مدونة استكمال مصنفات الإمامين ابن حزم والوكاني

الأحد، 20 مارس 2022

تابع كتاب الصلاة من المحلي لابن حزم / الاذان من 314 الي 360. .}

باب الأذان


========= 
كتاب الصلاة  -  باب الأذان

314 - مسألة : ولا يجوز أن يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها إلا صلاة الصبح فقط ، فإنه يجوز أن يؤذن لها قبل طلوع الفجر الثاني بمقدار ما يتم المؤذن أذانه وينزل من المنار أو من العلو ويصعد مؤذن آخر ويطلع الفجر قبل ابتداء الثاني في الأذان ، ولا بد لها من أذان ثان بعد الفجر ، ولا يجزئ الأذان الذي كان قبل الفجر ؛ لأنه أذان سحور ، لا أذان للصلاة . ولا يجوز أن يؤذن لها قبل المقدار الذي ذكرنا ، فروينا من طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن إسماعيل بن مسلم ، قلت للحسن البصري : يا أبا سعيد ، الرجل يؤذن قبل الفجر يوقظ الناس ؟ فغضب ، وقال علوج فراغ لو أدركهم عمر بن الخطاب لأوجع جنوبهم من أذن قبل الفجر فإنما صلى أهل ذلك المسجد بإقامة لا أذان فيه . وبه إلى محمد بن المثنى : عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن الحسن بن عمرو عن فضيل عن إبراهيم النخعي : أنه كان يكره أن يؤذن قبل الفجر . وعن وكيع عن شريك عن علي بن علي عن إبراهيم النخعي قال : سمع علقمة بن قيس مؤذنا بليل فقال : لقد خالف هذا سنة من سنة أصحاب رسول الله ﷺ لو نام على فراشه لكان خيرا له ؟ ومن طريق زبيد اليامي عن إبراهيم النخعي قال : كانوا إذا أذن المؤذن بليل قالوا له : اتق الله ، وأعد أذانك قال علي : هذه حكاية عن الصحابة رضي الله عنهم ، وأكابر التابعين - : روينا من طريق أبي داود : ثنا أيوب بن منصور ثنا شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع مولى ابن عمر عن مؤذن لعمر بن الخطاب يقال له : مسروح ، أذن قبل الصبح فأمره عمر بأن ينادي : ألا إن العبد نام . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن الأسود بن يزيد قال قلت لعائشة أم المؤمنين : متى توترين ؟ قالت : بين الأذان والإقامة ، وما كانوا يؤذنون حتى يصبحوا . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان : ثنا عبيد الله بن عمر أخبرني نافع قال : ما كانوا يؤذنون حتى يطلع الفجر فهذه أقوال أئمة أهل المدينة : عمر بن الخطاب ، وعائشة أم المؤمنين ، ونافع ، وغيرهم ، وهم أولى بالاتباع ممن جاء بعدهم فوجد عملا لا يدرى أصله ، ولا يجوز فيه دعوى نقل التواتر عن مثله أصلا ؛ لأن الروايات عن هؤلاء الثقات مبطلة لهذه الدعوى التي لا تصح ؛ ولا يعجز عنها أحد ؟ . والذي ذكرنا هو قول أبي حنيفة ، وسفيان الثوري ، وقال مالك والأوزاعي والشافعي : يؤذن لصلاة الصبح بليل ، ولا يؤذن لغيرها إلا بعد دخول الوقت . [ قال علي : احتج هؤلاء بالأخبار الثابتة من أن بلالا كان يؤذن بليل ] قال علي : وهذا حق ، إلا أنه كما ذكرنا من أنه لم يكن أذان الصلاة ، ولا قبل الفجر بليل طويل ، وكان يؤذن آخر بعد طلوع الفجر . برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير بن معاوية ثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال : { لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ، وينبه نائمكم } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا يعقوب بن إبراهيم ثنا حفص عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد بن أبي بكر [ الصديق ] عن عائشة أم المؤمنين قالت : قال رسول الله ﷺ : { إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ؟ قلت : ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا } . وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : { إن بلالا أذن قبل طلوع الفجر ، فأمره رسول الله ﷺ أن يرجع فينادي : ألا إن العبد نام ، ألا إن العبد نام ، فرجع فنادى : ألا إن العبد نام } ؟ . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا قتيبة ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس { أن النبي ﷺ كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغير بنا حتى يصبح وينظر ، فإن سمع أذانا كف عنهم ، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم } . قال علي : فصح أن الأذان للصلاة لا يجوز أن يكون قبل الفجر . ورويناه أيضا من طريق حفصة ، وعائشة : أمي المؤمنين ، فصار نقل تواتر يوجب العلم . وعن مالك بن الحويرث ، وسلمة الجرمي مسندا أيضا ، ولم يأت قط في شيء من الآثار التي احتجوا بها ، ولا غيرها أنه عليه السلام اكتفى بذلك الأذان لصلاة الصبح ؛ بل في كلها ، وفي غيرها أنه كان هنالك أذان آخر بعد الفجر ، والقوم أصحاب قياس بزعمهم ، ومن كبارهم من يقول : إن القياس أولى من خبر الواحد . وها هنا تركوا قياس الأذان للفجر على الأذان لسائر الصلوات ، ولم يتعلقوا بخبر أصلا - لا صحيح ولا سقيم - في أن ذلك الأذان يجزئ عن آخر لصلاة الصبح . قال علي : ويقال لمن رأى أن الأذان لصلاة الصبح يجزئ قبل الفجر : أخبرنا عن أول الوقت الذي يجزئ فيه الأذان لها من الليل ؟ فإن لم يجدوا حدا في ذلك لزمهم أن يجزئ إثر غروب الشمس ؛ لأنه ليل بلا شك ، وهم لا يقولون بهذا ؟ فإن قالوا : أول الأوقات التي يجزئ فيها الأذان لصلاة الصبح من الليل هو إثر نصف الليل الأول ؟ أو قالوا : [ هو ] في أول الثلث الآخر من الليل ؟ . قلنا لهم : هذه دعوى مفتقرة إلى دليل ، ومثل هذا لا يحل القول به على الله تعالى في دينه وهم يقولون : إن وقت صلاة العتمة يمتد إلى وقت طلوع الفجر ، ويرون للحائض تطهر قبل الفجر أن تصلي العشاء الآخرة والمغرب ، فقد أجازوا الأذان لصلاة الصبح في وقت صلاة العتمة ، فمن أين لهم أن يخصوا بذلك [ بعض ] وقت [ صلاة ] العتمة دون جميع وقتها ؟ نعم ووقت صلاة المغرب أيضا ؟ . فإن قالوا : لا نجيز ذلك إلا في آخر الليل ؟ قيل لهم : ومن أين لكم هذا ؟ وليس هذا في شيء من الأخبار إلا الخبر الذي أخذنا به ، وهو الذي فيه تحديد وقت ذلك الأذان ، وبالله تعالى التوفيق .


315 - مسألة : ولا تجزئ صلاة فريضة في جماعة - اثنين فصاعدا - إلا بأذان وإقامة ، سواء كانت في وقتها ، أو كانت مقضية لنوم عنها أو لنسيان ، متى قضيت ، السفر والحضر سواء في كل ذلك ، فإن صلى شيئا من ذلك بلا أذان ولا إقامة فلا صلاة لهم ، حاشا الظهر والعصر بعرفة ، والمغرب والعتمة بمزدلفة ؛ فإنهما يجمعان بأذان لكل صلاة ، وإقامة للصلاتين معا للأثر في ذلك . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي - ثنا أيوب هو السختياني عن أبي قلابة ثنا مالك بن الحويرث قال { أتينا رسول الله ﷺ فذكر الحديث ، وفيه : أنه عليه السلام قال لهم : ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم ، وصلوا كما رأيتموني أصلي ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم } . ورويناه أيضا بإسناد في غاية الصحة من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني أن عمرو بن سلمة الجرمي أخبره عن أبيه ، وكان وافد قومه على النبي ﷺ أن رسول الله ﷺ قال له : { صلوا صلاة كذا [ في حين كذا ] وصلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكثركم قرآنا } . قال علي : فصح بهذين الخبرين وجوب الأذان ولا بد ، وأنه لا يكون إلا بعد حضور الصلاة في وقتها ، عموما لكل صلاة ، ودخلت الإقامة في هذا الأمر . كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا ابن علية هو إسماعيل عن الجريري عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله ﷺ : { بين كل أذانين صلاة لمن شاء } . ، وأيضا فقد صح { أنه عليه السلام أمر بلالا بأن يوتر الإقامة } كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ؟ . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن يوسف هو الفريابي ثنا سفيان هو الثوري - عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال : { أتى رجلان إلى النبي ﷺ يريدان السفر ؟ فقال النبي ﷺ إذا خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما } . فإن قيل : إنما هذا في السفر ؟ قلنا : لا ، بل في الخروج ، وهذا يقتضي الخروج من عنده عليه السلام لشأنهما ، وهذا كله عموم لكل صلاة فرض مقضية - كما ذكرنا - أو غير مقضية . وقد جاء في هذا أيضا بيان يرفع التمويه والإيهام كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا ابن أبي ذئب ثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال : { شغلنا المشركون عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس يوم الخندق ، قال : وذلك قبل أن ينزل في القتال [ ما نزل ] فأنزل الله تعالى : { وكفى الله المؤمنين القتال } فأمر رسول الله ﷺ بلالا فأذن للظهر فصلاها في وقتها ؛ ثم أذن للعصر فصلاها في وقتها ثم أذن للمغرب فصلاها في وقتها ؟ } قال علي : وهذا الخبر زائد على كل خبر ورد في هذه القصة ، والأخذ بالزيادة واجب . وروينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج : قلت لعطاء : صليت لنفسي الصلاة فنسيت أن أقيم لها ؟ قال : عد لصلاتك أقم لها ثم أعد ، ومن طريق محمد بن المثنى : ثنا ابن فضيل عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال : إذا نسيت الإقامة في السفر فأعد الصلاة . وممن قال بوجوب الأذان والإقامة فرضا : أبو سليمان ، وأصحابه ، وما نعلم لمن لم ير ذلك فرضا حجة أصلا " ولو لم يكن إلا استحلال رسول الله ﷺ دماء من لم يسمع عندهم أذانا ، وأموالهم وسبيهم - : لكفى في وجوب فرض ذلك - ، وهو إجماع متيقن من جميع من كان معه من الصحابة رضي الله عنهم بلا شك ؛ فهذا هو الإجماع المقطوع على صحته لا الدعاوى الكاذبة التي لا يعجز أحد عن ادعائها ، إذا لم يردعه عن ذلك ورع أو حياء - وبالله تعالى التوفيق .


316 - مسألة : ولا يلزم المنفرد أذان ولا إقامة فإن أذن ، وأقام فحسن ؛ [ لأن النص لم يرد بإيجاب الأذان إلا على الاثنين فصاعدا ، وإنما قلنا : إن فعل فحسن ] ، لأنه ذكر الله تعالى ، وقد يدعو إلى الصلاة من لعله يسمعه من مؤمني الجن ؛ فلا يجوز إلا في الوقت .

317 - مسألة : ولا يلزم النساء فرضا حضور الصلاة المكتوبة في جماعة ، وهذا لا خلاف فيه . ولا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا الرجال ، وهذا ما لا خلاف فيه ، وأيضا فإن النص قد جاء بأن المرأة تقطع صلاة الرجل إذا فاتت أمامه . على ما نذكر بعد هذا في بابه إن شاء الله تعالى ، مع قوله عليه السلام { الإمام جنة } وحكمه عليه السلام بأن تكون وراء الرجل ولا بد في الصلاة ، وأن الإمام يقف أمام المأمومين لا بد أو مع المأموم في صف واحد على ما نذكر إن شاء الله تعالى في مواضعه - ومن هذه النصوص يثبت بطلان إمامة المرأة للرجل ، وللرجال يقينا

318 - مسألة : فإن حضرت المرأة الصلاة مع الرجال فحسن ؛ لما قد صح من أنهن كن يشهدن الصلاة مع رسول الله ﷺ وهو عالم بذلك .


319 - مسألة : فإن صلين جماعة ، وأمتهن امرأة منهن فحسن ؛ لأنه لم يأت نص يمنعهن من ذلك ، ولا يقطع بعضهن صلاة بعض ؛ لقول رسول الله ﷺ : { خير صفوف النساء آخرها } . [ روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري ] عن ميسرة بن حبيب النهدي هو أبو خازم - عن ريطة الحنفية : أن عائشة أم المؤمنين أمتهن في صلاة الفريضة . وعن يحيى بن سعيد القطان عن زياد بن لاحق عن تميمة بنت سلمة عن عائشة أم المؤمنين : أنها أمت نساء في الفريضة في المغرب ، وقامت وسطهن ، وجهرت بالقراءة ؟ وعن [ عبد الرزاق ] عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن حجيرة بنت حصين قالت : أمتنا أم سلمة أم المؤمنين في صلاة العصر ، وقامت بيننا وعن يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أم الحسن بن أبي الحسن وهي خيرة - ، هو اسمها ، ثقة مشهورة - حدثتهم : أن أم سلمة أم المؤمنين كانت تؤمهن في رمضان ، وتقوم معهن في الصف . وعن عبد الرزاق عن ابن جريج : أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري أن عائشة أم المؤمنين كانت تؤم النساء [ في التطوع ] وتقوم وسطهن في الصف ؟ وعن عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : تؤم المرأة النساء في التطوع تقوم وسطهن ؟ وروي عن ابن عمر : أنه كان يأمر جارية له تؤم [ نساءه ] في ليالي رمضان . ومن التابعين : [ روينا ] عن ابن جريج عن عطاء ، وعن ابن مجاهد عن أبيه ، عن سفيان الثوري عن إبراهيم النخعي والشعبي ، وعن وكيع عن الربيع عن الحسن البصري - قالوا كلهم بإجازة إمامة المرأة للنساء وتقوم وسطهن . قال عطاء ومجاهد والحسن : في الفريضة والتطوع ، ولم يمنع من ذلك غيرهم . وهو قول قتادة والأوزاعي وسفيان الثوري وإسحاق ، وأبي ثور وجمهور أصحاب الحديث . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وداود ، وأصحابهم . وقال سليمان بن يسار ، ومالك بن أنس : لا تؤم المرأة النساء في فرض ولا نافلة - ، وهذا قول لا دليل على صحته ، وخلاف لطائفة من الصحابة لا يعلم لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ؛ وهم يشيعون هذا إذا وافق تقليدهم ، بل صلاة المرأة بالنساء داخل تحت قول رسول الله ﷺ { إن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة } . فإن قيل : فهلا جعلتم ذلك فرضا ، بقوله عليه السلام : { إذا حضرت الصلاة فليؤمكم أكبركم } ؟ قلنا لو كان هذا لكان جائزا أن تؤمنا ، وهذا محال ؛ وهذا خطاب منه عليه السلام لا يتوجه ألبتة إلى نساء لا رجل معهن ، لأنه لحن في العربية متيقن ، ومن المحال الممتنع أن يكون عليه السلام يلحن ؟ .


320 - مسألة : ولا أذان على النساء ولا إقامة ؛ فإن أذن ، وأقمن فحسن . برهان ذلك - : أن أمر رسول الله ﷺ بالأذان إنما هو لمن افترض عليهم رسول الله ﷺ الصلاة في جماعة ، بقوله عليه السلام : { فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم } وليس النساء ممن أمرن بذلك ، فإذا هو قد صح فالأذان ذكر الله تعالى ، والإقامة كذلك ؛ فهما في وقتهما فعل حسن . وروينا عن ابن جريج عن عطاء : تقيم المرأة لنفسها ، وقال طاوس : كانت عائشة أم المؤمنين تؤذن وتقيم .

321 - مسألة : ولا يحل لولي المرأة ، ولا لسيد الأمة منعهما من حضور الصلاة في جماعة في المسجد ، إذا عرف أنهن يردن الصلاة ولا يحل لهن أن يخرجن متطيبات ، ولا في ثياب حسان ؛ فإن فعلت فليمنعها ، وصلاتهن في الجماعة أفضل من صلاتهن منفردات . - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي ، وعبد الله بن إدريس قالا ثنا عبيد الله هو ابن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله } . وبه إلى مسلم : ثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب أنا يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب أنا سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها فقال له بلال ابنه ؛ والله لنمنعهن ، فأقبل عليه عبد الله بن عمر فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، قال : أخبرك عن رسول الله ﷺ وتقول : والله لنمنعهن ؟ . } وبه إلى مسلم : ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ : { لا تمنعوا النساء من الخروج بالليل إلى المساجد } . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن وضاح ثنا حامد هو ابن يحيى البلخي - ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن محمد بن عمر بن علقمة بن وقاص عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، ولا يخرجن إلا وهن تفلات } . قال علي : والتفلة السيئة الريح والبزة . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان ثنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : قال لنا رسول الله ﷺ : { إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا } . ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت : { إن كان رسول الله ﷺ ليصلي الصبح فينصرف النساء متلففات بمروطهن ما يعرفن من الغلس } . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حسين بن علي هو الجعفي - عن زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر عن رسول الله ﷺ قال : { خير صفوف الرجال المتقدم ، وشرها المؤخر ، وشر صفوف النساء المتقدم ، وخيرها المؤخر ؛ يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن لا ترين عورات الرجال من ضيق الأزر } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق حدثني ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن عمرو هو أبو معمر - ثنا عبد الوارث بن سعيد هو التنوري - ثنا أيوب هو السختياني - عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : { لو تركنا هذا الباب للنساء ؟ فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . } وبه إلى أبي داود ، حدثنا قتيبة ثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير هو ابن الأشج - عن نافع قال إن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يدخل من باب النساء قال علي : لو كانت صلاتهن في بيوتهن أفضل لما تركهن رسول الله ﷺ يتعنين بتعب لا يجدي عليهن زيادة فضل أو يحطهن من الفضل ، وهذا ليس نصحا ، وهو عليه السلام يقول : { الدين النصيحة } وحاشا له عليه السلام من ذلك ؛ بل هو أنصح الخلق لأمته ، ولو كان ذلك لما افترض عليه السلام أن لا يمنعهن ؛ ولما أمرهن بالخروج تفلات . وأقل هذا أن يكون أمر ندب وحض وقال أبو حنيفة ومالك : صلاتهن في بيوتهن أفضل ، وكره أبو حنيفة خروجهن إلى المساجد لصلاة الجماعة ، وللجمعة ، وفي العيدين ، ورخص للعجوز خاصة في العشاء الآخرة ، والفجر وقد روي عنه أنه لم يكره خروجهن في العيدين - : وقال مالك : لا نمنعهن من الخروج إلى المساجد ، وأباح للمتجالة شهود العيدين ، والاستسقاء . وقال : تخرج الشابة إلى المسجد المرة بعد المرة . قال : والمتجالة تخرج إلى المسجد ، ولا تكثر التردد - : قال علي : وشغب من كره ذلك برواية رويناها عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة : لو رأى رسول الله ﷺ ما أحدث النساء بعده لمنعهن المسجد كما منعت نساء بنى إسرائيل . وبحديث روي عن عبد الحميد بن المنذر الأنصاري عن عمته أو جدته أم حميد أن النبي ﷺ قال : { إن صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك معي } ؟ ، وبحديث روي من طريق عبد الله بن رجاء الغداني أنا جرير بن حازم عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير أن أبا هريرة حدثه أن النبي ﷺ قال : { لأن تصلي المرأة في مخدعها أعظم لأجرها من أن تصلي في بيتها ، وأن تصلي في بيتها أعظم لأجرها من أن تصلي في دارها ، وأن تصلي في دارها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد قومها ، وأن تصلي في مسجد قومها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد جماعة ، وأن تصلي في مسجد جماعة خير لها من أن تخرج إلى الصلاة يوم العيد . } وقال بعضهم : لعل أمر رسول الله ﷺ بخروجهن يوم العيد إنما كان إرهابا للعدو لقلة المسلمين يومئذ ليكثروا في عين من يراهم . قال علي : وهذه عظيمة ؛ لأنها كذبة على رسول الله ﷺ وقول بلا علم ، وهو عليه السلام قد بين أن أمره بخروجهن ليشهدن الخير ، ودعوة المسلمين ، ويعتزل الحيض المصلى ؛ فأف لمن كذب قول النبي ﷺ وافترى كذبة برأيه ثم إن هذا القول مع كونه كذبا بحتا فهو بارد سخيف جدا . لأنه عليه السلام لم يكن بحضرة عسكر فيرهب عليهم ، ولم يكن معه عدو إلا المنافقون ويهود المدينة ، الذين يدرون أنهن نساء ، فاعجبوا لهذا التخليط . قال علي : أما ما حدثت به عائشة فلا حجة فيه لوجوه - : أولها : أنه عليه السلام لم يدرك ما أحدثن ، فلم يمنعهن ، فإذ لم يمنعهن فمنعهن بدعة وخطأ ، وهذا كما قال تعالى : { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } فما أتين قط بفاحشة ولا ضوعف لهن العذاب ، والحمد لله رب العالمين . وكقوله تعالى : { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } فلم يؤمنوا فلم يفتح عليهم وما نعلم احتجاجا أسخف من احتجاج من يحتج بقول قائل : لو كان كذا : لكان كذا - : على إيجاب ما لم يكن ، الشيء الذي لو كان لكان ذلك الآخر ؟ ووجه ثان : وهو أن الله تعالى قد علم ما يحدث النساء ، ومن أنكر هذا فقد كفر ، فلم يوح قط إلى نبيه ﷺ بمنعهن من أجل ما استحدثنه ، ولا أوحى تعالى قط إليه : أخبر الناس إذا أحدث النساء فامنعوهن من المساجد ؛ فإذ لم يفعل الله تعالى هذا فالتعلق بمثل هذا القول هجنة وخطأ ؟ ووجه ثالث : وهو أننا ما ندري ما أحدث النساء ، مما لم يحدثن في عهد رسول الله ﷺ ولا شيء أعظم في إحداثهن من الزنى ، فقد كان ذلك على عهد رسول الله ﷺ ورجم فيه وجلد ، فما منع النساء من أجل ذلك قط ، وتحريم الزنى على الرجال كتحريمه على النساء ولا فرق ؛ فما الذي جعل الزنى سببا يمنعهن من المساجد ؟ ولم يجعله سببا إلى منع الرجال من المساجد ؟ هذا تعليل ما رضيه الله تعالى قط ، ولا رسوله ﷺ . ووجه رابع : وهو أن الإحداث إنما هو لبعض النساء بلا شك دون بعض ، ومن المحال منع الخير عمن لم يحدث من أجل من أحدث ، إلا أن يأتي بذلك نص من الله تعالى على لسان رسوله ﷺ فيسمع له ويطاع ، وقد قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } ووجه خامس : وهو أنه إن كان الإحداث سببا إلى منعهن من المسجد فالأولى أن يكون سببا إلى منعهن من السوق ، ومن كل طريق بلا شك ، فلم خص هؤلاء القوم منعهن من المسجد من أجل إحداثهن ، دون منعهن من سائر الطرق ؟ بل قد أباح لها أبو حنيفة السفر وحدها ، والمسير في الفيافي والفلوات مسافة يومين ونصف ، ولم يكره لها ذلك ، وهكذا فليكن التخليط . ووجه سادس : وهو أن عائشة رضي الله عنها لم تر منعهن من أجل ذلك ، ولا قالت : امنعوهن لما أحدثن ؛ بل أخبرت أنه عليه السلام لو عاش لمنعهن ، وهذا هو نص قولنا ؟ ونحن نقول : لو منعهن عليه السلام لمنعناهن ، فإذ لم يمنعهن فلا نمنعهن ، فما حصلوا إلا على خلاف السنن ، وخلاف عائشة رضي الله عنها والكذب بإيهامهم من يقلدهم : أنها منعت من خروج النساء بكلامها ذلك ، وهي لم تفعل - نعوذ بالله من الخذلان . وأما حديث عبد الحميد بن المنذر فهو مجهول لا يدرى من هو ؟ ولا يجوز أن تترك روايات الثقات المتواترة برواية من لا يدرى من هو ؟ ، وأما حديث عبد الله بن رجاء الغداني فهو كثير التصحيف والغلط ، وليس بحجة هكذا قال فيه عمرو بن علي الفلاس وغيره . ثم لو صح هذا الخبر ، وخبر عبد الله بن رجاء الغداني - وهما لا يصحان - لكان على أمورهما معارضة للأخبار الثابتة التي أوردنا ، ولأمره عليه السلام بخروجهن ، حتى ذوات الخدور والحيض إلى مشاهدة صلاة العيد ، وأمر من لا جلباب لها أن تستعير من غيرها جلبابا لذلك ؟ . ولما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى أن عمرو بن عاصم الكلابي حدثهم قال ثنا همام هو ابن يحيى - عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال : { صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مسجدها أفضل من صلاتها في بيتها } . قال علي : يريد بلا شك مسجد محلتها ، لا يجوز غير ذلك ؛ لأنه لو أراد عليه السلام مسجد بيتها لكان قائلا : صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في بيتها ، وحاشا له عليه السلام أن يقول المحال ؛ فإذ ذلك كذلك فقد صح أن أحد الحكمين منسوخ ؟ . أما قوله { إن صلاتها في مسجدها أفضل من صلاتها في بيتها } وحضه عليه السلام على خروجهن إلى العيد ، وإلى المسجد - : منسوخ بقوله : { إن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد } ومن خروجها إلى صلاة العيد " . وأما قوله عليه السلام : { إن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها } ، وصلاتها في مسجدها أفضل من خروجها إلى صلاة العيد منسوخ بقوله عليه السلام : { إن صلاتها في مسجدها أفضل من صلاتها في بيتها } وحضه على خروجها إلى صلاة العيد . لا بد من أحد هذين الأمرين ، ولا يجوز أن نقطع على نسخ خبر صحيح إلا بحجة ؟ . فنظرنا في ذلك : فوجدنا خروجهن إلى المسجد والمصلى عملا زائدا على الصلاة ؛ وكلفة في الأسحار والظلمة والزحمة والهواجر الحارة ؛ وفي المطر والبرد ؛ فلو كان فضل هذا العمل الزائد منسوخا لم يخل ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما - : إما أن تكون صلاتها في المسجد والمصلى مساوية لصلاتها في بيتها ؛ فيكون هذا العمل كله لغوا وباطلا ، وتكلفا وعناء ، ولا يمكن غير ذلك أصلا ؛ وهم لا يقولون بهذا ، أو تكون صلاتها في المساجد والمصلى منحطة الفضل عن صلاتها في بيتها كما يقول المخالفون ، فيكون العمل المذكور كله إثما حاطا من الفضل ، ولا بد ؛ إذ لا يحط من الفضل في صلاة ما عن تلك الصلاة بعينها عمل زائد إلا ، وهو محرم ، ولا يمكن غير هذا ؟ . وليس هذا من باب ترك أعمال مستحبة في الصلاة ، فيحط ذلك من الأجر لو عملها ؛ فهذا لم يأت بإثم لكن ترك أعمال بر ، وأما من عمل عملا تكلفه في صلاته فأتلف بعض أجره الذي كان يتحصل له لو لم يعمله ، وأحبط بعض عمله - : فهذا عمل محرم بلا شك لا يمكن غير هذا . وليس في الكراهة إثم أصلا ، ولا إحباط عمل ؛ بل فيه عدم الأجر والوزر معا ، وإنما الإثم إحباط على الحرام فقط وقد اتفق جميع أهل الأرض أن رسول الله ﷺ لم يمنع النساء قط الصلاة معه في مسجده إلى أن مات عليه السلام ؛ ولا الخلفاء الراشدون بعده ، فصح أنه عمل منسوخ ؛ فإذ لا شك في هذا فهو عمل بر ، ولولا ذلك ما أقره عليه السلام . ولا تركهن يتكلفنه بلا منفعة ، بل بمضرة ، وهذا العسر والأذى ، لا النصيحة ؛ وإذ لا شك في هذا فهو الناسخ ، وغيره المنسوخ ؟ هذا لو صح ذانك الحديثان ؛ فكيف ، وهما لا يصحان روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة : أن عمر بن الخطاب أمر سليمان بن أبي حثمة أن يؤم النساء في مؤخر المسجد في شهر رمضان . وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري : أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عمر بن الخطاب ، وكانت تشهد الصلاة في المسجد وكان عمر يقول لها : والله إنك لتعلمين أني ما أحب هذا ؟ فقالت : والله لا أنتهي حتى تنهاني قال عمر : فإني لا أنهاك ؛ فلقد طعن عمر يوم طعن ، وإنها لفي المسجد . قال علي : ما كان أمير المؤمنين يمتنع من نهيها عن خروجها إلى المسجد لو علم أنه لا أجر لها فيه ؛ فكيف لو علم أنه يحط من أجرها ويحبط عملها ولا حجة لهم في قوله لها : إني لا أحب ذلك ؛ لأن ميل النفس لا إثم فيه ؛ وقد علم الله تعالى أن كل مسلم - : لولا خوف الله تعالى لأحب الأكل إذا جاع في رمضان ، والشرب فيه إذا عطش ، والنوم في الغدوات الباردة في الليل القصير عن القيام إلى الصلوات ، ووطء كل جارية حسناء يراها المرء ؟ فيحب المرء الشيء المحظور لا حرج عليه فيه ؛ ولا يقدر على صرف قلبه عنه ، وإنما الشأن في صبره أو عمله فقط . قال تعالى : { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم } ، ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن عمارة عن عمرو الثقفي عن عرفجة أن علي بن أبي طالب كان يأمر الناس بالقيام في رمضان ؛ فيجعل للرجال إماما ، وللنساء إماما ؛ فأمرني فأممت النساء ؟ ، قال علي : والشواب وغيرهن سواء - ، وبالله تعالى التوفيق .

====




كتاب الصلاة


باب الأذان

322 - مسألة : ولا يؤذن ولا يقام لشيء من النوافل ، كالعيدين والاستسقاء والكسوف ، وغير ذلك - ، وإن صلى كل ذلك في جماعة وفي المسجد - ولا لصلاة فرض على الكفاية : كصلاة الجنازة ؟ ، ويستحب إعلام الناس بذلك ، مثل النداء : الصلاة جامعة ؛ وهذا مما لا يعلم فيه خلاف إلا شيئا كان بنو أمية قد أحدثوه من الأذان والإقامة لصلاة العيدين ، وهو بدعة وقد صح عن النبي ﷺ أنه لم يأمر بأذان ولا إقامة لشيء من ذلك ؛ على ما نذكره في بابه إن شاء الله تعالى ؟ . قال علي : الأذان والإقامة أمر بالمجيء إلى الصلاة ، وليس يجب ذلك إلا في الفرائض المتعينة ؛ ولا يلزم ذلك في النوافل ؛ فلا أذان فيها ولا إقامة ، وإعلام الناس بذلك تنبيه على خير - وقد جاء ذلك أيضا عن رسول الله ﷺ على ما نذكره في بابه إن شاء الله تعالى ؟

323 - مسألة : ولا يجوز أن يؤذن ويقيم إلا رجل بالغ عاقل مسلم مؤد لألفاظ الأذان والإقامة حسب طاقته ، ولا يجزئ أذان من لا يعقل حين أذانه لسكر أو نحو ذلك ؛ فإذا أذن البالغ لم يمنع من لم يبلغ من الأذان بعده ؛ ويجزئ أذان الفاسق ؛ والعدل أحب إلينا ؛ والصيت أفضل . برهان ذلك - : أن النساء لم يخاطبن بالأذان للرجال ؛ لقول رسول الله ﷺ : { فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم أو أكثركم قرآنا } فإنما أمر بالأذان من ألزم الصلاة في جماعة وهم الرجال فقط ؛ لا النساء على ما ذكرنا قبل ؟ والصبي ، والمجنون ، والذاهب العقل بسكر : غير مخاطبين في هذه الأحوال ؛ وقد قال النبي ﷺ : { رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصبي ، والمجنون ، والنائم - } والأذان مأمور به كما ذكرنا ؛ فلا يجزئ أداؤه إلا من مخاطب به بنية أدائه ما أمر به ، وغير الفرض لا يجزئ عن الفرض فإن قيل : فإنكم تجيزون لمن أذن لأهل مسجد أن يؤذن لأهل مسجد آخر في تلك الصلاة نفسها ؛ وهذا تطوع منه ؟ قلنا : نعم ، وهو ، وإن كان تطوعا منه ، فهو من أحدهم المأمورين بإقامة الأذان والإمامة والإقامة لمن معه ، فهو في ذلك كله مؤدي فرض ، وإذا تأدى الفرض ؛ فالأذان : فعل خير لا يمنع الصبيان منه ؛ لأنه ذكر لله تعالى وتطوع وبر ؟ ، وأما الكافر فليس أحدنا ولا مؤمنا ، وإنما ألزمنا أن يؤذن لنا أحدنا . وأما من لم يؤد ألفاظ الأذان متعمدا فلم يؤذن كما أمر ، ولا أتى بألفاظ الأذان التي أمر بها ؛ فهذا لم يؤذن أصلا فإن لم يقدر على أكثر من ذلك للثغة أو لكنة أجزأ أذانه ؛ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فهذا غير مكلف إلا ما قدر عليه فقط ، وسواء كان هنالك من يؤدي ألفاظ الأذان أو لم يكن ، وكان أفضل لو أذن المحسن ؟ . وأما الفاسق فإنه أحدنا بلا شك ؛ لأنه مسلم ، فهو داخل تحت قوله عليه السلام : { ليؤذن لكم أحدكم } ولا خلاف في اختيار العدل ، وأما الصيت ؛ فلأن الأذان أمر بالمجيء إلى الصلاة ؛ فإسماع المأمورين أولى ؛ ولقول رسول الله ﷺ لأبي محذورة { ارجع فارفع صوتك } وهذا أمر برفع الصوت ؛ فلو تعمد المؤذن أن لا يرفع صوته لم يجزه أذانه ، وإن لم يقدر على أكثر إلا بمشقة لم يلزمه ؛ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال عليه السلام ما قد ذكرنا بإسناده ، { إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين } فالاجتهاد في طرد الشيطان فعل حسن - ، وبالله تعالى التوفيق ؟ . وصح عن النبي ﷺ : { لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جان ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة } رويناه من طريق مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني الأنصاري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري مسندا - وبالله تعالى التوفيق .

324 - مسألة : ولا يجوز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا ؛ فإن كان ذلك فالمؤذن هو المبتدئ ، والداخل عليه مسيء لا أجر له ، وما يبعد عنه الإثم ، والواجب منعه ؛ فإن بدآ معا فالأذان للصيت الأحسن تأدية . وجائز أن يؤذن جماعة واحدا بعد واحد للمغرب وغيرها سواء في كل ذلك : فإن تشاحوا ، وهم سواء في التأدية والصوت والفضل والمعرفة بالأوقات أقرع بينهم ، سواء عظمت أقطار المسجد أو لم تعظم ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن مفرج ثنا سعيد بن السكن ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا } . قال علي : لو جاز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا لكان الاستهام لغوا لا وجه له ؛ وحاشا لله من هذا ، ولو كان الصف الأول لمن بادر بالمجيء لكان الاستهام لا معنى له ؛ لأنه لا يمنع أحد من البدار ، وإنما الاستهام فيما يضيق فلا يحمل إلا بعض الناس دون بعض لا يمكن ألبتة غير هذا . وقد أقرع سعد بن أبي وقاص بين المتشاحين في الأذان ؛ إذ قتل المؤذن يوم القادسية ؛ ولو جاز أذان اثنين فصاعدا لكان أصحاب رسول الله ﷺ أحق الناس بأن لا يضيعوا فضله ؛ فما فعلوا ذلك ؟ وما كان لرسول الله ﷺ إلا مؤذنان فقط ؟

325 - مسألة : ويجزئ الأذان والإقامة قاعدا وراكبا وعلى غير طهارة وجنبا ، وإلى غير القبلة - ، وأفضل ذلك أن لا يؤذن إلا قائما إلى القبلة على طهارة ؟ وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان ، ومالك ، في الأذان خاصة وهو قول داود وغيرهم في كل ذلك ، وإنما قلنا ذلك : لأنه لم يأت عن شيء من هذا نهي من عند الله تعالى على لسان رسوله ﷺ وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . فصح أن ما لم يفصل لنا تحريمه فهو مباح ، وإنما تخيرنا أن يؤذن ويقيم على طهارة قائما إلى القبلة ؛ لأنه عمل أهل الإسلام قديما وحديثا .

326 - مسألة : ومن عطس في أذانه ، وإقامته : ففرض عليه أن يحمد الله تعالى ، وإن سمع عاطسا يحمد الله تعالى : ففرض عليه أن يشمته في أذانه ، وإقامته ، وإن سلم عليه في أذانه ، وإمامته : ففرض عليه أن يرد بالكلام ثم الكلام المباح كله جائز في نفس الأذان والإقامة ؟ قال الله تعالى : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } فلم يخص تعالى حالا من حال ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل عن عبد العزيز هو ابن عبد الله بن أبي سلمة - عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : { إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله على كل حال ، وليقل أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ؟ ويقول هو : يهديكم الله ويصلح بالكم } . فلم تخص النصوص حال الأذان والإقامة من غيرهما ، ولا جاء نهي قط عن الكلام في نفس الأذان ، وما نعلم حجة لمن منع ذلك أصلا ؟ فإن قالوا : قسناه على الصلاة ؟ قلنا : فأنتم تجيزون الأذان بلا وضوء ؛ فأين قياسه على الصلاة ؟ . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : { رأيت بلالا يؤذن ويدور ، فأتتبع فاه هاهنا وهاهنا ، وأصبعاه في أذنيه ورسول الله ﷺ في قبة حمراء } . وروينا عن وكيع عن محمد بن طلحة عن جامع بن شداد عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي عن سليمان بن صرد صاحب رسول الله ﷺ : أنه كان يؤذن للعسكر فكان يأمر غلامه في أذانه بالحاجة . وعن وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن البصري قال : لا بأس أن يتكلم في أذانه للحاجة ؟ وعن وكيع عن سفيان الثوري عن نسير بن ذعلوق : رأيت ابن عمر يؤذن على بعيره .

327 - مسألة : ولا تجوز الأجرة على الأذان ، فإن فعل ولم يؤذن إلا للأجرة لم يجز أذانه ، ولا أجزأت الصلاة به - وجائز أن يعطى على سبيل البر ، وأن يرزقه الإمام كذلك حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص { آخر ما عهد إلي رسول الله ﷺ أن لا أتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا } وهو قول أبي حنيفة وغيره وقال مالك : لا بأس بأخذ الأجرة على ذلك ، وهذا خلاف النص . روينا عن وكيع عن المسعودي هو أبو عميس عتبة بن عبد الله - عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود - قال : أربع لا يؤخذ عليهن أجر : الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء ؟ . وعن عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان الضبعي عن يحيى البكاء قال : رأيت ابن عمر يقول لرجل : إني لأبغضك في الله ، ثم قال لأصحابه : إنه يتغنى في أذانه ويأخذ عليه أجرا . وقد قال الله عز وجل : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } ، وقال عليه السلام { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } . فحرم تعالى أكل الأموال إلا لتجارة ، فكل مال فهو حرام إلا ما أباحه نص أو إجماع متيقن ؛ فلو لم يأت النهي عن أخذ الأجر على الأذان لكان حراما بهذه الجملة - ، وبالله تعالى التوفيق . لا يعرف لابن عمر في هذا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، وهم يشنعون هذا إذا وافق تقليدهم ، وأما إن أعطي على سبيل البر فهو فضل ، وقد قال تعالى : { ولا تنسوا الفضل بينكم } .

328 - مسألة : ومن كان في المسجد فاندفع الأذان لم يحل له الخروج من المسجد إلا أن يكون على غير وضوء أو لضرورة - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عثمان بن حكيم ثنا جعفر بن عوف عن أبي عميس أنا أبو صخرة هو جامع بن شداد - عن أبي الشعثاء قال : خرج رجل من المسجد بعد ما نودي للصلاة ، فقال أبو هريرة " أما هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ " . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسحاق ثنا محمد بن يوسف ثنا الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال { : أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج رسول الله ﷺ فتقدم وهو جنب ، ثم قال : على مكانكم ، فرجع واغتسل ثم خرج ورأسه يقطر ماء فصلى بهم } وقال عز وجل { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } .

329 - مسألة : وجائز أن يقيم غير الذي أذن ؛ لأنه لم يأت عن ذلك نهي يصح ، والأثر المروي { إنما يقيم من أذن } إنما جاء من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، وهو هالك ؟

330 - مسألة : ومن سمع المؤذن فليقل كما يقول المؤذن سواء سواء ، من أول الأذان إلى آخره ، وسواء كان في غير صلاة أو في صلاة فرض أو نافلة ، حاشا قول المؤذن " حي على الصلاة ، حي على الفلاح " فإنه لا يقولهما في الصلاة ، ويقولهما في غير صلاة ، فإذا أتم الصلاة فليقل ذلك ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن سلمة المرادي ثنا عبد الله بن وهب عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي ﷺ يقول : { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة } ؟ . ورويناه أيضا - : من طريق مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري ، فلم يخص عليه السلام كونه في صلاة من غير كونه فيها ، وإنما قلنا : لا يقول في الصلاة " حي على الصلاة ، حي على الفلاح " ؟ لأنه تكليم للناس يدعون به إلى الصلاة ، وسائر الأذان ذكر لله تعالى ، والصلاة موضع ذكر الله تعالى ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال : { بينا أنا أصلي مع رسول الله فذكر الحديث - : وفي آخره : أن رسول الله ﷺ قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن } أو كما قال عليه السلام ؟ فإن قال سامع الأذان : لا حول ولا قوة إلا بالله " مكان " حي على الصلاة حي على الفلاح " فحسن . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني مجاهد بن موسى حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمر أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال { : إني عند معاوية إذ أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال المؤذن ، حتى إذا قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله . ثم قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول ذلك } .

331 - مسألة : وصفة الأذان : معروفة ، وأحب ذلك إلينا أذان أهل مكة وهو : الله أكبر ، الله أكبر ؛ الله أكبر ، الله أكبر ؛ أربع مرات ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله . ثم يرفع صوته فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ؛ أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ؟ . وأذان أهل المدينة كما وصفنا سواء سواء ؛ إلا أنه لا يقول في أول أذانه : " الله أكبر ، الله أكبر " إلا مرتين فقط وأذان أهل الكوفة كما وصفنا أذان أهل مكة إلا أنهم لا يقولون " أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله " إلا مرتين فقط ؟ وإن أذن مؤذن بأذان أهل المدينة أو بأذان أهل الكوفة : فحسن وإن زاد في صلاة الصبح بعد : حي على الفلاح - : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم : فحسن ؟ . وإنما تخيرنا أذان أهل مكة ؛ لأن فيه زيادة ذكر لله تعالى على أذان أهل المدينة ، وأذان أهل الكوفة ؛ ففيه ترجيع " الله أكبر " وفيه ترجيع " أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله " ، وهذه زيادة خير لا تحقر . أقل ما يجب لها ستون حسنة ؟ وأيضا : فإنه قد رويناه من طرق ، منها - : ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن سليمان المنقري البصري ثنا حفص بن عمر الحوضي ثنا همام بن يحيى أن عامر بن عبد الواحد الأحول حدثه أن مكحولا الشامي حدثه أن ابن محيريز حدثه أن أبا محذورة حدثه { أن رسول الله ﷺ علمه الأذان تسع عشرة كلمة ، والإقامة سبع عشرة كلمة } ثم وصف الأذان الذي ذكرنا حرفا حرفا ؟ . وحدثناه أيضا : عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد ثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن ابن محيريز أخبره - ، وكان يتيما في حجر أبي محذورة - قال : قلت لأبي محذورة : إني خارج إلى الشام ، وأخشى أن أسأل عن تأذينك فأخبرني ؟ فذكر له { أن رسول الله ﷺ علمه الأذان } كما ذكرنا نصا . وقد جاءت أيضا آثار مثل هذه بمثل أذان أهل المدينة وأذان أهل الكوفة ؛ إلا أن هذه زائدة عليها تربيعا وترجيعا ؛ وزيادة الرواة العدول لا يجوز تركها ؛ إلا أن تكون على التخيير ؛ فيكون الأخذ بالزيادة أفضل ؛ لأنها زيادة ذكر وخير ؟ . وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع بن سفيان الثوري عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة : أنه أرسل إلى مؤذن له : لا تثوب في شيء من الصلاة إلا الفجر ؛ فإذا بلغت " حي على الفلاح " فقل " الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " فإنه أذان بلال . قال علي : سويد بن غفلة من أكبر التابعين ، قدم بعد موت النبي ﷺ بخمس ليال أو نحوها ؛ وأدرك جميع الصحابة الباقين بعد موته عليه السلام . وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن أبي جعفر المؤذن عن أبي سليمان عن أبي محذورة : أنه كان إذا بلغ " حي على الفلاح " في الفجر قال " الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " . قال علي : لم يؤذن بلال لأحد بعد رسول الله ﷺ إلا مرة واحدة بالشام للظهر ، أو العصر فقط ، ولم يشفع الأذان فيها أيضا . وأما الإقامة فهي " الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ؟ " . برهان ذلك - : أن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حدثنا قال ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن سماك بن عطية عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال { أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة } . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة قال : كان بلال يوتر الإقامة ويثني الأذان ؛ إلا قوله " قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة " ؟ . قال علي : قد ذكرنا ما لا يختلف فيه اثنان من أهل النقل : أن بلالا رضي الله عنه لم يؤذن قط لأحد بعد موت رسول الله ﷺ إلا مرة واحدة بالشام ، ولم يتم أذانه فيها ؛ فصار هذا الخبر مسندا صحيح الإسناد ، وصح أن الآمر له رسول الله ﷺ لا أحد غيره وقال الحنفيون : الإقامة مثنى مثنى ، واختلف عنهم في تفسير ذلك ؛ فروى زفر عن أبي حنيفة كما ذكرنا في قول " الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر " أربع مرات في ابتداء الأذان ، وفي ابتداء الإقامة كذلك أيضا ؛ وعلى هذه الرواية هم الحنفيون اليوم ؟ وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة في كلا الأمرين الأذان والإقامة " الله أكبر ، الله أكبر " في ابتدائهما مرتين فقط . وقد جاء حديث بمثل رواية أبي يوسف في الأذان ، وما نعلم خبرا قط روي في قول " الله أكبر ، الله أكبر " أربع مرات في أول الإقامة ولو لا أنها ذكر الله تعالى لوجب إبطال الإقامة بها ؛ وإبطال صلاة من صلى بتلك الإقامة ، ولكن هذه الزيادة بمنزلة من زاد في الإقامة " لا حول ولا قوة إلا بالله " أو غير ذلك مما ليس من الإقامة في شيء ؟ . وقال المالكيون : الإقامة كلها وتر ؛ إلا " الله أكبر ، الله أكبر " فإنه يكرر ؛ ولا يقال " قد قامت الصلاة " إلا مرة واحدة قال علي : الأذان منقول نقل الكافة بمكة وبالمدينة وبالكوفة ؛ لأنه لم يمر بأهل الإسلام - مذ نزل الأذان على رسول الله ﷺ إلى يوم مات أنس بن مالك : آخر من شاهد رسول الله ﷺ وصحبه - يوم إلا وهم يؤذنون فيه في كل مسجد من مساجدهم خمس مرات فأكثر ؛ فمثل هذا لا يجوز أن ينسى ولا أن يحرف ؟ فلو لا أن كل هذه الوجوه قد كان يؤذن بها على عهد رسول الله ﷺ بلا شك ؛ وكان الأذان بمكة على عهد رسول الله ﷺ يسمعه عليه السلام إذ حج ، ثم يسمعه أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، بعده عليه السلام ، وسكنها أمير المؤمنين ابن الزبير تسع سنين ، وهو بقية الصحابة ، والعمال من قبله بالمدينة والكوفة : فمن الباطل الممتنع المحال الذي لا يحل أن يظن بهم رضي الله عنهم أن أهل مكة بدلوا الأذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم أو بلغه والخلافة بيده - : فلم يغير ، هذا ما لا يظنه مسلم ؛ ولو جاز ذلك لجاز بحضرتهم بالمدينة ولا فرق ؟ وكذلك فتحت الكوفة ونزل بها طوائف من الصحابة رضي الله عنهم وتداولها عمال عمر بن الخطاب ، وعمال عثمان رضي الله عنهما ، كأبي موسى الأشعري ، وابن مسعود ، وعمار ، والمغيرة ، وسعد بن أبي وقاص ، ولم تزل الصحابة الخارجون عن الكوفة يؤذنون في كل يوم سفرهم خمس مرات ، إلى أن بنوها وسكنوها ؛ فمن الباطل المحال أن يحال الأذان بحضرة من ذكرنا ويخفى ذلك على عمر وعثمان ، أو يعلمه أحدهما فيقره ولا ينكره ؟ ثم سكن الكوفة علي بن أبي طالب إلى أن مات ونفذ العمال من قبله إلى مكة والمدينة ، ثم الحسن ابنه رضي الله عنه إلى أن سلم الأمر لمعاوية رحمه الله تعالى ؛ فمن المحال أن يغير الأذان ولا ينكر تغيره : علي ؛ والحسن ؛ ولو جاز ذلك على علي ؛ لجاز مثله على أبي بكر وعمر وعثمان ، وحاشا لهم من هذا ؛ ما يظن هذا بهم ، ولا بأحد منهم مسلم أصلا ؟ . فإن قالوا : ليس أذان مكة ولا أذان الكوفة نقل كافة ؟ قيل لهم : فإن قالوا لكم : بل أذان أهل المدينة ليس هو نقل كافة فما الفرق ؟ فإن ادعوا في هذا محالا ادعي عليهم مثله ؟ فإن قالوا : إن أذان أهل مكة وأهل الكوفة يرجع إلى قوم محصور عددهم ؟ قيل لهم : وأذان أهل المدينة يرجع إلى ثلاثة رجال لا أكثر : مالك ، وابن الماجشون ، وابن أبي ذئب فقط ؛ وإنما أخذه أصحاب هؤلاء عن هؤلاء فقط فإن قالوا : لم يختلف في الأذان بالتثنية ؟ قيل لهم : هذا الكذب البحت روى معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : الأذان ثلاثا ثلاثا . وروى ابن جريج عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يثني الإقامة ؛ فيبطل بهذا بيقين البطلان فيما يحتج به المالكيون لاختيارهم في الأذان بأنه نقل الكافة إلى رسول الله ﷺ . فصح يقينا أن لأذان أهل مكة من ذلك ما لأذان أهل المدينة سواء سواء - وأن لأذان أهل الكوفة من ذلك ما لأذان أهل مكة وأذان أهل المدينة ولا فرق ؟ فإن قالوا : لم يغير ذلك الصحابة لكن غير بعدهم ؟ قلنا : إن جاز ذلك على التابعين بمكة والكوفة ، فهو على التابعين بالمدينة أجوز ؛ فما كان بالمدينة في التابعين كعلقمة ، والأسود ، وسويد بن غفلة ؛ والرحيل ومسروق ، ونباتة وسلمان بن ربيعة وغيرهم ؛ فكل هؤلاء أفتى في حياة عمر بن الخطاب ؛ وما يرتفع أحد من تابعي أهل المدينة على طاوس وعطاء ومجاهد ومعاذ الله أن يظن بأحد منهم تبديل عمود الدين ؟ فإن هبطوا إلى تابعي التابعين ؛ فما يجوز شيء من ذلك على سفيان الثوري ، وابن جريج ، إلا جاز مثله على مالك ؛ فما له على هذين فضل ، لا في علم ولا في ورع ؛ ومعاذ الله أن يظن بأحد منهم شيء من هذا فإن رجعوا إلى الولاة ؛ فإن الولاة على مكة ، والمدينة ، والكوفة : إنما كانوا ينفذون من الشام من عهد معاوية إلى صدر زمان أبي حنيفة ، وسفيان ، ومالك ؛ ثم من الأنبار وبغداد في باقي أيام هؤلاء ؛ فلا يجوز شيء من ذلك على والي مكة ، والكوفة ، إلا جاز مثله على والي المدينة ؛ وكلها قد وليها الصالح والفاسق ، كالحجاج ، وحبيش بن دلجة ، وطارق ، وخالد القسري وما هنالك من كل من لا خير ؛ فما جاز من ذلك عليهم بمكة ، والكوفة ، فهو جائز عليهم بالمدينة سواء سواء ؟ بل الأمر أقرب إلى الامتناع بمكة ؛ لأن وفود جميع أهل الأرض يردونها كل سنة ؛ فما كان ليخفى ذلك أصلا على الناس ؛ وما قال هذا أحد قط - ، والحمد لله فإن رجعوا إلى الروايات ؛ فالروايات كما ذكرنا متقاربة إلا قول أبي حنيفة المشهور في الإقامة ؛ فما جاءت به قط رواية ؟ . وليس هذا من المد ، والصاع ، والوسق ، في شيء ؛ لأن كل مد ، أو قفيز أحدث بالمدينة وبالكوفة فقد عرف ؛ كما عرف بالمدينة مد هشام الذي أحدث ؛ والمد الذي ذكره مالك في موطئه : أن الصاع هو مد وثلث بالمد الآخر ، وكمد أهل الكوفة الحجاجي ، وكصاع عمر بن الخطاب ، ولا حرج في إحداث الأمير أو غيره مدا أو صاعا لبعض حاجته ؟ وبقي مد النبي ﷺ وصاعه ووسقه منقولا إليه نقل الكافة إليه ﷺ . والعجب أن مالكا رأى كفارة الظهار خاصة بمد هشام المحدث على اختلاف أصحابه فيه ؛ فأشهب ، وابن وهب ، وابن القاسم ، يقول أحدهم : وهو مد ونصف ، ويقول الآخر : هو مدان غير ثلث - ويقول غيرهم : هو مدان واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة بأن قال : أذان أبي محذورة متأخر ؟ فقلنا : نعم ؛ وأحسن طرقه موافق لاختيارنا - ، ولله الحمد . فإن قالوا : إن فيه تثنية الإقامة ؟ قلنا : نعم ، ولسنا ننكر تثنيتها كان الأمر الأول ؛ وإفرادها كان الأمر الآخر بلا شك . لما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات حدثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد ﷺ { أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام ، فأتى النبي ﷺ فأخبره ؟ قال : علمه بلالا ؛ فقام بلال فأذن مثنى ، وأقام مثنى } . قال علي : وهذا إسناد في غاية الصحة من إسناد الكوفيين ؟ فصح أن تثنية الإقامة قد نسخت ؛ وأنه هو كان أول الأمر ؛ وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخذ عن مائة وعشرين من الصحابة ؛ وأدرك بلالا وعمر رضي الله عنهما ؛ فلاح بطلان قولهم بيقين - ، ولله تعالى الحمد ؟ . إلا أن الأفضل ما صح من أمر رسول الله ﷺ بلالا بأن يوترها إلا الإقامة ؛ والصحيح الآخر أولى بالأخذ مما لا يبلغ درجته ؟ ، وقد قال بعض متأخري المالكيين : معنى " إلا الإقامة " أي إلا " الله أكبر " وهذا جري منهم على عادتهم في الكذب " وما سمى أحد قط قول " الله أكبر " إقامة ، لا في لغة ، ولا في شريعة ، فكيف وقد جاء مبينا أنه " قد قامت الصلاة " كما ذكرناه ؟ وقال الحنفيون : إن الأمر لبلال بأن يوتر الإقامة هو ممن بعد رسول الله ﷺ وهذا لحاق منهم بالروافض الناسبين إلى أبي بكر ، وعمر ، تبديل دين الإسلام ؛ ولعن الله من يقول هذا ؛ فما يقوله مسلم ؟ فإن قالوا : قد رويتم من طريق حيوة عن الأسود : أن بلالا كان يثني الإقامة ؟ قلنا : نعم ؛ وأنس روى : أن بلالا أمر بوترها ، وأنس سمع أذان بلال بلا شك ، ولم يسمعه الأسود قط يؤذن ، ولا يقيم - : فصح أن معنى قول الأسود : إن بلالا كان يثني الإقامة يريد قوله " قد قامت الصلاة " حتى يتفق قوله مع رواية أنس في ذلك ؟ . قال علي : وقال بعض الحنفيين : لعل أمر رسول الله ﷺ أبا محذورة أن يقول " أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله " إنما كان لأجل أنه كان خفض به صوته ، لا لأنه من حكم الأذان ؟ قال علي : وهذا كذب على رسول الله ﷺ مجرد ؛ لأنه عليه السلام لو علم أن هذا الترجيع ليس من نفس الأذان لنبأه عليه ، ولما تركه ألبتة يقول ذلك خافضا صوته في ابتداء الأذان ؛ فليس هو كلمة واحدة ؛ بل أربع قضايا - : الاثنتان منها - : ست كلمات ، ست كلمات ، والاثنتان - : خمس كلمات ، خمس كلمات . فمن الكذب البحت - الذي يستحق فيه صاحبه أن يتبوأ مقعده من النار - أن يدع رسول الله ﷺ أبا محذورة يأتي بكل ذلك خافض الصوت ؛ وليس خفضه من حكم الأذان ؛ فإذا تركه على الخطأ ، ولم ينهه زاد في إضلاله ، بأن يأمره بأن يعيد ذلك رافعا صوته ، ولا يعلمه أن تكرار ذلك ليس من الأذان وما ندري كيف ينطلق بهذا لسان مسلم أو ينشرح له صدره ؟ . فكيف والآثار - التي هي أحسن ما روي في ذلك - جاءت مبينة بأن نبي الله ﷺ علمه الأذان كذلك نصا ؛ كلمة كلمة ، تسع عشرة كلمة فوضح كذب هؤلاء القائلين جهارا ؟ وقال بعضهم : لما رأينا ما كان في الأذان في موضعين كان في الموضع الثاني على نصف ما هو عليه في الموضع الأول - : ألا ترى أنه يقال في أول الأذان " أشهد أن لا إله إلا الله " مرتين ، ويقال في آخره " لا إله إلا الله " مرة وكان التكبير مما يتكرر في الأذان ، وكان التكبير في آخر الأذان مرتين ، والقياس أن يكون في أول الأذان أربعا . قال علي : إذا كان هذا الهوس عندكم حقا فإن التكبير مربع في أول الأذان كما تقول ؛ فالواجب أن يكون " أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله " مربعا أيضا في التكبير ، وأن لا يثنى من الأذان إلا ما اتفق على أن يثنى ، كما لا يفرد منه إلا ما اتفق على إفراده ، وهو " لا إله إلا الله " فقط ؛ فيكون أول الأذان ثلاث قضايا مربعات ، ثم يتلوها ثلاث قضايا مثنيات ؛ ثم توتر ذلك قضية سابعة مفردة ؛ فهذا هذر أفلح من هذركم ؛ فينبغي أن تلتزموه وأما المالكيون ، فإنهم إذا قاسوا المستحاضة على المصراة ، والنفخ في الصلاة على { فلا تقل لهما أف } والمرأة ذات الزوج في مالها على المريض المخوف عليه الموت ؛ وفرج المتزوجة على يد السارق ؛ وسائر تلك القياسات التي لا شيء أسقط منها ولا أغث . فهذان القياسان أدخل في المعقول عند كل ذي مسكة عقل ؛ فينبغي لهم أن يلتزموها إن كانوا من أهل القياس ؛ وإلا فليتركوا تلك المقايس السخيفة ؛ فهو أحظى لهم في الدين وأدخل في المعقول ، وبالله تعالى التوفيق . وقال بعض المالكيين : لما كانت " لا إله إلا الله " تقال في آخر الأذان مرة واحدة - : وجب أن تكون الإقامة كلها كذلك ، إلا ما اتفق عليه من التكبير فيها ؟ فقلنا لهم : لما لم يكن ما ذكرتم حجة في إفراد الأذان لم يكن حجة في إفراد الإقامة . وأيضا : فإنه لما كان التكبير في الإقامة يثنى باتفاق منا ومنكم - : وجب أن يثنى سائر الإقامة ، إلا ما اتفق عليه ، وهو التهليل في آخرها فقط أو لما كان التكبير في الإقامة يقال أربع مرات وجب أن يكون في الإقامة أيضا يقال مرتين ؛ ليكون فيها تربيع يخرج منه إلى تثنية إلى إفراد ، وكل هذا هوس ؛ إنما أوردناه ليرى أهل التصحيح فساد القياس وبطلانه ؟ . وقد صح عن ابن عمر ، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف : أنهم كانوا يقولون في أذانهم " حي على خير العمل " ولا نقول به ؛ لأنه لم يصح عن النبي ﷺ ولا حجة في أحد دونه - ولقد كان يلزم من يقول في مثل هذا عن الصاحب : مثل هذا لا يقال بالرأي - : أن يأخذ بقول ابن عمر في هذا ، فهو عنه ثابت بأصح إسناد . وقال الحسن بن حي : يقال في العتمة " الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم " ولا نقول بهذا أيضا ؛ لأنه لم يأت عن رسول الله ﷺ .

332 - مسألة : ولا يجوز تنكيس الأذان ولا الإقامة ، ولا تقديم مؤخر منها على ما قبله ؛ فمن فعل ذلك فلم يؤذن ولا أقام ولا صلى بأذان ولا إقامة قال علي : هي أربعة أشياء تنازع الناس فيها - : الوضوء ، والأذان ، والإقامة ، والطواف بالبيت ؟ فقال أبو حنيفة : يجوز تنكيس كل ذلك ؟ وقال مالك لا يجوز تنكيس الأذان ، ولا الإقامة ، ولا الطواف - وقال في أحد قوليه وأشهرهما : يجوز تنكيس الوضوء ؟ وقال الشافعي : لا يجوز تنكيس شيء من ذلك قال علي : لا يشك أحد في أن رسول الله ﷺ علم الناس الأذان ، ولو لا ذلك ما تكهنوهما ، ولا ابتدعوهما . فإذ لا شك في ذلك فإنما علمهما عليه السلام مرتبين كما هما ؛ أولا فأولا ، يأمر الذي يعلمه بأن يقول ما يلقنه ، ثم الذي بعده من القول ، إلى انقضائهما . فإذ هذا كذلك فلا يحل لأحد مخالفة أمره ﷺ في تقديم ما أخر أو تأخير ما قدم - ، وبالله تعالى التوفيق .

333 - مسألة : فإن كان برد شديد أو مطر رش فصاعدا ؛ فيجب أن يزيد المؤذن في أذانه بعد " حي على الفلاح " أو بعد ذلك " ألا صلوا في الرحال " . وهذا الحكم واحد في الحضر والسفر - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : أنه أذن بضجنان بين مكة والمدينة فقال " صلوا في الرحال " . ثم قال ابن عمر { كان النبي ﷺ يأمر مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة أو ذات الريح أن يقول : صلوا في الرحال } . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا ابن أيمن ثنا بكر بن حماد ثنا مسدد ثنا حماد هو ابن زيد - عن أيوب السختياني ، وعاصم الأحول ، وعبد الحميد صاحب الزيادي ، كلهم : عن عبد الله بن الحارث قال : { خطبنا ابن عباس في يوم ذي ردغ فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة أمره أن ينادي الصلاة في الرحال ؟ فنظر القوم بعضهم إلى بعض . فقال لهم : كأنكم أنكرتم هذا قد فعل هذا من هو خير مني ، وإنها لعزيمة } وهو قول أصحابنا .

334 - مسألة : والكلام جائز بين الإقامة والصلاة - طال الكلام أو قصر - ولا تعاد الإقامة لذلك - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني ثنا أبو إسحاق البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ثنا عبد الوارث ثنا عبد العزيز هو ابن صهيب - عن أنس بن مالك قال { أقيمت الصلاة والنبي ﷺ يناجي رجلا في جانب المسجد ، فما قام إلى الصلاة حتى نام الناس } . وقد ذكرنا إقامة المسلمين للصلاة ، وتذكره عليه السلام أنه جنب ، ورجوعه واغتساله ، ثم مجيئه وصلاته بالناس ؟ . ولا دليل يوجب إعادة الإقامة أصلا ؛ ولا خلاف بين أحد من الأئمة : في أن من تكلم بين الإقامة والصلاة ، أو أحدث ؛ فإنه يتوضأ ولا تعاد الإقامة لذلك ويكلف من فرق بين قليل العمل وكثيره ، وقليل الكلام وكثيره - : أن يأتي على صحة قوله بدليل ، ثم على حد القليل من ذلك من الكثير ؛ ولا سبيل له إلى ذلك أصلا ، وبالله تعالى التوفيق .

========




كتاب الصلاة


أوقــات الصـلاة

335 - مسألة : قال أبو محمد علي بن أحمد : أول وقت الظهر أخذ الشمس في الزوال والميل ؛ فلا يحل ابتداء الظهر قبل ذلك أصلا ، ولا يجزئ بذلك ، ثم يتمادى وقتها إلى أن يكون ظل كل شيء مثله ؛ لا يعد في ذلك الظل الذي كان له في أول زوال الشمس ؛ ولكن ما زاد على ذلك ؟ فإذا كبر الإنسان لصلاة الظهر حين ذلك - فما قبله - فقد أدرك صلاة الظهر بلا ضرورة فإذا زاد الظل المذكور على ما ذكرنا - : بما قل أو كثر فقد بطل وقت الدخول في صلاة الظهر ؛ إلا للمسافر المجد فقط ؛ ودخل أول وقت العصر ؛ فمن دخل في صلاة العصر قبل ذلك لم تجزه إلا يوم عرفة بعرفة فقط ، ثم يتمادى وقت الدخول في العصر إلى أن تغرب الشمس كلها ؛ إلا أننا نكره تأخير العصر إلى أن تصفر الشمس إلا لعذر - : ومن كبر للعصر قبل أن يغرب جميع القرص : فقد أدرك العصر ؟ فإذا غاب جميع القرص فقد بطل وقت الدخول في العصر ، ودخل أول وقت صلاة المغرب ؛ ولا يجزئ الدخول في صلاة المغرب قبل غروب جميع القرص . ثم يتمادى وقت صلاة المغرب إلى أن يغيب الشفق الذي هو الحمرة - : فمن كبر للمغرب قبل أن يغيب آخر حمرة الشفق فقد أدرك صلاة المغرب بلا كراهة ولا ضرورة ؟ . فإذا غربت حمرة الشفق كلها فقد بطل وقت الدخول في صلاة المغرب ؛ إلا للمسافر المجد ، وبمزدلفة ليلة يوم النحر فقط ؛ ودخل وقت صلاة العشاء الآخرة ، وهي العتمة ، ومن كبر لها ومن الحمرة في الأفق شيء لم يجزه . ثم يتمادى وقت صلاة العتمة إلى انقضاء نصف الليل الأول ، وابتداء النصف الثاني - : فمن كبر لها في أول النصف الثاني من الليل فقد أدرك صلاة العتمة بلا كراهة ، ولا ضرورة فإذا زاد على ذلك فقد خرج وقت الدخول في صلاة العتمة ؟ فإذا طلع الفجر الثاني فقد دخل أول وقت صلاة الصبح ؛ فلو كبر لها قبل ذلك لم يجزه ، ويتمادى وقتها إلى أن يطلع أول قرص الشمس - : فمن كبر لها قبل طلوع أول القرص فقد أدرك صلاة الصبح - إلا أننا نكره تأخيرها عن أن يسلم منها قبل طلوع أول القرص إلا لعذر ؛ فإذا طلع أول القرص فقد بطل وقت الدخول في صلاة الصبح ؟ فإذا خرج وقت كل صلاة ذكرناها لم يجز أن يصليها : لا صبي يبلغ ؛ ولا حائض تطهر ؛ ولا كافر يسلم - ولا يصلي هؤلاء إلا ما أدركوا في الأوقات المذكورة ؟ . وأما المسافر فإنه إن زالت له الشمس ، وهو نازل أو غربت له الشمس ، وهو نازل - : فهو كما ذكرنا في وقت الظهر والمغرب ولا فرق - : يصلي كل صلاة لوقتها ولا بد . فإن زالت له الشمس وهو ماش فله أن يؤخر الظهر إلى أول الوقت الذي ذكرنا للعصر ، ثم يجمع الظهر والعصر . وإن غابت له الشمس ، وهو ماش فله أن يؤخر المغرب إلى أول وقت العتمة ، ثم يجمع بين المغرب والعتمة ؟ ، وأما بعرفة - يوم عرفة خاصة - فإنه يصلي الظهر في وقتها ؛ ثم يصلي العصر إذا سلم من الظهر في وقت الظهر ؟ . وأما بمزدلفة - ليلة يوم النحر خاصة - فإنه لا يصلي المغرب إلا بمزدلفة أي وقت جاءها ؛ فإن جاءها في وقت العتمة صلاها ، ثم صلى العتمة ، وأما الناسي للصلاة والنائم عنها فإن وقتها متماد أبدا لا بد ؛ ولا يحل لأحد أن يؤخر صلاة عن وقتها الذي ذكرنا ؛ ولا يجزئه إن فعل ذلك ؛ ولا أن يقدمها قبل وقتها الذي ذكرنا ، لا يجزئه إن فعل ذلك ؟ وقال أبو حنيفة في أحد قوليه - : أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه ؛ ووقت العتمة المستحب إلى ثلث الليل وإلى نصفه ، ويمتد إلى طلوع الفجر - وإن كره تأخيرها إليه . ولم يجز تأخير الظهر إلى وقت العصر ، ولا تأخير المغرب إلى وقت العتمة - : للمسافر المجد ورأى مالك للمريض الذي يخاف ذهاب عقله ، وللمسافر الذي يريد الرحيل - : أن يقدم العصر إلى وقت الظهر ؛ والعتمة إلى وقت المغرب . ورأى لمساجد الجماعة - في المطر والظلمة - أن تؤخر المغرب قليلا وتقدم العتمة إلى وقت المغرب ، ولا يتنفل بينهما ؛ ولم ير ذلك لخوف عدو ، ولا رأى ذلك في نهار المطر في الظهر والعصر . ورأى وقت الظهر والعصر يمتدان إلى غروب الشمس بإدراك الظهر وركعة من العصر قبل غروب جميعها ؟ ورأى وقت المغرب والعتمة يمتدان إلى أن يدرك المغرب وركعة من العتمة قبل طلوع الفجر الثاني ورأى الشافعي الجمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر ؛ وبين المغرب والعتمة في وسط وقت المغرب - : لمساجد الجماعات خاصة في المطر . ورأى وقت الظهر والعصر مشتركا ممتدا إلى غروب الشمس ، ووقت المغرب والعتمة مشتركا ممتدا إلى طلوع الفجر . هذا مع قوله وقول مالك : إنه ليس للمغرب إلا وقت واحد ، وهذه أقوال ظاهرة التناقض بلا برهان ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ثنا أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك - أنا همام هو ابن يحيى - عن قتادة عن أبي أيوب المراغي عن عبد الله بن عمرو بن العاص : { أن رسول الله ﷺ سأله رجل عن وقت صلاة الظهر ؟ فقال رسول الله ﷺ وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس ، وكان ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر ، ووقت العصر ما لم تغرب الشمس ، ووقت المغرب ما لم يغب الشفق ، ووقت العشاء إلى نصف الليل ، ووقت الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي ثنا بدر بن عثمان ثنا أبو بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن { رسول الله ﷺ أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة ؟ فلم يرد عليه شيئا ، فأقام الفجر حين انشق الفجر - والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا ، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس ، والقائل يقول : قد انتصف النهار ، وهو كان أعلم منهم . ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة ثم أمره فأقام المغرب حين وقعت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول : قد طلعت الشمس أو كادت ، ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس ، ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول : قد احمرت الشمس ، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق ، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول ، ثم أصبح فدعا السائل فقال : الوقت بين هذين } . وقد روينا هذا الخبر من طريق أبي داود عن مسدد عن عبد الله بن داود الخريبي عن بدر بن عثمان بإسناده - : وفيه { فلما كان من الغد صلى الفجر فانصرف فقلنا : طلعت الشمس ؟ وأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله ، وصلى العصر وقد اصفرت الشمس أو قال : أمسى } . حدثنا حماد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير ، ومحمد بن وضاح قال ابن زهير : حدثني أبي وقال ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وابن نمير قال زهير ، وأبو بكر وابن نمير : ثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال النبي ﷺ { إن للصلاة أولا وآخرا - : وإن أول صلاة الظهر : حين تزول الشمس ، وآخر وقتها : حين يدخل وقت العصر ، وإن أول وقت العصر : حين يدخل وقتها ، وإن آخر وقتها : حين تصفر الشمس وإن أول وقت المغرب : حين تغرب الشمس ، وإن آخر وقتها : حين يغيب الأفق ، وإن أول وقت العشاء الآخرة : حين يغيب الشفق ، وإن آخر وقتها : حين ينتصف الليل ، وإن أول وقت الفجر : حين يطلع الفجر ، وإن آخر وقتها : حين تطلع الشمس } . قال علي : لم يخف علينا اعتلال من اعتل في حديث عبد الله بن عمرو بأن قتادة أسنده مرة وأوقفه أخرى ، وهذا ليس بعلة ، بل هو قوة للحديث ، إذا كان الصاحب يرويه مرة عن النبي ﷺ ويفتي به أخرى ؟ وهذا جهل ممن تعلل بهذا ، وقول لا برهان عليه ؛ وإنما هو ظن قلد فيه من ظنه . ؟ وكذلك لم يخف علينا من تعلل في حديث أبي هريرة بأن محمد بن فضيل أخطأ فيه ؛ وإنما هو موقوف على مجاهد - وهذا أيضا دعوى كاذبة بلا برهان ، وما يضر إسناد من أسند إيقاف من أوقف ؟ . قال علي : وهذه أحاديث صحاح ، بأسانيد جياد ، من رواية الثقات ؛ فواجب الأخذ بالزائد ؛ والذي فيه { أن النبي ﷺ أقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله } . ليس فيه حجة لمن قال باشتراك وقتيهما ؛ لأنه عليه السلام قد نص على أن { وقت الظهر ما لم تحضر العصر } . ونص عليه السلام على بطلان الاشتراك ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الأعرابي ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت هو البناني - عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال : قال رسول الله ﷺ { إنما التفريط في اليقظة : أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى } . فلا بد من جمعها كلها لصحتها فصح أنه عليه السلام كبر في اليوم الثاني للظهر في آخر وقتها ؛ فصار مصليا لها في وقت العصر ، وهذا حسن ؟ والخبر الذي فيه { ووقت العصر ما لم تغب الشمس } زائد على سائر الأخبار ؛ وزيادة العدل واجب قبولها ؟ وكذلك هو زائد على الخبر الذي قد ذكرنا قبل بإسناده . وفيه { من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر } ؟ ، وهذا الخبر زائد على الآثار التي فيها { ووقت العصر ما لم تصفر الشمس } ولا يحل ترك زيادة العدل وهذه الأخبار كلها زائدة على الأخبار التي فيها { أنه ﷺ صلى المغرب في اليوم الثاني في الوقت الذي صلاها فيه بالأمس وقتا واحدا } . وهذه الأخبار كلها مبطلة قول مالك والشافعي : أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد ؛ وهو قول يبطل من جهات - : منها : ما قد صح مما سنذكره بإسناده إن شاء الله تعالى من أنه عليه السلام { قرأ في صلاة المغرب سورة الأعراف ، وسورة الطور ، والمرسلات } . فلو كان ما قالوه لكان عليه السلام مصليا لها في غير وقتها ؛ وحاشا لله من هذا ؟ وأيضا : فإن المساجد تختلف ؛ فبعضها لا منار لها ؛ وهي ضيقة الساحة جدا ؛ فيؤذن المؤذن مسرعا ويصلي ، وبعضها واسعة الصحون : كالجوامع الكبار ، وعالية المنار ؛ فيؤذن المؤذن مسترسلا ثم ينزل ؛ فلا سبيل أن يقيم الصلاة إلا وأئمة المساجد قد أتموا ؛ هذا أمر مشاهد في جميع المدن . فعلى قول المالكيين والشافعيين : كان يجب أن هؤلاء لم يصلوا المغرب في وقتها ؟ وأيضا : فيسألون : متى ينقضي وقتها عندكم ؟ فلا يأتون بحد أصلا ، ومن الباطل أن تكون شريعة محدودة لا يدري أحد حدها ، حاشا لله من هذا ؟ وهذه الأخبار أيضا : تبطل قول من قال باشتراك وقت الظهر والعصر ؛ وباشتراك وقت المغرب والعشاء ؛ ولم يأت خبر يعارضها في هذا أصلا ؟ وحكم عرفة ، والمزدلفة : حكم في ذلك اليوم ، وتلك الليلة في ذينك الموضعين فقط برهان ذلك - : أنهم كلهم مجمعون - بلا خلاف - على أن إماما لو صلى الظهر بعرفة في وقت الظهر ؛ ثم أخر العصر إلى وقت العصر ، كحكمها في غير ذلك اليوم ، في غير ذلك المكان ؛ أو صلى المغرب تلك الليلة في إثر غروب الشمس قبل المزدلفة - : لكان مخطئا مسيئا ؛ وعند بعضهم فاسد الصلاة فصح : أنهم خالفوا القياس والنصوص : أما النصوص ، فقد ذكرناها ؟ ، وأما القياس : فإن وجه القياس - لو كان القياس حقا - أن يجوز ، وأن يلزم في غير عرفة ، ومزدلفة : ما يجوز ويلزم في عرفة ، ومزدلفة في ذلك اليوم وتلك الليلة ؛ فيكون الحكم : أن تصلي العصر أبدا في أول وقت الظهر ؛ وأن تؤخر المغرب أبدا إلى بعد غروب الشفق ، وهم كلهم مجمعون على المنع من هذا ؛ وأنه لا يجوز ؛ فظهر أنهم لم يقيسوا قولهم في اشتراك الأوقات على حكم يوم عرفة بعرفة ، وليلة مزدلفة بمزدلفة .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أخبرني ابن وهب حدثني جابر بن إسماعيل عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس عن النبي ﷺ { أنه كان إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ؛ ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما ، وبين العشاء حين يغيب الشفق } ، وهكذا رويناه من طريق ابن عمر أيضا { إذا جد به السفر } . وهذا الخبر : يقضي على كل خبر جاء بأنه عليه السلام جمع بين صلاتي : الظهر والعصر ؛ وبين صلاتي : المغرب والعشاء في السفر ؛ ولا سبيل إلى وجود خبر يخالف ما ذكرنا ؟ ، وأما في غير السفر : فلا سبيل ألبتة إلى وجود خبر فيه : الجمع بتقديم العصر إلى وقت الظهر . ولا بتأخير الظهر إلى أن يكبر لها في وقت العصر ؛ ولا بتأخير المغرب إلى أن يكبر لها بعد مغيب الشفق . ولا بتقديم العتمة إلى قبل غروب الشفق ، فإذ لا سبيل إلى هذا ؛ فمن قطع بهذه الصفة على تلك الأخبار التي فيها الجمع ؛ فقد أقدم على الكذب ومخالفة السنن الثابتة ، ونحن نرى الجمع بين الظهر والعصر ؛ ثم بين المغرب والعشاء أبدا بلا ضرورة ولا عذر ، ولا مخالفة للسنن ؛ لكن بأن يؤخر الظهر كما فعل رسول الله ﷺ إلى آخر وقتها ؛ فيبتدأ في وقتها ويسلم منها وقد دخل وقت العصر ؛ فيؤذن للعصر ، ويقام وتصلى في وقتها ؛ وتؤخر المغرب كذلك إلى آخر وقتها ؛ فيكبر لها في وقتها ويسلم منها ، وقد دخل وقت العشاء : فيؤذن لها ويقام وتصلى العشاء في وقتها . فقد صح بهذا العمل موافقة الأحاديث كلها ؛ وموافقة يقين الحق : في أن تؤدى كل صلاة في وقتها - ، ولله الحمد . فإن ادعوا العمل بالجمع بالمدينة ؛ فلا حجة في عمل الحسن بن زيد ؟ ولا يجدون عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم : صفة الجمع الذي يراه مالك والشافعي ؛ وقد أنكره الليث وغيره والعجب أن أصح حديث في الجمع : هو ما رويناه من طريق مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : { صلى لنا رسول الله ﷺ الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر } . قال مالك : أرى ذلك في مطر ، وما رويناه من طريق عثمان بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { جمع رسول الله ﷺ - بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء - بالمدينة ، من غير خوف ولا مطر ؟ قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ؟ . قال : أراد أن لا يحرج أمته } . قال علي : والمالكيون والشافعيون لا يقولون بهذا ؛ وليس في هذين الخبرين خلاف لقولنا - ولله الحمد - ولا صفة الجمع ؛ فبطل التعلق بهما علينا ؟ فإن ذكر ذاكر : حديث مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل : أن معاذ بن جبل أخبرهم { أنهم خرجوا مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك فكان رسول الله ﷺ يجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ؛ فأخر الصلاة يوما ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ؛ ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا } . فهذا أيضا كما قلنا : ليس فيه صفة الجمع على ما يقولون ؛ فليسوا أولى بظاهره منا ، وهذا أيضا : خبر رويناه من طريق الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل { أن رسول الله ﷺ كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر ، وإن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء ؛ وإن ارتحل قبل أن يغيب الشفق أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ؛ ثم يجمع بينهما } . فهذا خبر ساقط ؛ لأنه من رواية هشام بن سعد وهو ضعيف وأيضا : فلو صح لما كان مخالفا لقولنا ؛ لأنه ليس فيه بيان أنه عليه السلام عجل العصر قبل وقتها ؛ والعتمة قبل وقتها ؛ ومن تأمل لفظ الخبر رأى ذلك واضحا - والحمد لله ؛ وإنما هي ظنون أعملوها ؛ فزل فيها من زل بغير تثبت وهكذا القول سواء سواء في الحديث الذي رويناه من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل - : { أن النبي ﷺ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر ؛ فيصليهما جميعا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب . } - : فإن هذا الحديث أردى حديث في هذا الباب لوجوه - : أولها : أنه لم يأت هكذا إلا من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل ، ولا يعلم أحد من أصحاب الحديث ليزيد سماعا من أبي الطفيل ؟ والثاني : أن أبا الطفيل " صاحب راية المختار " وذكر : أنه كان يقول بالرجعة والثالث : أننا روينا عن محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح - أنه قال : قلت لقتيبة : مع من كتبت عن الليث حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل ؟ يعني هذا الحديث الذي ذكرنا بعينه ؟ قال : فقال لي قتيبة : كتبته مع خالد المدائني قال البخاري : كان خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ ؟ يريد : أنه كان يدخل في روايتهم ما ليس منها . ثم لو صح لما كان فيه خلاف لقولنا ؛ لأنه ليس فيه : أنه عليه السلام قدم العصر إلى وقت الظهر ؛ ولا أنه عليه السلام قدم العتمة إلى وقت المغرب ، فبطل كل ما تعلقوا به في اشتراك الوقتين ؛ وفي تقديم صلاة إلى وقت التي قبلها ؛ وتأخيرها إلى وقت غيرها بالرأي والظن ؟ لا سيما مع نصه عليه السلام على أن { وقت الظهر ما لم تحضر العصر } . وأن { آخر وقت المغرب ما لم يغرب الأفق ، وأول وقت العشاء إذا غاب الأفق ؟ } فهذا نص يبطل الاشتراك جملة ، وأما الناسي والنائم فقد ذكرنا قبل قول رسول الله ﷺ { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } . فصح أن وقتها ممتد للناسي وللنائم أبدا ، وكذلك وقت الظهر والمغرب ممتد للمجد في السير ، وفي مزدلفة ليلة النحر ، ووقت العصر : منتقل يوم عرفة بعرفة . وانتقال الأوقات أو تماديها أو حدها لا يجوز أن يؤخذ إلا عن رسول الله ﷺ ولم يلتزموا قياسا في شيء مما قالوه على ما بينا ؟ ، وأما قول أبي حنيفة : إن وقت الظهر يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ، وحينئذ يدخل وقت العصر - : فإنهم احتجوا بحديث ذكر : أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم رواه عن أبي مسعود { أن جبرائيل نزل على رسول الله ﷺ حين صار ظل كل شيء مثله وأمره بصلاة الظهر } . قالوا : فيتعين أنه يدري أمره بابتداء الصلاة بعد ذلك ؛ لأن الظل لا يستقر ؟ قال علي : وهذا لا حجة لهم فيه - : أول ذلك : أنه منقطع ؛ لأن أبا بكر هذا لم يولد إلا بعد موت أبي مسعود . والثاني : أنهم جروا فيه على عادة لهم في توثيب أحكام الأحاديث إلى ما ليس فيه ، وترك ما فيها ، وذلك : أنه ليس في هذا الخبر لا إشارة ، ولا دليل ، ولا معنى يوجب امتداد وقت الظهر إلى أن يكون ظل كل شيء مثليه . ولا فيه : أنه عليه السلام ابتدأ الصلاة بعد زيادة الظل على المثل . ولو صح هذا الخبر لما كان فيه إلا جواز ابتداء الصلاة حين يصير ظل كل شيء مثله ؛ وهو الوقت الذي أمره فيه جبريل بأن يصلي الظهر فيه ، لا فيما بعده ؟ وذكر بعض مقلديه الحديث الصحيح المشهور من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ { مثلكم ومثل أهل الكتاب ، ثم ذكر عليه السلام الأجراء الذين عملوا من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ، فعملت اليهود ، ثم الذين عملوا من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؛ فعملت النصارى ، ثم الذين عملوا من العصر إلى مغيب الشمس على قيراطين ، وهم نحن ؟ فغضبت اليهود والنصارى ؛ فقالوا : ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء ؟ فقال : هل نقصتكم من حقكم ؟ قالوا : لا ؛ قال : فذلك فضلي أوتيه من أشاء } . والحديث الصحيح أيضا المأثور من طريق أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن النبي ﷺ بمثل هذا ؛ وفيه { أن المستأجر لهم قال للذين عملوا إلى حين صلاة العصر : أكملوا بقية عملكم ؛ فإنما بقي من النهار شيء يسير ؟ } . فقال المحتج بهذين الخبرين : لو كان وقت الظهر يخرج بالزيادة على ظل المثل ، ويدخل حينئذ وقت العصر - : لكان مقدار وقت العصر مثل مقدار وقت الظهر ؛ وهذا خلاف ما في ذينك الخبرين ؟ قال أبو محمد : وهذا مما قلنا من تلك العوائد الملعونة ، والإيهام بتوثيب الأحاديث عما فيها إلى ما ليس فيها . وبيان ذلك - : أنه ليس في شيء من هذين الخبرين - لا بدليل ولا بنص - أن وقت العصر أوسع من وقت الظهر ؛ وإنما فيه : أن اليهود والنصارى قالوا : نحن أكثر عملا وأقل أجرا ؛ فمن أضل وأخزى في المعاد ممن جعل قول اليهود والنصارى الذي لم يصدقه رسول الله ﷺ . وأيضا - : فإنه يخالف قول رسول الله ﷺ حجة يرد بها تمويها وتخيلا نص قوله عليه السلام : { إن وقت الظهر ما دام ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر } . فكيف والذي قالت اليهود لا يخالف ما حده النبي ﷺ وهو أنهم عملوا من أول النهار إلى وقت العصر ؛ وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء ؟ وهذا صحيح ؛ لأن الوقت الذي عملوه كلهم أكثر مما عملناه نحن ؛ بل الذي عملت كل طائفة أكثر من الذي عملناه نحن والذي من أول الزوال إلى أن يبلغ ظل كل شيء مثله - في كل زمان ومكان - أكثر مما في حين زيادة الظل على المثل إلى غروب الشمس ، والذي أخذ به كل طائفة أقل مما أخذنا وفي الحديث الآخر { إنما بقي من النهار شيء يسير ؟ } . وهذا حق ؛ لأن من وقت العصر إلى آخر النهار يسيرا بالإضافة إلى ما هو أكثر ، من أول النهار إلى وقت العصر ، نعم وبالإضافة أيضا إلى وقت الظهر على قولنا ؛ لأن كل شيء فهو بلا شك يسير إذا أضيف إلى ما هو أكثر منه ؛ فبطل تمويههم بهذين الخبرين - ولله الحمد قال علي : ولو قال قائل : إنه ' عليه السلام إنما عنى آخر أوقات العصر ، وهو مقدار تكبيرة قبل غروب آخر القرص - : لصدق ؛ لأنه عليه السلام قد نص على أنه بعث والساعة كهاتين ، وضم أصبعه إلى الأخرى وأننا في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود - فهذا أولى ما حمل عليه قول رسول الله ﷺ لتتفق أخباره كلها ؛ بل لا يجوز غير هذا أصلا - ، وبالله تعالى التوفيق . وأما قوله ، وقول مالك ، والشافعي : إن وقت العتمة يمتد إلى طلوع الفجر ، وزاد مالك ، والشافعي امتداد صلاة المغرب إلى ذلك الوقت ؟ - : فخطأ ظاهر ؛ لأنه دعوى بلا دليل ، وخلاف لجميع الأحاديث ، أولها عن آخرها ؛ وما كان هكذا فهو ساقط بيقين ، وقد احتج في هذا بعض من ذهب إلى ذلك من أصحابنا بقول رسول الله ﷺ : { إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى } وراموا بهذا اتصال وقت العتمة بوقت صلاة الصبح فإن هذا لا يدل على ما قالوه أصلا ، وهم مجمعون معنا - بلا خلاف من أحد من الأمة - أن وقت صلاة الفجر لا يمتد إلى وقت صلاة الظهر ؟ فصح أن هذا الخبر لا يدل على اتصال وقت كل صلاة بوقت التي بعدها ، وإنما فيه معصية من أخر صلاة إلى وقت غيرها فقط ، سواء اتصل آخر وقتها بأول الثانية لها ، أم لم يتصل ؟ وليس فيه : أنه لا يكون مفرطا أيضا من أخرها إلى خروج وقتها ، وإن لم يدخل وقت أخرى ، ولا أنه يكون مفرطا ؛ بل هو مسكوت عنه في هذا الخبر ، ولكن بيانه في سائر الأخبار التي فيها نص على خروج وقت كل صلاة . والضرورة توجب أن من تعدى بكل عمل وقته الذي حده الله تعالى لذلك العمل فقد تعدى حدود الله ، وقال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } فكل من قدم صلاة قبل وقتها الذي حده الله تعالى لها وعلقها به ، وأمر بأن تقام فيه ، ونهى عن التفريط في ذلك ؛ أو أخرها عن ذلك الوقت - : فقد تعدى حدود الله تعالى ؟ فهو ظالم عاص . وهذا لا خلاف فيه من أحد من الحاضرين من المخالفين وأما تعمد تأخيرها عن وقتها فمعصية بإجماع من تقدم وتأخر ، مقطوع عليه متيقن ، ومن شبه الصلاة بالدين ، لزمه إجازة تقديمها قبل وقتها ؛ كالدين يقدم قبل أجله فهو حسن ولزمه أن يقول بعصيان من أخرها عامدا قادرا عن وقتها ، كالدين يمطل بأدائه عن وقته بغير عذر ؟ . وهذا هو القياس في هذا الباب ، وقد خالفوه فإن ادعوا إجماعا على قولهم ؟ كذبوا ، فقد صح عن بعض السلف جواز تقديم الصلاة قبل وقتها ؛ وما جاز قط عند أحد تعمد تأخيرها عن وقتها بغير عذر - ، وبالله تعالى التوفيق ؟ . وأما إنكار أبي حنيفة تأخير المسافر الذي جد به السير ، ولم ينزل قبل الزوال ، ولا بعده صلاة الظهر إلى وقت العصر كغيره وتأخير المغرب كذلك إلى وقت العتمة كغيره ؟ - : فهو خلاف مجرد للسنن الثابتة في ذلك ؟ رواها أنس وابن عمر بأصح طريق ؛ وقد ذكرنا رواية أنس ؛ وغنينا بها عن ذكر رواية ابن عمر ولا أعجب من قول بعض المقلدين له في حديث ابن عمر { فلما كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب ، ثم العتمة ؟ } . فقال هذا المفتون : إنما أراد قبل غروب الشفق ؛ فقال : بعد غروب الشفق على المقاربة واحتج بقول الله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } . وقول رسول الله ﷺ : { فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم فإنه أعمى لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت } . قال علي : وهذه مجاهرة لا ينبغي أن يستسهلها ذو ورع وحياء أن يقول الثقة { بعد غروب الشفق } فيقول قائل : إنما أراد قبل غروب الشفق ومن سلك هذه الطريقة دخل في طريق الروافض الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويفسرون الجبت والطاغوت وأن تذبحوا بقرة على ما هم أولى به وفي هذا بطلان جميع الشريعة ، وبطلان جميع المعقول ، والسفسطة المجردة - ونعوذ بالله من البلاء ؟ . وأما قوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن } فليس كما ظن ، بل هو على حقيقته ، ومراد الله تعالى أجل الكون في العدة ، لا أجل انقضائها ، لا يجوز غير ذلك أصلا ، وحاشا لله أن يأمر بالباطل وكذلك { قوله عليه السلام لا يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت } أيضا حقيقة على ظاهره - وما أذان ابن أم مكتوم إلا بعد الفجر ، وأمر الإصباح : لا قبلهما ؟ ولو كان ما ظنوه : لحرم الأكل قبل طلوع الفجر وهذا ما لا يقولونه ، ولا يقوله مسلم ؟ وأما قول مالك بتقديم المريض - الذي يخشى ذهاب عقله - العصر إلى وقت الظهر ، والعتمة إلى وقت المغرب - : خطأ ظاهر . ولا يخلو وقت الظهر من أن يكون أيضا وقتا للعصر ، ويكون وقت المغرب وقتا للعتمة ، أو لا يكون شيئا من ذلك ؟ فإن كان وقت كل واحدة من الظهر والمغرب وقتا للعصر وللعتمة أيضا - : فتقديم العتمة إلى وقت المغرب - الذي هو وقت لها - وتقديم وقت العصر إلى وقت الظهر - الذي هو وقت لها أيضا - : جائز لغير المريض ؛ لأنه يصلي العتمة والعصر أيضا في وقتيهما ، وهذا ما لا يقوله ؟ . وإن كان وقت الظهر ليس وقتا للعصر ، ووقت المغرب ليس وقتا للعتمة - : فقد أباح له أن يصلي صلاة قبل وقتها ، وهذا لا يجوز ؟ ولئن جاز ذلك في هاتين الصلاتين ليجوزن ذلك له أيضا في تقديم الظهر قبل الزوال ، وتقديم المغرب قبل غروب الشمس ، وتقديم الصبح قبل طلوع الفجر ، وهذا ما لا يقوله - فقد ظهر التناقض فإن قال : ليس وقت الظهر وقتا للعصر إلا للمريض الذي يخشى ذهاب عقله : كلف الدليل على هذا التخصيص المدعى بلا برهان ، والذي لا يعجز عن مثله أحد ، ولا سبيل له إليه ، وقد ذكرنا بطلان قول جميعهم في الجمع وفي اشتراك الوقتين - ، وبالله تعالى التوفيق . وههنا حديث ننبه عليه ؛ لئلا يظن ظان أننا أغفلناه ، وأن فيه معنى زائدا وهو حديث رويناه من طريق أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير : { أن رسول الله ﷺ كان يصلي العشاء الآخرة لمغيب القمر ليلة ثالثة } . قال علي : بشير بن ثابت لم يرو عنه أحد نعلمه إلا أبو بشر ، ولا روى عنه أبو بشر إلا هذا الحديث ، وقد وثق وتكلم فيه ، وهو إلى الجهالة أقرب ؟ وحبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير وكاتبه ؛ وليس مشهور الحال في الرواة . ولو صح لما كانت فيه حجة في أن هذا هو أول وقت العتمة ؛ بل قد يدخل وقتها قبل ذلك ؟ والقمر يغيب ليلة ثالثة في كل زمان ومكان بعد ذهاب ساعتين ونصف ساعة ونصف سبع ساعة من ساعات تلك الليلة المجزأة على اثنتي عشرة ساعة ، والشفق الذي هو البياض يتأخر ، والشفق الذي هو الحمرة يغيب قبل سقوط القمر في الليلة الثالثة بحين كبير جدا مغيبة بعد سقوط القمر ليلة ثالثة ساعة ونصفا من الساعات المذكورة . فليس في هذا الخبر - لو صح - حجة في شيء أصلا مما يختلف - وبالله تعالى التوفيق .

===========





كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

336 - مسألة : وتعجيل جميع الصلوات في أول أوقاتها أفضل على كل حال ؛ حاشا العتمة ؛ فإن تأخيرها إلى آخر وقتها في كل حال وكل زمان أفضل ؛ إلا أن يشق ذلك على الناس ؛ فالرفق بهم أولى ، وحاشا الظهر للجماعة خاصة في شدة الحر خاصة ، فالإبراد بها إلى آخر وقتها أفضل . برهان ذلك : قول الله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } ، وقال تعالى : { والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم } فالمسارعة إلى الخير والمسابقة إليه أفضل بنص القرآن ؟ حدثنا محمد بن إسماعيل العذري القاضي بالثغر ، ومحمد بن عيسى قاضي طرطوشة قالا ثنا محمد بن علي المطوعي الرازي ثنا محمد بن عبد الله الحاكم بنيسابور ثنا أبو عمر وعثمان بن أحمد السماك ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر ثنا مالك بن مغول عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود قال { سألت رسول الله ﷺ : أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة في أول وقتها ، قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ؛ قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن حبيب الحارثي ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة أخبرني سيار بن سلامة قال : سمعت أبي يسأل أبا برزة عن صلاة رسول الله ﷺ فقال أبو برزة { كان عليه السلام لا يبالي بعض تأخيرها إلى نصف الليل - يعني العشاء الآخرة - ولا يحب النوم قبلها ولا الحديث بعدها وكان يصلي الظهر حين تزول الشمس ، والعصر حين يذهب الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية ، وكان يصلي الصبح فينصرف الرجل فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرف فيعرفه ، وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة } . والأحاديث في هذا كثيرة جدا ؟ وبه إلى مسلم : حدثني زهير بن حرب وإسحاق بن راهويه كلاهما عن جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور هو ابن المعتمر - عن الحكم هو ابن عتيبة - عن نافع عن ابن عمر { مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله ﷺ لصلاة العشاء الآخرة ، فخرج إلينا حين ذهب ثلثه أو بعده - يعني ثلث الليل فقال : إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ، ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى } . وقد روينا من طريق ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك يقول { أخر رسول الله ﷺ العشاء ذات ليلة إلى شطر الليل ، أو كاد يذهب شطر الليل } ومن طريق أم كلثوم بنت أبي بكر عن أختها عائشة { أعتم رسول الله ﷺ ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل } . قال علي : إذا ذهب نصف الليل فقد ذهب عامة الليل ؛ وهذه الأخبار زائدة على كل خبر ؟ والسند المذكور إلى مسلم : حدثني محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة سمعت مهاجرا أبا الحسن يحدث أنه سمع زيد بن وهب يحدث عن أبي ذر قال { أذن مؤذن رسول الله ﷺ بالظهر فقال النبي ﷺ أبرد أبرد ، أو قال : انتظر انتظر ، إن شدة الحر من فيح جهنم ، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة ، قال أبو ذر : حتى رأينا فيء التلول } . قال علي : وإنما لم نحمل هذا الأمر على الوجوب لما رويناه بالسند المذكور إلى مسلم ، ثنا أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية ثنا أبو إسحاق السبيعي عن سعيد بن وهب عن خباب { شكونا إلى رسول الله ﷺ شدة الرمضاء فلم يشكنا } . قلت لأبي إسحاق : أفي الظهر في تعجيلها ؟ قال : نعم وقد جاء نحو ما تخيرناه في الأوقات عن السلف كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير بن مطعم : أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري : أن صل الظهر إذا زالت الشمس وأبرد ؟ . ومن طريق الحجاج بن المنهال : ثنا يزيد بن هارون ثنا محمد بن سيرين عن المهاجر : أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري : أن صل الظهر حين تزيغ الشمس أو حين تدرك ، وصل العصر والشمس بيضاء نقية ، وصل صلاة المغرب حين تغرب الشمس ، وصل صلاة العشاء من العشاء إلى نصف الليل - : أي حين تبيت ، وصل صلاة الفجر بغلس ، أو بسواد ؛ وأطل القراءة . ومن طريق مسلم بن الحجاج : ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا حماد هو ابن زيد - عن الزبير بن الخريت عن عبد الله بن شقيق : { خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، فجاء رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة فقال له ابن عباس : أتعلمني بالسنة ، لا أم لك رأيت رسول الله ﷺ جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء . } ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي : ثنا سفيان الثوري عن عثمان بن عبد الله بن موهب : سمعت أبا هريرة سئل عن تفريط الصلاة ؟ فقال : أن تؤخرها إلى التي بعدها ؟ حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع : أن ابن عمر كان يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول { إن الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله } ، فقلت لنافع : حتى تغيب الشمس ؟ قال : نعم . قال علي : هذا الحديث والذي فيه { إنما التفريط في اليقظة ، أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى } يكذبان قول من أقدم بالعظيمة فقال : إن رسول الله ﷺ ترك صلاة العصر يوم الخندق ذاكرا لها حتى غابت الشمس ؛ لأنه لو كان ذلك لكان عليه السلام قد تعمد حالا من الحرمان صار فيها كما لو وتر أهله وماله ، قاصدا إلى ما ذمه من التفريط - ، وهذا لا يقوله مسلم ؟ . وبه إلى ابن جريج : قلت لعطاء : إمام يؤخر العصر ؛ أصليها معه ؟ قال : نعم ، الجماعة أحب إلي ؟ قلت : وإن اصفرت الشمس للغروب ولحقت برءوس الجبال ؟ قال : نعم ، ما لم تغب قال ابن جريج : وكان طاوس يعجل العصر ويؤخرها ؛ أخبرني إبراهيم بن ميسرة عنه : أنه كان يؤخر العصر حتى تصفر الشمس جدا . وأما الآخر : الذي فيه { لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا الصلاة إلى اشتباك النجوم ؟ } فإنه لا يصح ؛ لأنه مرسل ؛ لم يسند إلا من طريق الصلت بن بهرام . وقال أبو حنيفة : وقت صلاة الفجر حين يطلع الفجر المعترض إلى أن تطلع الشمس ، يعني إثر سلامه منها ؟ قال : وتأخيرها أحب إلي من التغليس بها ؛ لأنه أكثر للجماعة . ووقت الظهر من حين تزول الشمس إلى أن يكون الظل دون القامتين ؛ والتهجير بها في الشتاء أحب إلي : وأن يبرد بها في الصيف أعجب إلي . ووقت العصر إذا كان الظل قامتين إلى قبل أن تغيب الشمس ، يريد - : أن يكبر لها قبل تمام غروب الشمس ؛ وتأخيرها أحب إليه ما لم تصفر الشمس . ووقت المغرب مذ تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق ، وتعجيلها أحب إليه . ووقت العتمة مذ يغيب الشفق إلى نصف الليل ، وتأخيرها أفضل ، ووقتها يمتد إلى طلوع الفجر . قال علي : كل ما قال مما خالفناه فيه فقد أبدينا بالبرهان سقوط قوله ؛ إلا تأخير الصبح ، فإنه احتج في ذلك [ بخبر ] من طريق محمود بن لبيد عن رافع بن خديج أن رسول الله ﷺ قال : { أسفروا بصلاة الغداة ، فإنه أعظم لأجركم } { أسفروا بالفجر ، فكلما أسفرتم فإنه أعظم للأجر أو لأجركم } قال علي : محمود بن لبيد ثقة ، وهو محمود بن الربيع بن لبيد . والخبر صحيح إلا أنه لا حجة لهم فيه إذا أضيف إلى الثابت من فعله عليه السلام في التغليس ؛ حتى إنه لينصرف والنساء لا يعرفن ، أو حين يعرف الرجل وجه جليسه الذي كان يعرفه ؛ وأن هذا كان المداوم عليه من علمه . عليه السلام صح أن الإسفار المأمور به إنما هو بأن ينقضي طلوع الفجر ولا يصلي على شك منه فإن قيل : إنه لا أجر في غير هذا ، بل ما فيه إلا الإثم ؟ قلنا : هذا لا ينكر في لغة العرب ؛ لأن الله تعالى يقول { ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم } ولا خير في خلاف ذلك ومن الباطل أن يكون رسول الله ﷺ يكلف أمته وأصحابه المشقة في ترك النوم ألذ ما يكون ، وخروج الرجال والنساء إلى صلاة الصبح - : عملا فيه مشقة وكلفة وحطيطة من الأجر ؛ ويمنعهم الفضل والأجر مع الراحة ؛ حاشا لله تعالى من هذا ؛ فهذا ضد النصيحة ، وعين الغش والحرج والظلم . وما ندريهم تعلقوا في هذا إلا برواية عن ابن مسعود في التغليس بصلاة الصبح حين انشق الفجر يوم النحر ، وقوله رضي الله عنه : إنها صلاة حولت عن وقتها في ذلك اليوم في ذلك المكان ، وهذا خبر مسقط لقولهم جملة ؛ لأنهم مخالفون له جملة ؛ إذ قولهم الذي لا خلاف عنهم فيه : أن التغليس بها في أول الفجر ليس صلاة لها في غير وقتها ؛ بل هو وقتها عندهم ؟ فمن أضل ممن يموه بحديث هو مخالف له ؛ ويوهم خصمه أنه حجة له . وأما قولهم في اختيار تأخير العصر : فقول مخالف للقرآن في المسارعة إلى الخير - ولجميع السنن ، ولجميع السلف ؛ وللقياس على قوله في صلاة الظهر والمغرب ؟ وقال مالك : وقت الظهر والعصر إلى غروب الشمس ، ووقت المغرب والعشاء إلى طلوع الفجر ، والصبح إلى طلوع الشمس - وأحب إليه في الصبح : التغليس . وأحب إليه في صلاة الظهر : أن تصلى في البرد والحر إذا فاء الفيء ذراعا ، وأحب إليه : أن تصلى العصر والشمس بيضاء نقية ؟ وتعجيل المغرب إلا للمسافر ؛ فلا بأس بأن تمد الميلين ونحوهما . والعتمة : إثر مغيب الشفق قليلا ؟ قال علي : أما قوله في اتصال وقت الظهر إلى غروب الشمس ، ووقت المغرب إلى صلاة الفجر ؟ فقول مخالف لجميع السنن ؛ ولا نعلمه عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ؛ ولا عن أحد من التابعين - إلا عن عطاء وحده وأما قوله في وقت العتمة ؟ فلا نعلم اختياره أيضا عن أحد من السلف وأما قوله في وقت الظهر ؟ فإنه عول على الرواية عن عمر رضي الله عنه : أن صل الظهر إذا فاء الفيء ذراعا . وقد ذكرنا الروايات المترادفة عن عمر رضي الله عنه : بأن تصلى إذا زاغت الشمس وأن يبرد بها . روى ذلك عنه : عائشة أم المؤمنين ، وابنه عبد الله ، ونافع بن جبير ، ومهاجر أبو الحسن ، وأبو العالية ، وعروة بن الزبير ، وأبو عثمان النهدي ، ومالك جد مالك بن أنس وروته عائشة مسندا ، ومن فعل أبي بكر أيضا ؟ ورويناه أيضا عن علي بن أبي طالب ، وأبي هريرة ، وابن مسعود وغيرهم ؟ وإن ذكروا : أنه قد روي عن ابن عباس : وقت العتمة إلى صلاة الفجر ؛ وعن أبي هريرة : الإفراط في العتمة إلى صلاة الفجر ؟ - : فإنهم قد خالفوا ذلك الأثر عن ابن عباس ؛ لأن فيه : وقت الظهر إلى وقت العصر ؛ ووقت المغرب إلى وقت العشاء ؟ وإذا اختلف الصحابة فالرجوع إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه من القرآن والسنة . قال تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } .

====




كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

337 - مسألة : قال علي : وقت الظهر أطول من وقت العصر أبدا في كل زمان ومكان ؛ لأن الشمس تأخذ في الزوال في أول الساعة السابعة ، ويأخذ ظل القائم في الزيادة على مثل القائم - بعد طرح ظل الزوال - في صدر الساعة العاشرة ؛ أما في خمسها الأول إلى ثلثها الأول : لا يتجاوز ذلك أصلا في كل زمان ومكان ؟ ووقت صلاة الصبح مساو لوقت صلاة المغرب أبدا في كل زمان ومكان ؛ لأن الذي من طلوع الفجر الثاني إلى أول طلوع الشمس ، كالذي من آخر غروب الشمس إلى غروب الشفق - الذي هو الحمرة أبدا - في كل وقت ومكان ؛ يتسع في الصيف ، ويضيق في الشتاء ؛ لكبر القوس وصغره . ووقت هاتين الصلاتين أبدا : هو أقل من وقت الظهر ووقت العصر ؛ لأن وقت الظهر هو ربع النهار وزيادة ؟ فهو أبدا ثلاث ساعات ، وشيء من الساعات المختلفة ووقت العصر ربع النهار غير شيء فهو أبدا ثلاث ساعات ، غير شيء من الساعات المختلفة . ولا يبلغ ذلك وقت المغرب ولا وقت الصبح ، وأكثر ما يكون وقت كل صلاة منهما ساعتين ، وقد يكون ساعة واحدة وربع ساعة من الساعات المختلفة ؛ وهي التي يكون منها في أطول يوم من السنة ، وأقصر يوم من السنة - : اثنتا عشرة ، فهي تختلف لذلك في طولها وقصرها ؛ وفي الهيئة أيضا كذلك ، ولا فرق ؟ وأوسعها كلها وقت العتمة ؛ لأنه أزيد من ثلث الليل ، أو ثلث الليل ومقدار تكبيرة في كل زمان ومكان - ، وبالله تعالى التوفيق .


338 - مسألة : الشفق ، والفجر . قال علي - : الفجر : فجران - والشفق : شفقان . والفجر الأول : هو المستطيل المستدق صاعدا في الفلك كذنب السرحان ، وتحدث بعده ظلمة في الأفق - : لا يحرم الأكل ولا الشرب على الصائم ؛ ولا يدخل به وقت صلاة الصبح - : هذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة كلها . والآخر : هو البياض الذي يأخذ في عرض السماء في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس في كل زمان ، ينتقل بانتقالها ، وهو مقدمة ضوئها ، ويزداد بياضه ؛ وربما كان فيه توريد بحمرة بديعة ، وبتبينه يدخل وقت الصوم ووقت الأذان لصلاة الصبح ووقت صلاتها . فأما دخول وقت الصلاة بتبينه ؟ فلا خلاف فيه من أحد من الأمة وأما الشفقان : فأحدهما الحمرة - والثاني : البياض ، فوقت المغرب عند ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، ومالك ، والشافعي ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والحسن بن حي ، وداود وغيرهم - : يخرج ويدخل وقت صلاة العتمة بمغيب الحمرة ؟ وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق . إلا أن أحمد قال : يستحب - في الحضر خاصة دون السفر - : أن لا يصلي إلا إذا غاب البياض ؛ ليكون على يقين من مغيب الحمرة فقد تواريها الجدران وقال أبو حنيفة ، وعبد الله بن المبارك ، والمزني ، وأبو ثور : لا يخرج وقت المغرب ولا يدخل وقت العتمة إلا بمغيب البياض ؟ قال علي : قد صح أن رسول الله ﷺ حد خروج وقت المغرب ، ودخول وقت العتمة بمغيب نور الشفق ؛ والشفق : يقع في اللغة على الحمرة ، وعلى البياض . فإذ ذلك كذلك ؛ فلا يجوز أن يخص قوله عليه السلام بغير نص ولا إجماع ؛ فوجب أنه إذا غاب ما يسمى شفقا فقد خرج وقت المغرب ، ودخل وقت العتمة ولم يقل عليه السلام قط : حتى يغيب كل ما يسمى شفقا ؟ . وبرهان قاطع ؛ وهو : أنه قد ثبت أن رسول الله ﷺ حد وقت العتمة بأن : أوله إذا غاب الشفق ، وآخره : ثلث الليل الأول ، وروي أيضا : نصف الليل . وقد علم كل من له علم بالمطالع ، والمغارب ، ودوران الشمس : أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول ؛ وهو الذي حد عليه السلام خروج أكثر الوقت فيه ، فصح يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين ، فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق ، الذي هو البياض بلا شك فإذ ذلك كذلك فلا قول أصلا إلا أنه : الحمرة بيقين ؛ إذ قد بطل كونه : البياض . واحتج من قلد أبا حنيفة بأن قال : إذا صلينا عند غروب البياض فنحن على يقين - بإجماع - أننا قد صلينا عند الوقت ، وإن صلينا قبل ذلك ، فلم نصل بيقين إجماع في الوقت ؟ قال علي : هذا ليس شيئا ؛ لأنه إن التزموه ؟ أبطل عليهم جمهور مذهبهم فيقال : مثل هذا في الوضوء بالنبيذ ، وفي الاستنشاق ، والاستنثار ، وقراءة أم القرآن ، والطمأنينة ، وكل ما اختلف فيه مما يبطل الصوم والحج ، ومما تجب فيه الزكاة ؟ فيلزمهم أن لا يؤدوا عملا من الشريعة إلا حتى لا يختلف اثنان في أنهم قد أدوه كما أمروا . ومع هذا لا يصح لهم من مذهبهم جزء من مائة جزء بلا شك وذكروا حديث النعمان بن بشير : { أنه عليه السلام كان يصلي العتمة لسقوط القمر ليلة ثالثة } . ولو كان لكان أعظم حجة لنا ؛ لأن الشفق الأبيض يبقى بعد هذه مدة طويلة بلا خلاف ، واحتج بعضهم بالأثر { أن رسول الله ﷺ كان يصلي العشاء الآخرة إذا اسود الليل } وبقاء البياض يمنع من سواد الأفق . قال علي : وهذا خطأ ؛ لأنه يصلي العتمة مع بياض القمر ، وهو أمنع من سواد الأفق على أصولهم : من البياض الباقي بعد الحمرة ، الذي لا يمنع من سواد الأفق ؛ لقلته ودقته ؟ . وذكروا حديث النعمان بن بشير : { أنه عليه السلام كان يصلي العتمة لسقوط ليلة ثالثة } ، وهذا لا حجة لهم فيه ؛ لأننا لا نمنع من ذلك ، ولا من تأخيرها إلى نصف الليل ، بل هو أفضل ؛ وليس في هذا المنع من دخول وقتها قبل ذلك ؟ وذكروا حديثا ساقطا موضوعا ، فيه { أنه عليه السلام صلى العتمة قبل غروب الشفق } . وهذا لو صح - ومعاذ الله من ذلك - لما كان فيه إلا جواز الصلاة قبل وقتها ؛ وهو خلاف قولهم وقولنا وذكروا عن ثعلب : أن الشفق : البياض قال علي : لسنا ننكر أن الشفق : البياض ، والشفق : الحمرة ؛ وليس ثعلب حجة في الشريعة إلا في نقله ؛ فهو ثقة ، وأما في رأيه فلا ؟ وأظرف ذلك احتجاج بعضهم : بأن الشفق : مشتق من الشفقة ، وهي الرقة ؛ ويقال : ثوب شفيق إذا كان رقيقا . قالوا : والبياض أحق بهذا ؛ لأنها أجزاء رقيقة تبقى بعد الحمرة قال علي : وهذا هوس ناهيك به فإن قيل لهم : بل الحمرة أولى به ؛ لأنها تتولد عن الإشفاق والحياء ، وكل هذا تخليط هو في الهزل أدخل منه في الجد ؟ وقال بعضهم : لما كان وقت صلاة الفجر يدخل بالفجر الثاني : وجب أن يدخل وقت صلاة العتمة بالشفق الثاني ؟ فعورضوا بأنه لما كان الفجر فجرين ، وكان دخول وقت صلاة الفجر يدخل بالفجر الذي معه الحمرة : - وجب أن يكون دخول وقت العتمة بالشفق الذي معه الحمرة . وقالوا أيضا : لما كانت الحمرة التي هي مقدمة طلوع الشمس لا تأثير لها في خروج وقت صلاة الفجر - : وجب أن يكون أيضا لا تأثير لها في خروج وقت المغرب ؟ فعورضوا بأنه لما كانت الطوالع : ثلاثة ، والغوارب ثلاثة ، وكان الحكم في دخول وقت صلاة الصبح للأوسط من الطوالع وجب أن يكون الحكم في دخول صلاة العتمة للأوسط من الغوارب وهذه كلها تخاليط ودعاوى فاسدة متكاذبة ؛ وإنما أوردناها ليعلم من أنعم الله تعالى عليه بأن هداه لإبطال القياس في الدين - : عظيم نعمة الله تعالى عليه في ذلك ؛ وليتبصر من غلط فقال به - وما توفيقنا إلا بالله تعالى .


339 - مسألة : ومن كبر لصلاة فرض ، وهو شاك هل دخل وقتها أم لا ؟ لم تجزه : سواء وافق الوقت أم لم يوافقه ؛ لأنه صلاها بخلاف ما أمر ؟ وإنما أمر أن يبتدئها في وقتها ، وقد قال رسول الله ﷺ { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .

340 - مسألة : فلو بدأها وهو عند نفسه موقن بأن وقتها قد دخل ؟ فإذا بالوقت لم يكن دخل لم تجزه أيضا ؛ لأنه لم يصلها كما أمر ؛ ولا يجزئه إلا حتى يوقن أنه الوقت ؛ ويكون الوقت قد دخل - ، وبالله تعالى التوفيق .


341 - مسألة : كل من ركع ركعتي الفجر لم تجزه صلاة الصبح إلا بأن يضطجع على شقه الأيمن بين سلامه من ركعتي الفجر ، وبين تكبيره لصلاة الصبح . وسواء - عندنا - ترك الضجعة عمدا أو نسيانا ؛ وسواء صلاها في وقتها أو صلاها قاضيا لها من نسيان ، أو عمد نوم . فإن لم يصل ركعتي الفجر لم يلزمه أن يضطجع ، فإن عجز عن الضجعة على اليمين لخوف ، أو مرض ، أو غير ذلك أشار إلى ذلك حسب طاقته فقط ؟ . برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الواحد هو ابن زياد - ثنا الأعمش عن أبي صالح هو السمان - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه } ؟ . فقال له مروان بن الحكم : ما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه ؟ قال أبو هريرة : لا ، فبلغ ذلك ابن عمر ، فقال : أكثر أبو هريرة على نفسه فقيل لابن عمر عندها : تنكر شيئا مما يقول ؟ قال : لا ؛ ولكنه اجترأ وجبنا ، فبلغ ذلك أبا هريرة ، فقال : فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا ؟ . وروينا من طريق وكيع عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن قبيصة بن ذؤيب قال : مر بي أبو الدرداء من آخر الليل وأنا أصلي ؟ فقال : افصل بضجعة بين صلاة الليل ، وصلاة النهار . قال علي : وقد أوضحنا أن أمر رسول الله ﷺ كله على الفرض ، حتى يأتي نص آخر أو إجماع متيقن غير مدعى بالباطل - : على أنه ندب ، فنقف عنده ، وإذا تنازع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فالرد إلى كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ . فإن قالوا : قد ورد إنكار الضجعة عن ابن مسعود ؟ قلنا : نعم ؛ وخالفه أبو هريرة ؛ ومع أبي هريرة سنة رسول الله ﷺ من أمره وعمله . وإن كان إنكار ابن مسعود : حجة على غيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم - : فقد أنكر رضي الله عنه : وضع الأيدي على الركب في الصلاة ، وضرب اليدين على ذلك ؟ وقد أنكر قصر الصلاة إلا في حج ، أو عمرة ، أو جهاد وأنكر قراءة القرآن في ليلة ؟ فما التفتم إنكاره فالآن استدركتم هذه السنة ؟ . وقالوا : لو كانت الضجعة فرضا لما خفيت على ابن مسعود وابن عمر ؟ فقلنا لهم : فهلا قلتم مثل هذا في إتمام عثمان رضي الله تعالى عنه بمنى ؛ وإتمام عائشة وسعد رضي الله عنهما ؟ فقولوا : لو كان قصر الصلاة سنة ما خفي على هؤلاء وهلا قلتم : لو كان الجلوس في آخر الصلاة فرضا ما خفي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين يقول : إذا رفعت رأسك من آخر صلاتك من السجود فقد تمت صلاتك ، فإن شئت فقم ، وإن شئت فاقعد ؟ ومثل هذا كثير جدا ؛ وإنما هو شيء يفزعون إليه إذا ضاق بهم المجال ثم هم أول تارك له ؟ ، وبالله تعالى التوفيق . فإن قالوا : فبطلت صلاة من لم يضطجع من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ؟ قلنا : إن المجتهد مأجور يصلي ، وإن خفي عليه النص ؛ وإنما الحكم فيمن قامت عليه الحجة فعند . ثم نعكس قولهم عليهم ، فنقول للمالكيين والشافعيين : أترى بطلت صلاة ابن مسعود ومن وافقه ؛ إذا كان يصلي ، ولا يرى الوضوء من مس الذكر ؟ ونقول للحنفيين : أترى صلاة ابن عمر ، وأبي هريرة فاسدة ، إذ كانا يصليان ، وقد خرج من أنف أحدهما دم ، ومن بثرة بوجه الآخر دم فلم يتوضأ لذلك ؟ . ونقول لجميعهم : أترون صلاة عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وأبي أيوب ، وزيد ، وغيرهم - : كانت فاسدة إذا كانوا يرون : أن من وطئ ولم ينزل فلا غسل عليه ، ويفتون بذلك ؟ ومثل هذا كثير جدا ، يعود على من لم يكن بيده حجة غير التشنيع وهو عائد عليهم ؛ لأنهم أشد خلافا على الصحابة منا ، وسؤالهم هذا لازم لأبي هريرة كلزومه لنا ولا فرق ؟ . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يزيد هو المقري - ثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت { كان رسول الله ﷺ إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن } ؟ . قال علي : روينا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني : أن أبا موسى الأشعري وأصحابه كانوا إذا صلوا ركعتي الفجر اضطجعوا ومن طريق الحجاج بن المنهال عن جرير بن حازم عن محمد بن سيرين قال : أنبئت : أن أبا رافع ، وأنس بن مالك وأبا موسى ، كانوا يضطجعون على أيمانهم إذا صلوا ركعتي الفجر ؟ . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث هو ابن عثمان - أنه حدثه قال : كان الرجل يجيء وعمر بن الخطاب يصلي بالناس الصبح فيصلي ركعتين في مؤخر المسجد ويضع جنبه في الأرض ويدخل معه في الصلاة . وذكر عبد الرحمن بن زيد في " كتاب السبعة " أنهم - يعني : سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعروة بن الزبير ، وأبا بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار - : كانوا يضطجعون على أيمانهم بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح فإن عجز فقد قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ . وحكم الناسي ههنا كحكم العامد ؛ لأن من نسي عملا مفترضا من الصلاة والطهارة فعليه أن يأتي به ؛ لأنه لم يأت بالصلاة كما أمر ، إلا أن يأتي نص بسقوط ذلك عنه ؟ وإنما يكون النسيان بخلاف العمد في حكمين : أحدهما - سقوط الإثم جملة هنا ، وفي كل مكان . والثاني - : من زاد عملا لا يجوز له ناسيا ، وكان قد أوفى جميع عمله الذي أمر به ، فإن هذا قد عمل ما أمر ، وكان ما زاد بالنسيان لغوا لا حكم له ؟ فإن أدرك إعادة الصلاة في الوقت لزمه أن يضطجع ويعيد الفريضة ، وإن لم يقدر على ذلك إلا بعد خروج الوقت لم يقدر على الإعادة لما ذكرنا قبل ؟ . ولا يجزئه أن يأتي بالضجعة بعد الصلاة ؛ لأنه ليس ذلك موضعها ؛ ولا يجزئ عمل شيء في غير مكانه ، ولا في غير زمانه ، ولا بخلاف ما أمر به ؛ لأن هذا كله هو غير العمل المأمور به على هذه الأحوال - ، وبالله تعالى التوفيق .

342 - مسألة : ومن فاتته صلاة الصبح بنسيان ، أو بنوم ؟ فنختار له إذا ذكرها - وإن بعد طلوع الشمس بقريب أو بعيد - أن يبدأ بركعتي الفجر ثم يضطجع ، ثم يأتي بصلاة الصبح ؟ وفرض على كل من غفل عن صلاة بنوم ، أو بنسيان ؟ ثم ذكرها أن يزول عن مكانه الذي كان بجسمه فيه إلى مكان آخر ؛ ولو المكان المتصل بذلك المكان فما زاد ؟ . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان هو ابن يزيد العطار - ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في حديث نوم النبي ﷺ وأصحابه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس : أن رسول الله ﷺ قال لهم : { تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة ؟ فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق القاضي ثنا ابن الأعرابي ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا عبد الله بن يزيد المقري ثنا الأسود بن شيبان ثنا خالد بن سمير ثنا عبد الله بن رباح ثنا أبو قتادة الأنصاري قال : { بعث رسول الله ﷺ جيش الأمراء ؛ فلم توقظنا إلا الشمس طالعة ، فقمنا وهلين لصلاتنا ، فقال النبي ﷺ رويدا رويدا حتى تعالت الشمس ، قال رسول الله ﷺ من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما ؟ فقام من يركعهما ومن لم يكن يركعهما ، ثم أمر رسول الله ﷺ أن ينادى بالصلاة فيؤذن لها فقام رسول الله ﷺ فصلى بنا } ، وذكر الحديث ؟ قال علي : فإن قيل : ليس في هذا الخبر ذكر الضجعة ؟ قلنا : قد يسكت عنها الراوي ، كما يسكت عن الوضوء ، وعما لا بد منه من ذكر التكبير للإحرام والسلام وغير ذلك وقد يكون هذا الخبر قبل أن يأمر عليه السلام بالضجعة ؟ وليس جميع السنن مذكورة في حديث واحد ، ولا في آية واحدة ، ولا في سورة واحدة ؛ والتعلل بها قدح في جميع الشريعة : أولها عن آخرها ؛ فليس منها شيء إلا ، وهو مسكوت عنه في أحاديث كثيرة وفي آيات كثيرة . فكل من تعلل في أمر رسول الله ﷺ بالأذان للصلاة المنسية ، وفي أمره بصلاة ركعتي الفجر قبل صلاة الفريضة ، وفي أمره عليه السلام بالتأني [ والانتشار ] والتحول - بما لم يقله رسول الله ﷺ - : فقد كذب على رسول الله ﷺ وقوله ما لم يقل ، وافترى عليه بغير علم ؛ فليتبوأ مقعده من النار - . وقد ذكر الأذان لها وصلى ركعتين قبلهما - : حماد عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة ؟ فإن قيل : قد روي في بعض ألفاظ هذا الخبر : أنه عليه السلام قال لهم حينئذ { من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها } ؟ قلنا : نعم ، قد روي هذا اللفظ ، وروي { ليصلها أحدكم من الغداة لوقتها } ؟ . وروي { فإذا سها أحدكم عن الصلاة فليصلها إذا ذكرها ومن الغد للوقت } ؟ ، وروي { أنهم قالوا : يا رسول الله ، أنقضيها لميقاتها من الغد ؟ وأنهم قالوا : ألا نصلي كذا وكذا صلاة قال : لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم } . وكل هذا صحيح ومتفق المعنى ؛ وإنما يشكل من هذه الألفاظ { من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها } ؟ ، وإذا تؤمل فلا إشكال فيه ؛ لأن الضمير - في لغة العرب - راجع إلى " الغداة " - لا إلى الصلاة - : أي فليقض مع الغداة مثل هذه الصلاة التي يصلي ، بلا زيادة عليها - : أي : فليؤد ما عليه من الصلاة مثل ما فعل كل يوم ؛ فتتفق الألفاظ كلها على معنى واحد ، لا يجوز غير ذلك ، وبالله تعالى التوفيق .

343 - مسألة : صفة الصلاة ، وما لا تجزئ إلا به : لا تجزئ أحدا صلاة إلا بثياب طاهرة ، وجسد طاهر ، في مكان طاهر ؟ قال علي : قد ذكرنا الأشياء المفترض اجتنابها ؛ فمن صلى غير مجتنب لها فلم يصل كما أمر ، وقد ذكرنا أمر رسول الله ﷺ بكنس ما كان يصلي عليه ؛ وبأن تطيب المساجد وتنظف ؛ لقوله عليه السلام الذي سنذكره إن شاء الله تعالى بإسناده { وجعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا } ؟ ، وقال تعالى : { وثيابك فطهر } . ومن ادعى أن المراد بذلك : القلب - : فقد خص الآية بدعواه بلا برهان ، والأصل في اللغة التي بها نزل القرآن : أن الثياب هي الملبوسة والمتوطأة ولا ينقل عن ذلك إلى القلب والعرض إلا بدليل ، ولا حال للإنسان إلا حالان ، لا ثالث لهما : حال الصلاة ، وحال غير الصلاة ؟ . ولا يختلف اثنان في أنه لا يحرج من في بدنه شيء واجب اجتنابه وفي ثيابه أو في مقعده في حال غير الصلاة ؛ وإنما الكلام : هل ذلك مباح في الصلاة أم لا ؟ فإذا خرجت حال غير الصلاة بالإجماع المتيقن لم يبق حيث تستعمل أوامر الله تعالى ورسوله ﷺ إلا للصلاة ؛ فهذا فرض فيها - ، وبالله تعالى التوفيق .

=========




كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

344 - مسألة : فمن أصاب بدنه أو ثيابه أو مصلاه شيء فرض اجتنابه بعد أن كبر سالما في كل ما ذكرنا مما أصابه بعد ذلك - : فإن علم بذلك : أزال الثوب - وإن بقي عريانا - ما لم يؤذه البرد ، وزال عن ذلك المكان ؛ وأزالها عن بدنه بما أمر أن يزيلها به ، وتمادى على صلاته وأجزأه ولا شيء عليه غير ذلك . فإن نسي حتى عمل عملا مفترضا عليه من صلاته ألغي ، وأتم الصلاة ، وأتى بذلك العمل كما أمر ، ثم يسجد للسهو ، وإن كان ذلك بعد أن سلم ، ما لم تنتقض طهارته ؛ فإن انتقضت أعاد الصلاة متى ذكر . فإن لم يصبه ذلك إلا في مكان من صلاته لو لم يأت به لم تبطل به صلاته مثل قراءة السورة التي مع أم القرآن ، أو ما زاد على الطمأنينة في الركوع والسجود ، والجلوس بين السجدتين ، والرفع من الركوع ، والجلوس بعد التشهد - : فصلاته تامة ؛ وليس عليه إلا سجود السهو فقط ؟ فإن تعمد ما ذكرنا : بطلت صلاته ؛ وكان كمن لم يصل ، ولا فرق ، لا يقدر على الصلاة إلا في وقتها ؟ فصح الآن أن الناسي يعيد أبدا ، لقول رسول الله ﷺ : { من نسي صلاة أو نام عنها فيصلها إذا ذكرها } ؟ . والناسي : هو الذي علم الشيء ثم نسيه ، وبعض الصلاة : صلاة بنص حكم اللغة والضرورة . وهكذا الحكم فيمن نسي الطهارة ، أو بعض أعضائه ، أو نسي ستر عورته ؟ فإن ابتدأ صلاته كذلك أعادها أبدا . وصح : أن العامد لا يقدر على الصلاة إلا في وقتها ؛ وكل ما ذكرنا في ذلك سواء وأما الجاهل : وهو الذي لا يعلم الشيء إلا في صلاته أو بعدها ؟ كمن كان في ثيابه ، أو بدنه ، أو في مكانه - : شيء فرض اجتنابه لم يعلم به ؟ فإنه يعيد كل ما صلى كذلك في الوقت كذلك وكذلك من انكشفت عورته ، وهو لا يرى . وكذلك من جهل فرضا من فروض طهارته ، أو صلاته ثم علمها - : فإن هؤلاء لا إعادة عليهم إلا في الوقت فقط ، لا بعد الوقت ؟ برهان ذلك - : أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في أرض الحبشة وغيرها ، والفرائض تنزل ؛ كتحويل القبلة ، والزيادة في عددها ، وغير ذلك ؟ فلم يأمرهم عليه السلام بإعادة شيء من ذلك ؛ إذ بلغه ذلك ، وأمر الذي رآه لم يتم صلاته أن يعيدها . فصح بذلك - : أن يأتي بما جهل من كل ما ذكرنا إذا علمه ؛ ما دام الوقت قائما فقط ؟ وأما المكره ، والعاجز ؛ لعلة أو ضرورة ؟ فإنه في كل ما ذكرنا - : إن زال الإكراه ، أو الضرورة بعد الصلاة - : فقد تمت صلاته ؛ لقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ . وإن زال ذلك في الصلاة بنى على ما مضى من صلاته ؛ فأتمها كما يقدر واعتد بما عمل منها قبل أن يقدر ، ولا سجود سهو في ذلك - ، وبالله تعالى التوفيق . برهان ذلك - : ما ذكرناه قبل : إن كان عمل مأمور به ، فهو فيها جائز - كثر أو قل ، وإزالة ما افترض على المرء اجتنابه في الصلاة مأمور به فيها ؛ فهو جائز في الصلاة ؟ وأما قولنا : وإن بقي عريانا ؛ فلأنه قد اجتمع عليه فرضان - : أحدهما : ستر العورة ؛ والثاني : اجتناب ما أمر باجتنابه ؟ ولا بد له من أحدهما . فإن صلى غير مجتنب ؛ لما أمر باجتنابه ؟ فقد تعمد في صلاته عملا محرما عليه ؛ فلم يصل كما أمر ؛ فلا صلاة له ؟ . وإذا لم يجد ثوبا أمر بالاستتار بمثله ؛ فهو غير قادر على الاستتار ؛ ولا حرج على المرء فيما لا يقدر عليه قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } ، وليس المرء مضطرا إلى لباس ثوب يقدر على خلعه ، ولا إلى البقاء في مكان يقدر على مفارقته ، وهو مضطر إلى التعري إذا لم يجد ما أبيح له لباسه ؛ فإن خشي البرد فهو حينئذ مضطر إلى ما يطرد به البرد عن نفسه ؛ فيصلي به ، ولا شيء عليه ؛ لأنه مباح له حينئذ ؟ وأما قولنا : إن نسي حتى عمل عملا مفترضا عليه في صلاته ألغاه ، وأتم الصلاة وأتى بذلك العمل كما أمر ، وإن كان بعد أن سلم ، ما لم تنتقض طهارته ؟ . فلما قد ذكرناه من سقوط ما نسيه المرء في صلاته ، وأن ذلك لا يبطل صلاته ؟ ؛ ولقول الله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } . ولما سنذكره من أمر رسول الله ﷺ { من سها في صلاته فزاد أو نقص } بأن يتم صلاته ويسجد للسهو ؛ وهذا قد زاد في صلاته ساهيا ما لو تعمده لبطلت صلاته . وأما قولنا : إن انتقضت طهارته أعادها أبدا متى ذكر ؟ فلقول رسول الله ﷺ الذي قد ذكرناه { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } ، وبعض الصلاة صلاة عليه ففرض أن يصليها ، وأن يأتي بما نسي ، وبما لا يجزئ - إذا ما نسي - إلا به ، من وضوء أو غسل ، أو ابتداء الصلاة على ترتيبها ، إلى أن يتم ما نسي من صلاته إلا به . وأما قولنا : إن لم يصبه ذلك إلا في مكان من صلاته لو تعمد تركه لم تبطل صلاته بذلك ، إلى آخر كلامنا ؛ فلأنه قد وفى جميع أعمال صلاته سالمة كما أمر ؛ وكانت تلك الأعمال الزائدة ، وإن كانت الصلاة جائزة دونها - : فإنها في جملة الصلاة ، وفي حال لو تعمد فيها ما تبطل به الصلاة لبطلت صلاته ، وكان منه فيها ما كان ناسيا فزاد في صلاته عملا بالسهو لا يجوز له فليس عليه إلا سجود السهو ، كما أمر رسول الله ﷺ مما سنذكره في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى . وروينا عن رسول الله ﷺ خلع نعليه في الصلاة للقذر الذي كان فيهما ، وعن الحسن إذا رأيت في ثوبك قذرا فضعه عنك وامض في صلاتك ، وقد أجاز أبو حنيفة ، ومالك : غسل الرعاف في الصلاة ؟ فأما الصلاة بالنجاسة : فإن مالكا قال : لا يعيد العامد لذلك والناسي إلا في الوقت ؟ قال علي : وهذا خطأ ؛ لأنه لا يخلو من أن يكون أدى الصلاة التي أمر بها كما أمر ، أو لم يؤدها كما أمر ؛ فإن كان أداها كما أمر فلا يحل له أن يصلي في يوم واحد ظهرين ، ولا معنى لإعادته صلاة قد صلاها ؟ ، وإن كان لم يؤدها كما أمر فمن قوله أن يصلي من لم يصل أبدا ؛ فظهر بطلان هذا القول ؟ . وأيضا : فإنه يقال لهم : أخبرونا عن الصلاة التي تأمرونه بأن يأتي بها في الوقت ولا تأمرونه بها بعد الوقت : أفرض هي عندكم أم نافلة ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث ؟ وبأي نية يصليها ؟ أبنية أنها الفرض اللازم له في ذلك الوقت أم بنية التطوع ؟ أم بلا نية ، لا لفرض ولا لتطوع ؟ فإن قلتم : هي فرض ولا يصليها إلا بنية الفرض ؛ فمن أصلكم الذي لم تختلفوا فيه : أن الفرض يصلى أبدا ، ولا يسقط بخروج الوقت فيه ، فهذا تناقض وهدم لأصلكم . وإن كانت تطوعا وتأمرونه بأن يدخل فيها بنية التطوع فإن التطوع لا يجزئ بدل الفرض في الدنيا ، ولا يحل لأحد أن يتعمد ترك الفرض ويصلي التطوع عوضا من الفرض ؛ ولا يحل لأحد أن يفتيه بذلك بلا خلاف من أحد ؛ بل هو خروج الكفر بلا شك وإن قلتم : لا يصليها بنية فرض ولا تطوع ؟ كان هذا باطلا متيقنا ؛ لقول النبي ﷺ : { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى } فهذا لا عمل له ، إذ لا نية له ، ولا شيء له ، فقد أمرتموه بالباطل الذي لا يحل وأما الشافعي فإنه قال : يعيد أبدا في العمد ، والنسيان قال علي : وهذا خطأ ؛ لقول رسول الله ﷺ : { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } ؛ ولقول الله تعالى : { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } . وقال أبو حنيفة : من كانت النجاسة في موضع قدميه في الصلاة وكانت أكثر من الدرهم البغلي : - أي نجاسة : بطلت صلاته عامدا كان أو ناسيا ؟ فإن كانت قدر الدرهم البغلي فأقل ؛ فصلاته تامة في العمد ؛ والنسيان ؟ فإن كانت أكثر من قدر الدرهم البغلي ، وكانت في موضع وضع يديه ، أو في موضع وضع ركبتيه ، أو حذاء إبطيه : فصلاته تامة في العمد ، والنسيان واختلف عنه إذا كانت في موضع وقوع جبهته في السجود . فمرة قال : صلاته تامة في العمد ، والنسيان ، ومرة قال : صلاته باطلة في العمد ، والنسيان ؛ وبه يقول زفر . وقال أبو يوسف كذلك في كل ما ذكرنا ، إلا أنه قال : إن كانت في موضع سجوده : فسدت تلك السجدة - وحدها خاصة - وكأنه لم يسجدها ؟ وإن سجدها ما دام في صلاته تمت صلاته - وإن لم يسجدها حتى أتم صلاته بطلت صلاته كلها ؟ وكانت حجتهم في هذا أسقط من قولهم ؛ وهو أنهم قالوا : لو لم يضع يديه ولا ركبتيه في السجود لم يضر ذلك صلاته شيئا بخلاف قدميه قال علي : وهذا احتجاج للباطل بأشنع ما يكون من الباطل وإنما هو استخفاف بالصلاة ، ويلزم على أحد قوليه أن تتم صلاته ، وإن لم يضع جبهته بالأرض لغير عذر . قال أبو حنيفة : ومن صلى وفي ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم إلا أنها في موضع يسجيه ، وليس على شيء من جسمه ، فإن كان إذا تحرك في صلاته لقيام أو ركوع أو سجود تحركت النجاسة - : بطلت صلاته ، وإلا فلا ؟ وقال أبو يوسف : المصلي المبطن بمنزلة ثوب واحد ، إن كان في الباطنة أكثر من قدر الدرهم غير نافذة إلى الوجه بطلت الصلاة . وقال محمد : لا تبطل ، وهما ثوبان قال أبو محمد : وهذه أقوال ينبغي حمد الله تعالى على السلامة منها ، ولا مزيد ، ولا سلف لهم في شيء منها ثم العجب قولهم لمن أخذ بأمر الله تعالى وأمر رسوله ﷺ الذين يقرون بصحة نقله وبيانه : قولوا لنا : من قال بهذا قبلكم ؟ فيا للمسلمين أيعنف من أخذ بالقرآن والسنة ، التي أجمع المسلمون على وجوب طاعتهما ، حتى يأتي باسم من قال بذلك ؟ ولا يعنف من قال برأيه - مبتدئا دون موافق من السلف - مثل هذه الأقوال الفاسدة المتناقضة ؟ وحسبنا الله ، ونعم الوكيل - وله الحمد على هدايته لنا وتوفيقه إيانا ؟

345 - مسألة : فمن كان محبوسا في مكان فيه ما يلزمه اجتنابه لا يقدر على الزوال عنه ، وكان مغلوبا لا يقدر على إزالته عن جسده ، ولا عن ثيابه - : فإنه يصلي كما هو ، وتجزئه صلاته . فإن كان في موضع سجوده أو جلوسه ، ولا يقدر على مكان غيره - : صلى قائما وجلس على أقرب ما يقدر من الدنو من ذلك الموضع ولا يجلس عليه ، وكذلك يقرب : جبهته وأنفه من ذلك المكان أكثر ما يقدر عليه ، ولا يضعهما عليه ، فإن جلس عليه ، أو سجد عليه متعمدا - وهو قادر على أن لا يفعل - : بطلت صلاته ؟ برهان ذلك - : قول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، وقول رسول الله ﷺ : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } فصح أنه يسقط عنه ما لا يستطيع ويبقى عليه ما قدر عليه - وبالله تعالى التوفيق .

346 - مسألة : وستر العورة فرض عن عين الناظر ، وفي الصلاة جملة ، كان هنالك أحد أو لم يكن . قال الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } - { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } . فمن أبدى فرجه لغير من أبيح له فقد عصى الله تعالى ؟ وقال تعالى : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } فاتفق على أنه ستر العورة ؟ .

347 - مسألة : وإنما هذا للعامد ، وأما من لا يجد ثوبا أبيح له الصلاة به أو أكره أو نسي - : فصلاته تامة ؛ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقوله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } ؛ ولقول رسول الله ﷺ : { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } إلا أن القول في إلغاء ما عمل من فرائض صلاته مكشوف العورة ناسيا ، والمجيء بها كما أمر ، والبناء على ما صلى مغطى العورة ، والسجود للسهو ، وجواز الصلاة بما صلى كذلك في حال من صلاته لو أسقطها تمت صلاته ، وسجود السهو لذلك - : كما قلنا في الصلاة : غير مجتنب لما افترض علينا اجتنابه ، سواء سواء ولا فرق ؛ لما ذكرنا هنالك - وبالله تعالى التوفيق .

348 - مسألة : فلو ابتدأ التكبير مكشوف العورة أو غير مجتنب لما افترض عليه اجتنابه - عامدا أو ناسيا أو جاهلا - فلا صلاة له ؛ لأنه لم يدخل في الصلاة كما أمر ؛ ولا صح له منها شيء يبني عليه . ولا يجوز في الصلاة تقديم مؤخر قبل ما هو في الرتبة قبله ؛ لقول رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } ؟ .

=======




كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

349 - مسألة : والعورة المفترض سترها على الناظر وفي الصلاة - : من الرجل : الذكر وحلقة الدبر فقط ؛ وليس الفخذ منه عورة وهي من المرأة : جميع جسمها ، حاشا الوجه ، والكفين فقط ، الحر ، والعبد ، والحرة ، والأمة ، سواء في كل ذلك ولا فرق حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا ابن الحجاج ثنا سعيد بن يحيى الأموي ثنا أبي ثنا عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري ثنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، عن المسور بن مخرمة قال : { أقبلت بحجر ثقيل أحمله وعلي إزار خفيف ، فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أمنعه حتى بلغت به إلى موضعه ؛ فقال رسول الله ﷺ ارجع إلى إزارك فخذه ، ولا تمشوا عراة } فصح أن أخذ الإزار فرض . وأما الفخذ : فإن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حدثنا قال ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم . - ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك { أن رسول الله ﷺ غزا خيبر ، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس ؛ فركب رسول الله ﷺ وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة ؛ فأجرى رسول الله ﷺ في زقاق خيبر ، وإن ركبتي لتمس فخذ النبي ﷺ ثم حسر الإزار عن فخذه ، حتى إني أنظر إلى بياض فخذ النبي ﷺ } وذكر باقي الحديث ، قال علي : فصح أن الفخذ ليست عورة ولو كانت عورة لما كشفها الله عز وجل عن رسوله ﷺ المطهر المعصوم من الناس في حال النبوة والرسالة ؛ ولا أراها أنس بن مالك ، ولا غيره ، وهو تعالى قد عصمه من كشف العورة في حال الصبا وقبل النبوة كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا روح بن عبادة ثنا زكريا بن إسحاق ثنا عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله يحدث { أن رسول الله ﷺ كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره ، فقال له العباس عمه : يا ابن أخي ، لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة قال : فحله وجعله على منكبه ؛ فسقط مغشيا عليه ، فما رئي بعد ذلك اليوم عريانا } . حدثنا حماد ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الفربري ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث : { أن رسول الله ﷺ - لما بنيت الكعبة - ذهب هو وعباس ينقلان الحجارة فقال عباس لرسول الله ﷺ اجعل إزارك على رقبتك من الحجارة ففعل ، فخر إلى الأرض ، وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام ، فقال : إزاري إزاري فشد عليه إزاره } . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - ثنا أيوب السختياني عن أبي العالية البراء قال : إن عبد الله بن الصامت ضرب فخذي وقال : إني سألت أبا ذر فضرب فخذي كما ضربت فخذك ، وقال : { إني سألت رسول الله ﷺ كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك ، وقال : صل الصلاة لوقتها ؛ فإن أدركتك الصلاة معهم فصل ، ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي } . فلو كانت الفخذ عورة لما مسها رسول الله ﷺ من أبي ذر أصلا بيده المقدسة ، ولو كانت الفخذ عند أبي ذر عورة لما ضرب عليها بيده : وكذلك عبد الله بن الصامت ، وأبو العالية . وما يستحل مسلم أن يضرب بيده على ذكر إنسان على الثياب ، ولا على حلقة دبر الإنسان على الثياب ، ولا على بدن امرأة أجنبية على الثياب ألبتة وقد { منع رسول الله ﷺ من القود من الكسعة وهي ضرب الأليتين على الثياب بباطن القدم ، وقال دعوها فإنها منتنة } . فإن قيل : فإن الحجر قد جمح بثياب موسى عليه السلام حتى رأى بنو إسرائيل أنه ليس آدر قلنا : نعم ، ولا حجة لكم في هذا ، لوجهين - : أحدهما : أنه ليس عندنا كشف العورات في شريعة موسى عليه السلام وفي ذلك الخبر نفسه : أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ، وكان موسى عليه السلام يغتسل في الخلاء ، ولم يأت أنه عليه السلام نهاهم عن الاغتسال عراة وقد يستتر عليه السلام حياء ، كما ستر رسول الله ﷺ ساقه حياء من عثمان ؛ وليست ساق الرجل عورة عند أحد والثاني : أنه ليس في الحديث : أنهم رأوا من موسى : الذكر - الذي هو عورة - وإنما رأوا منه هيئة تبينوا بها أنه مبرأ مما قالوه من الأدرة ؛ وهذا يتبين لكل ناظر بلا شك بغير أن يرى شيئا من الذكر ، لكن بأن يرى ما بين الفخذين خاليا - فبطل تعلقهم بهذا الخبر فإن ذكروا الأخبار الواهية في أن الفخذ عورة ؛ فهي كلها ساقطة . أما حديث جويبر - : فإنه عن ابن جوهر ؛ وهو مجهول ، وعن مجهولين ، ومنقطع ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - وهو صحيفة - قد ذكرنا في غير ما موضع من هذه الرواية ما لا يقولون به . مثل : روايته عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته : إن كان من أمة يملكها يوم أصابها : فقد لحق بمن استلحقه ؛ وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء ، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه ، ولا يلحق إن كان أبوه الذي يدعى له أنكره } . ومثل : روايته من هذه الطريق مسندا وذكر الوضوء ثلاثا ثلاثا { هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم } و { أنه عليه السلام نهى عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة } . ولا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا هلك زوجها في عصمتها و { أنه عليه السلام قضى في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية } . ومثل هذا كثير جدا . وفي أن الفخذ عورة من طريق قبيصة بن مخارق ، فيه : سليمان بن سليمان ومحمد بن عقبة ، وجرير بن قطن ؛ وهم مجهولون لا يعرف من هم . ومن طريق ابن جحش ، فيه أبو كثير ، وهو مجهول . ومن طريق علي ، منقطع ، رواه ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت ، ولم يسمعه منه ، بينهما من لم يسم ولا يدرى من هو ، ورواية حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة ، ولم يسمعه منه ، قال ابن معين : بينهما رجل ليس بثقة ، ولم يروه عن ابن جريج إلا أبو خالد ، ولا يدرى من هو . ومن طريق ابن عباس ، فيها أبو يحيى القتات ، وهو ضعيف . ومن طريق ابن عباس ، فيه مجهولون لا يدرى من هم . ومن طريق سفيان الثوري : أن رسول الله ﷺ وهذا لا شيء . وحتى لو لم يأت من الآثار الثابتة التي ذكرنا شيء لما جاز أن يقطع على عضو بأنه عورة تبطل الصلاة بتركه - : إلا ببرهان ، من نص أو إجماع . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني أبو بكر بن إسحاق أنا سعيد بن كثير بن عفير ثنا عبد الله بن وهب عن يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب أخبرني علي بن الحسين أن أباه الحسين بن علي أخبره أن عليا قال : { كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وذكر الحديث . وفيه أن حمزة صعد النظر إلى ركبتي رسول الله ﷺ ثم صعد النظر إلى سرته . } وذكر باقي الحديث . فلو كانت السرة عورة لما أطلق الله حمزة ولا غيره على النظر إليها . وقد روينا من طريق أبي داود : حدثني مسلم بن إبراهيم ثنا هشام هو الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر قال : { احتجم النبي ﷺ على وركه من وثء كان به } . فلو كان الورك عورة ما كشفها عليه السلام إلى الحجام وهذا إسناد أعظم آمالهم أن يظفروا بمثله لأنفسهم وأما نحن فغانون بالصحيح على ما لا نراه حجة ، ومعاذ الله من أن نحتج في مكان بما لا نراه حجة في كل مكان ، تعصبا للتقليد ؛ واستهانة بالشريعة ، وهذا الذي قلنا به هو قول جمهور السلف . كما روينا من طريق محمد بن المثنى : ثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر سمع سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع يخبر عن جبير بن الحويرث قال : رأيت أبا بكر الصديق واقفا على قزح يقول : يا أيها الناس أصبحوا ، وإني لأنظر إلى فخذه قد انكشف . ومن طريق البخاري : ثنا عبد الله بن عبد الوهاب هو الحجبي ثنا خالد بن الحارث ثنا ابن عون هو عبد الله عن موسى بن أنس بن مالك : فذكر يوم اليمامة فقال : أتى أنس إلى ثابت بن قيس بن الشماس وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط - : يعني من الحنوط للموت . قال البخاري : ورواه حماد عن ثابت عن أنس . ومن طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب قال : دخلت على أبي جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب - : وهو محموم وقد كشف عن فخذيه ، وذكر الخبر فهؤلاء - أبو بكر بحضرة أهل الموسم - : وثابت بن قيس ، وأنس ، وغيرهم . وهو قول ابن أبي ذئب ، وسفيان الثوري ، وأبي سليمان - وبه نأخذ وأما المرأة فإن الله تعالى يقول : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } - إلى قوله - : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } . فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب ، وهذا نص على ستر العورة ، والعنق ، والصدر . وفيه نص على إباحة كشف الوجه ؛ لا يمكن غير ذلك أصلا ، وهو قوله تعالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل إبداؤه . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا عيسى بن يونس ثنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت : { أمرنا رسول الله ﷺ أن نخرجهن في الفطر والأضحى : العواتق ، والحيض ، وذوات الخدور . قالت : قلت يا رسول الله ، إحدانا لا يكون لها جلباب قال : لتلبسها أختها من جلبابها } . قال علي : وهذا أمر بلبسهن الجلابيب للصلاة والجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله ﷺ هو ما غطى جميع الجسم ، لا بعضه فصح ما قلنا نصا حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن سفيان هو الثوري - أخبرني عبد الرحمن بن عابس قال : { سمعت ابن عباس يذكر أنه شهد العيد مع رسول الله ﷺ : وأنه عليه السلام خطب بعد أن صلى ، ثم أتى النساء ومعه بلال ؛ فوعظهن وذكرهن ، وأمرهن أن يتصدقن ، فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال } . فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله ﷺ رأى أيديهن ؛ فصح أن اليد من المرأة ، والوجه : ليسا عورة ، وما عداهما ؛ ففرض عليها ستره . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا سليمان بن سيف ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثنا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب : أن سليمان بن يسار أخبره أن ابن عباس أخبره { أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله ﷺ في حجة الوداع } ، والفضل بن عباس رديف رسول الله ﷺ " وذكر الحديث . وفيه " فأخذ الفضل يلتفت إليها ، وكانت امرأة حسناء ، وأخذ رسول الله ﷺ يحول وجه الفضل من الشق الآخر " . فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس ، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق ، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء فصح كل ما قلناه يقينا والحمد لله كثيرا . وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله تعالى واحد ، والخلقة والطبيعة واحدة ، كل ذلك في الحرائر والإماء سواء ، حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شيء فيوقف عنده ، فإن قيل : إن قول الله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن } : يدل على أنه تعالى أراد الحرائر فقلنا : هذا هو الكذب بلا شك ؛ لأن البعل في لغة العرب : السيد ، والزوج ، وأيضا فالأمة قد تتزوج ؛ وما علمنا قط أن الإماء لا يكون لهن : أبناء ، وآباء ، وأخوال ، وأعمام ، كما للحرائر ، وقد ذهب بعض من وهل في قول الله تعالى : { يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } إلى أنه إنما أمر الله تعالى بذلك لأن الفساق كانوا يتعرضون للنساء للفسق ؛ فأمر الحرائر بأن يلبسن الجلابيب ليعرف الفساق أنهن حرائر فلا يعترضوهن . قال علي : ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد ، الذي هو : إما زلة عالم ووهلة فاضل عاقل ؛ أو افتراء كاذب فاسق ؛ لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين ، وهذه مصيبة الأبد ، وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنى بالحرة كتحريمه بالأمة ؛ وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة ولا فرق ، وإن تعرض الحرة في التحريم كتعرض الأمة ولا فرق ، ولهذا وشبهه وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله ﷺ إلا بأن يسنده إليه عليه السلام . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الأعرابي ثنا محمد بن الجارود القطان ثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن زيد ثنا قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال : { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } . قال علي : وروينا من طريق مالك عن محمد بن أبي بكر عن أمه أنها سألت أم سلمة أم المؤمنين : في كم تصلي المرأة . قالت : في الدرع السابغ الذي يواري ظهور قدميها وفي الخمار ، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن أم ثور عن زوجها بشر قال : قلت لابن عباس : في كم تصلي المرأة من الثياب . ؟ قال : في درع وخمار ومن طريق عبد الرزاق عن الأوزاعي عن مكحول عمن سأل عائشة أم المؤمنين : في كم تصلي المرأة من الثياب ؟ فقالت له : سل علي بن أبي طالب ثم ارجع إلي فأخبرني فأتى عليا فسأله ، فقال : في الخمار والدرع السابغ ، فرجع إلى عائشة فأخبرها . فقالت : صدق . ومن طريق محمد بن المثنى ثنا عبد الله بن إدريس أنا قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه : أن جارية كانت تخرج على عهد عائشة بعدما تحرك ثدياها ؛ فقيل لعائشة في ذلك ، فقالت : إنها لم تحض بعد فمن ادعى أنهم رضي الله عنهم أرادوا الحرائر دون الإماء : كان كاذبا ولم يكن بينه فرق وبين من قال : بل أرادوا إلا القرشيات خاصة ، أو المضريات خاصة ؛ أو العربيات خاصة ، وكل ذلك كذب . ومن طريق ابن المثنى ثنا ابن فضيل ثنا خصيف سمعت مجاهدا يقول : أيما امرأة صلت ولم تغط شعرها لم يقبل الله لها صلاة . ومن طريق ابن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء قال : تنع الأمة رأسها في الصلاة . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى قال : إذا حاضت المرأة لم تقبل لها صلاة حتى تختمر ، وتواري رأسها . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : إذا صلت الأمة غطت رأسها وغيبته بخرقة أو خمار ، وكذلك كن يضعن على عهد رسول الله ﷺ . وكان الحسن يأمر الأمة إذ تزوجت عبدا أو حرا أن تختمر : قال علي : لم يخف علينا ما روي عن عمر رضي الله عنه في خلاف هذا وعن غيره ، ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ وإذا تنازع السلف رضي الله عنهم وجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه : من القرآن والسنة ؛ وليس في القرآن ، ولا في السنة : فرق في الصلاة بين حرة ولا أمة . والعجب أنهم لا يبالون بخلاف عمر رضي الله عنه : حيث لا يحل خلافه ، وحيث لا مخالف له من الصحابة رضي الله عنهم ، وحيث معه القرآن والسنة : إذا خالفه رأي أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي - : كقضائه في الأرنب يقتلها المحرم بعناق ، وفي الضب بجدي . وكقوله : كل نكاح فاسد فلا صداق فيه . وقوله بالمسح على العمامة - إلى مئين من القضايا ، فإذا وافق ما روي عنه رأي أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي : صار حينئذ حجة لا يجوز مخالفته ، وإن خالفه غيره من الصحابة ؛ وإن خالفوا القرآن والسنة في ذلك مع أن الذي عن عمر في ذلك إنما هو في خروجهن لا في الصلاة ؛ فبطل تمويههم بعمر .

وقد روي عن مالك : إن صلت أم الولد بلا خمار أعادت في الوقت ، وقد روينا عن ابن عباس في { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال : الكف ، والخاتم ، والوجه . وعن ابن عمر : الوجه ، والكفان ، وعن أنس : الكف ، والخاتم وكل هذا عنهم في غاية الصحة ، وكذلك أيضا عن عائشة وغيرها من التابعين قال علي : فإن قالوا : قد جاء الفرق في الحدود بين الحرة والأمة . قلنا : نعم ، وبين الحر والعبد ؛ فلم ساويتم بين الحر والعبد فيما هو منهما عورة في الصلاة ، وفرقتم بين الحرة والأمة فيما هو منهما عورة في الصلاة ، وقد صح الإجماع والنص على وجوب الصلاة على الأمة كوجوبها على الحرة في جميع أحكامها ، من الطهارة ، والقبلة ، وعدد الركوع ، وغير ذلك ، فمن أين وقع لكم الفرق بينهما في العورة وهم أصحاب قياس بزعمهم ، وهذا مقدار قياسهم ، الذي لا شيء أسقط منه ولا أشد تخاذلا ، فلا النص اتبعوا ولا القياس عرفوا ، وبالله تعالى التوفيق . قال علي : فإن قيل : فلم فرقتم أنتم بين من اضطر المرء إليه بعدم أو إكراه في الصلاة مكشوف العورة ، وفي مكان فيه ما افترض عليه اجتنابه ، أو في ثيابه ، أو في جسده ؛ فأجزتم صلاته كذلك - : وبين صلاته كذلك ناسيا فلم تجيزوها . قلنا : نعم ، فإن النصوص قد جاءت بأن كل ما نسيه المرء من أعمال صلاته فإنه لا تجزئه صلاته دونها ؛ وأنه لا بد له من إتيانها ؛ كمن نسي الطهارة ، أو التكبير ، أو القيام ؛ أو السجود ، أو الركوع ، أو الجلوس . ولا خلاف في أن من نسي فعوض القعود مكان القيام في الصلاة ، أو القيام مكان القعود ، أو الركوع مكان السجود - : فإنه لا يجزئه ذلك . وقد { أمر رسول الله ﷺ من نسي صلاة ، أو نام عنها أن يصليها } ؛ وبعض الصلاة صلاة بلا خلاف ؛ فمن لم يأت بهما كما أمر ناسيا فقد نسي من صلاته جزءا وأتى بما ليس صلاة ، إذ صلى بخلاف ما أمر ؛ فمن ههنا أوجبنا على الناسي أن يأتي بما نسي كما أمر وأجزنا صلاته كذلك في الإكراه بغلبة أو عدم ؛ للنصوص الواردة بجواز كل ما ذكرنا في عدم القوة . فإن قيل : إن { رسول الله ﷺ قد دخل في الصلاة فأتاه جبريل عليه السلام فأعلمه أن في نعليه قذرا ؛ فخلعهما وتمادى في صلاته } . قلنا : نعم ، وإنما حرم ذلك عليه حين أخبره جبريل عليه السلام لا قبل ذلك ؛ فكان ابتداؤه الصلاة كذلك جائزا ، وقال عليه السلام في آخر ذلك الحديث إذ سلم كلاما معناه : { إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فلينظر نعليه - أو قال خفيه - فإن رأى فيها شيئا فليحكه وليصل فيهما } وكان هذا الحكم واردا بعد تلك الصلاة . فمن صلى ولم يتأمل نعليه ، أو خفيه ، وكان فيهما أذى فقد صلى بخلاف ما أمر به - وبالله تعالى التوفيق . وقال أبو حنيفة : العورة تختلف ؛ فهي من الرجال : ما بين السرة إلى الركبة والركبة عورة ، والسرة ليست عورة . وهي من الحرة : جميع جسدها ، حاشا الوجه ، والكفين ، والقدمين . وهي من الأمة كالرجل سواء سواء ؛ فتصلي الأمة ، وأم الولد ، والمدبرة : عندهم عريانة الرأس ، والجسد كله ، حاشا مئزرا يستر ما بين سرتها وركبتها فقط ، لا كراهة عندهم في ذلك . قال : وأحكام العورات تختلف ؛ فإذا انكشف من الرجل أكثر من قدر الدرهم البغلي من ذكره ؛ أو من المرأة من فرجها ، في حال استقبالهما الافتتاح للصلاة ؛ أو في حال استقبالهما الركوع ؛ أو في حال استقبالهما القيام : بطلت صلاتهما ، فإن انكشف هذا المقدار من ذكره ، أو من فرجها ، في حال القيام ، أو في حال الركوع ، أو في حال السجود ، فسترا ذلك حين انكشافه - : لم يضر ذلك صلاتهما شيئا . فإن انكشف من ذكره ، أو من فرجها ، في كل ما ذكرنا قدر الدرهم البغلي فأقل : لم يضر ذلك صلاتهما شيئا . طال ذلك أم قصر . فإن انكشف من فخذ الرجل ، أو الأمة ، أو الحرة ، أو مقاعدهما ، أو وركيهما ، أو من جميع أعضاء الحرة : الصدر ، أو البطن ، أو الظهر ، أو الشعر ، أو العنق - : مقدار ربع العضو فأكثر - : بطلت الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد . فإن انكشف من كل ذلك أقل من الربع لم يضر الصلاة شيئا . وقال أبو يوسف : لا تبطل الصلاة إلا أن ينكشف مما عدا الفرج أكثر من نصف العضو ، قال أبو حنيفة : فإن أعتقت أمة في الصلاة فإنها تأخذ قناعها وتستتر ، وتبني على ما مضى من صلاتها ، فإن بدأ الرجل الصلاة عريانا لضرورة ثم وجد ثوبا فإن صلاته تبطل ؛ ويلزمه أن يبتدئها ولا بد ، وسواء كان وجوده الثوب في أول صلاته أو في آخرها ، ولو قعد مقدار التشهد ، ما لم يسلم هذا مع قوله : إن المصلي إذا قعد مقدار التشهد ثم أحدث عامدا أو ناسيا فقد تمت صلاته ولا شيء عليه ، فصار وجوب الثوب أعظم عنده من البول أو الغائط ، قال : فلو زحم المأموم حتى وقع إزاره وبدا فرجه كله فبقي واقفا كما هو حتى تمت صلاة الإمام - : فصلاة ذلك المأموم تامة ، فلو ركع بركوع الإمام أو سجد بسجوده : بطلت صلاته ، قال علي : فهل لهذه الأقوال دواء أو معارضة إلا حمد الله تعالى على السلامة منها ؟ وهل يحصى ما فيها من التخليط إلا بكلفة ، وقال مالك : الأمة عورة كالحرة ؛ حاشا شعرها فقط ؛ فليس عورة ؛ فإن انكشف شعر الحرة أو صدرها أو ساقها في الصلاة لم تعد إلا في الوقت . قال علي : ولا ندري قوله في الفرج ؛ وما نراه يرى الإعادة من ذلك إلا في الوقت ؛ وقد تقدم إفسادنا لقوله بالإعادة في الوقت فيما سلف من كتابنا هذا ؛ فأغنى عن إعادته ، ولا فرق عنده بين نسيان وعمد في ذلك ، وقال الشافعي : إن انكشف من عورة الرجل - وهي ما بين سرته إلى ركبته - أو عورة المرأة - وهو جميع جسد الحرة ، والأمة ، حاشا شعر الأمة ووجهها ، ووجه الحرة وكفيها ، وكفي الأمة - : شيء قل أو كثر ؛ فإن ستر في الوقت لم يضر شيئا والصلاة تامة ؛ وإن بقي مقدار ما - قل أو كثر - ولم يغط : بطلت الصلاة - النسيان والعمد سواء . قال علي : وهذا تقسيم لا دليل عليه . وقال أبو سليمان : النسيان في ذلك مرفوع ؛ فإن انكشف شيء من العورة عمدا بطلت الصلاة .

=====







كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

350 - مسألة : والعراة بعطب ، أو سلب ، أو فقر : يصلون كما هم في جماعة في صف خلف إمامهم ، يركعون ، ويسجدون ، ويقومون ، ويغضون أبصارهم . ومن تعمد في صلاته ؛ تأمل عورة رجل ، أو امرأة محرمة عليه : بطلت صلاته ؛ فإن تأملها ناسيا لم تبطل صلاته ، ولزمه سجود السهو . فإن تأمل عورة امرأته ، فإن ترك الإقبال على صلاته عامدا لذلك : بطلت صلاته ؛ كما لو فعل ذلك لسائر الأشياء ولا فرق ؛ وإن لم يترك لذلك الإقبال على صلاته : فصلاته تامة ، ولا شيء عليه . برهان ذلك - : قول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقوله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . فإذ هم غير مكلفين ما لا يقدرون عليه من ستر العورة : فهم مخاطبون بالصلاة كما يقدرون ، وبالإمامة فيها في جماعة ؛ فسقط عنهم ما لا يقدرون عليه ، وما ليس في وسعهم ، وبقي عليهم ما يستطيعون لقول رسول الله ﷺ { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . وأما من تأمل في صلاته عورة - لا يحل له النظر إليها - : فإن صلاته تبطل لأنه عمل فيها عملا لا يحل له ؛ فلم يصل كما أمر ، ومن لم يصل كما أمر فلم يأت بالصلاة التي أمره الله تعالى بها ؛ قال رسول الله ﷺ : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . فإن فعل ذلك ناسيا فعليه سجود السهو ؛ لأنه زاد في صلاته نسيانا ما لو عمده لبطلت صلاته . وأما إذا تأمل عورة أبيح له النظر إليها فهي من جملة الأشياء التي لا بد له من وقوع النظر على بعضها في الصلاة ؛ ولا فرق بين مباح ومباح . فإن اشتغل بشيء من ذلك كله عن صلاته عمدا فقد عصى الله تعالى ، ولم يصل كما أمر - وبالله تعالى التوفيق . وقال أبو حنيفة : يصلي العراة فرادى قعودا يومئون للسجود والركوع فإن صلوا جماعة أجزأهم إلا أنهم يقعدون ويقعد الإمام في وسطهم . وقال بعض العلماء بقوله : أنهم إن صلوا قياما أجزأهم عند أبي حنيفة وأصحابه . وقال مالك : يصلون فرادى ، يتباعد بعضهم عن بعض قياما ، فإن كانوا في ليل مظلم صلوا في جماعة قياما ، يقف إمامهم أمامهم . وقال الشافعي : يصلي العراة فرادى ، أو جماعة قياما يركعون ويسجدون ويقوم إمامهم وسطهم ، ويغضون أبصارهم ؛ ويصرف الرجال وجوههم عن النساء ، والنساء وجوههن عن الرجال ، ولا إعادة على أحد منهم . وقال زفر بن الهذيل : يصلون قياما يركعون ويسجدون ، ولا يجزيهم غير ذلك - وقال أبو سليمان كقولنا . قال علي : قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي خطأ ؛ لأنها أقوال لم تخل من إسقاط أن يصلوا جماعة وهذا لا يجوز . أو من إسقاط القيام والركوع والسجود ، وهذا باطل . أو من إسقاط حق الإمام في تقدمه ؛ وهذا لا يجوز . وغض البصر يسقط كل ما شغبوا به في هذه الفتيا . وقول أبي حنيفة أكثرها تناقضا . والعجب أنهم بكل ذلك لا يوارون جميع عوراتهم من الأفخاذ وغيرها ، فكيف والنص قد ورد بما قلنا . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن شاذان ثنا زكريا بن عدي ثنا عبيد الله بن عمرو هو الرقي - عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : { يا معشر النساء ، إذا سجدتن فاحفظوا أبصاركم ، لا ترين عورات الرجال ؛ من ضيق الأزر } . قال علي : هكذا في كتابي عن حمام ، وبالله ما لحن رسول الله ﷺ ولولا أن ممكنا أن يخاطب رسول الله ﷺ النساء ومن معهن من صغار أولادهن لما كتبناه إلا " فاخفضن أبصاركن " . فهذا نص على أن الفقراء من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون بعلم رسول الله ﷺ ومعه ، وليس معهم من اللباس ما يواري عورتهم ، ولا يتركون القعود ولا الركوع ولا السجود ؛ إلا أن الأمر بغض البصر لازم في كل ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

351 - مسألة : واستقبال جهة الكعبة بالوجه والجسد فرض على المصلي حاشا المتطوع راكبا ، فمن كان مغلوبا بمرض أو بجهد أو بخوف أو بإكراه فتجزيه صلاته كما يقدر ؛ وينوي في كل ذلك التوجه إلى الكعبة برهان ذلك - : قوله تعالى { فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } . والمسجد الحرام في المبدأ : إنما هو البيت فقط ؛ ثم زيد فيه الشيء بعد الشيء . ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن امرءا لو كان بمكة بحيث يقدر على استقبال الكعبة في صلاته - : فصرف وجهه عامدا عنها إلى أبعاض المسجد الحرام من خارجه أو من داخله فإن صلاته باطل ، وأنه إن استجاز ذلك : كافر - وقد ذكرنا التطوع على الدابة قبل وأما المريض والجاهل والخائف والمكره فإن الله تعالى يقول : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال رسول الله ﷺ { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم . }

352 - مسألة : ويلزم الجاهل أن يصدق في جهة القبلة من أخبره من أهل المعرفة إذا كان يعرفه بالصدق ؛ لأن هذا لا سبيل لمن غاب عن موضع القبلة إلى معرفة جهتها إلا بالخبر ؛ ولا يمكن غير ذلك . نعم ، ومن كان حاضرا فيها فإنه لا يعرف أن هذه هي الكعبة إلا بالخبر ولا بد ؛ وهذا من الشريعة التي قد ذكرنا البرهان على وجوب قبول خبر الواحد العدل فيها .

353 - مسألة : فمن صلى إلى غير القبلة ممن يقدر على معرفة جهتها - عامدا أو ناسيا - بطلت صلاته ، ويعيد ما كان في الوقت ، إن كان عامدا ، ويعيد أبدا إن كان ناسيا برهان ذلك - : أن هذين مخاطبان بالتوجه إلى المسجد الحرام في الصلاة ؛ فصليا بخلاف ما أمرا به ، ولا يجزئ ما نهى الله تعالى عنه عما أمر عز وجل به ، فقد ذكرنا الحجة في أمر الناسي قبل فإن ذكر ذاكر : حديث أهل قباء رضي الله عنهم ، وأنهم ابتدءوا الصلاة إلى بيت المقدس فأتاهم الخبر : بأن القبلة قد حولت إلى الكعبة فاستداروا - كما كانوا في صلاتهم - إلى الكعبة ، واجتزءوا بما صلوا إلى بيت المقدس من تلك الصلاة بعينها . قلنا : هذا خبر صحيح ، ولا حجة فيه علينا ؛ ولا نخالفه ولله الحمد - : أول ذلك - أنه ليس فيه : أن رسول الله ﷺ علم ذلك فأقره ، ولا حجة إلا في القرآن ، أو في كلامه عليه السلام . أو في عمله أو فيما علم عليه السلام من عمل غيره فلم ينكره ، وإنما العجب من المالكيين الذين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم ؛ ثم قد خالفوا ههنا عمل طائفة عظيمة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف قال علي : أهل قباء رضي الله عنهم كان الفرض عليهم أن يصلوا إلى بيت المقدس ؛ فلو أنهم صلوا إلى الكعبة : لبطلت صلاتهم بلا خلاف . ولا تلزم الشريعة إلا من بلغته ، لا من لم تبلغه ، قال الله تعالى : { لأنذركم به ومن بلغ } . ولا شك عند أحد من الجن والإنس ، ولا الملائكة : أن من كان من المسلمين بأرض الحبشة ، أو بمكة من المستضعفين فإنهم تمادوا على الصلاة إلى بيت المقدس مدة طويلة - : أما أهل مكة فأياما كثيرة بعد نزول تحويل القبلة . وأما من بالحبشة : فلعلهم صلوا عاما أو أعواما حتى بلغهم تحويل القبلة ؛ فحينئذ لزمهم الفرض ، لا قبل ذلك ، فإنما لزم أهل قباء التحول حين بلغهم لا قبل ذلك فانتقلوا عن فرضهم إلى فرض ناسخ لما كانوا عليه ؛ وهذا هو الحق الذي لا يحل لأحد غيره ، وأما من بلغه فرض تحويل الكعبة وعلمه وكان مخاطبا به ولم يسقط تكليفه عنه لعذر مانع - : فلم يصل كما أمر ومن لم يصل كما أمر فلم يصل ؛ لأنه لا يجزئ ما نهى الله عنه عما أمر الله تعالى به ، وقال أبو حنيفة : من صلى في غير مكة إلى غير القبلة مجتهدا ولم يعلم إلا بعد أن سلم أجزأته صلاته . فإن صلى في ظلمة متحريا ولم يسأل من بحضرته ، ثم علم أنه صلى إلى غير القبلة : أعاد - وهو فرق فاسد ؛ لأن التحري نوع من الاجتهاد ، وقال مالك : من علم أنه صلى إلى غير القبلة ؛ فإن كان مستدبرا لها : أعاد ، وإن كان في الصلاة : قطع وابتدأ . وإن كان منحرفا إلى شرق أو غرب : لم يعد ، وبنى على ما صلى وانحرف وهذا فرق فاسد ؛ لأنه لا فرق عند أحد من الأمة في تعمد الانحراف عن القبلة أنه مبطل للصلاة ، وكبيرة من الكبائر كالاستدبار لها ولا فرق ، وأهل قباء كانوا مستدبرين إلى القبلة . ولا نعلم هذا التفريق - الذي فرقه أبو حنيفة ، ومالك - : عن أحد قبلهما ، وقال الشافعي : من خفيت عليه الدلائل والمحبوس في الظلمة ، والأعمى الذي لا دليل له - : يصلون إلى أي جهة أمكنهم ، ويعيدون إذا قدروا على معرفة القبلة . قال علي : وهذا خطأ ؛ لأنه إذا أمره بالصلاة لا يخلو من أن يكون أمرهم بصلاة تجزئ عنهم كما أمرهم الله بها أو أمرهم بصلاة لا تجزئ عنهم ، ولا أمرهم الله تعالى بها ولا سبيل إلى قسم ثالث - : فإن كان أمرهم بصلاة تجزئ عنهم ، وبالتي أمرهم الله تعالى بها ؛ فلأي معنى يصلونها ثانية ، وإن كان أمرهم بصلاة لا تجزئ عنهم ، ولا أمرهم الله تعالى بها ؛ فهذا أمر فاسد ، ولا يحل لآمره الأمر به ، ولا للمأمور به الائتمار به ، وقال أبو سليمان : تجزئهم على كل حال ، ويبنون إذا عرفوا وهم في الصلاة ، وقد ذكرنا الفرق آنفا . فإن قال قائل ، قد روي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة { كنا مع رسول الله ﷺ في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا حياله ، فأصبحنا : فذكرنا ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى : { فأينما تولوا فثم وجه الله } . } وعن عطاء عن جابر بن عبد الله : { كنا في سرية فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فذكر : أنهم خطوا خطوطهم في جهات اختلافهم ؛ فلما أصبحوا أصبنا تلك الخطوط لغير القبلة ، فسألنا النبي ﷺ فأنزل الله تعالى : { فأينما تولوا فثم وجه الله } } فإن هذين الخبرين لا يصحان ؛ لأن حديث عبد الله بن عامر لم يروه إلا عاصم بن عبيد الله ولم يرو حديث جابر إلا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء - ، وعاصم وعبد الملك ساقطان . ثم لو صحا لكانا حجة لنا ؛ لأن هؤلاء جهلوا ، وصلاة الجاهل تامة ؛ وليس الناسي كذلك - وبالله تعالى التوفيق .

=======




كتـاب الصلاة


أوقـــات الصـلاة

354 - مسألة : والنية في الصلاة فرض - : إن كانت فريضة : نواها باسمها وإلى الكعبة في نفسه قبل إحرامه بالتكبير ، متصلة بنية الإحرام ، لا فصل بينهما أصلا ، وإن كانت تطوعا نوى كذلك : أنها تطوع ؛ فمن لم ينو كذلك فلا صلاة له برهان ذلك - : قول رسول الله ﷺ : { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } وقد ذكرناه بإسناده قبل . وقول الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } . والصلاة عبادة لله تعالى . لو جاز أن يفصل بين النية وبين الدخول في الصلاة بمدة يسيرة - ولو دقيقة أو قدر اللحظة - لجاز بمثل ذلك وبأكثر ، حتى يجوز الفصل بينهما بسنة أو سنتين ، وهذا باطل أو يحد المخالف حدا برأيه لم يأذن به الله تعالى ، ولو جاز أن تكون النية مع التكبير غير متقدمة عليه لكان أول جزء من الدخول فيها بلا نية ؛ لأن معنى النية : القصد إلى العمل ؛ والقصد إلى العمل بالإرادة متقدم للعمل . وقال مالك : يجوز تقديم النية قبل الدخول في الصلاة ، ولا بد لمن قال بهذا من تحديد مقدار مدة التقدم الذي تجوز به الصلاة ، والذي تبطل به الصلاة ، وإلا فهم على عمى في ذلك ، وقال الشافعي : لا تجزئ النية إلا مخالطة للتكبير ، لا قبله ولا بعده ؛ وهذا خطأ لما ذكرناه ، والذي قلناه هو قول داود ، وأبي حنيفة . إلا أن أبا حنيفة لم يجز الصلاة إلا بنية لها ؛ وأجاز الوضوء لها بلا نية ؛ وهذا تناقض .

355 - مسألة : فإن انصرفت نيته في الصلاة ناسيا إلى غيرها ، أو إلى تطوع ، أو إلى خروج عن الصلاة : ألغى ما عمل من فروض صلاته كذلك وبنى على ما عمل بالنية الصحيحة وأجزأه ، ثم سجد للسهو . فإن لم يكن ذلك منه إلا في عمل من صلاته لو تركه لم تبطل بتركه الصلاة لم يلزمه إلا سجود السهو فقط ؛ لأنه قد وفى جميع الأعمال التي أمر بها في الصلاة كما أمره الله تعالى ؛ إلا أنه زاد في صلاته ناسيا عملا لو زاده عمدا بطلت صلاته ؛ وفي هذا يجب سجود السهو .

356 - مسألة : والإحرام بالتكبير : فرض ، لا تجزئ الصلاة إلا به - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد هو القطان - عن عبيد الله هو ابن عمر حدثني سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة : { أن رسول الله ﷺ دخل المسجد فدخل رجل فصلى فذكر الحديث . وفيه : أن رسول الله ﷺ قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، ثلاث مرات ، فقال : والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني ، قال رسول الله ﷺ : إذا قمت إلى الصلاة فكبر } . فقد أمر بتكبير الإحرام ، فمن تركه فلم يصل كما أمر ، ومن لم يصل كما أمر فلم يصل ، كما قال رسول الله ﷺ وبإيجاب التكبير للإحرام يقول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وداود . وقال أبو حنيفة : يجزئ عن التكبير ذكر الله تعالى كيف ذكر ، مثل " الله أعظم " ونحو ذلك . وأجازوا ذلك أيضا في الأذان . ولم يجيزوا الصلاة إذا افتتحت ب " الله أعلم " . وهذا تخليط وهدم للإسلام ، وشرائع جديدة فاسدة ، قال علي : واحتج مقلدوه في ذلك بقول الله تعالى : { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى } . قال علي : ليس في هذه الآية عمل الصلاة وصفتها والحديث المذكور : فيه عمل الصلاة التي لا تجزئ إلا به ، فلا يعترض بالآية عليه ؛ بل في الآية دليل أن ذلك الذكر لاسم الله تعالى هو غير الصلاة ؛ لأنه تعالى قال : { فصلى } فعطف الصلاة على ذكر اسمه ؛ فصح أنه قبل الصلاة ؛ مثل قوله تعالى : { أقم الصلاة لذكري } فهذا الذكر لاسم الله تعالى هو القصد إليه تعالى بالنية في أدائها له عز وجل

357 - مسألة : ويجزئ في التكبير : الله أكبر ، والله الأكبر ، والأكبر الله ، والكبير الله ، والله الكبير ، والرحمن أكبر - وأي اسم من أسماء الله تعالى ذكرنا بالتكبير . ولا يجزئ غير هذه الألفاظ ؛ لأن النبي ﷺ قال : " فكبر " . وكل هذا تكبير ، ولا يقع على غير هذا لفظ : " التكبير " ؛ وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وداود وقال مالك : لا يجزئ إلا " الله أكبر " وهذا تخصيص للتكبير بلا برهان ، وقد ادعى بعضهم : أن في الحديث : " إذا قمت إلى الصلاة فقل : الله أكبر " قال علي : وهذا باطل ما عرف قط ؛ ولو وجدناه صحيحا لقلنا به . فإن قالوا : بهذا جرى عمل الناس ، قلنا لهم : ما جرى عمل الناس إلا بترتيب الوضوء كما في الآية ، وأنتم تجيزون تنكيسه ، وما جرى عمل الناس قط في الوضوء إلا بالاستنشاق والاستنثار مع صحته من أمر النبي ﷺ . وأنتم تقولون : من تركها فوضوءه تام وصلاته تامة ؛ وما جرى عمل الناس قط إلا بقراءة سورة مع أم القرآن في الصبح والأوليين من الصلوات البواقي ، وأنتم تقولون : إن ترك السورة فصلاته تامة . وما جرى عمل الأمة إلا برفع اليدين مع تكبيرة الإحرام . وأنتم تقولون : إن لم يرفع يديه فصلاته تامة ؛ فترى العمل إنما يكون حجة إذا شئتم ، لا إذا لم تشاءوا ، ومثل هذا كثير جدا - وبالله تعالى التوفيق .

358 - مسألة : ورفع اليدين للتكبير مع الإحرام في أول الصلاة : فرض ، لا تجزئ الصلاة إلا به - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي - ثنا أيوب هو السختياني - عن أبي قلابة ثنا مالك بن الحويرث أن رسول الله ﷺ قال له ولمن معه : { صلوا كما رأيتموني أصلي } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل الجحدري ثنا أبو عوانة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث : { أن رسول الله ﷺ كان إذا كبر رفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا سليمان بن الأشعث ثنا أحمد بن حنبل ثنا سفيان هو ابن عيينة - عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه : { رأيت رسول الله ﷺ إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه } . وذكر الحديث . فإن قيل : فهلا أوجبتم بهذا الاستدلال نفسه رفع اليدين عند كل رفع وخفض فرضا ؟ قلنا : لأنه قد صح أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه عند كل خفض ورفع ، وأنه كان لا يرفع . حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا زهير بن حرب أبو خيثمة ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة بن عبد الله بن مسعود قال : { ألا أريكم صلاة رسول الله ﷺ فرفع يديه في أول تكبيرة ثم لم يعد } . فلما صح أنه عليه السلام كان يرفع في كل خفض ورفع بعد تكبيرة الإحرام ولا يرفع ، كان كل ذلك مباحا لا فرضا ، وكان لنا أن نصلي كذلك ، فإن رفعنا صلينا كما كان رسول الله ﷺ يصلي ، وإن لم نرفع فقد صلينا كما كان عليه السلام يصلي وروينا من طريق عبد الرزاق حدثني أحمد بن حنبل عن الوليد بن مسلم عن زيد بن واقد سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول : كان ابن عمر إذا رأى مصليا لا يرفع يديه في الصلاة حصبه وأمره أن يرفع يديه قال علي : ما كان ابن عمر ليحصب من ترك ما له تركه ، وقد روي إيجاب رفع اليدين في الإحرام للصلاة فرضا عن الأوزاعي - وهو قول بعض من تقدم من أصحابنا

359 - مسألة : وقراءة أم القرآن : فرض في كل ركعة من كل صلاة إماما كان أو مأموما أو منفردا - والفرض والتطوع سواء ، والرجال والنساء سواء - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد الفربري ثنا البخاري ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان بن عيينة ثنا الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أن رسول الله ﷺ قال : { لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } . فإن قيل : فمن أين أوجبتموها فرضا في كل ركعة . قلنا : لما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله هو ابن عمر - ثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة ، فذكر حديث الذي أمره النبي ﷺ أن يعيد الصلاة ، فأخبره أنه لا يحسن غير ذلك فقال له رسول الله ﷺ إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " . فوجب بهذا الأمر فرضا أن يفعل في باقي صلاته في كل ركعة مثل هذا .


360 - مسألة : ولا يجوز للمأموم أن يقرأ خلف الإمام شيئا غير أم القرآن - : لما حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن سلم ثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ثنا يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال : { صلى بنا رسول الله ﷺ الفجر ، فلما انصرف قال : تقرءون خلفي قلنا : نعم يا رسول الله هذا ، قال : لا تفعلوا إلا بأم الكتاب ، فإنه لا صلاة إلا بها } . وممن قال بإيجاب أم القرآن كما ذكرنا جماعة من السلف روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سليمان الشيباني عن جواب عن يزيد بن شريك أنه قال لعمر بن الخطاب : أقرأ خلف الإمام ؟ قال له عمر : نعم ، قال : وإن قرأت يا أمير المؤمنين قال : نعم ، وإن قرأت . وعن الحجاج بن المنهال حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عباية بن رداد عن عمر بن الخطاب قال : لا تجوز ولا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب وشيء معها فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، أرأيت إن كنت خلف إمام أو بين يدي إمام قال : اقرأ في نفسك وعن أبي عوانة عن سليمان عن خيثمة عن عمر قال : لا تجزئ صلاة ، أو لا تجوز صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ومن طريق وكيع عن عبد الله بن عون عن رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع قال : صليت صلاة وإلى جنبي عبادة بن الصامت فقرأ فاتحة الكتاب فلما انصرف قلت : أبا الوليد ، ألم أسمعك قرأت فاتحة الكتاب قال : أجل ، إنه لا صلاة إلا بها وعن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن العيزار بن حريث عن ابن عباس قال : اقرأ خلف الإمام فاتحة الكتاب وعن عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان عن ليث عن عطاء عن ابن عباس قال : لا بد أن يقرأ خلف الإمام فاتحة الكتاب ؛ جهر أو لم يجهر وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع : أن ابن عمر لم يكن يدع أن يقرأ أم القرآن في كل ركعة من المكتوبة . وعن غيرهم أيضا . وعن أبي هريرة : اقرأ بها في نفسك . وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : اقرأ بأم القرآن في كل ركعة ، أو يقول في كل صلاة . وعن عروة بن الزبير أيضا . وعن معاذ عن عبد الله بن عون عن رجاء بن حيوة أنه كان يقول : إن كان خلف الإمام فجهر أو لم يجهر فلا بد من قراءة فاتحة الكتاب . وعن حجاج بن المنهال ثنا أبو هلال الراسبي قال : سأل جار لنا الحسن قال : أكون خلف الإمام يوم الجمعة فلا أسمع قراءته قال : اقرأ بفاتحة الكتاب ، قال الرجل : وسورة قال : يكفيك ذلك الإمام . وعن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : للإمام سكتتان فاغتنموا القراءة فيهما بفاتحة الكتاب ، حين يكبر الإمام إذا دخل في الصلاة وحين يقول : { ولا الضالين } . والروايات ههنا تكثر جدا وقال أبو حنيفة : ليس قراءة أم القرآن فرضا ، وإن قرأ الإمام والمنفرد مثل : " آية الدين " ونحوها ولم يقرأ أم الكتاب أجزأه والقراءة عنده فرض في ركعتين من الصلاة فقط إما الأوليين أو الأخريين ، وإما واحدة في الأوليين وواحدة في الأخريين ، ولا يقرأ المأموم شيئا أصلا ، أجهر الإمام أو أسر . وقال مالك : قراءة أم القرآن فرض في جمهور الصلاة على الإمام والمنفرد فإن تركاه في ركعة ، فقد اختلف قوله ، فمرة رأى أن يلغي الركعة ويأتي بأخرى ومرة رأى أن يجزئ عنه سجود السهو . وأجاز للمأموم أن يقرأ خلف الإمام أم القرآن وسورة إذا أسر الإمام في الأوليين من الظهر والعصر ، وبأم القرآن وحدها في كل ركعة يسر فيها من كل صلاة . واختار له ذلك ، ولم ير له أن يقرأ شيئا في كل ركعة يجهر فيها الإمام . وقال الشافعي في آخر قوليه كقولنا - وهو قول الأوزاعي ، والليث بن سعد . واختلف أصحابنا - : فقالت طائفة : فرض على المأموم أن يقرأ أم القرآن في كل ركعة - أسر الإمام أو جهر - وقالت طائفة : هذا فرض عليه فيما أسر فيه الإمام خاصة ؛ ولا يقرأ فيما جهر فيه الإمام ولم يختلفوا في وجوب قراءة أم القرآن فرضا في كل ركعة على الإمام والمنفرد . قال علي : احتج من لم ير أم القرآن فرضا بقول الله تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } وبتعليم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم للذي أمره بالإعادة فقال له : { اقرأ ما تيسر معك من القرآن } . قال علي : حديث عبادة يبين هذا الخبر الآخر ؛ وأن المراد بإيجاب قراءته ما تيسر من القرآن : هو أم القرآن فقط . وكأن من غلب حديث عبادة قد أخذ بالآية وبالأخبار كلها ؛ لأن أم القرآن مما تيسر من القرآن . وكأن من غلب قوله عليه السلام : { فاقرأ ما تيسر معك من القرآن } قد خالف حديث عبادة ؛ وأجاز صلاة أبطلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا لا يجوز ، لا سيما تقسيم أبي حنيفة بين إجازته قراءة آية طويلة ، أو ثلاث آيات ، ومنعه مما دونها . فهذا قول ما حفظ عن أحد قبله ، ولا على صحته دليل ؛ وهو خلاف للقرآن ، ولجميع الآثار - وله قول آخر : إن ما قرأ من القرآن أجزأه واحتج من رأى : أن لا يقرأ المأموم خلف الإمام الجاهر بقول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } . قال علي : وتمام الآية حجة عليهم ؛ لأن الله قال : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } قال علي : فإن كان أول الآية في الصلاة فآخرها في الصلاة ؛ وإن كان آخرها ليس في الصلاة فأولها ليس في الصلاة ؛ وليس فيها إلا الأمر بالذكر سرا وترك الجهر فقط ؛ وهكذا نقول وذكروا حديث ابن أكيمة أن رسول الله ﷺ قال : { مالي أنازع القرآن } - وفيه من قول الزهري : فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من القراءة . وهذا حديث انفرد به ابن أكيمة وقالوا : هو مجهول ؛ ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة ؛ لأن الأخبار واجب أن يضم بعضها إلى بعض ، وحرام أن يضرب بعضها ببعض ؛ لأن كل ما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فهو كله حق يصدق بعضه بعضا ، ولا يخالف بعضه بعضا فالواجب أن يؤخذ كلامه عليه السلام كله بظاهره كما هو ، كما قاله عليه السلام ؛ لا يزاد فيه شيء ، ولا ينقص منه شيء ، فلا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ولا ينازع القرآن ، وهذا نص قولنا ولله الحمد ؛ وما عدا هذا فزيادة في كلام رسول الله ﷺ ونقصان منه ، وذكروا أيضا : حديثا صحيحا من طريق ابن عجلان فيه { إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا قرأ فأنصتوا ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون } . فهذا خبر أول من ينبغي أن يستغفر الله تعالى عند ذكره من مخالفة هذا الحديث : الحنفيون والمالكيون ؛ لأنهم مخالفون لأكثر ما فيه ؛ فإنهم يرون التكبير إثر تكبير الإمام : لا معه للإحرام خاصة . ثم يرون سائر التكبير والرفع والخفض مع الإمام : لا قبله ولا بعده ؛ وهذا خلاف أمر رسول الله ﷺ في هذا الحديث : وفيه { إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا } فخالفوه إلى خبر كاذب لا يصح ، وإلى ظن غير موجود ، فمن العجب أن يحتجوا بقضية واحدة من قضاياه لا حجة لهم فيها ويتركوا سائر قضاياه التي لا يحل خلافها . قال علي : وأما نحن فإنه عندنا صحيح ، وبه كله نأخذ ، لأن تأليف كلام رسول الله ﷺ وضم بعضه إلى بعض والأخذ بجميعه - : فرض لا يحل سواه . وقد قال عليه السلام : " إذا قرأ الإمام فأنصتوا و { لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } فلا بد في جميع هذه الأوامر من أحد وجهين لا ثالث لهما - : إما أن يكون وجه ذلك أن يقول : إذا قرأ فأنصتوا ، إلا عن أم القرآن - كما قلنا نحن وإما أن يكون وجه ذلك أن يقول : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ، إلا إن قرأ الإمام - كما يقول بعض القائلين ، وإما أن يكون وجه ذلك أن يقول : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ، إلا أن يجهر الإمام - كما يقول آخرون ، قال علي : فإذ لا بد من أحد هذه الوجوه ؛ فليس بعضها أولى من بعض إلا ببرهان ، وأما بدعوى فلا فنظرنا في ذلك فوجدنا الحديث الذي قد ذكرناه من قول رسول الله ﷺ إذ انصرف من صلاة الفجر ، وهي صلاة جهر فقال : { أتقرءون خلفي ؟ قالوا : نعم ؛ هذا يا رسول الله ؛ قال : لا تفعلوا إلا بأم القرآن ، فإنه لا صلاة إلا بها } فكان هذا كافيا في تأليف أوامره عليه السلام ؛ لا يسع أحدا الخروج عنه . وقد موه قوم بأن قالوا : هذا خبر من رواية ابن إسحاق ، ورواه مكحول مرة عن محمود بن الربيع عن عبادة ؛ ومرة عن نافع بن محمود بن الربيع عن عبادة قال علي : وهذا ليس بشيء ؛ لأن محمد بن إسحاق أحد الأئمة ، وثقه الزهري - وفضله على من بالمدينة في عصره - وشعبة ، وسفيان ، وسفيان وحماد ؛ وحماد ويزيد ، ويزيد وإبراهيم بن سعد ، وعبد الله بن المبارك وغيرهم . قال فيه شعبة : محمد بن إسحاق أمير المحدثين ، هو أمير المؤمنين في الحديث والعجب أن الطاعنين عليه ههنا هم الذين احتجوا بروايته التي لم يروها غيره في أن رسول الله ﷺ رد زينب على أبي العاص بالنكاح الأول بعد إسلامه ، فإذا روى ما يظنون أنه يوافق تقليدهم : صار ثقة ، وصار حديثه حجة ؛ وإذا روى ما يخالفهم : صار مجرحا و { حسبنا الله ونعم الوكيل } وأما رواية مكحول هذا الخبر مرة عن محمود ومرة عن نافع بن محمود فهذا قوة للحديث لا وهن ؛ لأن كليهما ثقة . وحتى لو لم يأت هذا الخبر لما وجب بقوله عليه السلام : { إذا قرأ فأنصتوا } إلا ترك القراءة حين قراءته ، ويبقى وجوب قراءتها في سكتات الإمام فكيف وهذه اللفظة - : يعني { إذا قرأ فأنصتوا } قد أنكرها كثير من أئمة الحديث وقالوا : إن محمد بن غيلان أخطأ في إيرادها ، وليست من الحديث ، قال ذلك ابن معين وغيره . قال علي : وأما نحن فلا نقول فيما رواه الثقة : إنه خطأ ؛ إلا ببرهان واضح ؛ لكن وجه العمل هو ما أردنا - وبالله تعال التوفيق . قال علي : وقال بعضهم : معنى قوله عليه السلام : { لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } إنما معناه لا صلاة كاملة ، كما جاء { لا إيمان لمن لا أمانة له } قال علي : وهذا لا متعلق لهم به ، لأنه إذا لم تتم صلاة أو لم تكمل : فلا صلاة له أصلا ؛ إذ بعض الصلاة لا ينوب عن جميعها . وكذلك من لا أمانة له ؛ فالأمانة : هي الشريعة كلها ؛ قال الله تعالى { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } . فنعم : من لا أمانة له فلا إيمان له ؛ ومن لا شريعة له فلا دين له - هذا ظاهر اللفظين الذي لا يحل صرفهما عنه . وقد أقدم آخرون فقالوا : معنى قوله عليه السلام : { لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن } إنما هو على التغليظ قال علي : وهذا تكذيب لرسول الله ﷺ مجرد . ومن كذبه عليه السلام : فقد كفر ؛ ولا أعظم من كفر من يقول : إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غلظ بهذا القول وليس هو حقا . قال علي : وقد جاءت أحاديث ساقطة كلها فيها { من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة } وفي بعضها " ما أرى الإمام إلا قد كفاه " . وكلها إما مرسل ؛ وإما من رواية جابر الجعفي الكذاب ، وإما عن مجهول - ولو صحت كلها لكان قوله عليه السلام : { لا تفعلوا إلا بأم القرآن } كافيا في تأليف جميعها ، فإن ذكر ذاكر : حديثا رويناه من طريق البزار عن محمد بن بشار عن أبي عامر العقدي ثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعد : { أمرنا رسول الله ﷺ أن نقرأ في صلاتنا بأم القرآن وما تيسر } فإنه عليه السلام لم يقل : وما تيسر من القرآن ؛ فإذا لم يقله فهو محمول على سائر الذكر . وهكذا نقول بوجوب الذكر في الركوع ، والسجود ، ووجوب التكبير . على أننا قد روينا عن عمران بن الحصين ، وعثمان بن أبي العاص : لا تتم صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، وثلاث آيات فصاعدا ، وعن شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن عباية بن رداد سمعت عمر بن الخطاب يقول : لا تجزئ صلاة إلا بآيتين مع أم القرآن فإن كنت خلف إمام فاقرأ في نفسك . وقد روينا خلاف هذا عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : أن عمر بن الخطاب قال - وقد صلى المغرب بالناس ولم يقرأ شيئا - : أليس قد أتممت الركوع والسجود . ؟ قالوا : بلى ؛ فلم يعد الصلاة ومن طريق الحارث عن علي : أن رجلا جاء فقال : إني صليت ولم أقرأ ، قال : أتممت الركوع والسجود ؟ قال له : نعم ؛ قال له علي : تمت صلاتك ؛ ما كل أحد يحسن أن يقرأ ، قال علي بن أحمد : لا حجة في قول أحد بعد رسول الله ﷺ .

======= ===

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مكتبات الكتاب الاسلامي

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أ...