مدونة استكمال مصنفات الإمامين ابن حزم والوكاني

الاثنين، 21 مارس 2022

كتاب الجهاد من كتاب المحلي لابن حزم يبدأ من مسألة رقم 920- حتي 972-} ليس لكتاب الجهاد امتداد

قلت المدون فهرست كتاب الجهاد كله من كتاب المحلي لابن حزم
 
كتاب الجهاد | كتاب الجهاد (مسألة 920 - 928) | كتاب الجهاد (مسألة 929 - 936) | كتاب الجهاد (مسألة 937 - 940) | كتاب الجهاد (مسألة 941 - 944) | كتاب الجهاد (مسألة 945 - 950) | كتاب الجهاد (مسألة 951 - 955) | كتاب الجهاد (مسألة 956 - 960) | كتاب الجهاد (مسألة 961 - 972
======
التفصيل الفهرسي لكتاب الجهاد
  • 920 - مسألة: والجهاد فرض على المسلمين
  • 921 - مسألة: ومن أمره الأمير بالجهاد إلى دار الحرب ففرض عليه
  • أن يطيعه في ذلك إلا من له عذر قاطع
  • 922 - مسألة: ولا يجوز الجهاد إلا بإذن الأبوين إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين
  • 923 - مسألة: ولا يحل لمسلم أن يفر عن مشرك
  • 924 - مسألة: وجائز تحريق أشجار المشركين, وأطعمتهم, وزرعهم ودورهم, وهدمها
  • 925 - مسألة: ولا يحل عقر شيء من حيوانهم ألبتة
  • 926 - مسألة: ولا يحل قتل نسائهم، ولا قتل من لم يبلغ منهم, إلا أن يقاتل
  • 927 - مسألة: فإن أصيبوا في البيات أو في اختلاط الملحمة عن غير قصد فلا حرج في ذلك
  • 928 - مسألة: وجائز قتل كل من عدا من ذكرنا من المشركين
  • 929 - مسألة: ويغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الأمراء, وغير فاسق
  • 930 - مسألة: فمن غزا مع فاسق فليقتل الكفار
  • 931 - مسألة: ولا يملك أهل الكفر الحربيون مال مسلم, ولا مال ذمي أبدا إلا بالابتياع الصحيح
  • 932 - مسألة: لو نزل أهل الحرب عندك تجارا بأمان, أو رسلا, أو مستأمنين مستجيرين
  • 933 - مسألة: فإن ذكروا حديث أبي جندل, وأن رسول الله ﷺ
  • رده على المشركين فلا حجة لهم فيه
  • 934 - مسألة: ومن كان أسيرا عند الكفار فعاهدوه على الفداء وأطلقوه
  • فلا يحل له أن يرجع إليهم, ولا أن يعطيهم شيئا
  • 935 - مسألة: ولا يحل فداء الأسير المسلم إلا إما بمال, وأما بأسير كافر
  • 936 - مسألة: وما وهب أهل الحرب للمسلم الرسول إليهم, أو التاجر عندهم فهو حلال
  • 937 - مسألة: إسلام الكافر الحربي في دار الحرب أو في دار الإسلام
  • 938 - مسألة: إن كان الجنين لم ينفخ فيه الروح بعد فامرأته حرة لا تسترق
  • 939 - مسألة: أيما امرأة أسلمت ولها زوج كافر ذمي, أو حربي فحين إسلامها انفسخ نكاحها منه
  • 940 - مسألة: من قال من أهل الكفر مما سوى اليهود والنصارى أو المجوس: لا إله إلا الله
  • 941 - مسألة: ولا يقبل من يهودي ولا نصراني ولا مجوسي: جزية, إلا بأن يقروا
  • بأن محمدا رسول الله إلينا, وأن لا يطعنوا فيه, ولا في شيء من دين الإسلام
  • 942 - مسألة: ومن قال: إن في شيء من الإسلام باطنا غير الظاهر الذي يعرفه الأسود والأحمر, فهو كافر يقتل
  • 943 - مسألة: وكل عبد أو أمة كانا لكافرين أو أحدهما أسلما في دار الحرب, أو في غير دار الحرب: فهما حران
  • 944 - مسألة: من سبي من أهل الحرب من الرجال وله زوجة, أو من النساء ولها زوج
  • 945 - مسألة: أي الأبوين الكافرين أسلم فكل من لم يبلغ من أولادهما مسلم بإسلام من أسلم منهما
  • 946 - مسألة: وولد الكافرة الذمية, أو الحربية من زنا, أو إكراه مسلم
  • 947 - مسألة: ومن سبي من صغار أهل الحرب فسواء سبي مع أبويه أو مع أحدهما, أو دونهما فهو مسلم
  • 948 - مسألة: ومن سبي من صغار أهل الحرب فسواء سبي مع أبويه أو مع أحدهما, أو دونهما هو مسلم
  • 949 - مسألة: ويقسم خمس الركاز وخمس الغنيمة على خمسة أسهم
  • 950 - مسألة: وتقسم الأربعة الأخماس الباقية بعد الخمس على من حضر الوقعة, أو الغنيمة
  • 951 - مسألة: ومن حضر بخيل لم يسهم له إلا ثلاثة أسهم فقط
  • 952 - مسألة: ويسهم للأجير, وللتاجر, وللعبد, وللحر, والمريض, والصحيح سواء سواء كلهم
  • 953 - مسألة: ولا يسهم لأمرأة ولا لمن لم يبلغ قاتلا أو لم يقاتلا
  • 954 - مسألة: فإن اضطررنا إلى المشرك في الدلالة في الطريق استؤجر لذلك بمال مسمى من غير الغنيمة
  • 955 - مسألة: وكل من قتل قتيلا من المشركين فله سلبه
  • 956 - مسألة: إن نفل الإمام من رأس الغنيمة بعد الخمس وقبل القسمة من رأى أن ينفله
  • 957 - مسألة: وتقسم الغنائم كما هي بالقيمة، ولا تباع
  • 958 - مسألة: ولا يقبل من كافر إلا الإسلام, أو السيف حاشا أهل الكتاب خاصة
  • فإنهم إن أعطوا الجزية أقروا على ذلك
  • 959 - مسألة: والصغار هو أن يجري حكم الإسلام عليهم, وأن لا يظهروا شيئا من كفرهم
  • 960 - مسألة: والجزية لازمة للحر منهم والعبد, والذكر, والأنثى, والفقير البات, والغني الراهب
  • 961 - مسألة: ولا يحل السفر بالمصحف إلى أرض الحرب لا في عسكر، ولا في غير عسكر
  • 962 - مسألة: ولا تحل التجارة إلى أرض الحرب إذا كانت أحكامهم تجري على التجار
  • 963 - مسألة: ولا يحل لأحد أن يأخذ مما غنم جيش, أو سرية شيئا
  • 964 - مسألة: من دخل من المسلمين فغنم في أرض الحرب
  • 965 - مسألة: ونستحب الخروج للسفر يوم الخميس
  • 966 - مسألة: من قدم من سفر نهارا فلا يدخل إلا ليلا, ومن قدم ليلا فلا يدخل إلا نهارا إلا لعذر
  • 967 - مسألة: ولا يجوز أن تقلد الإبل في أعناقها شيئا
  • 969 - مسألة: والرباط في الثغور حسن
  • 970 - مسألة: وتعليم الرمي على القوس والإكثار منه فضل حسن
  • 971 - مسألة: والمسابقة بالخيل والبغال والحمير وعلى الأقدام والمناضلة بالرماح والنبل والسيوف: حسن
  • 972 - مسألة: والسبق هو أن يخرج الأمير, أو غيره مالا يجعله لمن سبق في أحد هذه الوجوه 
  • =====
  • فهرست كتاب الجهاد. من 920 مسألة الي 972 }.يليه بمشيئة الله كتاب الأضاحي
===== ======= ====================
  كتاب الجهاد من كتاب المحلي لابن حزم يبدأ من مسألة رقم  920- حتي 972-} ليس لكتاب الجهاد امتداد 
 
أول كتاب الجهاد بسم الله الرحمن الرحيم {السابق زيادة تصنيفية من المدون}
=====

920 - مسألة : والجهاد فرض على المسلمين فإذا قام به من يدفع العدو ويغزوهم في عقر دارهم ويحمي ثغور المسلمين سقط فرضه عن الباقين وإلا فلا ، قال الله - تعالى - : { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم } . روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق نا محمد بن خداش نا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - نا أيوب هو السختياني - عن محمد بن سيرين قال : كان أبو أيوب الأنصاري يقول : قال الله - تعالى - : { انفروا خفافا وثقالا } فلا أحد من الناس إلا خفيف أو ثقيل . ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الرحمن بن سهم الأنطاكي أخبرنا عبد الله بن المبارك عن وهيب المكي عن عمر بن محمد بن المنكدر عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : " من مات ولم يغز ولم يحدث [ به ] نفسه مات على شعبة من نفاق " قال أبو محمد : هذا وعيد شديد نعوذ بالله منه . ومن طريق مسلم نا إسماعيل ابن علية عن علي بن المبارك نا يحيى بن أبي كثير نا أبو سعيد مولى المهري عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله ﷺ بعث بعثا إلى بني لحيان من هذيل فقال : لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما } .

921 - مسألة : ومن أمره الأمير بالجهاد إلى دار الحرب ففرض عليه أن يطيعه في ذلك إلا من له عذر قاطع . روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله نا يحيى بن سعيد القطان نا سفيان هو الثوري - حدثني منصور هو ابن المعتمر - عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] قال : قال رسول الله ﷺ : { لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا } .

922 - مسألة : ولا يجوز الجهاد إلا بإذن الأبوين إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم أذن الأبوان أم لم يأذنا - إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده ، فلا يحل له ترك من يضيع منهما . روينا من طريق البخاري نا آدم نا شعبة نا حبيب بن أبي ثابت قال : سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم في الحديث قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول { جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فاستأذنه في الجهاد فقال له عليه السلام : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد } ومن طريق البخاري نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان - عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال : { السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة } . وروينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : { إنما الطاعة في المعروف } . وعن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال { لا طاعة لأحد في معصية الله - تعالى - } .

923 - مسألة : ولا يحل لمسلم أن يفر عن مشرك ، ولا عن مشركين ولو كثر عددهم أصلا ؛ لكن ينوي في رجوعه التحيز إلى جماعة المسلمين إن رجا البلوغ إليهم ، أو ينوي الكر إلى القتال ، فإن لم ينو إلا تولية دبره هاربا فهو فاسق ما لم يتب . قال الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم } . قال قوم : إن الفرار له مباح من ثلاثة فصاعدا - وهذا خطأ . واحتجوا في ذلك بقول الله - تعالى - : { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله } . وروينا عن ابن عباس أنه قال " إن فر رجل من رجلين فقد فر ، وإن فر من ثلاثة فلم يفر " . قال أبو محمد : أما ابن عباس فقد خالفوه في مئين من القضايا ، منها قراءة أم القرآن جهرا في صلاة الجنازة ، وإخباره : أنه لا صلاة إلا بها وغير ذلك كثير ، ولا حجة إلا في كلام الله - تعالى - ، أو كلام رسوله ﷺ . وأما الآية فلا متعلق لهم فيها ؛ لأنه ليس فيها لا نص ولا دليل بإباحة الفرار عن العدد المذكور ؛ وإنما فيها : أن الله - تعالى - علم أن فينا ضعفا ، وهذا حق إن فينا لضعفا ولا قوي إلا وفيه ضعف بالإضافة إلى ما هو أقوى منه إلا الله - تعالى - وحده فهو القوي الذي لا يضعف ولا يغلب . وفيها : أن الله - تعالى - خفف عنا فله الحمد وما زال ربنا - تعالى - رحيما بنا يخفف عنا في جميع الأعمال التي ألزمنا . وفيها : أنه إن كان منا مائة صابرون يغلبوا مائتين ، وإن يكن منا ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ، وهذا حق ، وليس فيه أن المائة لا تغلب أكثر من مائتين ولا أقل أصلا ؛ بل قد تغلب ثلاثمائة ، نعم وألفين وثلاث آلاف ولا أن الألف لا يغلبون إلا ألفين فقط لا أكثر ولا أقل ، ومن ادعى هذا في الآية فقد أبطل وادعى ما ليس فيها منه أثر ، ولا إشارة ، ولا نص ، ولا دليل ، بل قد قال - عز وجل - : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } ، فظهر أن قولهم لا دليل عليه أصلا ، ونسألهم عن فارس بطل شاكي السلاح قوي لقي ثلاثة من شيوخ اليهود الحربيين هرمى مرضى رجالة عزلا أو على حمير ، أله أن يفر عنهم ؟ لئن قالوا : نعم - ليأتن بطامة يأباها الله والمؤمنون وكل ذي عقل ، وإن قالوا : لا ليتركن قولهم . وكذلك نسألهم عن ألف فارس ، نخبة ، أبطال ، أمجاد ، مسلحين ، ذوي بصائر ، لقوا ثلاثة آلاف ، من محشودة بادية النصارى ، رجالة ، مسخرين ألهم أن يفروا عنهم ؟ وروينا عن وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال : ليس الفرار من الزحف من الكبائر ، إنما كان ذلك يوم بدر خاصة . قال أبو محمد : وهذا تخصيص للآية بلا دليل . روينا من طريق البزار نا عمرو بن علي ، ومحمد بن مثنى ، قالا جميعا : نا يحيى بن سعيد القطان نا عوف الأعرابي عن يزيد الفارسي نا ابن عباس أن عثمان قال له : كانت ( الأنفال ) من أول ما أنزل بالمدينة . وروينا من طريق مسلم نا هارون بن سعيد الأبلي نا ابن وهب أخبرنا سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } فعم عليه السلام ولم يخص . ومن طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا معاوية بن عمرو نا أبو إسحاق هو الفزاري - عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله قال : كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى فقرأته أن رسول الله ﷺ قال : { يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية ؟ فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف } فعم عليه السلام ولم يخص ، وإسلام أبي هريرة وابن أبي أوفى بلا شك بعد نزول " سورة الأنفال " التي فيها الآية التي احتجوا بها فيما ليس فيها منه شيء . وقد خالف ابن عباس غيره كما حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية المرواني أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ، نا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي نا خالد بن الحارث الهجيمي نا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي قال : سمعت رجلا سأل البراء بن عازب : أرأيت لو أن رجلا حمل على الكتيبة وهم ألف ، ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال البراء لا ، ولكن التهلكة : أن يصيب الرجل الذنب فيلقي بيده ويقول : لا توبة لي . وعن عمر بن الخطاب : إذا لقيتم فلا تفروا . وعن علي ، وابن عمر : الفرار من الزحف من الكبائر . ولم يخصوا عددا من عدد ، ولم ينكر أبو أيوب الأنصاري ، ولا أبو موسى الأشعري أن يحمل الرجل وحده ، على العسكر الجرار ويثبت حتى يقتل . وقد ذكروا حديثا مرسلا من طريق الحسن { أن المسلمين لقوا المشركين فقال رجل : يا رسول الله أشد عليهم ، أو أحمل عليهم ؟ فقال له رسول الله ﷺ : أتراك قاتل هؤلاء كلهم اجلس ، فإذا نهض أصحابك فانهض وإذا شدوا فشد } وهذا مرسل لا حجة فيه ؛ بل قد صح عنه عليه السلام : { أن رجلا من أصحابه سأله ما يضحك الله من عبده ؟ قال : غمسه يده في العدو حاسرا فنزع الرجل درعه ودخل في العدو حتى قتل رضي الله عنه } .

924 - مسألة : وجائز تحريق أشجار المشركين ، وأطعمتهم ، وزرعهم ودورهم ، وهدمها ، قال الله - تعالى - : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } وقال - تعالى - { : ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } وقد أحرق رسول الله ﷺ نخل بني النضير - وهي في طرف دور المدينة - وقد علم أنها تصير للمسلمين في يوم أو غده . وقد روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : لا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ، ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ وقد ينهى أبو بكر عن ذلك اختيارا ؛ لأن ترك ذلك أيضا مباح كما في الآية المذكورة ، ولم يقطع ﷺ أيضا نخل خيبر ، فكل ذلك حسن - وبالله - تعالى - التوفيق .

925 - مسألة : ولا يحل عقر شيء من حيوانهم ألبتة لا إبل ، ولا بقر ، ولا غنم ، ولا خيل ، ولا دجاج ، ولا حمام ، ولا أوز ، ولا برك ، ولا غير ذلك إلا للأكل فقط ، حاشا الخنازير جملة فتعقر ، وحاشا الخيل في حال المقاتلة فقط ، وسواء أخذها المسلمون ، أو لم يأخذوها أدركها العدو ولم يقدر المسلمون على منعها ، أو لم يدركوها ويخلى كل ذلك ولا بد إن لم يقدر على منعه ، ولا على سوقه ، ولا يعقر شيء من نحلهم ، ولا يغرق ، ولا تحرق خلاياه . وكذلك من وقعت دابته في دار الحرب فلا يحل له عقرها لكن يدعها كما هي وهي له أبدا مال من ماله كما كانت لا يزيل ملكه عنها حكم بلا نص . وهو قول مالك ، وأبي سليمان . وقال الحنفيون ، والمالكيون : يعقر كل ذلك ، فأما الإبل ، والبقر ، والغنم ، فتعقر ، ثم تحرق ، وأما الخيل ، والبغال ، والحمير فتعقر فقط . وقال المالكيون : أما البغال ، والحمير ، فتذبح ، وأما الخيل فلا تذبح ، ولا تعقر ، لكن تعرقب ، أو تشق أجوافها . قال أبو محمد : في هذا الكلام من التخليط ما لا خفاء به على ذي فهم ، أول ذلك : أنه دعوى بلا برهان ، وتفريق لا يعرف عن أحد قبلهم ، وكانت حجتهم في ذلك أنهم ربما أكلوا الإبل ، والبقر ، والغنم ، والخيل إذا وجدوها منحورة فكان هذا الاحتجاج أدخل في التخليط من القولة المحتج لها . وليت شعري متى كانت النصارى ، أو المجوس ، أو عباد الأوثان يتجنبون أكل حمار ، أو بغل ، ويقتصرون على أكل الأنعام ، والخيل ، وكل هؤلاء يأكلون الميتة ، ولا يحرمون حيوانا أصلا - وأما اليهود ، والصابئون : فلا يأكلون شيئا ذكاه غيرهم أصلا - وهذا عجب جدا . واحتجوا في إباحتهم قتل كل ذلك بقول الله - تعالى - : { ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } . قال أبو محمد : فقلنا لهم : فاقتلوا أولادهم ، وصغارهم ، ونساءهم ، بهذا الاستدلال فهو بلا شك أغيظ لهم من قتل حيوانهم ؟ فقالوا : إن رسول الله ﷺ نهى عن قتل النساء ، والصبيان . فقلنا لهم : وهو عليه السلام نهي عن قتل الحيوان ، إلا لمأكله ، ولا فرق ؛ وإنما أمرنا الله - تعالى - أن نغيظهم فيما لم ينه عنه لا بما حرم علينا فعله . روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري نا سفيان بن عيينة عن عمرو هو ابن دينار - عن صهيب مولى ابن عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال : { ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله - عز وجل - عنها . قيل : يا رسول الله وما حقها ؟ قال يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها يرمي به } . ومن طريق مسلم بن الحجاج نا محمد بن حاتم نا يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { نهى النبي ﷺ عن أن يقتل شيء من الدواب صبرا } ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن زنبور المكي نا ابن أبي حازم عن يزيد بن الهاد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال : قال رسول الله ﷺ { : لا تمثلوا بالبهائم } . ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لأمير جيش بعثه إلى الشام : لا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تحرقن نحلا ولا تغرقنه ، ولا يعرف له في ذلك من الصحابة مخالف . وأما الخنازير فروينا من طريق البخاري نا إسحاق هو ابن راهويه - نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد نا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير } فأخبر عليه السلام أن قتل الخنزير من العدل الثابت في ملته التي يحييها عيسى أخوه عليهما السلام . وذكر بعض الناس خبرا لا يصح ، فيه : أن جعفر بن أبي طالب عرقب فرسه يوم قتل - وهذا خبر رواه عباد بن عبد الله بن الزبير عن رجل من بني مرة لم يسمه ، ولو صح لما كان فيه حجة ؛ لأنه ليس فيه أن النبي ﷺ عرف ذلك فأقره . وأما الفرس في المدافعة فإن للمسلم أن يدفع عنه من أراد قتله أو أسره بأي شيء أمكنه .

926 - مسألة : ولا يحل قتل نسائهم ولا قتل من لم يبلغ منهم ، إلا أن يقاتل أحد ممن ذكرنا فلا يكون للمسلم منجى منه إلا بقتله فله قتله حينئذ . روينا من طريق البخاري نا أحمد بن يونس نا الليث هو ابن سعد - عن نافع أن ابن عمر أخبره " أن [ امرأة وجدت في بعض مغازي النبي ﷺ مقتولة فأنكر ] رسول الله ﷺ قتل النساء والصبيان " .

927 - مسألة : فإن أصيبوا في البيات أو في اختلاط الملحمة عن غير قصد فلا حرج في ذلك . روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله نا سفيان نا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي { أن رسول الله ﷺ سئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من ذراريهم ونسائهم ؟ فقال : هم من آبائهم } .

928 - مسألة : وجائز قتل كل من عدا من ذكرنا من المشركين من مقاتل ، أو غير مقاتل ، أو تاجر ، أو أجير - وهو العسيف - أو شيخ كبير كان ذا رأي ، أو لم يكن ، أو فلاح ، أو أسقف ، أو قسيس ، أو راهب ، أو أعمى ، أو مقعد لا تحاش أحدا . وجائز استبقاؤهم أيضا قال الله - تعالى - : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } فعم - عز وجل - كل مشرك بالقتل إلا أن يسلم . وقال قوم : لا يقتل أحد ممن ذكرنا ، واحتجوا بخبر رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرنا قتيبة نا المغيرة عن أبي الزناد عن المرقع عن جده رباح بن الربيع قال { كنا مع رسول الله ﷺ فقال لرجل : أدرك خالدا وقل له : لا تقتلن ذرية ، ولا عسيفا } . ومن طريق سفيان عن عبد الله بن ذكوان عن المرقع بن صيفي عن عمه حنظلة الكاتب " أن رسول الله ﷺ قال : { لا تقتلوا الذرية ولا عسيفا } . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن آدم نا الحسن بن صالح بن حيي عن خالد بن الفرز { عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال لهم : انطلقوا باسم الله وفي سبيل الله تقاتلون عدو الله لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا ، ولا امرأة } ومن طريق ابن أبي شيبة نا حميد عن شيخ من أهل المدينة مولى لبني عبد الأشهل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ كان إذا بعث جيوشه قال : لا تقتلوا أصحاب الصوامع } . ومن طريق القعنبي نا إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة " قال رسول الله ﷺ { لا تقتلوا أصحاب الصوامع } . ومن طريق حماد بن سلمة أخبرنا عبيد الله بن عمر قال { : كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه أن رسول الله ﷺ قال : لا تقتلوا صغيرا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا } . وعن حماد بن سلمة عن شيخ بمنى عن أبيه { أن رسول الله ﷺ نهى عن قتل العسفاء والوصفاء } . ومن طريق قيس بن الربيع عن عمر مولى عنبسة عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب { عن النبي ﷺ أنه نهى أن يقتل شيخ كبير أو يعقر شجر إلا شجر يضر بهم } . ومن طريق ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن الأحوص عن راشد بن سعد { نهى النبي ﷺ عن قتل الشيخ الذي لا حراك به } . وذكروا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لأمير له : لا تقتلن امرأة ، ولا صبيا ، ولا كبيرا هرما ، إنك ستمر على قوم قد حبسوا أنفسهم في الصوامع زعموا لله فدعهم وما حبسوا أنفسهم له ، وستمر على قوم قد فحصوا من أوساط رءوسهم وتركوا فيها من شعورهم أمثال العصائب فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف . وعن جابر بن عبد الله قال : كانوا لا يقتلون تجار المشركين وقالوا : إنما نقتل من قاتل - وهؤلاء لا يقاتلون . هذا كل ما شغبوا به ، وكل ذلك لا يصح . أما حديث المرقع فالمرقع مجهول . وأما حديث ابن عباس فعن شيخ مدني لم يسم ، وقد سماه بعضهم فذكر إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف . والخبران الآخران ، مرسلان . وكذلك حديث راشد مرسل ولا حجة في مرسل . وأما حديث أنس فعن خالد بن الفرز وهو مجهول . وحديث حماد بن سلمة عن شيخ بمنى عن أبيه - وهذا عجب جدا وأعجب منه أن يترك له القرآن وأما حديث قيس بن الربيع فليس قيس بالقوي ، ولا عمر مولى عنبسة معروفا ، وعلي بن الحسين لم يولد إلا بعد موت جده رضي الله عنهم ، فسقط كل ما موهوا به . وأما الرواية عن أبي بكر فمن عجائبهم هذا الخبر نفسه : عن أبي بكر رضي الله عنه فيه جاء نهي أبي بكر رضي الله عنه عن عقر شيء من الإبل ، أو الشاة إلا لمأكلة . وفيه جاء : أن لا يقطع الشجر ولا يغرق النحل - فخالفوه كما اشتهوا حيث لا يحل خلافه ؛ لأن السنة معه ، وحيث لا يعرف له مخالف من الصحابة . ثم احتجوا به حيث خالفه غيره من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا عجب جدا في خبر واحد وأما قول جابر لم يكونوا يقتلون تجار المشركين فلا حجة لهم فيه ؛ لأنه لم يقل : إن تركهم قتلهم كان في دار الحرب وإنما أخبر عن جملة أمرهم . ثم لو صح مبينا عنه لما كان لهم فيه متعلق ؛ لأنه ليس فيه نهي عن قتلهم ، وإنما فيه اختيارهم لتركهم فقط . وروينا عن الحسن ، ومجاهد ، والضحاك النهي عن قتل الشيخ الكبير ولا يصح عن مجاهد ، والضحاك ؛ لأنه من طريق جويبر ، وليث بن أبي سليم وكذلك أيضا هذا الخبر عن أبي بكر لا يصح ؛ لأنه عن يحيى بن سعيد ، وعطاء ، وثابت بن الحجاج ، وكلهم لم يولد إلا بعد موت أبي بكر رضي الله عنه بدهر . ومن طريق فيها الحجاج بن أرطاة - وهو هالك - ولو شئنا أن نحتج بخبر الحسن عن سمرة عن النبي ﷺ وبخبر الحجاج مسندا { اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم } لكنا أدخل منهم في الإيهام ؛ ولكن يعيذنا الله - عز وجل - من أن نحتج بما لا نراه صحيحا ، وفي القرآن وصحيح السنن كفاية . وأما قولهم : إنما نقتل من قاتل ، فباطل ؛ بل نقتل كل من يدعى إلى الإسلام منهم حتى يؤمن أو يؤدي الجزية إن كان كتابيا كما أمر الله - تعالى - في القرآن لا كما أمر أبو حنيفة إذ يقول : إن ارتدت المرأة لم تقتل ، فإن قتلت قتلت ، وإن سب المشركون أهل الذمة النبي ﷺ تركوا ، وسبهم له حتى يشفوا صدورهم ويخزى المسلمون بذلك . تبا لهذا القول وقائله . وروينا من طريق وكيع نا سفيان نا عبد الملك بن عمير القرظي نا { عطية القرظي قال : عرضت يوم قريظة على رسول الله ﷺ فكان من أنبت قتل ، ومن لم ينبت خلي سبيله ، فكنت فيمن لم ينبت } . فهذا عموم من النبي ﷺ لم يستبق منهم عسيفا ، ولا تاجرا ، ولا فلاحا ، ولا شيخا كبيرا ، وهذا إجماع صحيح منهم رضي الله عنهم متيقن ؛ لأنهم في عرض من أعراض المدينة لم يخف ذلك على أحد من أهلها . ومن طريق حماد بن سلمة : أخبرنا أيوب السختياني ، وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد : أن لا يجلبوا إلينا من العلوج أحدا ، اقتلوهم ، ولا تقتلوا من جرت عليهم المواسي ولا تقتلوا صبيا ، ولا امرأة . ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن نمير نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : كتب عمر إلى الأجناد : لا تقتلوا امرأة ، ولا صبيا ، وأن يقتلوا كل من جرت عليه المواسي . فهذا عمر رضي الله عنه لم يستثن شيخا ، ولا راهبا ، ولا عسيفا ، ولا أحدا إلا النساء ، والصبيان فقط ؛ ولا يصح عن أحد من الصحابة خلافه - وقد قتل دريد بن الصمة وهو شيخ هرم قد اهتز عقله فلم ينكر النبي ﷺ فقالوا : لأنه كان ذا رأي ؟ فقلنا لهم : ومن ذا الذي قسم لكم ذا الرأي من غيره ، فلا سمعا له ولا طاعة - ومثل هذه التقاسيم لا تؤخذ إلا من القرآن ، أو عن النبي ﷺ وبالله - تعالى - نتأيد .



929 - مسألة : ويغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الأمراء ، وغير فاسق ، ومع المتغلب والمحارب ، كما يغزى مع الإمام ، ويغزوهم المرء وحده إن قدر أيضا ، قال الله - تعالى - : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ، وقد ذكرنا عن النبي ﷺ في أول باب من كتاب الجهاد هاهنا : السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية وقال - تعالى - { : انفروا خفافا وثقالا } ، وقد علم الله - تعالى - أنه ستكون أمراء فساق فلم يخصهم من غيرهم ، وكل من دعا إلى طاعة الله في الصلاة المؤداة كما أمر الله - تعالى - ، والصدقة الموضوعة مواضعها ، والمأخوذة في حقها ، والصيام كذلك ، والحج كذلك ، والجهاد كذلك ، وسائر الطاعات كلها ؛ ففرض إجابته للنصوص المذكورة . وكل من دعا من إمام - حق ، أو غيره - ، إلى معصية فلا سمع ، ولا طاعة ، كتاب الله أحق ، وشرط الله أوثق - وقال عليه السلام : { لكل امرئ ما نوى } . وروينا من طريق البخاري نا أبو اليمان أخبرنا شعيب هو ابن أبي حمزة - عن الزهري عن سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة قال { أمر رسول الله ﷺ بلالا فنادى في الناس : إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر } .

930 - مسألة : فمن غزا مع فاسق فليقتل الكفار وليفسد زروعهم ودورهم وثمارهم ، وليجلب النساء والصبيان ولا بد ، فإن إخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام فرض يعصي الله من تركه قادرا عليه ، وإثمهم على من غلهم ، وكل معصية فهي أقل من تركهم في الكفر وعونهم على البقاء فيه ، ولا إثم بعد الكفر أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار وأمر بإسلام حريم المسلمين [ إليهم ] من أجل فسق رجل مسلم لا يحاسب غيره بفسقه ؟

931 - مسألة : ولا يملك أهل الكفر الحربيون مال مسلم ، ولا مال ذمي أبدا إلا بالابتياع الصحيح ، أو الهبة الصحيحة ، أو بميراث من ذمي كافر ، أو بمعاملة صحيحة في دين الإسلام ، فكل ما غنموه من مال ذمي أو مسلم ، أو آبق إليهم ، فهو باق على ملك صاحبه ، فمتى قدر عليه رد على صاحبه قبل القسمة وبعدها ، دخلوا به أرض الحرب ، أو لم يدخلوا ولا يكلف مالكه عوضا ولا ثمنا ، لكن يعوض الأمير من كان صار في سهمه من كل مال لجماعة المسلمين ، ولا ينفذ فيه عتق من وقع في سهمه ، ولا صدقته ، ولا هبته ، ولا بيعه ، ولا تكون له الأمة أم ولد ، وحكمه حكم الشيء الذي يغصبه المسلم من المسلم ، ولا فرق . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان - ولمن سلف أقوال ثلاثة سوى هذا . أحدها : - أنه لا يرد شيء من ذلك إلى صاحبه لا قبل القسمة ، ولا بعدها ، لا بثمن ، ولا بغير ثمن ، وهو لمن صار في سهمه . روينا من طريق ابن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه : أن علي بن أبي طالب قال : ما أحرزه العدو من أموال المسلمين فهو بمنزلة أموالهم . وكان الحسن البصري يقضي بذلك . وعن قتادة : أن مكاتبا أسره العدو فاشتراه رجل فسأل بكر بن قرواش عنه علي بن أبي طالب ، فقال له علي : إن افتكه سيده فهو على كتابته ، وإن أبى أن يفتكه فهو للذي اشتراه . وعن قتادة عن خلاس عن علي : ما أحرزه العدو فهو جائز . وعن قتادة عن علي : هو فيء المسلمين لا يرد . وعن معمر عن الزهري : ما أحرزه المشركون ثم أصابه المسلمون فهو لهم ما لم يكن حرا أو معاهدا . وعن معمر عن رجل عن الحسن مثل هذا . والقول الثاني - أنه إن أدرك قبل القسمة رد إلى صاحبه ، فإن لم يدرك حتى قسم فهو للذي وقع في سهمه لا يرد إلى صاحبه لا بثمن ، ولا بغيره . هكذا رويناه عن عمر نصا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب : أن عمر بن الخطاب قال : ما أحرز المشركون من أموال المسلمين فوجد رجل ماله بعينه قبل أن تقسم السهام فهو أحق به ، وإن كان قسم فلا شيء له . ومن طريق ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن ثور عن أبي عون عن زهرة بن يزيد المرادي أن أمة لرجل مسلم أبقت إلى العدو فغنمها المسلمون فعرفها أهلها فكتب فيها أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر ، فكتب إليه عمر : إن كانت لم تخمس ولم تقسم فهي رد على أهلها ، وإن كانت قد خمست وقسمت فأمضها لسبيلها . وروي نحوه أيضا عن زيد بن ثابت . ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق عن سليمان بن ربيعة فيما أحرز العدو ، قال : صاحبه أحق به ما لم يقسم . ومن طريق هشيم عن المغيرة ، ويونس قال المغيرة عن إبراهيم ، وقال يونس عن الحسن ، قالا جميعا : ما غنمه العدو من مال المسلمين فغنمه المسلمون فصاحبه أحق به ، فإن قسم فقد مضى . وذكر ابن أبي الزناد عن أبيه هذا القول عن القاسم بن محمد ، وعروة بن الزبير ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار في مشيخة من نظرائهم ، وقالوا : ما غنم العدو من المسلمين ثم غنمه المسلمون فصاحبه أحق به ما لم يقع فيه السهمان فإذا قسم فلا سبيل له إليه . وصح عن عطاء أيضا ، وأخبر عطاء أنه رأي منه . وهو قول الليث ، وأحمد بن حنبل . والقول الثالث - أنه إن أدرك قبل القسمة رد إلى صاحبه بغير ثمن ، وإن لم يدرك إلا بعد القسمة فصاحبه أحق به بقيمته - : رويناه من طريق عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن مكحول عن عمر بن الخطاب . ومن طريق سفيان عن المغيرة عن إبراهيم النخعي . ومن طريق ابن سيرين عن شريح . ومن طريق عبد الله بن إدريس عن أبيه عن مجاهد . فالقول الأول - لا يرد ما أخذه المشركون من أموالنا إلى أربابها ، لا قبل أن تقسم ولا بعد أن تقسم ، لا بثمن ولا بغيره ، روي عن علي ، وصح عن الحسن ، والزهري ، وعمرو بن دينار . ولم يصح عن علي لأنه من طريق سليمان التيمي ، وقتادة عن علي ولم يدركاه ، ورواية خلاس عن علي صحيحة إلا أنه لا بيان فيها إنما هي ما أحرزه العدو فهو جائز ولا ندري ما معنى : فهو جائز ، ولعله أراد : أنه جائز لأصحابه إذا ظفر به . والقول الثاني - أنه يرد إلى أصحابه قبل القسمة ، ولا يرد بعد القسمة ، روي عن عمر ، وأبي عبيدة ، وزيد بن ثابت ؛ ولا يصح عن أحد منهم ، لأنه عن قبيصة بن ذؤيب ولم يدرك عمر ، ومن طريق أبي عون ، أو ابن عون ، ولم يدركا أبا عبيدة ، ولا عمر ، ولا ندري من رواه عن زيد بن ثابت - وروي عن فقهاء المدينة السبعة ، ولا يصح عنهم ، لأنه من طريق ابن أبي الزناد هو ضعيف - وعن سليمان بن ربيعة ، ولم يصح عنه لأنه من طريق الحجاج بن أرطاة . وصح عن إبراهيم [ وشريح ] والحسن وعطاء . والقول الثالث - أنه إن أدرك قبل القسمة رد إلى صاحبه بغير ثمن ، وإن لم يدرك إلا بعد القسمة فصاحبه أحق به بقيمته روي عن عمر ولم يصح عنه ، لأنه من رواية مكحول ، ولم يدرك عمر . وصح عن إبراهيم وشريح ، ومجاهد - وهو قول مالك ، والأوزاعي . ومن قول مالك : إن الآبق والمغنوم سواء في ذلك ، وإن المدبر ، والمكاتب ، وأم الولد سواء في ذلك ، إلا أن سيد أم الولد يجبر على أن يفكها . وها هنا قول خامس - لا يعرف عن أحد من السلف ، وهو قول أبي حنيفة - ولا يحفظ أن أحدا قاله قبله ، وهو أن ما أبق إلى المشركين من عبد لمسلم فإنه مردود إلى صاحبه قبل القسمة ، وبعدها بلا ثمن ، وكذلك ما غنموه من مدبر ، ومكاتب ، وأم ولد ، ولا فرق . ووافقه في هذا سفيان . قال أبو حنيفة : وأما ما غنموه من الإماء ، والعبيد ، والحيوان ، والمتاع ، فإن أدرك قبل أن يدخلوا به دار الحرب ثم غنمناه رد إلى صاحبه قبل القسمة وبعدها بلا ثمن . وإن دخلوا به دار الحرب ثم غنمناه رد إلى صاحبه قبل القسمة وأما بعد القسمة فصاحبه أحق به بالقيمة إن شاء ؛ وإلا فلا يرد إليه . قال أبو محمد : وهذا قول في غاية التخليط والفساد في التقسيم ، لا دليل على صحة تقسيمه لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قول صاحب ، ولا تابع ، ولا قياس ، ولا رأي سديد . وقال بعضهم : إنما يملكون علينا ما يملكه بعضنا على بعض . قال أبو محمد : وصدق هذا القائل ولا يملك بعضنا على بعض مالا بالباطل ، ولا بالغصب أصلا ، ولا باطل ، ولا غصب أحرم ولا أبطل من أخذ حربي مال مسلم - فسقط هذا القول الفاسد جملة ثم نظرنا في سائر الأقوال . فنظرنا في قول مالك فوجدناهم إن تعلقوا بما روي عن عمر ؛ فقد عارضته رواية أخرى عن عمر هي عنه أمثل من التي تعلقوا بها - وأخرى عن علي هي مثل التي تعلقوا بها ، فما الذي جعل بعض هذه الروايات أحق من بعض ؟ وقال بعضهم : معنى قول عمر في الرواية الأخرى : فلا شيء له وأمضها لسبيلها - أي إلا بالثمن . فقلنا : ما يعجز من لا دين له عن الكذب ؛ ويقال لكم : معنى قول عمر إنه أحق بها بالقيمة - أي إن تراضيا جميعا على ذلك ، وإلا فلا ؛ فما الفرق بين كذب وكذب ؟ ثم وجدناهم يحتجون بخبر رويناه من طريق حماد بن سلمة وغيره عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة : { أن عثمان اشترى بعيرا من العدو فعرفه صاحبه فخاصمه إلى رسول الله ﷺ فقال له النبي ﷺ : إن شئت أعطيته الثمن الذي اشتراه به وهو لك ، وإلا فهو له } وهذا منقطع لا حجة فيه ، وسماك ضعيف يقبل التلقين ، شهد به عليه شعبة ، وغيره - وأسنده ياسين الزيات عن سماك عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة . وياسين لا تحل الرواية عنه ، وسماك قد ذكرناه . ورواه بعض الناس عن إبراهيم بن محمد الهمذاني أو الأنباري عن زياد بن علاقة عن جابر بن سمرة مسندا ، وإبراهيم بن محمد الأنباري أو الهمذاني لا يدري أحد من هو في الخلق ؟ وأسنده أيضا الحسن بن عمارة وإسماعيل بن عياش كلاهما : عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس { أن النبي ﷺ قال في بعير أحرزه العدو ، ثم غلب عليه المسلمون إن وجدته قبل القسمة فأنت أحق به بغير شيء ، وإن وجدته بعد القسمة فأنت أحق به بالثمن إن شئت } والحسن بن عمارة هالك ، وإسماعيل بن عياش ضعيف . ورواه بعض الناس من طريق علي بن المديني ، وأحمد بن حنبل . قال علي : نا يحيى بن سعيد القطان ، وقال أحمد : عن إسحاق الأزرق ، ثم اتفق يحيى وإسحاق عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة ؛ وهذا منقطع غير مسند ، على أن الطريق إلى علي وأحمد تالفة ، ولا يعرف هذا الخبر في حديث يحيى بن سعيد القطان الصحيح عنه أصلا ، فإن لجوا وقالوا : المرسل حجة - ورواية الحسن بن عمارة ، وإسماعيل بن عياش حجة . قلنا : لا عليكم روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أخبرني عكرمة بن خالد قال : أخبرني أسيد بن ظهير الأنصاري وكان والي اليمامة أيام معاوية { أن النبي ﷺ قضى في السرقة : إن كان الذي ابتاعها من الذي سرقها غير متهم يخير سيدها إن شاء أخذ الذي سرق منه بثمنه وإن شاء اتبع سارقه } ثم قضى بذلك بعده : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان - وقضى به أسيد بن ظهير . قال أبو محمد : وقد قضى به أيضا : عميرة بن يثرى قاضي البصرة لعمر - وبه يقول إسحاق بن راهويه . فهذا خبر أحسن من خبركم وأقوم ، وهو في معناه فخذوا به وإلا فأنتم متلاعبون . وأما نحن فتركناه ، لأن عكرمة بن خالد ليس بالقوي ، وعلى كل حال ، فهو والله بلا خلاف من أحد أشبه من ياسين والحسن بن عمارة وإسماعيل بن عياش ، وما هو بدون سماك أصلا . والعجب كل العجب أن أصحاب أبي حنيفة ردوا حديث " من وجد سلعته بعينها عند مفلس فهو أحق من الغرماء " وهذا حديث ثابت صحيح . فإن قالوا : هذا خلاف الأصول ولا يخلو المفلس من أن يكون [ كان ] قد ملكها أو لم يكن ملكها ؛ فإن كان لم يملكها فأنتم لا تقولون بهذا ؛ وإن كان قد ملكها فلا حق لبائعها فيما قد ملكه منه المشتري باختياره وتركوا هذا الاعتراض بعينه هنا وأخذوا بخبر مكذوب مخالف للأصول وللقرآن وللسنن لأنه لا يخلو الحربيون من أن يكونوا ملكوا ما أخذوا منا أو لم يملكوه ، فإن كانوا لم يملكوه فهذا قولنا وهو خلاف قولهم ، والواجب أن يرد إلى مالكه بكل حال قبل القسمة وبعدها بلا ثمن يكلفه ، وإن كانوا قد ملكوه فلا سبيل للذي أخذ منه عليه لا بثمن ولا بغير ثمن لا قبل القسمة ولا بعد القسمة ، لأنه كسائر الغنيمة ولا فرق ؛ فأي عجب أعجب من هذا وأيضا : فإنه لا يخلو الذي وقع في سهمه من أن يكون ملكه أو لم يملكه ، فإن كان لم يملكه فهو قولنا والواجب رده إلى مالكه . وإن قالوا : بل ملكه . قلنا : فما يحل إخراج ملكه عن يده بغير طيب نفس منه لا بثمن ولا بغير ثمن ؛ فهل سمع بأبين فساد من هذه الأقوال الفاسدة والتناقض الفاحش والتحكم في دين الله تعالى وفي أموال الناس بالباطل الذي لا خفاء به ؟ فسقط هذا القول جملة ؛ إذ لم يصح فيه أثر ولا صححه نظر . وأما قول من قال : يرد قبل القسمة ولا يرد بعدها . فقول أيضا لا يقوم على صحته دليل أصلا ، لا من نص ولا من رواية ضعيفة ، ولا من نظر ، ولا من وجه من الوجوه . وأما قول من قال : لا يرد قبل القسمة ولا بعدها فهو أقلها تناقضا ؛ وعمدتهم أن أهل الحرب قد ملكوا ما أخذوا منا ؛ ولو صح لهم هذا الأصل لكان قولهم هو الحق ، لكن نقول لهم : قال الله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ، وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } ، وقال عليه السلام { ليس لعرق ظالم حق } ، وقال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . فأخبرونا عما أخذه منا أهل الحرب أبحق أخذوه أم بباطل ؟ وهل أموالنا مما أحله الله تعالى لهم أو مما حرمه عليهم ؟ وهل هم ظالمون في ذلك أو غير ظالمين ؟ وهل عملوا من ذلك عملا موافقا لأمر الله تعالى وأمر نبيه عليه السلام ، أو عملا مخالفا لأمره تعالى وأمر رسوله ﷺ ؟ وهل يلزمهم دين الإسلام ويخلدون في النار لخلافهم له أم لا ؟ ولا بد من أحدها . فالقول بأنهم أخذوه بحق أنه مما أحله الله تعالى لهم وأنهم غير ظالمين في ذلك ، وأنهم لم يعملوا بذلك عملا مخالفا لأمر الله تعالى وأمر رسوله عليه السلام ، وأنه لا يلزمهم دين الإسلام : كفر صراح براح لا مرية فيه ، فسقط هذا القول ، وإذ قد سقط فلم يبق إلا الآخر ، وهو الحق اليقين من أنهم إنما أخذوه بالباطل وأخذوا حراما عليهم ، وهم في ذلك أظلم الظالمين ، وأنهم عملوا بذلك عملا ليس عليه أمر الله تعالى : وأمر رسوله ﷺ وأن التزام دين الإسلام فرض عليهم . فإذ لا شك في هذا فأخذهم لما أخذوا باطل مردود ، وظلم مفسوخ ولا حق لهم ولا لأحد يشبههم فيه ؛ فهو على ملك مالكه أبدا . وهذا أمر ما ندري كيف يخفى على أحد ، وقد أجمع الحاضرون من المخالفين على أنهم لا يملكون أحرارنا أصلا ، وأنهم مسرحون قبل القسمة وبعدها بلا تكليف ثمن ، فأي فرق بين تملك الحر ، وبين تملك المال بالظلم والباطل لو أنصفوا أنفسهم ؟ وقد اتفقوا على أن المسلم لا يملك على المسلم بالغصب ، فكيف وقعت لهم هذه العناية بالكفار في ذلك مع عظيم تناقضهم في أنهم يملكون علينا لا يملكون علينا ؟ وقد قال بعضهم عظيمة دلت على فساد دينه ، وهو أنه قال : هو جور ينفذ ، ونظره بمفضل بعض ولده على بعض - فحصل هذا الجاهل على الكذب والكفر وهو أنه نسب إلى النبي ﷺ أنه أنفذ تفضيل بشير لبعض ولده على بعض - وقد كذب في ذلك ؛ بل أمره عليه السلام برده نصا . ثم نسب إلى النبي ﷺ أنه أنفذ الجور وأمضاه ، وهذا كفر من قائله - ونعوذ بالله من الخذلان . قال أبو محمد : فسقطت هذه الأقوال كلها . وقد قلنا : إنه ليس منها قول يصح عن أحد من الصحابة وإنما صحت عن بعض التابعين فقط ، والخطأ لم يعصم منه أحد بعد النبي ﷺ . فإذ سقطت كلها ، فلم يبق إلا قولنا وهو الحق الذي لا يحل خلافه بما ذكرنا آنفا من أنهم لا يحل لهم شيء من أموالنا إلا بما أحله الله تعالى فيما يشاء من بعضنا لبعض قال تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } ثم هو الثابت عن رسول الله ﷺ . روينا من طريق أبي داود نا صالح بن سهيل نا يحيى يعني ابن أبي زائدة - عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال { إن غلاما أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده رسول الله ﷺ إلى ابن عمر ولم يقسم } . قال أبو محمد : منع النبي ﷺ من قسمته برهان بأنه لا يجوز قسمته وأنه لا حق فيه للغانمين ، ولو كان لهم فيه حق لقسمه عليه السلام فيهم . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سمعت نافعا مولى ابن عمر يزعم أن عبد الله بن عمر ذهب العدو بفرسه فلما هزم العدو وجد خالد بن الوليد فرسه فرده إلى عبد الله بن عمر . وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : أبق لي غلام يوم اليرموك ، ثم ظهر عليه المسلمون فردوه إلي . ومن طريق ابن أبي شيبة نا شريك عن الركين عن أبيه أو عمه قال : حبس لي فرس فأخذه العدو فظهر عليه المسلمون فوجدته في مربط سعد فقلت : فرسي . فقال : بينتك ، فقلت : أنا أدعوه فيحمحم . فقال سعد : إن أجابك فإنا لا نريد منك بينة - فهذا ليس إلا بعد القسمة ، فهذا فعل المسلمين ، وخالد بن الوليد ، وابن عمر : لم يفرقوا بين حال القسمة وما قبل القسمة . وروينا هذا القول عن الحكم بن عتيبة - وبالله تعالى التوفيق

932 - مسألة : وكذلك لو نزل أهل الحرب عندك تجارا بأمان ، أو رسلا ، أو مستأمنين مستجيرين ، أو ملتزمين لأن يكونوا ذمة لنا فوجدنا بأيديهم أسرى مسلمين ، أو أهل ذمة ، أو عبيدا ، أو إماء للمسلمين ، أو مالا لمسلم ، أو لذمي : فإنه ينتزع كل ذلك منهم بلا عوض أحبوا أم كرهوا . ويرد المال إلى أصحابه ، ولا يحل لنا الوفاء بكل عهد أعطوه على خلاف هذا ؛ لقول رسول الله ﷺ { كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل } . ونسأل من خالفنا ما يقول لو عاهدناهم على أن لا نصلي ، أو لا نصوم وكذلك لو أسلموا ، أو تذمموا فإنه يؤخذ كل ما في أيديهم من حر مسلم أو ذمي ، أو لمسلم ، أو لذمي ، ويرد إلى أصحابه بلا عوض ولا شيء عليهم فيما استهلكوا في حال كونهم حربيين . ولو أن تاجرا ؛ أو رسولا دخل إلى دار الحرب فافتدى أسيرا ، أو أعطوه إياه ، أو ابتاع متاعا لمسلم أو لذمي أو وهبوه له ، فخرج إلى دار الإسلام : انتزع منه كل ذلك ، ورد إلى صاحبه ، وهو من خسارة المشتري ، وأطلق الأسير بلا غرامة لما ذكرنا في الباب الذي قبل هذا من أن أبطل الباطل ، وأظلم الظلم : أخذ المشرك للمسلم ، أو لماله ، أو لذمي أو لماله ، والظلم لا يجوز إمضاؤه بل يرد ويفسخ . فلو أن الأسير قال لمسلم ، أو لذمي دخل دار الحرب : افدني منهم ، وما تعطيهم دين لك علي ، فهو كما قال ، وهو دين عليه ، لأنه استقرضه فأقرضه ، وهذا حق . وقال مالك ، وابن القاسم : لو نزل حربيون بأمان وعندهم مسلمات مأسورات : لم ينتزعن منهم ، ولا يمنعون من الوطء لهن . وقال ابن القاسم : لو تذمم حربيون وبأيديهم أسرى مسلمون أحرار : فهم باقون في أيدي أهل الذمة عبيد لهم كما كانوا . وهذان القولان لا نعلم قولا أعظم فسادا منهما ، ونعوذ بالله منهما ، وليت شعري ما القول لو كان بأيديهم شيوخ مسلمون وهم يستحلون فعل قوم لوط أيتركون وذلك ؟ أو لو أن بأيديهم مصاحف أيتركون يمسحون بها العذر عن أستاههم ؟ نبرأ إلى الله تعالى من هذا القول أتم البراءة - ونعوذ بالله من الخذلان .

933 - مسألة : فإن ذكروا حديث أبي جندل ، وأن رسول الله ﷺ رده على المشركين - فلا حجة لهم فيه لوجوه . أولها - أنه عليه السلام رده ولم يكن العهد تم بينهم ، وهم لا يقولون بهذا . والثاني - أنه عليه السلام لم يرده حتى أجاره له مكرز بن حفص من أن يؤذى . والثالث - أنه عليه السلام قد كان الله تعالى أعلمه أنه سيجعل الله له فرجا ومخرجا ونحن لا نعلم ذلك . والرابع - أنه خبر منسوخ نسخه قول الله تعالى بعد قصة أبي جندل : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } فأبطل الله تبارك وتعالى بهذه الآية عهدهم في رد النساء ، ثم أنزل الله تعالى : ( براءة ) بعد ذلك فأبطل العهد كله ونسخه بقوله تعالى : { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } . وبقوله تعالى في ( براءة ) أيضا : { كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام } الآية فأبطل تعالى كل عهد للمشركين حاشا الذين عاهدوا عند المسجد الحرام . وبقوله تعالى : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } ، وقال تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } ، فأبطل الله تعالى كل عهد ولم يقره ، ولم يجعل للمشركين إلا القتل ، أو الإسلام ، ولأهل الكتاب خاصة إعطاء الجزية وهم صاغرون وأمن المستجير والرسول حتى يؤدي رسالته ويسمع المستجير كلام الله ثم يردان إلى بلادهما ولا مزيد ، فكل عهد غير هذا فهو باطل مفسوخ لا يحل الوفاء به ؛ لأنه خلاف شرط الله عز وجل وخلاف أمره . روينا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرني الزهري قال : أخبرني عروة بن الزبير { عن المسور بن مخرمة وغيره فذكر حديث الحديبية ، وفيه فقال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل : هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي ﷺ : إنا لم نقض الكتاب بعد ، قال : فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا ، فقال له النبي ﷺ : فأجزه لي قال : ما أنا بمجيزه لك قال : بلى فافعل . قال : ما أنا بفاعل ، قال مكرز - هو ابن حفص بن الأحنف : بل قد أجزناه لك } فهذا خلاف قولهم كلهم وحديث أبي جندل حجة عليهم كما أوردنا . ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عفان هو ابن مسلم نا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس : { أن قريشا صالحوا النبي ﷺ فاشترطوا على النبي ﷺ : أن من جاء منكم لم نرده عليكم ومن جاء منا رددتموه علينا . فقالوا يا رسول الله أتكتب هذا ؟ قال : نعم ، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا } وهذا خبر منه عليه السلام مقطوع بصدقه . ومن طريق البخاري نا يحيى بن بكير نا الليث هو ابن سعد - عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع المسور بن مخرمة ، وآخر : يخبران عن أصحاب النبي ﷺ فذكرا { حديث الحديبية ، وفيه : فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما ، وجاءت المؤمنات مهاجرات ، وجاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله ﷺ يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون النبي ﷺ أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله تعالى فيهن : { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } } الآية

934 - مسألة : ومن كان أسيرا عند الكفار فعاهدوه على الفداء وأطلقوه فلا يحل له أن يرجع إليهم ، ولا أن يعطيهم شيئا ، ولا يحل للإمام أن يجبره على أن يعطيهم شيئا ، فإن لم يقدر على الانطلاق إلا بالفداء ففرض على المسلمين أن يفدوه إن لم يكن له مال يفي بفدائه . قال الله عز وجل : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } وإسار المسلم أبطل الباطل ، وأخذ الكافر أو الظالم ماله فداء من أبطل الباطل ، فلا يحل إعطاء الباطل ، ولا العون عليه ، وتلك العهود والأيمان التي أعطاهم لا شيء عليه فيها ، لأنه مكره عليها ، إذ لا سبيل له إلى الخلاص إلا بها ، ولا يحل له البقاء في أرض الكفر وهو قادر على الخروج ، وقد قال رسول الله ﷺ : { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } وهكذا كل عهد أعطيناهم ، حتى نتمكن من استنقاذ المسلمين وأموالهم من أيديهم ، فإن عجزنا عن استنقاذه إلا بالفداء ففرض علينا فداؤه لخبر رسول الله ﷺ الذي رويناه من طريق أبي موسى الأشعري { أطعموا الجائع وفكوا العاني } وهو قول أبي سليمان ، والشافعي

935 - مسألة : ولا يحل فداء الأسير المسلم إلا إما بمال ، وإما بأسير كافر ، ولا يحل أن يرد صغير سبي من أرض الحرب إليهم لا بفداء ولا بغير فداء ؛ لأنه قد لزمه حكم الإسلام بملك المسلمين له ، فهو وأولاد المسلمين سواء ولا فرق - وهو قول المزني .

936 - مسألة : وما وهب أهل الحرب للمسلم الرسول إليهم ، أو التاجر عندهم فهو حلال ، وهبة صحيحة ما لم يكن مال مسلم ، أو ذمي ، وكذلك ما ابتاعه المسلم منهم فهو ابتياع صحيح ما لم يكن مالا لمسلم ، أو ذمي ؛ لأنهم مالكون لأموالهم ما لم ينتزعها المسلم منهم بقول الله تعالى : { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } فجعلها الله تعالى لهم إلى أن أورثنا إياها ، والتوريث لا يكون إلا بالأخذ والتملك ، وإلا فلم يورث بعدما لم تقدر أيدينا عليه ، وإنما جعل الله تعالى أموالهم للغانم لها ، لا لكل من لم يغنمها

--------------------



937 - مسألة : وإذا أسلم الكافر الحربي فسواء أسلم في دار الحرب ، ثم خرج إلى دار الإسلام ، أو لم يخرج ، أو خرج إلى دار الإسلام ثم أسلم ، كل ذلك سواء . وجميع ماله الذي معه في أرض الإسلام ؛ أو في دار الحرب ، أو الذي ترك وراءه في دار الحرب من عقار ، أو دار ، أو أرض ، أو حيوان ، أو ناض ؛ أو متاع في منزله ، أو مودعا ، أو كان دينا : هو كله له ، لا حق لأحد فيه ، ولا يملكه المسلمون إن غنموه أو افتتحوا تلك الأرض . ومن غصبه منها شيئا من حربي ، أو مسلم ، أو ذمي : رد إلى صاحبه ويرثه ورثته إن مات ، وأولاده الصغار مسلمون أحرار - وكذلك الذي في بطن امرأته . وأما امرأته وأولاده الكبار ففيء إن سبوا وهو باق على نكاحه معها ، وهي رقيق لمن وقعت له سهمه . برهان ذلك - أنه إذا أسلم فهو بلا شك ، وبلا خلاف ، وبنص القرآن والسنة : مسلم ؛ وإذ هو مسلم ، فهو كسائر المسلمين - وقد قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام } ، فصح أن دمه ، وبشرته ، وعرضه ، وماله حرام على كل أحد سواه ، ونكاح أهل الكفر صحيح ، لأن النبي ﷺ أقرهم على نكاحهم ، ولو كان فاسدا لما أقره ، ومنه خلق عليه السلام ، ولم يخلق إلا من نكاح صحيح ، فهما باقيان على نكاحهما لا يفسد شيء ، ولا غيره إلا ما جاء فيه النص بفساده . والعجب أن الحاضرين من المخالفين لا ينازعوننا في أن دمه ، وعرضه ، وبشرته ، حرام - ثم يضطربون في أمر ماله ، وهذا عجب جدا وقولنا هذا كله هو قول الأوزاعي ، والشافعي ، وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة : إن أسلم في دار الحرب وأقام هناك حتى تغلب المسلمون عليها فإنه حر ، وأمواله كلها له ، لا يغنم منها شيئا ، ولا مما كان له وديعة عند مسلم ، أو ذمي ، وأولاده الصغار مسلمون أحرار ، حاشا أرضه - وحمل امرأته فكل ذلك غنيمة وفيء ويكون الجنين مع ذلك مسلما . وأما امرأته وأولاده الكبار ففيء . وقال أبو يوسف : وأرضه له أيضا . قال أبو حنيفة : فإن أسلم في دار الحرب ثم خرج إلى دار الإسلام فأولاده الصغار أحرار مسلمون لا يغنمون ، وكل ما أودع عند مسلم ، أو ذمي فله ، ولا يغنم - وأما سائر ما ترك في أرض الحرب من أرض ، أو عقار ، أو أثاث ، أو حيوان ففيء مغنوم - وكذلك حمل امرأته ، وهو مع ذلك مسلم . فإن خرج إلى دار الإسلام كافرا ، ثم أسلم فيها فهو حر مسلم - وأما كل ما ترك من أرض ، أو عقار ، أو متاع ، أو حيوان ، أو أولاده الصغار ففيء مغنوم ، ولا يكونون مسلمين بإسلامه . قال أبو محمد : لو قيل لإنسان أسخف واجتهد ما قدر على أكثر من هذا ، ولا تعرف هذه التقاسيم لأحد من أهل الإسلام قبله ، وما تعلق فيها لا بقرآن ، ولا بسنة ، ولا برواية فاسدة ، ولا بقول صاحب ، ولا تابع ، ولا بقياس ، ولا برأي يعقل ، ونعوذ بالله من الخذلان ؛ بل هو خلاف القرآن ، والسنن : في إباحته مال المسلم وولده الصغار للغنيمة بالباطل ، وخلاف المعقول ، إذ صار عنده فراره إلى أرض الإسلام بنفسه وإسلامه فيها : ذنبا عظيما يستحق به منه إباحة صغار أولاده للإسار والكفر ، وإباحة جميع ماله للغنيمة ، هذا جزاؤه عند أبي حنيفة ، وجعل بقاءه في دار الكفر خصلة حرم بها أمواله كلها حاشا أرضه ، وحرم بها صغار أولاده حاشا الجنين ، هذا مع إباحته للكفار والحربيين : تملك أموال المسلمين كما قدمنا قبل ، وتحريمه ضربهم وقتلهم إن أعلنوا بسب رسول الله ﷺ بأقزع السب ، وتكذيبه في الأسواق ، فإن قتل مسلم منهم قتيلا قتل به فكيف ترون ؟ وهو أيضا خلاف الإجماع المتيقن ؛ لأنه لا يشك مؤمن ، ولا كافر ، ولا جاهل ، ولا عالم في أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا أطوارا . فطائفة أسلموا بمكة ، ثم فروا عنها بأديانهم : كأبي بكر وعمر ، وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم . وطائفة خرجوا كفارا ، ثم أسلموا : كعمرو بن العاص أسلم عند النجاشي ، وأبي سفيان أسلم في عسكر النبي ﷺ . وطائفة أسلموا وبقوا بمكة كجميع المستضعفين من النساء ، وغيرهم ، قال الله تعالى : { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم } إلى قوله : { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } وكل هؤلاء إذ فتح رسول الله ﷺ مكة رجع الخارج إلى داره ، وعقاره وضياعهم بالطائف وغيرها ، وبقي المستضعف في داره وعقاره وأثاثه كذلك ، فأين يذهب بهؤلاء القوم لو نصحوا أنفسهم ؟ وأتى بعضهم هاهنا بآبدة هي أنه قال : قال الله عز وجل : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } وذكر ما روينا من طريق أبي عبيدة عن أبي الأسود المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص : من أسلم قبل القتال فهو من المسلمين له ما للمسلمين وله سهم في الإسلام ، ومن أسلم بعد القتال ، أو الهزيمة فماله فيء للمسلمين ، لأنهم قد أحرزوه قبل إسلامه ، قال : فسماهم تعالى فقراء ، فصح أن أموالهم قد ملكها الكفار عليهم ؟ قال أبو محمد : لقد كان ينبغي أن يردعه الحياء عن هذه المجاهرة القبيحة وأي إشارة في هذه الآية إلى ما قال ؟ بل هي دالة على كذبه في قوله ؛ لأنه تعالى أبقى أموالهم وديارهم في ملكهم ، بأن نسبها إليهم ، وجعلها لهم ، وعظم بالإنكار إخراجهم ظلما منها - ونعم ، هم فقراء بلا شك ؛ إذ لا يجدون غنى . وهم مجمعون معنا على أن رجلا من أهل المغرب ، أو المشرق لو حج ففرغ ما في يده بمكة أو بالمدينة ، وله في بلاده ضياع بألف ألف دينار ، وأثاث بمثل ذلك ؛ وهو حيث لا يقدر على قرض ، ولا على ابتياع ، ولا بيع فإنه فقير تحل له الزكاة المفروضة ، وماله في بلاده منطلقة عليه يده . وكذلك من حال بينه وبين ماله فتنة ، أو غصب ، ولا فرق ، ولقد عظمت مصيبة ضعفاء المسلمين المغترين بهم منهم - ونحمد الله تعالى على ما هدانا له من الحق . وأما الرواية عن عمر رضي الله عنه فساقطة ؛ لأنها منقطعة - لم يولد يزيد بن أبي حبيب إلا بعد موت عمر رضي الله عنه بدهر طويل - وفيها : ابن لهيعة ، وهو لا شيء . ثم لو صحت لما كان لهم فيها متعلق ؛ بل هي موافقة لقولنا وخلاف لقولهم لأن نصها ، من أسلم قبل القتال فهو من المسلمين له ما للمسلمين ، فصح بهذا أن ماله كله حيث كان له كما كان لكل مسلم ؛ ثم فيها إن أسلم بعد القتال ، أو الهزيمة فماله للمسلمين فيء ، لأنه قد أحرزه المسلمون قبل إسلامه - فهذا قولنا ؛ لأنه قد صار ماله للمسلمين قبل أن يسلم ؛ فاعجبوا لتمويههم وتدليسهم بما هو عليهم ليضلوا به من اغتر بهم

938 - مسألة : فإن كان الجنين لم ينفخ فيه الروح بعد فامرأته حرة لا تسترق ؛ لأن الجنين حينئذ بعضها ، ولا يسترق ، لأنه جنين مسلم . ومن كان بعضها حرا فهي كلها حرة لما نذكر في كتاب العتق إن شاء الله تعالى بخلاف حكمها إذا نفخ فيه الروح قبل إسلام أبيه لأنه حينئذ غيرها ، وهو ربما كان ذكرا وهي أنثى - وبالله تعالى التوفيق .

939 - مسألة : وأيما امرأة أسلمت ولها زوج كافر ذمي ، أو حربي فحين إسلامها انفسخ نكاحها منه - سواء أسلم بعدها بطرفة عين ، أو أكثر أو لم يسلم . لا سبيل له عليها إلا بابتداء نكاح برضاها وإلا فلا . فلو أسلما معا بقيا على نكاحهما ، فإن أسلم هو قبلها ، فإن كانت كتابية بقيا على نكاحهما أسلمت هي ، أم لم تسلم وإن كانت غير كتابية فساعة إسلامه قد انفسخ نكاحها منه ، أسلمت بعده بطرفة عين فأكثر . لا سبيل له عليها إلا بابتداء نكاح برضاها إن أسلمت ، وإلا فلا ، سواء حربيين أو ذميين كانا . وهو قول عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس رضي الله عنهم - وبه يقول حماد بن زيد ، والحكم بن عتيبة وسعيد بن جبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وعدي بن عدي الكندي ، والحسن البصري ، وقتادة ، والشعبي ، وغيرهم . وقال أبو حنيفة : أيهما أسلم قبل الآخر في دار الإسلام فإنه يعرض الإسلام على الذي لم يسلم منهما ؛ فإن أسلم بقيا على نكاحهما ، وإن أبى فحينئذ تقع الفرقة ، ولا معنى لمراعاة العدة في ذلك . قال : فإن أسلمت في دار الحرب فخرجت مسلمة أو ذمية فساعة حصولها في دار الإسلام يقع الفسخ بينهما لا قبل ذلك ؛ فإن لم تخرج من دار الحرب فإن حاضت ثلاث حيض قبل أن يسلم هو وقعت الفرقة حينئذ وعليها أن تبتدئ ثلاث حيض أخر عدة منه ، وإن أسلم هو قبل ذلك فهو على نكاحه معها . قال : فلو ارتد أحدهما انفسخ النكاح من وقته . وقال مالك : إن أسلمت المرأة ولم يسلم زوجها ، فإن أسلم في عدتها فهما على نكاحهما ، وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها فقد بانت منه . قال : فلو أسلم هو ، وهي غير كتابية عرض الإسلام عليها ، فإن - أسلمت بقيا على نكاحهما ، وإن أبت انفسخ النكاح ساعة إبائها ، فلو ارتد أحدهما انفسخ النكاح ساعتئذ . وقال ابن شبرمة عكس قول مالك إن أسلم هو وهي وثنية ، فإن أسلمت قبل تمام العدة فهي امرأته ، وإلا فبتمامها تقع الفرقة ، وإن أسلمت هي وقت الفرقة في الحين . وقال الأوزاعي ، والليث ، والشافعي : وكل ذلك سواء ، وتراعى العدة ، فإن أسلم الكافر منهما قبل انقضاء العدة فهما على نكاحهما ، وإن لم يسلم حتى تمت العدة وقعت الفرقة - وهو قول الزهري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأحد قولي الحسن بن حي . قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة فظاهر الفساد ، لأنه لا حجة له ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، وينبغي لهم أن يحدوا وقت عرض الإسلام ولا سبيل إلى ذلك إلا برأي فاسد ، وهو أيضا قول لا يعرف مثل تقسيمه لأحد من أهل الإسلام قبله - وكذلك قول مالك سواء سواء ، وقد موه بعضهم بما كان السكوت أولى به لو نصح نفسه ، مما سنذكره إن شاء الله تعالى . [ وروينا ] من طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن فضل عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن علي بن أبي طالب قال : إذا أسلمت امرأة اليهودي ، أو النصراني - : كان أحق ببضعها ، لأن له عهدا . وروينا من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة أن هانئ بن هانئ بن قبيصة الشيباني - وكان نصرانيا - عنده أربع نسوة فأسلمن فقدم المدينة ونزل على عبد الرحمن بن عوف فأقرهن عمر عنده - قال شعبة : قلت للحكم : عمن هذا ؟ قال : هذا شيء معروف . وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، وابن جعفر غندر قال عبد الرحمن : عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر ، والمغيرة بن مقسم وقال غندر : نا شعبة نا حماد بن أبي سليمان ، ثم اتفق المغيرة ، ومنصور ، وحماد ، كلهم : عن إبراهيم النخعي : في ذمية أسلمت تحت ذمي ، قال : تقر عنده - وبه أفتى حماد بن أبي سليمان . وهو قول أبي سليمان إلا أنه قال : يمنع من وطئها - فهذا قول . وعن عمر أيضا قول آخر : صح عنه رويناه من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني ، وقتادة عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن يزيد الخطمي : أن نصرانيا أسلمت امرأته فخيرها عمر بن الخطاب إن شاءت فارقته ، وإن شاءت أقامت عليه . ورويناه أيضا من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن عمر بمثله - وعبد الله بن يزيد هذا له صحبة . وعن عمر أيضا قول ثالث : رويناه من طريق حماد بن سلمة عن داود الطائي عن زياد بن عبد الرحمن أن حنظلة بن بشر زوج ابنته وهي مسلمة من ابن أخ له نصراني فركب عوف بن القعقاع إلى عمر بن الخطاب فأخبره بذلك ؛ فكتب عمر في ذلك : إن أسلم فهي امرأته ؛ وإن لم يسلم فرق بينهما ؛ فلم يسلم ، ففرق بينهما ، فتزوجها عوف بن القعقاع - وهم لا يقولون بهذا ، لأنهم لا يجيزون ألبتة ابتداء عقد نكاح مسلمة من كافر أسلم إثر ذلك أو لم يسلم . وعن عمر أيضا قول رابع لا يصح عنه : رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني قال : أنبأني ابن المرأة التي فرق بينهما عمر ، عرض عليه الإسلام فأبى . ومن طريق ابن أبي شيبة نا عباد بن العوام عن أبي إسحاق الشيباني عن يزيد بن علقمة أن عبادة بن النعمان التغلبي كان ناكحا بامرأة من بني تميم فأسلمت فقال له عمر بن الخطاب : إما أن تسلم وإما أن ننتزعها منك ؟ فأبى ، فنزعها عمر منه . ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني عن السفاح بن مضر التغلبي عن داود بن كردوس أن عبادة بن النعمان بن زرعة أسلمت امرأته التميمية ، وأبى أن يسلم ، ففرق عمر بينهما . أبو إسحاق لم يدرك عمر - والسفاح ، وداود بن كردوس مجهولان . وكذلك يزيد بن علقمة ، وعن علي بن أبي طالب قول آخر من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب قال في الزوجين الكافرين يسلم أحدهما : هو أملك ببضعها ما دامت في دار هجرتها . ورويناه من طريق سفيان بن عيينة عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن علي : هو أحق بها ما لم يخرج من مصرها . وقول آخر : رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا معتمر بن سليمان عن معمر عن الزهري : إن أسلمت ولم يسلم زوجها ، فهما على نكاحهما إلا أن يفرق بينهما سلطان . وأما من راعى عرض الإسلام فكما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال : إذا أسلمت وأبي أن يسلم فإنها تبين منه بواحدة - وقاله عكرمة . قال أبو محمد : ليس في هذا بيان إبايته بعد إسلامها وقد يريد أن يسلم معها . وأما من راعى العدة - فصح عن عطاء ، ومجاهد ، وعمر بن عبد العزيز . وأما قولنا فمروي عن طائفة من الصحابة رضي الله عنهم كما روينا من طريق شعبة أخبرني أبو إسحاق الشيباني قال : سمعت يزيد بن علقمة أن جده وجدته كانا نصرانيين فأسلمت جدته ؛ ففرق عمر بن الخطاب بينهما . ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس في اليهودية ، أو النصرانية تسلم تحت اليهودي ، أو النصراني . قال : يفرق بينهما ، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه - وبه يفتي حماد بن زيد . ومن طريق عبد الرزاق عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : نساء أهل الكتاب لنا حل ، ونساؤنا عليهم حرام . وصح عن الحكم بن عتيبة أنه قال في المجوسيين يسلم أحدهما ، قال : قد انقطع ما بينهما - وصح عن سعيد بن جبير في نصرانية أسلمت تحت نصراني ؟ قال : قد فرق الإسلام بينهما . وصح عن عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والحكم بن عتيبة في كافرة تسلم تحت كافر . قالوا : قد فرق الإسلام بينهما . وصح عن عمر بن عبد العزيز ، وعدي بن عدي : هذا بعينه أيضا . وعن الحسن ، ثابت أيضا : أيهما أسلم فرق الإسلام بينهما . وروي أيضا عن الشعبي . قال أبو محمد : أما جميع هذه الأقوال التي قدمنا فما نعلم لشيء منها حجة أصلا إلا من قال بأنها تقر عنده ويمنع من وطئها ؛ فإنهم احتجوا بأن قالوا : نكاح الكفر صحيح فلا يجوز إبطال نكاح صحيح بغير يقين واحتجوا أيضا بما روينا من طريق أبي داود السجستاني قال : نا عبد الله بن محمد النفيلي ، ومحمد بن عمرو الرازي ، والحسن بن علي هو الحلواني - قال النفيلي : نا محمد بن سلمة ، وقال الرازي : نا سلمة بن الفضل ، وقال الحلواني : نا يزيد هو ابن زريع أو ابن هارون أحدهما بلا شك ، ثم اتفق سلمة ، وابن سلمة ، ويزيد ، كلهم : عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله ﷺ رد ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول } . زاد محمد بن سلمة : لم يحدث شيء . وزاد سلمة : بعد ست سنين . وزاد يزيد : بعد سنتين . وقالوا : قد أقر النبي ﷺ جميع كفار العرب على نسائهم ، وفيهم من أسلمت قبله ، وفيهم من أسلم قبلها . قال أبو محمد : لا حجة لهم غير ما ذكرنا ، فأما قولهم : إن نكاح أهل الكفر صحيح فلا يجوز فسخه بغير يقين - فصدقوا ، واليقين قد جاء كما نذكر بعد هذا إن شاء الله عز وجل . وأما الخبر فصحيح - يعني حديث زينب مع أبي العاص رضي الله عنهما ولا حجة لهم فيه ؛ لأن إسلام أبي العاص كان قبل الحديبية ، ولم يكن نزل بعد تحريم المسلمة على المشرك ، وأما احتجاجهم - بإسلام العرب فلا سبيل لهم إلى خبر صحيح بأن إسلام رجل تقدم إسلام امرأته ، أو تقدم إسلامها فأقرهما عليه السلام على النكاح الأول ؛ فإذ لا سبيل إلى هذا فلا يجوز أن يطلق على رسول الله ﷺ لأنه إطلاق الكذب ، والقول بغير علم . فإن قيل : قد روي أن أبا سفيان أسلم قبل هند ، وامرأة صفوان أسلمت قبل صفوان ؟ قلنا : ومن أين لكم أنهما بقيا على نكاحهما ولم يجددا عقدا ؟ وهل جاء ذلك قط بإسناد صحيح متصل إلى النبي ﷺ أنه عرف ذلك فأقره ؟ حاشا لله من هذا . قال أبو محمد : وهنا شغب المالكيون ، والشافعيون - : فأما الشافعيون فاحتجوا بهذا كله وبحديث أبي العاص وجعلوا المراعى في ذلك العدة . فيقال لهم : هبكم أنه قد صح كل ما ذكرنا من أين لكم أن المراعى في أمر أبي العاص ، وأمر هند ، وامرأة صفوان ، وسائر من أسلم : إنما هو العدة ؟ ومن أخبركم بهذا ؟ وليس في شيء من هذه الأخبار كلها ذكر عدة ولا دليل عليها أصلا ، ولا عدة في دين الله تعالى إلا من طلاق ، أو وفاة ، والمعتقة تختار نفسها ، وليست المسلمة تحت كافر ، ولا الباقية على الكفر تحت المسلم ، ولا المرتدة واحدة منهن ، فمن أين جئتمونا بهذه العدة ؟ ولا سبيل لهم إلى وجود ذلك أبدا إلا بالدعوى الكاذبة ؛ فكيف وقد أسلمت زينب في أول بعث أبيها عليه السلام ؟ لا خلاف في ذلك ، ثم هاجرت إلى المدينة - وزوجها كافر - وكان بين إسلامها وإسلامه أزيد من ثماني عشرة سنة وقد ولدت في خلال هذا ابنها علي بن أبي العاص فأين العدة لو عقلتم ؟ وأما المالكيون فإن موهوا بامرأة صفوان . عورضوا بهذا ، وأبي سفيان ، وإن احتجوا بقول الله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ذكروا بقول الله تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } ، فظهر فساد هذه الأقوال كلها - وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : برهان صحة قولنا قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } الآية إلى قوله : { ذلكم حكم الله يحكم بينكم } فهذا حكم الله الذي لا يحل لأحد أن يخرج عنه ، فقد حرم الله تعالى رجوع المؤمنة إلى الكافر . وصح عن النبي ﷺ أنه قال : { المهاجر من هجر ما نهى الله عنه } فكل من أسلم فقد هجر الكفر الذي قد نهي عنه فهو مهاجر . ونص تعالى على أن نكاحها مباح لنا ، فصح انقطاع العصمة بإسلامها . وصح أن الذي يسلم مأمور بأن لا يمسك عصمة كافرة ، فصح أن ساعة يقع الإسلام ، أو الردة ، فقد انقطعت عصمة المسلمة من الكافر ، وعصمة الكافرة من المسلم - سواء أسلم أحدهما وكانا كافرين ، أو ارتد أحدهما وكانا مسلمين - والفرق بين ذلك تخليط ، وقول في الدين بلا برهان . وبالله تعالى التوفيق .

940 - مسألة : ومن قال من أهل الكفر مما سوى اليهود ، والنصارى ، أو المجوس : لا إله إلا الله ، أو قال : محمد رسول الله ، كان بذلك مسلما تلزمه شرائع الإسلام ، فإن أبى الإسلام قتل . وأما من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، فلا يكون مسلما بقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، إلا حتى يقول : وأنا مسلم ، أو قد أسلمت ، أو أنا بريء من كل دين حاشا الإسلام . روينا من طريق مسلم نا حرملة بن يحيى نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال { لما حضرت أبا طالب الوفاة قال له رسول الله ﷺ : يا عم قل : لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله } وذكر الحديث . ومن طريق مسلم نا يعقوب الدورقي نا هشيم نا حصين هو ابن عبد الرحمن أخبرنا أبو ظبيان سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث قال { : بعثنا رسول الله ﷺ في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، فكف عنه الأنصاري ، وطعنته فقتلته فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال لي : يا أسامة أقتلته بعدما قال : لا إله إلا الله ؟ قلت : يا رسول الله إنما كان متعوذا ؟ فقال : أقتلته بعدما قال : لا إله إلا الله ؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم } . قال أبو محمد : فهذا في آخر الإسلام ، وحديث أبي طالب في معظم الإسلام بعد أعوام منه ، وقد كف الأنصاري كما ترى عن قتله إذ قال : لا إله إلا الله ولم يلزم أسامة قود لأنه قتله وهو يظنه كافرا فليس قاتل عمد . ومن طريق مسلم نا الحسن بن علي الحلواني نا أبو توبة هو الربيع بن نافع - نا معاوية يعني ابن سلام - عن زيد يعني أخاه أنه سمع أبا سلام قال : نا أبو أسماء الرحبي { أن ثوبان مولى رسول الله ﷺ حدثه قال : كنت قائما عند رسول الله ﷺ فجاء حبر من أحبار اليهود فقال : السلام عليك يا محمد ؛ فدفعته دفعة كاد يصرع منها ، فقال : لم تدفعني ؟ قلت : ألا تقول : يا رسول الله ؟ فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله ﷺ إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي ثم ذكر الحديث ، وفي آخره إن اليهودي قال له : لقد صدقت وإنك لنبي ، ثم انصرف } . ففي هذا الخبر ضرب ثوبان رضي الله عنه اليهودي إذ لم يقل : رسول الله ، ولم ينكر رسول الله ﷺ فصح أنه حق واجب ، إذ لو كان غير جائز لأنكره عليه - وفيه أن اليهودي قال له : إنك لنبي ، ولم يلزمه النبي ﷺ بذلك ترك دينه . ومن طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا أبو روح حرمي بن عمارة نا شعبة عن واقد هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال " سمعت أبي يحدث عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله } . وهذا كله قول الشافعي ، وأبي سليمان .



941 - مسألة : ولا يقبل من يهودي ، ولا نصراني ، ولا مجوسي : جزية ، إلا بأن يقروا بأن محمدا رسول الله إلينا ، وأن لا يطعنوا فيه ، ولا في شيء من دين الإسلام ؛ لحديث ثوبان الذي ذكرنا آنفا ولقول الله تعالى : { وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم } وهو قول مالك ، قال في المستخرجة : من قال من أهل الذمة : إنما أرسل محمد إليكم لا إلينا فلا شيء عليه ، قال : فإن قال لم يكن نبيا قتل .

942 - مسألة : ومن قال : إن في شيء من الإسلام باطنا غير الظاهر الذي يعرفه الأسود والأحمر ، فهو كافر يقتل ولا بد ، لقول الله تعالى : { إنما على رسولنا البلاغ المبين } وقال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } فمن خالف هذا فقد كذب بالقرآن .

943 - مسألة : وكل عبد ، أو أمة كانا لكافرين ، أو أحدهما أسلما في دار الحرب ، أو في غير دار الحرب : فهما حران ، فلو كانا كذلك لذمي فأسلما : فهما حران ساعة إسلامهما ، وكذلك مدبر الذمي ، أو الحربي ، أو مكاتبهما ، أو أم ولدهما ، أيهم أسلم فهو حر ساعة إسلامه وتبطل الكتابة ، أو ما بقي منها ، ولا يرجع الذي أسلم بشيء مما كان أعطى منها قبل إسلامه ، ويرجع بما أعطى منها بعد إسلامه فيأخذه لقول الله عز وجل : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وإنما عنى تعالى بهذا أحكام الدين بلا شك ، وأما تسلط الدنيا بالظلم فلا ، والرق أعظم السبيل ، وقد أسقطه الله تعالى بالإسلام ، ونسأل من باعهما عليه : لم تبيعهما ؟ أهما مملوكان له أم غير مملوكين ؟ ولا بد من أحدهما . فإن قال : ليسا مملوكين له صدق - وهو قولنا - وإذ لم يكونا مملوكين له فهما حران ، وإن قال : هما مملوكان له . قلنا : فلم تبطل ملكه الذي أنت تصححه بلا نص ولا إجماع ؟ وأي فرق بين إقرارك لهما في ملكه ساعة ، أو ساعتين ، أو يوما ، أو يومين ، أو جمعة ، أو جمعتين ، أو شهرا ، أو شهرين ، أو عاما ، أو عامين ، أو باقي عمرها ، أو عمره ، وكيف صح إقرارك لهما في ملكه مدة تعريضهما للبيع ؟ ولم يصح ، ولم يصح إبقاؤهما في ملكه أكثر ، ولعلهما لا يستبيعان في شهر ؛ أو أكثر ، وهلا أقررتموهما في ملكه وحلتم بينه وبينهما كما فعلتم في المدبر ، وأم الولد ، والمكاتب إذا أسلموا ؟ ولئن كان يجوز إبقاؤهم في ملكه إن ذلك لجائز في العبد ، ولئن حرم إبقاء العبد في ملكه ليحرم ذلك في أم الولد ، والمدبر ، والمكاتب ولا فرق - وهذا تناقض ظاهر لا خفاء به ، وقول فاسد لا مرية فيه ، ونسألهم أيضا عن كافر اشترى عبدا مسلما ، أو أمة مسلمة ، فمن قولهم : إنهم يفسخون ذلك الشراء . فنقول لهم : ولم فسختموه ؟ وهلا بعتموهما عليه كما تفعلون إذا أسلم في ملكه ؟ وما الفرق ؟ فإن قالوا : لأن هذا ابتداء تملك . قلنا : نعم ، فكان ماذا ؟ ولا يخلو ابتياعه لهما من أن يكون ابتداء تملك لما يحل تملكه ، ولا سبيل إلى ثالث . فإن قالوا : بل لما لا يحل تملكه . قلنا : صدقتم ، فكيف أحللتم تملكه لهما مدة تعريضكم إياهما للبيع إذا أسلما في ملكه ؟ وإن قالوا : بل لما يحل تملكه . قلنا : فلم فسختم ابتياعه لما يحل له تملكه ؟ بل لم تبيعون عليه ما يحل له تملكه ؟ فإن قالوا : إنهما كانا في ملكه قبل أن يسلما فلم يبطل ملكه بإسلامهما . قلنا : نعم ، فلم بعتموهما عليه ؟ وهذا تناقض فاحش لا إشكال فيه ، وقول باطل بلا برهان ، والعجب كل العجب أنهم ينكرون مثل هذا على الله تعالى ، وعلى رسوله ﷺ فيقولون في تزوجه عليه السلام صفية أم المؤمنين وجعل عتقها صداقها : لا يخلو أن يكون تزوجها قبل عتقها ، أو بعد عتقها ، فإن كان تزوجها قبل عتقها فزواج الرجل أمته لا يحل ، وإن كان تزوجها بعد عتقها ، فقد مضى عتقها فأين الصداق ؟ وقالوا مثل هذا في العتق بالقرعة ، وفي وجود المرء سلعته عند مفلس ؛ وكل هذا لا يدخل فيه ما أدخلوه فيه من هذه الاعتراضات الفاسدة ، ثم لا ينكرون هذا على أنفسهم وهو موضع الإنكار حقا ، لأنهم إنما يتكلمون ويقضون برأيهم الفاسد ، وهو عليه السلام إنما يتكلم ويقضي عن الله تعالى الذي { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } . فإن قالوا : نبيعه على الكافر كما تبيعون أنتم عبد المسلم وأمته إذ شكوا الضرر ، وفي التفليس . قلنا لهم - وبالله تعالى التوفيق - : لا نبيع عبدا لمسلم ولا أمته أصلا إلا في حق واجب لازم لا يمكننا التوصل إليه ألبتة بوجه من الوجوه إلا ببيعهما وإلا فلا ، أول ذلك : أننا لا نبيعهما عليه إلا في دين لزمه ، أو في نفقة لزمته لنفسه أو للمملوك والمملوكة ، أو لمن تلزمه نفقته ، أو لضرر ثابت ؛ فأما الحق الواجب فما دمنا نجد له دراهم أو دنانير لم نبعهما عليه ، فإن لم نجد له غيرهما ولم يكن سبيل إلى أداء ذلك الحق إلا ببيعهما فهما مال من ماله يباع عند ذلك لقول الله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } ومن القيام بالقسط : إعطاء كل ذي حق حقه ، وصوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هذا القول ، إذ قاله سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما . وأما الضرر الثابت فإن أمكننا منع الضرر بأن نحول بينه وبين الأمة ، والعبد ، بأن يؤاجرا ، أو يجعلا عند ثقة يمنع من الإضرار بهما لم نبعهما ، فإذا لم يقدر على ذلك ألبتة بعناهما ، لأننا لا نقدر على المنع من الظلم والعدوان والإثم إلا بذلك ، وقال تعالى : { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } . فإن قالوا : كذلك تحكم الكافر على المسلم من عبيدهم ضرر . قلنا : فإن صح أنه لا ضرر على الأمة والعبد من سيدهما الكافر ، أو سيدتهما الكافرة ؛ بل هما معترفان بالإحسان والرفق جملة ، أليس قد بطل تعلقكم بالضرر ؟ هذا ما لا شك فيه . فإن قالوا : نخاف أن يفسدا دينهما بطول الصحبة . قلنا : ففرقوا بينهما وبين ابنيهما إذا أسلم خوف أن يفسد دينه ، وبيعوا عبد المسلم الفاسق وأمته بهذا الاعتلال ، لأنه مظنون منه تدريبهما على شرب الخمر ، وإضاعة الصلاة والظلم ، ولا فرق ، وهذا ما لا مخلص منه أصلا - والحمد لله رب العالمين . وقوله تعالى : { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } برهان قاطع في وجوب عتق أمة الذمي ، أو الحربي إذا أسلمت لأنه تعالى أمر أن لا نرجعها إلى الكفار وأنهن لا يحللن لهم وأباح لنا نكاحهن ، وهذا عموم يوجب الحرية ضرورة . فإن قيل : قوله تعالى في هذه الآية : { وآتوهم ما أنفقوا } دليل على أنه تعالى أراد الزوجات . قلنا : الآية كلها عامة لكل مؤمنة هاجرت بالإيمان لتدخل في جملة المسلمين ، وهذا الحكم في إيتاء ما أنفقوا خاص في الزوجات ، ولا يوجب أن يكون سائر عموم الآية خصوصا ، إذ لم يوجب ذلك لغة ولا شريعة - وبالله تعالى التوفيق . وقد صح أن أبا بكرة خرج إلى رسول الله ﷺ مسلما فعتق . فإن قالوا : هذا حكم من خرج من دار الحرب إلى دار الإسلام . قلنا : ما الفرق بينكم وبين من قال : بل هذا حكم من خرج من الطائف خاصة ؟ وهل بين الحكمين فرق ؟ ثم نقول لهم : وما دليلكم على هذا ؟ وإنما جاء مسلما إلى رسول الله ﷺ وهو عبد لكافر فأعتقه ، ولم يقل عليه السلام : إني إنما أعتقته ، لأنه خرج من دار الحرب ، فمن نسب هذا إلى رسول الله ﷺ فقد كذب عليه ، وقال عليه بلا برهان ، وأنتم تقيسون الجص على التمر ، السقمونيا على البر ، والكمون عليهما بلا برهان ، وفرج المسلمة المتزوجة على يد السارق ، ثم تفرقون بين عبد مسلم وعبد مسلم كلاهما أسلم في ملك كافر ، إن هذا لعوج ما شئتم . فإن ذكروا أمر بلال ، وسلمان ، رضي الله عنهما أن كليهما أسلم وهما مملوكان لوثني ويهودي ؛ فابتاع بلالا أبو بكر ، وكاتب سلمان سيده ، فلو كانا حرين بنفس إسلامهما لما كان أبو بكر مالك ولاء بلال ، ولا صحيح العتق فيه ؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : أما أمر بلال فكان في أول الإسلام بلا خلاف من أحد ، وقبل نزول الآية التي ذكرنا ببضع عشرة سنة ، لأن الآية مدنية في " سورة النساء " ولم تكن الصلاة يومئذ لازمة ، ولا الزكاة ، ولا الصيام ، ولا الحج ، ولا المواريث ، ولا كان حراما نكاح الوثني المسلمة ، ولا نكاح المسلم الوثنية ، ولا ملك الوثني للمسلم ، فلا حجة في أمر بلال . وأما أمر سلمان فكان بالمدينة وكان مملوكا لرجل من بني قريظة ، وهم ممتنعون لا يجري عليهم حكم رسول الله ﷺ بل هم في حصونهم مالكون لأنفسهم ، وكان إسلام سلمان رضي الله عنه بلا خلاف قبل الخندق ، وهو أول مشاهده ، وهلاك بني قريظة وقتلهم ، وحصارهم ، بعد الخندق بلا خلاف من أحد . ومن البرهان القاطع على أن ملك سيده له بطل عنه بإسلامه أنه كان مكاتبا له بلا شك وما انتمى قط إلى ولاء ذلك لقرظي بل انتمى مولى الله تعالى ورسوله ، وهذا كله متفق عليه من المؤالف ، والمخالف ، والصالح والطالح ؛ فلو كان ملكه له صحيحا وكتابته له صحيحة بحق الملك لكان ولاؤه له ، ولو كان ولاؤه له لما تركه النبي ﷺ ينتفي عن ولائه - وفي هذا حجة لمن نصح نفسه وكفاية ، وكيف ولو لم يقم هذا البرهان لما كان لهم فيه حجة ؟ لأنهم لا دليل لهم على أنه كان أمره بعد نزول الآية المذكورة وبالله تعالى التوفيق . وبهذا القول يقول بعض أصحاب مالك - ذكر ذلك ابن شعبان عنهم أن عبد الذمي ساعة يسلم فهو حر . وقال أشهب : ساعة يسلم عبد الحربي فهو حر ، خرج أو لم يخرج . وقال مالك : إذا أسلمت أم ولد الذمي فهي حرة . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن أسلم عبد الحربي في دار الحرب فهو باق على ملكه ، فإن باعه أو وهبه من مسلم ، أو كافر ، أو لمسلم ، أو كافر فهو حر ساعة بيعه أو هبته ، وبطل البيع والهبة . قال : فإن اشترى الحربي عبدا مسلما فهو على ملكه ، فإذا حمله إلى أرض الحرب فساعة دخوله إلى أرض الحرب فهو حر - فهل سمع بأوحش أو أفحش من هذا التخليط ؟ وهي أقوال لا يعرف أن أحدا قالها قبله . وأما مالك : فإذا أعتق أم ولده بإسلامها ، وهي أمة له فقد ناقض ، إذ لم يعتق العبد والأمة بإسلامهما ، ولا فرق بين ذلك . روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا أنه سمع سليمان بن موسى يقول : لا يسترق الكافر المسلم - وهذا نفس قولنا ؛ لأنه أبطل استرقاقه إياه جملة . قال ابن جريج : وسئل ابن شهاب عن أم ولد النصراني أسلمت ؟ فقال ابن شهاب : يفرق الإسلام بينهما وتعتق . قال ابن جريج : لا تعتق حتى يدعى هو إلى الإسلام ، فإن أبى عتقت . قال أبو محمد : كلاهما قد أوجب عتقها ، ولا معنى لتأني عرض الإسلام عليه . ومن طريق ابن أبي شيبة نا معن بن عيسى عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال : مضت السنة أن لا يسترق كافر مسلما . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن ميمون قال : كتب عمر بن عبد العزيز فيمن أسلم من رقيق أهل الذمة أن يباعوا ولا يتركون يسترقونهم ، ويدفع أثمانهم إليهم ، فمن قدرت عليه بعد تقدمك إليه استرق شيئا من سبي المسلمين ممن قد أسلم وصلى فأعتقه . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني بعض أهل أرضنا أن نصرانيا أعتق مسلما فقال عمر بن عبد العزيز : أعطوه قيمته من بيت المال ، وولاؤه للمسلمين . قال أبو محمد : قد رأى عتقه له غير نافذ ورأى ولاءه للمسلمين وهذا هو نص قولنا ، وأما إعطاؤه قيمته من بيت المال فلا نقول بهذا : فإنه لا حق للكفار في بيت مال المسلمين .

944 - مسألة : ومن سبي من أهل الحرب من الرجال وله زوجة ، أو من النساء ولها زوج فسواء سبي معها ، أو لم يسب معها ، ولا سبيت معه فهما على زوجيتهما فإن أسلمت انفسخ نكاحها حين تسلم لما قدمنا وأما بقاء الزوجية فلأن نكاح أهل الشرك صحيح قد أقرهم رسول الله ﷺ عليه ، ولم يأت نص بأن سباءهما ، أو سباء أحدهما يفسخ نكاحهما . فإن قيل : فقد قال الله تعالى : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } قلنا : نعم ، إذا أسلمت حلت لسيدها المسلم ، ولو كانت هذه الآية على عمومها لكان من له أمة ناكح تحل له ؛ لأنها ملك يمينه ، وهذا ما لا يقوله الحاضرون من خصومنا . وقد قال به ابن عباس وغيره : من ابتاع أمة ذات زوج فبيعها طلاقها - ولا نقول بهذا ، لما سنذكره في كتاب النكاح إن شاء الله عز وجل



945 - مسألة : وأي الأبوين الكافرين أسلم ؟ فكل من لم يبلغ من أولادهما مسلم بإسلام من أسلم منهما - الأم أسلمت أو الأب - وهو قول عثمان البتي ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والحسن بن حي ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم كلهم . وقال مالك ، وأبو سليمان : لا يكونون مسلمين إلا بإسلام الأب ، لا بإسلام الأم . وقال بعض فقهاء المدينة : لا يكونون مسلمين إلا بإسلام الأم ، وأما بإسلام الأب فلا ؛ لأنهم تبع للأم في الحرية ، والرق لا للأب . قال أبو محمد : ما نعلم لمن جعلهم بإسلام الأب خاصة مسلمين حجة أصلا ، ونسألهم عن قولهم في ابن المسلمة من زنا استكراه فمن قولهم : إنه مسلم بإسلامها وهذا ترك منهم لقولهم ، ووافقونا أنه إن أسلم الأبوان ، أو أحدهما ، ولهما بنون وبنات قد بلغوا مبلغ الرجال والنساء فإنهم على دينهم لا يجبرون على الإسلام - وبه نقول لقول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } والبالغ مخاطب قد لزمه حكم الكفر أو الذمة ، وليس غير البالغ مخاطبا كما قدمنا قال مالك : نعم ، ولو كان الولد حزورا قد قارب البلوغ ولم يبلغ فهو على دينه . قال أبو محمد : وهذا خطأ فاحش ؛ لأنه ليس بالغا ، وما لم يكن بالغا فحكمه حكم من لم يبلغ لا من بلغ - وبالله تعالى التوفيق . وأما من قاس الدين على الحرية والرق فالقياس كله باطل قال الله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } . فصح أنه لا يجوز تبديل دين الإسلام لأحد ولا يترك أحد يبدله إلا من أمر الله تعالى بتركه على تبديله فقط ، وقال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } ، فصح أنه لا يجوز أن يقبل في الدنيا ولا في الآخرة دين من أحد غير دين الإسلام إلا من أمر الله تعالى بأن يقبل منه ويقر عليه . ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { ما من مولود يولد إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه } فصح أنه لا يكون أحد إلا على الإسلام حتى يعبر عن نفسه ؛ فمن أذن الله تعالى في إقراره على مفارقة الإسلام الذي ولد عليه أقررناه ، ومن لا لم نقره على غير الإسلام . ومن طريق مسلم نا حاجب بن الوليد نا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { ما من مولود إلا يولد على الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء } . قال أبو محمد : فصح أنه لا يترك أحد على مخالفة الإسلام إلا من اتفق أبواه على تهويده ، أو تنصيره ، أو تمجيسه فقط ، فإذا أسلم أحدهما فلم يمجسه أبواه ، ولا نصراه ، ولا هوداه فهو باق على ما ولد عليه من الإسلام ولا بد بنص القرآن والسنة . وقد وهل قوم في هذه الآية وهذه الأخبار وهي بينة وهي العهد الذي أخذه الله تعالى على الأنفس حين خلقها كما قال تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } وقد اختلف قول عطاء في هذا . فمرة قال كقولنا : إنه مسلم بإسلام أي أبويه أسلم . ومرة قال : هم مسلمون بإسلام أمهم لا بإسلام أبيهم . ومرة قال : أيهما أسلم ورثا جميعا من مات من صغار ولدهما وورثهما صغار ولدهما . روينا هذه الأقوال كلها عن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عنه - روينا عن شعبة عن الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان أنهما قالا جميعا في الصغير يكون أحد أبويه مسلما فيموت : إنه يرثه المسلم ويصلى عليه . ومن طريق معمر عن عمرو والمغيرة قال عمرو : عن الحسن ، وقال المغيرة : عن إبراهيم النخعي قالا جميعا في نصرانيين بينهما ولد صغار فأسلم أحدهما : إن أولاهما بهم المسلم يرثهم ويرثونه . وقال الأوزاعي : إن أسلم جد الصغير ، أو عمه فهو مسلم بإسلام أيهما أسلم ، وقال سليمان بن موسى : الأمر فيما مضى في أولينا الذي يعمل به ولا يشك فيه ونحن عليه الآن أن النصرانيين بينها ولد صغار فأسلمت الأم ورثته كتاب الله تعالى وما بقي فللمسلمين ، فإن كان أبواه نصرانيين وهو صغير وله أخ من أم مسلم ، أو أخت مسلمة ورثه أخوه ، أو أخته كتاب الله ، ثم كان ما بقي للمسلمين . روينا هذا عنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : أنه سمع سليمان بن موسى يقول هذا لعطاء ، وسليمان فقيه أهل الشام أدرك التابعين الأكابر . ولسنا نراه مسلما بإسلام جد ، ولا عم ، ولا أخ ، ولا أخت ، إذا اجتمع أبواه على تهويده ، أو تنصيره ، أو تمجيسه كما قال رسول الله ﷺ

946 - مسألة : وولد الكافرة الذمية ، أو الحربية من زنا ، أو إكراه مسلم ، ولا بد ؛ لأنه ولد على ملة الإسلام كما ذكرنا ولا أبوين له يخرجانه من الإسلام فهو مسلم - وبالله تعالى التوفيق .

947 - مسألة : ومن سبي من صغار أهل الحرب فسواء سبي مع أبويه أو مع أحدهما ، أو دونهما هو مسلم ، ولا بد ؛ لأن حكم أبويه قد زال عن النظر له ، وصار سيده أملك به ، فبطل إخراجهما له عن الإسلام الذي ولد عليه . روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا خلاد قال : أخبرني عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب كان لا يدع يهوديا ، ولا نصرانيا يهود ولده ، ولا ينصره في ملك العرب - وهذا نص قولنا ، ولا نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك . وهو قول سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والمزني - بالله تعالى التوفيق .

948 - مسألة : ومن وجد كنزا من دفن كافر غير ذمي - جاهليا كان الدافن ، أو غير جاهلي - فأربعة أخماسه له حلال ، ويقسم الخمس حيث يقسم خمس الغنيمة ، ولا يعطي للسلطان من كل ذلك شيئا إلا إن كان إمام عدل فيعطيه الخمس فقط ، وسواء وجده في فلاة في أرض العرب ، أو في أرض خراج ، أو أرض عنوة ، أو أرض صلح ؛ أو في داره ، أو في دار مسلم ، أو في دار ذمي ، أو حيث ما وجده حكمه سواء كما ذكرنا ، وسواء وجده حر ، أو عبد ، أو امرأة ، قال الله عز وجل : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } الآية ، وقال تعالى : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } ، ومال الكافر غير الذمي غنيمة لمن وجده . وروينا من طريق مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة " أن رسول الله ﷺ قال : { وفي الركاز الخمس } ومن حديث رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان نا شعبة حدثني إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها " أن رجلا قال لها : أصبت كنزا فرفعته إلى السلطان فقالت عائشة : بفيك الكثكث " الكثكث التراب وقولنا هذا هو قول أبي سليمان ، ولا يكون وجوده في أرض ممتلكة لمسلم ، أو ذمي موجبا لملك صاحب الأرض له لأنه غير الأرض ، فلا يكون ملك الأرض ملكا لما فيها من غيرها من صيد ، أو لقطة ، أو دفينة ، أو غير ذلك . وقال الشافعي كقولنا ، إلا أنه قال : إن ادعى صاحب الأرض التي وجد فيها أنه قد وجده ثم أقره فهو له - وهذا ليس بشيء لأنها دعوى لا بينة له عليها فهو لمن وجده ؛ لأنه في يده وهو غانمه إلا أن يوجد أثر استخراجه ، ثم رده فيكون حينئذ قول صاحب الأرض حقا ، وأما إذا وجد كما وضع أول مرة فكذب مدعيه ظاهر بلا شك . وقال مالك : لا يكون لواجده إلا أن يجده في صحارى أرض العرب فهو له بعد الخمس ، فإن وجده في أرض عنوة فهو كله لبقايا مفتتحي تلك البلاد ، وفيه الخمس ؛ فإن وجده في أرض صلح فهو كله لأهل الصلح ، ولا خمس فيه . وهذا خطأ ظاهر من وجوه : أولها : أنه أسقط الخمس عما وجد من ذلك في أرض صلح ، وهذا خلاف قول رسول الله ﷺ : { وفي الركاز الخمس } فعم عليه السلام ولم يخص أرض صلح من غيرها . وثانيها : أنهم إنما صالحوا على ما يملكونه مما بأيديهم لا على ما لا يملكونه ولا هو بأيديهم ولا يعرفونه . وثالثها : أنهم لو ملكوا كل ركاز في الأرض التي صالحوا عليها لوجب أن تملكه أيضا العرب الذين أسلموا على بلادهم فيكون ما وجد فيها من ركاز للذين أسلموا على تلك الأرض - وهذا خلاف قولهم . وأما قوله : فيما وجد في أرض العنوة أنه لورثة المفتتحين . فخطأ لأن المفتتحين للأرض إنما يملكون ما غنموا ، لا ما لم يغنموا ، والركاز مما لم يغنموا ، ولا حصلوا عليه ، ولا أخذوه ؛ فلا حق لهم فيه . والعجب كله أنهم لا يجعلون الأرض حقا للمفتتحين أرض العنوة وهم غنموها ثم يجعلون الركاز الذي فيها حقا لهم وهم لم يغنموه . وقال الحنفيون : هو لواجده وعليه فيه الخمس ، وله أن يأخذ الخمس إن كان محتاجا إلا أن يجده في دار اختطها مسلم ، أو في دار الحرب ، فإنه إن وجده في دار اختطها مسلم فهو لصاحب الخطة وفيه الخمس ؛ وإن وجده في دار حربي وقد دخلها بأمان فهو كله للحربي ، وإن وجده في صحراء في دار الحرب فهو كله لواجده ولا خمس عليه فيه . وهذا تقسيم في غاية الفساد ، وخلاف لأمر رسول الله ﷺ بأن في الركاز الخمس - فعم عليه السلام ولم يخص ؛ ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبل أبي حنيفة ، وهو مع ذلك قول بلا برهان ، وفيه عن السلف آثار . منها : ما رويناه من طريق ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي : أن عليا أتاه رجل بألف وخمسمائة درهم وجدها في خربة بالسواد ، فقال علي : إن كنت وجدتها في قرية خربة تحمل خراجها قرية عامرة فهي لهم ، وإن كانت لا تحمل خراجها فلك أربعة أخماسه ولنا خمسه ، وسأطيبه لك جميعا . وهذا خلاف قول الحنفيين ، والمالكيين ، لأن السواد أخذ عنوة لا صلحا ، وكان في أيام علي دار إسلام ، وقبل ذلك بدهر ، وشيء رويناه من طريق قتادة : أن أبا موسى وجد دانيال بالسوس إذ فتحها ومعه مال إلى جنبه ، كانوا يستقرضون منه ما احتاجوا إلى أجل مسمى ، فإذا جاء ذلك الأجل ولم يرده المستقرض برص فكتب إلى عمر بذلك . فكتب إليه عمر : كفنه ، وحنطه ، وصل عليه ، وادفنه كما دفنت الأنبياء واجعل المال في بيت مال المسلمين ، وهذا صحيح ، لأنه لم يكن ركازا ، إنما كان معلوما ظاهرا ، ولم يكن من أموال الكفار فيخمس ويغنم ؛ بل كان مال نبي فهو للمسلمين في مصالحهم . ومنها : خبر عن عمر من طريق سماك بن حرب عن جرير بن رياح عن أبيه : أنهم أصابوا قبرا بالمدائن ، وفيه ميت عليه ثياب منسوجة بالذهب ، ومعه مال ؟ فكتب فيه عمار بن ياسر إلى عمر ؟ فكتب إليه عمر أعطهم إياه ولا تنزعه منهم - وهذا قولنا لا قولهم ، إلا أنه ليس فيه ذكر خمس ؛ ولا بد من الخمس عندنا وعندهم . وخبر من طريق هشيم عن مجالد عن الشعبي : أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة خارج المدينة ، فأتى بها عمر ، فأخذ خمسها مائتي دينار ودفع إليه الباقي ؛ ثم جعل عمر يقسم المائتين بين من حضر من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة فدفعها إلى واجدها - وهذا قولنا ، إلا في صفة قسمته الخمس . ومن طريق ابن جريج : أن عمرو بن شعيب أخبره أن عبدا وجد ركزة على عهد عمر فأعتقه منها ، وأعطاه منها ، وجعل سائرها في بيت المال - وهم لا يقولون بهذا ، وسواء عندنا وجد الركاز حر ، أو عبد ، الحكم [ عندنا ] واحد على ما قدمنا . وروينا خبرين : أحدهما - من طريق الزمعي عن عمته قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد بن الأسود عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب : { أن المقداد خرج إلى حاجته ببقيع الخبخبة فإذا جرذ يخرج من جحر دينارا بعد دينار ، ثم أخرج خرقة حمراء فكانت ثمانية عشر دينارا فأخذها وحملها إلى النبي ﷺ فقال له رسول الله ﷺ : هل أهويت الجحر ؟ قال : لا ، قال له رسول الله ﷺ : بارك الله لك فيها } وهذا خبر ليس موافقا لقول أحد ممن ذكرنا وإسناده مظلم ، الزمعي عن عمته قريبة وهي مجهولة ؛ ولعل تلك الدنانير من دفن مسلم مجهول ميئوس عن معرفته فهي لمن وجدها عندنا كلها . وخبر آخر : من طريق يحيى بن معين عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن أبي بجير { عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان مع رسول الله ﷺ في خروجه إلى الطائف فمروا بقبر فقال رسول الله ﷺ : هذا قبر أبي رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه ، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه ، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه وجدتموه ، فابتدره الناس فوجدوا الغصن } وهذا لا يصح ، لأنه عن يحيى بن أبي بجير وهو مجهول ؛ ثم لا حجة فيه لقول أحد ممن ذكرنا ؛ وإنما فيه نبش قبور المشركين فقط وبالله تعالى التوفيق .

949 - مسألة : ويقسم خمس الركاز وخمس الغنيمة على خمسة أسهم : فسهم يضعه الإمام حيث يرى من كل ما فيه صلاح وبر للمسلمين . وسهم ثان لبني هاشم ، والمطلب بني عبد مناف ، غنيهم وفقيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، وصغيرهم وكبيرهم ، وصالحهم وطالحهم فيه سواء - ولا حظ فيه لمواليهم ، ولا لحلفائهم ، ولا لبني بناتهم [ من غيرهم ] ولا لأحد من خلق الله تعالى سواهم ، ولا لكافر منهم . وسهم ثالث لليتامى من المسلمين كذلك أيضا . وسهم رابع للمساكين من المسلمين . وسهم خامس لابن السبيل من المسلمين . وقد فسرنا المساكين ، وابن السبيل في كتاب الزكاة فأغنى عن إعادة ذلك واليتامى هم الذين قد مات آباؤهم فقط ؛ فإذا بلغوا فقد سقط عنهم اسم اليتم وخرجوا من السهم . برهان ذلك قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } ، ولقوله تعالى : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } ، فلا يسع أحدا الخروج عن قسمة الله تعالى التي نص عليها : ومن طريق أبي داود نا مسدد نا هشيم عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : أخبرني { جبير بن مطعم قال لما كان يوم خيبر وضع رسول الله ﷺ سهم ذي القربى في بني هاشم ، وبني المطلب ، وترك : بني نوفل ، وبني عبد شمس ، قال : فانطلقت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله ﷺ فقلنا : يا رسول الله ﷺ بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم ، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ، وقرابتنا واحدة ؟ فقال رسول الله ﷺ إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيء واحد - وشبك بين أصابعه } وهذا بين جلي وإسناد في غاية الصحة . نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا محمد بن أحمد بن فرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس العبقسي المكي نا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري نا إسحاق بن راهويه نا وهب بن جرير بن حازم نا أبي قال : سمعت محمد بن إسحاق يقول : حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي عليه السلام مثل الحديث الذي ذكرنا ، وفيه " قال : { فقسم رسول الله ﷺ بينهم خمس الخمس من القمح والتمر والنوى } . وهذا أيضا إسناد في غاية الصحة والبيان ، وهو يبين أن سهم الله تعالى ، وسهم رسوله واحد ، وهو خمس الخمس . نا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الوارث بن سفيان بن جبرون نا قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبي نا روح بن عبادة نا علي بن سويد بن منجوف نا عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه { أن رسول الله ﷺ بعث عليا إلى خالد ليقسم الخمس فاصطفى علي منها سبية فأصبح يقطر رأسه ، فقال خالد لبريدة : ألا ترى ما صنع هذا الرجل ؟ قال بريدة : وكنت أبغض عليا ، فأتيت نبي الله ﷺ فلما أخبرته ، قال : أتبغض عليا ؟ قلت : نعم ، قال : فأحبه ، فإن له في الخمس أكثر من ذلك } . وهذا إسناد في غاية الصحة ، وفي غاية البيان في أن نصيب كل امرئ من ذوي القربى محدود معروف القدر . ومن طريق أبي داود نا عبيد الله بن عمر بن ميسرة نا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن زيد عن الزهري ( قال ) أخبرني سعيد بن المسيب أخبرني { جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله ﷺ فيما قسم من الخمس بين بني هاشم ، وبني المطلب فقلت يا رسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا ، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة ؟ فقال النبي ﷺ : إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ، قال جبير : ولم يقسم لبني عبد شمس ، ولا لبني نوفل من ذلك الخمس كما قسم لبني هاشم وبني المطلب } ، قال : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله ﷺ غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله ﷺ ما كان النبي ﷺ يعطيهم . وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه ، وعثمان بعده " . فهذا إسناد في غاية الصحة والبيان ، وإنما كان الذي لم يعطهم أبو بكر كما كان النبي ﷺ يعطيهم ، فهو ما كان عليه السلام يعود به عليهم من سهمه ، وكانت حاجة المسلمين أيام أبي بكر أشد ، وأما أن يمنعهم الحق المفروض الذي سماه الله ورسوله ﷺ لهم فيعيذ الله تعالى أبا بكر رضي الله عنه من ذلك . ومن طريق أبي داود نا عباس بن عبد العظيم العنبري نا يحيى أبي بكير نا أبو جعفر هو عبد الله بن عبد الله الرازي قاضي الري عن مطرف هو ابن طريف - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : " سمعت { عليا يقول : ولاني رسول الله ﷺ خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله ﷺ وحياة أبي بكر وحياة عمر ، فأتى بمال فدعاني فقال : خذه فقلت : لا أريده ، قال : خذه فأنتم أحق به ، قلت : قد استغنينا عنه ، فجعله في بيت المال } . أبو جعفر الرازي ثقة روى عنه عبد الرحمن بن مهدي وغيره . ومن طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز قال : إن ابن عباس أمره أن يكتب إلى نجدة : وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم ؛ وإنا زعمنا أنا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا . فهذه الأخبار الصحاح البينة ولا يعارضها ما لا يصح ، أو ما موه به فيما ليس فيه منه شيء ، وقولنا في هذا هو قول أبي العالية - وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أيضا . وروينا من طريق عبد بن حميد نا أبو نعيم عن زهير عن الحسن بن الحر نا الحكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : خمس الخمس سهم الله تعالى ، وسهم رسوله ﷺ ومن طريق عبد بن حميد أيضا أخبرنا عمرو بن عون عن هشيم عن المغيرة عن إبراهيم النخعي { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين } ، قال : كل شيء لله تعالى ، وخمس الله تعالى ورسوله ﷺ واحد ، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهم . ومن طريق عبد بن حميد : أخبرنا عبد الله هو ابن عبد المجيد الثقفي - عن سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة قال : تقسم الغنائم خمسة أخماس ، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها ، ثم يقسم الباقي على خمسة أخماس ، فخمس منها لله تعالى وللرسول ، وخمس لقرابة الرسول ﷺ وخمس لليتامى ، وخمس لابن السبيل ، وخمس للمساكين . قال أبو محمد : وهو قول الأوزاعي ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبي ثور ، وإسحاق ، وأبي سليمان ، والنسائي ، وجمهور أصحاب الحديث ، وآخر قولي أبي يوسف القاضي الذي رجع إليه . إلا أن الشافعي قال : للذكر من ذوي القربي مثل حظ الأنثيين - وهذا خطأ ؛ لأنه لم يأت به نص أصلا وليس ميراثا فيقسم كذلك ، وإنما هي عطية من الله تعالى ، فهم فيها سواء . وقال مالك : يجعل الخمس كله في بيت المال ، ويعطى أقرباء رسول الله ﷺ على ما يرى الإمام ليس في ذلك حد محدود . قال أصبغ بن فرج : أقرباؤه عليه السلام هم جميع قريش . وقال أبو حنيفة : يقسم الخمس على ثلاثة أسهم : الفقراء ، والمساكين ، وابن السبيل . قال علي : هذه أقوال في غاية الفساد ، لأنها خلاف القرآن نصا ، وخلاف السنن الثابتة ، ولا يعرف قول أبي حنيفة عن أحد من أهل الإسلام قبله ، وقد تقصينا كل ما شغبوا به في كتاب الإيصال ، وجماع كل ذلك لكل من تأمله أنهم إنما احتجوا بأحاديث موضوعة من رواية الزبيري ، ونظرائه ، أو مرسلة ، أو صحاح ليس فيها دليل على ما ادعوه أصلا ، أو قول عن صاحب قد خالفه غيره منهم ولا مزيد - وبالله تعالى التوفيق .

950 - مسألة : وتقسم الأربعة الأخماس الباقية بعد الخمس على من حضر الوقعة ، أو الغنيمة ، لصاحب الفرس ثلاثة أسهم : له سهم ، ولفرسه سهمان ، وللراجل ، وراكب البغل ، والحمار ، والجمل : سهم واحد فقط . وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة : للفارس سهمان : له سهم ، ولفرسه سهم ، ولسائر من ذكرنا سهم - وهو قول أبي موسى الأشعري . وقال أحمد : للفارس ثلاثة أسهم ، ولراكب البعير سهمان ، ولغيرهما سهم . قال أبو محمد : أما قول أحمد فما نعلم له حجة . وأما قول أبي حنيفة فإنهم احتجوا له بآثار ضعيفة . منها : من طريق مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري عن أبيه عن عمه عبد الرحمن بن يزيد عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري - وكان أحد القراء { أن رسول الله ﷺ أعطى للفارس سهمين ، والراجل سهما } . مجمع مجهول وأبوه كذلك . ومن طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله ﷺ جعل للفارس سهمين ، وللراجل سهما } . عبد الله بن عمر الذي يروي عن نافع في غاية الضعف . وعن شيخ من أهل الشام عن مكحول مثل ذلك . وهذه فضيحة مجهول ، ومرسل . واحتج أبو حنيفة بأن قال : لا أفضل بهيمة على إنسان ؛ فيقال له : وتساوي بينهما إن هذا لعجب ؛ فإذا جازت المساواة فما منع التفضيل ؟ ثم هو يسهم للفرس وإن لم يقاتل عليه ، ولا يسهم للمسلم التاجر ، ولا الأجير إلا أن يقاتلا ؛ فقد فضل بهيمة على إنسان ، ثم هو يقول في إنسان قتل كلبا لمسلم ، وعبدا مسلما فاضلا ، وخنزيرا لذمي : - قيمة كل واحد منهم عشرون ألف درهم ، فإنه يؤدي في الكلب عشرين ألف درهم ، وفي الخنزير ذلك ، ولا يعطي في العبد المسلم إلا عشرة آلاف درهم غير عشرة دراهم ، فاعجبوا لهذا الرأي الساقط واحمدوا الله تعالى على السلامة ، فقد فضل البهيمة على الإنسان . قالوا : قد صح الإجماع على السهمين ؟ فقلنا لهم : إن كنتم لا تقولون بما صح عن النبي ﷺ كلمناكم في ذلك فكيف ودعواكم الإجماع هاهنا كذب ؟ وما ندري لعل فيمن أخطأ كخطئكم ، ثم من يقول : لا يفضل فارس على راجل ، كما لا يفضل راكب البغل على الراجل ، وكما لا يفضل الشجاع البطل المبلي ، على الجبان الضعيف المريض . ثم لو طردتم أصلكم هذا لوجب أن تسقطوا الزكاة عن كل ما أوجبتموها فيه من العسل وغير ذلك ، ولبطل قولكم في دية الكافر لأنه لم يجمع على شيء من ذلك ، وهذا يهدم عليكم أكثر مذاهبكم . ورووا : أن أول من جعل للفرس سهمين عمر بن الخطاب ، من طريق ليث عن الحكم - وهذا منقطع ، وهم يرون حكم عمر في حد الخمر ثمانين سنة ، فهذا ينبغي أن يجعلوه سنة أيضا . وروينا من طريق البخاري نا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : { جعل رسول الله ﷺ للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما } . ومن طريق البخاري نا الحسن بن إسحاق نا محمد بن سابق نا زائدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال { قسم رسول الله ﷺ للفرس سهمين وللراجل سهما يوم خيبر } . فهذا هو الذي لا يجوز خلافه لصحته ، ولأنه لو صحت تلك الأخبار لكان هذا زائدا عليها ، وزيادة العدل لا يجوز ردها . وهو قول سعد بن أبي وقاص ، والحسن ، وابن سيرين ، ذكر ذلك عن الصحابة - وبه يقول عمر بن عبد العزيز [ وبالله تعالى التوفيق ] .

---------------



951 - مسألة : ومن حضر بخيل لم يسهم له إلا ثلاثة أسهم فقط ، وقد قال قوم : يسهم لفرسين فقط . وقال آخرون : يسهم لكل فرس منها - وهذا لا يقوم به برهان . فإن قيل : قد روي : أن النبي ﷺ أسهم للزبير لفرسين ؟ قلنا : هذا مرسل لا يصح ، وأصح حديث فيه هو الذي رويناه من طريق ابن وهب عن سعيد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده قال { ضرب رسول الله ﷺ عام خيبر للزبير بأربعة أسهم : سهم للزبير ، وسهم القربى لصفية بنت عبد المطلب ، وسهمين للفرس } .

952 - مسألة : ويسهم للأجير ، وللتاجر ، وللعبد ، وللحر ، والمريض ، والصحيح سواء سواء كلهم ؛ لقول الله تعالى : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } وللأثر الذي أوردنا آنفا من أنه عليه السلام { قسم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما } ، ولم يخص عليه السلام حرا من عبد ، ولا أجيرا من غيره ، ولا تاجرا من سواه ، فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك بالظن الكاذب . فإن احتجوا بقول ابن عباس في كتابه إلى نجدة تسألني عن العبد والمرأة يحضران المغنم ، هل يقسم لهما ؟ أو أنه ليس لهما شيء إلا أن يحذيا فهذا قول ابن عباس . وقد روينا أيضا من طريق عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن عمر ليس للعبد من الغنيمة شيء ، ولا حجة فيمن دون رسول الله ﷺ . وكم قصة خالفوا فيها ابن عباس ؟ كقول في بيع أمهات الأولاد ، والصرف ، وسهم ذي القربى ، وغير ذلك . فإن ذكروا ما روينا من طريق أحمد بن حنبل : نا بشر بن المفضل عن محمد بن زيد بن المهاجر حدثني { عمير مولى آبي اللحم قال شهدت خيبر مع ساداتي فكلموا في رسول الله ﷺ فأمر بي فقلدت السيف فإذا أنا أجره ، فأخبر أني مملوك ، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع } . فهذا لا حجة فيه ؛ لأن محمد بن زيد غير مشهور . وقد رويناه من طريق حفص بن غياث فقال محمد بن زيد وأيضا فإنه ذكر أنه كان يجر السيف ، وهذا صفة من لم يبلغ . وهكذا نقول : إن من لم يبلغ لا يسهم له . فإن ذكروا ما روينا من طريق الثوري عن ابن أبي ليلى { عن فضالة بن عبيد أنهم كانوا مع النبي ﷺ في غزوة وفينا مملوكون فلم يقسم لهم } ، وهذا منقطع ؛ لأنه إن كان ابن أبي ليلى هو محمد - فلم يدرك فضالة ؛ ولا ولد إلا بعد موته بدهر طويل ؛ وإن كان - هو عبد الرحمن - فالثوري لم يدركه ولا ولد إلا بعد موته بسنين . روينا من طريق أبي داود نا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى أخبرنا ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس اللهبي عن عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت : كان أبي يقسم للحر وللعبد . ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع بن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن عن أبي قرة قال : قسم لي أبو بكر الصديق كما قسم لسيدي . روينا من طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن أشعث عن الحكم بن عتيبة ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، قالوا : من شهد البأس من حر ، أو عبد ، أو أجير ، فله سهم . ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن المغيرة عن حماد عن إبراهيم النخعي في الغنائم يسبيها الجيش قال : إن أعانهم التاجر ، والعبد : ضرب له بسهامهم مع الجيش . قال أبو بكر : وحدثناه محمد بن فضيل عن المغيرة عن حماد عن إبراهيم النخعي قال : إذا شهد التاجر ، والعبد ، قسم له ، وقسم للعبد . ومن طريق ابن أبي شيبة نا غندر عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : يسهم للعبد ، وهو قول أبي سليمان . قال أبو محمد : وهم موافقون لنا على أن يسهم للفرس ، وهم أصحاب قياس بزعمهم ، فهلا أسهموا للعبد قياسا على ذلك ؟ فإن ذكروا في الأجير خبرين - فيهما { أن أجيرا استؤجر في زمان النبي ﷺ في غزوة بثلاثة دنانير فلم يجعل له عليه السلام سهما غيرها } فلا يصحان . لأن أحدهما من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن أبي سلمة الحمصي " أن رسول الله ﷺ " وأبو سلم مجهول ، وهو منقطع أيضا . والثاني من طريق ابن وهب عن عاصم بن حكيم بن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن الديلمي أن يعلى بن منية - وعاصم بن حكيم ، وعبد الله بن الديلمي مجهولان . وقال الحسن ، وابن سيرين والأوزاعي ، والليث : لا يسهم للأجير . وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يسهم لهما إلا أن يقاتلا . وقال سفيان الثوري : يسهم للتاجر - وقال الحسن بن حي : يسهم للأجير .

953 - مسألة : ولا يسهم لامرأة ، ولا لمن لم يبلغ - قاتلا ، أو لم يقاتلا - وينفلان دون سهم راجل ؛ ولا يحضر مغازي المسلمين كافر فإن حضر لم يسهم له أصلا ، ولا ينفل - قاتل أو لم يقاتل . روينا من طريق مسلم نا ابن قعنب نا سليمان هو ابن بلال - عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس . { أن رسول الله ﷺ كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن } . قال أبو محمد : لو بلغ بالنفل لها سهم راجل لكان قد أسهم لهن - وهو قول سعيد بن المسيب ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وسفيان الثوري ، والليث ، وأبي سليمان . وقال مالك : لا يرضخ لهن - وهذا خطأ ، وخلاف الأثر المذكور . قال أبو محمد : وقد روي من طريق أبي داود نا إبراهيم بن سعيد أخبرني زيد بن الحباب نا رفيع بن سلمة بن زياد [ قال ] حدثني { حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه أنها غزت مع رسول الله ﷺ في ست نسوة قالت : فأسهم لنا عليه السلام كما أسهم للرجال } . وهذا إسناد مظلم ، رافع ، وحشرج : مجهولان . ومن طريق وكيع نا محمد بن عبد الله الشعيثي عن خالد بن معدان قال : { أسهم رسول الله ﷺ للنساء وللصبيان والخيل } وهذا مرسل . ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا محمد بن راشد عن مجهول قال : { أسهم رسول الله ﷺ للنساء والصبيان والخيل } وهذا أيضا مرسل . ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن سفيان بن وهب الخولاني قال : قسم عمر بن الخطاب بين الناس غنائمهم فأعطى كل إنسان دينارا وجعل سهم الرجل والمرأة سواء . ومن طريق وكيع نا شعبة عن العوام بن مزاحم عن خالد بن سيحان قال : شهد مع أبي موسى أربع نسوة منهن أم مجزأة بن ثور فأسهم لهن أبو موسى الأشعري - وهو قول الأوزاعي ، وقد كان يلزم أهل القياس أن يقولوا بهذا لأنه إذا أسهم للفرس - وهو بهيمة - فالمرأة أحق بالسهم إن كان القياس حقا . قال أبو محمد : فعل رسول الله ﷺ هو القاضي على ما سواه ، وأما الصبيان فغير مخاطبين ، وأما النفل للصبيان أيضا من خمس الخمس فلا بأس ، لأنه في جميع مصالح المسلمين ، وأما الكافر فروينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن ابن جريج عن الزهري { أن رسول الله ﷺ كان يغزو باليهود فيسهم لهم كسهام المسلمين } . ورويناه عن الزهري من طرق كلها صحاح عنه . ومن طريق وكيع نا الحسن بن حي عن الشيباني هو أبو إسحاق - أن سعد بن مالك هو ابن أبي وقاص - غزا بقوم من اليهود فرضخ لهم . ومن طريق وكيع نا سفيان عن جابر قال : سألت الشعبي عن المسلمين يغزون بأهل الكتاب ؟ فقال الشعبي : أدركت الأئمة الفقيه منهم وغير الفقيه يغزون بأهل الذمة فيقسمون لهم ، ويضعون عنهم من جزيتهم ؛ فذلك لهم نفل حسن - والشعبي ولد في أول أيام علي وأدرك من بعده من الصحابة رضي الله عنهم . وهو قول الأوزاعي . وسفيان الثوري : أنه يقسم للمشرك إذا حضر كسهم المسلم . وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر : سمعت قتادة سئل عن أهل العهد يغزون مع المسلمين ؟ قال : لهم ما صالحوا عليه ما جعل لهم فهو لهم . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأبو سليمان : لا يسهم لهم - قال أبو سليمان : ولا يرضخ لهم ، ولا يستعان بهم . قال أبو محمد : حديث الزهري مرسل ، ولا حجة في مرسل ، ولقد كان يلزم الحنفيين ، والمالكيين القائلين بالمرسل أن يقولوا بهذا ، لأنه من أحسن المراسيل لا سيما مع قول الشعبي : أنه أدرك الناس على هذا ، ولا نعلم لسعد مخالفا في ذلك من الصحابة وكان سلمان بن ربيعة يستعين بالمشركين على المشركين ، لكن الحجة في هذا هو ما رويناه من طريق مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال : { إنا لا نستعين بمشرك } . ومن طريق مسلم نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق أخبرنا معمر بن همام بن منبه نا أبو هريرة عن رسول الله ﷺ في حديث أنه قال : { فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا } . فصح أنه لا حق في الغنائم لغير المسلمين .

954 - مسألة : فإن اضطررنا إلى المشرك في الدلالة في الطريق استؤجر لذلك بمال مسمى من غير الغنيمة . لما روينا من طريق البخاري نا إبراهيم بن موسى نا هشام هو ابن يوسف - نا معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة [ رضي الله عنها ] قالت { واستأجر النبي ﷺ وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو على دين كفار قريش هاديا } يعني بالطريق " .

955 - مسألة : وكل من قتل قتيلا من المشركين فله سلبه قال ذلك الإمام ، أو لم يقله كيفما قتله صبرا ، أو في القتال ؟ ولا يخمس السلب قل ، أو كثر ، ولا يصدق إلا ببينة في الحكم ، فإن لم تكن له بينة ، أو خشي أن ينتزع منه ، أو أن يخمس فله أن يغيبه ، ويخفي أمره . والسلب : فرس المقتول ، وسرجه ، ولجامه ، وكل ما عليه من لباس ، وحلية ، ومهاميز وكل ما معه من سلاح ، وكل ما معه من مال في نطاقه أو في يده ، أو كيفما كان معه . روينا من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن أفلح هو عمر بن كثير بن أفلح - عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة { أن رسول الله ﷺ قال بعد انقضاء القتال يوم حنين : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه } في حديث . ومن طريق البخاري نا أبو نعيم نا أبو العميس هو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود - عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال { أتى النبي ﷺ عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل فقال النبي ﷺ : اطلبوه واقتلوه ؟ قال سلمة : فقتلته ، فنفله رسول الله ﷺ سلبه } . ومن طريق أبي داود نا موسى بن إسماعيل نا حماد هو ابن زيد - عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك { أن رسول الله ﷺ قال يوم حنين : من قتل كافرا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم } . فهذه الأحاديث توجب ما قلناه وهي منقولة نقل التواتر كما ترى . روينا من طريق وكيع عن سفيان عن الأسود بن قيس العبدي : أن بشر بن علقمة قتل يوم القادسية عظيما من الفرس مبارزة وأخذ سلبه فأتى به إلى سعد بن أبي وقاص فقومه اثني عشر ألفا ، فنفله إياه سعد . ومن طريق واثلة بن الأسقع أنه ركب وحده حتى أتى باب دمشق فخرجت إليه خيل منها فقتل منهم ثلاثة وأخذ خيلهم فأتى بها خالد بن الوليد وعنده عظيم الروم فابتاع منه سرج أحدها بعشرة آلاف ونفله خالد بن الوليد كل ما أخذ من ذلك ، فهذا واثلة ، وخالد وسعيد بحضرة الصحابة . ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الرحيم بن سليمان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال : كان السلب لا يخمس وكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء بن مالك ، وكان قتل مرزبان الزأرة وقطع منطقته وسواريه ، فلما قدمنا المدينة صلى عمر الصبح ، ثم أتانا فقال : السلام عليكم أثم أبو طلحة ؟ فقالوا : نعم ، فخرج إليه فقال عمر : إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء مال وإني خامسه ، فدعا المقومين فقوموا ثلاثين ألفا ، فأخذ منها ستة آلاف . ومن طريق ابن جريج سمعت نافعا يقول : لم نزل نسمع منذ قط إذا التقى المسلمون والكفار فقتل مسلم مشركا فله سلبه إلا أن يكون في معمعة القتال فإنه لا يدرى أحد قتل أحدا - فهذا يخبر عما سلف . فصح أنه فعل أبي بكر ومن بعده وجميع أمرائهم . وهذا نافع يخبر : أنه لم يزل يسمع ذلك وهو قد أدرك الصحابة ، فصح أنه قول جميعهم بالمدينة ، ولا يجوز أن يظن بعمر تعمد خلاف رسول الله ﷺ فصح أنه استطاب نفس البراء . وهذا صحيح حسن لا ننكره - وهو قول الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي ثور ، وأبي عبيد وأبي سليمان ، وجميع أصحاب الحديث ، إلا أن الشافعي ، وأحمد قالا : إن قتله غير ممتنع فلا يكون له سلبه - وهذا خطأ لحديث سلمة بن الأكوع الذي ذكرنا فإنه قتله غير ممتنع ، وفي غير قتال ، وأخذ سلبه بأمر رسول الله ﷺ . فإن قيل : فإن أخذتم بعموم حديثه عليه السلام في ذلك فأعطوا من قتل مسلما بحق في قود ، أو رجم ، أو محاربة ، أو بغي ، سلبه . قلنا : لولا أن الله تعالى حرم على لسان نبيه ﷺ وفي القرآن مال المسلم لفعلنا ما قلتم ؛ فخرج سلب المسلم بهذا عن جملة هذا الخبر ، وبقي سلب الكافر على حكم الله تعالى على لسان رسوله ﷺ . وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا الضحاك بن مخلد هو أبو عاصم النبيل - عن الأوزاعي عن الزهري عن القاسم بن محمد قال : سئل ابن عباس عن السلب ؟ فقال : لا سلب إلا من النفل وفي النفل الخمس . فهذا ابن عباس يمنع أن يكون السلب إلا نفلا ، فقول كقول من ذكرنا ، إلا أنه رأى فيه الخمس - وهو قول إسحاق بن راهويه . وذهب أبو حنيفة ، وسفيان ، ومالك : إلى أنه لا يكون السلب للقاتل إلا أن يقول الأمير قبل القتال : من قتل قتيلا فله سلبه ، فإذا قال ذلك فهو كما قال ، ولا يخمس . قال أبو محمد : وهذا قول فاسد ؛ لأنهم أوهموا أنهم اتبعوا الحديث ولم يفعلوا ، بل خالفوه ؛ لأن رسول الله ﷺ إنما قال ذلك بعد القتال ؛ فهذا خلاف قولهم صراحا . وقال بعضهم : لم يقل ذلك رسول الله ﷺ إلا يوم حنين . قال أبو محمد : فكان هذا عجبا نعم ، فهبك أنه لم يقله عليه السلام قط إلا يومئذ ، أو قاله قبل وبعد ، أترى يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى به مرة ، أو يرونه باطلا حتى يكرر القضاء به ؟ حاشا لله من هذا الضلال ، ولا فرق بين ما قال مرة ، أو ألف ألف مرة ، كله دين ، وكله حق ، وكله حكم الله تعالى ، وكله لا يحل لأحد خلافه . وموهوا بفعل عمر ، وهم مخالفون له ، لأن عمر قضى بالسلب للقاتل دون أن يقول ذلك قبل القتال ، إلا أنه خمسه ولم يمانعه البراء ، فصح أنه طابت به نفسه ، وهذا حسن لا ننكره . وشغبوا أيضا بأشياء نذكرها إن شاء الله تعالى ؛ فموه بعض المخالفين في نصر تقليدهم بقول الله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } . قال أبو محمد : وهذا عليهم لا لهم ؛ لأن الذي أمرنا بهذا هو الذي أوحى إلى رسول الله ﷺ بأن السلب للقاتل ، ثم يقال لهم : فأبطلوا بهذا الدليل قولكم : إن الإمام إذا قال : السلب للقاتل كان له . فقد جعلتم قول إمام لعله لا تجب طاعته حجة على الآية ، ولم تجعلوا قول الإمام الذي لا إمامة لأحد إلا بطاعته بيانا للآية ، وهذا عجب جدا ثم أعجب شيء أنهم لا يحتجون بهذه الآية على أنفسهم في قولهم : إن الأرض المغنومة لا خمس فيها ، وهذا موضع الاحتجاج بالآية حقا وذكروا خبرا رويناه من طريق عوف بن مالك الأشجعي في { أن رجلا قتل فارسا من الروم يوم مؤتة وأخذ سلاحه وفرسه ؟ فبعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب قال عوف : فأتيت خالدا فقلت له : أما علمت أن رسول الله ﷺ قضى بالسلب للقاتل ؟ قال : بلى ، ولكني استكثرته ، قلت : لتردنه أو لأعرفنكه عند رسول الله ﷺ فأبى أن يرد عليه ، قال عوف : فاجتمعنا عند رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له فقال النبي ﷺ : يا خالد ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا رسول الله استكثرته ؟ فقال عليه السلام : يا خالد رد عليه ما أخذت منه ، قال عوف : فقلت له : دونك يا خالد ، ألم أف لك ؟ فقال النبي ﷺ وما ذلك ؟ قال : فأخبرته فغضب رسول الله ﷺ وقال : يا خالد لا ترد عليه ، هل أنتم تاركون لي أمرائي ؟ لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره } . قال أبو محمد : لا حجة لهم في هذا ، بل هو حجة عليهم لوجوه . أولها : أن فيه نصا جليا أن النبي ﷺ قضى بالسلب للقاتل - وهذا قولنا . وثانيها : أنه عليه السلام أمر خالدا بالرد عليه . وثالثها : أن في نصه أن النبي ﷺ إنما أمره بأن لا يرد عليه ، لأنه علم أن القاتل صاحب السلب أعطاه بطيب نفس ولم يطلب خالدا به ، وأن عوفا يتكلم فيما لا حق له فيه وهذا هو نص الخبر . ورابعها : أنه لو كان كما يوهمون لما كان لهم فيه حجة ، لأن يوم حنين الذي قال فيه عليه السلام : { من قتل كافرا فله سلبه } كان بعد يوم مؤتة ، بلا خلاف ، ويوم حنين كان بعد فتح مكة ، وقد كان قتل جعفر ، وزيد بن حارثة ، وابن رواحة رضي الله عنهم قبل فتح مكة يوم مؤتة ، فيوم حنين حكمه ناسخ لما تقدم لو كان خلافه . وموهوا أيضا بخبر قتل أبي جهل يوم بدر وأن رسول الله ﷺ قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح وهو أحد قاتليه ، والثاني : معاذ ابن عفراء ، وأن ابن مسعود قتله أيضا فنفله رسول الله ﷺ سيفه . قال أبو محمد : ولا حجة لهم في هذا كله ، وأين يوم بدر من يوم حنين وبينهما أعوام ؟ وما نزل حكم الغنائم إلا بعد يوم بدر فكيف يكون السلب للقاتل ؟ وموهوا بخبر ساقط رويناه من طريق حماد بن سلمة عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق { عن رجل من بلقين ، قلت : يا رسول الله هل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد ؟ قال : لا ، حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس أحق من أخيه به } . قال أبو محمد : هذا عن رجل مجهول لا يدرى أصدق في ادعائه الصحبة أم لا ؟ ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة لأن الخمس من جملة الغنيمة يستحقه دون أهل الغنيمة من لم يشهد الغنيمة بلا خلاف ، فالسلب مضموم إلى ذلك بالنص . ثم يقال لهم : هلا احتججتم بهذا الخبر على أنفسكم في قولكم : إن القاتل أحق بالسلب من غيره إذا قال الإمام : من قتل قتيلا فله سلبه ؟ فكان هذا الخبر عندكم مخصوصا بقول من لا وزن له عند الله تعالى ولم تخصوه بقول من لا إيمان لكم إن لم تسلموا لأمره وقضائه ، تبا لهذه العقول المكيدة . وموهوا بما روي من طريق عمرو بن واقد عن موسى بن يسار عن مكحول عن جنادة بن أبي أمية { أن حبيب بن مسلمة قتل قتيلا فأراد أبو عبيدة أن يخمس سلبه ، فقال له حبيب إن رسول الله ﷺ قضى بالسلب للقاتل ، فقال له معاذ : مهلا يا حبيب ، سمعت رسول الله ﷺ يقول : إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه } . قال أبو محمد : وهذا خبر سوء مكذوب بلا شك ، لأنه من رواية عمرو بن واقد ، وهو منكر الحديث قاله البخاري وغيره : عن موسى بن يسار ، وقد تركه يحيى القطان . وقد روينا عن موسى هذا أنه قال : كان أصحاب رسول الله محمد ﷺ أعرابا حفاة فجئنا نحن أبناء فارس فلخصنا هذا الدين - فانظروا بمن يحتجون على السنن الثابتة . ثم عن مكحول عن جنادة - ومكحول لم يدرك جنادة . ثم لو صح لكان حجة عليهم ، لأنه مبطل لقولهم : إن الذي وجد الركاز له أن ينفرد بجميعه دون طيب نفس إمامه . ثم نقول للمحتج بهذا الخبر : أرأيت إن لم تطب نفس الإمام لبعض الجيش بسهمهم من الغنيمة أيبطل بذلك حقهم ؟ إن هذا لعجيب وهم لا يقولون بهذا ؛ فصاروا أول مخالف لما حققوه واحتجوا به ، وهذا فعل من لا ورع له . وقالوا : قد روي من طريق غالب بن حجرة عن أم عبد الله بنت الملقام بن التلب عن أبيها [ عن أبيه ] أن رسول الله ﷺ قال : { من أتى بمولى فله سلبه } قالوا : فقولوا بهذا أيضا " . قال أبو محمد : فقلنا إنما يلزم القول بهذا من يقول بحديث مبشر بن عبيد الحمصي لا صداق أقل من عشرة دراهم ، ومن يقول بحديث أبي زيد مولى عمرو بن حريث في إباحة الوضوء بالخمر ، وتلك النطائح والمترديات . فهذا الخبر مضاف إلى تلك . وأما من لا يأخذ إلا بما روى الثقة عن الثقة فليس يلزمه أن يأخذ بما رواه غالب بن حجرة المجهول عن أم عبد الله بنت الملقام التي لا يدرى من هي ؟ عن أبيها الذي لا يعرف ، والقوم في عمى نعوذ بالله مما ابتلاهم به ، وتالله لو صح لقلنا به ولم نجد في أنفسنا حرجا منه . فإن ذكروا ما رويناه من طريق سعيد عن قتادة وقد قيل : إن عمرو بن شعيب رواه عن أبيه عن جده في سبب نزول الأنفال " أن النبي ﷺ كان ينفل الرجل من المسلمين سلب الكافر إذا قتله ، فأمرهم أن يرد بعضهم على بعض ، قال { اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } أي ليردن بعضكم على بعض . قال أبو محمد : وهذا لا شيء لأنها صحيفة ومرسل ، ولو صح لكان في أمر بدر وقد قلنا : إن القضاء بالسلب للقاتل كان في حنين بعد ذلك بأعوام ستة أو نحوها . ثم موهوا بقياسات سخيفة كلها لازم لهم وغير لازم لنا . منها : أن قالوا : لما كان الغانم ليس أحق بما غنم كان القاتل في السلب كذلك ؛ ولو كان السلب حقا للقاتل لكانت الأسلاب - إذا لم يعرف قاتلو أهلها - موقفة كاللقطة . قال أبو محمد : القياس باطل ، وإنما يلزم القياس من صححه ، وهم يصححونه فهو لهم لازم فليبطلوا بهاتين الأحموقتين قولهم : [ إن السلب ] للقاتل إذا قال الإمام [ قبل القتال ] : من قتل قتيلا فله سلبه - فهذا يلزمهم إذ عدلوا هذا الإلزام على أنفسهم . وأما نحن فنقول : إن كل مال لا يعرف صاحبه فهو في مصالح المسلمين ، وكل سلب لا تقوم لقاتله بينة فهو في جملة الغنيمة بحكم رسول الله ﷺ ونص قوله لا نتعداه والحمد لله رب العالمين . قال أبو محمد : ويكفي من هذا أن الله تعالى قال : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وقد قضى رسول الله ﷺ أن السلب للقاتل إذا قامت له بينة ، فإن كانت طاعته عليه السلام واجبة فالسلب حق للقاتل متى قامت له به بينة ولا خيرة لأحد - لا إمام ولا غيره - في خلاف ذلك ، لنص كلام الله تعالى ، وإن كانت طاعته عليه السلام ليست واجبة فهذا كفر من قائله ، وإذا لم يكن السلب من حق القاتل بقوله عليه الصلاة والسلام : إنه له إذا قامت له به بينة ، فمن أين خرج لهم ؟ وأين وجدوا ما يوجب قولهم الفاسد ؟ : في أن الإمام إذا قال : من قتل قتيلا فله سلبه . كان السلب حينئذ للقاتل ، ولا نعمى عين للإمام أن يكون قوله تحريما أو إيجابا . فظهر فساد قولهم جملة وتعريه من الدليل ، وهو قول لم يحفظ قط قبلهم لا عن صاحب ، ولا عن تابع - وبالله تعالى التوفيق .



956 - مسألة : وإن نفل الإمام من رأس الغنيمة - بعد الخمس وقبل القسمة - من رأى أن ينفله ممن أغنى عن المسلمين ، وممن معه من النساء اللواتي ينتفع بهن أهل الجيش ، ومن قاتل ممن لم يبلغ : فحسن . وإن رأى أن ينفل من أتى بمغنم في الدخول ربع ما ساق بعد الخمس فأقل ، أو ثلث ما ساق بعد الخمس فأقل ، لا أكثر أصلا : فحسن ، لما رويناه من طريق مسلم نا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال { كان رسول الله ﷺ ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسمة عامة الجيش ، والخمس في ذلك واجب كله } ومن طريق أبي داود نا محمود بن خالد نا مروان بن محمد نا يحيى بن حمزة قال : [ سمعت : أبا وهب يقول ] : سمعت مكحولا قال : سمعت زياد بن جارية سمعت حبيب بن مسلمة يقول { شهدت رسول الله ﷺ نفل الربع في البداءة والثلث في الرجعة } ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت { أن رسول الله ﷺ كان ينفل في البداءة الربع وفي القفول الثلث } ومن طريق ابن أبي شيبة نا عفان بن مسلم عن أبي عوانة عن عاصم بن كليب عن أبي الجويرية قال لي معن بن يزيد السلمي " سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا نفل إلا من بعد الخمس } وقال بهذا طائفة من السلف . روينا من طريق حماد بن سلمة نا داود بن أبي هند عن الشعبي أن جرير بن عبد الله البجلي قدم على عمر بن الخطاب في قومه يريد الشام فقال له عمر : هل لك أن تأتي الكوفة وأنفلك الثلث من بعد الخمس من كل أرض وشيء ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى قال : كان الناس ينفلون أكثر من الثلث حتى إذا كان عمر بن عبد العزيز كتب أنه لم يبلغنا أن رسول الله ﷺ نفل بأكثر من الثلث - وهو قول الأوزاعي ، وأبي سليمان . قال أبو محمد : الخمس قد جعله الله تعالى لأهله الذين سمى ، فالنفل منه من سهم النبي ﷺ خاصة ، وهو خمس الخمس ، وسائر الغنيمة للغانمين ، فلا يحل أن يخرج منه شيء إلا ما أباح الله تعالى إخراجه ، أو أوجب إخراجه على لسان رسوله ﷺ وليس إلا السلب جملة للقاتل ، وتنفيل ما ذكرنا من الربع فأقل ، أو الثلث في القفول فأقل . وكذلك كما روينا عن أنس ، وسعيد بن المسيب ، لا نفل إلا بعد الخمس وبالله تعالى التوفيق .

957 - مسألة : وتقسم الغنائم كما هي بالقيمة ولا تباع ، لأنه لم يأت نص ببيعها ، وتعجل القسمة في دار الحرب ، وتقسم الأرض وتخمس ، كسائر الغنائم ، ولا فرق ، فإن طابت نفوس جميع أهل العسكر على تركها أوقفها الإمام حينئذ للمسلمين وإلا فلا ، ومن أسلم نصيبه كان من لم يسلم على حقه ، لا يجوز غير ذلك - وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان . وقال مالك : تباع الغنيمة وتقسم أثمانها وتوقف الأرض ولا تقسم ولا تكون ملكا لأحد . وقال أبو حنيفة : الإمام مخير إن شاء قسمها وإن شاء أوقفها ، فإن أوقفها فهي ملك للكفار الذين كانت لهم ، ولا تقسم الغنائم إلا بعد الخروج من دار الحرب . قال أبو محمد : يبين ما قلنا قول الله تعالى : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } ولم يقل من أثمان ما غنمتم . ومن طريق البخاري نا مسدد نا أبو الأحوص نا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع عن أبيه عن جده رافع بن خديج { أنهم أصابوا غنائم فقسمها النبي ﷺ بينهم فعدل بعيرا بعشر شياه } . فصح أنه عليه السلام إنما قسم أعيان الغنيمة . وأيضا فإن حقهم إنما هو فيما غنموا ، فبيع حقوقهم وأموالهم بغير رضا من جميعهم أولهم عن آخرهم لا يحل لقول رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فإن رضي الجيش كلهم بالبيع إلا واحدا فله ذلك ويعطى حقه من عين الغنيمة ، ويباع إن أراد البيع قال تعالى : { لا تكسب كل نفس إلا عليها } . وبهذا جاءت الآثار في حنين ، وبدر ، وغيرهما ، كقول علي : إنه وقع لي شارف من المغنم ، وكوقوع جويرية أم المؤمنين في سهم ثابت بن قيس بن الشماس ، وغير ذلك كثير ، وكذلك بعد النبي ﷺ كقول ابن عمر ، وقعت في سهمي يوم جلولاء جارية وهو قول سعيد بن المسيب - وغيره . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : أكره بيع الخمس حتى يقسم ، ولا نعرف لهم مخالفا من الصحابة أصلا وأما تعجيل القسمة فإن مطل ذي الحق لحقه ظلم ، وتعجيل إعطاء كل ذي حق حقه فرض ، والحنفيون يقولون : من مات من أهل الجيش قبل الخروج إلى دار الإسلام ، أو قتل في الحرب فلا سهم له . قال : فلو خرجوا عن دار الحرب فلحق بهم مدد قبل خروجهم إلى دار الإسلام فحقهم معهم في الغنيمة - وهذا ظلم لا خفاء به ، وقول في غاية الفساد بغير برهان ؛ بل كل من شهد شيئا من القتال الذي كان سبب الغنيمة ، أو شهد شيئا من جمع الغنيمة فحقه فيها يورث عنه ، ومن لم يشهد من ذلك شيئا فلا حق له فيها - فهل سمع بظلم أقبح من منع من قاتل وغنم وإعطاء من لم يقاتل ولا غنم ؟ وأما الأرض ، فإن الصحابة اختلفوا . فروينا أن ابن الزبير ، وبلالا ، وغيرهم دعوا إلى قسمة الأرض ، وأن عمر ، وعليا ، ومعاذا ، وأبا عبيدة ، رأوا إبقاءها رأيا منهم ، وإذ تنازعوا فالمردود إليه هو ما افترض الله تعالى الرد إليه إذ يقول : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } فوجدنا من قلد عمر في ذلك يذكر ما رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قال عمر : لولا آخر المسلمين ما افتتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله ﷺ خيبر . قال أبو محمد : وهذا أعظم حجة عليهم لوجوه . أولها : إقرار عمر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قسم خيبر . والثاني : أنه قد أخبر رضي الله عنه أنه إنما فعل ذلك نظرا لآخر المسلمين ، والذي لا شك فيه [ فهو ] أن رسول الله ﷺ كان أنظر لأول المسلمين ولآخرهم من عمر ، فما رأى هذا الرأي ؛ بل أبقى لآخر المسلمين ما أبقى لأولهم الجهاد في سبيل الله ، فإما الغنيمة وإما الشهادة ، وأبقى لهم مواريث موتاهم ، والتجارة ، والماشية ، والحرث . والثالث : أنه قد خالف عمر الزبير ، وليس بعضهم أحق بالاتباع من بعض ؛ فحتى لو صح عن عمر رضي الله عنه ما ظنوه به لما كان لهم فيه حجة ، ولكان رأيا منه غيره خير منه ، وهو ما أخبر به عن النبي ﷺ فكيف وعمر قوله كقولنا في هذه المسألة ؟ كما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى . وهذا الخبر من عمر يكذب كل ما موهوا به من أحاديث مكذوبة من أن رسول الله ﷺ لم يقسم خيبر كلها ، فهم دأبا يسعون في تكذيب قول عمر نصرا لرأيهم الفاسد وظنهم الكاذب . وقد روينا عن عمر أنه قال : إن عشت إلى قابل لا تفتح قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله ﷺ خيبر - ، فهذا رجوع من عمر إلى القسمة . واحتجوا بخبر صحيح رويناه من طريق أبي هريرة " أن رسول الله ﷺ قال : { منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها وعدتم كما بدأتم } . قالوا : فهذا هو الخراج المضروب على الأرض ، وهو يوجب إيقافها . قال أبو محمد : وهذا تحريف منهم للخبر بالباطل وادعاء ما ليس في الخبر بلا نص ولا دليل ، ولا يخلو هذا الخبر من أحد وجهين فقط ، أو قد يجمعهما جميعا بظاهر لفظه . أحدهما : أنه أخبر ﷺ عن الجزية المضروبة على أهل هذه البلاد إذا فتحت - وهو قولنا - لأن الجزية بلا شك واجبة بنص القرآن ، ولا نص يوجب الخراج الذي يدعون . والثاني : أنه إنذار منه عليه السلام بسوء العاقبة في آخر الأمر ، وأن المسلمين سيمنعون حقوقهم في هذه البلاد ويعودون كما بدءوا ، وهذا أيضا حق قد ظهر - وإنا لله وإنا إليه راجعون - فعاد هذا الخبر حجة عليهم قال أبو محمد : فإذ لا دليل على صحة قولهم فلنذكر الآن البراهين على صحة قولنا . قال الله تعالى : { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } فسوى تعالى بين كل ذلك ولم يفرق ، فلا يجوز أن يفرق بين حكم ما صار إلينا من أهل الحرب من مال ، أو أرض بنص القرآن ، وقال تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى } . وروينا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد هو المسندي نا معاوية بن عمرو نا أبو إسحاق هو الفزاري - عن مالك بن أنس حدثني ثور عن سالم مولى ابن مطيع " أنه سمع أبا هريرة يقول : افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ، ولا فضة إنما غنمنا الإبل ، والبقر ، والمتاع ، والحوائط " . فصح أن الحوائط ، وهي : الضياع ، والبساتين : مغنومة كسائر المتاع فهي مخمسة بنص القرآن ، والمخمس مقسوم بلا خلاف روينا من طريق أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، كلاهما عن عبد الرزاق نا معمر عن همام بن منبه نا أبو هريرة قال : قال رسول الله ﷺ { أيما قرية أتيتموها ، وأقمتم فيها فسهمكم فيها ، وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله ، ثم هي لكم } وهذا نص جلي لا محيص عنه . وقد صح أن النبي ﷺ قسم أرض بني قريظة ، وخيبر . ثم العجب كله : أن مالكا قلد هاهنا عمر ، ثم فيما ذكرتم وقف ، فلم يخبر كيف يعمل في خراجها ، وأقر أنه لا يدري فعل عمر في ذلك ، فهل في الأرض أعجب من جهالة تجعل حجة ؟ وأما أبو حنيفة فأخذ في ذلك برواية غير قوية جاءت عن عمر ، وترك سائر ما روي عنه ، وتحكموا في الخطأ بلا برهان ، وقد تقصينا ذلك في كتاب الإيصال - والله المستعان [ ولله تعالى الحمد ] فكيف والرواية عن عمر الصحيحة هي قولنا ؟ كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور نا محمد بن عيسى بن رفاعة نا علي بن عبد العزيز نا أبو عبيد نا هشيم نا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : كانت بجيلة ربع الناس يوم القادسية فجعل لهم عمر ربع السواد فأخذوا سنتين ، أو ثلاثا ، فوفد عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب ومعه جرير بن عبد الله ، فقال عمر : يا جرير لولا أني قاسم مسئول لكنتم على ما جعل لكم ، وأرى الناس قد كثروا فأرى أن ترده عليهم . ففعل جرير ذلك ، فقالت أم كرز البجلية : يا أمير المؤمنين إن أبي هلك وسهمه ثابت في السواد وإني لم أسلم . فقال لها عمر : يا أم كرز إن قومك قد صنعوا ما قد علمت ، فقالت : إن كانوا صنعوا ما صنعوا فإني لست أسلم حتى تحملني على ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ كفي ذهبا . ففعل عمر ذلك ، فكانت الذهب نحو ثمانين دينارا ، فهذا أصح ما جاء عن عمر في ذلك - وهو قولنا ، فإنه لم يوقف حتى استطاب نفوس الغانمين وورثة من مات منهم ؛ وهذا الذي لا يجوز أن يظن بعمر غيره ، ورب قضية خالفوا فيها عمر مما قد ذكرناه قبل من تخميسه السلب وإمضائه سائره للقاتل وغير ذلك ، ومن عجائبهم إسقاطهم الجزية عن أهل الخراج ؟ وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن محمد بن قيس عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي عن عمر ، وعلي أنهما قالا : إذا أسلم وله أرض وضعنا عنه الجزية وأخذنا منه خراجها . حدثنا ابن أبي شيبة عن هشيم عن حصين أن رجلين من أهل أليس أسلما فكتب عمر إلى عثمان بن حنيف أن يرفع الجزية عن رءوسهما وأن يأخذ الطسق من أرضيهما . حدثنا ابن أبي شيبة نا وكيع نا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن دهقانة من نهر الملك أسلمت فقال عمر : ادفعوا إليها أرضها تؤدي عنها الخراج . نا ابن أبي شيبة نا وكيع عن سفيان عن جابر عن الشعبي أن الرفيل دهقان النهرين أسلم ففرض له عمر في ألفين ، ووضع عن رأسه الجزية ، وألزمه خراج أرضه . فإن قيل : حديث ابن عون مرسل ؟ قلنا : سبحان الله وإذ روي المرسل عن معاذ في اجتهاد الرأي كان حجة والآن ليس بحجة ، ولا يعرف لمن ذكرنا مخالف من الصحابة .

958 - مسألة : ولا يقبل من كافر إلا الإسلام ، أو السيف - الرجال والنساء في ذلك سواء - حاشا أهل الكتاب خاصة ، وهم اليهود ، والنصارى ، والمجوس فقط ، فإنهم إن أعطوا الجزية أقروا على ذلك مع الصغار . وقال أبو حنيفة ومالك : أما من لم يكن كتابيا من العرب خاصة فالإسلام أو السيف . وأما الأعاجم فالكتابي وغيره سواء ، ويقر جميعهم على الجزية . قال أبو محمد : هذا باطل لقول الله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } ، وقال تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فلم يخص تعالى عربيا من عجمي في كلا الحكمين . وصح أنه عليه السلام أخذ الجزية من مجوس هجر ؛ فصح أنهم من أهل الكتاب ، ولولا ذلك ما خالف رسول الله ﷺ كتاب ربه تعالى . فإن ذكروا ما روي عن النبي ﷺ من قوله : { إنما أريدهم على كلمة تدين لهم بها العرب ثم تؤدي إليها العجم الجزية } فلا حجة لهم في هذا ؛ لأنهم لا يختلفون في أن أهل الكتاب من العرب يؤدون الجزية ، وأن من أسلم من العجم لا يؤدي الجزية . فصح أن هذا الخبر ليس على عمومه ، وأنه عليه السلام إنما عنى بأداء الجزية بعض العجم لا كلهم ، وبين تعالى من هم ، وأنهم أهل الكتاب فقط . والعجب كله أنهم جعلوا قول الله تعالى : { فإما منا بعد وإما فداء } منسوخا بقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ولم يجعلوا ذلك مبينا لقوله عليه السلام : { تؤدي إليكم الجزية } ولو قلبوا لأصابوا وهذا تحكم بالباطل . وقالوا : قال الله تعالى : { لا إكراه في الدين } ؟ فقلنا : أنتم أول من يقول : إن العرب الوثنيين يكرهون على الإسلام ، وإن المرتد يكره على الإسلام . وقد صح أن النبي ﷺ أكره مشركي العرب على الإسلام ، فصح أن [ هذه ] الآية ليست على ظاهرها وإنما هي فيمن نهانا الله تعالى أن نكرهه ، وهم أهل الكتاب خاصة - وقولنا هذا هو قول الشافعي ، وأبي سليمان - وبالله تعالى التوفيق . 959 - مسألة : والصغار هو أن يجري حكم الإسلام عليهم ، وأن لا يظهروا شيئا من كفرهم ، ولا مما يحرم في دين الإسلام قال عز وجل : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وبنو تغلب وغيرهم سواء لأن الله تعالى ورسوله ﷺ لم يفرقا بين أحد منهم ، ويجمع الصغار شروط عمر رضي الله عنه عليهم . نا محمد بن الحسن بن عبد الوارث نا عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن النحاس نا أبو العباس محمد بن إسحاق بن أبي إسحاق الصفار نا أبو الفضل الربيع بن تغلب نا يحيى بن عقبة عن أبي العيزار عن سفيان الثوري عن طلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال : كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه : أن لا يحدثوا في مدينتهم ولا ما حولها ديرا ، ولا كنيسة ، ولا قلية ولا صومعة راهب ، ولا يجددوا ما خرب منها ، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ، ولا يؤووا جاسوسا ، ولا يكتموا غشا للمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يظهروا شركا ، ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوه ، وأن يوقروا المسلمين ، ويقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم : في قلنسوة ، ولا عمامة ، ولا نعلين ، ولا فرق شعر ، ولا يتكلموا بكلام المسلمين ، ولا يتكنوا بكناهم ، لا يركبوا سرجا ، ولا يتقلدوا سيفا ، ولا يتخذوا شيئا من السلاح ، ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ، ولا يبيعوا الخمور ، وأن يجزوا مقادم رءوسهم ، وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا ، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ، ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين ، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ، ولا يضربوا ناقوسا إلا ضربا خفيفا ، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ولا يخرجوا سعانين ولا يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ، ولا يظهروا النيران معهم ، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين . فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم ، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق . وعن عمر أيضا : أن لا يجاورونا بخنزير . قال أبو محمد : ومن الصغار أن لا يؤذوا مسلما ، ولا يستخدموه ، ولا يتولى أحد منهم شيئا من أمور السلطان يجري لهم فيه أمر على مسلم

960 - مسألة والجزية لازمة للحر منهم والعبد ، والذكر ، والأنثى ، والفقير البات ، والغني الراهب سواء من البالغين خاصة ، لقول الله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } . ولا خلاف في أن الدين لازم للنساء كلزومه للرجال ولم يأت نص بالفرق بينهم في الجزية صح عن عمر بن عبد العزيز : أنه فرض الجزية على رهبان الديارات ، على كل راهب دينارين . ومن طريق سفيان الثوري أن عمر بن عبد العزيز أخذ الجزية من عتقاء المسلمين من اليهود والنصارى وقال مالك : لا تؤخذ الجزية ممن أعتقه مسلم ، أو كافر . وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان : تؤخذ الجزية منهم وما نعلم لقول مالك حجة أصلا . فإن قيل : قد صح عن عمر رضي الله عنه أن تؤخذ الجزية من كل من جرت عليه المواسي إلا النساء ؟ قلنا : أنتم أول من خالفتم هذا الحكم فأسقطتموها عن المعتقين ، والرهبان ، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد غير رسول الله ﷺ وقد جاءت في هذا آثار مرسلة وهي كما روينا من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق قال : { بعث رسول الله ﷺ معاذ بن جبل إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم وحالمة من أهل الذمة دينارا أو قيمته من المعافر } قال أبو محمد : على هذا الإسناد عولوا في أخذ التبيع من الثلاثين من البقر والمسنة من الأربعين ، ومن المحال أن يكون خبر حجة في شيء غير حجة في غيره . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال { في كتاب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن : من كره الإسلام من يهودي ، أو نصراني فإنه لا يحول عن دينه وعليه الجزية على كل حالم ذكر ، أو أنثى ، حر أو عبد : دينار واف من قيمة المعافر أو عرضه } . ومن طريق أبي عبيد نا جرير بن عبد الحميد عن منصور هو ابن المعتمر - عن الحكم بن عتيبة قال : { كتب رسول الله ﷺ إلى معاذ وهو باليمن : في الحالم ، أو الحالمة دينار ، أو عدله من المعافر } قال أبو محمد : الحنفيون ، والمالكيون يقولون : إن المرسل أقوى من المسند ويأخذون به إذا وافقهم ، فالفرض عليهم أن يأخذوا هاهنا بها فلا مرسل أحسن من هذه المراسيل ، وأما نحن فإنما معولنا على عموم الآية فقط . فإن قالوا : إنما تؤخذ الجزية ممن يقاتل ؟ قلنا : فلا تأخذوها من المرضى ، ولا من أهل بلدة من بلاد الكفر لزموا بيوتهم وأسواقهم ولم يقاتلوا مسلما . فإن قالوا : أول الآية { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } ؟ قلنا : نعم ، أمرنا بقتالهم إن قاتلونا حتى يعطي جميعهم الجزية عن يد كما في نص الآية ؛ لأن الضمير راجع إلى أقرب مذكور . والعجب أن الحنفيين يقيمون أضعاف الصدقة على بني تغلب مقام الجزية ، ثم يضعونها على النساء ، ثم يأبون من أخذ الجزية من النساء . فإن قالوا : قد نهى عمر عن أخذها من النساء ؟ قلنا : قد صح عن عمر الأمر بالتفريق بين كل ذي محرم من المجوس وأنتم تخالفونه ، وفي ألف قضية قد ذكرنا منها كثيرا ، فلا ندري متى هو عمر حجة ، ولا متى هو ليس حجة ؟ فإن ادعوا إجماعا كذبوا ، ولا سبيل إلى أن يجدوا نهيا عن ذلك عن غير عمر - ومسروق أدرك معاذا وشاهد حكمه باليمن ، وذكر أن النبي ﷺ خاطبه بأخذ الجزية من النساء ، ومن المحال أن يخالف معاذ ما كتب إليه به رسول الله ﷺ وبالله تعالى التوفيق . روينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا الفضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد قال : يقاتل أهل الأوثان على الإسلام ، ويقاتل أهل الكتاب على الجزية ، وهذا عموم للرجال والنساء - وهو قولنا . وقال الشافعي ، وأبو سليمان : لا تقبل الجزية إلا من كتابي . وأما غيرهم : فالإسلام ، أو القتل - الرجال والنساء - وهو نص القرآن . فالتفريق بين [ كل ] ذلك لا يجوز ، ولا يحل ألبتة أن يبقى مخاطب مكلف لا يسلم ، ولا يؤدي الجزية ، ولا يقتل ؛ لأنه خلاف القرآن والسنن . ولا خلاف بين أحد من الأمة في النساء مكلفات من دين الإسلام ومفارقة الكفر ما يلزم الرجال سواء سواء ، فلا يحل إبقاؤهن على الكفر بغير قتل ولا جزية . وقد صح عن النبي ﷺ ما [ قد ] ذكرناه قبل بإسناده : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، ويؤمنوا بما أرسلت به - فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها وحسابهم على الله } . ولا يختلفون في أن هذه اللوازم كلها هي على النساء كما هي على الرجال ، وأن أموالهن في الكفر مغنومة كأموال الرجال ؛ فثبت يقينا أنهن لا يعصمن دماءهن وأموالهن إلا بما يعصم الرجال به أموالهم ودماءهم ، أو الجزية إن كن كتابيات ولا بد - وبالله تعالى التوفيق .


961 - مسألة: ولا يحل السفر بالمصحف إلى أرض الحرب لا في عسكر، ولا في غير عسكر.
روينا من طريق معمر عن أيوب السختياني عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله ﷺ أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو.
وقال مالك: إن كان عسكر مأمون فلا بأس به.
قال أبو محمد: وهذا خطأ, وقد يهزم العسكر المأمون, ولا يجوز أن يعترض أمر رسول الله ﷺ فيخص بلا نص.
962 - مسألة: ولا تحل التجارة إلى أرض الحرب إذا كانت أحكامهم تجري على التجار, ولا يحل أن يحمل إليهم سلاح, ولا خيل, ولا شيء يتقوون به على المسلمين.
وهو قول عمر بن عبد العزيز, وعطاء, وعمرو بن دينار, وغيرهم.
روينا من طريق أبي داود نا هناد بن السري نا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله ﷺ: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين.
قال أبو محمد: من دخل إليهم لغير جهاد, أو رسالة من الأمير فإقامة ساعة إقامة, قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}, وقال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} ففرض علينا إرهابهم, ومن أعانهم بما يحمل إليهم فلم يرهبهم; بل أعانهم على الإثم والعدوان.
963 - مسألة: ولا يحل لأحد أن يأخذ مما غنم جيش, أو سرية شيئا خيطا فما فوقه وأما الطعام فكل ما أمكن حمله فحرام على المسلمين إلا ما اضطروا إلى أكله ولم يجدوا شيئا غيره.
وأما ما يقدر على حمله فجائز إفساده وأكله, وإن لم يضطروا إليه.
وإنما هذا فيما ملكوه, وأما ما لم يملكوه من صيد, أو حجر, أو عود شعر, أو ثمار, أو غير ذلك, فهو كله مباح كما هو في أرض الإسلام، ولا فرق, قال عز وجل: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}.
روينا من طريق مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة، أنه قال: أهدي إلى رسول الله ﷺ عبد أسود يقال له: مدعم, حتى إذا كانوا بوادي القرى فبينا مدعم يحط رحل رسول الله ﷺ إذ جاءه سهم عائر فأصابه فقتله; فقال الناس: هنيئا له الجنة, فقال رسول الله ﷺ كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا; فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك, أو شراكين إلى رسول الله ﷺ فقال له عليه السلام: شراك, أو شراكان من نار والطعام من جملة أموالهم.
فإن ذكر ذاكر ما رويناه من طريق ابن عمر غنم جيش في زمان رسول الله ﷺ طعاما وعسلا فلم يؤخذ منهم الخمس فهذا عليهم; لأنهم يقولون: إن كثر ذلك وأمكن حمله خمس، ولا بد, وأما نحن فإن الآية زائدة على ما في هذا الخبر, وهي قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى}.
وحديث الغلول زائد عليه, فيخرج هذا الخبر على أنه كان قبل نزول الخمس لا يجوز إلا هذا; لأن الأخذ بالزائد فرض لا يحل تركه, ونحن على يقين من أن الآية, وحديث الغلول غير منسوخين مذ نزلا.
فإن ذكروا أيضا حديث ابن عمر " كنا نصيب في مغازينا العنب والعسل فنأكله، ولا نرفعه " فهذا بين وهو أنه كان لا يمكن حمله; إذ لم يرفعوه فأكله خير من إفساده, أو تركه, وهكذا نقول.
فإن ذكروا حديث ابن مغفل في جراب الشحم, فلا حجة لهم فيه لأنهم أول مخالف له فيقولون: لا يحل أخذ الجراب وإنما يحل عند بعضهم الشحم فقط.
وهذا خبر قد رويناه بزيادة بيان, كما روينا من طريق محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب نا عفان بن مسلم, ومسلم بن إبراهيم قالا: نا شعبة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مغفل قال: كنا محاصري خيبر فدلي إلينا جراب فيه شحم فأردت أن آخذه ونوينا أن لا نعطي أحدا منه شيئا فالتفت فإذا رسول الله ﷺ خلفي يبتسم, فاستحييت أن آخذه.
ثم لو صح أنه أخذه لكان على ما ذكرنا من الحاجة إليه.
يبين ذلك ما رويناه من طريق البخاري نا علي بن الحكم الأنصاري نا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده قال: كنا مع رسول الله ﷺ بذي الحليفة فأصاب الناس جوع فأصابوا إبلا وغنما والنبي ﷺ في أخريات الناس فعجلوا فذبحوا ونصبوا القدور فأمر النبي ﷺ بالقدور فأكفئت, ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير فلم يبح لهم أكل شيء إذ قد كانت القسمة قد حضرت فيصل كل ذي حق إلى حقه وبالله تعالى التوفيق.
964 - مسألة: وكل من دخل من المسلمين فغنم في أرض الحرب سواء كان وحده أو في أكثر من واحد بإذن الإمام وبغير إذنه فكل ذلك سواء, والخمس فيما أصيب, والباقي لمن غنمه; لقول الله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه}, وقوله تعالى: {فكلوا مما غنمتم}.
وقال أبو حنيفة: لا خمس إلا فيما أصابته جماعة.
قال أبو يوسف: تسعة فأكثر وهذه أقوال في غاية الفساد لمخالفتها القرآن, والسنن, والمعقول, وقد قال تعالى: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} فلم يخص بأمر الإمام، ولا بغير أمره ولو أن إماما نهى عن قتال أهل الحرب لوجبت معصيته في ذلك, لأنه أمر بمعصية فلا سمع، ولا طاعة له.
وقال تعالى: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك} وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم, فكل أحد مأمور بالجهاد وإن لم يكن معه أحد, وقال تعالى: {انفروا خفافا وثقالا}, وقال تعالى: {فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}.
965 - مسألة: ونستحب الخروج للسفر يوم الخميس.
روينا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله ﷺ كان يحب أن يخرج يوم الخميس.
966 - مسألة: ومن قدم من سفر نهارا فلا يدخل إلا ليلا, ومن قدم ليلا فلا يدخل إلا نهارا إلا لعذر.
روينا من طريق شعبة عن يسار عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: إذا قدم أحدكم ليلا فلا يأتين أهله طروقا حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة.
ومن طريق هشيم عن يسار عن الشعبي عن جابر قدمنا مع رسول الله ﷺ المدينة فذهبنا لندخل فقال عليه السلام: أمهلوا حتى ندخل ليلا كي تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة.
967 - مسألة: ولا يجوز أن تقلد الإبل في أعناقها شيئا, ولا أن يستعمل الجرس في الرفاق.
روينا من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري أخبره أنه كان مع رسول الله ﷺ في سفر فأرسل عليه السلام رسولا: لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر, أو قلادة إلا قطعت ومن طريق أبي داود نا أحمد بن يونس نا زهير، هو ابن معاوية نا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب, أو جرس.
وصح النهي عن الجرس عن عائشة, وأم سلمة أمي المؤمنين وأبي هريرة، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ولم يصح في النهي عن تقليد أعناق الخيل وغيرها أثر0
968- مسألة: وجائز تحلية السيوف, والدواة, والرمح, والمهاميز, والسرج, واللجام, وغير ذلك بالفضة والجوهر، ولا شيء من الذهب في شيء من ذلك, قال عز وجل: {ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها} فأباح لنا لباس اللؤلؤ, وقال تعالى: {خلق لكم ما في الأرض جميعا}.
وقال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}, فكل شيء فهو حلال إلا ما فصل لنا تحريمه ولم يفصل تحريم الفضة أصلا إلا في الآنية فقط.
روينا من طريق أبي داود نا مسلم بن إبراهيم نا جرير بن حازم نا قتادة عن أنس قال: كانت قبيعة سيف رسول الله ﷺ فضة.
قال أبو محمد: فقاس قوم على السيف والخاتم المصحف والمنطقة ومنعوا من سائر ذلك; فلا القياس طردوا، ولا النصوص اتبعوا.
والعجب كل العجب من تحريمهم التحلي بالفضة في السرج واللجام، ولا نهي في ذلك وإباحتهم لباس الحرير في الحرب, وقد صح تحريمه جملة.
969 - مسألة: والرباط في الثغور حسن, ولا يحل الرباط إلى ما ليس ثغرا كان فيما مضى ثغرا أو لم يكن وهو بدعة عظيمة.
روينا من طريق مسلم نا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي نا أبو الوليد الطيالسي نا ليث، هو ابن سعد عن أيوب بن موسى عن مكحول عن شرحبيل بن السمط عن سلمان الفارسي سمعت: رسول الله ﷺ يقول: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه, وإن من مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله, وأجري عليه رزقه, وأمن من الفتان.
قال أبو محمد: وكل موضع سوى مدينة رسول الله ﷺ فقد كان ثغرا ودار حرب, ومغزى جهاد; فتخصيص مكان من الأرض كلها بالقصد لأن العدو ضرب فيه دون سائر الأرض كلها ضلال, وحمق, وإثم, وفتنة, وبدعة.
فإن كان لمسجد فيه فهذا أشد في الضلال لنهي النبي ﷺ عن السفر إلى شيء من المساجد حاشا مسجد مكة, ومسجده بالمدينة, ومسجد بيت المقدس.
فإن كان ساحل بحر فساحل البحر كله من شرق الأرض إلى غربها سواء, ولا فرق بين ساحل بحر وساحل نهر في الدين, ولا فضل لشيء من ذلك.
فإن كان أثر نبي من الأنبياء فالقصد إليه حسن, قد تبرك أصحاب النبي ﷺ بموضع مصلاه واستدعوه ليصلي في بيوتهم في موضع يتخذونه مصلى فأجاب إلى ذلك عليه السلام
970 - مسألة: وتعليم الرمي على القوس والإكثار منه فضل حسن سواء العربية والعجمية.
روينا من طريق مسلم نا هارون بن معروف نا ابن وهب نا عمرو بن الحارث عن أبي علي ثمامة بن شفي عن عقبة بن عامر يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بسهمه.
ومن طريق الليث عن الحارث بن يعقوب عن عبد الرحمن بن شماسة قال عقبة بن عامر " إن رسول الله ﷺ قال: من علم الرمي, ثم تركه فليس منا أو قد عصى.
971 - مسألة: والمسابقة بالخيل, والبغال, والحمير, وعلى الأقدام: حسن, والمناضلة بالرماح, والنبل, والسيوف: حسن.
روينا من طريق أبي داود نا أبو صالح محبوب بن موسى الأنطاكي أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت مع النبي ﷺ في سفر قالت سابقت رسول الله ﷺ فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني, فقال: هذه بتلك السبقة.
ومن طريق أبي داود نا أحمد بن يونس نا ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع هو مولى أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا سبق إلا في حافر, أو خف, أو نصل.
قال أبو محمد: الخف اسم يقع على الإبل في اللغة العربية.
والحافر في اللغة لا يقع إلا على الخيل, والبغال, والحمير.
والنصل لا يقع إلا على السيف, والرمح, والنبل.
والسبق هو ما يعطاه السابق.
972 - مسألة: والسبق هو أن يخرج الأمير, أو غيره مالا يجعله لمن سبق في أحد هذه الوجوه, فهذا حسن.
ويخرج أحد المتسابقين فيما ذكرنا مالا فيقول لصاحبه: إن سبقتني فهو لك, وإن سبقتك فلا شيء لك علي, ولا شيء لي عليك, فهذا حسن.
فهذان الوجهان يجوزان في كل ما ذكرنا، ولا يجوز إعطاء مال في سبق غير هذا أصلا للخبر الذي ذكرنا آنفا.
فإن أراد أن يخرج كل واحد منهما مالا يكون للسابق منهما لم يحل ذلك أصلا إلا في الخيل فقط.
ثم لا يجوز ذلك في الخيل أيضا إلا بأن يدخلا معها فارسا على فرس يمكن أن يسبقهما, ويمكن أن لا يسبقهما, ولا يخرج هذا الفارس مالا أصلا فأي المخرجين للمال سبق أمسك ماله نفسه وأخذ ما أخرج صاحبه حلالا, وإن سبقهما الفارس الذي أدخلا وهو يسمى المحلل أخذ المالين جميعا فإن سبق فلا شيء عليه وما عدا هذا فحرام.
ولا يجوز أن يشترط على السابق إطعام من حضر.
روينا من طريق أبي داود نا مسدد نا الحصين بن نمير نا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: من أدخل فرسا بين فرسين يعني وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار, ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار.
قال أبو محمد: ما عدا هذا فهو أكل مال بالباطل وبالله تعالى التوفيق.
قلت المدون انتهي كتاب الجهاد والتالي بمشيئة الله هو كتاب الأضاحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مكتبات الكتاب الاسلامي

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أ...