيل ، والرقيق ، فأما البقر والإبل والشاء فلا ، ولكن هاتوا ربع العشر من كل مائتي درهم خمسة دراهم ، ومن كل عشرين دينارا نصف دينار ؛ وليس في مائتي درهم شيء حتى يحول عليها الحول ، فإذا حال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم } وبما حدثناه حمام قال : ثنا عباس ثنا ابن أيمن أنا مطلب بن شعيب المصري ثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث قال : حدثني يونس { عن ابن شهاب في الصدقة نسخة كتاب رسول الله ﷺ في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر ، فوعيتها على وجهها فذكر صدقة الإبل ، فقال فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة } ثم قال : { ليس في الورق صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ثم في أربعين زادت على مائتي درهم درهم } . وحدثناه أيضا عبد الله بن ربيع قال ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال : ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا عبد الله بن عمر النميري ثنا يونس بن يزيد سمعت { الزهري قال : هذه نسخة كتاب رسول الله ﷺ في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، أقرأنيها سالم بن عبد الله فوعيتها على وجهها ، وهي التي نسخ عمر بن عبد العزيز حين أمر على المدينة ، فأمر عماله بالعمل بها ، فذكر فيها صدقة الإبل ، وفيها فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل ، حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها حقة وابنتا لبون ، حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة ، فإذا كانت أربعين ومائة ، ففيها حقتان وابنة لبون ، حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة ، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق ، حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة ، فإذا بلغت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون ، حتى تبلغ تسعا وستين ومائة ، فإذا بلغت سبعين ومائة ففيها حقة وثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة ، فإذا بلغت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة ، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة ؛ فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون - : أي السنين وجدت فيها أخذت } وذكر صدقة الغنم . قال الزهري : وليس في الرقة صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم " . ثم قال : " في كل أربعين درهما زاد على المائتي درهم درهم ؛ وليس في الذهب صدقة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم ؛ فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ثم في كل شيء منها يبلغ صرفه أربعين درهما درهم ، حتى تبلغ أربعين دينارا ففيها دينار ، ثم ما زاد على ذلك من الذهب ففي كل صرف أربعين درهما درهم ، وفي كل أربعين دينارا دينار " حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله ﷺ : { قد عفوت عن الخيل والرقيق ، فهاتوا صدقة الرقة ، من كل أربعين درهما درهم ، وليس في تسعين ومائة شيء ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم } . هذا كل ما موهوا به من الآثار ، قد تقصيناه لهم أكثر مما يتقصونه لأنفسهم ؟ واحتجوا بأن قالوا : قد صحت الزكاة في الأربعين الزائدة على المائتين بإجماع ؛ واختلفوا فيما بين المائتين وبين الأربعين ، فلا تجب فيها زكاة باختلاف ؟ وقالوا من جهة القياس : لما كانت الدراهم لها نصاب لا تؤخذ الزكاة من أقل منه ، وكانت الزكاة تتكرر فيها كل عام - : أشبهت المواشي ؛ فوجب أن يكون فيها أوقاص كما في المواشي ولم يجز أن تقاس على الثمار والزرع ؛ لأن الزكاة هنالك مرة في الدهر لا تتكرر ، بخلاف العين والماشية ؟ هذا كل ما شغبوا به من نظر وقياس ؟ وكل ما احتجوا به من ذلك لا حجة لهم في شيء منه ؛ بل هو حجة عليهم ، على ما نبين إن شاء الله تعالى - : أما حديث معاذ فساقط مطرح ؛ لأنه عن كذاب واضع للأحاديث ، عن مجهول - : وأما حديث أبي بكر بن عمرو بن حزم فصحيفة مرسلة ؛ ولا حجة في مرسل ؛ وأيضا فإنها عن سليمان بن داود الجزري ، وهو ساقط مطرح . ثم لو صح كان قول رسول الله ﷺ : { في الرقة ربع العشر } زائدا على هذا الخبر ، والزيادة لا يحل تركها ؛ لأنه ليس في هذا الخبر إلا أن في كل أربعين درهما درهما فقط ؛ وليس فيه أن لا زكاة فيما بين المائتين وبين الأربعين - : وأما حديث الحسن بن عمارة فساقط ، للاتفاق على سقوط الحسن بن عمارة ولو صح لكانوا قد خالفوه ؛ فإنهم يرون الزكاة في الخيل السائمة ، وفي الخيل ، والرقيق المتخذين للتجارة ، وفي هذا الخبر سقوط الزكاة عن كل ذلك جملة ، فمن أقبح سيرة ممن يحتج بخبر ليس فيه بيان ما يدعي ؛ وهو يخالفه في نص ما فيه ؟ ولو صح هذا الخبر لكان قوله عليه السلام : { في الرقة ربع العشر } زائدا ، والزيادة لا يجوز تركها ؟ - : وأما حديث الزهري فمرسل أيضا ، ولا حجة في مرسل ؛ والذي فيه من حكم زكاة الورق ، والذهب فإنما هو كلام الزهري ، كما أوردناه آنفا من رواية الحجاج بن المنهال ؟ والعجب كل العجب تركهم ما في الصحيفة التي رواها الزهري نصا من صفة زكاة الإبل . واحتجاجهم بما ليس منها وخالفوا الزهري أيضا فيما ذكر من زكاة الذهب بالقيمة وهذا تلاعب بالديانة وبالحقائق وبالعقول - : وأما حديث علي - الذي ختمنا به - فصحيح مسند ، ولا حجة لهم فيه ، بل هو حجة عليهم ، لأن فيه { قد عفوت عن الخيل والرقيق } وهم يرون الزكاة في الخيل السائمة ، والتي للتجارة ، وفي الرقيق الذي للتجارة . ومن الشناعة احتجاجهم بحديث هم أول مخالف له في نص ما فيه ولا دليل فيه على ما يقولون لوجهين - : أحدهما أن نصه { هاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم ، وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم } . ونعم ، هكذا هو ؛ لأن في المائتين أربعين مكررة خمس مرات ، ففيها خمسة دراهم ، ونحن لا ننكر أن في أربعين درهما [ زائدا ] درهم ، وليس في هذا الخبر إسقاط الزكاة عن أقل من أربعين زائدة على المائتين فلا حجة لهم فيه - : وأيضا فهم يقولون : إن الصاحب إذا روى خبرا ثم خالفه فهو دليل على ضعف ذلك الخبر . كما ادعوا في حديث أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا وقد صح عن علي - كما ذكرنا في صدر هذه المسألة أن ما زاد على مائتي درهم فالزكاة فيه بحساب المائتين ، فلو كان في رواية علي ما يدعونه من إسقاط الزكاة عما بين المائتين والأربعين الزائدة لكان قول علي بإيجاب الزكاة في ذلك على أصلهما مسقطا لما روى من ذلك والقوم متلاعبون ؟ قال أبو محمد : فسقط كل ما موهوا به من الآثار ، وعادت حجة عليهم كما أوردنا وأما قولهم : قد صحت الزكاة في الأربعين الزائدة على المائتين بإجماع ، واختلفوا فيما دون الأربعين ، فلا تجب الزكاة فيها باختلاف - : فإن هذا كان يكون احتجاجا صحيحا لو لم يأت نص بإيجاب الزكاة في ذلك ، ولكن هذا الاستدلال يعود عليهم في قولهم في زكاة الخيل وزكاة البقر وما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض والحلي وغير ذلك ، ويهدم عليهم أكثر مذاهبهم . وأما قياسهم زكاة العين على زكاة المواشي بعلة تكرر الصدقة في كل ذلك كل عام بخلاف زكاة الزرع - : فقياس فاسد ؛ بل لو كان القياس حقا لكان قياس العين على الزرع أولى لأن المواشي حيوان ، والعين ، والزرع ، والتمر ليس شيء من ذلك حيوانا ، فقياس زكاة ما ليس حيا على زكاة ما ليس حيا أولى من قياس ما ليس حيا على حكم الحي ؟ . وأيضا - فإن الزرع ، والتمر ، والعين كلها خارج من الأرض ، وليس الماشية كذلك ، فقياس ما خرج من الأرض على ما خرج من الأرض أولى من قياسه على ما لم يخرج من الأرض ؟ وأيضا - فإنهم جعلوا وقص الورق تسعة وثلاثين درهما ، وليس في شيء من الماشية وقص من تسعة وثلاثين ؛ فظهر فساد قياسهم - وبالله تعالى التوفيق - فسقط كل ما موهوا به ؟ ثم وجدنا الرواية عن عمر رضي الله عنه بمثل قولهم لا تصح ، لأنها عن الحسن عن عمر ، والحسن لم يولد إلا لسنتين باقيتين من خلافة عمر ؛ فبقيت الرواية عن علي ، وابن عمر رضي الله عنهما بمثل قولنا ، ولا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف لذلك ؟ قال أبو محمد : فإذ لم يبق لأهل هذا القول متعلق نظرنا في القول الثاني - : فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني أبي هو عبد الله بن المثنى - ثنا ثمامة بن أنس بن مالك أن أنسا حدثه : أن أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ " فذكر الحديث وفيه { وفي الرقة ربع عشرها فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء ، إلا أن يشاء ربها } . فأوجب رسول الله ﷺ الصدقة في الرقبة ، وهي الورق ، ربع العشر عموما لم يخص من ذلك شيئا إلا ما كان أقل من خمس أواق ؛ فبقي ما زاد على وجوب الزكاة فيه ؛ فلا يجوز تخصيص شيء منه أصلا - وبالله تعالى التوفيق ؟


كتاب الزكاة

683 - مسألة : قالت طائفة : لا زكاة في أقل من أربعين مثقالا من الذهب الصرف الذي لا يخالطه شيء بوزن مكة ، سواء : مسكوكه ، وحليه ، ونقاره ومصوغه ، فإذا بلغ أربعين مثقالا - كما ذكرنا - وأتم في ملك المسلم الواحد عاما قمريا متصلا ففيه ربع عشره ، وهو مثقال ، وهكذا في كل عام ، وفي الزيادة على ذلك إذا أتم أربعين مثقالا أخرى وبقيت عاما كاملا دينار آخر ، وهكذا أبدا في كل أربعين دينارا زائدة دينار ، وليس في الزيادة شيء زائد حتى تتم أربعين دينارا ؟ فإن كان الذهب خلط لم يغير لونه أو رزانته أو حده سقط حكم الخلط ؛ فإن كان فيما بقي العدد المذكور زكي . وإلا فلا . فإن نقص من العدد المذكور - ما قل أو كثر - فلا زكاة فيه ، وفي كثير مما ذكرنا اختلاف نذكره - إن شاء الله تعالى ؟ قال جمهور الناس : بإيجاب الزكاة في عشرين دينارا لا أقل - : وروينا عن عمر بن عبد العزيز مما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا سعيد بن عفير عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن زريق بن حيان قال : كتب إلي عمر بن عبد العزيز : انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون في التجارات من كل أربعين دينارا دينارا ، وما نقص فبحساب ذلك ، حتى تبلغ عشرين دينارا ؛ فإن نقصت ثلث دينار فدعها قال أبو محمد : فهذا عمر بن عبد العزيز يرى في الذهب أن فيها الزكاة وإن نقصت ؛ فإن نقصت ثلث دينار فلا صدقة فيها ؟ وقال مالك : إن نقصت نقصانا تجوز به جواز الموازنة زكيت ، وإلا فلا ، وقال : إن كان في الدنانير الذهب وحلي الذهب خلط زكى الدنانير بوزنها وقال الشافعي : لا يزكى إلا ما فضل عن الخلط من الذهب المحض ، ولا يزكى ما نقص عن عشرين دينارا ؛ ولا بما كثر ؟ وقال أبو حنيفة ، وغيره : الزكاة في عشرين دينارا نصف دينار ، فإن زادت فلا صدقة فيها حتى تبلغ الزيادة أربعة دنانير ، فإذا زادت أربعة دنانير ففيها ربع عشرها ، وهكذا أبدا . وقال مالك ، والشافعي : ما زاد - قل أو كثر - ففيه ربع عشره ؟ وروينا عن بعض التابعين أنه لا زكاة فيما زاد حتى تبلغ الزيادة عشرين دينارا وهكذا أبدا وروينا عن الزهري وعطاء : أن الزكاة إنما تجب في الذهب بالقيمة ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا عبد الله بن عمر النميري ثنا يونس بن يزيد الأيلي قال : سمعت الزهري يقول : ليس في الذهب صدقة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم ، فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ثم في كل شيء منها يبلغ صرفه أربعين درهما درهم ، حتى تبلغ أربعين دينارا ، ففيها دينار ، ثم ما زاد على ذلك من الذهب ففي صرف كل أربعين درهما درهم ، وفي كل أربعين دينارا دينار . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال عطاء ، وعمرو بن دينار : لا يكون في مال زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا ؛ فإذا بلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار ، ثم في كل أربعة دنانير يزيدها المال درهم ، حتى يبلغ المال أربعين دينارا ، ففي كل أربعين دينارا دينار . قال ابن جريج : فلما كان بعد ذلك بحين قلت لعطاء : لو كان لرجل تسعة عشر دينارا ليس له غيرها والصرف اثنا عشر أو ثلاثة عشر بدينار ، فيها صدقة . ؟ قال : نعم ، إذا كانت لو صرفت بلغت مائتي درهم ؛ إنما كانت إذ ذلك الورق ولم يكن ذهب وممن قال - : بأن لا زكاة في الذهب إلا بقيمة ما يبلغ مائتي درهم فصاعدا من الورق - : سليمان بن حرب الواشحي . قال أبو محمد : أما من قال : لم يكن يومئذ ذهب - : فخطأ ، كيف هذا ؟ والله عز وجل يقول : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } . والأخبار عن رسول الله ﷺ في كون الذهب عندهم كثيرة جدا ، كقوله عليه السلام : { الذهب حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها } واتخاذه عليه السلام خاتما من ذهب ثم رمى به ، وغير ذلك كثير وإيجاب الزكاة في الذهب بقيمة الفضة قول لا دليل على صحته من نص ولا إجماع ولا نظر ؛ فسقط هذا القول - وبالله تعالى التوفيق . ثم نظرنا هل صح في إيجاب الزكاة في الذهب شيء أم لا . فوجدنا ما حدثناه حمام قال : ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ فذكر الحديث ؛ وفيه : { من كانت له ذهب أو فضة لم يؤد ما فيها جعلت له يوم القيامة صفائح من نار فوضعت على جنبه وظهره وجبهته ، حتى يقضى بين الناس ، ثم يرى سبيله } . فوجبت الزكاة في الذهب بهذا الوعيد الشديد ، فوجب طلب الواجب في الذهب الذي من لم يؤده عذب هذا العذاب الفظيع ، نعوذ بالله منه ، بعد الإجماع المتيقن المقطوع به على أنه عليه السلام لم يرد كل عدد من الذهب ، ولا كل وقت من الزمان ، وأن الزكاة إنما تجب في عدد معدود ، وفي وقت محدود ، فوجب فرضا طلب ذلك العدد وذلك الوقت ؟ فوجدنا من حد في ذلك عشرين دينارا احتج بما روينا من طريق ابن وهب : أخبرني جرير بن حازم وآخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة ، والحارث الأعور عن علي عن النبي ﷺ - فذكر كلاما ، وفيه - { وليس عليك شيء حتى يكون - يعني في الذهب - لك عشرون دينارا فإذا كان لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار ، فما زاد فبحساب ذلك } . قال : لا أدري ، أعلي يقول " بحساب ذلك ، " أو رفعه إلى النبي ﷺ ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال قال رسول الله ﷺ : { ومن كل عشرين دينارا نصف دينار } . ومن طريق ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال : { ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب ولا في أقل من مائتي درهم صدقة } . ومن طريق أبي عبيد عن يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري { أن في كتاب رسول الله ﷺ وفي كتاب عمر في الصدقة أن الذهب لا يؤخذ منها شيء حتى تبلغ عشرين دينارا ، فإذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار } . وذكر فيه قوم من طريق عبد الله بن واقد عن ابن عمر عن عائشة عن النبي ﷺ : { إن في عشرين دينارا الزكاة } . قال علي : هذا كل ما ذكروا في ذلك عن رسول الله ﷺ . وأما عمن دونه عليه السلام فروينا من طريق الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس قال : ولاني عمر الصدقات ، فأمرني أن آخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار ، فما زاد فبلغ أربعة دنانير ففيه درهم ؟ ومن طريق - وكيع : ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : ليس في أقل من عشرين دينارا شيء ، وفي عشرين دينارا نصف دينار ، وفي أربعين دينارا دينار ؟ ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال : كان لامرأة عبد الله بن مسعود طوق فيه عشرون مثقالا فأمرها أن تخرج عنه خمسة دراهم ومن طريق وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن الشعبي قال : في عشرين مثقالا نصف مثقال ؛ وفي أربعين مثقالا مثقال ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : ثنا هشيم ، والمعتمر بن سليمان قال هشيم : أنا منصور ، ومغيرة ، قال منصور : عن ابن سيرين وقال مغيرة : عن إبراهيم وقال المعتمر : عن هشام عن الحسن ، ثم اتفق الحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم ؛ قالوا كلهم : في عشرين دينارا ، وفي أربعين دينارا دينار ؟ وقد ذكرناه في أول الباب عن عمر بن عبد العزيز ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية عن أبيه عن الحكم هو ابن عتيبة - أنه كان لا يرى في عشرين دينارا زكاة حتى تكون عشرين مثقالا ، فيكون فيها نصف مثقال ؟ وقد ذكرناه قبل عن عطاء ، وعمرو بن دينار ، وذكرنا رجوع عطاء عن ذلك قال أبو محمد : ما نعلم عن أحد من التابعين غير ما ذكرنا فأما كل ما ذكروا فيه عن رسول الله ﷺ فلا يصح منه شيء ولو صح لما استحللنا خلافه ؛ وأعوذ بالله من ذلك ؟ أما حديث علي - الذي صدرنا به - فإن ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق قرن فيه بين عاصم بن ضمرة وبين الحارث الأعور ، والحارث كذاب ، وكثير من الشيوخ يجوز عليهم مثل هذا ، وهو أن الحارث أسنده وعاصم لم يسنده ، فجمعهما جرير ، وأدخل حديث أحدهما في الآخر . وقد رواه عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي : شعبة ، وسفيان ، ومعمر ، فأوقفوه على علي ، وهكذا كل ثقة رواه عن عاصم . وقد روى حديث الحارث ، وعاصم : زهير بن معاوية فشك فيه . كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا زهير بن معاوية ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة ، وعن الحارث عن علي . قال زهير : أحسبه عن النبي ﷺ فذكر صدقة الورق ، { إذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فعلى حساب ذلك } . وقال في البقر : { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة ، وليس على العوامل شيء } . وقال في الإبل ، { في خمس وعشرين خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض ، فإن لم تكن فابن لبون ذكر } . قال زهير : وفي حديث عاصم : { إذا لم يكن في الإبل بنت مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان } . قال علي : قد ذكرنا أنه حديث مالك ؛ ولو أن جريرا أسنده عن عاصم وحده لأخذنا به ؛ لكن لم يسنده إلا عن الحارث معه ، ولم يصح لنا إسناده من طريق عاصم ، ثم لما شك زهير فيه بطل إسناده . ثم يلزم من صححه أن يقول بكل ما ذكرنا فيه ، وليس من المخالفين لنا طائفة إلا وهي تخالف ما فيه ، ومن الباطل أن يكون بعض ما في الخبر حجة وبعضه غير حجة ؛ فبطل تعلقهم بهذا الخبر ؟ أما خبر الحسن بن عمارة فالحسن مطرح وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فصحيفة مرسلة . ورواه أيضا ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ . فإن لجوا على عاداتهم وصححوا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافقهم فليستمعوا ؟ روينا من طريق داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ : { لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها } . ومن طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ : { لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها } . ومن طريق العلاء بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام : { أنه قضى في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية } . وعن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ﷺ ثمانمائة دينار ثمانية آلاف درهم ، ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلم ، وكانت كذلك حتى استحلف عمر ، فقام خطيبا ففرضها على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة ، وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية } . وعن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ، ثلاثون بنت مخاض ، وثلاثون بنت لبون وعشرون ابن لبون ذكر ، وعشرون حقة ، وقضى رسول الله ﷺ على أهل البقر مائتي بقرة - يعني في الدية - ومن كانت ديته في الشاء فألفا شاة } ؟ وكل هذا فجميع الحنفية ، والمالكية ، والشافعية : مخالفون لأكثره ، ولو أردنا أن نزيد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لأمكن ذلك ، وفي هذا كفاية ؟ ولا أرق دينا ممن يوثق رواية إذا وافقت هواه ، ويوهنها إذا خالفت هواه فما يتمسك فاعل هذا من الدين إلا بالتلاعب وحديث محمد بن عبد الرحمن مرسل وعن مجهول أيضا . وأما حديث ابن عمر فعبد الله بن واقد مجهول . فسقط كل ما في هذا عن النبي ﷺ ولم يصح منه شيء وأما ما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم فلا يصح عن عمر ، لأن راويه يحيى بن أيوب ، وهو ضعيف . وقد روينا عن عمر ما هو أصح من هذا ؛ وكلهم يخالفونه ؟ - : كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن هشام بن حسان وسفيان الثوري ، ومعمر قال هشام : عن أنس بن سيرين ، وقال سفيان ، ومعمر : عن أيوب السختياني عن أنس بن سيرين ، ثم اتفقوا كلهم عن أنس بن سيرين قال : بعثني أنس بن مالك على الأبلة فأخرج إلي كتابا من عمر بن الخطاب " خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما " . فهذا أنس ، وعمر بأصح إسناد يمكن ؛ فإن تأولوا فيه تأويلا يقتضيه ظاهره فما هم بأقوى على ذلك من غيرهم فيما يحتجون به ، وما يعجز أحد عن أن يقول : إنما أمر عمر في العشرين دينارا بنصف دينار كما أمر في الرقيق والخيل بعشرة دراهم من كل رأس - : إذا طابت نفس مالك كل ذلك به ، وإلا فلا وأما الخبر في ذلك عن ابن مسعود فمرسل ؛ ولا يأخذ به المالكيون ، ولا الشافعيون ، ومن الباطل أن يكون قول ابن مسعود حجة في بعض حكمه ذلك ولا يكون حجة في بعضه ، والمسامحة في الدين هلاك وأما قول علي فهو صحيح ، وقد روينا عن علي من هذه الطريق نفسها أشياء كثيرة قد ذكرناها - : منها : في كل خمس وعشرين من الإبل خمسا من الغنم ، وكلهم مخالف لهذا . ومن الباطل أن يكون قول علي حجة في مكان غير حجة في آخر ؟ فبطل كل ما تعلقوا به من آثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم . ثم حتى لو صحت هذه الآثار كلها عن النبي ﷺ وعن الصحابة رضي الله عنهم - : لكانوا مخالفين لها ؛ لأن الحنفيين ، والمالكيين يقولون : إن كانت عشرة دنانير ومائة درهم ففيها الصدقة ، وكل هذه الآثار تبطل الزكاة عن أقل من عشرين دينارا ؛ وهم يوجبونها في أقل من عشرين دينارا ؛ فصارت كلها حجة عليهم ، وعاد ما صححوا من ذلك قاطعا بهم أقبح قطع ونعوذ بالله من الخذلان والمالكيون : يوجبونها في عشرين دينارا ناقصة إذا جازت جواز الموازنة ، وهذا خلاف ما في هذه الأخبار كلها ؟ وأما التابعون فقد اختلفوا كما ذكرنا ، وصح عن الزهري ، وعطاء : أنه لا يزكى من الذهب بالذهب إلا أربعين دينارا ، لا أقل ؛ ثم كذلك إذا زادت أربعين دينارا ، ورأوا الزكاة فيما دون ذلك وما بين كل أربعين وأربعين بعدها القيمة ؛ وكانت القيمة قولا لا يوجبه قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا دليل أصلا ؛ فسقط هذا القول . وقد حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حماد بن مسعدة عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن البصري قال : ليس في أقل من أربعين دينارا شيء ؟ قال أبو محمد : فصحت الزكاة في أربعين من الذهب ثم في كل أربعين زائدة - : بالإجماع المتيقن المقطوع به فوجب القول به ولم يكن في إيجاب الزكاة في أقل من ذلك ولا فيما بين النصابين - : قرآن ولا سنة صحيحة ولا إجماع ، ولا يجوز أن تؤخذ الشرائع في دين الإسلام إلا بأحد هذه الثلاثة - وبالله تعالى التوفيق ؟ قال علي : فليس إلا هذا القول ، أو قول من قال : قد صح أن في الذهب زكاة بالنص الثابت ؛ فالواجب أن يزكى كل ذهب ، إلا ذهبا صح الإجماع على إسقاط زكاتها فمن قال هذا : فواجب عليه أن يزكي كل ما دون العشرين بالقيمة ، وأن يزكي حلي الذهب ، وأن يزكي كل ذهب حين يملكه مالكه - فكل هذا قد قال به جماعة من الأئمة الذين هم أجل من أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ؟ قال أبو محمد : ولم نقل بهذا لما قدمناه من أنه لا يحل أن ينسب إلى الله تعالى ولا إلى رسوله ﷺ قول إلا بيقين نقل صحيح من رواية الإثبات أو بنقل تواتر أو مجمع عليه ، وليس شيء من هذه الأحوال موجودا في شيء من هذه الأقوال ؟ وقد قلنا : إن الإجماع قد صح على أنه عليه السلام لم يوجب الزكاة في كل عدد من الذهب ، ولا في كل وقت من الدهر - وبالله التوفيق ؛ قال أبو محمد : وأما قول أبي حنيفة فما تعلق بما روي في ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ؛ لأن الرواية عن عمر رضي الله عنه بأن ما زاد على عشرين دينارا فإنه يزكى بالدراهم . وعن ابن مسعود : تزكية الذهب بالدراهم ، وهذا يخرج على قول الزهري ، وعطاء ، وما وجدنا عن أحد من الصحابة ولا من التابعين أن الوقص في الذهب يزكى بالذهب فخرج قوله عن أن يكون له سلف ؟ ونسألهم أيضا : من أين جعلتم الوقص في الذهب أربعة دنانير ؟ وليس هذا في شيء من الآثار التي احتججتم بها ؛ بل الأثر الذي روي عن علي في ذلك إلى النبي ﷺ بأن ما زاد على عشرين دينارا فإنه يزكى بالحساب ؛ وإنما جاء عن عمر في ذلك قول لا يصح ومع ذلك فقد خالفتموه ، ورأيتم تزكيته بالذهب ورآه هو بالورق بالقيمة ، وقد خالفه علي ، وابن عمر برواية أصح من الرواية عن عمر ؟ فلا ملجأ لهم إلا أن يقولوا : قسناه على الفضة ؟ قول علي : وهذا قياس والقياس كله باطل ؛ ثم لو صح القياس لكان هذا منه قياسا للخطأ على الخطأ وعلى أصل غير صحيح - ولم يأت به قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا إجماع من أن كل عشرة دراهم بإزاء دينار ، وإنما هو شيء قالوه في الزكاة ، والقطع في السرقة . والدية ، والصداق ، وكل ذلك خطأ منهم ، ليس شيء منه صحيحا على ما بيناه ونبين - إن شاء الله تعالى ؛ إذ ليس في شيء من ذلك قرآن ولا سنة صحيحة ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق وبالدليل الذي ذكرنا وجب أن لا يزكى الذهب إلا حتى يتم عند مالكه حولا كما قدمنا ؟ ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير بن حازم مسند صحيح لا يجوز خلافه وأن الاعتلال فيه بأن عاصم بن ضمرة ، أو أبا إسحاق ، أو جريرا خلط إسناد الحارث بإرسال عاصم - : هو الظن الباطل الذي لا يجوز ، وما علينا من مشاركة الحارث لعاصم ، ولا لإرسال من أرسله ؛ ولا لشك زهير فيه شيء وجرير ثقة ؛ فالأخذ بما أسنده لازم - وبالله تعالى التوفيق .


كتاب الزكاة

684 - مسألة : والزكاة واجبة في حلي الفضة والذهب إذا بلغ كل واحد منهما المقدار الذي ذكرنا وأتم عند مالكه عاما قمريا . ولا يجوز أن يجمع بين الذهب والفضة في الزكاة ولا أن يخرج أحدهما عن الآخر ولا قيمتهما في عرض أصلا ، وسواء كان حلي امرأة أو حلي رجل ، وكذلك حلية السيف والمصحف والخاتم وكل مصوغ منهما حل اتخاذه أو لم يحل ؟ وقال أبو حنيفة : بوجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة وقال مالك : إن كان الحلي لامرأة تلبسه أو تكريه أو كان لرجل يعده لنسائه فلا زكاة في شيء منه ، فإن كان لرجل يعده لنفسه عدة ففيه الزكاة ولا زكاة على الرجل في حلية السيف ، والمنطقة ، المصحف ، والخاتم ؟ وقال الشافعي : لا زكاة في حلي ذهب ، أو فضة ؟ وجاء في ذلك عن السلف ما قد ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن ابن مسعود عن إيجابه الزكاة في حلي امرأته . وهو عنه في غاية الصحة وروينا من طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال قالت امرأة لعبد الله بن مسعود : لي حلي ؟ فقال لها : إذا بلغ مائتين ففيه الزكاة ؟ وعن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي موسى : مر نساء المسلمين يزكين حليهن - : ومن طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : كان عبد الله بن عمرو بن العاص يأمر بالزكاة في حلي بناته ونسائه ؟ ومن طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سالم عن عبد الله بن عمر أنه كان يأمره بذلك كل عام ؟ وعن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت : لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته ؟ وهو قول مجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، وجابر بن زيد ، وميمون بن مهران ، وعبد الله بن شداد ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وذر الهمداني وابن سيرين ، واستحبه الحسن . قال الزهري : مضت السنة أن في الحلي الزكاة ؟ وهو قول ابن شبرمة ، والأوزاعي ، والحسن بن حي . وقال الليث : ما كان من حلي يلبس ويعار فلا زكاة فيه ، وما كان من حلي اتخذ ليحرز من الزكاة ففيه الزكاة ؟ وقال جابر بن عبد الله ، وابن عمر : لا زكاة في الحلي ؟ وهو قول أسماء بنت أبي بكر الصديق ؛ وروي أيضا عن عائشة ، وهو عنهما صحيح ، وهو قول الشعبي ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، وأبي جعفر محمد بن علي ؛ وروي أيضا عن طاوس ، والحسن ، وسعيد بن المسيب . واختلف فيه قول سفيان الثوري ، فمرة رأى فيه الزكاة ، ومرة لم يرها قال أبو محمد : وهنا قول أنس : إن الزكاة فيه مرة واحدة ، ثم لا تعود فيه الزكاة . وروينا عن أبي أمامة الباهلي وخالد بن معدان : أن حلية السيف من الكنوز . وعن إبراهيم النخعي وعطاء : لا زكاة في قدح مفضض ولا في منطقة محلاة ولا في سيف محلى . قال علي : أما قول مالك فتقسيم غير صحيح ، وما علمنا ذلك التقسيم عن أحد قبله ، ولا تقوم على صحته حجة من قرآن ولا سنة ولا إجماع ، ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي له وجه والعجب أنهم احتجوا في ذلك بأن الزكاة إنما سقطت عن الحلي المتخذ للنساء لأنه مباح لهن ، وكذلك عن المنطقة ، والسيف ، وحلية المصحف ، والخاتم للرجال قال أبو محمد : فكان هذا الاحتجاج عجبا ولقد علم كل مسلم أن الدنانير والدراهم ونقار الذهب والفضة - : مباح اتخاذ كل ذلك للرجال والنساء فينبغي على هذا أن تسقط الزكاة عن كل ذلك ، إن كانت هذه العلة صحيحة ويلزم على هذه العلة أن من اتخذ ما لا زكاة فيه - مما لم يبح له اتخاذه - أن تكون فيه الزكاة عقوبة له ، كما أسقط الزكاة عما فيه الزكاة من الذهب والفضة إذا اتخذ منه حلي مباح اتخاذه فإن قالوا : إنه يشبه متاع البيت الذي لا زكاة فيه من الثياب ونحوها ؟ قلنا لهم : فأسقطوا بهذه العلة نفسها - إن صححتموها - الزكاة عن الإبل المتخذة للركوب والسني والحمل والطحن ، وعن البقر المتخذة للحرث ؟ وقبل كل شيء وبعد ، فمع فساد هذه العلة وتناقضها ، من أين قلتم بها ؟ ومن أين صح لكم أن ما أبيح اتخاذه من الحلي تسقط عنه الزكاة ؟ وما هو إلا قولكم جعلتموه حجة لقولكم ولا مزيد ثم أين وجدتم إباحة اتخاذ المنطقة المحلاة بالفضة والمصحف المحلى بالفضة للرجال دون السرج واللجام ، والمهاميز المحلاة بالفضة ؟ فإن ادعوا في ذلك رواية عن السلف ادعوا ما لا يجدونه وأوجدناهم عن السلف بأصح طريق من طريق البخاري محمد بن إسماعيل في تاريخه عن عبد الله بن محمد المسندي عن سفيان عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عمه مصعب بن سعد قال : رأيت على سعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، وصهيب خواتيم ذهب ؟ وصح أيضا عن البراء بن عازب . فأسقطوا لهذا الزكاة عن خواتيم الذهب للرجال ؛ أو قيسوا حلية السرج واللجام والدرع والبيضة على المنطقة والسيف ؛ وإلا فلا النصوص اتبعتم ، ولا القياس استعملتم فسقط هذا القول بيقين ؟ وأما قول الليث ففاسد أيضا ، لأنه لا يخلو حلي النساء من أن تكون فيه الزكاة أو لا تكون فيه الزكاة ، فإن كانت فيه الزكاة ففي كل حال فيه الزكاة وإن كان لا زكاة فيه فما علمنا على من اتخذ ما لا زكاة فيه ليحرزه من الزكاة زكاة ولو كان هذا لوجب على من اشترى بدراهمه دارا أو ضيعة ليحرزها من الزكاة أن يزكيها ، وهو لا يقول بهذا ؟ وأما الشافعي فإنه علل ذلك بالنماء . فأسقط الزكاة عن الحلي وعن الإبل ؛ والبقر والغنم غير السوائم ؟ قال أبو محمد : وهذا تعليل فاسد ؛ لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا نظر صحيح ؛ وقد علمنا أن الثمار والخضر تنمي ، وهو لا يرى الزكاة فيها وكراء الإبل ، وعمل البقر ينمي ، وهو لا يرى الزكاة فيها والدراهم لا تنمي إذا بقيت عند مالكها ، وهو يرى الزكاة فيها ، والحلي ينمي كراؤه وقيمته ، وهو لا يرى الزكاة فيه ؟ وأما أبو حنيفة - فأوجب الزكاة في الحلي ، وأسقط الزكاة عن المستعملة من الإبل ، والبقر ، والغنم ؛ وهذا تناقض واحتج له بعض مقلديه بأن الذهب ، والفضة قبل أن يتخذ حليا كانت فيهما الزكاة ، ثم قالت طائفة : قد سقط عنهما حق الزكاة . وقال آخرون : لم يسقط ، فوجب أن لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف ؟ فقلنا : هذه حجة صحيحة ؛ إلا أنها لازمة لكم في غير السوائم ؛ لاتفاق الكل على وجوب الزكاة فيها قبل أن تعلف ، فلما علفت اختلفوا في سقوط الزكاة أو تماديها ، فوجب أن لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف ؟ وقال هذا القائل : وجدنا المعلوفة ننفق عليها ونأخذ منها ، ووجدنا السوائم نأخذ منها ولا ننفق عليها ؛ والحلي يؤخذ كراؤه وينتفع به ولا ينفق عليه ، فكان أشبه بالسوائم منه بالمعلوفة ؟ فقيل له : والسائمة أيضا ينفق عليها أجر الراعي . وهذه كلها أهواس وتحكم في الدين بالضلال ؟ قال أبو محمد : واحتج من رأى إيجاب الزكاة في الحلي بآثار واهية ، لا وجه للاشتغال بها ، إلا أننا ننبه عليها تبكيتا للمالكيين المحتجين بمثلها وبما هو دونها إذا وافق تقليدهم وهي - : خبر رويناه من طريق خالد بن الحارث عن الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن امرأة دخلت على رسول الله ﷺ وفي يدها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها : أتؤدين زكاة هذا ؟ قالت : لا ، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ فألقتهما ، وقالت : هما لله ولرسوله } . والمالكيون يحتجون برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافق أهواءهم ، ولم يروه هاهنا حجة ؟ - : وخبر من طريق عتاب عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن { أم سلمة أم المؤمنين قالت كنت ألبس أوضاحا لي من ذهب ، فقلت : يا رسول الله أكنز هو ؟ قال : ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز } . وعتاب مجهول ، إلا أن المالكيين يحتجون بمثل حرام بن عثمان ، وسوار بن مصعب ، وهذا خير منه ؟ - : ومن طريق يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر : أن محمد بن عمرو هو ابن عطاء - أخبره [ عن ] عبد الله بن شداد بن الهاد قال : { دخلنا على عائشة أم المؤمنين فقالت دخل علي رسول الله ﷺ فرأى في يدي سخابا من ورق فقال : أتؤدين زكاته ؟ قلت : لا ، أو ما شاء الله تعالى ، فقال : هو حسبك من النار } . قال أبو محمد : يحيى بن أيوب ضعيف ، والمالكيون يحتجون بروايته ، إذا وافق أهواءهم . ونقول للحنفيين : أنتم قد تركتم رواية أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا من أجل أنكم رويتم من طريق لا خير فيها أنه خالف ما روي من ذلك لا حجة لكم في ترك ذلك الخبر الثابت إلا بهذا ، ثم أخذتم براوية عائشة هذه التي لا تصح ؛ وهي قد خالفته من أصح طريق ، فما هذا التلاعب بالدين ؟ فإن قالوا : قد روي عنها الأخذ بما روت من هذا ؟ قلنا لهم : وقد صح عن أبي هريرة الأخذ بما روى في غسل الإناء من ولوغ الكلب ؟ فإن قالوا : قد روى زكاة الحلي كما أوردتم غير عائشة ، وهو عبد الله بن عمرو . قلنا لهم : وقد روى غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا غير أبي هريرة ، وهو عبد الله بن مغفل ؛ وهذا ما لا انفكاك لهم منه ؟ قال أبو محمد : لو لم يكن إلا هذه الآثار لما قلنا بوجوب الزكاة في الحلي ؛ ولكن لما صح عن رسول الله ﷺ { في الرقة ربع العشر } { وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم } وكان الحلي ورقا وجب فيه حق الزكاة ، لعموم هذين الأثرين الصحيحين ؟ وأما الذهب فقد صح عن رسول الله ﷺ { ما من صاحب ذهب لا يؤدي ما فيها إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها } فوجبت الزكاة في كل ذهب بهذا النص ، وإنما تسقط الزكاة من الذهب عمن لا بيان في هذا النص بإيجابها فيه ؛ وهو العدد والوقت ، لإجماع الأمة كلها - بلا خلاف منها أصلا - على أنه عليه الصلاة والسلام لم يوجب الزكاة في كل عدد من الذهب ، ولا في كل وقت من الزمان ، فلما صح ذلك ولم يأت نص في العدد والوقت وجب أن لا يضاف إلى رسول الله ﷺ إلا ما صح عنه بنقل آحاد أو بنقل إجماع ؛ ولم يأت إجماع قط بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد إلا بعض أحوال الذهب وصفاته ، فلم يجز تخصيص شيء من ذلك بغير نص ولا إجماع ؟ فإن قيل : فهلا أخذتم بقول أنس في الحلي بهذا الدليل نفسه ، فلم توجبوا فيه الزكاة إلا مرة واحدة في الدهر ؟ قلنا لهم : لأنه قد صح عن النبي ﷺ إيجاب الزكاة في الذهب عموما ، ولم يخص الحلي منه بسقوط الزكاة فيه ، لا بنص ولا بإجماع ، فوجبت الزكاة بالنص في كل ذهب وفضة ، وخص الإجماع المتيقن بعض الأعداد منهما وبعض الأزمان ، فلم تجب الزكاة فيهما إلا في عدد أوجبه نص أو إجماع وفي زمان أوجبه نص أو إجماع ، ولم يجز تخصيص شيء منهما ؛ إذ قد عمهما النص ؛ فوجب أن لا يفرق بين أحوال الذهب بغير نص ولا إجماع ، وصح يقينا - بلا خلاف - أن رسول الله ﷺ كان يوجب الزكاة في الذهب والفضة كل عام ، والحلي فضة أو ذهب ، فلا يجوز أن يقال " إلا الحلي " بغير نص في ذلك ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق . وأما الجمع بين الفضة والذهب في الزكاة فإن مالكا ، وأبا يوسف ، ومحمد بن الحسن ، قالوا : من كان معه من الدراهم والدنانير ما إذا حسبهما على أن كل دينار بإزاء عشرة دراهم فاجتمع من ذلك عشرون دينارا أو مائتا درهم - زكى الجميع زكاة واحدة ، مثل أن يكون له دينار ومائة وتسعون درهما ، أو عشرة دراهم وتسعة عشر دينارا أو عشرة دنانير ومائة درهم وعلى هذا الحكم أبدا . فإن كان له أقل من ذلك فلا زكاة عليه ، ولم يلتفتوا إلى غلاء قيمة الدنانير ، أو الدراهم أو رخصها - وهو قول أبي حنيفة الأول ؟ ثم رجع فقال : يجمع بينهما بالقيمة ، فإذا بلغ قيمة ما عنده منهما جميعا عشرين دينارا أو مائتي درهم فعليه الزكاة ، وإلا فلا ، فيرى على من عنده دينار واحد يساوي - لغلاء الذهب - مائتي درهم غير درهم وعنده درهم واحد - : أن الزكاة واجبة عليه ، ولم ير على من عنده تسعة عشر دينارا ومائتي درهم غير درهم - لا تساوي دينارا - زكاة وقال ابن أبي ليلى ؛ وشريك ؛ والحسن بن حي ، والشافعي ، وأبو سليمان : لا يضم ذهب إلى ورق أصلا ؛ لا بقيمة ولا على الأجزاء ، فمن عنده مائتا درهم غير حبة وعشرون دينارا غير حبة - : فلا زكاة عليه فيهما ، فإن كمل أحدهما نصابا زكاه ولم يزك الآخر ؟ قال أبو محمد : واحتج من رأى الجمع بينهما بأنهما أثمان الأشياء ؟ قال علي : فيقال له : والفلوس قد تكون أثمانا أيضا ، فزكها على هذا الرأي الفاسد . والأشياء كلها قد يباع بعضها ببعض ، فتكون أثمانا ، فزك العروض بهذه العلة وأيضا : فمن لكم بأنهما لما كانا أثمانا للأشياء وجب ضمهما في الزكاة ؟ فهذه علة لم يصححها قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية فاسدة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس يعقل ، ولا رأي سديد وإنما هي دعوى في غاية الفساد ؟ وأيضا : فإذ صححتموها فاجمعوا بين الإبل والبقر في الزكاة ، لأنهما يؤكلان وتشرب ألبانهما ، ويجزئ كل واحد منهما عن سبعة في الهدي نعم ، واجمعوا بينهما وبين الغنم في الزكاة ، لأنها كلها تجوز في الأضاحي وتجب فيها الزكاة فإن قيل : النص فرق بينهما ؟ قلنا : والنص فرق بين الذهب ، والفضة في الزكاة ، لا يخلو الذهب ، والفضة من أن يكونا جنسا واحدا أو جنسين ، فإن كانا جنسا واحدا فحرموا بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ، وإن كانا جنسين فالجمع بين الجنسين لا يجوز ، إلا بنص وارد في ذلك ويلزمهم الجمع بين التمر ، والزبيب في الزكاة ، وهم لا يقولون هذا ، لأنهما قوتان حلوان فظهر فساد هذا القول بيقين ؟ وأيضا : فيلزم من رأى الجمع بينهما بالقيمة أن يزكي في بعض الأوقات دينارا أو درهما فقد شاهدنا الدينار يبلغ بالأندلس أزيد من مائتي درهم ، وهذا باطل شنيع جدا ويلزم من رأى الجمع بينهما بتكامل الأجزاء أنه إن كان الذهب رخيصا أو غاليا فإنه يخرج الذهب عن الذهب ، والفضة بالقيمة . أو تخرج الفضة عن الذهب والفضة بالقيمة وهذا ضد ما جمع به بينهما ، فمرة راعى القيمة لا الأجزاء ، ومرة راعى الأجزاء لا القيمة ، في زكاة واحدة وهذا خطأ بيقين ولا فرق بين هذا القول وبين من قال : بل أجمع الذهب مع الفضة بالقيمة وأخرج عنهما أحدهما بمراعاة الأجزاء ؛ وكلاهما تحكم بالباطل ؟ وأيضا : فيلزمه إذا اجتمع له ذهب وفضة تجب فيهما عنده الزكاة - وكان الدينار قيمته أكثر من عشرة دراهم - فإنه إن أخرج ذهبا عن كليهما فإنه يخرج ربع دينار وأقل عن زكاة عشرين دينارا ، وهذا باطل عندهم ، وإن أخرج دراهم عن كليهما - وكان الدينار لا يساوي إلا أقل من عشرة دراهم - وجب أن يخرج أكثر من عشرة دراهم عن مائتي درهم ، وهذا باطل بإجماع ؟ فإن قالوا : إنكم تجمعون بين الضأن والماعز في الزكاة ، وهما نوعان مختلفان ؟ قلنا نعم ، لأن الزكاة جاءت فيهما باسم يجمعهما ، وهو لفظ " الغنم " " والشاء " ولم تأت الزكاة في الذهب ، والفضة بلفظ يجمعهما ولو لم تأت الزكاة في الضأن إلا باسم " الضأن " ولا في الماعز إلا باسم " الماعز " لما جمعنا بينهما ، كما لم نجمع بين البقر ، والإبل ولو جاءت الزكاة في الذهب ، والفضة بلفظ واسم جمع بينهما لجمعنا بينهما ؟ قال أبو محمد : وهم مجمعون على أن الذهب غير الفضة ، وأنه يجوز بيع درهم من أحدهما بمائة من الآخر ، وأن أحدهما حلال للنساء والرجال ، والآخر حلال للنساء حرام على الرجال ، وهم مقرون أن الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ، ولا في أقل من عشرين دينارا ثم يوجبونها في عشرة دنانير ومائة درهم وهذا تناقض لا خفاء به ؟ قال أبو محمد : وحجتنا في أنه لا يحل الجمع بينهما في الزكاة هو قول رسول الله ﷺ : { ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة } فكان من جمع بين الذهب ، والفضة قد أوجب الزكاة في أقل من خمس أواق وهذا خلاف مجرد لأمر رسول الله ﷺ وشرع لم يأذن الله تعالى به ؛ وهم يصححون الخبر في إسقاط الزكاة في أقل من عشرين دينارا ثم يوجبونها في أقل . وهذا عظيم جدا وقد صح عن علي ، وعمر ، وابن عمر : إسقاط الزكاة في أقل من مائتي درهم ، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم - وبالله تعالى التوفيق . وأما إخراج الذهب عن الورق ، والورق عن الذهب ، فإن مالكا ، وأبا حنيفة أجازاه ومنع منه الشافعي ، وأبو سليمان ، وبه نأخذ ؛ لأن رسول الله ﷺ قال : { في الرقة ربع العشر ، وفي مائتي درهم خمسة دراهم } فمن أخرج غير ما أمر رسول الله ﷺ بإخراجه فقد تعدى حدود الله . { ومن يطع الرسول فقد أطاع الله } . { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . ولم يأت بما أمر ، ومن لم يأت بما أمر فلم يزك ؟ ( وأما الذهب فالأمة كلها مجمعة على أنه إن أخرج في زكاتها الذهب ) فقد أدى ما عليه ، ووافق ما أمره به رسول الله ﷺ ؟ واختلفوا فيمن أخرج فضة عن ذهب ، أو عرضا عن أحدهما ، أو غير ما جاء به النص ( عن رسول الله ﷺ ) فيما عداهما فلا يجوز أن ينسب إلى رسول الله ﷺ حكما بغير نص ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .


كتاب الزكاة

685 - مسألة : قال أبو محمد : صح عن ابن عباس إيجاب الزكاة في كل مال يزكى حين يملكه المسلم ؟ وصح عن ابن عمر : لا زكاة فيه حتى يتم حولا ؟ وقال أبو حنيفة : لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا إلا إن كان عنده مال يجب في عدد ما عنده منه الزكاة في أول الحول - : فإنه إن اكتسب بعد ذلك - لو قبل تمام الحول بساعة شيئا - قل أو كثر - من جنس ما عنده : فإنه يزكي المكتسب مع الأصل ، سواء عنده الذهب ، والفضة ، والماشية ، والأولاد ، وغيرها ؟ وقال مالك : لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا ، وسواء كان عنده ما فيه الزكاة من جنسه أو لم يكن ، إلا الماشية ؛ فإن من استفاد منها شيئا بغير ولادة منها ، فإن كان الذي عنده منها نصابا - : زكى الجميع عند تمام الحول ، وإلا فلا ، وإن كانت من ولادة زكى الجميع بحول الأمهات سواء كانت الأمهات نصابا أو لم تكن ؟ وقال الشافعي : لا يزكى مال مستفاد مع نصاب كان عند الذي استفاده من جنسه ألبتة ، إلا أولاد الماشية مع أمهاتها فقط إذا كانت الأمهات نصابا وإلا فلا ؟ قال أبو محمد : وقد ذكرنا قبل فساد هذه الأقوال كلها ؛ ويكفي من فسادها أنها كلها مختلفة وكلها دعاو مجردة ، وتقاسيم فاسدة متناقضة لا دليل على صحة شيء منها . لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من إجماع ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه وقال أبو حنيفة : من كان عنده مائتا درهم في أول الحول فلما كان بعد ذلك بيوم تلفت كلها أو أنفقها إلا درهما واحدا واحدا فإنه بقي عنده ؛ فلما كان قبل تمام الحول بساعة اكتسب مائة درهم وتسعة وتسعين درهما - : فالزكاة عليه في الجميع لحول التي تلفت ، فلو لم يبق منها ولا درهم فلا زكاة عليه فيما اكتسب ولو أنها مائة ألف درهم - حتى يتم لها حول ؟ فيا ليت شعري ما شأن هذا الدرهم ؟ وما قوله لو لم يبق منها إلا فلس ؟ وكذلك قوله فيمن عنده نصاب من ذهب ، أو من بقر ، أو من إبل ، أو من غنم ؛ ثم تلفت كلها إلا واحدة ؛ ثم اكتسب من جنسها قبل الحول ما يتم بما بقي عنده النصاب ؟ وهذا قول يغني ذكره عن تكلف الرد عليه ؟ ولئن كانت الزكاة باقية في الدرهم الباقي فإن الزكاة واجبة فيه وإن لم يكتسب غيره ؛ نعم ، وفيما اكتسب إليه ولو أنه درهم آخر ولئن كانت الزكاة غير باقية فيه فإن الواجب عليه استئناف الحول بما اكتسب معه ؟ وممن روي عنه تعجيل الزكاة من الفائدة : ابن مسعود ، ومعاوية ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والزهري وممن صح عنه : لا زكاة في مال حتى يتم له حول - : علي ، وأبو بكر الصديق ، وعائشة أم المؤمنين ، وابن عمر ، وقد ذكرناها في باب ذكرنا أولاد الماشية ؟ . وأما تقسيم أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي فلا يحفظ عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم نعم ، ولا عن أحد من التابعين . قال أبو محمد : كل فائدة فإنما تزكى لحولها ، لا لحول ما عنده من جنسها وإن اختلطت عليه الأحوال ؟ تفسير ذلك : لو أن امرأ ملك نصابا - وذلك مائتا درهم من الورق أو أربعين دينارا من الذهب ، أو خمسا من الإبل ، أو خمسين من البقر - ثم ملك بعد ذلك بمدة - قريبة أو بعيدة ، إلا أنها قبل تمام الحول - من جنس ما عنده أقل مما ذكرنا ، أو ملك أربعين شاة ثم ملك في الحول تمام مائة وعشرين - : فإن كان ما اكتسب لا يغير ما كان عليه من الزكاة فإنه يضم التي ملك إلى ما كان عنده ؛ لأنها لا تغير حكم ما كان عليه من الزكاة ، فيزكى ذلك لحول التي كانت عنده ثم يستأنف الجميع حولا ، فإن استفاد في داخل الحول ما يغير الفريضة فيما عنده ، إلا أن تلك الفائدة لو انفردت لم تجب فيها الزكاة - وليس ذلك إلا في الورق خاصة - على كل حال ، وفي سائر ذلك في بعض الأحوال - : فإنه يزكي الذي عنده وحده لتمام حوله ، وضم حينئذ الذي استفاد إليه - لا قبل ذلك - واستأنف بالجميع حولا ؟ مثل : من كان عنده مائة شاة وعشرين شاة ثم استفاد شاة فأكثر ، أو كان عنده تسع وتسعون بقرة فأفاد بقرة فأكثر ، أو كان عنده تسع من الإبل فأفاد واحدة فأكثر أو تسع وسبعون دينارا فأفاد دينارا فأكثر ، لأن الذي يبقى بعد الذي زكى لا زكاة فيه ، ولا يجوز أن يزكى مال مرتين في عام واحد فلو ملك نصابا - كما ذكرنا - ثم ملك في داخل الحول نصابا أيضا من الورق أو الذهب أو الماشية فإنه يزكي كل مال لحوله ؛ فإن رجع الأول منهما إلا ما لا زكاة فيه فإذا حال حول الفائدة زكاها ثم ضم الأول حينئذ إلى الآخر ، لأن الأول قد صار لا زكاة فيه ، ولا يجوز أن يزكيه مع ما قد زكاه من المال الثاني ، فيكون يزكي الثاني مرتين في عام ؛ ويستأنف بالجميع حولا ؟ فإن رجع المال الثاني إلى ما لا زكاة فيه وبقي الأول نصابا فإنه يزكيه إذا حال حوله ، ثم يضم الثاني إلى الأول حينئذ لما قد ذكرنا فيستأنف بهما حولا ؟ فلو خلطهما فلم يتميزا فإنه يزكي كل عدد منهما لحوله ، ويجعل ما أخرج من ذلك كله نقصانا من المال الثاني ؛ لأنه لا يوقن بالنقص إلا بعد إخراج الزكاة من الثاني ، وأما قبل ذلك فلا يقين عنده بأن أحدهما نقص ؛ فلا يزال كذلك حتى يرجع كلاهما إلى ما يوقن أن أحدهما قد نقص - ولا بد - عما فيه الزكاة وذلك مثل : أن يرجع الغنمان إلى أقل من عشرين ومائة ؛ لأنه لا يجوز أن يزكي عن هذا العدد بشاتين ، أو أنه قد رجع البقران إلى أقل من مائة ، والذهبان إلى أقل من ثمانين دينارا ، والإبلان إلى أقل من عشرة ، والفضتان إلى أقل من أربعمائة درهم ؟ فإذا رجع المالان إلى ما ذكرنا فقد يمكن أن النقص دخل في كليهما ، ويمكن أن يكون دخل في أحدهما ، إلا أنه بلا شك قد كان عنده مال تجب فيه الزكاة ؛ فلا تسقط عنه بالشك فإذا كان هذا : ضم المال الثاني إلى الأول فزكي الجميع لحول الأول أبدا ، حتى يرجع الكل إلى ما لا زكاة فيه فلو اقتنى خمسا من الإبل أو أكثر - إلا أنه عدد يزكى بالغنم - ثم اقتنى في داخل الحول عددا يزكى وحده لو انفرد - إما بالغنم ، وإما بالإبل - فإنه يزكي ما كان عنده عند تمام حوله بالغنم ؛ ثم ضمه إثر ذلك إلى ما استفاد ؛ إذ لا يجوز أن يكون إنسان واحد عنده إبل له قد تم لجميعها حول فيزكي بعضها بالغنم وبعضها بالإبل ؛ لأنه خلاف أمر رسول الله ﷺ في زكاة الإبل فلو ملك خمسا وعشرين من الإبل ثم ملك في الحول إحدى عشرة زكى الأول لحولها بنت مخاض ؛ ثم ضمها إلى الفائدة من حينئذ على كل حال فزكي الجميع لحول - من حينئذ مستأنف - ببنت لبون ؛ لما ذكرنا من أنه لا تختلف زكاة إبل واحدة لمالك واحد . وهكذا في كل شيء ؟ فإن قيل : فإنكم تؤخرون زكاة بعضها عن بعض عن حوله شهورا ؟ قلنا : نعم : لأننا لا نقدر على غير ذلك ألبتة ، إلا بإحداث زكاتين في مال واحد ، وهذا خلاف النص ؛ وتأخير الزكاة إذا لم يمكن التعجيل مباح لا حرج فيه - وبالله تعالى التوفيق .

686 - مسألة : من اجتمع في ماله زكاتان فصاعدا هو حي ؟ قال أبو محمد : تؤدى كلها لكل سنة على عدد ما وجب عليه في كل عام ؛ وسواء كل ذلك لهروبه بماله ؛ أو لتأخير الساعي ؛ أو لجهله ، أو لغير ذلك ؛ وسواء في ذلك العين ، والحرث ، والماشية ، وسواء أتت الزكاة على جميع ماله أو لم تأت ، وسواء رجع ماله بعد أخذ الزكاة منه إلى ما لا زكاة فيه أو لم يرجع ، ولا يأخذ الغرماء شيئا حتى تستوفي الزكاة وقال مالك : إن كان ذلك عينا - ذهبا أو فضة - فإنه تؤخذ منه زكاة كل سنة حتى يرجع الوزن إلى مائتي درهم ، والذهب إلى عشرين دينارا ، فتؤخذ الزكاة لسنة واحدة ، ثم لا شيء عليه لما بعد ذلك من السنين ؟ وإن كانت زكاة زرع فرط فيها سنين أخذت كلها وإن اصطلمت جميع ماله ؟ وإن كانت ماشية . فإن كان هو هرب أمام الساعي فإن الزكاة تؤخذ منه على حسب ما كان عنده في كل عام ؛ فإذا رجع ماله بإخراج الزكاة إلا ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شيء لسائر ما بقي من الأعوام ، وإن كان الساعي هو الذي تأخر عنه فإنه تؤخذ منه زكاة ما وجد بيده لكل عام خلا - سواء كان بيده فيما خلا أكثر أو أقل ما لم يخرج إلى ما لا زكاة فيه ؛ فإذا رجع إلى ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شيء ؟ وقال أبو حنيفة فيمن كان له عشر من الإبل عامين لم يؤد زكاتها : إنه يزكي للعام الأول شاتين . وللعام الثاني شاة واحدة وقال هو ومحمد بن الحسن فيمن كان عنده مائتا درهم - لا مال له غيرها - فلم يزكها سنتين فصاعدا : إنه لا زكاة عليه ؛ لأن الزكاة صارت عليه دينا فيها هذا نص كلامه وقال أبو يوسف : عليه زكاتها لعام واحد فقط ؟ وقال زفر : عليه زكاتها لكل عام أبدا . وبه يقول أبو سليمان ، وأصحابنا ؟ قال أبو محمد : أما قول مالك فظاهر التناقض ، وتقسيم فاسد ، لا برهان على صحته ؛ لأنه دعوى بلا دليل . وما العجب إلا من رفقهم بالهارب أمام المصدق وتحريهم العدل فيه وشدة حملهم على من تأخر عنه الساعي ، فيوجبون عليه زكاة ألف ناقة لعشر سنين ؛ ولم يملكها إلا سنة واحدة ، وإنما ملك في سائر الأعوام خمسا من الإبل فقط . واحتجوا في هذا بأن هكذا زكى الناس إذ أجمعوا على معاوية ؟ قال أبو محمد : وهم قد خالفوا معاوية في أخذ الزكاة من الأعطية ومعه ابن مسعود ؛ وقلدوا هاهنا سعاة من لا يعتد به ، كمروان ، وسعيد بن العاص ، وما هنالك ومعاذ الله أن تؤخذ الزكاة من إبل لم يملكها المسلم وتعطل زكاة قد أوجبها الله تعالى ؟ وأما قول أبي يوسف فإنه محمول على أن الزكاة - في العين وغيره - في المال نفسه ، ولا في الذمة ، وهذا أمر قد بينا فساده قبل ؛ وأوضحنا أنها في الذمة لا في العين ، ولو كانت في العين لما أجزأه أن يعطي الزكاة من غير ذلك المال نفسه ؛ وهذا أمر مجمع على خلافه ؛ وعلى أنه له أن يعطيها من حيث شاء ؛ فإذا صح أنها في الذمة فلا يسقطها عنه ذهاب ماله ، ولا رجوعه إلى ما لا زكاة فيه ؟ واحتج بعضهم بأن امرأ لو باع ماشيته بعد حلول الزكاة فيها أن للساعي أخذ الزكاة من تلك الماشية المبيعة ؟ قال أبو محمد : وهذا باطل ؛ وما له ذلك ؛ لأنها قد صارت مالا من مال المشتري ؛ ولا يحل أن تؤخذ زكاة من عمر ولم تجب عليه وإنما وجبت على زيد ؛ ولكن يتبع البائع بها دينا في ذمته وبالله تعالى التوفيق .

687 - مسألة : فلو مات الذي وجبت عليه الزكاة سنة أو سنتين فإنها من رأس ماله ، أقر بها أو قامت عليه بينة ، ورثه ولده أو كلالة ، لا حق للغرماء ولا للوصية ولا للورثة حتى تستوفي كلها ؛ سواء في ذلك العين والماشية والزرع . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهما . وقال أبو حنيفة : من مات بعد وجوب الزكاة في ذهبه وفضته فإنها تسقط بموته ، لا تؤخذ أصلا ، سواء مات إثر الحول بيسير أو كثير ، أو كانت كذلك لسنين . وأما زكاة الماشية فإنه روى عنه ابن المبارك : أنه يأخذها المصدق منها ، وإن وجدها بأيدي ورثته . وروى عنه أبو يوسف : أنها تسقط بموته واختلف قوله في زكاة الثمار والزرع : فروى عنه عبد الله بن المبارك أنها تسقط بموته ، وروى عنه محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة : أنها تؤخذ بعد موته ، ويرى أن قوله المذكور في الماشية ، والزرع إنما هو في زكاة تلك السنة فقط ؛ فأما زكاة فرط فيها حتى مات فإنه يقول : بأنها تسقط عنه . وقال مالك فيمن مات بعد حلول الزكاة في ماله أي مال كان حاشا المواشي - : فإنها تؤخذ من رأس ماله ، فإن كان فرط فيها أكثر من عام فلا تخرج عنه إلا أن يوصي بها ، فتكون من ثلثه مبداة على سائر وصاياه كلها ، حاشا التدبير في الصحة ، وهي مبداة على التدبير في المرض قال : وأما المواشي فإنه إن حال الحول عليها ثم مات قبل مجيء الساعي ثم جاء الساعي فلا سبيل للساعي عليها ، وقد بطلت ، إلا أن يوصي بها ، فتكون في الثلث غير مبداة على سائر الوصايا . واختلف قول الأوزاعي في ذلك : فمرة رآها من الثلث ، ومرة رآها من رأس المال قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ، ومالك ؛ ففي غاية الخطأ ؛ لأنهما أسقطا بموت المرء دينا لله تعالى وجب عليه في حياته ، بلا برهان أكثر من أن قالوا : لو كان ذلك لما شاء إنسان أن لا يورث ورثته شيئا إلا أمكنه فقلنا : فما تقولون في إنسان أكثر من إتلاف أموال الناس ليكون ذلك دينا عليه ولا يرث ورثته شيئا ، ولو أنها ديون يهودي ، أو نصراني لا في خمور أهرقها لهم . فمن قولهم : إنها كلها من رأس ماله ، سواء ورث ورثته أو لم يرثوا ، فنقضوا علتهم بأوحش نقض وأسقطوا حق الله تعالى - الذي جعله للفقراء والمساكين من المسلمين ، والغارمين منهم ، وفي الرقاب منهم ، وفي سبيله تعالى ، وابن السبيل فريضة من الله تعالى - : وأوجبوا ديون الآدميين وأطعموا الورثة الحرام . والعجب أنه من إيجابهم الصلاة بعد خروج وقتها على العامد لتركها ، وإسقاطهم الزكاة ووقتها قائم عن المتعمد لتركها . ثم تقسيم مالك بين المواشي وغير المواشي ، وبين زكاة عامه ذلك وسائر الأعوام ، فرأى زكاة عامه من رأس المال ، وإن لم يبق للورثة شيء يعيشون منه ، ولم ير زكاة سائر الأعوام إلا ساقطة . ثم تفريقه بين زكاة الناض يوصي بها فتكون في الثلث وتبدى على الوصايا إلا على التدبير في الصحة وتبدى على التدبير في المرض - : وبين زكاة الماشية يوصي بها فتكون في الثلث ولا تبدى الوصايا ، وهذه أشياء غلط فيها من غلط وقصد الخير ، وإنما العجب ممن انشرح صدره لتقليد قائلها . ثم استعمل نفسه في إبطال السنن الثابتة نصرا لها . قال أبو محمد : وبين صحة قولنا وبطلان قول المخالفين قول الله عز وجل ( في المواريث ) { من بعد وصية يوصي بها أو دين } فعم - عز وجل - الديون كلها ، والزكاة دين قائم لله تعالى وللمساكين ، والفقراء والغارمين وسائر من فرضها تعالى لهم في نص القرآن - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أحمد بن عمر الوكيعي وأبو سعيد الأشج . قال الوكيعي : ثنا حسين بن علي عن زائدة ؛ وقال أبو سعيد ثنا أبو خالد الأحمر ثم اتفق زائدة ، وأبو خالد الأحمر كلاهما عن الأعمش عن مسلم البطين والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل ، قال مسلم البطين : عن سعيد بن جبير وقال الحكم ، وسلمة : سمعنا مجاهدا ثم اتفق سعيد بن جبير ، ومجاهد عن ابن عباس قال { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى } . قال أبو خالد : في روايته عن الأعمش عن مسلم البطين ، والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء عن ابن عباس ، وذكر زائدة في حديثه أن الأعمش سمعه من الحكم ، وسلمة ومسلم ورويناه أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية قال : سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ﷺ فذكره ، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال { : فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء } فهؤلاء : عطاء ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد يروونه عن ابن عباس ، فقال : هؤلاء بآرائهم ، بل دين الله تعالى ساقط ودين الناس أحق أن يقضى والناس أحق بالوفاء قال أبو محمد : ويسألون عن الزكاة أفي الذمة هي أم في عين المال . ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث . فإن قالوا : في عين المال ، فقد صح أن أهل الصدقات شركاء في ذلك المال ، فمن أين وجب أن يبطل حقهم وتبقى دين اليهود والنصارى ؟ وإن قالوا : في الذمة فمن أين أسقطوها بموته ؟ ولا يختلفون أن إقرار الصحيح لازم في رأس المال فمن أين وقع لهم إبطال إقرار المريض ؟ فإن قالوا : لأنه وصية ، كذبوا وتناقضوا لأن الإقرار إن كان وصية فهو من الصحيح أيضا في الثلث ، وإلا فهاتوا فرقا بين المريض ، والصحيح . وإن قالوا : لأننا نتهمه . قلنا : فهلا اتهمتم الصحيح فهو أحق بالتهمة ؟ لا سيما المالكيين الذين يصدقون قول المريض في دعواه : إن فلانا قتله ، ويبطلون إقراره في ماله ، وهذه أمور كما ترى ونسأل الله العافية . روينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري في الرجل يموت ولم يؤد زكاة ماله : أنها تؤخذ من ماله إذا علم بذلك . وقال ربيعة : لا تؤخذ وعليه ما تحمل - : ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا جرير عن سليمان التيمي عن الحسن ، وطاوس : أنهما قالا في حجة الإسلام ، والزكاة : هما بمنزلة الدين قال علي : وللشافعي قول آخر : إن كل ذلك يتحاص مع ديون الناس . قال علي : وهذا خطأ ، لقول رسول الله ﷺ { دين الله أحق أن يقضى . } قال علي : هذا مما خالفوا فيه القرآن والسنن الثابتة - التي لا معارض لها - والقياس ، ولم يتعلقوا بقول صاحب نعلمه .

688 - مسألة : ولا يجزئ أداء الزكاة إذا أخرجها المسلم عن نفسه أو وكيله بأمره إلا بنية أنها الزكاة المفروضة عليه ، فإن أخذها الإمام ، أو ساعيه ، أو أميره ، أو ساعيه فبنية كذلك ، لقول الله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ولقول رسول الله ﷺ { : إنما الأعمال بالنيات . } فلو أن امرأ أخرج زكاة مال له غائب فقال : هذه زكاة مالي إن كان سالما ، وإلا فهي صدقة تطوع - : لم يجزه ذلك عن زكاة ماله إن كان سالما ، ولم يكن تطوعا لأنه لم يخلص النية للزكاة محضة كما أمر ، وإنما يجزئه إن أخرجها على أنها زكاة ماله فقط ؛ فإن كان المال سالما أجزأه ، لأنه أداها كما أمر مخلصا لها ، وإن كان المال قد تلف ، فإن قامت له بينة فله أن يسترد ما أعطى ، وإن فاتت أدى الإمام إليه ذلك من سهم الغارمين ، لأنهم أخذوها وليس لهم أخذها ، فهم غارمون بذلك ، وهذا كمن شك : عليه يوم من رمضان أم لا ؟ وهل عليه صلاة فرض أم لا ؟ فصلى عدد ركعات تلك الصلاة وقال : إن كنت أنسيتها فهي هذه ، وإلا فهي تطوع ؛ وصام يوما فقال : إن كان علي يوم فهو هذا ؛ وإلا فهو تطوع ؛ فإن هذا لا يخرجه عن تلك الصلاة ولا عن ذلك اليوم إن ذكر بعد ذلك أنهما عليه .

689 - مسألة : من خرج المال عن ملكه في داخل الحول قبل تمامه - بأي وجه خرج عن ملكه - ثم رجع إليه - بأي وجه رجع إليه ، ولو إثر خروجه بطرفة عين أو أكثر - : فإنه يستأنف به الحول من حين رجوعه ، لا من حين الحول الأول ، لأن ذلك الحول قد بطل ببطلان الملك ، ومن الباطل أن يعد عليه وقت كان فيه المال لغيره . وكذلك من باع إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو فضة بفضة ، أو ذهبا بذهب - : فإن حول الذي خرج عن ملكه ، من ذلك قد بطل ، ويستأنف الحول الذي صار في ملكه من ذلك لما ذكرنا . وسواء في كل ذلك فعل ذلك فرارا من الزكاة أو لغير فرار ، فهو عاص بنيته السوء في فراره من الزكاة . وقال بعض الناس : إن كان فعل ذلك فرارا من الزكاة فعليه الزكاة ، ثم ناقض من قرب فقال : من اشترى بدراهمه أو بدنانيره عقارا أو متاعا فرارا من الزكاة فلا زكاة عليه فيما اشترى . قال أبو محمد : ومن المحال الذي لم يأمر الله تعالى به أن يزكي الإنسان مالا هو في يد غيره [ ما ] لم يحل حوله عنده . قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . وقولنا في هذا كله هو قول أبي حنيفة والشافعي ، وأبي سليمان . وقال مالك : إن بادل إبلا ببقر أو بغنم أو بقرا بغنم فكذلك سواء فعله فرارا من الزكاة أو لغير فرار ، وإن بادل إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو ذهبا بذهب ، أو فضة بفضة - : فعليه الزكاة عند انقضاء الحول الذي خرج عن يده ؟ قال أبو محمد : وهذا خطأ ظاهر ، ودعوى لا دليل على صحتها ، لا من قرآن ، ولا سنة ( صحيحة ) ولا رواية سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ولا قياس ، ولا رأي يصح ونسأل من قال بهذا : أهذه التي صارت إليه هي التي خرجت عنه ؟ أم هي غيرها ؟ فإن قال : هي غيرها ؟ قيل : فكيف يزكي عن مال لا يملكه ؟ ولعلها أموات ، أو عند كافر . وإن : قال بل هي تلك ، كابر العيان ، وصار في مسلاخ من يستسهل الكذب جهارا ، فإن قال : ليست هي ، ولكنها من نوعها ؟ قلنا نعم ، فكان ماذا ؟ ومن أين لكم زكاة غير المال الذي ابتدأ الحول في ملكه إذا كان من نوعه ؟ ثم يسألون إن كانت الأعداد مختلفة : أي العددين يزكي العدد الذي خرج عن ملكه ؟ أم العدد الذي اكتسب ؟ ولعل أحدهما ليس نصابا ؟ وهذا كله خطأ لا خفاء به ، وبالله تعالى التوفيق . وأي شيء قالوا في ذلك كان تحكما وباطلا بلا برهان . فإن قالوا : إنه لم يزل مالكا لمائة شاة أو لعشر من الإبل أو لمائتي درهم حولا كاملا متصلا ؟ قلنا : إنما الزكاة تجب في ذمة المسلم عن مال ملكه بعينه حولا كاملا من كل ما ذكرنا بلا خلاف ؛ فعليكم البرهان في وجوب الزكاة عن عدد بغير عينه لكن في أعيان مختلفة ، وهذا ما لا سبيل إلى وجوده ، إلا بالدعوى - وبالله تعالى التوفيق .


كتاب الزكاة

690 - مسألة : ومن تلف ماله أو غصبه أو حيل بينه وبينه فلا زكاة عليه فيه أي نوع كان من أنواع المال ، فإن رجع إليه يوما ما استأنف ( به ) حولا من حينئذ ، ولا زكاة ( عليه ) لما خلا ؛ فلو زكاه الغاصب ضمنه كله ، وضمن ما أخرج منه في الزكاة ؛ لأنه لا خلاف بين الأمة كلها في أن صاحب المال إن أحب أن يؤدي الزكاة من نفس المال الذي وجبت فيه الزكاة - لا من غيره - كان ذلك له ، ولم يكلف الزكاة ( من سواه ) ما لم يبعه هو أو يخرجه عن ملكه باختياره ، فإنه حينئذ يكلف أداء الزكاة من عند نفسه ، فسقط بهذا الإجماع تكليفه أداء زكاة من عند نفسه ؛ ثم لما صح ذلك ، وكان غير قادر على أداء الزكاة من نفس المال المغصوب ، أو المتلف ، أو الممنوع منه : سقط عنه ما عجز عنه من ذلك ، بخلاف ما هو قادر على إحضاره واستخراجه من مدفنه هو أو وكيله ، وما سقط ببرهان لم يعد إلا بنص أو إجماع ، وقد كانت الكفار يغيرون على سرح المسلمين في حياة رسول الله ﷺ ؛ فما كلف قط أحدا زكاة ما أخذه الكفار من ماله . وقد يسرق المال ويغصب فيفرق ولا يدري أحد مكانه ، فكان تكليف أداء الزكاة عنه من الحرج الذي قد أسقطه الله تعالى ، إذ يقول : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وكذلك تغلب الكفار على بلد نخل فمن المحال تكليف ربها أداء زكاة ما أخرجت ، وأما الغاصب فإنه محرم عليه التصرف في مال غيره ، يقول رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فإعطاؤه الزكاة من مال غيره تعد منه ، فهو ضامن لما تعدى فيه - قال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقال أبو حنيفة : بمثل هذا كله ، إلا أنه قال : إن كان المال المدفون بتلف مكانه في منزله أدى زكاته ؛ وإن كان خارج منزله فلا زكاة عليه فيه . وهذا تقسيم فاسد ما نعلم أحدا قاله قبله ، وقال مالك : لا زكاة عليه فيه ، فإن رجع إليه زكاه لسنة واحدة فقط وإن غاب عنه سنين . وهذا قول ظاهر الخطأ ، وما نعلم لهم حجة إلا أنهم قلدوا في ذلك عمر بن عبد العزيز في قول له رجع إليه ، وكان قال قبل ذلك : يأخذ الزكاة منه لكل سنة خلت ؟ والعجب أنهم قلدوا عمر هاهنا ، ولم يقلدوه في رجوعه إلى القول بالزكاة في العسل ؛ وإنما قال عمر بالقول الذي قلدوه فيه لأنه كان يرى الزكاة في المال المستفاد حين يفاد فخالفوه هاهنا وهذا كله تخليط ، وقال سفيان : - في أحد قوليه - وأبو سليمان : عليه الزكاة لكل سنة خلت ؟ وقد جاء عن عثمان ، وابن عمر : إيجاب الزكاة في المقدور عليه ، فدل ( ذلك ) على أنهما لا يريان الزكاة في غير المقدور عليه ، ولا مخالف لهما من الصحابة رضي الله عنهم ؟ وقولنا في هذا هو قول قتادة ، والليث وأحد قولي سفيان ، وروي أيضا عن عمر بن عبد العزيز كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن همام بن يحيى ثنا أبو عثمان عامل عمر بن عبد العزيز قال : كتب إلي عمر بن عبد العزيز في مال رده على رجل كان ظلمه : أن خذ منه الزكاة لما أتت عليه ، ثم صبحني بريد عمر : لا تأخذ منه زكاة ، فإنه كان ضمارا أو غورا .

691 - مسألة : ومن رهن ماشية ، أو ذهبا ، أو فضة ، أو أرضا فزرعها ، أو نخلا فأثمرت ، وحال الحول على الماشية ، والعين - : فالزكاة في كل ذلك ولا يكلف الراهن عوضا عما خرج من ذلك في زكاته ، أما وجوب الزكاة ؛ فلأنه مال من ماله ، عليه فيه الزكاة المفروضة ؛ ولم ينتقل ملكه عنه ، ولم يأت نص ولا إجماع بتكليفه أداء الزكاة من غيره ولا بد ، وأما المنع من تكليفه العوض فإنه لم يخرج ما أخرج منه بباطل وعدوان ، فيقضي عليه برده وإنما أخرجه بحق مفترض إخراجه ؛ فتكليفه حكما في ماله باطل ، ولا يجوز إلا بنص ، أو إجماع ، قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام }

692 - مسألة : وليس على من وجب عليه الزكاة إيصالها إلى السلطان لكن عليه أن يجمع ماله للمصدق ويدفع إليه الحق ، ثم مؤنة نقل ذلك من نفس الزكاة وهذا ما لا خلاف فيه من أحد ؛ وبالله تعالى التوفيق . وكذلك { كان رسول الله ﷺ يبعث المصدقين - وهم السعاة فيقبضون الواجب ويبرأ أصحاب الأموال من ذلك } فإن لم يكن مصدق فعلى من عليه الزكاة إيصالها إلى من يحضره من أهل الصدقات ولا مزيد ؛ لأن تكليف النقل مؤنة وغرامة لم يأت بها نص ولا إجماع ، وبالله تعالى التوفيق ؛ ولا فرق بين من كلفه ذلك ميلا أو ( من ) كلفه إلى خراسان أو أبعد .

693 - مسألة : ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول ولا بطرفة عين فإن فعل لم يجزه ، وعليه إعادتها ، ويرد إليه ما أخرج قبل وقته ؛ لأنه أعطاه بغير حق وصح تعجيل الزكاة قبل وقتها عن سعيد بن جبير ، وعطاء ، وإبراهيم ، والضحاك ، والحكم ، والزهري وأجازه الحسن لثلاث سنين ، وقال ابن سيرين : في تعجيل الزكاة قبل أن تحل : لا أدري ما هذا ، وقال أبو حنيفة : وأصحابه بجواز تعجيل الزكاة قبل وقتها ؟ ثم لهم في ذلك تخليط كثير - : مثل قول محمد بن الحسن : لا يجوز ذلك في مال عنده ، ولا في زرع قد زرعه ، ولا في نخل قد أطلعت . وقال أبو يوسف يجوز ذلك ( كله ) قبل اطلاع النخل وقبل زرع الأرض ، ولو عجل زكاة ثلاث سنين أجزأه . وأكثر من هذا سنذكره - إن شاء الله تعالى - في ذكر تخاليط أقوالهم في كتاب الأعراب " و الله المستعان . قال الشافعي : بتعجيل الزكاة عن مال عنده ، لا عن مال لم يكتسبه بعد وقال : إن استغنى المسكين مما أخذ مما عجله صاحب المال قبل الحول أجزأ صاحب المال ؛ فإن استغنى من غير ذلك لم يجزئ عن صاحب المال . وقال مالك : يجزئ تعجيل الزكاة بشهرين أو نحو ذلك ، لا أكثر ، في رواية ابن القاسم عنه - وأما رواية ابن وهب عنه فكما قلنا نحن ، وهذه ( كلها ) تقاسيم في غاية الفساد ، لا دليل على صحتها من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب يصح ، ولا قياس . وقول الليث ، وأبي سليمان : كقولنا . واحتج من أجاز تعجيلها بحجج - : منها : الخبر الذي ذكرناه في زكاة المواشي ، في هل تجزئ قيمة أم لا ؟ من { أن النبي ﷺ استسلف بكرا فقضاه من إبل الصدقة جملا رباعيا } ؟ وهذا لا دليل فيه على تعجيل الصدقة ، لأنه استسلاف كما ترى ، لا استعجال صدقة ؛ بل فيه دليل على أن تعجيلها لا يجوز ، إذ لو جاز لما احتاج عليه الصلاة والسلام إلى الاستقراض ؛ بل كان يستعجل زكاة لحاجته إلى البكر ، وذكروا ما رويناه من طريق أبي داود : ثنا سعيد بن منصور ثنا إسماعيل بن زكرياء عن الحجاج بن دينار عن الحكم بن عيينة عن حجية عن علي بن أبي طالب { أن العباس سأل رسول الله ﷺ في تعجيل صدقته قبل أن تحل فأذن له . } قال أبو داود روى هذا الحديث هشيم عن منصور عن زاذان عن الحكم عن الحسن عن أنس عن النبي ﷺ . ومن طريق وكيع عن إسرائيل عن الحكم { أن النبي ﷺ بعث عمر مصدقا وقال له عن العباس : إنا قد استسلفنا زكاته لعام عام الأول } ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يزيد أبو خالد قال " قال عمر للعباس : أد زكاة مالك فقال العباس : قد أديتها قبل ذلك ، فذكر عمر ذلك للنبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ : صدق " . هذا كل ما شغبوا به من الآثار . وقالوا : حقوق الأموال كلها جائز تعجيلها قبل أجلها ، قياسا على ديون الناس المؤجلة وحقوقهم ، كالنفقات وغيرها . وقالوا : إنما أخرت الزكاة إلى الحول فسحة على الناس فقط . وهذا كل ما موهوا به من النظر والقياس . وهذا كله لا حجة لهم في شيء منه . أما حديث حجية : فحجية غير معروف بالعدالة ، ولا تقوم الحجة إلا برواية العدول المعروفين . وأما حديث هشيم فلم يذكر أبو داود من بينه وبين هشيم ، ولو كان فيه لبند به ، فصار منقطعا ، ثم لم يذكر أيضا لفظ أنس ولا كيف رواه ، فلم يجز القطع به على الجهالة ، وأما سائر الأخبار فمرسلة . وهذا مما ترك فيه المالكيون المرسل ، وهم يقولون - إذا وافق تقليدهم - : إنه كالمسند ، وردوا فيه رواية المجهول ، وهم يأخذون بها إذا وافقتهم فبطل كل ما موهوا به من الآثار . ؟ وأما قياسهم الزكاة على ديون الناس المؤجلة : فالقياس كله باطل ؛ ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأن تعجيل ديون الناس المؤجلة قد وجب بعد ، ثم اتفقا على تأجيلها والزكاة لم تجب بعد ، فقياس ما لم يجب على ما قد وجب في الأداء باطل . وأيضا : فتعجيل ديون الناس المؤجلة لا يجوز إلا برضا من الذي له الدين ، وليست الزكاة كذلك ؛ لأنها ليست لإنسان بعينه ، ولا لقوم بأعيانهم دون غيرهم ، فيجوز الرضا منهم بالتعجيل ، وإنما هي لأهل صفات تحدث فيمن لم يكن من أهلها ، وتبطل عمن كان من أهلها ، ولا خلاف في أن القابضين لها الآن - عند من أجاز تعجيلها - لو أبرءوا منها دون قبض لم يجز ذلك ، ولا برئ منها من تلزمه الزكاة بإبرائهم بخلاف إبراء من له دين مؤجل ، وكذلك إن دفعها إلى الساعي ، فقد يأتي وقت الزكاة والساعي ميت أو معزول ، والذي بعثه كذلك ، فبطل قياسهم ذلك على ديون الناس ، وكذلك قياسهم على النفقات الواجبة ، ولو أن امرأ عجل نفقة لامرأته أو من تلزمه نفقته ، ثم جاء الوقت الواجبة فيه النفقة ، والذي تجب له مضطر - : لم يجزئه تعجيل ما عجل ، وألزم الآن النفقة ، وأمر باتباعه بما عجل له دينا ، لاستهلاكه ما لم يجب له بعد ، بل لو كان القياس حقا لكان قياس تعجيل الزكاة قبل وقتها على تعجيل الصلاة قبل وقتها والصوم قبل وقته أصح ، لأنها كلها عبادات محدودة بأوقات لا يجوز تعديها وهذا مما تركوا فيه القياس . فإن ادعوا إجماعا على المنع من تعجيل الصلاة أكذبهم الأثر الصحيح عن ابن عباس والحسن ، وهبك لو صح لهم الإجماع لكان هذا حجة عليهم ، لأن من أصلهم أن قياس ما اختلف فيه على ما أجمع عليه هو القياس الصحيح . وأما قولهم : إن الزكاة وجبت قبل ، ثم فسح للناس في تأخيرها - : فكذب وباطل ودعوى بلا برهان ، وما وجبت الزكاة قط إلا عند انقضاء الحول ، لا قبل ذلك ، لصحة النص بإخراج رسول الله ﷺ المصدقين عند الحول ، لا قبل ذلك ، وما كان عليه السلام ليضيع قبض حق قد وجب ولإجماع الأمة على وجوبها عند الحول ولم يجمعوا على وجوبها قبله ، ولا تجب الفرائض إلا بنص أو إجماع ، فبطل كل ما موهوا به من أثر ونظر . ثم نسألهم : أوجبت الزكاة قبل الحول أم لم تجب فإن قالوا : لم تجب ؟ قلنا : فكيف تجيزون أداء ما لم يجب ؟ وما لم يجب فعله تطوع ، ومن تطوع فلم يؤد الواجب وإن قالوا : قد وجبت ؟ قلنا : فالواجب إجبار من وجب عليه حق على أدائه ، وهذا برهان لا محيد عنه أصلا ، ونسألهم : كيف الحال إن مات الذي عجل الصدقة قبل الحول ؟ أو تلف المال قبل الحول ؟ أو مات الذين أعطوها قبل الحول ؟ أو خرجوا عن الصفات التي بها تستحق الزكوات ؟ فصح أن تعجيلها باطل ، وإعطاء لمن لا يستحقها ، ومنع لمن يستحقها ، وإبطال الزكاة الواجبة ؛ وكل هذا لا يجوز . والعجب من إجازة الحنفيين تعجيل الزكاة ومنعهم من تعجيل الكفارة قبل الحنث وكلاهما مال معجل ، إلا أن النص قد يصح بتعجيل ما منعوا تعجيله ، ولم يأت بتعجيل ما أباحوا تعجيله ، فتناقضوا في القياس ، وصححوا الآثار الفاسدة ، وأبطلوا الأثر الصحيح ، وأما المالكيون فإنهم - مع ما تناقضوا - خالفوا في هذه الجمهور من العلماء ، وهما يعظمون هذا إذا وافقهم ، وخالف الشافعيون فيه القياس ، وقبلوا المرسل الذي يردونه - وبالله تعالى التوفيق .

694 - مسألة : ومن عليه دين دراهم أو دنانير أو ماشية تجب الزكاة في مقدار ذلك لو كان حاضرا فإن كان حاضرا عنده لم يتلف وأتم عنده حولا منه ما في مقداره الزكاة - : زكاه ، وإلا فلا زكاة عليه فيه أصلا ، ولو أقام عليه سنين وقال قوم : يزكيه - : روينا من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن بكر عن ابن جريج عن يزيد بن يزيد بن جابر أن عبد الملك بن أبي بكر أخبره أن عمر قال : إذا حلت - يعني الزكاة - فاحسب دينك وما عندك واجمع ذلك جميعا ثم زكه . ( وبه إلى ) عبد الرزاق عن ابن جريج : أخبرني يزيد بن يزيد بن جابر عن عبد الملك بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو جد عبد الملك أبو أبيه قال : قال رجل لعمر : يجيء إبان صدقتي فأبادر الصدقة فأنفق على أهلي وأقضي ، ديني ؟ قال عمر : لا تبادر بها ، واحسب دينك وما عليك ، وزك ذلك أجمع وهو قول الحسن بن حي ، وروينا من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي في الدين يكون للرجل على الرجل فيمطله ؟ قال : زكاته على الذي يأكل مهنأة ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء أو غيره نحوه . وممن قال بقولنا - في إسقاط الزكاة عن الذي عليه الدين فيما عليه منه - : ابن عمرو وغيره . كما روينا من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وسفيان الثوري قالا : ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه ولي مال يتيم فكان يستسلف منه ، يرى أن ذلك أحرز له : ويؤدي زكاته من مال اليتيم ، فهذا ابن عمر عليه الدين لا يزكيه عن نفسه ، وعن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن : إذا كان للرجل على الرجل الدين فالزكاة على الذي له الدين ، وعن الحجاج بن المنهال عن يزيد بن إبراهيم عن مجاهد : إذا كان عليك دين فلا زكاة عليه ؛ إنما زكاته على الذي هو له ، وعن وكيع عن سفيان عن المغيرة عن الفضيل عن إبراهيم النخعي قال : زك ما في يديك من مالك ، وما لك على المليء ولا تزك ما للناس عليك ؟ وهو قول سفيان : ومالك ، وأبي حنيفة ، وأصحابه ، ووكيع ؟ قال أبو محمد : إنما وافقنا ( قول ) هؤلاء في سقوط الزكاة عن الذي عليه الدين فقط . ومن طريق عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين ، ليس في الدين زكاة ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن عكرمة قال : ليس في الدين زكاة ، ومن طريق وكيع عن مسعر عن الحكم بن عتيبة قال : خالفني إبراهيم في الدين ، كنت أقول : لا يزكي ، ثم رجع إلى قولي - : وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا أبو معاوية عن حجاج عن عطاء قال : ليس على صاحب الدين الذي هو له ولا على الذي هو عليه زكاة . وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن عطاء قال : ليس في الدين زكاة . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : قلت لعطاء : السلف يسلفه الرجل . قال : ليس على سيد المال ولا على الذي استسلفه زكاة ؟ ومن طريق أبي عبيد عن أبي زائدة عن عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح : لا يزكي الذي عليه الدين الدين ، ولا يزكيه الذي هو له حتى يقبضه ؟ وهو قول أبي سليمان ، وأصحابنا . قال أبو محمد : إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه فهو معدوم عنده ، ومن الباطل المتيقن أن يزكي عن لا شيء ، وعما لا يملك ، وعن شيء لو سرقه قطعت يده ؛ لأنه في ملك غيره .

695 - مسألة : ومن عليه دين - كما ذكرنا وعنده مال تجب في مثله الزكاة سواء كان أكثر من الدين الذي عليه أو مثله أو أقل منه ، من جنسه كان أو من غير جنسه - : فإنه يزكي ما عنده ، ولا يسقط من أجل الدين الذي عليه شيء من زكاة ما بيده - : وهو قول الشافعي وأبي سليمان وغيرهما . وقال مالك : يجعل الدين في العروض التي عنده التي لا زكاة فيها ، ويزكي ما عنده فإن لم يكن عنده عروض جعل دينه فيما بيده مما فيه الزكاة ، وأسقط بذلك الزكاة ، فإن فضل عن دينه شيء يجب في مقداره الزكاة زكاه وإلا فلا ، وإنما هذا عنده في الذهب والفضة فقط . وأما المواشي والزرع والثمار فلا ؛ ولكن يزكي كل ذلك ، سواء كان عليه دين مثل ما معه من ذلك أو أكثر أو أقل ؟ وقال آخرون : يسقط الدين زكاة العين والمواشي ، ولا يسقط زكاة الزرع والثمار . وقال أبو يوسف ، ومحمد : يجعل ما عليه من الدين في مال تجب فيه الزكاة ، سواء في ذلك الذهب ، والفضة ، والمواشي ، والحرث ، والثمار ، وعروض التجارة ، ويسقط به زكاة كل ذلك . ولا يجعل دينه في عروض القنية ما دام عنده مال تجب فيه الزكاة ، أو ما دام عنده عروض للتجارة ؛ وهو قول الليث بن سعد وسفيان الثوري . وقال زفر : لا يجعل دين الزرع إلا في الزرع ، ولا يجعل دين الماشية إلا في الماشية ، ولا يجعل دين العين إلا في العين ، فيسقط بذلك ما عنده مما عليه دين مثله ، ومن طريق ابن جريج : قلت لعطاء : حرث لرجل دينه أكثر من ماله ، أيؤدي حقه ؟ قال : ما نرى على رجل دينه أكثر من ماله صدقة ، لا في ماشية ولا في أصل ، قال ابن جريج : سمعت أبا الزبير ، سمعت طاوسا يقول ليس عليه صدقة . قال أبو محمد : إسقاط الدين زكاة ما بيد المدين لم يأت به قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ؛ بل قد جاءت السنن الصحاح بإيجاب الزكاة في المواشي ، والحب ، والتمر ، والذهب ، والفضة ، بغير تخصيص من عليه دين ممن لا دين عليه ، وأما من طريق النظر فإن ما بيده له أن يصدقه ويبتاع منه جارية يطؤها ويأكل منه وينفق منه ؛ ولو لم يكفي له لم يحل له التصرف فيه بشيء من هذا ؛ فإذا هو له ولم يخرجه عن ملكه ويده ما عليه من الدين فزكاة ماله عليه بلا شك . وأما تقسيم مالك : ففي غاية التناقض ، وما نعلمه عن أحد قبله ؛ وكذلك قول أصحاب أبي حنيفة أيضا - وبالله التوفيق . والمالكيون : ينكرون على أبي حنيفة هذا بعينه في إيجابه للزكاة في زرع اليتيم وثماره دون ماشيته وذهبه وفضته ، فإن احتجوا بأن قبض زكاة المواشي والزرع إلى المصدق . قيل : فكان ماذا ؟ وكذلك أيضا قبض زكاة العين إلى السلطان إذا طلبها ولا فرق .





كتاب الزكاة

696 - مسألة : ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالا أو مؤجلا عند مليء مقر يمكنه قبضه أو منكر ، أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء ، ولا زكاة فيه على صاحبه ، ولو أقام عنه سنين حتى يقبضه فإذا قبضه استأنف حولا كسائر الفوائد ولا فرق . فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه ، لا حينئذ ولا بعد ذلك - الماشية ، والذهب ، والفضة في ذلك سواء - وأما النخل ، والزرع فلا زكاة فيه أصلا ؛ لأنه لم يخرج من زرعه ولا من ثماره . وقالت طائفة : يزكيه - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن جرير عن الحكم بن عتيبة قال : سئل علي عن الرجل يكون له الدين على آخر ؟ فقال : يزكيه صاحب المال ، فإن خشي أن لا يقضيه فإنه يمهل ، فإذا خرج الدين زكاه لما مضى ، ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا يزيد بن هارون أنا هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني : سئل علي عن الدين الظنون : أيزكيه ؟ قال : إن كان صادقا فليزكه لما مضى وهذا في غاية الصحة ، والظنون : هو الذي لا يرجى . ومن طريق طاوس : إذا كانت لك دين فزكه . ومن طريق أشعث عن الزبير عن جابر قال : يزكيه - يعني : ماله من الدين على غيره ، ومن طريق عمر بن الخطاب كما ذكرنا قبل - احسب دينك وما عليك وزك ذلك أجمع ومن طريق ابن جريج قال : كان سعيد بن المسيب يقول : إذا كان الدين على مليء فعلى صاحبه أداء زكاته ، فإن كان على معدم فلا زكاة فيه حتى يخرج ؛ فيكون عليه زكاة السنين التي مضت ، ومن طريق معمر عن الزهري مثل قول سعيد بن المسيب سواء سواء . وعن مجاهد : إذا كان لك الدين فعليك زكاته ؛ وإذا كان عليك فلا زكاة عليك فيه ؟ وهو قول سفيان الثوري ، والحسن بن حي وقالت طائفة : لا زكاة فيه حتى يقبضه ، فإذا قبضه أو قبض منه مقدار ما فيه الزكاة زكاه لسنة واحدة ، وإن بقي سنين - وهو قول مالك . وقالت طائفة : إن كان على ثقة زكاه ؛ وإن كان على غير ثقة فلا زكاة عليه فيه حتى يقبضه - وهو قول الشافعي ، وروينا من طريق عبد الله بن عمر أنه قال : زكوا أموالكم من حول إلى حول ، فما كان في دين في ثقة فاجعلوه بمنزلة ما كان في أيديكم ، وما كان من دين ظنون فلا زكاة فيه حتى يقبضه صاحبه . وعن طاوس من طريق ثابتة : إذا كان لك دين تعلم أنه يخرج فزكه ، وعن إبراهيم من طريق صحيحة : زك ما في يديك ومالك على المليء ، ولا تزك ما للناس عليك . ثم رجع عن هذا . وعن ميمون بن مهران : ما كان من دين في مليء ترجوه فاحسبه ، ثم أخرج ما عليك وزك ما بقي ؟ وعن مجاهد : إن كنت تعلم أنه خارج فزكه . وعن محمد بن علي بن الحسن ليس في الدين زكاة حتى يقبضه ، وأما قولنا فقد روينا قبل عن عائشة أم المؤمنين مثله ، وعن عطاء ، وروينا أيضا عن ابن عمر : ليس في الدين زكاة . قال أبو محمد : أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ ؛ لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له ، وعلى الذي هو عليه . فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد ، فحصل في العين نصف العشر ، وفي خمس من الإبل شاتان ، وكذلك ما زاد . وأما تقسيم مالك فما نعلمه عن أحد إلا عن عمر بن عبد العزيز ، وقد صح عنه خلاف ذلك ومثل قولنا . وأما أبو حنيفة فإنه قسم ذلك تقاسيم في غاية الفساد ، وهي : أنه جعل كل دين ليس عن بدل ، أو كان عن بدل ما لا يملك ، كالميراث ، والمهر ، والجعل ، ودية الخطأ ، والعمد إذا صالح عليها ، والخلع : أنه لا زكاة على مالكه أصلا حتى يقبضه ، فإذا قبضه استأنف به حولا ، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقي في ملكه لوجبت فيه الزكاة كقرض الدراهم وفيما وجب في ذمة الغاصب والمتعدي ، وثمن عبد التجارة - : فإنه لا زكاة فيه - كان على ثقة أو غير ثقة - حتى يقبض أربعين درهما فإذا قبضها زكاها لعام خال ، ثم يزكي كل أربعين يقبض ، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقي في يده لم تجب فيه الزكاة كالعروض لغير التجارة يبيعها - : قسما آخر ، فاضطرب فيه قوله ، فمرة جعل ذلك بمنزلة قوله في الميراث ، والمهر ، ومرة قال : لا زكاة عليه حتى يقبض مائتي درهم ، فإذا قبضها زكاها لعام خال ، وسواء عنده ما كان عند عديم أو مليء إذا كانا مقرين . وأما قول أبي حنيفة فتخليط لا خفاء به . قال أبو محمد : إنما لصاحب الدين عند غريمه عدد في الذمة وصفة فقط ، وليس له عنده عين مال أصلا ، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد ، والفضة تراب بعد ، ولعل المواشي التي له عليه لم تخلق بعد ، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته ؟ فصح أنه لا زكاة عليه في ذلك - وبالله تعالى التوفيق . واعلم أن تقسيم أبي حنيفة ، ومالك : لا يعرف عن أحد قبلهما ، لأن الرواية عن عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين وبالله تعالى التوفيق .

697 - مسألة : وأما المهور والخلع ، والديات ، فبمنزلة ما قلنا ؛ ما لم يتعين المهر ؛ لأن كل ذلك دين ، فإن كان المهر فضة معينة - دراهم أو غير ذلك - أو ذهبا بعينه - دنانير أو غير ذلك - أو ماشية بعينها ، أو نخلا بعينها ، أو كان كل ذلك ميراثا - : فالزكاة واجبة على من كل ذلك له ؛ لأنها أموال صحيحة ظاهرة موجودة ، فالزكاة فيها ، ولا معنى للقبض في ذلك ما لم يمنع صاحبه شيء من ذلك ، فإن منع صار مغصوبا وسقطت الزكاة كما قدمنا - وبالله تعالى التوفيق .

698 - مسألة : ومن كان له دين على بعض أهل الصدقات - وكان ذلك الدين برا ، أو شعيرا ، أو ذهبا ، أو فضة ، أو ماشية - فتصدق عليه بدينه قبله ، ونوى بذلك أنه من زكاته أجزأه ذلك ، وكذلك لو تصدق بذلك الدين على من يستحقه وأحاله به على من هو له عنده ونوى بذلك الزكاة فإنه يجزئه ؟ برهان ذلك - : أنه مأمور بالصدقة الواجبة ، وبأن يتصدق على أهل الصدقات من زكاته الواجبة بما عليه منها ، فإذا كان إبراؤه من الدين يسمى صدقة فقد أجزأه . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث - هو ابن سعد - عن بكير - هو ابن الأشج - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال : { أصيب رجل على عهد رسول الله ﷺ في ثمار ابتاعها فكثر دينه ، فقال رسول الله ﷺ تصدقوا عليه } وذكر الحديث . وهو قول عطاء بن أبي رباح وغيره .

699 - مسألة : ومن أعطى زكاة ماله من وجبت له من أهلها ، أو دفعها إلى المصدق المأمور بقبضها فباعها من قبض حقه فيها أو من له قبضها نظرا لأنها لأهلها - : فجائز للذي أعطاها أن يشتريها ، وكذلك لو رجعت إليه بهبة ، أو هدية ، أو ميراث ، أو صداق أو إجارة أو سائر الوجوه المباحة ، ولا يجوز له شيء من ذلك ألبتة قبل أن يدفعها ؛ لأنه ابتاع شيئا غير معين ؛ وهذا لا يجوز ؛ لأنه لا يدري ما الذي ابتاع ، ولم يعط الزكاة التي افترض الله تعالى عليه أن يؤديها إلى أهلها ، وبهذا نفسه يحرم عليه أن يعطي غير ما لزمه القيمة ، وأما بعد أن يؤديها إلى أهلها فإن الله تعالى قال : { وأحل الله البيع } فهو قد أدى صدقة ماله كما أمر ، وباعها الآخذ كما أبيح له ، ولم يجز ذلك أبو حنيفة ؛ وكرهه مالك ؛ وأجازه الليث بن سعد ، واحتج من منع من ذلك بالحديث الذي رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت { عمر يقول : حملت على فرس في سبيل الله ، فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه ، وظننت أنه بائعه برخص فقال له رسول الله ﷺ لا تشتره ، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه } . ومن طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي " أن الزبير حمل على فرس في سبيل الله تعالى ، فوجد فرسا من ضئضئها يعني من نسلها - فأراد أن يشتريه ، فنهي " ونحو هذا أيضا عن أسامة بن زيد ، ولا يصح ، قال أبو محمد وكل هذا لا حجة لهم فيه ؛ لأن فرس عمر - كان بنص الحديث - حمل عليه في سبيل الله ، فصار حبسا في هذا الوجه ، فبيعه إخراج له عما سبل فيه ، ولا يحل هذا أصلا ؛ فابتياعه حرام على كل أحد ، وكذلك القول في الخبرين الآخرين ، لو صحا ، لا سيما ، وفي حديث أبي عثمان النهدي أنه نهى نتاجها ، وهذه صفة الحبس . وأما ما لم يحرم بيعه وكان صدقة مطلقة يملكها المتصدق بها عليه ويبيعها إن شاء - فليس ابتياع المتصدق بها عودا في صدقته ، لا في اللغة ، ولا في الديانة ؛ لأن العود في الصدقة هو انتزاعها وردها إلى نفسه بغير حق ، وإبطال صدقته بها فقط ، والحاضرون من المخالفين يجيزون أن يملكها المتصدق بها بالميراث ، وقد عادت إلى ملكه كما عادت بالشراء ولا فرق ؛ فصح أن العود هو ما ذكرنا فقط . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود { عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : أتي رسول الله ﷺ بلحم ، فقلت : هذا مما تصدق به على بريرة . فقال : هو لها صدقة ولنا هدية } حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري أنه سمع عبيد الله السباق أنه سمع { جويرية أم المؤمنين تقول : دخل علي رسول الله ﷺ فقال : هل من طعام ؟ فقلت : لا ، إلا عظما أعطيته مولاة لنا من الصدقة فقال : قربيه فقد بلغت محلها } . ولا خلاف في أن الصدقة حرام عليه ﷺ فقد استباحها بعد بلوغها محلها ، إذ رجعت إليه بالهدية . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا أبو داود ثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : { لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين ، فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني . } فهذا نص من النبي ﷺ بجواز ابتياع الصدقة ، ولم يخص المتصدق بها من غيره . وروينا عن أبي هريرة قال : لا تشتر الصدقة حتى تعقل - : يعني حتى تؤديها - : وهذا نص قولنا ، وعن ابن عباس في الصدقة قال : إن اشتريتها أو ردت عليك ، أو ورثتها حلت لك ، وعن عمر بن الخطاب قال : من تصدق بصدقة فلا يبتاعها حتى تصير إلى غير الذي تصدق بها عليه قال أبو محمد : فهذا عمر يجيز للمتصدق بالصدقة ابتياعها إذا انتقلت عن الذي تصدق بها عليه إلى غيره ؛ ولا فرق عندنا بين الأمرين ، وقولنا هذا هو قول عكرمة ، ومكحول وبه يقول أبو حنيفة ، والأوزاعي ، وأجازه الشافعي ولم يستحبه ، ومنع منه مالك ، وأجاز رجوعها إليه بالميراث . وروينا عن ابن عمر : أنه كان إذا تصدق بشيء فرجع إليه بالميراث تصدق به ، ويفتي بذلك ، فخرج قول مالك عن أن يكون له من الصحابة رضي الله تعالى عنهم موافق .

700 - مسألة : قال أبو محمد : ولا شيء في المعادن ، وهي فائدة ، لا خمس فيها ولا زكاة معجلة ، فإن بقي الذهب ، والفضة عند مستخرجها حولا قمريا ، وكان ذلك مقدار ما تجب فيه الزكاة - : زكاه ، وإلا فلا . وقال أبو حنيفة : عليه في معادن الذهب ، والفضة ، والنحاس ، والرصاص ، والقزدير ، والحديد - : الخمس ، سواء كان في أرض عشر أو في أرض خراج ، سواء أصابه مسلم ، أو كافر ، عبد ، أو حر . قال : فإن كان في داره فلا خمس فيه ، ولا زكاة ، ولا شيء فيما عدا ذلك من المعادن - واختلف قوله في الزئبق ، فمرة رأى فيه الخمس ، ومرة لم ير فيه شيئا ، وقال مالك : في معادن الذهب ، والفضة : الزكاة معجلة في الوقت إن كان مقدار ما فيه الزكاة ولا شيء في غيرها ، ولا يسقط الزكاة في ذلك دين يكون عليه ؛ فإن كان الذي أصاب في معدن الذهب ، أو الفضة ندرة بغير كبير عمل ففي ذلك الخمس . قال أبو محمد : احتج من رأى فيه الخمس بالحديث الثابت : { وفي الركاز الخمس } وذكروا حديثا من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ سئل عن الركاز . فقال : هو الذهب الذي خلقه الله في الأرض يوم خلق السماوات والأرض } . قال أبو محمد : هذا حديث ساقط ؛ لأن عبد الله بن سعيد متفق على إطراح روايته ثم لو صح لكان في الذهب خاصة . فإن قالوا : قسنا سائر المعادن المذكورة على الذهب . قلنا لهم : فقيسوا عليه أيضا معادن الكبريت ، والكحل ، والزرنيخ ، وغير ذلك ؟ فإن قالوا : هذه حجارة . قلنا : فكان ماذا ؟ ومعدن الفضة ، والنحاس أيضا حجارة ولا فرق وأما الركاز فهو دفن الجاهلية فقط ؛ لا المعادن ، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك . والعجب كله احتجاج بعضهم في هذا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { عن النبي ﷺ في اللقطة ما كان منها في الخراب والأرض الميتاء ففيه وفي الركاز الخمس } وهم لا يقولون بهذا ، وهذا كما ترى ، ولو كان المعدن ركازا لكان الخمس في كل شيء من المعادن ، كما أن الخمس في كل دفن للجاهلية ، أي شيء كان ؛ فظهر فساد قولهم وتناقضهم ؟ لا سيما في إسقاطهم الزكاة المفروضة بالخراج ، ولم يسقطوا الخمس في المعادن بالخراج وأوجبوا فيها خمسا في أرض العشر ، وعلى الكافر ، والعبد وفرقوا بين المعدن في الدار وبينه خارج الدار ، ولا يعرف كل هذا عن أحد قبلهم وهم يقولون : برد الأخبار الصحاح إذا خالفت الأصول وحكمهم هاهنا مخالف للأصول . فإن قالوا : قد روي عن علي : أن فيه الخمس . قلنا : أنتم أول مخالف لهذا الحكم إن كان حجة ؛ لأن الخبر إنما هو في رجل استخرج معدنا فباعه بمائة شاة ، وأخرج المشتري منه ثمن ألف شاة فرأى علي الخمس على المشتري ؛ لا على المستخرج له . وأما من رأى فيه الزكاة فاحتجوا - بحديث مالك عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطع لبلال بن الحارث معادن القبلية - وهي في ناحية الفرع } . قال : فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم . قال أبو محمد : وليس هذا بشيء لأنه مرسل ، وليس فيه مع إرساله إلا إقطاعه عليه السلام تلك المعادن فقط ، وليس فيه أنه عليه السلام أخذ منها الزكاة ، ثم لو صح لكان المالكيون أول مخالف له ؛ لأنهم رأوا في الندرة تصاب فيه بغير كبير عمل : الخمس ؛ وهذا خلاف ما في هذا الخبر . ويسألون أيضا عن مقدار ذلك العمل الكبير وحد الندرة ؟ ولا سبيل إليه إلا بدعوى لا يجوز الاشتغال بها - فظهر أيضا فساد هذا القول وتناقضه . وقالوا أيضا : المعدن كالزرع يخرج شيء بعد شيء . قال علي : قياس المعدن على الزرع كقياسه على الزكاة ، وكل ذلك باطل ولو كان القياس حقا لتعارض هذان القياسان ؛ وكلاهما فاسد ، أما قياسه على الركاز فيلزمهم ذلك في كل معدن ؛ وإلا فقد تناقضوا ، وأما قياسه على الزرع فيلزمهم أن يراعوا فيه خمسة أوسق وإلا فقد تناقضوا ، ويلزمهم أيضا أن يقيسوا كل معدن - من حديد أو نحاس - على الزرع ، واحتج كلتا الطائفتين بالخبر الثابت من طريق مسلم عن قتيبة ؛ ثنا عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع ثنا عبد الرحمن بن أبي نعم قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : { بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله ﷺ بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها ، فقسمها بين أربعة نفر : عيينة بن بدر ، والأقرع بن حابس ، وزيد الخير ، وذكر رابعا ، وهو علقمة بن علاثة } . فقال من رأى في المعدن الزكاة : هؤلاء من المؤلفة قلوبهم ، وحقهم في الزكاة لا في الخمس ؛ وقال الآخرون : علي من بني هاشم ، ولا يحل له النظر في الصدقة ، وإنما النظر في الأخماس . قال علي : كلا القولين دعوى فاسدة ، ولو كانت تلك الذهب من خمس واجب ، أو من زكاة لما جاز ألبتة أخذها إلا بوزن وتحقيق ، لا يظلم معه المعطي ولا أهل الأربعة الأخماس ؛ فلما كانت لم تحصل من ترابها صح يقينا أنها ليست من شيء من ذلك ، وإنما كانت هدية من الذي أصابها ، أو من وجه غير هذين الوجهين ، فأعطاها عليه السلام من شاء ، وقد قدمنا أنه لا زكاة في مال غير الزرع إلا بعد الحول ، والمعدن من جملة الذهب والفضة ؛ فلا شيء فيها إلا بعد الحول ، وهذا قول الليث بن سعد ، وأحد أقوال الشافعي ، وقول أبي سليمان ، ورأى مالك أن من ظهر في أرضه معدن فإنه يسقط ملكه عنه ، ويصير للسلطان ، وهذا قول في غاية الفساد ؛ بلا برهان من قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا رواية سقيمة ، ولا إجماع ؛ ولا قول صاحب ، ولا رأي له وجه ، وعلى هذا إن ظهر في مسجد أن يصير ملكه للسلطان ويبطل حكمه ولو أنه الكعبة وهذا في غاية الفساد . وقال رسول الله ﷺ { : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام . } ، فصح أن من ظهر في أرضه معدن فهو له ، يورث عنه ويعمل فيه ما شاء .

701 - مسألة : ولا تؤخذ زكاة من كافر لا مضاعفة ولا غير مضاعفة ، لا من بني تغلب ولا من غيرهم - وهو قول مالك ؟ وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، كذلك إلا في بني تغلب خاصة ؛ فإنهم قالوا : تؤخذ منهم الزكاة مضاعفة ، واحتجوا بخبر واه مضطرب في غاية الاضطراب ، رويناه من طريق أبي إسحاق الشيباني عن السفاح بن مطر عن داود بن كردوس التغلبي قال : صالحت عمر بن الخطاب عن بني تغلب - بعد أن قطعوا الفرات وأرادوا اللحوق بالروم - على أن لا يصبغوا صبيا ولا يكرهوا على غير دينهم على أن عليهم العشر مضاعفا في كل عشرين درهما درهم قال داود بن كردوس : ليس لبني تغلب ذمة ، قد صبغوا في دينهم ؟ ومن طريق هشيم عن المغيرة بن مقسم عن السفاح بن المثنى عن زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة : أنه كلم عمر في بني تغلب وقال له : إنهم عرب يأنفون من الجزية ، فلا تعن عدوك بهم ؛ فصالحهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة ، فاشترط عليهم : أن لا ينصروا أولادهم . قال مغيرة فحدثت أن علي بن أبي طالب قال : لئن تفرغت لبني تغلب لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذراريهم ؛ فقد نقضوا ، وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم . وروي أيضا من طريق عبد السلام بن حرب فقال : فيه عن داود بن كردوس عن عمارة بن النعمان ، وذكر مثله سواء سواء ، وذكر أنهم لا ذمة لهم اليوم . وروينا أيضا من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن يونس بن يزيد عن الزهري : لا نعلم في مواشي أهل الكتاب صدقة إلا الجزية غير أن نصارى بني تغلب - الذين جل أموالهم المواشي - تضعف عليهم حتى تكون مثلي الصدقة . هذا كل ما موهوا به ، ولو كان هذا الخبر عن رسول الله ﷺ لما حل الأخذ به لانقطاعه وضعف رواته ، فكيف وليس هو عن رسول الله ﷺ . فكيف وقد خالفوا هذا الخبر نفسه وهدموا به أكثر أصولهم لأنهم يقولون : لا يقبل خبر الآحاد الثقات التي لم يجمع عليها فيما إذا كثرت به البلوى ، وهذا أمر تكثر به البلوى ، ولا يعرفه أهل المدينة وغيرهم ، فقبلوا فيه خبرا لا خير فيه ، وهم قد ردوا بأقل من هذا خبر الوضوء من مس الذكر ، ويقولون : لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا كان زائدا على ما في القرآن أو مخالفا له ، وردوا بهذا حديث اليمين مع الشاهد ، وكذبوا ما هو مخالف لما في القرآن ، ولا خلاف للقرآن أكثر من قول الله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فقالوا هم : إلا بني تغلب فلا يؤدون الجزية ( ولا صغار عليهم ؛ بل يؤدون الصدقة مضاعفة ؛ فخالفوا القرآن ، والسنن المنقولة نقل الكافة ) بخبر لا خير فيه ، وقالوا : لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا خالف الأصول ، وردوا بذلك خبر القرعة في الأعبد الستة ، وخبر المصراة ، وكذبوا ما هما مخالفين للأصول بل هما أصلان من كبار الأصول ، وخالفوا هاهنا جميع الأصول في الصدقات ، وفي الجزية بخبر لا يساوي بعرة ، وتعللوا بالاضطراب في أخبار الثقات ، وردوا خبر { لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان } وخبر { لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا } وأخذوا هاهنا بأسقط خبر وأشده اضطرابا ، لأنه يقول رواية مرة : عن السفاح بن مطر ، ومرة : عن السفاح بن المثنى ، ومرة عن داود بن كردوس أنه صالح عمر عن بني تغلب ومرة : عن داود بن كردوس عن عبادة بن النعمان ، أو زرعة بن النعمان ، أو النعمان بن زرعة أنه صالح عمر ؟ ومع شدة هذا الاضطراب المفرط فإن جميع هؤلاء لا يدري أحد من هم من خلق الله تعالى ؟ وكم من قضية خالفوا فيها عمر ، ككلامه مع عثمان في الخطبة ، ونفيه في الزنى وإغرامه في السرقة قبل القطع ، وغير ذلك ، وقد صح عن عمر - بأصح طريق - من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن زياد بن حدير قال : أمرني عمر بن الخطاب أن آخذ من نصارى بني تغلب العشر ، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر . قال أبو محمد : فكما لم يسقط أخذ نصف العشر من أهل الكتاب الجزية عنهم فكذلك لا يسقط أخذ العشر من بني تغلب أيضا الجزية عنهم ، وهذا أصح قياس ، لو كان شيء من القياس صحيحا ، فقد خالفوا القياس أيضا ، ثم لو صح وثبت لكانوا قد خالفوه ؛ لأن جميع من رووه عنه - أولهم عن آخرهم - يقولون كلهم : إن بني تغلب قد نقضوا تلك الذمة ؛ فبطل ذلك الحكم ، ورووا ذلك أيضا - عن علي ، فخالفوا : عمر وعليا ، والخبر الذي به احتجوا والقرآن والسنن - في أخذ الجزية من كل كتابي في أرض العرب وغيرها ، كهجر ، واليمن ، وغيرهما - وفعل الصحابة رضي الله عنهم ، والقياس ، ونعوذ بالله من الخذلان .

702 - مسألة : ولا يجوز أخذ زكاة ولا تعشير مما يتجر به تجار المسلمين ، ولا من كافر أصلا - تجر في بلاده أو في غير بلاده - إلا أن يكونوا صولحوا على ذلك مع الجزية في أصل عقدهم ، فتؤخذ حينئذ منهم وإلا فلا ، أما المسلمون فقد ذكرنا قبل أنه لا زكاة عليهم في العروض - لتجارة كانت أو لغير تجارة - وأما الكفار فإنما أوجب الله تعالى عليهم الجزية فقط ؛ فإن كان ذلك صلحا مع الجزية فهو حق وعهد صحيح ، وإلا فلا يحل أخذ شيء من أموالهم بعد صحة عقد الذمة بالجزية والصغار ، ما لم ينقضوا العهد - وبالله تعالى التوفيق ، وقال أبو حنيفة : يؤخذ من أهل الذمة إذا سافروا نصف العشر في الحول مرة فقط ولا يؤخذ منهم من أقل من مائتي درهم شيء ، وكذلك يؤخذ من الحربي العشر إذا بلغ مائتي درهم ، وإلا فلا ؛ إلا إن كانوا لا يأخذون من تجارنا شيئا فلا نأخذ من تجارهم شيئا ؟ قال مالك : يؤخذ من أهل الذمة العشر إذا تجروا إلى غير بلادهم - مما قل أو كثر - إذا باعوا ، ويؤخذ منهم في كل سفرة كذلك ، ولو مررا في السنة ، فإن تجروا في بلادهم لم يؤخذ منهم شيء ، ويؤخذ من الحربيين كذلك إلا فيما حملوا إلى المدينة خاصة من الحنطة ، والزبيب خاصة ، فإنه لا يؤخذ منهم إلا نصف العشر فقط . قال أبو محمد : احتجوا في ذلك بما روي من طريق معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد : كنت أعشر مع عبد الله بن عتبة زمن عمر بن الخطاب ، فكان يأخذ من أهل الذمة أنصاف عشر أموالهم فيما تجروا به ؟ وبحديث أنس بن سيرين عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب : خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما ، وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما . ومن طريق زياد بن حدير : أمرني عمر بأن آخذ من بني تغلب العشر ، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر . ومن طريق مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد قال : كنت غلاما مع عبد الله بن عتبة على سوق المدينة زمان عمر بن الخطاب ، فكان يأخذ من النبط العشر ؟ قال أبو محمد : هذا كله لا حجة فيه ، لأنه ليس عن رسول الله ﷺ . وأيضا - فرب قضية خالفوا فيها عمر قد ذكرناها آنفا ، وليس يجوز أن يكون بعض حكم عمر حجة وبعضه ليس بحجة ، وأيضا - فإن هذه الآثار مختلفة عن عمر ، في بعضها العشر من أهل الكتاب ، وفي بعضها نصف العشر ، فما الذي جعل بعضها أولى من بعض ، وقد خالف المالكيون هذه الآثار في تفريقهم بين تجارتهم في أقطار بلادهم أو غيرها ، وخالفها الحنفيون في وضعهم ذلك مرة في العام فقط ، وذلك في هذه الآثار ، وذكروا في ذلك خبرا فاسدا من طريق ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران : أن عمر كتب إلى أيوب بن شرحبيل : خذ من المسلمين من كل أربعين دينارا دينارا ، ومن أهل الكتاب من كل عشرين دينارا دينارا ، إذا كانوا يديرونها ، ثم لا تأخذ منهم شيئا حتى رأس الحول ، فإني سمعت ذلك ممن سمعه ممن سمع النبي ﷺ ( قال أبو محمد : وهذا عن مجهولين ، وليس أيضا فيه بيان أنه سمع من النبي ﷺ ) قال أبو محمد : فكيف وقد روينا عن عمر رضي الله عنه بيان هذا كله ، كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا الأنصاري هو القاضي محمد بن عبد الله بن المثنى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز قال : بعث عمر : عمارا ، وابن مسعود ، وعثمان بن حنيف إلى الكوفة - فذكر الحديث وفيه - : أن عثمان بن حنيف مسح الأرض فوضع عليها كذا وكذا ، وجعل في أموال أهل الذمة الذين يختلفون بها من كل عشرين درهما درهما وجعل على رءوسهم - وعطل من ذلك النساء والصبيان - : أربعة وعشرين ثم كتب بذلك إلى عمر فأجازه . فصح أن هذا كان في أصل العهد والعقد وذمتهم ، وبه إلى أبي عبيد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن خالد العبسي قال : سألت زياد بن حدير : من كنتم تعشرون ؟ قال ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا ، كنا نعشر تجار أهل الحرب كما يعشروننا إذا أتيناهم . فصح أنه لم يكن يؤخذ ذلك ممن لم يعاقد على ذلك . وبه إلى أبي عبيد : ثنا معاوية عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن مسروق قال : والله ما عملت عملا أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا ، وما بي أن أكون ظلمت فيه مسلما أو معاهدا دينارا ولا درهما ، ولكن لا أدري ما هذا الحبل الذي لم يسنه رسول الله ﷺ ولا أبو بكر ، ولا عمر ؟ قالوا : فما حملك على أن دخلت فيه ؟ قال : لم يدعني زياد ، ولا شريح ، ولا الشيطان ، حتى دخلت فيه . قال أبو محمد : فصح أنه عمل محدث ولا يجوز أن يظن بعمر رضي الله عنه أنه تعدى ما كان في عقدهم ؛ كما لا يظن به في أمره أن يؤخذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهم أنه فيما هو أقل من مائتي درهم - وبالله تعالى التوفيق .

703 - مسألة : وليس في شيء مما أصيب من العنبر والجواهر والياقوت والزمرد - بحريه وبريه - : شيء أصلا ، وهو كله لمن وجده . وقد روي من طريق الحسن بن عمارة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب : أن في العنبر ، وفي كل ما استخرج من حلية البحر : الخمس وبه يقول أبو يوسف . قال أبو محمد : الحسن بن عمارة مطرح . وقد صح عن ابن عباس أنه قال في العنبر : إن كان فيه شيء ففيه الخمس ، من طريق سفيان بن عيينة عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس لا شيء فيه . قال أبو محمد : قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فصح أنه لا يحل إغرام مسلم شيئا بغير نص صحيح ، وكان - بلا خلاف - كل ما لا رب له فهو لمن وجده - وبالله تعالى التوفيق .







كتاب الزكاة

704 - مسألة : زكاة الفطر من رمضان فرض واجب على كل مسلم ، كبير أو صغير ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، وإن كان من ذكرنا جنينا في بطن أمه عن كل واحد صاع من تمر أو صاع من شعير ، وقد قدمنا أن الصاع أربعة أمداد بمد النبي ﷺ وقد فسرناه قبل ، ولا يجزئ شيء غير ما ذكرنا ، لا قمح ، ولا دقيق قمح أو شعير ، ولا خبز ولا قيمة ؛ ولا شيء غير ما ذكرنا ، حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا ابن أبي فديك أنا الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال : { فرض رسول الله ﷺ على كل نفس من المسلمين - حر أو عبد ، رجل أو امرأة ، صغير أو كبير - : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . } حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا أبو إسحاق البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أحمد بن يونس ثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال { أمر رسول الله ﷺ بزكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . } وقال مالك : ليست فرضا ، واحتج له من قلده بأن قال : معنى " فرض رسول الله ﷺ " أي قدر مقدارها . قال أبو محمد : وهذا خطأ ، لأنه دعوى بلا برهان وإحالة اللفظ عن موضوعه بلا دليل . وقد أوردنا أن رسول الله ﷺ أمر بها وأمره فرض ، قال تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وذكروا خبرا رويناه من طريق قيس بن سعد { أمرنا رسول الله ﷺ بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ، ونحن نفعله } وعنه أيضا { كنا نصوم عاشوراء ونعطي الفطر ما لم ينزل علينا صوم رمضان والزكاة ، فلما نزلا لم نؤمر ولم ننه عنه ، ونحن نفعله } وقال أبو محمد وهذا الخبر حجة لنا عليهم لأن فيه أمر رسول الله ﷺ بزكاة الفطر ، فصار أمرا مفترضا ثم لم ينه عنه فبقي فرضا كما كان ، وأما يوم عاشوراء فلولا أنه عليه السلام صح أنه قال بعد ذلك : { من شاء صامه ومن شاء تركه } لكان فرضه باقيا ، ولم يأت مثل هذا القول في زكاة الفطر ؛ فبطل تعلقهم بهذا الخبر ، وقد قال تعالى : { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وقد سمى رسول الله ﷺ زكاة الفطر : زكاة ، فهي داخلة في أمر الله تعالى بها ، والدلائل على هذا تكثر جدا ؟ وروينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن سليمان الأحول عن محمد بن محمد بن سيرين ، وأبي قلابة قالا جميعا : زكاة الفطر فريضة ، وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وغيرهما . وأجاز قوم أشياء غير ما أمر به رسول الله ﷺ فقال قوم : يجزئ فيها القمح وقال آخرون : والزبيب ، والأقط . واحتجوا بأشياء منها - : أنهم قالوا : إنما يخرج كل أحد مما يأكل ومن قوت أهل بلده ، فقلنا : هذه دعوى باطل بلا برهان ، ثم قد نقضتموها لأنه إنما يأكل الخبز لا الحب : فأوجبوا أن يعطي خبزا لأنه هو أكله ، وهو قوت أهل بلده ، فإن قالوا : هو غير ما جاء به الخبر . قلنا : صدقتم ، وكذلك ما عدا التمر ، والشعير ، وقالوا : إنما خص عليه السلام - بالذكر - التمر ، والشعير ؛ لأنهما كانا قوت أهل المدينة . قال أبو محمد : وهذا قول فاحش جدا ؛ أول ذلك أنه كذب على رسول الله ﷺ مكشوف ، لأن هذا القائل قوله عليه السلام ما لم يقل ؛ وهذا عظيم جدا ، ويقال له : من أين لك أن رسول الله ﷺ أراد أن يذكر القمح ، والزبيب ؛ فسكت عنهما وقصد إلى التمر ، والشعير ؛ أنهما قوت أهل المدينة ، وهذا لا يعلمنه إلا من أخبره عليه السلام بذلك عن نفسه ، أو من نزل عليه وحي بذلك ، وأيضا : فلو صح لهم ذلك لكان الفرض في ذلك لا يلزم إلا أهل المدينة فقط ، وأيضا : فإن الله تعالى قد علم وأنذر بذلك رسوله ﷺ أن الله تعالى سيفتح لهم الشام ، والعراق ، ومصر ، وما وراء البحار ، فكيف يجوز أن يلبس على أهل هذه البلاد دينهم ؟ فيريد منهم أمرا ولا يذكره لهم ويلزمهم بكلامه ما لا يلزمهم من التمر ، والشعير ؟ ونعوذ بالله من مثل هذا الظن الفاسد المختلط ، واحتجوا بأخبار فاسدة لا تصح - : منها خبر رويناه من طريق إسماعيل بن أمية عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري : { فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر : صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط } والحارث ضعيف ، ثم لو صح لما كان فيه إلا الأقط لا سائر ما يجيزون ؟ ومن طريق ابن وهب كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ فذكر { صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من شعير . } وكثير بن عبد الله ساقط ، لا تجوز الرواية عنه ، ثم لو صح لم يكن فيه إلا الأقط ، والزبيب . ومن طريق نصر بن حماد عن أبي معشر المدني عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ فذكر { صاعا من تمر ، أو من شعير ، أو من قمح ، ويقول أغنوهم عن تطواف هذا اليوم } . وأبو معشر المدني هذا نجيح مطرح يحدث بالموضوعات عن نافع وغيره . ومن طريق يعلى عن حماد بن زيد عن النعمان بن رشاد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه عن النبي ﷺ { صاعا من بر عن كل ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير ، غني أو فقير ، حر أو مملوك } والنعمان بن راشد ضعيف كثير الغلط ؛ ثم لو صح لكان أبو حنيفة قد خالفه ؛ لأنه لا يوجب إلا نصف صاع من بر . ومن طريق همام بن يحيى : ثنا بكر بن وائل بن داود ثنا الزهري عن عبد الله بن ثعلبة ، أو ثعلبة بن عبد الله { عن النبي ﷺ أنه أمر في صدقة الفطر : صاع تمر ، أو صاع شعير على كل واحد ، أو صاع قمح بين اثنين . } وعن ابن جريج عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن النبي ﷺ وهذان مرسلان : ومن طريق مسدد عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه { عن النبي ﷺ في صدقة الفطر : صاع من قمح على كل اثنين . } ومن طريق سليمان بن داود العتكي عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة ، أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه { عن النبي ﷺ في صدقة الفطر : صاع من بر على كل اثنين } . فحصل هذا الحديث راجعا إلى رجل مجهول الحال ، مضطرب عنه ، مختلف في اسمه ، مرة : عبد الله بن ثعلبة ، ومرة : ثعلبة بن عبد الله ولا خلاف في أن الزهري لم يلق ثعلبة بن أبي صعير ، وليس لعبد الله بن ثعلبة صحبة . وأحسن حديث في هذا الباب ما حدثناه همام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا موسى بن إسماعيل ثنا همام بن يحيى عن بكر بن وائل ، أن الزهري حدثه عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه : { أن النبي ﷺ قام خطيبا فأمر بصدقة الفطر ، صاع تمر ، أو صاع شعير عن كل واحد } ولم يذكر : " البر " ولا شيئا غير التمر والشعير : ولكنا لا نحتج به ؛ لأن عبد الله بن ثعلبة مجهول - ثم هذا كله مخالف لقول مالك ، والشافعي ، ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي يزيد المدني { أعطى رسول الله ﷺ لمظاهر شعيرا وقال : أطعم هذا ، فإن مدين من شعير يقضيان مدا من قمح } وهذا مرسل . ومن طريق ابن جرير عن عمرو بن شعيب { أن رسول الله ﷺ لما حج بعث صارخا في بطن مكة : ألا إن زكاة الفطر حق واجب على كل مسلم مدان من حنطة ، أو صاع مما سوى ذلك من الطعام } وهذا مرسل . وعن جابر الجعفي عن الشعبي { كانوا يخرجون على عهد رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر . } وهذا مرسل . ومن طريق الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، وعقيل بن خالد ، وعمرو بن الحارث قال عبد الرحمن ، وعقيل : عن الزهري ، وقال عمرو : عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ثم اتفق يزيد ، والزهري عن سعيد بن المسيب { فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر : مدين حنطة } وهذا مرسل .

ومثله أيضا - عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، كلهم عن رسول الله ﷺ وهي مراسيل . ومن طريق حميد عن الحسن عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ فرضها - يعني زكاة الفطر - صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو نصف صاع من بر } ولا يصح للحسن سماع من ابن عباس . وروي أيضا - من طريق أبي هريرة ، وأوس بن الحارث وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وكل ذلك لا يصح ، ولا يشتغل به ، ولا يعمل به إلا جاهل . قال أبو محمد : وهذا مما نقضت كل طائفة منهم فيه أصلها - : فأما الشافعيون فإنهم يقولون عن الشافعي : بأن مرسل سعيد بن المسيب حجة ، وقد تركوا هاهنا مرسل سعيد بن المسيب : وقال الشافعي : في أشهر قوليه لا تجزئ زكاة الفطر إلا من حب تخرج منه الزكاة ، وتوقف في الأقط ، وأجازه مرة أخرى - : وأما المالكيون ، فأجازوا المرسل وجعلوه كالمسند ، وخالفوا هاهنا من المراسيل ما لو جاز قبول شيء منها لجاز هاهنا ، لكثرتها وشهرتها ومجيئها من طريق فقهاء المدينة . وأما الحنفيون فإنهم - في أشهر رواياتهم عنه - جعل الزبيب كالبر في أنه يجزئ منه نصف صاع ، ولم يجز الأقط إلا بالقيمة ، ولا أجاز غير البر ، والشعير ودقيقهما وسويقهما ، والتمر ، والزبيب فقط إلا بالقيمة ، وهذا خلاف لبعض هذه الآثار وخلاف لجميعها في إجازة القيمة ، والعجب كله من إطباقهم على أن راوي الخبر إذا تركه كان ذلك دليلا على سقوط الخبر ، كما فعلوا في خبر { غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا } . وقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن ميمون الرقي عن مخلد هو ابن الحسين - عن هشام هو ابن حسان - عن ابن سيرين عن ابن عباس قال : ذكر في صدقة الفطر فقال " صاع من بر ، أو صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو صاع من سلت " . فهذا ابن عباس قد خالف ما روي بأصح إسناد يكون عنه فواجب عليهم رد تلك الرواية ، وإلا فقد نقضوا أصلهم . وذكروا في ذلك حديثا صحيحا رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : " كنا نخرج زكاة الفطر ، صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط ؛ أو صاعا من زبيب " قال أبو محمد : وهذا غير مسند ، وهو أيضا مضطرب فيه على أبي سعيد . فرويناه من طريق البخاري : ثنا معاذ بن فضالة [ حدثنا أبو عمر ] عن زيد هو ابن أسلم - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال { كنا نخرج على عهد رسول الله ﷺ يوم الفطر صاعا من طعام ، وكان طعامنا : الشعير ، والزبيب ، والأقط والتمر . } ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية أخبرني عياض بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : { كنا نخرج زكاة الفطر - ورسول الله ﷺ فينا عن كل صغير وكبير ، حر ومملوك - : من ثلاثة أصناف : صاعا من تمر ، صاعا من أقط ، صاعا من شعير . } قال أبو سعيد : فأما أنا فلا أزال أخرجه كذلك . ومن طريق سفيان بن عيينة : ثنا ابن عجلان سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبي سعيد الخدري قال : { لم نخرج على عهد رسول الله ﷺ إلا صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من دقيق ، أو صاعا من سلت ثم شك سفيان فقال : دقيق أو سلت } . ومن طريق الليث عن يزيد هو ابن أبي حبيب - عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان أن عياض بن عياض بن عبد الله حدثه أن أبا سعيد الخدري قال { كنا نخرج في عهد رسول الله ﷺ صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من أقط ، لا نخرج غيره } يعني في زكاة الفطر ، قال أبو محمد : ففي بعض هذه الأخبار إبطال إخراج " البر " جملة ، وفي بعضها إثبات الزبيب ، وفي بعضها نفيه ، وإثبات الأقط جملة ، وليس فيها شيء غير ذلك ، وهم يعيبون الأخبار المسندة - التي لا مغمز فيها - بأقل من هذا الاضطراب ، كحديث إبطال تحريم الرضعة والرضعتين وغير ذلك . ثم إنه ليس من هذا كله خبر مسند ؛ لأنه ليس في شيء منه أن رسول الله ﷺ علم بذلك فأقره ، ولا عجب أكثر ممن يقول في خبر جابر الثابت : { كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله ﷺ } وحديث أسماء بنت أبي بكر الثابت { ذبحنا على عهد رسول الله ﷺ فرسا فأكلناه } أن هذان ليسا مسندين " لأنه ليس فيهما أن رسول الله ﷺ علم بذلك فأقره ، ثم يجعل حديث أبي سعيد هذا مسندا على اضطرابه وتعارض رواته فيه فليقل كل ذي عقل : أيما أولى أن يكون لا يخفى على رسول الله ﷺ بيع رجل من أصحابه أم ولده ، أو ذبح فرس في بيت أبي بكر الصديق أو بيت الزبير ، وبيتاهما مطنبان ببيت رسول الله ﷺ وابنته عنده ، على عزة الخيل عندهم وقلتها وحاجتهم إليها ، أم صدقة رجل من المسلمين في بني خدرة في عوالي المدينة بصاع أقط ، أو صاع زبيب ، ولو ذبح فرس للأكل في جانب من جوانب بغداد ما كان يمكن أن يخفى في الجانب الآخر ، ولو تصدقت امرأة أحدنا أو جاره الملاصق بصاع أقط ؛ أو صاع زبيب وصاع قمح ، ما كاد هو يعلمه في الأغلب ؛ فاعجبوا لعكس هؤلاء القوم الحقائق ، ثم إن هذه الطوائف الثلاثة مخالفة لما في هذا الخبر . أما أبو حنيفة فأشهر أقواله أن نصف صاع زبيب يجزئ وأن الأقط لا يجزئ إلا بالقيمة . وأما الشافعي فأشهر أقواله أن الأقط لا يجزئ ، وأجاز إخراج ما منعت هذه الأخبار من إخراجه ، مما لم يذكر فيها من الذرة وغير ذلك . وأما المالكيون ، والشافعيون فخالفوها جملة ؛ لأنهم لا يجيزون إخراج شيء من هذه المذكورات في هذا الخبر إلا لمن كانت قوته ، وخبر أبي سعيد لا يختلف فيه أنه على التخيير ، وكلهم يجيز إخراج ما منعت هذه الأخبار من إخراجه ، فمن أضل ممن يحتج بما هو أول مخالف له ما هذا من التقوى ، ولا من البر ، ولا من النصح لمن أغتر بهم من المسلمين . وأما نحن فوالله لو انسند صحيحا شيء من كل ما ذكرنا من الأخبار لبادرنا إلى الأخذ به ، وما توقفنا عند ذلك ، لكنه ليس منها مسند صحيح ولا واحد ، فلا يحل الأخذ بها في دين الله تعالى ، وقال بعضهم : إنما قلنا بجواز القمح لكثرة القائلين به ، وجمح فرس بعضهم فادعى الإجماع في ذلك جرأة وجهلا ، فذكروا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر { فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر على الذكر ، والأنثى ، والحر ، والعبد : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير . قال ابن عمر : فعدله الناس بعد : مدين من قمح } . ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر { فعدل الناس بعد نصف صاع من بر } وكان ابن عمر يعطي التمر ، فأعوز أهل المدينة التمر عاما فأعطى الشعير " . قال أبو محمد : لو كان فعل الناس حجة عند ابن عمر ما استجاز خلافه ، وقد قال الله تعالى : { إن الناس قد جمعوا لكم } . ولا حجة على رسول الله ﷺ بالناس ، لكنه حجة على الناس وعلى الجن معهم ، ونحن نتقرب إلى الله تعالى بخلاف الناس الذين تقرب ابن عمر إليه بخلافهم ، وذكروا ما رويناه من طريق حسين عن زائدة ثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر { كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد رسول الله ﷺ صاعا من شعير ، أو تمر ، أو زبيب ، أو سلت } قال أبو محمد : هذا لا ينسند ، لأنه ليس فيه أن رسول الله ﷺ علم ذلك وأقره ، ثم خلافهم له - لو أسند وصح - كخلافهم لسعيد الذي ذكرنا ، وإبطال تهويلهم بما فيه من " كان الناس يخرجون " بخلاف ابن عمر المخبر عنهم كما في خبر أبي سعيد سواء سواء ، وأيضا - فإن راوي هذا الخبر عبد العزيز بن أبي رواد ، وهو ضعيف منكر الحديث . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر : إن الله قد أوسع ، والبر أفضل من التمر - يعني في صدقة الفطر - فقال ابن عمر : إن أصحابي سلكوا طريقا فأنا أحب أن أسلكه . قال أبو محمد : فهذا ابن عمر قد ذكرنا أنه كان لا يخرج إلا التمر ، أو الشعير ، ولا يخرج البر ، وقيل له في ذلك ، فأخبر أنه في عمله ذلك على طريق أصحابه ؛ فهؤلاء هم الناس الذين يستوحش من خلافهم وهم الصحابة رضي الله عنهم ، بأصح طريق ، وإنهم ليدعون الإجماع بأقل من هذا إذا وجدوه . وعن أفلح بن حميد : كان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يخرج زكاة الفطر صاعا من تمر . ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه : أنه كان إذا كان يوم الفطر أرسل صدقة كل إنسان من أهله صاعا من تمر ، ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا حماد بن مسعدة عن خالد بن أبي بكر قال : كان سالم بن عبد الله لا يخرج إلا تمرا " يعني في صدقة الفطر . فهؤلاء : ابن عمر ، والقاسم ، وسالم ، وعروة : لا يخرجون في صدقة الفطر إلا التمر ، وهم يقتاتون البر بلا خلاف ، وإن أموالهم لتسع إلى إخراج صاع دراهم عن أنفسهم ، ولا يؤثر ذلك في أموالهم . رضي الله عنهم فإن قيل : هم من أهل المدينة ؟ قلنا : ما خص رسول الله ﷺ بحكم صدقة الفطر أهل المدينة من أهل الصين ، ولا بعث إلى أهل المدينة دون غيرهم . والعجب كل العجب من إجازة مالك إخراج الذرة ، والدخن ، والأرز لمن كان ذلك قوته ، وليس شيء من ذلك مذكورا في شيء من الأخبار أصلا ، ومنع من إخراج الدقيق لأنه لم يذكر في الأخبار ؛ ومنع من إخراج القطاني وإن كانت قوت المخرج ، ومنع من التين ، والزيتون ، وإن كانا قوت المخرج ، وهذا تناقض ، وخلاف للأخبار ، وتخاذل في القياس ، وإبطالهم لتعليلهم بأن البر أفضل من الشعير ، ولا شك في أن الدقيق والخبز من البر والسكر أفضل من البر وأقل مؤنة وأعجل نفعا ، فمرة يجيزون ما ليس في الخبر ، ومرة يمنعون مما ليس في الخبر ؛ وبالله تعالى التوفيق . وهكذا القول في الشافعيين ولا فرق . قال أبو محمد : وشغب الحنفيون بأخبار نذكر منها طرفا إن شاء الله تعالى - : منها خبر - رويناه من طريق سفيان ، وشعبة ، كلاهما عن عاصم بن سليمان الأحول سمع أبا قلابة قال : حدثني من أدى إلى أبي بكر الصديق نصف صاع بر في صدقة الفطر . ومن طريق الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال : { كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله ﷺ صاعا من شعير ، أو تمر ، أو سلت ، أو زبيب . قال ابن عمر : فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء } . ومن طريق حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يخطب ، فقال : في صدقة الفطر : صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو نصف صاع من بر . ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال : صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، أو نصف صاع من بر . ومن طريق جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت " كان الناس يعطون زكاة رمضان نصف صاع ، فأما إذ أوسع الله تعالى على الناس فإني أرى أن يتصدق بصاع " . ومن طريق وكيع عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر : كانت أسماء بنت أبي بكر الصديق تعطي زكاة الفطر - عمن تمون - صاعا من تمر ، صاعا من شعير ، أو نصف صاع من بر ، ومن طريق ابن جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : صدقة الفطر على كل مسلم مدان من قمح ، أو صاع من تمر أو شعير . ومن طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : زكاة الفطر على كل فقير وغني صاع من تمر ، أو نصف صاع من قمح . وعن ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر : زكاة الفطر مدان من قمح ، أو صاع من شعير ، أو تمر . قال عمرو بن دينار : وبلغني هذا أيضا عن ابن عباس . ومن طريق عبد الكريم أبي أمية عن إبراهيم النخعي عن علقمة . والأسود عن عبد الله بن مسعود قال : مدان من قمح ، أو صاع من تمر ، أو شعير - يعني في صدقة الفطر . ومن طريق مسلم بن الحجاج : ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا داود يعني ابن قيس - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال { كنا نخرج - إذ كان فينا رسول الله ﷺ - زكاة الفطر صاعا من أقط ، أو صاعا من طعام ، أو صاعا من زبيب ، فلم نزل نخرج ذلك حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا ؛ فكلم الناس على المنبر فقال : إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر ، فأخذ الناس بذلك . قال أبو سعيد : فأما أنا فلا أخرجه أبدا ما عشت كما كنت أخرجه } . ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن : أن مروان بعث إلى أبي سعيد : أن ابعث إلي بزكاة رقيقك ، فقال أبو سعيد : إن مروان لا يعلم ، إنما علينا أن نطعم عن كل رأس عند كل فطر صاع تمر ، أو نصف صاع بر . وروينا من طريق محمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض بن سعد قال : " ذكرت لأبي سعيد الخدري صدقة الفطر ؟ فقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله ﷺ صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاع زبيب أو صاع أقط ، فقيل له : أو مدين من قمح ؟ فقال : لا ، تلك قيمة معاوية ، لا أقبلها ، ولا أعمل بها " . فهذا أبو سعيد يمنع من " البر " جملة ؛ ومما عدا ما ذكر ، وصح عن عمر بن عبد العزيز إيجاب نصف صاع من بر على الإنسان في صدقة الفطر ، أو قيمته على أهل الديوان نصف درهم . من طريق وكيع عن قرة بن خالد قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلينا بذلك ، وصح أيضا عن طاوس ، ومجاهد ، وسعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن جبير . وهو قول الأوزاعي ، والليث ، وسفيان الثوري قال أبو محمد : تناقض هاهنا المالكيون المهولون بعمل أهل المدينة فخالفوا أبا بكر ، وعمر ، ( وعثمان ) وعلي بن أبي طالب ، وعائشة ، وأسماء بنت أبي بكر ، وأبا هريرة ، وجابر بن عبد الله وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وأبا سعيد الخدري ، وهو عنهم كلهم صحيح إلا عن أبي بكر ، وابن مسعود ، إلا أن المالكيين يحتجون بأضعف من هذه الطرق إذا وافقتهم . ثم فقهاء المدينة : ابن المسيب ، وعروة ، وأبا سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم أفلا يتقي الله من يزيد في الشرائع ما لم يصح قط ، من جلد الشارب للخمر ثمانين ، برواية لم تصح قط عن عمر ، ثم قد صح خلافها عنه ، وعن أبي بكر قبله ، وعن عثمان ، وعلي بعده ، والحسن ، وعبد الله بن جعفر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يخالفهم منهم أحد ، ومعهم السنة الثابتة - : ثم لا يلتفت هاهنا إلى هؤلاء كلهم . وأما الحنفيون - المتزينون في هذا المكان باتباعهم - فقد خالفوا أبا بكر ، وعمر ، وعلي بن أبي طالب ؛ وابن مسعود ، وابن عباس ، والمغيرة بن شعبة ، وأنس بن مالك ، وأم سلمة أم المؤمنين في المسح على العمامة ، وخالفوا علي بن أبي طالب ، وأبا مسعود ، وعمار بن ياسر والبراء بن عازب ، وبلالا وأبا أمامة الباهلي وأنس بن مالك وابن عمر ، وسهل بن سعد في جواز المسح على الجوربين ، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة من كل من يجيز المسح على الخفين ، ومثل هذا لهم كثير جدا وبالله تعالى نتأيد ، ولا حجة إلا فيما صح عن النبي ﷺ وقد ذكرناه . قال أبو محمد : وروينا عن عطاء ليس على الأعراب ، أهل البادية زكاة الفطر - وعن الحسن : أنها عليهم ، وأنهم يخرجون في ذلك اللبن . قال أبو محمد : لم يخص رسول الله ﷺ أعرابيا ولا بدويا من غيرهم ، فلم يجز تخصيص أحد من المسلمين ، ولا يجزئ لبن ولا غيره ، إلا الشعير ، أو التمر فقط . وأما الحمل فإن رسول الله ﷺ أوجبها على كل صغير أو كبير ، والجنين يقع عليه اسم : صغير ، فإذا أكمل مائة وعشرين يوما في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة الفطر وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر النمري ، ومحمد بن كثير ، قال حفص : ثنا شعبة ، وقال ابن كثير : ثنا سفيان الثوري ، ثم اتفق سفيان ، وشعبة كلاهما عن الأعمش : ثنا زيد بن وهب ثنا عبد الله بن مسعود ثنا رسول الله ﷺ { إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات ، رزقه ، وعمله ، وأجله ، ثم يكتب : شقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح } قال أبو محمد : هو قبل ما ذكرنا موات ، فلا حكم على ميت ، فأما إذا كان حيا كما أخبر رسول الله ﷺ فكل حكم وجب على الصغير فهو واجب عليه . روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل : ثنا أبي ثنا المعتمر بن سليمان التيمي عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وقتادة : أن عثمان بن عفان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير ، والكبير ، والحمل . وعن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال : كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير ، والكبير ، حتى عن الحمل في بطن أمه ، وأبو قلابة أدرك الصحابة وصحبهم وروى عنهم ، ومن طريق عبد الرزاق عن مالك عن رجل عن سليمان بن يسار : أنه سئل عن الحمل أيزكى عنه ؟ قال : نعم . ولا يعرف لعثمان في هذا مخالف من الصحابة وهم يعظمون بمثل هذا إذا وافقهم .



705 - مسألة : ويؤديها المسلم عن رقيقه ، مؤمنهم وكافرهم ، من كان منهم لتجارة أو لغير تجارة كما ذكرنا . وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان الثوري في الكفار ؟ وقال مالك ، والشافعي ، وأبو سليمان : لا تؤدى إلا عن المسلمين منهم وقال أبو حنيفة : لا تؤدى زكاة الفطر عن رقيق التجارة . وقال مالك والشافعي ، وأبو سليمان : تؤدى عنهم زكاة الفطر . وقالوا كلهم - حاشا أبا سليمان - : يخرجها السيد عنهم ، وبه نقول وقال أبو سليمان : يخرجها الرقيق عن أنفسهم . واحتج من لم ير إخراجها عن الرقيق الكفار بما روي عن رسول الله ﷺ { فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر على حر ، أو عبد ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير من المسلمين } . قال أبو محمد : وهذا صحيح ، وبه نأخذ ، إلا أنه ليس فيه إسقاطها عن المسلم في الكفار من رقيقه ولا إيجابها ، فلو لم يكن إلا هذا الخبر وحده لما وجبت علينا زكاة الفطر إلا عن المسلمين من رقيقنا فقط . ولكن وجدنا حدثناه يوسف بن عبد الله النمري قال ثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي القاضي ثنا يحيى بن مالك بن عائذ ثنا محمد بن سليمان بن أبي الشريف ثنا محمد بن مكي الخولاني ، وإبراهيم بن إسماعيل الغافقي قالا جميعا : ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا سعيد بن أبي مريم أخبرني نافع بن يزيد عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { ليس على المسلم في فرسه وعبده صدقة ، إلا صدقة الفطر في الرقيق } وقد رويناه من غير هذه الطريق . قال أبو محمد : فأوجب عليه الصلاة والسلام صدقة الفطر على المسلم في رقيقه عموما ، فكان هذا زائدا على حديث أبي سعيد الخدري ، وكان باقي حديث أبي سعيد بعض ما في هذا الحديث ، لا معارضا له أصلا ، فلم يجز خلاف هذا الخبر . وبهذا الخبر تأدية زكاة الفطر على السيد عن رقيقه ، لا على الرقيق ؟ وبه أيضا يسقط ما ادعوه من زكاة التجارة في الرقيق ، لأنه عليه السلام أبطل كل زكاة في الرقيق إلا زكاة الفطر ؟ والعجب كل العجب من أن أبا حنيفة وأصحابه أتوا إلى زكاتين مفروضتين ، إحداهما في المواشي ، والأخرى زكاة الفطر في الرقيق - : فأسقطوا بإحداهما زكاة التجارة في المواشي المتخذة للتجارة ، وأسقطوا الأخرى بزكاة التجارة في الرقيق وحسبك بهذا تلاعبا ؟ والعجب أنهم غلبوا ما روي في بعض الأخبار { في سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة } ولم يغلبوا ما جاء في بعض الأخبار في أن { صدقة الفطر على كل حر أو عبد صغير أو كبير أو أنثى من المسلمين } على ما جاء في سائر الأخبار { إلا صدقة الفطر في الرقيق } وهذا تحكم فاسد وتناقض ولا بد من تغليب الأعم على الأخص في كل موضع ، إلا أن يأتي بيان نص في الأخص بنفي ذلك الحكم في الأعم - وبالله تعالى التوفيق .

706 - مسألة : فإن كان عبد أو أمة بين اثنين فصاعدا فعلى سيديهما إخراج زكاة الفطر ، يخرج عن كل واحد من مالكيه بقدر حصته ، وكذلك إن كان الرقيق كثيرا بين سيدين فصاعدا ؟ وقال أبو حنيفة ، والحسن بن حي ، وسفيان الثوري : ليس على سيديه ولا عليه أداء زكاة الفطر ، وكذلك لو كثر الرقيق المشترك ؟ وقال مالك ، والشافعي : يخرج عنه سيداه بقدر ما يملك كل واحد منهما ، وكذلك لو كثر الرقيق ؟ قال أبو محمد : ما نعلم لمن أسقط عنه صدقة الفطر وعن سيده حجة أصلا ، إلا أنهم قالوا : ليس أحد من سيديه يملك عبدا ، ولا أمة - وقال بعضهم : من ملك بعض الصاع لم يكن عليه أداؤه ، فكذلك من ملك بعض عبد ، أو بعض كل عبد ، أو أمة من رقيق كثير ؟ قال أبو محمد : أما قولهم : لا يملك عبدا ، ولا أمة فصدقوا ، ولا حجة لهم فيه ، لأن رسول الله ﷺ لم يقل : يخرجها كل أحد عن عبده وأمته ، وإنما قال { ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } فهؤلاء رقيق ، والعبد المشترك رقيق ، فالصدقة فيه واجبة بنص الخبر المذكور على المسلم ، وهذا اسم يعم النوع كله وبعضه ، ويقع على الواحد والجميع ، وبهذا النص لم يجز في الرقبة الواجبة نصفا رقبتين ، لأنه لا يقع عليهما اسم " رقبة " والنص جاء بعتق رقبة ؟ وقال الحنفيون : من أعطى نصفي شاتين في الزكاة أجزأته ، ولو أعتق نصفي رقبتين في رقبة واحدة لم يجزه ؟ وقال محمد بن الحسن : من كان من مملوك بين اثنين فصاعدا فعلى ساداته فيه زكاة الفطر ؛ فإن كان عبدان فصاعدا عن اثنين فلا صدقة فطر على الرقيق ولا على من يملكهم ؟ وأما قولهم : إنه قياس على من لم يجد إلا بعض الصاع فالقياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأنه قياس للخطأ على الخطأ ، بل من قدر على بعض صاع لزمه أداؤه ، على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى . وقد روينا من طريق وكيع عن سفيان عن أبي الحويرث عن محمد بن عمار عن أبي هريرة قال : ليس زكاة الفطر إلا عن مملوك تملكه ، قال وكيع : يعني في المملوك بين الرجلين ، وهذا مما خالف فيه المالكيون صاحبا لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ، وهذا مما خالف فيه الحنفيون حكم رسول الله ﷺ في إيجابه صدقة الفطر على كل حر ، وعبد ، صغير ، وكبير ذكر أو أنثى ، وخالفوا فيه القياس ؛ لأنهم أوجبوا الزكاة في الغنم المشتركة وأسقطوا زكاة الفطر عن الرقيق المشترك .

707 مسألة : وأما المكاتب الذي لم يؤد شيئا من كتابته فهو عبد ، يؤدي سيده عنه زكاة الفطر . فإن أدى من كتابته ما قل أو كثر ، أو كان عبد بعضه حر وبعضه رقيق ، أو أمة كذلك - : فإن الشافعي قال فيمن بعضه حر وبعضه مملوك : على مالك بعضه إخراج صدقة الفطر عنه بمقدار ما يملك منه ؛ وعليه أن يخرج عن نفسه بمقدار ما فيه من الحرية ، ولم يرد على سيد المكاتب أن يعطي زكاة الفطر عن مكاتبه . وقال مالك : يؤدي السيد زكاة الفطر عن مكاتبه وعن مقدار ما يملك عن الذي بعضه حر وبعضه رقيق وليس على الذي بعضه رقيق وبعضه حر أن يخرج باقي الصاع عن بعضه الحر . وقال أبو حنيفة : لا تجب زكاة الفطر في شيء من ذلك ، لا على المكاتب ولا على سيده . واحتج من لم ير على السيد أداء الزكاة عن مكاتبه برواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان يؤدي زكاة الفطر عن رقيقه ورقيق امرأته ، وكان له مكاتب فكان لا يؤدي عنه ، وكان لا يرى على المكاتب زكاة . قالوا : وهذا صاحب لا مخالف له يعرف من الصحابة . قال أبو محمد : لا حجة فيمن دون رسول الله ﷺ والعجب كل العجب أن الحنفيين المحتجين بهذا الأثر أول مخالف له فلم يوجبوا على المرء إخراج صدقة الفطر عن رقيق امرأته ومن العجب أن يكون فعل ابن عمر بعضه حجة وبعضه ليس بحجة فإن قالوا : لعله كان يتطوع بإخراجها عن رقيق المرأة ؟ قيل : ولعل ذلك المكاتب كلفه إخراجها من كسبه ، كما للمرء أن يكلف ذلك عبده ، كما يكلفه الضريبة ؛ ولعله كان يرى أن يخرجها المكاتب عن نفسه ؛ ولعله قد رجع عن قوله في ذلك ، فكل هذا يدخل فيه " لعل " . وأما قول مالك فظاهر الخطأ ؛ لأنه جعل زكاة الفطر نصف صاع ؛ أو عشر صاع ، أو تسعة أعشار صاع فقط ، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى فيها ، وأوجبها على بعض إنسان دون سائره ، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى فيها ؟ وأما قول الشافعي فخطأ ؛ لأنه أوجب الزكاة في الفطر فيمن لا يقع عليه اسم رقيق ممن بعضه حر وبعضه عبد ، وهذا ما لم يأت به نص ولا إجماع . قال أبو محمد : والحق من هذا أن رسول الله ﷺ أوجبها على الحر ، والعبد ، والذكر ، والأنثى ، والصغير ، والكبير من المسلمين ، فمن بعضه حر وبعضه عبد فليس حرا ، ولا هو أيضا عبد ، ولا هو رقيق ، فسقط بذلك عن أن يجب على مالك بعضه عنه شيء ، ولكنه ذكر ، أو أنثى ، صغير ، أو كبير فوجبت عليه صدقة الفطر عن نفسه ولا بد بهذا النص . وهو قول أبي سليمان - وبالله تعالى التوفيق . وأما قولنا في المكاتب يؤدي بعض كتابته إنه يؤديها عن نفسه - : فهو لأن بعضه حر وبعضه مملوك كما ذكرنا ؛ فإذ هو كذلك كما ذكرنا فعليه إخراجها عن نفسه لما ذكرنا ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى الدمشقي ثنا يزيد هو ابن هارون - أنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني ، وقتادة ، قال قتادة : عن خلاس عن علي بن أبي طالب ، وقال أيوب : عن عكرمة عن ابن عباس ، ثم اتفق علي ، وابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال : { المكاتب يعتق منه بمقدار ما أدى ويقام عليه الحد بمقدار ما عتق منه } وهذا إسناد في غاية الصحة ؟ وهو قول علي بن أبي طالب وغيره . وروينا عن الحسن : أن على المكاتب صدقة الفطر . وعن ميمون بن مهران ، وعطاء : يؤديها عنه سيده .

708 - مسألة : ولا يجزئ إخراج بعض الصاع شعيرا وبعضه تمرا ، ولا تجزئ قيمة أصلا ؛ لأن كل ذلك غير ما فرض رسول الله ﷺ والقيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا بتراض منهما ، وليس للزكاة مالك بعينه فيجوز رضاه ، أو إبراؤه .

709 - مسألة : وليس على الإنسان أن يخرجها عن أبيه ، ولا عن أمه ، ولا عن زوجته ، ولا عن ولده ، ولا أحد ممن تلزمه نفقته ، ولا تلزمه إلا عن نفسه ، ورقيقه فقط . ويدخل في : الرقيق أمهات الأولاد ، والمدبرون ، غائبهم وحاضرهم . وهو قول أبي حنيفة ، وأبي سليمان ، وسفيان الثوري ، وغيرهم . وقال مالك ، والشافعي : يخرجها عن زوجته ، وعن خادمها التي لا بد لها منها ولا يخرجها عن أجيره . وقال الليث : يخرجها عن زوجته ، وعن أجيره الذي ليست أجرته معلومة ، فإن كانت أجرته معلومة فلا يلزمه إخراجها عنه ، ولا عن رقيق امرأته . قال أبو محمد : ما نعلم لمن أوجبها على الزوج عن زوجته وخادمها إلا خبرا رواه إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه { أن رسول الله ﷺ فرض صدقة الفطر على كل حر ، أو عبد ، ذكر ، أو أنثى ، ممن تمونون } . قال أبو محمد : وفي هذا المكان عجب عجيب وهو أن الشافعي لا يقول بالمرسل ، ثم أخذ هاهنا بأنتن مرسل في العالم ، من رواية ابن أبي يحيى . وحسبنا الله ونعم الوكيل . وأبو حنيفة وأصحابه يقولون : المرسل كالمسند ، ويحتجون برواية كل كذاب ، وساقط ؛ ثم تركوا هذا الخبر وعابوه بالإرسال وبضعف راويه وتناقضوا فقالوا : لا يزكي زكاة الفطر عن زوجته ، وعليه - فرض - أن يضحي عنها فحسبكم بهذا تخليطا . وأما تقسيم الليث فظاهر الخطأ . وأما المالكيون فاحتجوا بهذا الخبر ثم خالفوه ؛ فلم يروا أن يؤدي زكاة الفطر عن الأجير ، وهو ممن يمون ؟ قال أبو محمد : إيجاب رسول الله ﷺ زكاة الفطر على الصغير ، والكبير ، والحر ، والعبد ، والذكر ، والأنثى : هو إيجاب لها عليهم ، فلا تجب على غيرهم فيه إلا من أوجبه النص ، وهو الرقيق فقط ، قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . قال أبو محمد : وواجب على ذات الزوج إخراج زكاة الفطر عن نفسها وعن رقيقها ، بالنص الذي أوردنا - وبالله تعالى التوفيق ؟

710 - مسألة : ومن كان من العبيد له رقيق فعليه إخراجها عنهم لا على سيده ، لما ذكرنا من قول رسول الله ﷺ : { ليس على المسلم في فرسه ، ولا عبده صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } . فالعبد مسلم وهو رقيق لغيره ، وله رقيق ، فعلى من هو له رقيق أن يخرجها عنه ؛ وعليه أن يخرجها عن رقيقه بالنص المذكور - وبالله تعالى التوفيق . فإن قيل : كيف لا يلزمه عن نفسه وتلزمه عن غيره ؟ قلنا : كما حكم في ذلك رب العالمين على لسان نبيه ﷺ . ثم نقول للمالكيين ، والشافعيين : أنتم تقولون بهذا حيث تخطئون ، فتقولون : إن الزوجة لا تخرجها عن نفسها ، وعليها أن تخرجها عن رقيقها حاشا من لا بد لها منه لخدمتها ؟ ولوددنا أن نعرف ما يقول الحنفيون في نصراني أسلمت أم ولده أو عبده فحبس ليباع فجاء الفطر ، على من صدقة الفطر عنهما ؟ وهاتان المسألتان لا تقعان في قولنا أبدا ؛ لأنه ساعة تسلم أم ولده أو عبده : عتقا في الوقت .

711 - مسألة : ومن له عبدان فأكثر فله أن يخرج عن أحدهما تمرا وعن الآخر شعيرا ، صاعا صاعا . وإن شاء التمر عن الجميع ، وإن شاء الشعير عن الجميع ؛ لأنه نص الخبر المذكور ؟

712 - مسألة : وأما الصغار فعليهم أن يخرجها الأب ، والولي عنهم من مال إن كان لهم ، وإن لم يكن لهم مال فلا زكاة فطر عليهم حينئذ ، ولا بعد ذلك ؟ وقال أبو حنيفة : يؤديها الأب عن ولده الصغار الذين لا مال لهم ؛ فإن كان لهم مال ، فإن أداها من مالهم كرهت له ذلك وأجزأه ؟ قال : ويؤديها عن اليتيم وصيه من مال اليتيم ، وعن رقيق اليتيم أيضا ؟ وقال زفر ، ومحمد بن الحسن : ليس على اليتيم زكاة الفطر ، كان له مال ، أو لم يكن ؛ فإن أداها وصيه ضمنها ؟ وقال مالك : على الأب أن يؤدي زكاة الفطر عن ولده الصغار إن لم يكن لهم مال ، فإن كان لهم مال فهي في أموالهم ؛ وهي على اليتيم في ماله . وهو قول الشافعي . ولم يختلفوا في أن الأب لا يؤديها عن ولده الكبار ، كان لهم مال ، أو لم يكن . قال أبو محمد : ما نعلم لهم حجة أصلا ، إلا الدعوى : في أن القصد بذكر الصغار إنما هو إلى آبائهم لا إليهم ؟ قال أبو محمد : وهذه دعوى في غاية الفساد ، لأنه إذا لم يقصد بالخطاب إليهم في إيجاب زكاة الفطر ، وإنما قصد إلى غيرهم - : فمن جعل الآباء مخصوصين بذلك دون سائر الأولياء ، والأقارب ، والجيران ، والسلطان ؟ فإن قالوا : لأن الأب ينفق عليهم رجع الحنيفيون إلى ما أنكروا من ذلك ؟ ويلزم المالكيين ، والشافعيين في هذا أن يؤديها الأب - أحب أم كره - عنهم ، كان لهم مال ، أو لم يكن ؛ لأنه هو المخاطب بذلك دونهم . فوضح فساد هذا القول بيقين . والحق في هذا أن الله تعالى فرضها على لسان نبيه ﷺ على : الكبير ، والصغير ، فمن فرق بين حكميهما فقد قال الباطل ، وادعى على رسول الله ﷺ ما لم يقله ، ولا دل عليه ؟ ثم وجدنا الله تعالى يقول : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . فوجدنا من لا مال له - من كبير أو صغير - ليس في وسعه أداء زكاة الفطر ؛ فقد صح أنه لم يكلفها قط ، ولما كان لا يستطيعها لم يكن مأمورا بها ، بنص كلامه عليه الصلاة والسلام وهي لازمة لليتيم إذا كان له مال ، وإنما قلنا : إنها لا تلزمه بعد ذلك فلأن زكاة الفطر محدودة بوقت محدود الطرفين ، بخلاف سائر الزكوات ، فلما خرج وقتها لم يجز أن تجب بعد خروج وقتها وفي غير وقتها ؛ لأنه لم يأت بإيجابها بعد ذلك نص ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .

713 - مسألة : والذي لا يجد من أين يؤدي زكاة الفطر فليست عليه ؛ لما ذكرنا في المسألة التي قبل هذه ، ولا تلزمه وإن أيسر بعد ذلك ؛ لما ذكر أيضا ؟ فمن قدر على التمر ولم يقدر على الشعير لغلائه ، أو قدر على الشعير ولم يقدر على التمر لغلائه - : أخرج صاعا ولا بد من الذي يقدر عليه ، لما ذكرنا أيضا . فإن لم يقدر إلا على بعض صاع أداه ولا بد ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ولقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وهو واسع لبعض الصاع ، فهو مكلف إياه ، وليس واسعا لبعضه ، فلم يكلفه . وهذا مثل الصلاة ، يعجز عن بعضها ويقدر على بعضها ، ومثل الدين ، يقدر على بعضه ولا يقدر على سائره ؟ وليس هذا مثل الصوم ، يعجز فيه عن تمام اليوم ، أو تمام الشهرين المتتابعين ؛ ولا مثل الرقبة الواجبة ، والإطعام الواجب في الكفارات ، والهدي الواجب ، يقدر على البعض من كل ذلك ولا يقدر على سائره ؛ فلا يجزئه شيء منه . لأن من افترض عليه صاع في زكاة الفطر فلا خلاف في أنه جائز له أن يخرج بعضه ثم بعضه ثم بعضه . ولا يجوز تفريق اليوم ، ولا يسمى من لم يتم صوم اليوم صائم يوم ، إلا حيث جاء به النص فيجزئه حينئذ ؟ وأما بعض الرقبة فإن الله تعالى نص بتعويض الصيام من الرقبة إذا لم توجد فلم يجز تعدي النص ، وكان معتق بعض رقبة مخالفا لما أمر به وافترض عليه من الرقبة التامة ، أو من الإطعام المعوض منها ، أو الصيام المعوض منها . وأما بعض الشهرين فمن بعضها ، أو فرقهما فلم يأت بما أمر به متتابعا ، فهو عليه أو عوضه حيث جاء النص بالتعويض منه . وأما الهدي فإن بعض الهدي مع بعض هدي آخر لا يسمى هديا ، فلم يأت بما أمر به ؛ فهو دين عليه حتى يقدر عليه ؟ وأما الإطعام فيجزئه ما وجد منه حتى يجد باقيه ؛ لأنه لم يأت مرتبطا بوقت محدود الآخر - وبالله تعالى التوفيق .

714 - مسألة : وتجب زكاة الفطر على السيد عن عبده المرهون ، والآبق ، والغائب ، والمغصوب ، لأنهم رقيقه ، ولم يأت نص بتخصيص هؤلاء . وللسيد إن كان للعبد مال أو كسب أن يكلفه إخراج زكاة الفطر من كسبه أو ماله ، لأن له انتزاع مال متى شاء ، وله أن يكلفه الخراج بالنص والإجماع ، فإذا كان له ذلك فله أن يأمره بأن يصرف ما كلفه من ذلك فيما شاء .

715 - مسألة : والزكاة للفطر واجبة على المجنون إن كان له مال ؛ لأنه ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، صغير أو كبير .

716 - مسألة : ومن كان فقيرا فأخذ من زكاة الفطر أو غيرها مقدار ما يقوم بقوت يومه وفضل له منه ما يعطي في زكاة الفطر - : لزمه أن يعطيه . وهو قول عطاء ، وأبي سليمان ، والشافعي . وقال أبو حنيفة : من له أقل من مائتي درهم فليس عليه زكاة الفطر ، وله أخذها ، ومن كان له مائتا درهم فعليه أن يؤديها . وقال سفيان : من له خمسون درهما فهو غني ، ومن لم يكن له خمسون درهما فهو فقير . وقال غيرهما : من له أربعون درهما فهو غني ، فإن كان له أقل فهو فقير ؟ وقال آخرون : من له قوت يومه فهو غني ؟ قال أبو محمد : سنتكلم بعد هذا - إن شاء تعالى - في هذه الأقوال ، وأما هاهنا فإن تخصيص الفقير بإسقاط صدقة الفطر عنه - إذا كان واجدا لمقدارها أو لبعضه - قول لا يجوز ؛ لأنه لم يأت به نص ، نعني بإسقاطها عن الفقير ، وإنما جاء النص بإسقاط تكليف ما ليس في الوسع فقط ؛ فإذا كانت في وسع الفقير فهو مكلف إياها بعموم قوله عليه السلام : { على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير } . وقد روينا عن عطاء في الفقير : أنه يأخذ الزكاة ويعطيها ؟

717 - مسألة : ومن أراد إخراج زكاة الفطر عن ولده الصغار أو الكبار أو عن غيرهم - : لم يجز له ذلك إلا بأن يهبها لهم ، ثم يخرجها عن الصغير ، والمجنون ، ولا يخرجها عمن يعقل من البالغين إلا بتوكيل منهم له على ذلك . برهان ذلك - : ما قدمنا من أن الله تعالى إنما فرضها عليه فيما يجد مما هو قادر على إخراجها منه ، أو يكون وليه قادرا على إخراجها منه ، ولا يكون مال غيره مكانا لأداء الفرض عنه ؛ إذ لم يأت بذلك نص ولا إجماع ؛ فإذا وهبها له فقد صار مالكا لمقدارها ، فعليه إخراجها ، فأما من لم يبلغ ؛ ولا يعقل ؛ فلقول الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } . وأما البالغ فلقول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } وبالله تعالى التوفيق .

718 - مسألة : ووقت زكاة الفطر - الذي لا تجب قبله ، إنما تجب بدخوله ، ثم لا تجب بخروجه - : فهو إثر طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر ، ممتدا إلى أن تبيض الشمس وتحل الصلاة من ذلك اليوم نفسه ؛ فمن مات قبل طلوع الفجر من اليوم المذكور فليس عليه زكاة الفطر ، ومن ولد حين ابيضاض الشمس من يوم الفطر فما بعد ذلك ، أو أسلم كذلك - : فليس عليه زكاة الفطر ، ومن مات بين هذين الوقتين أو ولد أو أسلم أو تمادت حياته وهو مسلم - : فعليه زكاة الفطر ، فإن لم يؤدها وله من ابن يؤديها فهي دين عليه أبدا حتى يؤديها متى أداها . وقال الشافعي : وقتها مغيب الشمس من آخر يوم من رمضان ، فمن ولد ليلة الفطر أو أسلم فلا زكاة فطر عليه ، ومن مات فيها فهي عليه . وقال أبو حنيفة : وقتها انشقاق الفجر من يوم الفطر ، فمن مات قبل ذلك ، أو ولد بعد ذلك ، أو أسلم بعد ذلك فلا زكاة فطر عليه . وقال مالك مرة كقول الشافعي في رواية أشهب عنه ، ومرة قال : إن من ولد يوم الفطر فعليه زكاة الفطر . قال أبو محمد أما من رأى وقتها غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فإنه قال : هي زكاة الفطر ، وذلك هو الفطر من صوم رمضان والخروج عنه جملة . وقال الآخرون الذين رأوا وقتها طلوع الفجر من يوم الفطر : إن هذا هو وقت الفطر ، لا ما قبله ؛ لأنه في كل ليلة كان يفطر كذلك ثم يصبح صائما فإنما أفطر من صومه صبيحة يوم الفطر ، لا قبله ، وحينئذ دخل وقتها باتفاق منا ومنكم . قال أبو محمد : قال الله عز وجل : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } . فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال { أمر رسول الله ﷺ بإخراج زكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى } . قال أبو محمد : فهذا وقت أدائها بالنص ، وخروجهم إليها إنما هو لإدراكها ، ووقت صلاة الفطر هو جواز الصلاة بابيضاض الشمس يومئذ فإذا تم الخروج إلى صلاة الفطر بدخولهم في الصلاة فقد خرج وقتها ؟ وبقي القول في أول وقتها : فوجدنا الفطر المتيقن إنما هو بطلوع الفجر من يوم الفطر ؛ وبطل قول من جعل وقتها غروب الشمس من أول ليلة الفطر ؛ لأنه خلاف الوقت الذي أمر عليه السلام بأدائها فيه . قال أبو محمد : فمن لم يؤدها حتى خرج وقتها فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له ، فهي دين لهم ، وحق من حقوقهم ، وقد وجب إخراجها من مال وحرم عليه إمساكها في ماله ، فوجب عليه أداؤها أبدا ، وبالله تعالى التوفيق ، ويسقط بذلك حقهم ، ويبقى حق الله تعالى في تضييعه الوقت ، لا يقدر على جبره إلا بالاستغفار والندامة - وبالله تعالى نتأيد . ولا يجوز تقديمها قبل وقتها أصلا . فإن ذكروا خبر { أبي هريرة إذ أمره رسول الله ﷺ بالمبيت على صدقة الفطر فأتاه الشيطان ليلة ، وثانية ، وثالثة } - : فلا حجة لهم فيه ، لأنه لا تخلو تلك الليالي أن تكون من رمضان أو من شوال ، ولا يجوز أن تكون من رمضان ، لأنه ليس ذلك في الخبر ، ولا يظن برسول الله ﷺ أنه حبس صدقة وجب أداؤها عن أهلها ، وإن كانت من شوال فلا يمنع من ذلك ؛ إذ لم يكمل وحبس وجود أهلها ؛ وفي تأخيره عليه الصلاة والسلام إعطاءها برهان على أن وقت إخراجها لم يحن بعد ، فإن كان ذلك في ليالي رمضان فلم يخرجها عليه السلام . فصح أنه لم يجز تقديمها قبل وقتها ولا يجزئ ؛ وإن كانت من ليالي شوال فبلا شك أن أهلها لم يوجدوا ، فتربص عليه الصلاة والسلام وجودهم . فبطل تعلقهم بهذا الخبر ؟



719 - مسألة : ومن تولى تفريق زكاة ماله أو زكاة فطره أو تولاها الإمام أو أميره - : فإن الإمام ، أو أميره : يفرقانها ثمانية أجزاء مستوية : للمساكين سهم ، وللفقراء سهم ، وفي المكاتبين وفي عتق الرقاب سهم ، وفي سبيل الله تعالى سهم ، ولأبناء السبيل سهم ، وللعمال الذين يقبضونها سهم ، وللمؤلفة قلوبهم سهم . وأما من فرق زكاة ماله ففي ستة أسهم كما ذكرنا ، ويسقط : سهم العمال ، وسهم المؤلفة قلوبهم . ولا يجوز أن يعطي من أهل سهم أقل من ثلاثة أنفس ، إلا أن لا يجد ، فيعطي من وجد ؟ ولا يجوز أن يعطي بعض أهل السهام دون بعض ، إلا أن يجد ، فيعطي من وجد ؟ ولا يجوز أن يعطي منها كافرا ، ولا أحدا من بني هاشم ، والمطلب ابني عبد مناف ، ولا أحدا من مواليهم ؟ فإن أعطى من ليس من أهلها - عامدا أو جاهلا - لم يجزه ، ولا جاز للآخذ ، وعلى الآخذ أن يرد ما أخذ ، وعلى المعطي أن يوفي ذلك الذي أعطى في أهله ؟ برهان ذلك - : قول الله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } . وقال بعضهم : يجزئ أن يعطي المرء صدقته في صنف واحد منها ؟ واحتجوا بأنه لا يقدر على عموم جميع الفقراء وجميع المساكين . فصح أنها في البعض . قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . ولقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . فصح أن ما عجز عنه المرء فهو ساقط عنه ، وبقي عليه ما استطاع ، لا بد له من إيفائه ؛ فسقط عموم كل فقير وكل مسكين ، وبقي ما قدر عليه من جميع الأصناف ، فإن عجز عن بعضها سقط عنه أيضا ؛ ومن الباطل أن يسقط ما يقدر عليه من أجل أنه سقط عنه ما لا يقدر عليه ؟ وذكروا حديث الذهيبة التي قسمها عليه الصلاة والسلام بين الأربعة ؟ قال أبو محمد : وقد ذكرنا هذا الخبر ، وأنه لم تكن تلك الذهيبة من الصدقة أصلا ؛ لأنه ليس ذلك في الحديث أصلا ؛ ولا يمتنع أن يعطى عليه الصلاة والسلام المؤلفة قلوبهم من غير الصدقة ، بل قد أعطاهم من غنائم حنين . وذكروا حديث سليمان بن يسار { عن سلمة بن صخر أن رسول الله ﷺ أعطاه صدقة بني زريق } . قال أبو محمد : وهذا مرسل ، ولو صح لم يكن لهم فيه حجة ، لأنه ليس فيه : أن رسول الله ﷺ حرم سائر الأصناف من سائر الصدقات ؟ وادعى قوم : أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط ؟ قال أبو محمد : وهذا باطل ، بل هم اليوم أكثر ما كانوا ، وإنما يسقطون هم والعاملون إذا تولى المرء قسمة صدقة نفسه ؛ لأنه ليس هنالك عاملون عليها ، وأمر المؤلفة إلى الإمام لا إلى غيره . قال أبو محمد : لا يختلفون في أن من أمر لقوم بمال - وسماهم - أنه لا يحل أن يخص به بعضهم دون بعض ، فمن المصيبة قول من قال : إن أمر الناس أوكد من أمر الله تعالى - : حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ثنا عبد الله بن الحسين بن عقال ثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ثنا محمد بن الجهم ثنا محمد بن مسلمة ثنا يعقوب بن محمد ثنا رفاعة عن جده : { أن بعض الأمراء استعمل رافع بن خديج على صدقة الماشية ، فأتاه لا شيء معه فسأله ؟ فقال رافع إن عهدي برسول الله ﷺ حديث وإني جزيتها ثمانية أجزاء فقسمتها ، وكذلك كان رسول الله ﷺ يصنع } . وصح عن ابن عباس أنه قال في الزكاة : ضعوها مواضعها ؟ وعن إبراهيم النخعي ، والحسن مثل ذلك . وعن أبي وائل مثل ذلك ، وقال في نصيب المؤلفة قلوبهم رده على الآخرين . وعن سعيد بن جبير : ضعها حيث أمرك الله . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وقول ابن عمر ، ورافع ، كما أوردنا ، وروينا القول الثاني عن حذيفة ؛ وعطاء ، وغيرهما . وأما قولنا : لا يجزئ أقل من ثلاثة من كل صنف إلا أن لا يجد - : فلأن اسم الجمع : لا يقع إلا على ثلاثة فصاعدا ، ولا يقع على واحد ، وللتثنية بنية في اللغة ، تقول : مسكين للواحد ، ومسكينان للاثنين ، ومساكين للثلاثة ، فصاعدا ، وكذلك اسم الفقراء وسائر الأسماء المذكورة في الآية ؟ وهو قول الشافعي ، وغيره . وأما أن لا يعطي كافرا فلما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن زكرياء بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس { أن النبي ﷺ بعث معاذا إلى اليمن وقال له في حديث فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم } . فإنما جعلها عليه الصلاة والسلام لفقراء المسلمين فقط . وأما بنو هاشم ، وبنو المطلب فلما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب " أن رسول الله ﷺ قال له وللفضل بن عباس بن عبد المطلب { إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ القوم ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد } . قال أبو محمد : فاختلف الناس في : من هم آل محمد ؟ فقال قوم : هم بنو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقط ، لأنه لا عقب لهاشم من غير عبد المطلب ، واحتجوا بأنهم آل محمد بيقين ، لأنه لا عقب لعبد الله والد رسول الله ﷺ فلم يبق له عليه الصلاة والسلام أهل إلا ولد العباس ، وأبي طالب ، والحارث ؛ وأبي لهب : بني عبد المطلب فقط ؛ وقال آخرون : بل بنو عبد المطلب بن هاشم ، وبنو المطلب بن عبد مناف فقط ومواليهم . وقال أصبغ بن الفرج المالكي : آل محمد : جميع قريش ، وليس الموالي منهم . قال أبو محمد : فوجب النظر في ذلك - : فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع قال ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يحيى وهو ابن سعيد القطان - ثنا شعبة ثنا الحكم هو ابن عتيبة - عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه { أن رسول الله ﷺ استعمل رجلا من بني مخزوم على الصدقة ، فأراد أبو رافع أن يتبعه ، فقال رسول الله ﷺ إن الصدقة لا تحل لنا ، وإن مولى القوم منهم } . فبطل قول من أخرج الموالي من حكمهم في تحريم الصدقة . ووجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أخبرني { جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله ﷺ فيما قسم من الخمس بين بني هاشم ، وبني عبد المطلب ، فقلت : يا رسول الله ، قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا ، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة ؟ فقال رسول الله ﷺ إنما بنو هاشم ، وبنو المطلب شيء واحد } . فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكمهم في شيء أصلا ؛ لأنهم شيء واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام ؛ فصح أنهم آل محمد ، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام ؛ فيخرج بنو عبد شمس ، وبنو نوفل ابني عبد مناف ، وسائر قريش عن هذين : البطنين - وبالله تعالى التوفيق . ولا يحل لهذين البطنين صدقة فرض ولا تطوع أصلا ، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : { لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد } فسوى بين نفسه وبينهم ، وأما ما لا يقع عليه اسم صدقة مطلقة فهو حلال لهم ، كالهبة ، والعطية ، والهدية ، والنحل ، والحبس ، والصلة ، والبر ، وغير ذلك ، لأنه لم يأت نص بتحريم شيء من ذلك عليهم وأما قولنا : لا تجزئ إن وضعت في يد من لا تجوز له - فلأن الله تعالى سماها لقوم خصهم بها ؛ فصار حقهم فيها ؛ فمن أعطى منها غيرهم فقد خالف ما أمر الله تعالى به . وقال رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فوجب على المعطي إيصال ما عليه إلى من هو له ، ووجب على الآخذ رد ما أخذ بغير حق . قال تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } .

720 - مسألة : الفقراء هم الذين لا شيء لهم أصلا . والمساكين : هم الذين لهم شيء لا يقوم بهم . برهان ذلك - : أنه ليس إلا موسر ، أو غني ، أو فقير ، أو مسكين ، في الأسماء . ومن له فضل عن قوته . ومن لا يحتاج إلى أحد وإن لم يفضل عنه شيء . ومن له ما لا يقوم بنفسه منه . ومن لا شيء له فهذه مراتب أربع معلومة بالحس . فالموسر بلا خلاف : هو الذي يفضل ماله عن قوته وقوت عياله على السعة . والغني : هو الذي لا يحتاج إلى أحد وإن كان لا يفضل عنه شيء ؛ لأنه في غنى عن غيره . وكل موسر غني ، وليس كل غني موسرا - : فإن قيل : لم فرقتم بين المسكين ، والفقير ؟ قلنا : لأن الله تعالى فرق بينهما ، ولا يجوز أن يقال في شيئين فرق الله تعالى بينهما : إنهما شيء واحد ، إلا بنص أو إجماع أو ضرورة حس ؛ فإذ ذلك كذلك فإن الله تعالى يقول : { وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } سماهم الله تعالى مساكين ولهم سفينة ؛ ولو كانت تقوم بهم لكانوا أغنياء بلا خلاف . فصح اسم المسكين بالنص لمن هذه صفته . وبقي القسم الرابع : وهو من لا شيء له أصلا ؛ ولم يبق له من الأسماء إلا الفقير ، فوجب ضرورة أنه ذاك . وروينا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا نصر بن علي أخبرنا عبد الأعلى ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان ، والتمرة والتمرتان ، قالوا : فما المسكين يا رسول الله ؟ قال : المسكين الذي لا يجد غنى ، ولا يفطن لحاجته فيتصدق عليه } . قال أبو محمد : فصح أن المسكين هو الذي لا يجد غنى إلا أن له شيئا لا يقوم له ، فهو يصبر وينطوي ، وهو محتاج ولا يسأل . وقال تعالى : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } فصح أن الفقير الذي لا مال له أصلا ؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم . ولا يجوز أن يحمل ذلك على بعض أموالهم . فإن قيل : قال الله تعالى : { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } . قلنا : صدق الله تعالى : وقد يلبس المرء في تلك البلاد إزارا ورداء خلقين غسيلين لا يساويان درهما ، فمن رآه كذلك ظنه غنيا ، ولا يعد مالا ما لا بد منه مما يستر العورة ، إذا لم تكن له قيمة - وذكروا قول الشاعر : أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد وهذا حجة عليهم ؛ لأن من كانت حلوبته وفق عياله فهو غني ، وإنما صار فقيرا إذا لم يترك له سبد ، وهو قولنا ؟ والعاملون عليها : هم العمال الخارجون من عند الإمام الواجبة طاعته ، وهم المصدقون ، السعاة ؟ قال أبو محمد : وقد اتفقت الأمة على أنه ليس كل من قال : أنا عامل عاملا ، وقد قال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فكل من عمل من غير أن يوليه الإمام الواجبة طاعته فليس من العاملين عليها ؛ ولا يجزئ دفع الصدقة إليه ، وهي مظلمة ، إلا أن يكون يضعها مواضعها ، فتجزئ حينئذ ؛ لأنها قد وصلت إلى أهلها . وأما عامل الإمام الواجبة طاعته فنحن مأمورون بدفعها إليه ؛ وليس علينا ما يفعل فيها ؛ لأنه وكيل ، كوصي اليتيم ولا فرق ، وكوكيل الموكل سواء سواء . والمؤلفة قلوبهم : هم قوم لهم قوة لا يوثق بنصيحتهم للمسلمين فيتألفون بأن يعطوا من الصدقات ، ومن خمس الخمس والرقاب : هم المكاتبون ، والعتقاء ؛ فجائز أن يعطوا من الزكاة . وقال مالك : لا يعطى منها المكاتب . وقول غيره : يعطى منها ما يتم به كتابته . وقال أبو محمد : وهذان قولان لا دليل على صحتهما ؟ وبأن المكاتب يعطى من الزكاة يقول أبو حنيفة ، والشافعي ؟ وجاز أن يعطى منها مكاتب الهاشمي ، والمطلبي ؛ لأنه ليس منهما ، ولا مولى لهما ما لم يعتق كله ؟ وإن أعتق الإمام من الزكاة رقابا فولاؤها للمسلمين لأنه لم يعتقها من مال نفسه ولا من مال باق في ملك المعطي الزكاة . فإن أعتق المرء من زكاة نفسه فولاؤها له ؛ لأنه أعتق من ماله ، وعبد نفسه ؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام : { إنما الولاء لمن أعتق } وهو قول أبي ثور . وروينا عن ابن عباس : أعتق من زكاتك . فإن قيل : إنه إن مات رجع ميراثه إلى سيده . قلنا : نعم هذا حسن ، إذا بلغت الزكاة محلها فرجوعها بالوجوه المباحة حسن ، وهم يقولون فيمن تصدق من زكاته على قريب له ثم مات فوجب ميراثه للمعطي : إنه له حلال ، وإن كان فيه عين زكاته . والغارمون : هم الذين عليهم ديون لا تفي أموالهم بها ، أو من تحمل بحمالة وإن كان في ماله وفاء بها ؛ فأما من له وفاء بدينه فلا يسمى في اللغة غارما ؟ - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن النضر بن مساور ثنا حماد بن سلمة عن هارون بن رئاب حدثني كنانة بن نعيم عن قبيصة بن المخارق قال : { تحملت بحمالة فأتيت النبي ﷺ أسأله فيها ؟ فقال : أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، أو قال : سدادا من عيش } وذكر الحديث . وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ - : { لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني } . وقد روي هذا الحديث عن غير معمر فأوقفه بعضهم ، ونقص بعضهم مما ذكر فيه معمر ، وزيادة العدل لا يحل تركها ؟ فإن قيل : قد روي عن رسول الله ﷺ أن الحج من سبيل الله . وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج . قلنا : نعم ، وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى ، إلا أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات ، فلم يجز أن توضع إلا حيث بين النص ، وهو الذي ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق . وابن السبيل : هو من خرج في معصية فاحتاج ؟ وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة : ثنا أبو جعفر عن الأعمش عن حسان عن مجاهد عن ابن عباس : أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل زكاته في الحج وأن يعتق منها النسمة ؟ وهذا مما خالف فيه الشافعيون ، والمالكيون ، والحنفيون : صاحبا ، لا يعرف منهم له مخالف .



721 - مسألة : وجاز أن يعطي المرء منها مكاتبه ومكاتب غيره ، لأنهما من البر ، والعبد المحتاج الذي يظلمه سيده ولا يعطيه حقه ؛ لأنه مسكين ، وقد روينا عن إسماعيل بن علية أنه : أجاز ذلك ؟ ومن كان أبوه ؛ أو أمه ؛ أو ابنه ، أو إخوته ، أو امرأته من الغارمين ، أو غزوا في سبيل الله ؛ أو كانوا مكاتبين - : جاز له أن يعطيهم من صدقته الفرض ؛ لأنه ليس عليه أداء ديونهم ولا عونهم في الكتابة والغزو وكما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء ، ولم يأت نص بالمنع مما ذكرنا . وروينا عن أبي بكر : أنه أوصى عمر فقال : من أدى الزكاة إلى غير أهلها لم تقبل منه زكاة ، ولو تصدق بالدنيا جميعها ، وعن الحسن : لا تجزئ حتى يضعها مواضعها وبالله تعالى التوفيق .

722 - مسألة : وتعطي المرأة زوجها من زكاتها ؛ إن كان من أهل السهام ، صح { عن رسول الله ﷺ أنه أفتى زينب امرأة ابن مسعود إذ أمر بالصدقة فسألته : أيسعها أن تضع صدقتها في زوجها ، وفي بني أخ لها يتامى ؟ فأخبرها عليه الصلاة والسلام أن لها أجرين : أجر الصدقة وأجر القرابة } ؟ .

723 - مسألة : قال أبو محمد : من كان له مال مما يجب فيه الصدقة ، كمائتي درهم أو أربعين مثقالا أو خمس من الإبل أو أربعين شاة أو خمسين بقرة ، أو أصاب خمسة أوسق من بر ، أو شعير ، أو تمر وهو لا يقوم ما معه بعولته لكثرة عياله أو لغلاء السعر - : فهو مسكين ، يعطى من الصدقة المفروضة ، وتؤخذ منه فيما وجبت فيه من ماله ؟ وقد ذكرنا أقوال من حد الغنى بقوت اليوم ، أو بأربعين درهما ، أو بخمسين درهما ، أو بمائتي درهم ؟ واحتج من رأى الغنى بقوت اليوم بحديث رويناه من طريق أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية عن النبي ﷺ : { من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار ، فقيل : وما حد الغنى يا رسول الله ؟ قال : شبع يوم وليلة } . وفي بعض طرقه : { إن يكن عند أهلك ما يغديهم أو ما يعشيهم } . ومن طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل عن أبي كليب العامري عن أبي سلام الحبشي عن سهل بن الحنظلية عن النبي ﷺ : { من سأل مسألة يتكثر بها عن غنى فقد استكثر من النار ، فقيل : ما الغنى ؟ قال : غداء أو عشاء } . قال أبو محمد : وهذا لا شيء ، لأن أبا كبشة السلولي مجهول وابن لهيعة ساقط . واحتج من حد الغنى بأربعين درهما بما رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد : أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : { من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا } . ومن طريق هشام بن عمار عن عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن رسول الله ﷺ أنه قال : { من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف } . قال : " وكانت الأوقية على عهد رسول الله ﷺ أربعين درهما " . ومن طريق ميمون بن مهران : أن امرأة أتت عمر بن الخطاب تسأله من الصدقة . فقال لها : إن كانت لك أوقية فلا تحل لك الصدقة ، قال ميمون : والأوقية حينئذ أربعون درهما . قال أبو محمد : الأول عمن لم يسم ، ولا يدرى صحة صحبته ، والثاني عن عمارة بن غزية وهو ضعيف . وقد كان يلزم المالكيين - المقلدين عمر رضي الله عنه في تحريم المنكوحة في العدة على ذلك الناكح في الأبد ، وقد رجع عمر عن ذلك ، وفي سائر ما يدعون أن خلافه فيه لا يحل كحد الخمر ثمانين ، وتأجيل العنين سنة - : أن يقلدوه هاهنا ، وكذلك الحنفيون ، ولكن لا يبالون بالتناقض واحتج من حد الغنى بخمسين درهما بخبر رويناه من طريق سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ : { من سأل وله ما يغنيه جاءت خموشا أو كدوحا في وجهه يوم القيامة ، وقيل : يا رسول الله ، وما يغنيه . قال : خمسون درهما أو حسابها من الذهب } قال سفيان : وسمعت زبيدا يحدث عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه روينا من طريق هشيم عن الحجاج بن أرطاة عمن حدثه ، وعن الحسن بن عطية ، وعن الحكم بن عتيبة ، قال من حدثه : عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود . وقال الحسن بن عطية : عن سعد بن أبي وقاص ، وقال الحكيم : عن علي بن أبي طالب ، قالوا كلهم ؛ لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما ، قال علي بن أبي طالب : أو عدلها من الذهب ؟ وهو قول النخعي - وبه يقول سفيان الثوري : والحسن بن حي . قال أبو محمد : حكيم بن جبير ساقط ، ولم يسنده زبيد ، ولا حجة في مرسل . ولقد كان يلزم الحنفيين والمالكيين - القائلين بأن المرسل كالمسند والمعظمين خلاف الصاحب ، والمحتجين بشيخ من بني كنانة عن عمر في رد السنة الثابتة من أن المتبايعين لا بيع بينهما حتى يفترقا - : أن لا يخرجوا عن هذين القولين ؛ لأنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة في هذا الباب خلاف لما ذكر فيه عن عمر ، وابن مسعود ، وسعد ، وعلي رضي الله عنهم ، مع ما فيه من المرسل . وأما من حد الغنى بمائتي درهم ، وهو قول أبي حنيفة ، وهو أسقط الأقوال كلها لأنه لا حجة لهم إلا أن قالوا : إن الصدقة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء ، فهذا غني : فبطل أن يكون فقيرا . قال أبو محمد : ولا حجة لهم في هذه لوجوه . أولها : أنهم يقولون بالزكاة على من أصاب سنبلة فما فوقها ، أو من له خمس من الإبل ؛ أو أربعون شاة ، فمن أين وقع لهم أن يجعلوا حد الغنى مائتي درهم ، دون السنبلة ؛ أو دون خمس من الإبل ، أو دون أربعين شاة ، وكل ذلك تجب فيه الزكاة . وهذا هوس مفرط . وهكذا روينا عن حماد بن أبي سليمان قال : من لم يكن عنده مال تبلغ فيه الزكاة أخذ من الزكاة ؟ والثاني : أنهم يلزمهم أن من له الدور العظيمة ، والجوهر ولا يملك مائتي درهم أن يكون فقيرا يحل له أخذ الصدقة . والثالث : أنه ليس في قوله عليه السلام : { تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم } دليل ولا نص بأن الزكاة لا تؤخذ إلا من غني ولا ترد إلا على فقير ، وإنما فيه أنها تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء فقط ، وهذا حق ، وتؤخذ أيضا - بنصوص أخر - من المساكين الذين ليسوا أغنياء ، وترد بتلك النصوص على أغنياء كثير ، كالعاملين ؛ والغارمين ؛ والمؤلفة قلوبهم ، وابن السبيل وإن كان غنيا في بلده . فهذه خمس طبقات أغنياء ، لهم حق في الصدقة ؟ وقد بين الله تعالى ذلك في الصدقة في تفريقه بينهم إذ يقول : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها } إلى آخر الآية فذكر الله تعالى الفقراء والمساكين ثم أضاف إليهم من ليس فقيرا ، ولا مسكينا ؟ وتؤخذ الصدقة من المساكين الذين ليس لهم إلا خمس من الإبل ، وله عشرة من العيال ، وليس له إلا مائتا درهم ، وله عشرة من العيال ، وممن لم يصب إلا خمسة أوسق - لعلها لا تساوي خمسين درهما - وله عشرة من العيال في عام سنة . فبطل تعلقهم بالخبر المذكور ، وظهر فساد هذا القول الذي لا يعلم أن أحدا من الصحابة رضي الله عنهم قاله . وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة عن حفص هو ابن غياث عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال : قال عمر بن الخطاب : إذا أعطيتم فأغنوا - يعني من الصدقة ، ولا نعلم لهذا القول خلافا من أحد من الصحابة . وروينا عن الحسن : أنه يعطى من الصدقة الواجبة من له الدار ، والخادم ، إذا كان محتاجا ؟ وعن إبراهيم نحو ذلك ؟ وعن سعيد بن جبير : يعطى منها من له الفرس ، والدار ؛ والخادم ؟ وعن مقاتل بن حبان : يعطى من له العطاء من الديوان وله فرس ؟ قال أبو محمد : ويعطى من الزكاة الكثير جدا والقليل ، لا حد في ذلك ، إذ لم يوجب الحد في ذلك قرآن ولا سنة ؟

724 - مسألة : قال أبو محمد : إظهار الصدقة - الفرض والتطوع - من غير أن ينوي بذلك رياء : حسن ، وإخفاء كل ذلك أفضل ، وهو قول أصحابنا . وقال مالك : إعلان الفرض أفضل . قال أبو محمد : وهذا فرق لا برهان على صحته . قال الله عز وجل : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } . فإن قالوا : نقيس ذلك على صلاة الفرض ؟ قلنا : القياس كله باطل ؛ فإن قلتم : هو حق ، فأذنوا للزكاة كما يؤذن للصلاة ومن الصلاة غير الفرض ما يعلن بها كالعيدين ، والكسوف ، وركعتي دخول المسجد ، فقيسوا صدقة التطوع على ذلك ؟

725 - مسألة : قال أبو محمد : وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ، ويجبرهم السلطان على ذلك ، إن لم تقم الزكوات بهم ، ولا في سائر أموال المسلمين ، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ، وبمسكن يكنهم من المطر ، والصيف والشمس ، وعيون المارة . وبرهان ذلك : قول الله تعالى : { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } . وقال تعالى : { وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم } . فأوجب تعالى حق المساكين ، وابن السبيل ، وما ملكت اليمين مع حق ذي القربى وافترض الإحسان إلى الأبوين ، وذي القربى ، والمساكين ، والجار ، وما ملكت اليمين ، والإحسان يقتضي كل ما ذكرنا ، ومنعه إساءة بلا شك ؟ وقال تعالى : { ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين } . فقرن الله تعالى إطعام المسكين بوجوب الصلاة . وعن رسول الله ﷺ من طرق كثيرة في غاية الصحة أنه قال : { من لا يرحم الناس لا يرحمه الله } . قال أبو محمد : ومن كان على فضلة ورأى المسلم أخاه جائعا عريان ضائعا فلم يغثه - : فما رحمه بلا شك . وهذا خبر رواه نافع بن جبير بن مطعم ، وقيس بن أبي حاتم ، وأبي ظبيان وزيد بن وهب ، وكلهم عن جرير بن عبد الله عن رسول الله ﷺ . روى أيضا معناه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ . وحدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا موسى بن إسماعيل هو التبوذكي - ثنا المعتمر هو ابن سليمان - عن أبيه ثنا أبو عثمان النهدي أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حدثه { أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء ، وأن رسول الله ﷺ قال : من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس } أو كما قال فهذا هو نفس قولنا . ومن طريق الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن الزهري أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله ﷺ قال : { المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه } . قال أبو محمد : من تركه يجوع ويعرى - وهو قادر على إطعامه وكسوته - فقد أسلمه . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو الأشهب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال : { من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له ، قال : فذكر من أصناف المال ما ذكر ، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل } . قال أبو محمد : وهذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم يخبر بذلك أبو سعيد ، وبكل ما في هذا الخبر نقول . ومن طريق أبي موسى عن النبي ﷺ : { أطعموا الجائع وفكوا العاني } . والنصوص من القرآن ، والأحاديث الصحاح في هذا تكثر جدا . وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين ؟ هذا إسناد في غاية الصحة والجلالة . ومن طريق سعيد بن منصور عن أبي شهاب عن أبي عبد الله الثقفي عن محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن علي بن أبي طالب أنه سمع علي بن أبي طالب يقول : إن الله تعالى فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم ، فإن جاعوا أو عروا وجهدوا فمنع الأغنياء ، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة ، ويعذبهم عليه ؟ وعن ابن عمر أنه قال : في مالك حق سوى الزكاة . وعن عائشة أم المؤمنين ، والحسن بن علي ، وابن عمر أنهم قالوا كلهم لمن سألهم : إن كنت تسأل في دم موجع ، أو غرم مفظع أو فقر مدقع فقد وجب حقك . وصح عن أبي عبيدة بن الجراح وثلاثمائة من الصحابة رضي الله عنهم أن زادهم فني فأمرهم أبو عبيدة فجمعوا أزوادهم في مزودين ، وجعل يقوتهم إياها على السواء ؟ فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة رضي الله عنهم ، لا مخالف لهم منهم . وصح عن الشعبي ، ومجاهد ، وطاوس ، وغيرهم ، كلهم يقول : في المال حق سوى الزكاة . قال أبو محمد : وما نعلم عن أحد منهم خلاف هذا ، إلا عن الضحاك بن مزاحم ، فإنه قال : نسخت الزكاة كل حق في المال . قال أبو محمد : وما رواية الضحاك حجة فكيف رأيه . والعجب أن المحتج بهذا أول مخالف له فيرى في المال حقوقا سوى الزكاة ، منها النفقات على الأبوين المحتاجين ، وعلى الزوجة ، وعلى الرقيق ، وعلى الحيوان ، والديون ، والأروش ، فظهر تناقضهم . فإن قيل : فقد رويتم من طريق ابن أبي شيبة : ثنا أبو الأحوص عن عكرمة عن ابن عباس قال : من أدى زكاة ماله فليس عليه جناح أن لا يتصدق . ومن طريق الحكم عن مقسم عن ابن عباس في قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } نسختها : العشر ، ونصف العشر . فإن رواية مقسم ساقطة لضعفه ؛ وليس فيها ولو صحت خلاف لقولنا ؟ وأما رواية عكرمة فإنما هي أن لا يتصدق تطوعا ؛ وهذا صحيح ؟ وأما القيام بالمجهود ففرض ودين ، وليس صدقة تطوع . ويقولون : من عطش فخاف الموت ففرض عليه أن يأخذ الماء حيث وجده وأن يقاتل عليه . قال أبو محمد : فأي فرق بين ما أباحوا له من القتال على ما يدفع به عن نفسه الموت من العطش ، وبين ما منعوه من القتال عن نفسه فيما يدفع به عنها الموت من الجوع والعري . وهذا خلاف للإجماع ، وللقرآن ، وللسنن ، وللقياس . قال أبو محمد : ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة ، أو لحم خنزير وهو يجد طعاما فيه فضل عن صاحبه ، لمسلم أو لذمي ؛ لأن فرضا على صاحب الطعام إطعام الجائع فإذا كان ذلك كذلك فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير - وبالله تعالى التوفيق . وله أن يقاتل عن ذلك ، فإن قتل فعلى قاتله القود ، وإن قتل المانع فإلى لعنة الله ؛ لأنه منع حقا ، وهو طائفة باغية ، قال تعالى : { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } ومانع الحق باغ على أخيه الذي له الحق ؛ وبهذا قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانع الزكاة - وبالله تعالى التوفيق . تم كتاب الزكاة بحمد الله تعالى وحسن عونه . أخر كتاب الزكاة في المحلي لابن حزم المصدر ويكي م

اخر كتاب الزكاة في كتاب المحلي لابن حزم يليه في الصفحة التاالية كتاب الصيام
============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مكتبات الكتاب الاسلامي

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أ...