مدونة استكمال مصنفات الإمامين ابن حزم والوكاني

الأحد، 20 مارس 2022

تابع كتاب الصلاة المحلي لابن حزم من مسألة رقم 361 -- الي رقم 412.

تابع كتـاب الصلاة 
أوقـــات الصـلاة   

361 - مسألة : فمن دخل خلف إمام فبدأ بقراءة أم القرآن فركع الإمام قبل أن يتم هذا الداخل أم القرآن فلا يركع حتى يتمها . برهان ذلك - : ما ذكرناه من وجوب قراءة القرآن في كل ركعة ؛ وقد قال رسول الله ﷺ : { مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت } وسنذكره بإسناده في باب وجوب أن لا يرفع المأموم رأسه قبل إمامه ، ولا معه - إن شاء الله تعالى

362 - مسألة : فإن جاء والإمام راكع فليركع معه ، ولا يعتد بتلك الركعة ؛ لأنه لم يدرك القيام ، ولا القراءة ؛ ولكن يقضيها إذا سلم الإمام ، فإن خاف جاهلا فليتأن حتى يرفع الإمام رأسه من الركوع فيكبر حينئذ . وقال قائلون ، إن أدرك الركعة مع الإمام اعتد بها . واحتجوا بآثار ثابتة ؛ إلا أنهم لا حجة لهم في شيء منها وهي قول رسول الله ﷺ : { من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة } . وقوله عليه السلام : { من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك السجدة } . ومنها - حديث أبي بكرة : { أنه جاء والقوم ركوع ، فركع ثم مشى إلى الصف ، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته قال : أيكم الذي ركع ثم جاء إلى الصف ؟ فقال أبو بكرة : أنا ، فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد } . قال علي : أما قوله عليه الصلاة والسلام : { من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة } فحق ؛ وهو حجة عليهم ؛ لأنه - مع ذلك - لا يسقط عنه قضاء ما لم يدرك من الصلاة - هذا ما لا خلاف فيه من أحد ؛ وليس في الخبر : أنه إن أدرك الركوع : فقد أدرك الوقفة وكذلك قوله عليه السلام : { من أدرك الركعة : فقد أدرك السجدة } حق لا شك فيه ؛ ولم يقل : إنه إن أدرك الركعة فقد أدرك الوقفة التي قبل الركوع ؛ فلا يجوز لأحد أن يقحم في كلامه ﷺ ما ليس فيه ، فيقول عليه ما لم يقل . وأما حديث أبي بكرة فلا حجة لهم فيه أصلا ؛ لأنه ليس فيه : أنه اجتزأ بتلك الركعة ، وأنه لم يقضها - فسقط تعلقهم به جملة ، ولله الحمد . فإذ قد سقط كل ما تعلقوا به من الآثار فقد صح عن النبي ﷺ ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { ائتوا الصلاة وعليكم السكينة ، فصلوا ما أدركتم ، واقضوا ما سبقكم } . وصح عنه أيضا عليه السلام : { ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا } وبيقين يدري كل ذي حس سليم - : أن من أدرك الإمام في أول الركعة الثانية : فقد فاتته الأولى كلها . وأن من أدرك سجدة من الأولى : فقد فاتته وقفة ، وركوع ، ورفع ، وسجدة ، وجلوس ، وأن من أدرك الجلسة بين السجدتين : فقد فاته الوقفة ، والركوع ، والرفع ، وسجدة . وأن من أدرك الرفع : فقد فاتته الوقفة ، والركوع . وأن من أدرك السجدتين : فقد فاتته الوقفة ، والركوع . وأن من أدرك الركوع : فقد فاتته الوقفة ، وقراءة أم القرآن ؛ وكلاهما فرض ، لا تتم الصلاة إلا به وهو مأمور بنص كلام رسول الله ﷺ بقضاء ما سبقه وإتمام ما فاته ؛ فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك بغير نص آخر ؛ ولا سبيل إلى وجوده ، والقوم أصحاب قياس بزعمهم : فكيف وقع لهم التفريق بين فوت إدراك الوقفة ، وبين فوت إدراك الركوع والوقفة ؛ فلم يروا على أحدهما قضاء ما سبقه ، ورأوه على الآخر . فلا القياس طردوا ، ولا النصوص اتبعوا ، وقد أقدم بعضهم على دعوى الإجماع على قولهم ، وهو كاذب في ذلك ؛ لأنه قد روي من طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن عجلان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة : إذا أتيت القوم وهم ركوع فلا تكبر حتى تأخذ مقامك من الصف وروي عنه أيضا أن لا يعتد بالركعة حتى يقرأ بأم القرآن وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن زيد بن وهب قال : دخلت أنا وابن مسعود المسجد والإمام راكع فركعنا ثم مضينا حتى استوينا بالصف ؛ فلما فرغ الإمام قمت أقضي ، فقال ابن مسعود : قد أدركته . قال علي : فهذا إيجاب القضاء عن زيد بن وهب وهو صاحب من الصحابة فإن قيل : فلم ير ابن مسعود ذلك قلنا : نعم ، فكان ماذا فإذا تنازع الصاحبان فالواجب الرجوع إلى ما قاله الله تعالى ورسوله ﷺ ، ولا يحل الرد إلى سوى ذلك ؛ فليس قول ابن مسعود حجة على زيد ، ولا قول زيد حجة على ابن مسعود ؛ لكن قول رسول الله ﷺ هو الحجة عليهما وعلى غيرهما من كل إنس وجن ، وليس في هذا الخبر رجوع زيد إلى قول ابن مسعود ، ولو رجع لما كان في رجوعه حجة ؛ والخلاف لابن مسعود منه قد حصل . وروينا من طريق الحجاج بن المنهال حدثنا الربيع بن حبيب قال : سمعت محمد بن سيرين يقول : إذا انتهيت إلى القوم وهم في الصلاة فأدركت تكبيرة تدخل بها في الصلاة ، وتكبيرة الركوع : فقد أدركت تلك الركعة ؛ وإلا فاركع معهم واسجد ، ولا تحتسب بها قال علي : وروينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال كلاما معناه : من ادعى الإجماع فقد كذب ؛ وما يدريه والناس قد اختلفوا ، هذه أخبار الأصم ، وبشر المريسي قال علي : صدق أحمد رضي الله عنه من ادعى الإجماع فيما لا يقين عنده بأنه قول جميع أهل الإسلام بلا شك في أحد منهم : قد كذب على الأمة كلها ؛ وقطع بظنه عليهم ؛ وقد قال عليه السلام : { الظن أكذب الحديث } فإن قيل : إن قول ابن مسعود هذا لا يقال مثله بالرأي . قيل لهم : فهلا قلتم هذا فيما رويناه آنفا - في الباب الذي قبل هذا - عن عمر رضي الله عنه : لا صلاة إلا بأم القرآن وآيتين معها ، ولكن التحكم سهل على من لم يعد كلامه من عمله فإن قيل : هذا قول الجمهور ، قلنا : ما أمر الله تعالى قط ولا رسوله ﷺ باتباع الجمهور ؛ لا في آية ولا في خبر صحيح ؛ وأما الموضوعات فسهل وجودها في كل حين على من استحلها . فإن قيل : إنه يكبر قائما ثم يركع ؛ فقد صار مدركا للوقوف قلنا : وهذه معصية أخرى ؛ وما أمره الله قط ولا رسوله ﷺ أن يدخل في الصلاة في غير الحال التي يجد الإمام عليها . وأيضا : فلا يجزئ قضاء شيء سبق به من الصلاة إلا بعد سلام الإمام ؛ لا قبل ذلك قال علي : وهنا أقوال ، نذكر منها طرفا ليلوح كذب من ادعى الإجماع في ذلك - : روينا من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن يزيد النخعي عن زيد بن أحمد عن ابن مسعود قال : إذا ركع أحدكم فمشى إلى الصف ، فإن دخل في الصف قبل أن يرفعوا رءوسهم فإنه يعتد بها ، وإن رفعوا رءوسهم قبل أن يصل إلى الصف فلا يعتد بها - قال الحجاج : والعمل على هذا ، وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال : كان ابن عمر إذا جاء والقوم سجود سجد معهم ؛ فإذا رفعوا رءوسهم سجد أخرى ولا يعتد بها قال أيوب : ودخلت مع أبي قلابة المسجد وقد سجدوا سجدة فسجدنا معهم الأخرى ؛ فلما رفعوا رءوسهم سجدنا الأخرى ؛ فلما قضى أبو قلابة الصلاة سجد سجدتي الوهم ، وعن حماد بن سلمة عن داود هو ابن أبي هند - عن الشعبي قال : إذا انتهى إلى الصف الآخر ولم يرفعوا رءوسهم وقد رفع الإمام رأسه فإنه يركع وقد أدرك ؛ لأن الصف الذي فيه هو إمامه ، وإن جاء والقوم سجود فإنه يسجد معهم ولا يعتد بها وبه إلى داود بن أبي هند عن أبي العالية قال : إذا جاء وهم سجود سجد معهم ؛ فإذا سلم الإمام قام فركع ركعة ولا يسجد ويعتد بها . وبه إلى حماد عن قتادة ، وحميد ، وأصحاب الحسن : إذا وضع يديه على ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك ؛ وإن رفع الإمام رأسه قبل أن يضع يديه فإنه لا يعتد بها قال حماد : وأكثر ظني أنه عن الحسن وقال ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، وزفر : إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك ، وليركع بعد أن يرفع الإمام رأسه . 

363 - مسألة : وفرض على كل مصل أن يقول إذا قرأ " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " لا بد له في كل ركعة من ذلك ؛ لقول الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : يتعوذ قبل ابتدائه بالقراءة في كل ركعة ؛ ولم يريا ذلك فرضا وقال مالك : لا يتعوذ في شيء من الفريضة ، ولا التطوع إلا في صلاة القيام في رمضان ، فإنه يبدأ في أول ليلة بالتعوذ فقط ثم لا يعود . قال علي : وهذه قولة لا دليل على صحتها ، لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ؛ ولا أثر ألبتة ؛ ولا من دليل إجماع ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ؛ ولا من رأي له وجه ، فإن أقدم مقدم على ادعاء عمل في ذلك لم يكن أولى من آخر ادعى العمل على خلافه ، وأما قول أبي حنيفة ، والشافعي : إن التعوذ ليس فرضا - : فخطأ ؛ لأن الله تعالى يقول : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } . ومن الخطأ أن يأمر الله تعالى بأمر ثم يقول قائل - بغير برهان من قرآن ، ولا سنة - : هذا الأمر ليس فرضا ، لا سيما أمره تعالى بالدعاء في أن يعيذنا من كيد الشيطان ؛ فهذا أمر متيقن : أنه فرض ؛ لأن اجتناب الشيطان ، والفرار منه ؛ وطلب النجاة منه : لا يختلف اثنان في أنه فرض ، ثم وضع الله تعالى ذلك علينا عند قراءة القرآن . وقال بعضهم : لو كان التعوذ : فرضا ؛ للزم كل من حكى عن أحد أنه ذكر آية من القرآن : أن يتعوذ ولا بد . قال علي : وهذا عليهم لا لهم ؛ لأنهم متفقون على استحباب التعوذ عند قراءة القرآن ؛ ولا يرون التعوذ عند حكاية المرء قول غيره ؛ فصح أن التعوذ الذي اختلفنا فيه فأوجبناه نحن ولم يوجبوه هم - إنما هو عند قراءة القرآن ، كما جاء في النص ، لا عند حكاية لا يقصد بها المرء قراءة القرآن . قال علي : فلم يبق إلا قول من أوجب التعوذ : فرضا ، في قراءة القرآن في الصلاة وغير الصلاة ، على عموم الآية المذكورة . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عاصم العنزي عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه قال : { رأيت رسول الله ﷺ حين دخل الصلاة قال : الله أكبر كبيرا ، الله أكبر كبيرا ، الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، الحمد لله كثيرا ، الحمد لله كثيرا ، الحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا - اللهم إني أعوذ بك من الشيطان ، من همزه ، ونفخه ونفثه } . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سعيد الجريري ثنا يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص الثقفي قال : { قلت : يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين قراءتي . فقال النبي ﷺ : ذلك شيطان يقال له : خنزب ؛ فإذا حسسته فتعوذ واتفل عن يسارك ثلاثا } . وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال عمر بن الخطاب : يخفي الإمام أربعا - : التعوذ ، وبسم الله الرحمن الرحيم ، وآمين ، وربنا لك الحمد . وعن أبي حمزة عن إبراهيم النخعي عن علقمة ، والأسود ، كلاهما عن عبد الله بن مسعود قال : يخفي الإمام ثلاثا - : الاستعاذة ، وبسم الله الرحمن الرحيم ، وآمين ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ، قلت لنافع مولى ابن عمر : هل تدري كيف كان ابن عمر يستعيذ ؟ قال : كان يقول ؛ اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : خمس يخفين - : سبحانك اللهم وبحمدك ، والتعوذ ، وبسم الله الرحمن الرحيم ، وآمين ، واللهم ربنا ولك الحمد وعن هشام بن حسان عن الحسن البصري : أنه كان يستعيذ في الصلاة مرة حين يستفتح صلاته حين يقرأ أم الكتاب يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، وكان ابن سيرين يستعيذ في كل ركعة وعن معمر عن ابن طاوس عن أبيه : أنه كان يستعيذ قبل أن يقرأ أم القرآن . ومن طريق معمر - عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين : أنه كان يتعوذ من الشيطان في الصلاة قبل أن يقرأ أم القرآن وبعد أن يقرأ أم القرآن . وعن ابن جريج عن عطاء قال : الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الأرض في الصلاة وغيرها ويجزئ عنك ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . قال ابن جريج : فقلت له : من أجل : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } قال : نعم . وبالتعوذ في الصلاة يقول سفيان الثوري والأوزاعي وداود وغيرهم . قال علي : هؤلاء جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لا نعلم لهم مخالفا منهم ، وهم يشنعون بمثل هذا إذا وافق تقليدهم ، قال علي : ومن قال بقول ابن سيرين وأخذ به فيرى التعوذ سنة قبل افتتاح القراءة ؛ لأنه فعل رسول الله ﷺ بنقل القراء جيلا بعد جيل ، وفرضا بعد أن يقرأ ما يقع عليه اسم القرآن ، ولو أنه كلمتان ، على نص الآية ؛ لأنها توجب التعوذ بعد القراءة بظاهرها . وأما من تعذرت عليه القراءة ففرض عليه التعوذ حين ذلك بالخبر المذكور ، ثم إذا قرأ شيئا من القرآن قال علي : إلا أنه قد صح إجماع جميع قراء أهل الإسلام جيلا بعد جيل على الابتداء بالتعوذ متصلا بالقراءة قبل الأخذ في القراءة - : مبلغا إلينا من عهد رسول الله ﷺ فهذا قاض على كل ذلك . وقد صح عن رسول الله ﷺ { إذا توضأ أحدكم فليستنثر } . وصح أنه عليه السلام استنثر في أول وضوئه - وبالله تعالى التوفيق .


364 - مسألة : فمن نسي التعوذ أو شيئا من أم القرآن حتى ركع أعاد متى ذكر فيها وسجد للسهو ، إن كان إماما أو فذا فإن كان مأموما ألغى ما قد نسي إلى أن ذكر ، وإذا أتم الإمام قام يقضي ما كان ألغى ثم سجد للسهو ، ولقد ذكرنا برهان ذلك فيمن نسي فرضا في صلاته فإنه يعيد ما لم يصل كما أمر ؛ ويعيد ما صلى كما أمر - وبالله تعالى التوفيق .

365 - مسألة : ومن كان لا يحفظ أم القرآن صلى وقرأ ما أمكنه من القرآن إن كان يعلمه ، لا حد في ذلك ، وأجزأه ، وليسع في تعلم أم القرآن ، فإن عرف بعضها ولم يعرف البعض : قرأ ما عرف منها فأجزأه ، وليسع في تعلم الباقي ، فإن لم يحفظ شيئا من القرآن صلى كما هو ؛ يقوم ويذكر الله كما يحسن بلغته ويركع ويسجد حتى يتم صلاته ؛ ويجزيه . وليسع في تعلم أم القرآن ، وقال بعض القائلين : يقرأ مقدار سبع آيات من القرآن ، أو يذكر الله تعالى مقدار سبع آيات قال علي : وقصد بذلك قصد التعويض من أم القرآن ، والتعويض من الشرائع باطل ، إلا أن يوجبه قرآن أو سنة ، ولا قرآن ولا سنة فيما ادعى ؛ ولو كان قياس هذا القائل صحيحا لوجب أن لا يجزئ من عليه يوم من رمضان إلا يوم بطول اليوم الذي أفطره ؛ وهذا باطل . وبرهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . فصح أنه يسقط عنه ما عجز عنه ، ويلزمه ما استطاع عليه . وقال تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } وعلم رسول الله ﷺ المصلي فقال : { اقرأ ما تيسر معك من القرآن } وقد ذكرناه بإسناده . فمن عجز عن أم القرآن وقدر على غيرها من القرآن سقطت عنه ، ولزمه ما تيسر له من القرآن ويجزئ من ذلك ما وقع عليه اسم قرآن من كلمتين - معروف أنهما من القرآن - فصاعدا ، وإن وجد هذا المعنى في كلمة واحدة أجزأته ؛ لأن عموم " ما تيسر " يدخل فيه كل ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

366 - مسألة : ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن لم تجزه الصلاة إلا بالبسملة ، وهم : عاصم بن أبي النجود ، وحمزة ، والكسائي ، وعبد الله بن كثير ، وغيرهم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم . ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن : فهو مخير بين أن يبسمل ، وبين أن لا يبسمل . وهم : ابن عامر ، وأبو عمرو ويعقوب ، وفي بعض الروايات عن نافع . وقال مالك : لا يبسمل المصلي إلا في صلاة التراويح في أول ليلة من الشهر . وقال الشافعي : لا تجزئ صلاة إلا ببسم الله الرحمن الرحيم . قال علي : وأكثروا من الاحتجاج بما لا حجة لأي من الطائفتين فيه . مثل الرواية عن أنس { كان رسول الله ﷺ وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا قبلها ولا بعدها } . وعن أبي هريرة مثل هذا . قال علي : وهذا كله لا حجة فيه لأنه ليس في شيء من هذه الأخبار نهي من رسول الله ﷺ عن قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " وإنما فيها : أنه عليه السلام كان لا يقرؤها وقد عارضت هذه الأخبار أخبار أخر منها - : ما روينا من طريق أحمد بن حنبل : حدثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال { صليت خلف رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم } . ورويناه أيضا " فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم " فهذا يوجب أنهم كانوا يقرءونها ويسرون بها ، وهذا أيضا الإيجاب فيه لقراءتها ، وكذلك سائر الأخبار . قال علي : والحق من هذا أن النص قد صح بوجوب قراءة أم القرآن فرضا ، ولا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن هذه القراءات حق كلها مقطوع به ، مبلغة كلها إلى رسول الله ﷺ عن جبريل عليه السلام عن الله عز وجل بنقل الملوان فقد وجب إذ كلها حق أن يفعل الإنسان في قراءته أي ذلك شاء ؛ وصارت " بسم الله الرحمن الرحيم " في قراءة صحيحة آية من أم القرآن ، وفي قراءة صحيحة ليست آية من أم القرآن - : مثل لفظة " هو " في قوله تعالى في سورة الحديد : { هو الغني الحميد } . وكلفظة " من " في قوله تعالى : { من تحتها الأنهار } في سورة ( براءة ) على رأس المائة آية - هما من السورتين في قراءة من قرأ بهما ، وليستا من السورتين في قراءة من لم يقرأ بهما . ومثل هذا في القرآن وارد في ثمانية مواضع ، ذكرناها في كتاب القراءات وآيات كثيرة ، وسائر ذلك من الحروف يطول ذكرها . كزيادة ميم " منها " في سورة الكهف . وفي { حم عسق } : { فبما كسبت } . وهاءات في مواضع كثيرة في { يس } : { وما علمناه } . وفي الزخرف { تشتهيه الأنفس } و { لم يتسنه } وغير ذلك . والقرآن أنزل على سبعة أحرف ، كلها حق ، وهذا كله حق ، وهذا كله من تلك الأحرف بصحة الإجماع المتيقن على ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

367 - مسألة : ومن قرأ أم القرآن أو شيئا منها ، أو شيئا من القرآن في صلاته مترجما بغير العربية ، أو بألفاظ عربية غير الألفاظ التي أنزل الله تعالى ، عامدا لذلك ، أو قدم كلمة أو أخرها عامدا لذلك - : بطلت صلاته ، وهو فاسق ؛ لأن الله تعالى قال : { قرآنا عربيا } ، وغير العربي ليس عربيا ، فليس قرآنا . وإحالة رتبة القرآن تحريف كلام الله تعالى ، وقد ذم الله تعالى قوما فعلوا ذلك فقال : { يحرفون الكلم عن مواضعه } . وقال أبو حنيفة تجزيه صلاته ، واحتج له من قلده بقول الله تعالى : { وإنه لفي زبر الأولين } . قال علي : لا حجة لهم في هذا ؛ لأن القرآن المنزل علينا على لسان نبينا ﷺ لم ينزل على الأولين ، وإنما في زبر الأولين ذكره والإقرار به فقط ؛ ولو أنزل على غيره عليه السلام لما كان آية له ، ولا فضيلة له ، وهذا لا يقوله مسلم ، ومن كان لا يحسن العربية فليذكر الله تعالى بلغته ؛ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ولا يحل له أن يقرأ أم القرآن ولا شيئا من القرآن مترجما على أنه الذي افترض عليه أن يقرأه ؛ لأنه غير الذي افترض عليه كما ذكرنا ؛ فيكون مفتريا على الله تعالى .

368 - مسألة : وليس على الإمام والمنفرد أن يتعوذا للسورة التي مع أم القرآن ؛ لأنهما قد تعوذا إذ قرآ . ومن اتصلت قراءته فقد تعوذ كما أمر ، ولو لزمه تكرار التعوذ لما كان لذلك غاية إلا بدعوى كاذبة ، فإن قطع القراءة قطع ترك أو أراد أن يبتدئ قراءة في ركعة أخرى تعوذ - كما أمر - وبالله تعالى التوفيق .

===




كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

369 - مسألة : والركوع في الصلاة فرض ، والطمأنينة في الركوع حتى تعتدل جميع أعضائه ويضع فيه يديه على ركبتيه - : فرض ، لا صلاة لمن ترك شيئا من ذلك عامدا . ومن ترك ذلك ناسيا ألغاه وأتم صلاته كما أمر ، ثم سجد للسهو ، فإن عجز عن الطمأنينة والاعتدال لعذر بصلبه أجزأه ما قدر عليه من ذلك ، وسقط عنه ما عجز عنه والتكبير للركوع فرض ، وقوله " سبحان ربي العظيم " في الركوع فرض والقيام إثر الركوع فرض لمن قدر عليه حتى يعتدل قائما وقول " سمع الله لمن حمده " عند القيام من الركوع فرض على كل مصل ، من إمام أو منفرد أو مأموم لا تجزئ الصلاة إلا به ، فإن كان مأموما ففرض عليه أن يقول بعد ذلك " ربنا لك الحمد " أو " ولك الحمد " وليس هذا فرضا على إمام ولا فذ . وإن قالاه كان حسنا وسنة وقول المأموم " آمين " إذا قال الإمام { ولا الضالين } فرض ؛ وإن قاله الإمام فهو حسن وسنة ، ولا يحل للمأموم أن يركع ، ولا أن يرفع ، ولا أن يسجد مع إمامه ولا قبله ؛ لكن بعده ولا بد ، ومن قرأ القرآن في ركوعه أو سجوده بطلت صلاته إن تعمد ذلك ؛ فإن نسي ألغى تلك المدة من سجوده ثم سجد للسهو ، وسجدتان إثر القيام المذكور فرض ؛ والطمأنينة فيهما فرض ؛ والتكبير لكل سجدة منهما فرض وقول " سبحان ربي الأعلى " في كل سجدة فرض ، ووضع الجبهة والأنف واليدين والركبتين وصدور القدمين على ما هو قائم عليه - مما أبيح له التصرف عليه - : فرض كل ذلك والجلوس بين السجدتين فرض ؛ والطمأنينة فيه فرض ؛ والتكبير له فرض لا تجزئ صلاة لأحد بأن يدع من هذا كله عامدا شيئا ؛ فإن لم يأت به ناسيا ألغى ذلك وأتى به كما أمر ، ثم سجد للسهو ؛ فإن عجز عن شيء منه لجهل أو عذر مانع سقط عنه وتمت صلاته ، ولا يجزئ السجود على الجبهة ، والأنف : إلا مكشوفين ؛ ويجزئ في سائر الأعضاء مغطاة ، ويفعل في كل ركعة من صلاته ما ذكرنا برهان ذلك - : ما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبيد الله بن عمر حدثني سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة { أن النبي ﷺ دخل المسجد فدخل رجل فصلى ؛ ثم جاء فسلم على النبي ﷺ فرد عليه ، وقال له : ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا ؛ فقال : والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني ، فقال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثني علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع { كنت جالسا عند رسول الله ﷺ إذ جاء رجل فدخل المسجد فصلى ، فلما قضى صلاته جاء فسلم فقال له رسول الله ﷺ : وعليك ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع فلما قضى صلاته جاء فسلم ، فقال له رسول الله ﷺ وعليك ارجع فصل فإنك لم تصل ، فذكر ذلك مرتين أو ثلاثا ، فقال الرجل : لا أدري ما عبت علي ، فقال النبي ﷺ : إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ، ويغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ، ثم يكبر الله ويحمده ويمجده ، ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر ، ثم يكبر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، ويستوي قائما حتى يأخذ كل عضو مأخذه ، ويقيم صلبه ، ثم يكبر فيسجد ويمكن جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه . فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ . ثم قال : لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك } . قال علي : التحميد المذكور والتمجيد المذكور هو قراءة أم القرآن . برهان ذلك - : قول رسول الله ﷺ { إذا قال العبد في صلاته : { الحمد لله رب العالمين } يقول الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : { مالك يوم الدين } قال الله : مجدني عبدي } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن سليمان هو الأعمش - عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود البدري قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : { لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود } . قال أبو حنيفة : تجزئ وإن لم يقم ظهره في ركوعه وسجوده . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا أحمد بن عمرو بن السرح ويونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين - قراءة عليه واللفظ له - كلهم عن ابن وهب عن ابن جريج عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال - : { أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب : الجبهة ، والأنف ، واليدين ، والركبتين والقدمين } . قال أبو حنيفة : إن وضع جبهته في السجود ولم يضع أنفه ولا يديه ولا ركبتيه أجزأه ذلك ، وكذلك يجزئه أن يضع في السجود أنفه ولا يضع جبهته ولا يديه ولا ركبتيه . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام هو الدستوائي - عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال لنا أبو موسى الأشعري : { إن رسول الله ﷺ خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال : إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ، ثم ليؤمكم أحدكم ، فإذا كبر فكبروا وإذا قال : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا : آمين ، يحبكم الله وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا ، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم ، فتلك بتلك ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد يسمع الله لكم فإن الله قال على لسان نبيه سمع الله لمن حمده فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا ، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم ؛ فتلك بتلك } وذكر باقي الحديث . قال علي : من العظائم التي نعوذ بالله عز وجل منها أن يقول رسول الله ﷺ لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل كذا أو كذا ، وافعلوا كذا وكذا ، فيقول قائل بعد أن سمع هذه الأخبار : إن الصلاة تتم دون ذلك ، مقلدا لمن أخطأ ممن لم يبلغه الخبر ، أو بلغه فتأول غير قاصد لخلاف رسول الله ﷺ وكذلك من الباطل والتلعب بالسنن أن ينص رسول الله ﷺ على أمور ذكر أن الصلاة لا تتم إلا بها - : فيقول قائل من عند نفسه ؛ بعض هذه الأمور هو كذلك ، وبعضها ليس كذلك ، فإن أقدم كاذب على دعوى الإجماع في شيء من ذلك فقد كذب على جميع الأمة . وادعى ما لا علم له به . ولا يحل لمسلم خلاف اليقين الصادق من أمر الله تعالى على لسان رسوله ﷺ - " لظن كاذب افترى فيه الذي ظنه على الأمة كلها ؛ إذ نسب إليها مخالفة أمر الله تعالى " . والعجب من قولهم : لا يجزئ تكبير المأموم إلا بعد تكبير الإمام ولا يجزئ سلامه إلا بعد سلام الإمام - : أما ركوعه ورفعه وسجوده فمع الإمام ، وهذا تحكم عجيب ، وكل ما موهوا به ههنا فهو لازم لهم في التكبير والتسليم . فإن قال قائل : قد قال عليه الصلاة والسلام { وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد } قلنا : نعم ، وليس في هذا الخبر منع من قول الإمام : ربنا ولك الحمد ولا منع المأموم من قول : سمع الله لمن حمده . وإيجاب هذا مذكور في الخبر الذي أوردناه . ولا سبيل إلى أن توجد جميع الشرائع في خبر واحد ، ولا في آية واحدة ، ولا في سورة واحدة . حدثنا هشام بن سعيد الخير كتابا إلي قال : ثنا عبد الجبار بن أحمد المغربي الطرسوسي ثنا الحسن بن الحسين النجيرمي ثنا جعفر بن محمد بن الحسن بن سعيد الأصبهاني بسيراف ثنا أبو بشر يونس بن حبيب الزبيري ثنا أبو داود الطيالسي ثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن أيوب الغافقي عن عمه إياس بن عامر عن عقبة بن عامر الجهني قال : { لما نزلت { فسبح باسم ربك العظيم } قال رسول الله ﷺ اجعلوها في الركوع فلما نزلت : { سبح اسم ربك الأعلى } . قال النبي ﷺ : اجعلوها في سجودكم } . قال علي : وبإيجاب فرض هذا يقول أحمد بن حنبل ، وأبو سليمان وغيرهما . فإن قيل : قد جاء أن رسول الله ﷺ كان يقول في سجوده { سبوح قدوس رب الملائكة والروح } وأنه قال عليه السلام ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا سفيان عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس عن أبيه عن عمه عن عبد الله بن عباس { أن النبي ﷺ كشف الستارة عن وجهه ، والناس صفوف خلف أبي بكر ، فقال : يا أيها الناس ، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وإني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا فيه الدعاء فقمن أن يستجاب لكم . } " قلنا : نعم ، وليس في هذا كله سقوط ما أوجبه عليه السلام في حديث عقبة بن عامر ؛ بل قوله عليه السلام : " فعظموا الرب " موافق لقوله " سبحان ربي العظيم " . وأما اجتهاد الدعاء في السجود وقول { سبوح قدوس رب الملائكة والروح } فزيادة خير ، وحسنة لمن فعلها مع الذي أمر به من التسبيح وفرق مالك بين من أسقط تكبيرتين وبين من أسقط ثلاث تكبيرات . وهذا قول بلا دليل أصلا . وقد ذكرنا بطلان قول من فرق بين العمل القليل والكثير في الصلاة برأيه وبينا أنه قول فاسد ، لأنه لا كثير إلا وهو قليل بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ، ولا قليل إلا وهو كثير بالإضافة إلى ما هو أقل منه ، وإن العمل الواجب فترك قليله وترك كثيره سواء في مخالفة أمر الله عز وجل ، وإن العمل المحرم فكثيره وقليله سواء في ارتكاب المحرم ، وإن المباح قليله وكثيره مباح وما عدا هذا فباطل لا خفاء به ؛ إلا أن يأتي نص بالفرق بين المقادير في الأعمال فيوقف عنده . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله بن المبارك عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه { أن رسول الله ﷺ كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه ، وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك وقال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد } . وروينا أيضا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن مالك بإسناده نحوه ومن طريق عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري أيضا مسندا إلى رسول الله ﷺ . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو اليمان أنا شعيب هو ابن أبي حمزة - عن الزهري أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن " أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها ، في رمضان وغيره ، فيكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول : " سمع الله لمن حمده ، ثم يقول : ربنا ولك الحمد ، - وذكر الحديث وفيه - : ثم يقول أبو هريرة " والذي نفسي بيده ، إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله ﷺ وإن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا " . فهذا آخر عمل رسول الله ﷺ تركه المالكيون برأي لا بخبر أصلا ، وما لهم متعلق إلا قوله عليه السلام { وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد } . قال علي : وهذا لا حجة لهم فيه ؛ لأنه عليه السلام لم يمنع الإمام في هذا الخبر من أن يقول : ربنا ولك الحمد ولا منع المأموم من أن يقول : سمع الله لمن حمده ، فلا حجة في هذا الخبر في قولهما لذلك ، ولا في تركهما لقول ذلك ، فوجب طلب حكم ذلك من أحاديث أخر . وقد صح أن رسول الله ﷺ كان يقول وهو إمام : ربنا ولك الحمد ، وأنه عمله إلى أن مات ؛ فبطل قول كل من خالف ذلك ؛ وهو أيضا عمل السلف . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع : أن عبد الله بن عمر كان إذا كان إماما قال : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد كثيرا ، ثم يسجد لا يخطئه . وبه إلى ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبري . أنه سمع أبا هريرة وهو إمام للناس في الصلاة يقول : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد كثيرا ، يرفع بذلك صوته ونتابعه معا . وروينا أيضا عن علي بن أبي طالب ، وابن مسعود نحو ذلك . وبالسند المذكور إلى ابن جريج عن عطاء قال : إن كنت مع الإمام فقال : سمع الله لمن حمده ، فإن قلت : سمع الله لمن حمده ، فحسن ؛ وإن لم تقلها فقد أجزأ عنك ، وإن تجمعهما مع الإمام أحب إلي قال علي : وهو قول الشافعي . وأما أبو حنيفة فإنه قال يقول الإمام : ربنا ولك الحمد ، ولا يقول المأموم : سمع الله لمن حمده . قال علي : ففرق بلا دليل ؛ فإن كان تعلق بقوله عليه السلام { وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد } فقد تناقض ؛ لأنه ليس في هذا الخبر قول الإمام : ربنا ولك الحمد فإن قال : قد صح أنه عليه السلام كان يقولها وهو إمام ، قلنا : وقد صح أن رسول الله ﷺ علم الصلاة . وفيها أن يقال : سمع الله لمن حمده ، ولم يخص بذلك مأموما من إمام ، من منفرد . قال علي : وأما قول : آمين فإنه كما ذكرنا يقوله الإمام والمنفرد ندبا وسنة ، ويقولها المأموم فرضا ولا بد حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج أنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال : { إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه } . قال ابن شهاب " كان رسول الله ﷺ يقول : آمين " . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا نصر بن علي هو الجهضمي - ثنا صفوان بن عيسى عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة قال { كان رسول الله ﷺ إذا تلا عليهم { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال : آمين ، حتى يسمع من يليه من الصف الأول } . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع ثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي { أن بلالا قال لرسول الله ﷺ يا رسول الله لا تسبقني بآمين } . وبه إلى وكيع : حدثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر قال { سمعت رسول الله ﷺ قرأ : ولا الضالين فقال آمين يمد بها صوته } . قال علي : فهذه آثار متواترة عن رسول الله ﷺ بأنه كان يقول : " آمين " وهو إمام في الصلاة ، يسمعها من وراءه ، وهو عمل السلف كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أكان ابن الزبير يؤمن على إثر أم القرآن ؟ قال : نعم ، ويؤمن من وراءه ، حتى إن للمسجد للجة . قال عطاء : وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام قبله فيقول ويناديه : لا تسبقني بآمين . قال عطاء : ولقد كنت أسمع الأئمة يقولون هم أنفسهم على إثر أم القرآن " آمين " هم ومن وراءهم حتى إن للمسجد للجة . قال علي : اللجة ، الجلبة ، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة : أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين فاشترط عليه أن لا يسبقه بآمين . وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر بن الخطاب قال : يخفي الإمام أربعا : " التعوذ " " وبسم الله الرحمن الرحيم " " وآمين " " وربنا لك الحمد " . وعن علقمة والأسود كليهما عن ابن مسعود قال : يخفي الإمام ثلاثا : التعوذ ، " وبسم الله الرحمن الرحيم " " وآمين " . وعن عكرمة : لقد أدركت الناس ولهم ضجة بآمين . قال علي : فهذا عمل الصحابة رضي الله عنهم . فأما أحمد وإسحاق ، وداود وجمهور أصحاب الحديث فيرون الجهر بها للإمام ، والمأموم ، وبه نقول ؛ لأن الثابت عن رسول الله ﷺ : الجهر . وقال سفيان الثوري ، وأبو حنيفة : يقولها الإمام سرا - ذهبوا إلى تقليد عمر بن الخطاب ، وابن مسعود رضي الله عنهما ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ . وذهب مالك إلى أن يقول المأموم " آمين " ولا يقولها الإمام . قال علي : وهذا قول لا يعلم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم قطعا ، نعم ، ولا نعرفه عن أحد من التابعين ، ولا حجة لهم أصلا في المنع من ذلك . إلا أن بعض الممتحنين بتقليده قال : إن سميا مولى أبي بكر ، وسهيل بن أبي صالح رويا كلاهما عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال { إذا قال القارئ : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقال من خلفه آمين فوافق قوله قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه } . هذا لفظ سهيل . وأما لفظ سمي فإنه قال { إذا قال الإمام : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا : آمين } . قال : فليس في هذا تأمين الإمام . قال علي : وهذا غاية المقت في الاحتجاج ، إذ ذكروا حديثا ليس فيه شريعة قد ذكرت في حديث آخر ، فراموا إسقاطها بذلك ، ولا شيء في إسقاط جميع شرائع الإسلام أقوى من هذا العمل ؛ فإنه لم تذكر كل شريعة في كل آية ، ولا في كل حديث ، ثم من العجب احتجاجهم بأبي صالح في أنه لم يرو عن أبي هريرة لفظا رواه سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة عن أبي هريرة . ولو انفرد سعيد لكان يعدل جماعة مثل أبي صالح فكيف وليس في رواية أبي صالح : أن لا يقول الإمام " آمين " فبطل تمويههم بهذا الخبر ، وقال بعضهم : إن معنى قوله عليه السلام { إذا أمن الإمام فأمنوا } إنما معناه إذا قال { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال علي : فيقال له : كذبت على رسول الله ﷺ وقلت عليه الباطل الذي لم يقله عليه السلام عن نفسه ، وأخبرت عن مراده بالإفك ، وحرفت الكلم عن مواضعه بلا برهان ؛ وما قال قط أحد من أهل اللغة أن قول { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } يسمى تأمينا فاحتج لقوله الفاسد بطامة أخرى وهي : أنه قال : قد جاء أن معنى قول الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام { قد أجيبت دعوتكما } أنه كان موسى يدعو وهارون يؤمن . قال علي : وهذا أدهى وأمر ليت شعري أين وجد هذه الرواية ، أو من بلغه إلى موسى ، وهارون عليهما السلام وإنما هو قول قائل لا يدرى من أين قاله ، ثم لو صح يقينا لما كان له فيه حجة أصلا ؛ لأن المؤمن في اللغة داع بلا شك ، لأن معنى " آمين " اللهم افعل ذلك فالتأمين دعاء صحيح بلا شك ، ولا يسمى الداعي مؤمنا أصلا ، ولا يسمى الدعاء تأمينا حتى يلفظ بآمين : فكل تأمين دعاء ، وليس كل دعاء تأمينا . فكيف وقد صح عن النبي ﷺ أنه كان يقول : آمين ، وهو الإمام ، وهذا مما انفردوا به عن الصحابة رضي الله عنهم وجمهور السلف برأيهم بلا برهان أصلا - وبالله تعالى التوفيق .

وأما السجود - فإن من أجاز السجود على كور العمامة سألناه عن عمامة غلظ كورها إصبع ، ثم إصبعان ، إلى أن نبلغه إلى ذراعين وثلاث وأكثر ؛ فيخرج إلى ما لا يقول به أحد ، ثم نحطه من الإصبع إلى طية واحدة من عمامة شرب وكلفناه الفرق ، ولا سبيل له إليه . وبقولنا يقول جمهور السلف . كما روينا من طريق شعبة عن الأعمش قال : سمعت زيد بن وهب قال : رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع ولا السجود ، فقال له حذيفة : ما صليت ، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدا ﷺ عليها وعن ابن مسعود - أنه رأى رجلين يصليان أحدهما مسبل إزاره ، والآخر لا يتم ركوعه ولا يتم سجوده ؛ فقال : أما المسبل إزاره فلا ينظر الله إليه وأما الآخر فلا يقبل الله صلاته . قال علي : من لم ينظر الله تعالى إليه في عمل ما ، فذلك العمل بلا شك غير مرضي ؛ وإذ هو غير مرضي فهو يقينا غير مقبول ، وعن المسور بن مخرمة : أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده ، فقال له : يا سارق ، أعد الصلاة ، والله لتعيدن ، فلم يزل حتى أعادها ، وعن ابن عباس : إذا سجدت فألصق أنفك بالأرض وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لمن رآه يصلي : أمس أنفك الأرض ، وعن سعيد بن جبير : إذا لم تضع أنفك مع جبهتك لم تقبل منك تلك السجدة وبه يقول الشافعي ، وأبو سليمان ، وأحمد ، وغيرهم . ومن طريق وكيع عن زيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين : أنه كره السجود على كور العمامة . وعن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت : أنه كان إذا قام في الصلاة حسر العمامة عن جبهته . وعن نافع عن ابن عمر : كان يكره أن يسجد على كور عمامته حتى يكشفها . وعن أيوب عن ابن سيرين : أصابتني شجة في وجهي فعصبت عليها وسألت عبيدة السلماني : أسجد عليها ؟ فقال : انزع العصاب وعن مسروق : أنه رأى رجلا إذا سجد رفع رجليه في السماء ، فقال مسروق : ما تمت صلاة هذا .

370 - مسألة : فمن عجز عن الركوع أو عن السجود خفض لذلك قدر طاقته فمن لم يقدر على أكثر من الإيماء أومأ . ومن لم يجد للزحام أن يضع جبهته وأنفه للسجود فليسجد على رجل من أمامه ، أو على ظهر من أمامه وبه يقول أبو حنيفة ، وسفيان الثوري ، والشافعي وقال مالك : لا يسجد على ظهر أحد برهان صحة قولنا قول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . وروينا عن معمر عن الأعمش عن المسيب بن رافع : أن عمر بن الخطاب قال : من آذاه الحر يوم الجمعة فليبسط ثوبه ويسجد عليه ، ومن زحمه الناس يوم الجمعة حتى لا يستطيع أن يسجد على الأرض فليسجد على ظهر رجل وعن الحسن : إذا اشتد الزحام فإن شئت فاسجد على ظهر أخيك ، وإن شئت فإذا قام الإمام فاسجد وعن طاوس : إذا اشتد الزحام فأوم برأسك مع الإمام ثم اسجد على أخيك . وعن مجاهد سئل : أيسجد الرجل في الزحام على رجل الرجل قال : نعم وعن مكحول ، والزهري مثل ذلك . وعن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : إذا كان المريض لا يقدر على الركوع ولا على السجود أومأ برأسه . وعن قتادة عن أم الحسن بن أبي الحسن قالت : رأيت أم سلمة زوج النبي ﷺ تسجد على مرفقة عالية من رمد كان بها . وعن ابن عباس قال سأله أبو فزارة عن المريض : أيسجد على المرفقة الطاهرة قال : لا بأس به وعن ابن عباس أيضا : لا بأس أن يلف المريض الثوب ويسجد عليه

371 - مسألة : ومن كان بين يديه طين لا يفسد ثيابه ولا يلوث وجهه لزمه أن يسجد عليه ، فإن آذاه لم يلزمه روينا عن رسول الله ﷺ : { أنه سجد على ماء وطين وانصرف وعلى جبهته أثر الطين } وقال الله عز وجل : { وما جعل عليكم في الدين من حرج }

========




كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

372 - مسألة : والجلوس بعد رفع الرأس من آخر سجدة من الركعة الثانية فرض في كل صلاة مفترضة أو نافلة ، حاشا ما ذكرنا قبل من أنواع الوتر . فإن كان في صلاة لا تكون إلا ركعتين فإنه يفضي بمقاعده إلى ما هو عليه قاعد وينصب رجله اليمنى ويفرش اليسرى . وإذا كان في صلاة تكون ثلاث ركعات أو أربعا جلس في هذه الجلسة على رجله اليسرى ونصب اليمنى كما قلنا ويجلس في الجلسة الآخرة التي تلي السلام مفضيا بمقاعدة إلى الأرض ناصبا لرجله اليمنى فارشا لليسرى . وفرض عليه ، أن يتشهد في كل جلسة من الجلستين اللتين ذكرنا - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عيسى بن إبراهيم ثنا ابن وهب عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة { عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب رسول الله ﷺ فوصفوا صلاة رسول الله ﷺ وفي الصفة - : فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى . فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى وجلس على مقعدته } وبه يقول الشافعي ، وأبو سليمان . وقال أبو حنيفة ومالك : الجلوس في كلتي الجلستين سواء . قال علي : هذا خلاف الأثر بلا برهان . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق هو ابن راهويه - أنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور هو ابن المعتمر - عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : { قال لنا رسول الله ﷺ : إن الله هو السلام ، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ﷺ ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله } . ورواه شعبة وسفيان الثوري وزائدة كلهم عن منصور عن أبي وائل عن ابن مسعود عن النبي ﷺ حرفا حرفا ورواه يحيى القطان وأبو معاوية والفضيل بن عياض وأبو نعيم وعبد الله بن داود الخريبي ووكيع كلهم عن الأعمش عن أبي وائل بإسناده ، ولفظه . ورواه أيضا عن ابن مسعود - بإسناده ولفظه - أبو معمر عبد الله بن سخبرة وعلقمة ، والأسود ، وأبو البختري . فإن تشهد امرؤ بما رواه أبو موسى ، وابن عباس ، وابن عمر ، كلهم عن رسول الله ﷺ فحسن . والذي تخيرنا هو اختيار أبي حنيفة ، وسفيان الثوري ، وأحمد ، وداود واختار الشافعي ما رواه ابن عباس . واختار مالك تشهدا موقوفا على عمر قد خالفه فيه ابنه وسائر من ذكرنا . وقال بعض المتقدمين : الجلوس في الصلاة ليس فرضا وقال أبو حنيفة : الجلوس مقدار التشهد فرض وليس التشهد فرضا وقال مالك : الجلوس فرض ، وذكر الله تعالى فيه فرض وليس التشهد فرضا وكل هذه الأقوال خطأ لأن النبي ﷺ أمر بالتشهد في القعود في الصلاة ، فصار التشهد فرضا ، وصار القعود الذي لا يكون التشهد إلا فيه فرضا ، إذ لا يجوز أن يكون غير فرض ما لا يتم الفرض إلا فيه أو به روينا عن شعبة عن مسلم أبي النضر سمعت حملة بن عبد الرحمن سمعت عمر بن الخطاب يقول : لا صلاة إلا بتشهد . وعن نافع مولى ابن عمر : من لم يتكلم بالتشهد فلا صلاة له وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان وقال بعضهم : لو كان الجلوس الأول فرضا لما أجزأت الصلاة بتركه إذا نسيه المرء قال علي : وهذا ليس بشيء ، لأن السنة التي جاءت بوجوبه هي التي جاءت بأن الصلاة تجزئ بنسيانه . وهم يقولون : إن الجلوس عمدا في موضع القيام في الصلاة حرام تبطل الصلاة بتعمده ، ولا تبطل بنسيانه ، وكذلك السلام قبل تمام الصلاة ولا فرق فعاد نظرهم ظاهر الفساد - وبالله تعالى التوفيق .

373 - مسألة : قال أبو محمد علي بن أحمد : ويلزمه فرض " أن يقول إذا فرغ من التشهد في كلتي الجلستين { اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال } وهذا فرض كالتشهد ولا فرق . لما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا نصر بن علي ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبو كريب ، وزهير بن حرب ، كلهم عن وكيع بن الجراح ثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية ، ويحيى بن أبي كثير ، قال حسان : عن محمد بن أبي عائشة . وقال يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، كلاهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال } . قال علي : فإن قال قائل : فقد رويتم هذا الخبر من طريق مسلم قال : حدثنا زهير بن حرب ثنا الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي ثنا حسان بن عطية ثنا محمد بن أبي عائشة أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله ﷺ { إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع } ثم ذكرها نصا كما أوردناها . قال : فهذا خبر واحد ، وزيادة الوليد بن مسلم زيادة عدل ، فهي مقبولة ، فإنما يجب ذلك في التشهد الآخر فقط قلنا : لو لم يكن إلا حديث محمد بن أبي عائشة وحده لكان ما ذكرت لكنهما حديثان كما أوردنا ، أحدهما من طريق أبي سلمة ، والثاني من طريق محمد بن أبي عائشة ، فإنما زاد الوليد على وكيع بن الجراح ، وبقي خبر أبي سلمة على عمومه فيما يقع عليه اسم تشهد ، لا يجوز غير هذا . وبالله تعالى التوفيق . وقد روي عن طاوس : أنه صلى ابنه بحضرته فقال له : أذكرت هذه الكلمات قال : لا ، فأمره بإعادة الصلاة

374 - مسألة : ويستحب أن يقول إذا فرغ من التشهد ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر : أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري - وعبد الله بن زيد - هو الذي أرى النداء بالصلاة - أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال { أتانا رسول الله ﷺ في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك فسكت رسول الله ﷺ حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم } . وما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق هو ابن راهويه ثنا روح عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم أنا أبو حميد الساعدي { أنهم قالوا يا رسول الله : كيف نصلي عليك . قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد } . فإن قال قائل : لم لم تجعلوا الصلاة على رسول الله ﷺ في أثر التشهد فرضا بهذين الخبرين ويقول الله تعالى : { صلوا عليه وسلموا تسليما } كما يقول الشافعي قلنا : لأن رسول الله ﷺ لم يقل : إن هذا القول فرض في الصلاة ، ولا يحل لأحد أن يزيد في كلامه عليه السلام ما لم يقل ، فنحن نقول : إن هذا القول فرض على كل مسلم أن يقوله مرة في الدهر ، فإذا فعل ذلك فقد صلى على رسول الله ﷺ كما أمر ثم يستحب له ذلك في الصلاة وغيرها ، فهو تزيد من الأجر ؛ وقد صح أن رسول الله ﷺ قال : { من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا } . فإن قيل : من أين اقتصرتم على وجوب هذا مرة في الدهر ، ولم توجبوا تكرار ذلك متى ذكر رسول الله ﷺ قلنا : إن قول ذلك مرة واحدة واجب بالنص ، لا يمكن الاقتصار على أقل من مرة ، وأما الزيادة على المرة فنحن نسألكم : كم من مرة توجبون ذلك في الدهر ، أو في الحول ، أو في الشهر ، أو في اليوم ، أو في الساعة ولا يقبل منكم تحديد عدد دون عدد إلا ببرهان ، ولا سبيل إليه ؛ فقد امتنع هذا بضرورة العقل فإن قالوا : نوجب ذلك في الصلاة خاصة قلنا : ليس هذا موجودا في الآية ، ولا في شيء من الأحاديث فهو دعوى منكم بلا برهان فإن قال قائل من غير الشافعيين : نقول بإيجاب ذلك متى ذكر رسول الله ﷺ في صلاة أو غيرها قلنا : أيضا هذا لا يوجد لا في آية ولا في الصحيح من الأخبار ، وإنما جاء هذا في حديث رويناه من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن هلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه أن كعبا - وهذا سند لا تقوم به حجة ؛ لأن أبا بكر متكلم فيه ، ومحمد بن هلال مجهول ؛ وسعد بن إسحاق غير مشهور الحال . ولقد كان يلزم من رأى الصيام في الاعتكاف فرضا - بدليل ذكره بين آيتي صيام - : أن يجعل الصلاة على رسول الله ﷺ في الصلاة فرضا للأمر بها مع ذكر السلام الذي علموه ، وهو إما السلام الذي في التشهد في الصلاة ، وإما السلام من الصلاة بلا شك ، ولكنهم لا يطردون استدلالهم على ضعفه ، ولا يلتزمون الأدلة الواجب قبولها - وبالله تعالى التوفيق .

375 - مسألة : والتطبيق في الصلاة لا يجوز ، لأنه منسوخ . وهو وضع اليدين بين الركبتين عند الركوع في الصلاة وكان ابن مسعود رضي الله عنه يفعله ، ويضرب الأيدي على تركه ، وكذلك أصحابه كانوا يفعلونه - : روينا ذلك من طريق نوح بن حبيب القومسي : ثنا ابن إدريس هو عبد الله - عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : { علمنا رسول الله ﷺ الصلاة ، فقام فكبر ، فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه وركع ، فبلغ ذلك سعد بن أبي وقاص ، فقال : صدق أخي قد كنا نفعل هذا ، ثم أمرنا بهذا ، يعني الإمساك بالركب } قال علي : قد ذكرنا أمر رسول الله ﷺ بوضع الأيدي على الركب في حديث رفاعة بن رافع ، فصح أنه هو الأمر الآخر الناسخ للتطبيق - وبالله تعالى التوفيق .


376 - مسألة : فإذا أتم المرء صلاته فليسلم ، وهو فرض لا تتم الصلاة إلا به . ويجزئه أن يقول " السلام عليكم " أو " عليكم السلام " أو " سلام عليكم " أو " عليكم سلام " سواء كان إماما أو مأموما أو فذا ؛ وأفضل ذلك أن يقول كل من ذكرنا السلام عليكم ورحمة الله " عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله " عن يساره . قال علي : برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ثنا موسى بن داود ثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد هو الخدري - قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني الحسن بن إسماعيل بن سليمان المجالدي ثنا فضيل هو ابن عياض - عن منصور هو ابن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ في حديث ذكره { إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فأيكم نسي شيئا في صلاته فليتحر الذي يرى أنه صواب ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو } . فقد ثبت بهذين الخبرين أمر رسول الله ﷺ بالتسليم من كل صلاة ، وأوامره عليه السلام فرض ، ولفظة التسليم تقتضي ما ذكرناه . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري ومعمر كلاهما عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن { عبد الله بن مسعود قال : ما نسيت فيما نسي عن رسول الله ﷺ أنه كان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حتى يرى بياض خده ، وعن يساره : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حتى يرى بياض خده أيضا } . ورواه أيضا عن ابن مسعود مسندا أبو الأحوص ، وأبو معمر . ورواه أيضا سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر كلاهما عن رسول الله ﷺ . وهو فعل السلف كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا زهير هو ابن معاوية - عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ، وعلقمة عن ابن مسعود قال { رأيت رسول الله ﷺ يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود ويسلم عن يمينه وعن شماله : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده ، ورأيت أبا بكر ، وعمر يفعلانه } . ورويناه أيضا عن عمار بن ياسر ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم ، وعن الصحابة جملة رضي الله عنهم بأصح إسناد يكون ورويناه عن علقمة ، والأسود ، وخيثمة ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والنخعي . وهو قول الشافعي ، وسفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، والحسن بن حي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي سليمان وجمهور أصحاب الحديث . وقال الحسن بن حي : التسليمتان معا فرض . وقال أبو حنيفة : التسليمتان اختيار ، وليس السلام من الصلاة فرضا ؛ بل إذا قعد مقدار التشهد فقد تمت صلاته . فإن تعمد الحدث أو لم يتعمده ، أو تعمد القيام ، أو الكلام ، أو العمل فذلك مباح ، وقد تمت صلاته والأمة تصلي مكشوفة الرأس ثم تعتق في آخر صلاتها بعد أن جلست مقدار التشهد وقبل أن تسلم فإن صلاتها قد تمت . ومن صلى جالسا لمرض ثم صح بعد أن قعد مقدار التشهد في آخر صلاته وقبل أن يسلم فصلاته تامة . ومن صلى متحريا إلى غير القبلة ثم عرف القبلة بعد أن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد ولم يسلم فصلاته تامة إلا في مواضع عشرة فإنه أوجب السلام فيها فرضا ، وأبطل صلاة من وقع له شيء منها وإن قعد مقدار التشهد ما لم يسلم وهي - : من صلى بتيمم فرأى الماء بعد أن قعد في آخرها مقدار التشهد ولم يسلم ومن صلى وهو عريان ثم وجد ما يغطي به عورته بعد أن قعد مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم ومن صلى الصبح ثم طلع أول قرص الشمس بعد أن قعد مقدار التشهد في آخر صلاته قبل أن يسلم ؛ فلو قهقه بعد طلوع الشمس وصلاته قد بطلت إلا أنه لم يسلم : انتقض وضوءه ومن تم له وقت المسح بعد أن قعد مقدار التشهد في آخر صلاته إلا أنه لم يسلم ومن صلى الجمعة فخرج وقتها ودخل وقت العصر وقد قعد مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم ومن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد ثم ذكر قبل أن يسلم صلاة فاتته بينه وبينها خمس صلوات فأقل والمستحاضة خرج وقت الصلاة التي هي فيها بعد أن قعدت في آخرها مقدار التشهد إلا أنها لم تسلم ومن صلى وهو لا يحسن شيئا من القرآن فتعلم سورة بعد أن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم ومن مسح على جراحة به فبرئت بعد أن جلس في آخر صلاته مقدار التشهد ، وقبل أن يسلم . فإن هؤلاء كلهم تبطل صلاتهم ، ويلزمهم ابتداؤها ومن صلى وهو مسافر فلما جلس في آخر الركعتين مقدار التشهد ، إلا أنه لم يسلم فنوى الإقامة فإن فرضا عليه أن يأتي بركعتين يصليهما حضرية ؛ لم يختلف قوله في شيء من هذا واختلف قوله فيمن صلى وهو مريض نائما - لا يقدر على أكثر من ذلك - ثم صح بعد أن قعد في نيته مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم ومن افتتح الصلاة وهو صحيح ثم عرض له مرض نقله إلى الجلوس ، أو الإيماء بعد أن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد ولم يسلم - : فمرة قال : تبطل صلاتهم ويبتدئونها - ومرة قال : قد تمت صلاتهم قال علي : وإنما أوردنا هذه المسائل لنرى تناقض أقوالهم ، وأنهم لم يتعلقوا لا بإيجاب السلام فرضا ولا بترك إيجابه ، ولا ثبتوا على شيء أصلا وهذه أقوال نحمد الله على السلامة من مثلها ومن العجب أن أصحابه لم يخرجوا هذا منه على أنهما قولان له ؛ بل ما زالوا يشغبون بالباطل والهذر في تصحيح إسقاط فرض السلام جملة إلا في هذه المواضع ؛ فإنهم شغبوا في إيجاب فرض السلام فيها فقط ، لم يختلفوا في ذلك وأما قول الحسن بن حي فلا دليل على صحته وقال مالك : السلام فرض تبطل صلاة من عرض له ما يبطل الصلاة ما لم يسلم ؛ إلا أنه قال : الإمام والفذ لا يسلمان إلا تسليمة واحدة ، وأما المأموم فإنه إن لم يكن عن شماله أحد سلم - تسليمتين : إحداهما عن يمينه ، والأخرى يرد بها على الإمام ، فإن كان عن يساره أحد سلم ثالثة ردا على الذي عن يساره قال علي : وهذا أيضا قول لا دليل على صحته ، وتقسيم لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ؛ والإمام لم يقصد بسلامه أحدا ، ولو فعل ذلك لبطلت صلاته ؛ لأنه كلام مع المسلم عليه ، والكلام مع غير الله تعالى وغير رسوله ﷺ في الصلاة عمدا مبطل للصلاة وبرهان هذا - : أن المصلي - كان معه أحد أو لم يكن - فإنه يسلم عند جميعهم كما يسلم الإمام ، فصح أنه خروج عن الصلاة ، لا تسليم على أحد من الناس . فسقط هذان القولان سقوطا بينا دون كلفة - ولله الحمد قال علي : وبقي قول من لم ير التسليم من الصلاة فرضا ، وقول من اختار تسليمة واحدة ، ممن لم يضطرب قوله في ذلك ؛ فوجدنا من لا يرى التسليم فرضا يحتج بما رويناه من طريق عاصم بن علي : ثنا زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر { عن القاسم بن مخيمرة أخذ علقمة بيدي وحدثني : أن عبد الله أخذ بيده وأن رسول الله ﷺ أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة فذكر التشهد ، قال : فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد } . قال علي : وهذه الزيادة انفرد بها القاسم بن مخيمرة ، ولعلها من رأيه وكلامه ، أو من كلام علقمة ، أو من كلام عبد الله وقد روي هذا الحديث عن علقمة : إبراهيم النخعي - وهو أضبط من القاسم - فلم يذكر هذه الزيادة . كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن جبلة قال : ثنا العلاء بن هلال الرقي حدثني عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد هو ابن أبي أنيسة - عن حماد هو ابن أبي سليمان - عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود قال { كنا لا ندري ما نقول إذا صلينا ، فعلمنا رسول الله ﷺ جوامع الكلم ، فقال لنا : قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قال علقمة : لقد رأيت ابن مسعود يعلمنا هؤلاء الكلمات كما يعلمنا القرآن } . ثم لو صح أن هذه الزيادة من كلام رسول الله ﷺ لكان ما ذكرنا قبل من أمره عليه السلام زيادة حكم لا يجوز تركها وقد صح عن ابن مسعود إيجاب التسليم فرضا كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان : ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال : حد الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم فوضح بهذا أن تلك الزيادة إما أنها ممن بعد ابن مسعود ، وإما أنها عند ابن مسعود منسوخة ، والحجة كلها فيما ذكرنا من أمر رسول الله ﷺ بالسلام من الصلاة . وأما من رأى تسليمة واحدة وكره ما زاد ، فإنهم احتجوا بأخبار - : منها - من طريق أبي المصعب عن الدراوردي من طريق سعد . والثابت من طريق سعد { أنه عليه السلام كان يسلم تسليمتين } . وبآثار واهية - : منها - من طريق محمد بن الفرج عن محمد بن يونس ؛ وكلاهما مجهول أو مرسل من طريق الحسن - أو من طريق محمد بن زهير ، وهو ضعيف أو من طريق ابن لهيعة ، وهو ساقط ولو صحت لكانت أحاديث التسليمتين زيادة يكون الفضل في الأخذ بها فإن ذكر ذاكر : حديث جابر بن سمرة { كنا إذا صلينا مع رسول الله ﷺ قلنا : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ، وأشار بيده إلى الجانبين فقال رسول الله ﷺ على ما تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وشماله } . قال علي : هذا إن كان في السلام الذي يخرج به من الصلاة فهو منسوخ بلا شك ، بقوله ﷺ { إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس } . وهذا أمر لم يختلف أحد من الأمة في أنه محكم ؛ ثم ادعى قوم تخصيصه في بعض الأحوال ، فإذ هو كذلك فهو الناسخ لما كانوا عليه قبل من إباحة التسليم ورده في الصلاة ؛ فصح أن ذلك منسوخ - وبالله تعالى التوفيق

======







كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

377 - مسألة : وكل من سها عن شيء مما ذكرنا فإنه فرض عليه حتى ركع لم يعتد بتلك الركعة ، وقضاها إذا أتم الإمام إن كان مأموما ، وكذلك يلغيها الفذ والإمام ، ويتمان صلاتهما ، وعلى جميعهم سجود السهو ؛ لأنهم لم يأتوا بالركعة كما أمروا ، وكل ما أمر به رسول الله ﷺ أن يعمل في مكان من الصلاة فلا يجوز أن يعمل في غير ذلك الموضع لقول الله تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }

378 - مسألة : ولا يحل تعمد الكلام مع أحد من الناس في الصلاة ، لا مع الإمام في إصلاح الصلاة ولا مع غيره ، فإن فعل بطلت صلاته ولو قال في صلاته : رحمك الله يا فلان ، بطلت صلاته . حدثنا عبد الله بن الربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان هو ابن يزيد العطار - ثنا عاصم هو ابن أبي النجود - عن أبي وائل عن ابن مسعود قال { كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجاتنا ، فقدمت على رسول الله ﷺ وهو يصلي ، فسلمت عليه فلم يرد علي السلام ، فأخذني ما قدم وما حدث ، فلما قضى رسول الله ﷺ الصلاة قال : إن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فرد علي السلام }

379 - مسألة : ولا يجوز لأحد أن يفتي الإمام إلا في أم القرآن وحدها . فإن التبست القراءة على الإمام فليركع ، أو فلينتقل إلى سورة أخرى ، فمن تعمد إفتاءه وهو يدري أن ذلك لا يجوز له بطلت صلاته برهان ذلك - : ما قد ذكرناه بإسناده من قول رسول الله ﷺ { أتقرءون خلفي قالوا : نعم ، قال : فلا تفعلوا إلا بأم القرآن } فوجب أن من أفتى الإمام لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون قصد به قراءة القرآن ؛ أو لم يقصد به قراءة القرآن . فإن كان قصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز ، لأن رسول الله ﷺ نهى أن يقرأ المأموم شيئا من القرآن حاشا أم القرآن . إن كان لم يقصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز لأنه كلام في الصلاة ، وقد أخبر عليه السلام أنه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس . وهو قول علي بن أبي طالب وغيره - وبه يقول أبو حنيفة : فإن ذكروا خبرا رويناه من طريق يحيى بن كثير الأسدي عن المسور بن يزيد الأسدي { أن رسول الله ﷺ نسي آية في الصلاة ، فلما سلم ذكره رجل بها ، فقال له : أفلا أذكرتنيها } . فإن هذا موافق لمعهود الأصل من إباحة القراءة في الصلاة ، وبيقين ندري أن نهي النبي ﷺ أن يقرأ خلفه إلا بأم القرآن فناسخ لذلك ومانع منه ؛ ولا يجوز العود إلى حال منسوخة بدعوى كاذبة في عوديها

380 - مسألة : ومن تكلم ساهيا في الصلاة فصلاته تامة ؛ قل كلامه أو كثر ، وعليه سجود السهو فقط ، وكذلك إن تكلم جاهلا . وقال أبو حنيفة : الكلام في الصلاة عمدا وسهوا سواء : تبطل بكليهما ؛ ورأى السلام في الصلاة عمدا يبطلها ، ولا يبطلها إذا كان سهوا - وهذا تناقض برهان صحة قولنا - : قول الله عز وجل : { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } . حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ثنا الحسين بن عبد الله الجرجاني ثنا عبد الرزاق بن أحمد بن عبد الحميد الشيرازي أخبرتنا فاطمة بنت الحسن بن الريان المخزومي وراق بكار بن قتيبة القاضي قالت : ثنا الربيع بن سليمان المؤذن ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ { إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن { معاوية بن الحكم السلمي قال بينما أنا أصلي مع رسول الله ﷺ إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله ﷺ فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن } ، أو كما قال رسول الله ﷺ . قال علي : هذا الحديث يبطل قول أبي حنيفة ؛ لأن فيه أنه كان بعد تحريم الكلام في الصلاة بيقين ، ولم يبطل رسول الله ﷺ صلاته . فإن قيل : ولا أمره بسجود السهو قلنا : قد صح الأمر بالسجود من زاد في صلاته أو نقص ، فواجب ضم هذا الحكم إلى ما وقع عليه ولا بد وقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن يعقوب ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن - عن أبي هريرة قال : { بينما أنا أصلي مع رسول الله ﷺ صلاة الظهر فسلم رسول الله ﷺ من ركعتين ، فقام رجل من بني سليم فقال : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال رسول الله ﷺ : لم تقصر ولم أنس ، فقال : يا رسول الله ، إنما صليت ركعتين ، فقال رسول الله ﷺ : أحق ما يقول ذو اليدين قالوا : نعم ، فقام رسول الله ﷺ فصلى بهم ركعتين } . قال علي : فغلط في هذا الخبر صنفان : أحدهما - أصحاب أبي حنيفة ، والثاني - ابن القاسم ومن وافقه فأما أصحاب أبي حنيفة فإنهم قالوا : لعل هذا الخبر كان قبل تحريم الكلام في الصلاة . وقالوا : الرجل المذكور قتل يوم بدر ، ذكر ذلك سعيد بن المسيب والزهري . وعمدوا إلى لفظ ذكره بعض رواة الخبر وهو { صلى لنا رسول الله ﷺ } فقالوا : هذا إخبار بأنه صلى للمسلمين . قال علي : وهذا كله باطل وتمويه وظن كاذب - : أما قولهم : لعله كان قبل تحريم الكلام فباطل ؛ لأن تحريم الكلام في الصلاة كان قبل يوم بدر بيقين . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا ابن نمير ثنا ابن فضيل هو محمد - ثنا الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال { كنا نسلم على رسول الله ﷺ وهو في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا ، وقال : إن في الصلاة شغلا } . ولا خلاف في أن ابن مسعود شهد بدرا بعد إقباله من أرض الحبشة وأبو هريرة ، وعمران بن الحصين - وكلاهما متأخر الإسلام - يذكران جميعا حديث ذي اليدين ، وإسلامهما بعد بدر بأعوام - وكذلك معاوية بن خديج أيضا . وأما قولهم : إن الرجل المذكور قتل يوم بدر فتمويه بارد ، لوجوه - : أحدها : أن أعلى من ذكر ذلك فابن المسيب ، ولم يولد إلا بعد بدر ببضعة عشر عاما . والثاني : أن المقتول يوم بدر إنما هو ذو الشمالين ، واسمه عبد عمرو ونسبه الخزاعي ، والمكلم لرسول الله ﷺ هو ذو اليدين واسمه الخرباق ونسبه سلمي . وأما قولهم : إن قول أبي هريرة { صلى لنا رسول الله ﷺ } إنما هو إخبار عن صلاته بالمسلمين الذين أبو هريرة معهم - : فباطل ، يبين ذلك قول أبي هريرة الذي ذكرناه آنفا { بينما أنا أصلي مع رسول الله ﷺ } فظهر فساد قولهم . فإن قالوا : قسنا السهو في الكلام على العمد قيل لهم : القياس كله باطل ؛ ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأن القائلين بالقياس مجمعون على أن الشيء إنما يقاس على نظيره ، لا على ضده ، والنسيان ضد العمد ثم يقال لهم : فهلا قستم الكلام في الصلاة سهوا على السلام في الصلاة سهوا ، فهو أشبه به ؛ لأنهما معا كلام فأي شيء قصدوا به إلى التفريق بينهما فإن الفرق بين سهو الكلام وعمده أبين وأوضح - وبالله تعالى التوفيق . وأما ابن القاسم ومن وافقه فإنهم أجازوا بهذا الخبر كلام الناس مع الإمام في إصلاح الصلاة . قال علي : وهذا خطأ ، لأن الناس إنما كلموا رسول الله ﷺ فقط ، وتعمد الكلام معه عليه السلام لا يضر الصلاة شيئا ، وكلمهم عليه السلام وهو يقدر أن صلاته قد تمت ، وأن الكلام له مباح ؛ وكذلك تكلم الناس يومئذ بعضهم مع بعض وهم يظنون أن الصلاة قصرت وتمت . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن جعفر غندر - عن شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن { أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي فرآني النبي ﷺ فدعاني فلم آته حتى صليت ، فقال : ما منعك أن تأتيني قلت : كنت أصلي ، قال : ألم يقل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } } ثم ذكر باقي الحديث . فصح أن هذا بعد تحريم الكلام في الصلاة ، لامتناع أبي سعيد من إجابة النبي ﷺ حتى أتم الصلاة ، وصح أن الكلام مع النبي ﷺ مباح في الصلاة هذا خاص له ، وفيه حمل اللفظ على العموم ، وإجماع أهل الإسلام المتيقن على أن المصلي يقول في صلاته " السلام عليك أيها النبي " . ولا يختلف الحاضرون من خصومنا على أن من قال عامدا في صلاته : السلام عليك يا فلان ، أن صلاته قد بطلت - وبالله تعالى التوفيق

381 - مسألة : ولا يحل للمصلي أن يضم ثيابه أو يجمع شعره قاصدا بذلك للصلاة ، لقول رسول الله ﷺ الذي قد ذكرناه بإسناده { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكفت شعرا ولا ثوبا } .

382 - مسألة : وفرض على المصلي أن يغض بصره عن كل ما لا يحل له النظر إليه ، لقول الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } . من فعل في صلاته ما حرم عليه فعله ولم يشتغل بها فلم يصل كما أمر ، فلا صلاة له ، إذ لم يأت بالصلاة التي أمر بها . وبالله تعالى التوفيق . وقد روي عن مالك : من تأمل عورة إنسان في صلاته بطلت صلاته .

383 - مسألة : وفرض عليه أن لا يضحك ولا يتبسم عمدا ، فإن فعل بطلت صلاته ؛ وإن سها بذلك فسجود السهو فقط . وأما القهقهة فإجماع ، وأما التبسم فإن الله تعالى يقول : { وقوموا لله قانتين } والقنوت الخشوع ، والتبسم ضحك ، قال الله عز وجل : { فتبسم ضاحكا من قولها } ومن ضحك في صلاته فلم يخشع ، ومن لم يخشع فلم يصل كما أمر . روينا عن محمد بن سيرين . أنه سئل عن التبسم في الصلاة فتلا هذه الآية ، وقال : لا أعلم التبسم إلا ضحكا . ومن طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر : أنه أمر أصحابه بإعادة الصلاة من الضحك . قال علي : إنما فرق بين القهقهة والتبسم من يقول بالاستحسان ، فيفرق بين العمل الكثير والقليل ، وهذا باطل ، وفرق لا دليل عليه إلا الدعوى ولا يخلو الضحك من أن يكون مباحا في الصلاة أو محرما في الصلاة فإن كان محرما فقليله وكثيره سواء في التحريم . وإن كان مباحا فقليله وكثيره سواء في الإباحة - وبالله تعالى التوفيق

384 - مسألة : وأن لا يمسح الحصا أو ما يسجد عليه إلا مرة واحدة ؛ وتركها أفضل ، لكن يسوي موضع سجوده قبل دخوله في الصلاة . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام الدستوائي حدثني ابن أبي كثير هو يحيى - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن معيقيب { أنهم سألوا رسول الله ﷺ عن المسح في الصلاة فقال : واحدة } . قال مسلم : وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن حدثني معيقيب { أن رسول الله ﷺ قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد ، قال : إن كنت فاعلا فواحدة }

======




كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

385 - مسألة : ويقطع صلاة المصلي كون الكلب بين يديه ، مارا أو غير مار ، صغيرا أو كبيرا ، حيا أو ميتا ، أو كون الحمار بين يديه كذلك أيضا ، وكون المرأة بين يدي الرجل ، مارة أو غير مارة ، صغيرة أو كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة فقط ، فلا تقطع الصلاة حينئذ ، ولا يقطع النساء بعضهن صلاة بعض فإن كان بين يدي المصلي شيء مرتفع بقدر الذراع - وهو قدر مؤخرة الرحل المعهودة عند العرب ولا نبالي بغلظها - لم يضر صلاته كل ما كان وراء السترة مما ذكرنا ، ولا ما كان من كل ذلك فوق السترة . ومن حمل صبية صغيرة على عنقه في الصلاة لم تبطل صلاته ، وسواء علم المصلي بذلك أو لم يعلم برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - ثنا المخزومي هو أبو هشام المغيرة بن سلمة - ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عبيد الله عبد الله بن الأصم ثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { يقطع الصلاة المرأة ، والحمار ، والكلب ، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع عن عبد الله بن عمر قال { إن رسول الله ﷺ كان يركز له الحربة فيصلي إليها } . وقد روينا أيضا من طريق شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس عن رسول الله ﷺ : { يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والمرأة } . فإن قيل : فقد رويتم من طريق أبي ذر عن رسول الله ﷺ : { إذا قام أحدكم فصلى فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل ، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته : الحمار والمرأة ، والكلب الأسود } قلنا : نعم ، وحديث أبي هريرة وأنس فيهما زيادة على حديث أبي ذر ، والزيادة الواردة في الدين عن الله عز وجل فرض قبولها ، ومن فعل هذا فقد أخذ بحديث أبي ذر ولم يخالفه ؛ لأنه ليس في حديث أبي ذر إلا ذكر الأسود فقط ، ومن اقتصر على ما في حديث أبي ذر فقد خالف رواية أبي هريرة وأنس ، وهذا لا يحل . وأما كون المرأة معترضة لا تقطع الصلاة ؛ فإن عبد الله بن يوسف حدثنا قال : ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم الحجاج ثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبي ثنا الأعمش ثنا إبراهيم هو النخعي - ومسلم هو أبو الضحى - كلاهما عن مسروق { عن عائشة والله لقد رأيت رسول الله ﷺ يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة ، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله ﷺ فأنسل من عند رجليه } قال علي : فقد فرقت أم المؤمنين بين حال جلوسها بين يدي رسول الله ﷺ وهو يصلي ، فأخبرت بأنه أذى له ، وبين اضطجاعها بين يديه وهو يصلي فلم تره أذى ، وهذا نص قولنا ، ولله الحمد وقد ذكرنا صلاة رسول الله ﷺ حاملا أمامة بنت أبي العاص على عنقه فاستثنينا ما استثناه النص ، وأبقينا ما أبقاه النص . وقد قال بهذا جماعة من السلف . روينا من طريق الحجاج بن المنهال ثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس قال : يقطع الصلاة : الكلب ، والمرأة ومن طريق يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة عن قتادة : سمعت جابر بن زيد يقول قال ابن عباس : يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والمرأة . وهذان سندان لا يوجد أصح منهما ومن طريق شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك قال : يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والمرأة . ومن طريق الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني قال : كنت أصلي إلى جنب ابن عمر فدخل بيني وبينه - يريد جروا - فمر بين يدي فقال لي ابن عمر : أما أنت فأعد الصلاة ؛ وأما أنا فلا أعيد ؛ لأنه لم يمر بين يدي ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني : أن جروا مر بين يدي ابن عمر فقطع عليه صلاته وهذا أيضا أصح إسناد يكون ومن طريق علي بن المديني : حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي ثنا أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عامر عن أبي هريرة قال : يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والمرأة ومن طريق عبد الله بن المبارك حدثني سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت قال : صلى الحكم بن عمرو الغفاري بالناس في سفر وبين يديه سترة ، فمرت حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن بن مسلم المكي عن صفية بنت شيبة عن عائشة أم المؤمنين قالت : جعلتمونا بمنزلة الكلب ، والحمار ؛ وإنما يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والسنور ومن طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم أن عبد الله بن عباس قال : يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار وهو قول عطاء ، وابن جريج ، إلا أنهما خصا : الكلب الأسود ، والمرأة الحائض وعن عكرمة : يقطع الصلاة : الكلب ، والمرأة الحائض ومن طريق شعبة عن زياد بن فياض قال : سمعت أبا الأحوص - هو صاحب ابن مسعود - يقول : يقطع الصلاة : الكلب ، والمرأة ، والحمار . وقال أحمد بن حنبل : يقطع الصلاة : الكلب الأسود ، والحمار ، والمرأة إلا أن تكون مضطجعة قال علي : وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : لا يقطع الصلاة شيء من هذا كله وما نعلم لهم حجة إلا حديث عائشة ، وهو حجة عليهم كما أوردناه . وحديثا رويناه من طريق { ابن عباس أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله ﷺ يصلي بالناس بمنى ، فمررت بين يدي الصف ، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك علي أحد } . قال علي : وهذا لا حجة فيه لوجوه : أولهما : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر نا شعبة عن الحكم هو ابن عتيبة - سمعت أبا جحيفة قال { خرج رسول الله ﷺ بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر ركعتين وبين يديه عنزة } . وزاد فيه عون بن أبي جحيفة عن أبيه { وكان يمر من ورائها الحمار والمرأة } . وبه إلى مسلم : ثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثنا أبي ثنا شعبة عن يعلى هو ابن عطاء - سمع أبا علقمة سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : { إنما الإمام جنة ، فإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا } . قال علي : فما لم يحل بين الإمام والمأموم مما ذكرنا فلا يقطع الصلاة ؛ لأن الإمام سترة لجميع المأمومين ، ولو امتد الصف فراسخ برهان ذلك - : الإجماع المتيقن الذي لا شك فيه في أن سترة الإمام لا يكلف أحد من المأمومين اتخاذ سترة أخرى ؛ بل اكتفى الجميع بالعنزة التي كان عليه السلام يصلي إليها ، فلم تدخل أتان ابن عباس بين الناس وبين رسول الله ﷺ ولا بين رسول الله ﷺ وبين سترته وأيضا : فقد ثبت عن ابن عباس - كما أوردنا قبل - أن الحمار ، والمرأة والكلب يقطع الصلاة ، وعهدنا بهم يقولون : إن الراوي من الصحابة أعلم بما روى ثم لو صح غير هذا - وهو لا يصح - لكان ما رواه أبو هريرة ، وأنس ، وأبو ذر - هو الناسخ بيقين لا شك فيه لما كانوا عليه قبل ورود ما رووه وذكروا خبرين : أحدهما - من طريق العباس بن عبيد الله بن العباس عن الفضل بن العباس { أن رسول الله ﷺ زار العباس فصلى وبين يديه حمارة وكليبة } . قال علي : وهذا باطل ، لأن العباس بن عبيد الله لم يدرك عمه الفضل وحديث من طريق مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال { لا يقطع الصلاة شيء ، وادرءوا ما استطعتم } . قال علي : أبو الوداك ضعيف ، ومجالد مثله . ثم لو صح كل هذا لما وجب الأخذ بإحدى الروايتين دون الأخرى إلا بحجة بينة ، لا بالهوى والمطارفة ، فلو صحت هذه الآثار - وهي لا تصح - لكان حكمه ﷺ بأن الكلب ، والحمار ، والمرأة يقطعون الصلاة - هو الناسخ لما كانوا عليه قبل ، من أن لا يقطع الصلاة شيء من الحيوان ، كما لا يقطعها : الفرس ، والسنور ، والخنزير ، وغير ذلك ؛ فمن الباطل الذي لا يخفى ولا يحل ترك الناسخ المتيقن والأخذ بالمنسوخ المتيقن . ومن المحال أن تعود الحالة المنسوخة ثم لا يبين عليه السلام عودها . واحتج بعض المخالفين بقول الله تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } قال : فما يقطع هذا قال علي : يقطعه عند هؤلاء المشغبين - : قبلة الرجل امرأته ، ومسه ذكره ، وأكثر من الدرهم البغلي من بول ، ويقطعه عند الكل : رويحة تخرج من الدبر متعمدة وأما النساء فقد أخبر عليه السلام : أن خير صفوفهن آخرها ، فصح أنه لا يقطع بعضهن صلاة بعض - وبالله تعالى التوفيق .


386 - مسألة : ولا يحل للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء ، ولا عند الدعاء في غير الصلاة أيضا حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا ابن الحجاج ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم } . وروينا أيضا من طريق صحيحة عن أنس وابن عمر وأبي هريرة . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا ابن مفرج ثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف ثنا يحيى هو ابن بكير - ثنا الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك والأعرج كلاهما عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { لينتهين أناس عن رفع أبصارهم عند الدعاء إلى السماء حتى لتخطف } . قال علي : هذا وعيد شديد ، والوعيد لا يكون إلا على كبيرة من الحرام ، لا على مباح مكروه أصلا ، ولا على صغيرة مغفورة وقال بهذا طائفة من السلف - كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن زياد عن فياض عن تميم بن سلمة قال رأى ابن مسعود قوما رافعي أبصارهم إلى السماء في الصلاة فقال : لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم في الصلاة أو لا ترجع إليهم وقال أيضا : أو ما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله تعالى رأسه رأس كلب ومن طريق حماد بن سلمة عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال : أما يخشى الذي يرفع بصره إلى السماء أن يختلس بصره " ، ألا أرى أنه كان الملائكة تنزل قال علي : من العجب أن يكون الحنفيون يبطلون صلاة من صلى خلف إمام وإلى جانبه امرأة تصلي بصلاة ذلك الإمام وهو لا يقدر على إزالتها وصلاة من تكلم ساهيا في صلاته والمالكيون يبطلون صلاة من صلى وقد توضأ بماء بل فيه خبز والشافعيون يبطلون صلاة من صلى وعلى ثيابه شعر من شعره نفسه قد سقط من لحيته ورأسه وما جاء قط نص ولا دليل على بطلان صلاة أحد من هؤلاء ، ثم يجيزون صلاة من تعمد في صلاته عملا صح النص بتحريمه عليه وشدة الوعيد فيه وبالله تعالى التوفيق

387 - مسألة : فإن صلت امرأة إلى جنب رجل لا تأتم به ولا بإمامه فذلك جائز فإن كان لا ينوي أن يؤمها ونوت هي ذلك فصلاته تامة وصلاتها باطلة فإن نوى أن يؤمها وهي قادرة على التأخر عنه فصلاتهما جميعا فاسدة فإن كانا جميعا مؤتمين بإمام واحد ولا تقدر هي ولا هو على مكان آخر فصلاتهما تامة وإن كانت قادرة على التأخر وهو غير قادر على تأخيرها فصلاتها باطلة وصلاته تامة فلو قدر على تأخيرها فلم يفعل فصلاتهما جميعا باطلة حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - ثنا شعبة عن عبد الله بن المختار عن { موسى بن أنس بن مالك عن أبيه قال : صلى بي رسول الله ﷺ وبامرأة من أهلي ، فأقامني عن يمينه ، والمرأة خلفنا } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة { عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ صلى بهم ، قال أنس : فصففت أنا واليتيم وراءه ، والعجوز من ورائنا ، فصلى لنا ركعتين وانصرف } . فصح أن مقام المرأة ، والمرأتين ، والأكثر - إنما هو خلف الرجال ولا بد لا مع رجل واحد أصلا ، ولا أمامه ، وأن موقف الرجل والرجلين والأكثر إنما هو أمام المرأة ، والمرأتين ، والأكثر ولا بد . فمن تعدى موضعه الذي أمره الله تعالى على لسان رسوله ﷺ أن يصلي فيه وصلى حيث منعه الله كذلك : فقد عصى الله عز وجل في عمله ذلك ، ولم يأت بالصلاة التي أمر الله بها والمعصية لا تجزئ عن الطاعة . وهو قول أبي حنيفة وبعض أصحاب أبي سليمان . وأما من عجز عن المكان الذي أمر به ولم يقدر على غيره فقد قال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم }

388 - مسألة : ومن تعمد في الصلاة وضع يده على خاصرته بطلت صلاته . وكذلك من جلس في صلاته متعمدا أن يعتمد على يده أو يديه حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا يحيى بن حبيب بن عربي ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أنه قال { نهي عن التخصر في الصلاة } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله بن المبارك عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ نهى أن يصلي الرجل مختصرا } . قال علي : فصح أن النهي الأول عن رسول الله ﷺ . وقد صح أنه عليه السلام قال : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . وهو قول طائفة من السلف . كما روينا من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت في وضع اليد على الخاصرة في الصلاة : فعل اليهود ، وكرهته وعن وكيع عن ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن عائشة أم المؤمنين : أنها رأت رجلا في الصلاة واضعا يده على خاصرته فقالت : هكذا أهل النار في النار . وعن وكيع عن سعيد بن زياد بن صبيح الحنفي قال { صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي ؛ فلما صلى قال : هذا الصلب في الصلاة ، وكان رسول الله ﷺ ينهى عنه } . وعن ابن عباس : أنه كره وضع اليد على الخاصرة في الصلاة ، وقال : الشيطان يحضره ومن طريق سفيان الثوري عن صالح بن نبهان سمعت أبا هريرة يقول : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يجعل يده في خاصرته ، فإن الشيطان يحضر ذلك وأما الاعتماد على اليد - : فحدثنا حمام عن ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال { نهى رسول الله ﷺ أن يجلس الرجل في صلاته معتمدا على يده } . قال عبد الرزاق : أخبرني إبراهيم بن ميسرة أنه سمع عمرو بن الشريد يخبر عن النبي ﷺ : { كان يقول في وضع الرجل شماله إذا جلس في الصلاة : هي قعدة المغضوب عليهم } . قال علي : قد صح عنه عليه السلام أنه قال : { صلوا كما تروني أصلي } فمن صلى بخلاف صلاته عليه السلام من رجل أو امرأة ؛ فقد صلى غير الصلاة التي أمره الله تعالى بها ، فلا تجزئه ، والاعتماد على اليد في الصلاة خلاف صلاته عليه السلام ، بلا خلاف من أحد . وروينا من طريق نافع عن ابن عمر أنه قال لإنسان : ما يجلسك في صلاتك جلسة المغضوب عليهم وكان رآه معتمدا على يديه

389 - مسألة : والإتيان بعدد الركعات والسجدات فرض لا تتم الصلاة إلا به ، لكل قيام ركوع واحد ، ثم رفع واحد ، ثم سجدتان بينهما جلسة - هذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة فمن نسي سجدة واحدة وقام عند نفسه إلى ركعة ثانية فإن الركعة الأولى لم تتم ، وصار قيامه إلى الثانية لغوا ليس بشيء . ولو تعمده ذاكرا لبطلت صلاته ، حتى إذا ركع ورفع فكل ذلك لغو ، لأنه عمله في غير موضعه نسيانا ، والنسيان مرفوع . فإذا سجد تمت له حينئذ ركعة بسجدتيها . ولو نسي من كل ركعة من صلاته سجدة لكان - إن كانت : الصبح ، أو الجمعة ، أو الظهر ، أو العصر . أو العتمة في السفر - : قد صحت له ركعة . فليأت بأخرى ثم يسجد للسهو . وإن كان ذلك في المغرب فكذلك أيضا ، وليسجد سجدة واحدة . ثم يقوم إلى الثانية ، فإذا أتمها جلس ، ثم قام إلى الثالثة ، ثم يسجد للسهو . وإن كانت : الظهر أو العصر ، أو العتمة في الحضر - : فقد صحت له ركعتان كما ذكرنا ؛ فعليه أن يأتي بركعتين ثم يسجد للسهو برهان ذلك - : قول الله تعالى : { أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } . وقول رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . فصح يقينا أن كل عمل عمله المرء في موضعه كما أمره رسول الله ﷺ فهو معتد له به ، وكل عمل عمله المرء في غير موضعه الذي أمره عليه السلام فهو رد - وهذا نص قولنا ولله تعالى الحمد . وقال بهذا الشافعي ، وداود ، وغيرهما . وقال مالك : يلغى قيامه في الأولى وركوعه ورفعه والسجدة التي سجدها ويعتد بالثانية وهذا خطأ لما ذكرنا ؛ لأنه اعتد له بقيام فاسد وركوع فاسد ورفع فاسد ، وضع كل ذلك حيث لا يحل له ؛ وحيث لو وضعه عامدا لبطلت صلاته بلا خلاف من أحد ، وألغى له قياما وركوعا ورفعا وسجدة أداها بإجماع الأمة ، وهو معهم كما أمره الله تعالى فإن قيل : أردنا أن لا يحول بين السجدتين بعمل قلنا : قد أجزتم له أن يحول بين الإحرام للصلاة وبين القيام والقراءة المتصلين بها بعمل أبطلتموه ، فما الفرق وقد حال رسول الله ﷺ بين أعمال صلاته ناسيا بما ليس منها ، من سلام وكلام ومشي واتكاء ودخوله منزله ، ولم يضر ذلك ما عمل من صلاته شيئا ؛ فالحيلولة بينهما إذا كانت بنسيان لا تضر فإن قيل : إنه لم ينو بالسجدة أن تكون من الركعة الأولى ، وإنما نواها من الثانية ، والأعمال بالنيات قلنا لهم : هذا لا يضر ، لأن رسول الله ﷺ قد نوى بالجلسة التي سلم منها أنها من الركعة الرابعة ، وهي من الثانية ، ثم اعتد بها للثانية ، وكذلك أمر عليه السلام من لم يدر كم ركعة صلى أن يصلي حتى يكون على يقين من التمام ، وعلى شك من الزيادة ، فالمصلي على هذا ينوي بالركعة أنها الثالثة ولعلها رابعة ، ولا يضر ذلك شيئا ثم نقول لهم : هذا نفسه لازم لكم ؛ لأنه نوى بالتكبير للإحرام [ أن ] تلي الركعة التي أبطلتم عليه ، لا الركعة التي جعلتموها أولا وقال أبو حنيفة : يسجد في آخر صلاته أربع سجدات متواليات وتمت صلاته وهذا كلام في غاية الفساد ، لأنه اعتد له بأربع ركعات متواليات لم يتم منها ولا واحدة ؛ وهذا باطل . ثم أجاز له سجدات متتابعات لم يأمر الله تعالى قط بها ، أتى بها عامدا مخالفا لأمر الله عز وجل بالقصد . ولقول رسول الله ﷺ : { صلوا كما رأيتموني أصلي } . ولتعليمه عليه السلام المصلي كيف يعمل ، من طريق أبي هريرة ، ورفاعة بن رافع ، وقد ذكرنا كل ذلك بإسناده ؛ وهم يدعون أنهم أصحاب قياس . ولا يختلفون في أنه لا يحل للمصلي تعمد تقديم سجدة قبل الركعة ؛ ولا تعمد تقديم ركوع قبل السجدة التي في الركوع الذي قبله ؛ ثم أجازوا هذا بعينه - وبالله تعالى التوفيق

390 - مسألة : ولا يحل للمصلي أن يفترش ذراعيه في السجود - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة سمعت قتادة عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ أنه قال : { اعتدلوا في السجود ، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب } . وروينا عن أبي وائل عن حذيفة : أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده ، فلما قضى صلاته قال له : ما صليت . قال علي : من افترش ذراعيه في السجود فلم يتم سجوده ، ومن لم يتم سجوده فلا صلاة له عند حذيفة ؛ ولا نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم

391 - مسألة : وفرض على المصلي أن لا يبصق أمامه ولا عن يمينه ، في صلاة كان أو في غير صلاة - وحكمه أن يبصق في الصلاة في ثوبه ، أو عن يساره تحت قدمه ، أو على بعد على يساره ، ما لم يلق البصقة في المسجد ، أو يبصق خلفه ما لم يؤذ بذلك أحدا . ولا يجوز البصاق في المسجد ألبتة ، وإن كان في غير صلاة ، إلا أن يدفنه . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا عبد الرزاق أنا الثوري هو سفيان - عن منصور هو ابن المعتمر - عن ربعي بن حراش عن { طارق بن عبد الله المحاربي قال : قال لي رسول الله ﷺ : إذا صليت فلا تبصق بين يديك ولا عن يمينك ، وابصق تلقاء شمالك إن كان فارغا ، وإلا فتحت قدمك ، وأشار برجله ففحص الأرض } وروينا أيضا بأجل إسناد عن شعبة ثنا قتادة سمعت أنس بن مالك عن رسول الله ﷺ ؛ فذكر نحوه . وعن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ . وعن ابن عمر عن النبي ﷺ . وروينا النهي عن ذلك عن حذيفة وأبي هريرة ، ولا مخالف لهما من الصحابة رضي الله عنهم . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا قتادة قال : سمعت أنس بن مالك قال : قال النبي ﷺ : { البصاق في المسجد خطيئة ، وكفارتها دفنها } . وبه إلى البخاري ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة أخبرني قتادة سمعت أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ : { لا يتفلن أحدكم بين يديه ولا عن يمينه ، ولكن عن يساره أو تحت رجله } . فهذا عموم في الصلاة وغيرها ، وأمر الصلاة يدخل في هذا الخبر . وإلى كل هذا ذهب السلف الطيب : - روينا عن طاوس : أن معاوية بزق في المسجد وذهب ثم رجع ومعه شعلة من نار فجعل يتبع البزاق حتى دفنه وعن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد : كنا مع عبد الله بن مسعود فأراد أن يبصق وما عن يمينه فارغ ؛ فكره أن يبصق عن يمينه ، وليس في صلاة وعن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي نصر عن عبد الله بن الصامت عن معاذ بن جبل : أنه كان مريضا فقال : ما بصقت عن يميني مذ أسلمت وعن ابن جريج أن ابن نعيم أخبره أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول لابنه عبد الملك وبصق عن يمينه وهو في مسير ؛ فنهاه عمر عن ذلك وقال : إنك تؤذي صاحبك ، ابصق عن شمالك . وعن عبد الرحمن بن مهدي ثنا المنذر بن ثعلبة عن همام بن خناس قال : نهاني ابن عمر عن أن أبصق عن يميني في غير صلاة وعن أبي إسحاق السبيعي قال : رأيت عمرو بن ميمون يصلي فأراد أن يبصق فلم يجد عن يساره موضعا فالتفت خلفه فبزق . وعن همام بن يحيى قال : دخلت على محمد بن سيرين فرأيته دخل في الصلاة ، فأراد أن يبزق وكان الحائط عن يساره ، فالتفت يساره حتى أخرج البزاق من المسجد . قال علي : هؤلاء طائفة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف - وبالله تعالى التوفيق .

=======







كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

392 - مسألة : ولا تحل الصلاة في عطن إبل ، وهو الموضع الذي تقف فيه الإبل عند ورودها الماء وتبرك ، وفي المراح والمبيت ، فإن كان لرأس واحد من الإبل أو لرأسين فالصلاة فيه جائزة ، وإنما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا . [ ثم استدركنا فقلنا : إنه لا تجوز الصلاة ألبتة في الموضع المتخذ لبروك جمل واحد فصاعدا ، ولا في المتخذ عطنا لبعير واحد فصاعدا ؛ على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى ] . والصلاة إلى البعير جائزة وعليه ، فإن انقطع أن تأوي الإبل إلى ذلك المكان حتى يسقط عنه اسم عطن : جازت الصلاة فيه فمن صلى في عطن إبل بطلت صلاته عامدا كان أو جاهلا . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري والقاسم بن زكرياء ؛ قال أبو كامل : ثنا أبو عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب ؛ وقال القاسم بن زكريا : ثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان كلاهما عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة عن النبي ﷺ : { أن رجلا سأله : أصلي في مبارك الإبل قال : لا } . حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أبو عيسى بن أبي عيسى القاضي ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا لم تجدوا إلا مرابض الغنم وأعطان الإبل فصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل } . وروينا ذلك أيضا بإسناد في غاية الصحة عن البراء بن عازب ، وعبد الله بن مغفل كلاهما عن رسول الله ﷺ . فهذا نقل تواتر يوجب يقين العلم . وقد احتج بعض من خالف هذا بأن قال : قد صح عن النبي ﷺ أنه قال : { فضلت على الأنبياء بست فذكر فيها وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فحيثما أدركتك الصلاة فصل } . وقال : وهذه فضيلة ، والفضائل لا تنسخ ، وذكر قول الله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } . فقلنا : إن هذا كله حق ، وليس للنسخ ههنا مدخل ، والواجب استعمال كل هذه النصوص ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يستثنى الأقل من الأكثر ، فتستعمل جميعا حينئذ ، ولا يحل لمسلم مخالفة شيء منها ولا تغليب بعضها على بعض بهواه ثم نسأل المخالف - : عن الصلاة في كنيف أو مزبلة - إن كان شافعيا ، أو حنفيا وعن صلاة الفريضة في جوف الكعبة إن كان مالكيا وعن الصلاة في أرض مغصوبة إن كان من أصحابنا فإنهم يمنعون من الصلاة في هذه المواضع ويختصونها من الآية المذكورة ومن الفضيلة المنصوصة ، وقد قال تعالى وذكر مسجد الضرار : { لا تقم فيه أبدا } فحرم الصلاة فيه وهو من الأرض فصح أن الفضيلة باقية ، وأن الأرض كلها مسجد وطهور إلا مكانا نهى الله تعالى عن الصلاة فيه ، فإن قيل : قد صلى رسول الله ﷺ على بعيره وإلى بعيره قلنا : نعم ومن منع هذا فهو مبطل ، ومن صلى على بعيره أو إلى بعيره فلم يصل في عطن إبل ، وعن هذا جاء النهي لا عن الصلاة إلى البعير . وقد زاد بعضهم كذبا وجرأة وافتراء على رسول الله ﷺ فقال : إنما نهى عن الصلاة في معاطنها ومباركها لنفارها واختلاطها ، أو لأن الراعي يبول بينها قال علي : وهذا كذب مجرد على النبي ﷺ وإخبار عنه بالباطل وبما لم يقله عليه السلام قط ، ولو أطلق مثل هذا على رجل من عرض الناس لكان إثما وفسقا ، فكيف على رسول الله ﷺ ولو أنه عليه السلام أراد ما ذكروا لبينه ثم هبك أنه كما قالوا - ومعاذ الله من ذلك - فإن النهي والتحريم بذلك باق كما كان ، فكيف يستحلون أن يصححوا النهي ويدعوا أنه لعلة يذكرونها - : ثم يبيحون ما صح النهي عنه هذا أمر ما ندري كيف هو ونعوذ بالله من البلاء وقد روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لا تصلوا في أعطان الإبل . وسئل مالك عمن لم يجد إلا عطن إبل قال : لا يصلي فيه ، قال : فإن بسط عليه ثوبا قال : لا ، أيضا . وقال أحمد بن حنبل : من صلى في عطن إبل أعاد أبدا ، فإن قيل : فإنه قد روي عنه أنه قال : { فإنها خلقت من الشياطين } . قلنا : نعم ، هذا حق ، ونحن نقر بهذا ، ولا اعتراض في هذا على نهيه عليه السلام عن الصلاة في أعطانها قال علي : والبعير والبعيران لا يشك في أن الموضع المتخذ لمبركهما أو لمبرك أحدهما داخل في جملة مبارك الإبل وعطن الإبل ، وكل عطن فهو مبرك . وليس كل مبرك عطنا ؛ لأن العطن هو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط ، والمبرك أعم ؛ لأنه الموضع المتخذ لبروكها في كل حال . وإذا سقط عن العطن والمبرك اسم عطن ومبرك فليس عطنا ولا مبركا ؛ فالصلاة فيه جائزة . فأما قولنا : عالما كان أو غير عالم ؛ فلأنه أتى بالصلاة في غير موضعها ومكانها ، والصلاة لا تصح إلا في زمان ومكان محدودين ، فإذا لم تؤد في مكانها وزمانها فليست هي التي أمر الله تعالى بها ، بل هي غيرها . وبالله تعالى التوفيق .

393 - مسألة : ولا تحل الصلاة في حمام ، سواء في ذلك مبدأ بابه إلى منتهى جميع حدوده ، ولا على سطحه ، ومستوقده ، وسقفه ، وأعالي حيطانه ، خربا كان أو قائما : فإن سقط من بنائه شيء فسقط عنه اسم " حمام " جازت الصلاة في أرضه حينئذ . ولا في مقبرة - مقبرة مسلمين كانت أو مقبرة كفار - ، فإن نبشت وأخرج ما فيها من الموتى جازت الصلاة فيها . ولا إلى قبر ، ولا عليه ، ولو أنه قبر نبي أو غيره ، فإن لم يجد إلا موضع قبر أو مقبرة ، أو حماما ، أو عطنا ، أو مزبلة ، أو موضعا فيه شيء أمر باجتنابه - : فليرجع ولا ويصلي هنالك جمعة ، ولا جماعة ، فإن حبس في موضع مما ذكرنا فإنه يصلي فيه ، ويجتنب ما افترض عليه اجتنابه بسجوده ، لكن يقرب مما بين يديه من ذلك ما أمكنه ، ولا يضع عليه جبهة ، ولا أنفا ، ولا يدين ولا ركبتين ، ولا يجلس إلا القرفصاء ؛ فإن لم يقدر إلا على الجلوس ، أو الاضطجاع ؛ صلى كما يقدر وأجزأه . برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى الأنصاري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال : { الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة } . حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا أبو كامل هو الجحدري - ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال : { الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة } . قال البزار : أسنده أيضا عن عمرو بن يحيى أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري وأحمد بن إسحاق . قال علي : قال بعض من لا يتقي عاقبة كلامه في الدين : هذا حديث أرسله سفيان الثوري ، وشك في إسناده موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة . قال علي : فكان ماذا لا سيما وهم يقولون : إن المسند كالمرسل ولا فرق ثم أي منفعة لهم في شك موسى ولم يشك حجاج وإن لم يكن فوق موسى فليس دونه أو في إرسال سفيان - وقد أسنده حماد ، وعبد الواحد ، وأبو طوالة ، وابن إسحاق ، وكلهم عدل حدثنا أحمد بن محمد الجسور ثنا أحمد بن الفضل الدينوري ثنا محمد بن جرير الطبري ثنا محمد بن بشار بندار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني بسر بن عبيد الله سمعت أبا إدريس الخولاني قال : سمعت واثلة بن الأسقع يقول : سمعت أبا مرثد الغنوي يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها } . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبيري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : أن عائشة وابن عباس أخبراه : { أن رسول الله ﷺ لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له ، فإذا اغتم كشفها عن وجهه ، وهو يقول لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، تقول عائشة يحذر مثل ما صنعوا } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له - : قال إسحاق : أخبرنا زكرياء بن عدي . وقال أبو بكر : ثنا زكرياء بن عدي عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث النجراني حدثني { جندب قال سمعت رسول الله ﷺ قبل أن يموت بخمس : " وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك } في حديث طويل . قال علي : من زعم أنه عليه السلام أراد بذلك قبور المشركين فقد كذب على رسول الله ﷺ ؛ لأنه عليه السلام عم بالنهي جميع القبور ، ثم أكد بذمه من فعل ذلك في قبور الأنبياء والصالحين . قال علي : فهذه آثار متواترة توجب ما ذكرناه حرفا حرفا ، ولا يسع أحدا تركها . وبه يقول طوائف من السلف رضي الله عنهم . روينا عن نافع بن جبير بن مطعم أنه قال : ينهى أن يصلى وسط القبور والحمام ، والحشان . وعن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : لا تصلين إلى حش ، ولا في حمام ، ولا في مقبرة قال علي : ما نعلم لابن عباس في هذا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم ، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم وعن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يكرهون أن يتخذوا ثلاث أبيات قبلة : الحش ، والحمام ، والقبر وعن العلاء بن زياد عن أبيه ، وعن خيثمة بن عبد الرحمن أنهما قالا : لا تصل إلى حمام ، ولا إلى حش ، ولا وسط مقبرة . وقال أحمد بن حنبل : من صلى في حمام أعاد أبدا وعن وكيع عن سفيان الثوري عن حميد عن أنس قال : رآني عمر بن الخطاب أصلي إلى قبر فنهاني ، وقال : القبر أمامك . وعن معمر عن ثابت البناني عن أنس قال : رآني عمر بن الخطاب أصلي عند قبر فقال لي : القبر لا تصل إليه قال ثابت : فكان أنس يأخذ بيدي إذا أراد أن يصلي فيتنحى عن القبور . وعن علي بن أبي طالب : من شرار الناس من يتخذ القبور مساجد وعن ابن عباس رفعه : { لا تصلوا إلى قبر ، ولا على قبر } وعن ابن جريج أخبرني ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول : قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . قال ابن جريج : قلت لعطاء : أتكره أن تصلي وسط القبور أو إلى قبر قال : نعم - كان ينهى عن ذلك - لا تصل وبينك وبين القبلة قبر ؛ فإن كان بينك وبينه سترة ذراع فصل قال ابن جريج : وسئل عمرو بن دينار عن الصلاة وسط القبور فقال : ذكروا أن رسول الله ﷺ قال : { كانت بنو إسرائيل اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلعنهم الله } قال ابن جريج : وأخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : لا أعلمه إلا أنه كان يكره الصلاة وسط القبور كراهية شديدة وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : كانوا إذا خرجوا في جنازة تنحوا عن القبور للصلاة وقال أحمد بن حنبل : من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدا قال علي : فهؤلاء عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو هريرة ؛ وأنس ، وابن عباس : ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم قال علي : وكره الصلاة إلى القبر ، وفي المقبرة ، وعلى القبر : أبو حنيفة ، والأوزاعي ، وسفيان ، ولم ير مالك بذلك بأسا ، واحتج له بعض مقلديه بأن { رسول الله ﷺ صلى على قبر المسكينة السوداء } قال علي : وهذا عجب ناهيك به أن يكون هؤلاء القوم يخالفون هذا الخبر فيما جاء فيه ، فلا يجيزون أن تصلى صلاة الجنازة على من قد دفن ثم يستبيحون بما ليس فيه من أثر ولا إشارة مخالفة السنن الثابتة ، ونعوذ بالله من الخذلان قال علي : وكل هذه الآثار حق ، فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا ، إلا صلاة الجنازة فإنها تصلى في المقبرة ، وعلى القبر الذي قد دفن فيه صاحبه ، كما فعل رسول الله ﷺ نحرم ما نهى عنه ، ونعد من القرب إلى الله تعالى أن نفعل مثل ما فعل ؛ فأمره ونهيه حق ، وفعله حق ، وما عدا ذلك فباطل ؛ والحمد لله رب العالمين . وأما قولنا : أن يرجع من لم يجد موضعا غير ما ذكرنا ؛ فإنه لم يجد موضعا تحل فيه الصلاة ؛ وكذلك لو وجد زحاما لا يقدر معه على ركوع ولا سجود وأما المحبوس فليس قادرا على مفارقة ذلك الموضع ، ولا على الصلاة في غيره ، فله حكم أمر رسول الله ﷺ إذ يقول : { إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } فهذا يسقط عنه ما عجز عنه ، ويلزمه ما قدر عليه ، ويجتنب ما قدر على اجتنابه مما نهي عنه . قال عز وجل { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }

394 - مسألة : ولا تجوز الصلاة في أرض مغصوبة ولا متملكة بغير حق من بيع فاسد أو هبة فاسدة أو نحو ذلك من سائر الوجوه وكذلك من كان في سفينة مغصوبة أو فيها لوح مغصوب لولاه لغرقها الماء ، فإنه إن قدر على الخروج عنها فصلاته باطلة . وكذلك الصلاة على وطاء مغصوب أو مأخوذ بغير حق . أو على دابة مأخوذة بغير حق ، أو في ثوب مأخوذ بغير حق ، أو في بناء مأخوذ بغير حق وكذلك إن كان مسامير السفينة مغصوبة ، أو خيوط الثوب الذي خيط بها مغصوبة . أو أخذ كل ذلك بغير حق ، فإن كان لا يقدر على مفارقة ذلك المكان أصلا ، ولا على الخروج عن السفينة أو كان اللوح لا يمنع الماء من الدخول ، أو كان غير مستظل بذلك البناء ولا مستترا به ، أو كان قد يئس [ من ] معرفة من أخذ منه ذلك الشيء بغير حق ، أو كانت سفينة أو بناء لم يغصب شيء من أعيانها لكن سخر الناس فيها ظلما : فالصلاة في كل ذلك جائزة ، قدر على مفارقة ذلك المكان أو لم يقدر . وكذلك إن خشي البرد وأذاه ، أو الحر وأذاه ، فله أن يصلي في الثوب المأخوذ بغير حق ؛ وعليه إذا كان صاحبه غير مضطر إليه ؛ وإلا فلا ؛ وكذلك الأرض المباحة التي لم يحظرها صاحبها ولا منع منها ، فالصلاة فيها جائزة برهان ذلك - : قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } صح ذلك من طريق أبي بكرة ، وعبد الله بن عمر ، ونبيط بن شريط الأشجعي . وقال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . فإذا كان من حرم الله عليه الدخول إلى مكان ما ، والإقامة فيه ، ولباس ثوب ما ، والتصرف فيه ، أو استعمال شيء ما : ففعل في صلاته كل ما حرم عليه فلم يصل كما أمر ؛ ومن لم يصل كما أمر فلم يصل أصلا ، والصلاة طاعة وفريضة ، قيامها وقعودها والإقامة فيها ، وبعض اللباس فيها ، فإذا قعد حيث نهي عنه ؛ أو عمل متصرفا فيما حرم أو استعمل ما حرم عليه : فإنما أتى بعمل معصية ، وقعود معصية ، من الباطل أن تنوب المعصية المحرمة عن الطاعة المفترضة ، وأن يجزئ الضلال والفسوق عن الهدى والحق وقد عارض ذلك بعض المتعسفين فقال : يلزمكم إذا طلق في شيء مما ذكرتم ، أو أعتق فيه ، أو نكح فيه ، أو باع فيه ، أو اشترى ، أو وهب ؛ أو تصدق - : أن تنقضوا كل ذلك وكذلك من صبغ لحيته بحناء مغصوبة ثم صلى ومن تعلم القرآن من مصحف مسروق أن ينساه ، أو علمه إياه عبد آبق ، وأكثروا من مثل هذه الحماقات وقالوا : كل من ذكرتم بمنزلة من صلى مصرا على الزنى ، وقتل النفس ، وشرب الخمر ، والسرقة - ولا فرق قال علي : ليس شيء مما قالوا من باب ما قلنا ، لأن الصلاة لا بد فيها من إقامة في مكان واحد ، ومن جلوس مفترض . ومن ستر عورة ، ومن ترك كل عمل لم يبح له في الصلاة ، ومن زمان محدود مؤقت لها ، ومن مكان موصوف لها ، ومن ماء يتطهر به أو تراب يتيمم به إن قدر على ذلك ، هذا ما لا خلاف فيه بيننا وبينهم ، ولا بين أحد من أهل الإسلام وليس الطلاق ، ولا النكاح ، ولا العتاق ، ولا البيع ، ولا الهبة ، ولا الصدقة ، ولا تعلم القرآن - . معلقا بشيء مما ذكرنا ، ولا مأمورا فيه بهيئة ما ، ولا بجلوس ولا بد ، ولا بقيام على صفة ، ولا بمكان موصوف ، لكن كل هذه الأعمال أيضا محتاجة ولا بد إلى ألفاظ موضوعة ، أو أعمال محدودة ، وأوقات محدودة ، فكل من أتى بالصلاة ، أو النكاح ، أو الطلاق ، أو البيع ، أو الهبة ، أو الصدقة ، على خلاف ما أمره الله تعالى به على لسان رسول الله ﷺ فهو كله باطل لا يصح منه شيء لا طلاق ، ولا نكاح ، ولا عتاق ، ولا هبة ، ولا صدقة ، وكذلك كل شيء من أعمال الشريعة - ولا فرق فمن صلى فجعل الجلوس المحرم عليه بدل الجلوس المأمور به ؛ والإقامة المحرمة عليه بدل الإقامة المفترضة عليه ؛ وستر عورته بما حرم عليه سترها به ؛ وأتى بها في غير الزمان الذي أمر بأن يأتي بها فيه ، أو في غير المكان الذي أمر أن يأتي بها فيه ، وعوض من ذلك زمانا ومكانا حرما عليه ؛ وعوض الماء المحرم عليه ، أو التراب المحرم عليه من الماء المأمور به ، أو التراب المأمور به - : فلم يصل قط الصلاة التي أمره الله تعالى بها ؛ وهو والذي صلى إلى غير القبلة عمدا سواء ولا فرق ؛ وكلاهما صلى بخلاف ما أمر به وكذلك من طلق أجنبية ، أو بغير الكلام الذي جعل الله تعالى الطلاق به وحرم به الفرج الذي كان حلالا ، أو نكح ذات زوج ؛ أو في عدة ، أو بغير الكلام الذي أباح به النكاح وحلل به الفرج الحرام قبله ؛ أو باع بيعا محرما ؛ أو اشترى من غير مالك ؛ أو وهب هبة لم يطلق عليها ، أو أعتق عتقا حرم عليه ؛ كمن أعتق غلام غيره ، أو تصدق بثوب على الأوثان - فكل ذلك باطل مردود ، لا يصح شيء منه ، وليس تبطل شريعة بما تبطل به أخرى ؛ لكن بأن يعمل بخلاف ما أمر الله تعالى بأن تعمل عليه والذي صبغ لحيته بحناء مغصوبة ، فإن صلى حاملا لتلك الحناء فلا صلاة له . وأما إذا نزعها ولم يصل بها - فاللون غير متملك - فلم يصل بخلاف ما أمر وأما المصر على المعاصي فقد صح عن النبي ﷺ : أن كل من كان من أمته فقد عفا الله عز وجل له عن كل ما حدث به نفسه من قول أو عمل ، فهذا معفو له عنه ، فإن قيل : فأنتم تبطلون صلاة من نوى خروجه من الصلاة ، وإن لم يعمل ولا قال قلنا : بلى قد عمل ، لأنه بنيته تلك صار وقوفه - إن كان واقفا ؛ وقعوده - إن كان قاعدا ؛ وركوعه - إن كان راكعا ؛ وسجوده - إن كان ساجدا - : عملا يعمله ظاهرا لغير الصلاة ؛ فقد بطلت صلاته ؛ إذ حال عامدا بين أعمالها بما ليس منها ؛ لكن لو نوى أن يبطلها في غير وقته ذلك لم تبطل بذلك صلاته - وبالله تعالى التوفيق . وأما من عجز عن المفارقة لشيء مما ذكرنا فقد قال الله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وأخبر عليه السلام : أنه عفا الله عن أمته الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه ؛ فهذا مضطر مكره ؛ فلا تبطل صلاته إلا بنص جلي في إبطالها بذلك ، كالحدث المتفق على أنه لا يجزئ التمادي في الصلاة إثره إلا بإحداث وضوء وأما السفينة ، والبناء الذي سخر الناس ظلما فيهما فليس هناك عين محرمة كان المصلي مستعملا لها ، والآثار لا تتملك ، فإن يئس من معرفة صاحبه فقد صار من جماعة المسلمين - وهو أحدهم - فله التصرف فيه حينئذ - وبالله تعالى التوفيق

=======







كتـاب الصلاة

395 - مسألة : ولا تحل الصلاة - للرجل خاصة - في ثوب فيه حرير أكثر من أربع أصابع عرضا في طول الثوب ، إلا اللبنة والتكفيف فهما مباحان ولا في ثوب فيه ذهب ، ولا لابسا ذهبا فيه خاتم ولا في غيره . فإن أجبر على لباس شيء من ذلك أو اضطر إليه خوف البرد : حل له الصلاة فيه . أو كان به داء يتداوى من مثله بلباس الحرير : فالصلاة له فيه جائزة وكذلك لو حمل ذهبا له في كمه ليحرزه ، أو حريرا أو ثوب حرير كذلك فصلاته تامة - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، ومحمد بن المثنى ، وزهير بن حرب قالوا : ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الشعبي عن سويد بن غفلة : { أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية فقال " نهى رسول الله ﷺ عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع } . وبه إلى مسلم : ثنا شيبان بن فروخ ثنا جرير بن حازم ثنا نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ { إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا علي هو ابن المديني - ثنا وهب بن جرير بن حازم ثنا أبي قال : سمعت ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن - عن حذيفة قال { نهى رسول الله ﷺ أن نشرب في آنية الذهب والفضة ، وأن نأكل فيها ، وعن لبس الحرير والديباج ، وأن نجلس عليه } أخبرنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا عبد الرحمن بن أسد الكازروني ثنا الدبيري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ﷺ قال : { أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا عفان بن مسلم ثنا قتادة أن أنس بن مالك أخبره { أن رسول الله ﷺ شكا إليه عبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام : القمل ، فرخص لهما في قمص الحرير } . وبه إلى مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس { أن رسول الله ﷺ رخص لعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام في القمص الحرير لحكة كانت بهما أو وجع } . وبه إلى مسلم : ثنا يحيى بن يحيى ثنا خالد بن عبد الله هو الطحان - عن ابن جريج { عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق " أن أسماء أخرجت إليه جبة طيالسية كسروانية لها لبنة ديباج فرجاها مكنوفان بالديباج ، فقالت : هذه جبة رسول الله ﷺ كانت عند عائشة حتى قبضت فقبضتها ، وكان رسول الله ﷺ يلبسها ، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها } . ومس الحرير والذهب وملكهما وحملهما حلال بالنص والإجماع ، فإن قيل : قد روي لباس الخز عن بعض الصحابة رضي الله عنهم قلنا : قد جاء تحريمه عن بعضهم - : كما روينا : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جهز جيشا فغنموا فاستقبلهم عمر فرآهم قد لبسوا أقبية الديباج ولباس العجم ، فأعرض عنهم وقال : ألقوا عنكم ثياب أهل النار فألقوها . وعن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر سمعت الشعبي يحدث عن سويد بن غفلة قال : أصبنا فتوحا بالشام فأتينا المدينة ، فلما دنونا لبسنا الديباج والحرير ، فلما رآنا عمر رمانا ، فنزعناها ، فلما رآنا قال : مرحبا بالمهاجرين إن الحرير والديباج لم يرض الله به لمن كان قبلكم ، فيرضى به عنكم ؟ لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا قال شعبة : أصبعين ، أو ثلاثا ، أو أربعا . وروينا عن أبي الخير : أنه سأل عقبة بن عامر الجهني عن لبنة حرير في جبته قال : ليس بها بأس وعن يزيد بن هارون : أنا هشام هو ابن حسان - عن حفصة بنت سيرين عن أبي ذبيان هو خليفة بن كعب - : { أن ابن عمر سمع الخبر في أن " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " فقال : إذن والله لا يدخلها ، قال تعالى : { ولباسهم فيها حرير } } وعن محمد بن المثنى : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن منصور هو ابن المعتمر - عن مجاهد قال : قال ابن عمر : اجتنبوا من الثياب ما خالطه الحرير وعن عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن زبيد عن أبي بردة عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال : من لبس ثوب حرير ألبسه الله تعالى ثوبا من نار ، ليس من أيامكم ولكن من أيام الله الطوال . وعن علي بن أبي طالب : أنه رأى رجلا لابسا جبة على صدرها ديباج فقال له علي : ما هذا النتن على صدرك وعن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال : كنت عند ابن مسعود فجاءه ابن له عليه قميص حرير فشقه ابن مسعود وعن ابن الزبير : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة فإذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم فالفرض الرد عند تنازعهم إلى رسول الله ﷺ كما أمر الله عز وجل ، وقد باع سمرة خمرا ، وأكل أبو طلحة البرد وهو صائم ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . ولا يصح في الرخصة في الثوب سداه حرير : خبر أصلا ، لأن الرواية فيه عن ابن عباس انفرد بها خصيف ، وهو ضعيف . فكيف وكل من روي عنه أنه لبس الخز من الصحابة رضي الله عنهم ليس في شيء من تلك الأخبار أنهم عرفوا أن سداها حرير . روينا عن شعبة عن عامر بن عبيدة الباهلي قال : رأيت على أنس جبة خز فسألته عن ذلك فقال : أعوذ بالله من شرها وعن معمر عن عبد الكريم الجزري قال : رأيت على أنس بن مالك جبة خز وكساء خز وأنا أطوف بالبيت مع سعيد بن جبير ، فقال سعيد بن جبير : لو أدركه السلف لأوجعوه . فهذا يوضح أن الصحابة كانوا يحرمون ذلك ، إذ لا يوجعون على مباح . وعن عبد الله بن شقيق أنه قال { نهى رسول الله ﷺ عن الحرير أشد النهي " فقال له رجل : أليس هذا عليك حريرا فقال عبد الله : سبحان الله هذا خز ، قال : بلى ، ولكن سداه حرير ، قال : ما شعرت } . وعن عمر بن عبد العزيز : أنه أمر أن يتخذ له ثوب من خز سداه كتان . وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحو ذلك . ولا يخلو كل من روى عنه من الصحابة رضي الله عنهم أنه لبس من أحد وجوه ثلاثة : إما أن سدى تلك الثياب كان كتانا . وإما أنهم لم يعلموا أنه حرير ؛ وهذا هو الذي لا يجوز أن يظن بهم غيره . وإما أنهم استغفروا الله تعالى من لباسه ، فأقل يوم من أيامهم مع رسول الله ﷺ يغطي على أضعاف هذا ، وليس غيرهم مثلهم ، فنصف مد شعير يتصدق به أحدهم يفضل جميع أعمال أحدنا لو عمر مائة سنة ؛ لأن نصف مد أحدهم أفضل من جبل أحد ذهبا ننفقه نحن في وجوه البر ؛ وما نعلم أحدا ينفق في البر زنة حجر ضخم من حجارة أحد فكيف الجبل كله - وبالله تعالى التوفيق . وأما من اضطر إليه خوف البرد فقد قال الله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه }


396 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يقرأ القرآن في ركوعه ولا في سجوده ، فإن تعمد بطلت صلاته ، وإن نسي ، فإن كان ذلك بعد أن اطمأن وسبح كما أمر أجزأه سجود السهو وتمت صلاته ؛ لأنه زاد في صلاته ساهيا ما ليس منها ، وإن كان ذلك في جميع ركوعه وسجوده ألغى تلك السجدة أو الركعة وكان كأن لم يأت بها ، وأتم صلاته وسجد للسهو ، لأنه لم يأت بذلك كما أمر ، وقد قال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج أنا زهير بن حرب ثنا سفيان بن عيينة أنا سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس قال : { كشف رسول الله ﷺ الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر ، فقال : أيها الناس ، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا ، أو ساجدا ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم } . قال علي : فإن قيل : قد روي هذا المعنى من طريق علي وفيه { نهاني ولا أقول نهاكم } قلنا : نعم ، وليس في هذا الخبر إلا نهي علي ، وفي الذي ذكرنا نهي الكل ؛ لأن كل ما نهى عنه عليه السلام فحكمنا حكمه ؛ إلا أن يأتي نص بتخصيصه ، فإن قيل : قد { روت عائشة رضي الله عنها : أنها سمعته ﷺ يقول في سجوده : سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي " يتأول القرآن } قلنا : نعم ، وقد روينا هذا الخبر عن سفيان الثوري عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة { كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في سجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ، يتأول القرآن ، يعني { إذا جاء نصر الله والفتح } } هكذا ، في الخبر نصا ، فصح أن معنى تأوله عليه السلام القرآن هو في هذه السورة { واستغفره } . وقد روينا عن علي بن أبي طالب : لا تقرأ وأنت راكع ، ولا وأنت ساجد . وعن مجاهد : لا تقرأ في الركوع ولا السجود ، إنما جعل الركوع والسجود للتسبيح


397 - مسألة : فلو قرأ المصلي القرآن في جلوسه بعد أن يتشهد وهو إمام أو فذ أو تشهد في قيامه أو ركوعه أو سجوده بعد أن يأتي بما عليه من قراءة وتسبيح : جازت صلاته - عمدا فعل ذلك أو نسيانا - ولا سجود سهو في ذلك . وغير ذلك من ذكر الله تعالى أحب إلينا فأما جواز صلاته وسقوط سجود السهو عنه ؛ فلأنه لم يأت بشيء نهي عنه ، بل قرأ والقراءة : فعل حسن ما لم ينه المرء عنه ، والتشهد أيضا ذكر حسن . وأما قولنا : إن غير ذلك من الذكر أحب إلينا ؛ فلأنه لم يأت به أمر ولا حض - وبالله تعالى التوفيق

398 - مسألة : ولا تجزئ أحدا الصلاة في مسجد الضرار الذي بقرب قباء ، لا عمدا ولا نسيانا . لقول الله تعالى : { والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله } إلى قوله تعالى : { لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه } فصح أنه ليس موضع صلاة

399 - مسألة : ولا تجزئ الصلاة في مسجد أحدث مباهاة ، أو ضرارا على مسجد آخر . إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول ، ولا حرج عليهم في قصده ، والواجب هدمه ، وهدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان ، أو يقصدها أهل الجهل طلبا لفضلها ، وليست عندها آثار لنبي من الأنبياء عليهم السلام ولا يحل قصد مسجد أصلا يظن فيه فضل زائد على غيره إلا مسجد مكة ، ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس ، فقط ؛ لأن رسول الله ﷺ ذم تقارب المساجد . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن الصباح أنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ { ما أمرت بتشييد المساجد } . [ قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى ] قال علي : التشييد : البناء بالشيد . وبه إلى أبي داود ثنا محمد بن العلاء ثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت { أمر رسول الله ﷺ ببناء المساجد في الدور ، وأن تطيب وتنظف } . قال علي : فلم يأمر عليه السلام ببناء المساجد في كل مكان ، وأمر ببناء المساجد في الدور ، فصح أن الذي نهى عنه عليه السلام هو غير الذي أمر به ، فإذ ذلك كذلك فحق بناء المساجد هو كما بين ﷺ بأمره وفعله ، وهو بناؤها في الدور ، كما قال عليه السلام { والدور هي المحلات } ، قال عليه السلام : { خير دور الأنصار دار بني النجار ، ثم دار بني عبد الأشهل ، ثم دار بني الحارث بن الخزرج ، ثم دار بني ساعدة } . وعلى قدر ما بناها عليه السلام بالمدينة ، لكل أهل محلة مسجدهم الذي لا حرج عليهم في إجابة مؤذنه للصلوات الخمس ، فما زاد على ذلك أو نقص مما لم يفعله عليه السلام فباطل ومنكر ، والمنكر واجب تغييره . وقد افترض عليه السلام النكاح والتسري ونهى عن الرهبانية ، فكل ما أحدث بعده عليه السلام مما لم يكن في عهده وعهد الخلفاء الراشدين فبدعة وباطل وقد هدم ابن مسعود مسجدا بناه عمرو بن عتبة بظهر الكوفة ورده إلى مسجد الجماعة - ولا فضل لجامع على سائر المساجد . ولا يحل السفر إلى مسجد ، حاشا مسجد مكة ، والمدينة ، وبيت المقدس حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى } . حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا محمد بن معمر ثنا روح بن عبادة ثنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إنما الرحلة إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد المدينة ، ومسجد إيلياء }

400 - مسألة : ولا تجزئ الصلاة في مكان يستهزأ فيه بالله عز وجل أو برسوله أو بشيء من الدين ، أو في مكان يكفر بشيء من ذلك فيه ، فإن لم يمكنه الزوال ولا قدر صلى وأجزأته صلاته . قال الله تعالى : { أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم } وقال تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } . فمن استجاز القعود في مكان هذه صفته فهو مثل المستهزئ الكافر بشهادة الله تعالى ، فمن أقام حيث حرم الله عز وجل عليه القعود فقعوده وإقامته معصية ، وقعود الصلاة طاعة . ومن الباطل أن تجزئ المعاصي عن الطاعات وأن تنوب المحارم عن الفرائض . وأما من عجز فقد قال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }

401 - مسألة : ولا تجوز القراءة في مصحف ولا في غيره لمصل ، إماما كان أو غيره ، فإن تعمد ذلك بطلت صلاته . وكذلك عد الآي ؛ لأن تأمل الكتاب عمل لم يأت نص بإباحته في الصلاة . وقد روينا هذا عن جماعة من السلف : منهم سعيد بن المسيب ، والحسن البصري والشعبي ، وأبو عبد الرحمن السلمي . وقد قال بإبطال صلاة من أم بالناس في المصحف أبو حنيفة والشافعي وقد أباح ذلك قوم منهم ، والمرجوع عند التنازع إليه هو القرآن والسنة . وقد قال رسول الله ﷺ : { إن في الصلاة لشغلا } فصح أنها شاغلة عن كل عمل لم يأت فيه نص بإباحته - وبالله تعالى التوفيق

402 - مسألة : ومن سلم عليه وهو يصلي فليرد إشارة لا كلاما ، بيده أو برأسه ، فإن تكلم عمدا بطلت صلاته . ومن عطس فليقل " الحمد لله رب العالمين " . ولا يجوز أن يقول له أحد " رحمك الله " ، فإن فعل بطلت صلاة القائل له ذلك إن تعمد عالما بالنهي . وقد ذكرنا حديث معاوية بن الحكم في ذلك وحديث الرد أيضا فأغنى عن إعادته وبالله تعالى التوفيق .

403 - مسألة : ولا تجزئ الصلاة بحضرة طعام المصلي غداء كان أو عشاء ، ولا وهو يدافع البول ، أو الغائط . وفرض عليه أن يبدأ بالأكل ، والبول ، والغائط حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد عباد ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد هو أبو حزرة عن ابن أبي عتيق قال : تحدثت أنا والقاسم هو ابن محمد - عند عائشة فأتى بالمائدة فقام القاسم بن محمد : قالت عائشة : أين قال : أصلي ، قالت : اجلس غدر ، سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان } . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبيري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كنا مع عبد الله بن أرقم فأقام الصلاة ثم ذهب للغائط وقال سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إذا أقيمت الصلاة وبأحدكم الغائط فليبدأ بالغائط } . وحدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كان عبد الله بن أرقم في حج أو عمرة فأقام الصلاة ثم قال لأصحابه : صلوا ، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول : { إذا أقيمت الصلاة وبأحدكم حاجة فليقض حاجته ثم يصلي فقضى حاجته ثم توضأ وصلى } . وبه قال السلف - : روينا عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني ، وحميد عن أنس : وضعت المائدة وحضرت الصلاة فقمت لأصلي المغرب ، فأخذ أبو طلحة بثوبي وقال : اجلس وكل ثم صله وعن عمر بن الخطاب لا تدافعوا الأخبثين في الصلاة فإنه سواء عليه يصلي من شكي به ، أو كان في طرف ثوبه - وعن ابن عباس مثل هذا . قال علي : فإن خشي فوات الوقت فكذلك ؛ لأنه مأمور على الجملة بأن يبتدئ بالبول أو الغائط والأكل ، فصح أن الوقت متمادى له إذ أمر بتأخيرها حتى يتم شغله كما ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق

404 - مسألة : ومن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا ففرض عليه أن لا يصلي في المسجد حتى تذهب الرائحة ، وفرض إخراجه من المسجد إن دخله قبل انقطاع الرائحة ، فإن صلى في المسجد كذلك فلا صلاة له ولا يمنع أحد من المسجد غير من ذكرنا ، ولا أبخر ، ولا مجذوم ، ولا ذو عاهة حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا ابن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرني نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن المساجد } . وبه إلى يحيى بن سعيد : ثنا هشام هو الدستوائي - ثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة { أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة - فذكر كلاما كثيرا - : وفيه " إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين ، هذا البصل ، والثوم ، ولقد رأيت رسول الله ﷺ إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع } . وبه إلى مسلم : ثنا محمد بن حاتم ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ قال : { من أكل البصل والثوم ، والكراث ؛ فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم } . قال علي : إذا لم يقل مسجدنا هذا ، أو لفظا يبين تخصيصه بمسجده بالمدينة - : فكل مسجد فهو مسجدنا ؛ لأنه عليه السلام يخبر عن المسلمين بقوله : { مسجدنا } مع ما قد بين ذلك في الحديث الآخر قال علي : روينا من طريق مصعب بن سعيد : كان رجل من أصحاب محمد ﷺ إذا أراد أن يأكل الثوم خرج إلى البرية كأنه يعني إياه وروينا عن علي بن أبي طالب وشريك بن حنبل من التابعين تحريم الثوم النيء . قال علي بن أحمد : ليس حراما لأن النبي ﷺ أباحه في الأخبار المذكورة . وروينا عن عطاء منع آكل الثوم من جميع المساجد . قال علي : لم يمنع عليه السلام من حضور المساجد أحدا غير من ذكرنا { وما ينطق عن الهوى } { وما كان ربك نسيا }

405 - مسألة : ومن تعمد فرقعة أصابعه أو تشبيكها في الصلاة بطلت صلاته ، لقوله ﷺ { إن في الصلاة لشغلا }

406 - مسألة : ومن صلى معتمدا على عصا أو على جدار أو على إنسان أو مستندا فصلاته باطلة لأمره ﷺ بالقيام في الصلاة ، فإن لم يقدر فقاعدا ، فإن لم يقدر فمضطجعا وكان الاتكاء والاستناد عملا لم يأت به أمر . وقال عليه السلام : { إن في الصلاة لشغلا } . قال علي : إلا أن يصح أثر في إباحة ذلك فنقول به ، ولا نعلمه يصح ؛ لأن الرواية فيه إنما هي من طريق عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي عن أبيه ، ولا يعلم حاله ولا حال أبيه ثم لو صح لكان لا إباحة فيه للاعتماد في الصلاة ، ولا للاستناد ؛ لأن لفظه إنما هو عن أم قيس بنت محصن { أن رسول الله ﷺ لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه } . قال علي : وليس فيه : أنه كان عليه السلام يعتمد عليه في نفس الصلاة ، والأحاديث الصحاح : { أنه عليه السلام كان يصلي قاعدا فإذا بقي عليه من القراءة مقدار ما قام فقرأ ثم ركع }

407 - مسألة : ومن تختم في السبابة أو الوسطى ، أو الإبهام ، أو البنصر - إلا الخنصر وحده - وتعمد الصلاة كذلك فلا صلاة له حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ، وهناد بن السري ، قال محمد بن بشار : ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عاصم بن كليب عن أبي بردة هو ابن أبي موسى الأشعري قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول { نهاني رسول الله ﷺ عن الخاتم في السبابة والوسطى } . وقال هناد بن السري : عن أبي الأحوص عن عاصم بن كليب عن أبي بردة هو ابن أبي موسى الأشعري - عن علي بن أبي طالب قال : { نهاني رسول الله ﷺ أن أتختم في أصبعي هذه ، وفي الوسطى ، أو التي تليها } . قال علي : حديث شعبة هذا يقضي على كل خبر شك فيه من رواه عن عاصم ، ولا فرق بين من صلى متختما في إصبع نهي عن التختم فيها وبين من صلى لابس حرير أو على حال محرمة ، لأن كلهم قد فعل في الصلاة فعلا نهي عنه ؛ فلم يصل كما أمر

408 - مسألة : فلو صرف نيته في الصلاة متعمدا إلى صلاة أخرى ، أو إلى تطوع عن فرض ، أو إلى فرض عن تطوع - : بطلت صلاته ؛ لأنه لم يأت بها كما أمر ؛ فلو فعل ذلك ساهيا لم تبطل صلاته ؛ ولكن يلغى ما عمل بخلاف ما أمر به ، طال أم قصر ، ويبني على ما صلى كما أمر ، ويتم صلاته ثم يسجد للسهو ، ذلك ما لم ينتقض وضوءه ، فإن انتقض وضوءه ابتدأ الصلاة من أولها ، لما قد ذكرنا في الكلام والعمل في الصلاة ولا فرق

409 - مسألة : ومن أتى عرافا - وهو الكاهن - فسأله مصدقا له وهو يدري أن هذا لا يحل له - : لم تقبل له صلاة أربعين ليلة إلا أن يتوب إلى الله عز وجل . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى العنزي حدثني يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن صفية هي بنت أبي عبيد - عن بعض أزواج النبي ﷺ قال { من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة } . قال علي : أزواج النبي ﷺ كلهن في غاية الصدق والعدالة والطهارة والثقة ؛ لا يمكن أن يخفين ، ولا أن يختلط بهن من ليس منهن ؛ بخلاف مدعي الصحبة وهو لا يعرف ومن أتى العراف فسأله غير مصدق له لكن ليكذبه فليس سائلا له ولا آتيا إليه ، ومن تاب فقد استثنى الله بالتوبة سقوط جميع الذنوب إذا صحت التوبة وكانت على وجهها - وبالله تعالى التوفيق . ومن ادعى أن هذا على التغليظ فقد نسب تعمد الكذب إلى رسول الله ﷺ ؛ وفي هذا ما لا يخفى على أحد

410 - مسألة : ومن ظن أن إمامه قد سلم أو نسي أنه في إمامة الإمام فقام لقضاء ما لم يدرك أو لتطوع أو لحاجة ساهيا : فعليه أن يرجع متى ما ذكر ويجلس ويتشهد إن كان لم يكن تشهد ولا يسلم إلا بعد سلام إمامه وجالسا : ولا بد ، فإن حيل بينه وبين الجلوس : سلم كما يقدر ويسجد للسهو ، فإن انتقض وضوءه قبل أن يعمل ما ذكرنا ابتدأ الصلاة ولا بد فلو تعمد شيئا مما ذكرنا قبل ذاكرا أنه في إمامة الإمام بطلت صلاته لما ذكرناه من بطلان الصلاة بكل عمل تعمد لم يؤمر به ولا أبيح له ، وبأن النسيان معفو عنه والسلام لا يكون بالنص والإجماع إلا في آخر الجلوس الذي فيه التشهد - وبالله تعالى التوفيق

411 - مسألة : والصلاة خلف من يدري المرء أنه كافر باطل وكذلك خلف من يدري أنه متعمد للصلاة بلا طهارة ، أو متعمد للعبث في صلاته - وهذا لا خلاف فيه من أحد مع النص الثابت بأن يؤم القوم أقرؤهم { وليؤمكم أحدكم } في حديث أبي موسى ، والكافر ليس أحدنا وليس الكافر من المصلين ولا مضافا إليهم ، وليس العابث مصليا ولا في صلاة فالمؤتم بواحد منهما لم يصل كما أمر

412 - مسألة : فإن صلى خلف من يظن أنه مسلم ثم علم أنه كافر ، أو أنه عابث ، أو أنه لم يبلغ ؛ فصلاته تامة ؛ لأنه لم يكلفه الله تعالى معرفة ما في قلوب الناس وقد قال عليه السلام { لم أبعث لأشق عن قلوب الناس وإنما كلفنا ظاهر أمرهم } فأمرنا إذا حضرت الصلاة أن يؤمنا بعضنا في ظاهر أمره فمن فعل ذلك فقد صلى كما أمر ، وكذلك العابث في نيته أيضا لا سبيل إلى معرفة ذلك منه - وبالله تعالى التوفيق 
======

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مكتبات الكتاب الاسلامي

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أ...